بروح جديدة أبحر مصطفي محرم في كتاب صلاح عيسي «رجال ريا وسكينة» ثم غاص بمهارة المحترف في أعماق شخوص الحكاية كي يستكشف تاريخها وروحها وجوهرها ليخرج علينا بدراما تليفزيونية ذات بصمة خاصة .. لم يرتكن الكاتب المخضرم إلي الروايات القديمة التي قدمتها الأعمال السينمائية ثم المسرحية عن السفاحتين وإنما أصر علي تقديم نسخة تليفزيونية متفردة ذات بناء درامي واقعي .. بحث «محرم» عن جذور الحكاية الأصلية، وبرغم أنه لم يقدم مشهدًا واحداً عن طفولة الشقيقتين إلا أنه وضع يده وأيدينا علي بذرة المأساة وتمثلت في صورة الأم الفقيرة التي كان الجوع يدفعها إلي سرقة الأوز أو الدجاج، وكذا صورة الشقيق فاقد النخوة والقيم الذي يغض بصره عن انحراف شقيقته - سكينة - لأنها تسد رمقه بثمرة فاكهة أو تسد حاجته ببضعة قروش ملوثة بدم شرفه المسفوح، سارت سكينة إلي الهاوية حينما اجتمعت أنوثتها المتفجرة إلي جانب فقرها المدقع .. عرفت طعم الحياة التي طالما اشتاقت إلي تذوقها مع وقوعها في هوي عبدالعال الذي روي ظمأها النفسي والجسدي لكن هاوية أخري شدتها إلي وحل الجريمة بفعل الفاقة التي جذبت شقيقتها إلي ذات المصير ، «ريا» نالت حظاً وافرًا من الذكاء وعلي العكس تماماً كان حظها مع الرجال فقد مات زوجها الأول - الذي لم تحبه أصلا - سريعًا بسبب مرضه ، ثم خاب أملها في زوجها الثاني بعدما أكتشفت أنه رضي بالعيش معها فقط مقابل أن تنفق عليه ، درب الفقر والقهر المظلم والخالي من أي شعاع للأمل أو السند هو الذي رسم لريا وسكينة طريق الدم ، وقد برع الكاتب في تجسيد معالم هذا الدرب وقدم بناء متماسكًا منطقياً أجاب علي التساؤل الصعب .. كيف يمكن أن يتحول الإنسان إلي كائن دموي يستهين بكل القيم والمشاعر ويضعها أسفل أقدم حذاء رخيص؟ أصعب مراحل النص تمثل في الفترة السابقة علي ارتكاب ريا وسكينة لأولي جرائمهما وقد تجاوزه الكاتب ببراعة بنجاحه في تجسيد مدي المعاناة والضياع اللذين واجهتهما الشقيقتان وإن أخذت عليه بعض الإطالة في تلك المنطقة الدرامية (التنقل المتعدد بين الشقق والمهن والأعمال التي اشتغل بها أفراد العصابة) ، كما كان من الممكن اختصار مرحل استعراض الجرائم والضحايا والتي أدي الأستطراد فيها إلي وقوع النص في خطأ درامي واضح حيث تشابهت قصتا ضحيتين من بين ضحايا السفاحتين بشكل شبه تام حيث وقفت غيرة سكينة من الضحيتين - علي حبيبها عبدالعال - وراء اندفاعها للتخلص منهما بمساعدة الرفاق بالطبع ، ومعروف أن التشابه - أو التكرار- في الخطوط الدرامية أمر مكروه فنياً، أما الحوار فجاء متدفقاً بسيطاً عفوياً دونما لغو أو إطناب كما اتسمت مفرادته بدقة ملائمتها للعصر الذي دارت خلاله الأحداث (الربع الأول من القرن العشرين) وكذا لأهل المكان (منطقة بحري الشعبية) بطبيعتهم وثقافتهم ومفرداتهم ، واجتهد مصطفي محرم بوضوح في رسم شخصيات عمله ونسج التمايزات بينهم بدا هذا جليًا في تجسيد شخصيتي «ريا» قاسية القلب التي علمتها حوادث الأيام كيف تنسي إنسانيتها لتقسو علي العالم كله وتراه عبداً لسيد واحد وهو المال. و«سكينة» الفاتنة التي أدمنت الخمر و«الهوي» وبرسق المال فأفقدها الأول رشدها وقادها الهوي إلي جحيم الخطيئة بينما أوصلها عشق الأخير إلي النهاية المحتومة، وعبدالعال الذي سقط في بحر عشق سكينة ففقد وعيه واستسلم لما جذبته إليها هي وشقيقتها، أما حسب الله فأتوقف عند رسم شخصيته التي بدت مع أولي الحلقات وكأنها لشهم نبيل أتي لنجدة أخيه وزوجته - ريا - ثم إذا بالعمل يقدمه في بقية الحلقات «نطعا» لا يبغي سوي العيش علي عرق زوجته. فإذا كان تطور الشخصيات أمراً سوياً وطبيعياً فإن تغيرها وتبدل أحوالها يحتاج إلي مبررات قوية ومنطق متماسك، ولا يكفي هنا الرد بما ورد بأحد حوارات العمل من أنه - أي حسب الله - كان حارساً غير أمين لأحدي المزارع فالافتقار إلي الأمانة شيء والاستكانة إلي العيش علي «قفا» الزوجة شيء آخر والافة الأولي لا ترهص بالضرورة بالإصابة بالآفة الثانية! ، ولكن وعلي الجانب الآخر توهج خيال «محرم» وهو يرسم ملامح الشخصيات الثانوية بتنوع به حس روائي بديع «صاحب محل الخمور - النُّصّ، والصبي الأعرج، والكفيف صاحب الدار» مما منح العمل مزيدًا من الثراء الإنساني والفني. من جانبه تعايش المخرج جمال عبدالحميد مع الحالة التي خلقها الكاتب، وقدم إيقاعا سريعًا عبر قطعات وحركة الكاميرات وأجاد تحريك ممثليه داخل المشاهد بحيوية واضحة، وبرع جمال كعادته في استغلال الإضاءة للتعبير عن طبيعة الشخوص وأجواء المشاهد ولتكثيف حالة الإثارة التي سيطرت علي العمل (إضاءة حجرة ريا خلال مشاهد القتل، الإضاءة في مشاهد التحضير للجرائم، وكذا مشاهد الخمارة)، حالف التوفيق المخرج في اختياره للأبطال ونجح في إعادة اكتشاف ممثلين طالما قدموا أدواراً لم تترك بصمة وعلي رأسهم محمد شرف الذي برع جمال في استخراج كوامن موهبته في دور شقيق ريا وسكينة. كما أحسن المخرج بالاستعانة بالعديد من المقاطع الغنائية الشجية التي صاحبت وكثفت تأثير أصعب مشاهد العمل وأكثرها إثارة للمشاعر، أما الديكورات فقد تميزت بالدقة والملائمة لطبيعة الأماكن ومستوي الشخصيات فيما عدا ديكور «كراكون اللبان» الذي بدا من الخارج وكأنه واجهة لأحد قصور الأمراء. اختيار الملابس جاء ممتازًا وملائمًا لكل شخصية درامية بالمسلسل. حالة من الآداء التمثيلي الراقي استولت علي «الكاست» وبرغم أنني لست من دراويش عبلة كامل إلا أن تخليها عن التزيد والمبالغة في هذا العمل منح موهبتها فرصة للتجسد في صفاء وبساطة فبدت عملاقة بحق، سمية الخشاب أدت أروع أدوارها علي الإطلاق حيث وصلت إلي أرقي درجات الفهم والمعايشة الصادقة للدور، صلاح عبدالله ورجاء حسين .. مذاق خاص فريق، أحمد ماهر ورياض الخولي وسامي العدل .. اجتهاد واخلاص في الآداء، ليلي جمال وماجدة الخطيب منحتا مسحة الأصالة والتفاني رغم صغر مساحتي دوريهما، فتحي عبدالوهاب ظهر في حلقتين فقط وترك بصمة لا مراء فيها، إيهاب فهي .. ثقة وتمكن يزدادن مع كل عمل، محمد الصاوي .. نكهة مميزة أما محمود البزاوي فقدم واحدًا من أحلي أدواره ، شوقي شامخ - وحده - كان يؤدي دور الضابط «من غير نفس» ربما لأنه كان يطمع في دور أكبر يلائم تاريخه وقدراته. الموسيقار عمار الشريعي الذي انتقدت من قبل كثرة أعماله مع افتقارها إلي الإبداع وخاصة خلال الأعوام الأخيرة .. فقد استرد مع هذا المسلسل روح البداية والهواية فلحن وأدي بصوته الدافئ عددًا من المقاطع والرباعيات الشجية ذكرتنا بأجمل الأغنيات الدرامية التي قدمها في بداياته وعلي رأسها أغنيات مسلسل «عبدالله النديم» - مطلع الثمانينات - لذا نقول للشريعي .. عودٌ أحمدُ ، الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم لخص بإبداعه في أغنية الختام «مورال» العمل قائلا:« وهكذا وهكذا - الدنيا غابة ومنتزة - ناس قبلنا قالوا كلام - يا للعجب - ع الأصل دوّر حتي ف أمور النسب - مفيش جريمة بترتكب من غير سبب - ولا فيش وليد بيتفطم علي الأذي». * وأخيرا .. هو عمل يعد من أفضل ما قدمت شاشة الأولي خلال الشهور الأخيرة وسر نجاحه يكمن في كلمتين .. الصدق الفني. جريدة القاهرة في 15 أغسطس 2006
الفلسطيني محمد بكري.. يحمل همومه وتساؤلاته إلي إميل حبيبي: أرفض أن أكون لاجئا أجرت الحديث في باريس ــ علا الشافعي محمد بكري, ممثل فلسطيني الهوي والهوية, ينتمي لعرب48, فرضت عليه الجنسية الإسرائيلية, آمن بالسلام وصدقه, لا يتوقف عن العمل ما بين المسرح والسينما والتليفزيون والإخراج, وعلي الرغم من إيمانه العميق بالسلام ومحاولة التعايش إلا أنه تم اتهامه بالعنصرية, وتعرض للمحاكمة من قبل إسرائيل, وابن شقيقه يقضي عقوبة المؤبد في السجن الإسرائيلي, وقد يرجع ذلك لأنه لا يتوقف عن العمل وإعلان رأيه بصراحة ودون مواربة في جميع وسائل الإعلام وعلي أشرطة السينما والفيديو, عندما حدثت مجزرة جنين لم يقف مكتوفي الأيدي بل قدمها في فيلم جنين ـ جنين وحملها للعالم في فيلم إنساني نسج تفاصيله من قصص الأطفال الضحايا, وبقايا الخراب والدمار, وتعرض الفيلم للمنع وهوجم بكري في الصحافة الإسرائيلية, ولكن ما يحدث الآن من لخبطة سياسية, وتداخل في خيوط اللعبة جعله يحمل الكاميرا هذه المرة إلي قبر الكاتب إميل حبيبي ـ أبيه الروحي ـ محملا بالتساؤلات في فيلمه من يوم ما رحت الذي عرض في بينالي السينما العربية.الأهرام العربي التقت بكري في باريس خاصة وأن الفيلم أثار إشكالية وجدلا كبيرين. حول علاقته بإميل حبيبي يقول: علاقتي به بدأت في طفولتي المبكرة, عندما كان قائدا من قادة الحزب الشيوعي وأثناء الحكم العسكري, أذكر وقتها أنه كان خطيبا بارعا ولاذعا يهاجم الحكام والحكومات الإسرائيلية, وكنت كطفل عمره6 سنوات, حينها شديد الإعجاب به, وانتقل الإعجاب إلي أنني أصبحت قارئا نهما لكتاباته ودراساته. أما العلاقة الشخصية فبدأت عندما قدمت مسرحيته المتشائل عن نصه الشهير الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل منذ ذلك الحين تم عرض المسرحية مئات المرات وجمعتنا سفرات متعددة, من هنا تطورت العلاقة بيننا, وصارت علاقة مميزة مع قائد علمنا الصمود والعقلانية والتفاؤل رغم كل شيء. إميل شخصية إشكالية ورغم تطور الأوضاع السياسية علي عكس ما كان يقول إلا أنك تفتقده وتذهب إلي قبره لتقدم فيلما عبارة عن مرثية له وللوضع العربي, يعلق بكري بغض النظر عن كون إميل كاتب عظيم إلا أنه كان صاحب رؤية ثاقبة وسياسي مجرب وحكيم, وطالبنا جميعا بعدم مغادرة أوطاننا وهذا أهم إنجاز حققناه. ويضيف أما عن ذهابي إلي مقبرته فهو لأنني أشتاق إليه كثيرا, والفيلم كله عبارة عن شوق وحنين وتساؤلات, كلها تمر إنطلاقا من قبره, خاصة وأنني أصبحت في حيرة من أمري لأعرف كيف أتصرف؟ علي ماذا أربي أولادي, وكيف أواجه الآلة العسكرية الإسرائيلية وصواريخها تسقط علي رءوسنا؟ وماذا نفعل في إطار التخبط الموجود, لقد نفذنا عمليا ما أملاه إميل وبانفعال وضيق شديدين ردد: أولاد عمنا ما بيصلوا علي النبي بيدمروا فلسطين, وبيحرقوا لبنان وليس هناك من يحاسبهم! ويتساءل: عن نفسي لا أعرف هل أستمر في السينما والمسرح أم أرحل مع أولادي؟ جملة هذه التساؤلات تعلو منذ غياب إميل لذلك قررت أن أحملها في شريط تسجيلي وأذهب إلي قبره. قاطعته: ألا تعتقد في ظل تدهور الأوضاع أن التقديرات خانت إميل؟ لا أعتقد إنه أخطأ فبفضله نحن مازلنا نعيش في بلدنا المشوه, وعن نفسي أفضل أن أعيش في بلدي المشوه علي أن أكون لاجئا, ويضيف: صدقيني فكرة أن تكون لاجئا هي إهانة للحس الوطني والكرامة الإنسانية وطوال الوقت علي أن أسأل نفسي لماذا لا أجعلهم هم لاجئين هؤلاء الضيوف؟! قاطعته بعد كل هذه السنوات والوضع السياسي في المنطقة أمازلت تصفهم بالضيوف؟ يقول بانفعال نعم ضيوف فنحن لسنا أقلية, وهم الذين جاءوا علينا دون أن يدقوا بابنا, ولكن قد تكون هنا طريقة جديدة أقصد نوعا آخر من المقاومة علينا أن نجربه, ولن أجعلهم يحبطونني فأنا قوي بضعفي الإنساني. حول المشاكل الكثيرة التي تعرض لها بعد تقديم الفيلم علق: لا تعنيني المشاكل كثيرا أو اتهامي بالعنصرية وإلقاء القبض علي, المهم أن صوتي صار مسموعا ومؤثرا إلي درجة أنه صار يزعجهم. عن الإعداد للفيلم وكيفية إنجازه قال: الفيلم استغرق مني حوالي العام حتي أنهيته, فالمونتاج لوحده استغرق6 أشهر خاصة وأن هذه النوعية من الأفلام أقرب إلي العمليات الجراحية. محمد بكري, صاحب تجارب مهمة في السينما العالمية منها حناK وحاليا تحضر الفيلم مع الأخوين تافياني, يبتسم معلقا: السينما سلاح فعال, وتعد بمثابة وثيقة اجتماعية وسياسية, وكما استمتعت تماما بالعمل مع كوستا جافرس في حناK فالتجربة السينمائية مع تافياني, مهمة جدا في مشواري, فالاثنان واحد منهم عمره78, والآخر75, ومازالا قادرين علي العطاء, فهما عباقرة يقدرهما العالم كله, والسيناريو الذي نعمل عليه إنساني جدا وسياسي, والفيلم يضم ممثلين من فرنسا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا, وأنتظر الانتهاء منه وعرضه بفارغ الصبر* * ولد محمد بكري في الجليل عام1953 * تخرج من جامعة تل أبيب * عمل بالتمثيل المسرحي * من أعماله حنا.K لكوستا جافراس, حيفا, وخاص * أخرج أول أفلامه التسجيلية عن النكبة1948 و1998, وفيلم جنين ـ جنين الأهرام العربي في 19 أغسطس 2006
ضوء ... السينما واليهودي الذي يحتقر ذاته عدنان مدانات من المعروف تاريخياً أن ثمة موقفاً عنصرياً شعبياً أوروبياً مضاداً لليهود، والسبب لا يخفى على أحد ويتعدى الرواية التاريخية المرتبطة بدور اليهود في صلب السيد المسيح نحو استنكار ممارسات واقعية تتخصص بالديون الربوية التي اشتهر بها اليهود، وتمتد عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، وكان شكسبير أول من أفصح صراحة عن احتقار هذه الممارسة المتجذرة في الشخصية اليهودية من خلال شخصية المرابي اليهودي شايلوك في مسرحيته الشهيرة “تاجر البندقية”. على الرغم من ذلك فإن السينما الأوروبية والأمريكية تبرهن باستمرار على أنها تحت سيطرة أحفاد شايلوك، ولهذا السبب لم تجرؤ السينما الأوروبية والأمريكية على فعل ما جرؤ على فعله في أواسط القرن السادس عشر المسرحي الإنجليزي شكسبير عندما عمم مواصفات اليهودي الجشع عبر شخصية المرابي شايلوك الفاقد لإنسانيته لدرجة التحول إلى وحش بشري. يوجد في السينما الأمريكية استثناء واحد يرتبط بالموقف الساخر من الشخصية اليهودية ويتسم بصراحة خاصة، موقف جاء موقعا من قبل ممثل، ومؤلف ومخرج يهودي المولد لكنه ليس يهودي الانتماء بتأثير من والده اليساري الاشتراكي النزعة، عبّر عنه في أواسط سبعينات القرن العشرين في فيلم “ آني هول” الذي لعب فيه أيضا الدور الرئيسي. يبدأ فيلم “آني هول” بمشهد للمخرج وودي آلان نفسه في دور ممثل يقف أمام الجمهور ويتطلع الى الشاشة مباشرة ويخاطب مشاهدي الفيلم كما لو أنه في لقاء مباشر معهم. وهو يروي مجموعة نكات للمشاهدين، النكتة الثانية منها فيها إشارة واضحة للشخصية اليهودية يعبر وودي آلان من خلالها بشكل ساخر عن عزلة اليهودي اجتماعيا وواقع احتقار اليهودي لنفسه. يقول وودي آلان “النكتة الأخرى المهمة بالنسبة لي، هي التي تعزى عادة للممثلين الكوميديين الأخوة جروشو ماركس، لكني أعتقد أن أساسها الأصلي يرتبط بآراء فرويد حول “الوعي وعلاقته باللاوعي”، والتي تعبر عنها النكتة التالية: “أنا لا يمكن أن أوافق أبدا على الانضمام لأي ناد يمكن أن يقبل شخصا مثلي عضوا فيه”. ففي هذا الفيلم الذي يتضمن مشاهد كثيرة يعود فيها المخرج إلى ذكريات طفولته ونشأته في كنف أسرة يهودية، وهي مشاهد تتضمن إشارات ساخرة ناقدة تفضح تفكك التقاليد اليهودية وعيوب الشخصية اليهودية، يؤدي وودي آلان دور اليهودي المهزوز الشخصية الذي لا ينسجم مع العالم من حوله ويعاني من عجزه عن الاتصال مع الآخرين. وهذا ما يعكس نفسه في فشله في إقامة العلاقات مع النساء. وحين ينجح في إقامة علاقة مع فتاة أمريكية فهو لا يجد وسيلة لقضاء الوقت معها وتسليتها وصولا إلى إغوائها، غير اصطحابها لحضور فيلم في إحدى صالات السينما يدور موضوعه حول الاضطهاد النازي لليهود، وهو يظل يكرر دعوتها لحضور ذات الفيلم في كل مرة. وفي ليلة وبعد عودتهما من المشاهدة الثالثة للفيلم يظن أنها باتت جاهزة للاستلام لرغبته في ممارسة الغرام معها، غير أنها تصده وتعرض عن مداعباته مبررة ذلك بأنها لا ترغب في ذلك لأنها حزينة حيث صارت تسيطر عليها مشاعر عقدة الذنب تجاه اليهود بعد مشاهدتها للفيلم عدة مرات، فلا يستغرب ذلك بل يجيبها ساخراً بأن هذا بالضبط هو المطلوب وهذا هو الغرض من إنتاج مثل هذه الأفلام. وفي حين فاز هذا الفيلم في حينه بست من جوائز الأوسكار على الرغم من سخريته من اليهود، وربما كان شفيعه في ذلك أن المخرج يهودي ونجم من نجوم السينما الأمريكية، فإن الفيلم الأوروبي الوحيد الذي لا يعاني من عقدة ذنب تجاه اليهود وخصص موضوعه للصراع العربي “الإسرائيلي”، محاولا أن يكون موضوعيا في طرحه لوجهة نظره التي لم تخل من التعاطف مع الفلسطينيين، ووجه بحملة عنيفة ضده من الأوساط اليهودية الصهيونية ومن الواقعين تحت تأثيرها من الأوروبيين، ناهيك عن الأمريكيين. وهذا الفيلم هو”هانا.. ك” للمخرج الفرنسي اليوناني الأصل كوستا غافراس، وهو المعروف بنزعته اليسارية وباختيار بعض مواضيع أفلامه بالعلاقة مع الحركات السياسية والثورية اليسارية والقضايا السياسية المرتبطة بها، والذي أعطى البطولة فيه للممثل الفلسطيني الأصل محمد البكري في دور الفلسطيني الذي يسعى لتأكيد حقه التاريخي في أرضه وبيته في فلسطين المحتلة وتتضامن معه وتدافع عنه محامية “إسرائيلية”، وهو موقف مارسته بقناعة تتناقض مع السياسة “الاسرائيلية” وحتى مع قناعة وموقف زوجها الصهيوني النزعة. لم يظهر بعد فيلم كوستا غافراس هذا أي فيلم أوروبي آخر فيه إشارات لليهود لا يلزم نفسه بالتعبير عن عقدة ذنب تجاه اليهود، بل تكاثرت الأفلام الأوروبية، والمصرة على تحميل الأوروبيين معاناة عقدة الذنب، بما يقود ضمنا إلى مناصرة الدولة الصهيونية أو على أقل تقدير، تأييد أيديولوجيتها. ومن المفيد هنا أن نشير إلى بعض الأفلام الأوروبية الممهورة بتوقيع مخرجين كبار، مثل جوزيف لوزي (فيلم “ مسيو كلاين”) وفرانسوا تروفو (فيلم “المترو الأخير”) ولوي مال (فيلم “وداعا يا أطفال”) وغيرهم من المخرجين الأوروبيين والذين لم ترق أفلامهم هذه إلى مستوى سمعتهم كمخرجين مبدعين. والمفارقة هنا أن ما تعكسه الأفلام الأوروبية من مواقف لتحقيق هذا الغرض، لا يجد تعبيراً عنه أو دعماً له في المواقف الشعبية الأوروبية المتابعة أو المتفاعلة مع الأحداث السياسية لا سيما منها المتعلقة بالصراع في الشرق الأوسط والتي تتميز بتزايد مظاهر الاحتجاج الشعبي الأوروبي على السياسات العدوانية “الاسرائيلية” ضد فلسطين ولبنان، تلك المظاهر التي تنقل صورها يومياً شاشات التلفزيون العالمية ولا تجد مكاناً لها في الأفلام السينمائية، ذلك لأن التعبير عن عقدة الذنب تجاه اليهود التي تعكسها الأفلام الأوروبية، على الأغلب، أمر مفروض على السينما وشركات الإنتاج في أوروبا فرضاً من قبل الحركة الصهيونية العالمية وممثليها في شركات الإنتاج والتوزيع وحتى وسائل الإعلام بكافة أنواعها، وليس نتاج مشاعر طبيعية وقناعات صادقة. الخليج الإماراتية في 21 أغسطس 2006 |
د.وليد سيف يكتب عن الفيلم الصدمة: «ظاظا» برشامة سياسة في كوكتيل فاسد ومبتذل! > مشهد افتتاحي مرتبك يكشف الخلل الفني للفيلم ونهاية ضعيفة وفقيرة وخالي من الإبداع > علي عبد الخالق أكبر كثيرا من أن يتحول إلي منفذ لسيناريو يفتقد لغة السينما > لا توجد شخصية واحدة مكتملة وواضحة وكلها أنماط كاريكاتورية وكارتونية يصر الفنان هاني رمزي منذ فيلمه «جواز بقرار جمهوري» علي أن يعود من حين لآخر لتقديم كوميديا إجتماعية ذات طابع سياسي تطرح بأسلوب مباشر ومن خلال قالب هزلي موضوعات تزعم تبني أحلام الجماهير وتتميز بجرأة شديدة واقتحام مناطق محظورة .. شاركه الكاتب طارق عبد الجليل في فيلمه السابق ( عايز حقي ) الذي طرح فكرة طريفة - رغما عن أي تحفظات- عن مطالبة المواطن بحقه في الوطن .. وهاهو يخوض معه مغامرة أكبر في ( ظاظا) الذي يتناول في أحداثه مسألة تداول السلطة وينضم المخرج المخضرم علي عبد الخالق بعد غياب طويل عن ساحة السينما إلي هذا الفريق ليقود سفينة ظاظا التي نجحت في مواصلة رحلتها ووصلت إلي دور العرض وهو ما يعتبره صناع الفيلم إنجازا في حد ذاته بعد أن واجهتهم أعاصير الرقابة 0 وصلت السفينة إلي الشاطيء في توقيت مناسب جدا مع بطولات حزب الله وبسالة الشعب اللبناني فيبدو الظرف مواتيا لظهور فيلم كنا نتوقع أن يلقي بكلمة شريفة وجريئة عن أهمية الخلاص من الفساد وإمتلاك القرار والسلاح لتحقيق الاستقلال الحقيقي واسترداد الكرامة المسلوبة لصالح قوي أجنبية وعلي أيدي قوي الرجعية والجبن والإنهزامية..ولكن علي الرغم من هذا واجه الفيلم حملة من الهجوم النقدي العنيف والغير مسبوق لهذه النوعية من الأفلام التي لا تخلو من نوايا حسنة فهل إستحق ظاظا كل هذه القسوة ؟ ارتباك البدايات في البداية يطالعك الفنان هاني رمزي بأسلوب في الأداء يخلط فيه بين الجد والهزل أو بين عبط الشخصية وتظاهرها بذلك .. وتبدو مسألة الخلط لأول وهلة ومع أول مشهد وفي كل عناصر العمل 0فمن خلال حوار المشهد ذاته نري ظاظا يتحدث في التليفون مع أمه في مكالمة طويلة ثم نعلم أنها مكالمة وهمية وأنه كان يسخر من شاب وخطيبته من زبائن المحل .. ويتسبب موقفه هذا في فسخ خطوبة الشاب والفتاة فيلقيان الدبل فيأخذها بمنتهي البساطة له ولزوجته المعقود قرانه عليها دون أن يتمكنا من الزواج لصعوبة الأحوال .. ويسبب هذا المشهد الافتتاحي الغريب ارتباكا في رسم الشخصية ويعبر عن مكمن الخلل الأساسي في الفيلم .. فكل مشهد من المطلوب منه أن يقول جملة أو معني دون أن يخدم ذلك معني عاما أو مضمونا إجماليا للفيلم .. وكما تتميز دراما المشهد في الارتباك نري نفس الشيء في حركة الممثلين المحدودة والمقيدة داخل المكان والاعتماد علي لغة الحوار وغياب مفردات الصورة حيث لا يجد المخرج شيئا يتطلب التركيز أو التأكيد .. وتصبح محتويات المشهد من أجهزة كهربائية هي عبارة عن كتل صماء تشغل مساحات من الكادر وتحاصر الممثلين بلا معني .. يهدف طارق عبد الجليل في رسم شخصية ظاظا أن يمنحها بساطة وتلقائية ومنطقية ولكن مع الإسف يغلب علي هذا الرسم الإصطناع والمبالغة والتشتت .. فظاظا من المفترض أنه نموذج للعديد من الشباب المطحونين الساعين لكسب قوت يومهم ولكنه يواجه عجزه هذا بأن يعيش في جو من الخيال والأحلام يمثله بالكوز الوهمي المليء بأحلي أصناف المشروبات، يعيش مع أمه لأنه ليس بإمكانه تدبير شقة مستقلة ويعيش معه أيضا بلا ضرورة ولا معني إبن شقيقته وأخ غير شقيق لا نفهم لماذا وما ضرورة أن يكون غير شقيق .. بعد فصل ظاظا من معرض الأجهزة نكتشف أنه يعمل أيضا كمقلد للأصوات في قناة فضائية علي الرغم من أنه لا يرضي حتي عن المستوي المهني للعمل .. تحمل زوجته منه قبل الزفاف الذي يبدو أنه لن يأتي أبدا .. ولايجد ظاظا أمامه سوي أن يصنع لنفسه عالماً وهمياً من الأحلام .. ولكن هل يمكن أن يتحول هذا الوهم إلي حقيقة .. وهل يمكن أن يأتي اليوم الذي يصبح ظاظا الغلبان المسكين فيه رئيسا للجمهورية حتي لوكانت جمهورية وهمية من صنع خيال المؤلف طارق عبدالجليل ؟ وهكذا نري أن العديد من التفاصيل والشخصيات والأحداث ليس لها علاقة بمضمون العمل أو موضوعه الذي من المفترض أنه يبدأ فعليا عندما تقرر المذيعة أن تورط ظاظا في أن يرشح نفسه رئيسا للجمهورية بعد أن تراجع كل المواطنين عن الإقدام علي هذا الفعل الذي أودي بحياة إثنين جرءوا علي إرتكابه في سخرية واضحة من ديمقراطية مزيفة ولكنها تتوه وسط زحام التصنع والإغراق في الكوميديا اللفظية ذات الإيحاءات الجنسية مثل المشهد الطويل الذي يهاجم فيه الأب ظاظا لإعتدائه علي شرف إبنته بينما يدفع عن ظاظا نفسه تهمة إتلاف السيارة .. في مشهد آخر نري حفلاً كبيراً بلا أي ضرورة في الأحداث ولكننا نري خلاله البطل والكاميرا تهبط معه أسفل مائدة الطعام لتستعرض معه سيقان السيدات وهو يلقي بالتعليقات إلي أن يقول ( أول مرة يبقي الأكل فوق والحلو تحت ) .. «افتكاس» درامي مصري خالص والآن لعلك تتساءل عزيزي القاريء عن العلاقة بين كل هذا وما يزعم الفيلم أنه يطرحه من أفكار .. إنها مشاهد مصنوعة علي طريقة تبليع برشامة الدواء والتعامل مع المشاهد علي أنه الطفل الصغير الذي لن يتناول هذه البرشامة الصغيرة إلا في كوب مليء بكوكتيل مبتكر لابد أنه سيحبه .. ولكن ألا يدرك صناع الفيلم أن هذا المشروب بالذات كفيل بإفساد مفعول البرشامة!! .. إن هذا الفيلم ينتمي إلي نوع اخترعه أصحاب شوادر الدراما في السينما والمسرح المصري كهزلية مبتذلة تتضمن من حين لآخر بعض الخطب والمواعظ الأخلاقية أو الاجتماعية أو السياسية المباشرة . وهذا النوع ربما يكون الأكثر إنتشارا حاليا علي الساحة ولكن الصفة التي يتميز بها عند طارق عبد الجليل هي الإعتماد علي فكرة تتميز بالجرأة , يمكن الرجوع إليها من حين لآخر وبمنتهي الحرية و التحرر ,وكذلك توزيع مساحة الخطب والمواعظ علي أجزاء الفيلم بدلا من أن تتواجد بشكل مكثف مع مشهد النهاية كما يحدث في كل أفلام محمد سعد مثلا . تعتمد هذه الكوميديا بشكل أساسي علي الأنماط وليس الشخصيات 0 فأنت لا يمكن أن تري شخصية واحدة مكتملة الجوانب واضحة المعالم. ولكنها مجموعة من الأنماط الكاريكاتورية التي لا تعرف عنها سوي جوانب من المفترض أن تثير الضحك أومجموعة من الوجوه الكارتونية الشريرة 0 ولكنك لا تكاد تدرك أي دور لهؤلاء أو أولئك في الأحداث التي تتحرك لخدمة البطل ولتوصيل مضمون المؤلف بشكل متعسف حتي تصل إلي نهاية غريبة لا تتسق مع الشكل الهزلي للموضوع ولا لأي مقدمات منطقية أو خيالية ابتدعها .. علي عبد الخالق و صدمة النهاية وكما يعكس مشهد البداية خلل الجوانب الدرامية والفنية في الفيلم يحدث نفس الشيء مع مشهد النهاية بضعف تنفيذه وفقر الصورة الشديد الذي يوحي لك أن الذي يقع اغتياله هو عضو مجلس محلي أو عمدة قرية وليس رئيس جمهورية 0كما يغيب عن المشهد أدني درجات الخيال الإبداعي في تحريك المجاميع أو صنع إيقاع فيسقط ظاظا في حركة مصطنعة ويحيط به الناس بأسلوب مسرحي 0 وينتهي الفيلم بصدمة في مخرج تاريخه أكبر بكثير من أن يتحول إلي منفذ لسيناريو يفتقد لغة السينما بصرف النظر عما يعتريه من تشتت في الأفكار وضعف في الرؤيا وإستسلام تام للرغبة في إضحاك الجمهور بأرخص الوسائل. كان من الواضح أن صناع الفيلم تصوروا أنهم وقعوا علي الفكرة الكنز التي لم يسبقها إليهم أحد 0 وكانوا في سبيلهم لتحقيق هذا العمل علي إستعداد لأن يقبلوا أي شيء حتي لوقامت الرقابة ببتر شخصيات ومشاهد كاملة كما حدث بالفعل 0 ولا شك أن الرقابة قد تعاملت مع الفيلم بمنتهي القسوة علي الرغم من أنه وصل إليها هزيلا بالفعل ومذعورا من مواجهة الجماهير ومسلحا بأرخص أنواع الأسلحة وهو كوميديا الإبتذال التي فاقت بجرأتها موضوع الفيلم نفسه 0 ولكنها عجزت عن أن تحقق له النجاح التجاري ربما لأنها جاءت في إطار حالة من الخلط والارتباك تتكرر بنفس الصورة تماما كما كان الحال في التجربة السابقة لهاني رمزي وطارق عبد الجليل (عايز حقي). يؤكد هذا الفيلم علي حقيقة أن الأفكار منتشرة علي قارعة الطريق ولكن العبرة في مهارة المعالجة، ووحدة الهدف، وقوة البناء وجودة النسيج، فالشيطان يكمن في التفاصيل جريدة القاهرة في 22 أغسطس 2006
فى فيلم ظاظا عندما يتحول الاستعباط السياسى إلى فيلم سينمائى سعيد شعيب هل أبدو متسلطاً عندما أؤكد أن هناك فرق بين وجهة النظر السياسية، أياً كانت، وبين الاستسهال والتهريج؟ لا أظن. فمن حق أى فنان أن يطرح ما يشاء، ولكن أعتقد أنه طالما اختار بإرادته موضوعاً معيناً ، فعلى الأقل عليه أن يبذل جهداً فى البحث، وخاصة إذا كان يتناول قضية شائكة .. وبعد ذلك ليس مهماً الاختلاف أو الاتفاق مع رسالة عمله أو وجهة نظره. أحدثكم عن فيلم ظاظا، فقد تناثرت أخبار وتقارير على امتداد شهور وشهور، خلاصتها أن هناك مشاكل طاحنة بين صٌناع الفيلم والرقابة. وبغض النظر عن هذه المشاكل، فقد تم تصدير انطباع للرأى العام بأن هناك عملاً جاداً، حتى لو كان كوميدياً، لأنه يطرح قضية جادة هى الانتخابات الرئاسية. ولكن وللأسف، فما شاهدته لم تكن له أى علاقة بالجدية، بل وليس هناك حتى أى اتساق أو منطق، ليس بالمعنى الدرامى فقط، ولكن بالمعنى السياسي. وقبل أن أستطرد لابد أن أذكر الحسنة الوحيدة والضائعة للفيلم، وهى جرأة طرح موضوع المنافسة على الانتخابات الرئاسية، وأيضاً أن هناك رئيس يمكن الآن يترك السلطة بانتخابات ديمقراطية. وبغض النظر عن سوءات الفيلم-وهى للأسف كثيرة- من المهم أن يترسخ لدى الوعى العام أن هذا هو الطبيعى والعادى حتى يكون هناك مستقبل فى هذا البلد. ولكن هذا المعنى الديمقراطي، بل والوطنى العظيم، ضاع فى زحام وزحام من السذاجة، بدأت برسوم متحركة لم يعتن مبدعوها بأن تكون حتى جميلة حرفياً، ناهيك عن إنها لا تشكل إضافة فنية لمحتوى الفيلم، فهى مجرد تكأة أو حيلة لوضع التيترات، وليست باباً أو مدخل لعالم الفيلم. وأضاع المخرج على عبد الخالق -صاحب التاريخ السينمائى الهام- الثلث الأول من الفيلم فى اختراع مشاهد ليس هدفها تقديم شخصيات الفيلم وصراعاتها ولكن إتاحة الفرصة لهانى رمزى فى أن يركب عليها افيهات، ولكنها للأسف سخيفة. ناهيك عن سذاجة الاعتماد على سوء الفهم فى أكثر من مشهد وهى لا تنتج أكثر من التباس لفظي، يمكن أن تضحك بسببه مرة، ولكن من الصعب أن تضحك عليه طوال الوقت. لقد شعرت أن الناس فى صالة العرض تتمنى أن تضحك، ولكنها لا تجد فعلاً ما تضحك عليه إلا نادراً. كما كانت الحيل الدرامية التى استعان بها المؤلف ساذجة، ومنها مثلاً أن 70 مليون مصرى يخافون من الترشح لانتخابات الرئاسة، لأن هناك اثنان قتلا، وهذا التصور يفترض أن السلطة تفعل ما تريده على إطلاقه، وهذا غير صحيح طبعا، لأن النظام مهما كانت وحشيته واستبداده هناك خطوطاً حمراء لا يتجاوزها بسبب ضغوط الداخل أو الخارج. ولكن هذه هى طبيعة النظرة المطروحة فى الفيلم للشعب، فهو كتلة واحدة صماء، ليس فيها اختلافات أو تنويعات أو طبقات، وكذلك السلطة مجرد كتلة صماء فاسدة، ومن هنا السياسة المطروحة فى الفيلم عبارة عن أخيار وأشرار. فالخطاب الحار الذى ألقاه هانى رمزى أمام منافسه، الرئيس الحالي، ليس برنامجا سياسيا فى مواجهة برنامج آخر .. ولكن تحفيز الرئيس لأن ينزل إلى شعبه متجاوزا الحاشية الفاسدة، وكأنه لا يعرف. ولذلك ستجد مشاهد لرئيس الجمهورية الجديد ظاظا متخفى فى أكثر من مكان يحارب الفساد والحشيش. ومن هنا فالسيد الرئيس الجديد لم يكن له برنامج سياسى طبقه بعد توليه موقعه، ولكنه انشغل بأن البلد لا تملك سلاح نووي! فقرر شراءه، وفى مشهد ساذج قررت المخابرات الأمريكية قتله،هكذا، وهنا يترسخ معنى أن الأمريكان قادرين على كل شيء ناهيك عن اختزال الصراع مع القوة الأكبر فى العالم أو حتى مع إسرائيل فى السلاح فقط لاغير. وبالطبع فى مثل هذه الأعمال من الصعب أن تسأل عن منطقية الدراما، فلا تعرف كيف تزوج ريس الديوان أم الرئيس، ولا تسأل أين اختفى شقيق الرئيس وما هو دوره دراميا، ولا تسأل أيضا كيف يتم إطلاق الرصاص على الرئيس ولا ينشغل من حوله بإسعافه، ولكنهم يحيطون به وكأنهم يلتقطون صور تذكارية. العربي المصرية في 30 يوليو 2006
|
كيف يمكن أن يتحول الإنسان إلي كائن دموي بشع ؟ « ريا وسكينة ».. إجابة فنية بليغة علي تساؤل عسير وائل الجندي |