عمرها لا يزيد على 23 سنة ومع ذلك تعمل في السينما الهوليوودية منذ عشر سنوات وتحمل شهادة عالية في الآداب والفلسفة من جامعة برينستون الشهيرة. أنها كيت بوسوورث خطيبة النجم أورلاندو بلوم، بطل «مملكة السماء» و «سيد الحلقات» و «إليزابيثتاون» - في الحياة اليومية لكنها حبيبة الرجل الطائر فوق الشاشة في الفيلم الجديد «سوبرمان يعود» والذي يروي مغامرات «منقذ» البشرية الذي تقمص شخصيته في الماضي بنجاح الممثل الراحل كريستوفر ريف قبل أن يحل مكانه الآن الشاب المجهول براندون روث إلى جوار بوسوورث المشعة بجمالها وجاذبيتها في دور الصحافية لويس لين المغرومة سراً بسوبرمان، من دون أن تعلم أنه عندما لا يقضي وقته في مكافحة الظلم، يعيش حياة عادية ولا يطير بل ويعمل في الجريدة نفسها التي توظفها.

شوهدت بوسوورث سابقاً في «الرجل الذي يهمس للخيول» من إخراج وبطولة روبرت ريدفورد، وهو الفيلم الذي شهد أيضاً ميلاد نجمة ثانية اسمها سكارليت جوهانسون، ثم في «بلو كراش» حيث أدت دور بطلة رياضية متخصصة في ممارسة «التزلج» فوق الأمواج العالية، وفي «ووندرلاند» الذي روى سيرة الممثل الأميركي المتخصص في الأفلام الإباحية جون هولمز الذي ارتكب جريمة قتل في زمن الثمانينات وأدى دوره على الشاشة النجم فال كيلمر. وإضافة إلى نجوميتها العالمية الحديثة العهد بفضل شعبية سوبرمان صارت بوسوورث منتجة سينمائية تخطط لمشاريع مستقبلية مناسبة لذوقها الفني بدلاً من أن تكتفي بالعمل في خدمة الغير.

جاءت الفنانة الشابة بصحبة زميلها براندون روث والمخرج بريان سينغر إلى باريس لحضور حفل افتتاح فيلم «سوبرمان يعود» في دار سينما «سيني سيتي» الضخمة التي افتتحت حديثاً في منطقة «لا ديفانس» في الضاحية الباريسية الغربية، فالتقتها «الحياة» هناك وحاورتها.

أول ما يلفت في بوسوورث بل ويثير الدهشة مهما كان المرء قد قرأ وسمع عن هذا التفصيل، هو لون عينها اليسرى الرمادي المائل الى الأزرق بالنسبة الى لون عينها اليمنى الرمادي المائل الى الأخضر وذلك بشكل طبيعي بحسب ما تؤكده صاحبة الشأن، كلما سئلت عن احتمال وضعها عدسات خاصة ملونة.

·         من المفروض أن تسلط كاميرات السينما عدساتها على عينيك في لقطات كثيرة نظراً الى ما تتصف به نظراتك من غرابة جذابة؟

- لست عارضة أزياء بل ممثلة وبالتالي تركز الكاميرا اهتمامها على ما يفيد حبكة السيناريو، ويحدث أن أظهر في حملات إعلانية لماركات كبيرة متخصصة في الجمال والأناقة مثل أورلان، وهنا تحتل عيناي المكانة الأولى فوق الصورة.

·         هل أنت من المعجبات أصلاً بحكايات سوبرمان؟

- قرأت قصص الرجل الطائر في طفولتي مثل كثيرين من الصغار بطبيعة الحال، ثم أعجبت جداً بالممثل كريستوفر ريف الذي أدى الشخصية فوق الشاشة، ولم أتخيل نفسي أقوم بالبطولة النسائية في يوم ما في مغامرة جديدة من مغامرات هذه الشخصية الخيالية الساحرة.

·         كيف حصلت على الدور إذاً؟

- حصلت عليه بفضل الممثل كيفين سبيسي الذي يمثل شخصية الشرير في الفيلم والذي تعرفت إليه لمناسبة عملي إلى جواره في فيلم كوميدي خفيف. لقد أبدى سبيسي إعجابه بي كممثلة وطلب من مخرج «سوبرمان يعود» بريان سينغر أن يمنحني فرصة الفوز بدور حبيبة البطل ولو من طريق إجراء اختبار تقليدي أمام الكاميرا. وهذا ما حدث. وأعترف لك بأنني بذلت قصارى جهدي في يوم الامتحان حتى أقنع سينغر وأصحاب القرار في الشركة المنتجة بأن الدور لا يصلح إطلاقاً فغيّرت مثلاً شكلي ولون شعري وتسريحتي ووضعت النظارات حتى أبدو صحافية جادة بما أن البطلة لويس لين تمارس هذه المهنة برصانة تامة. ونجحت في الاختبار على رغم ان بريان سينغر التقى أكثر من خمسين ممثلة شابة للدور.

·         هل لعب كيفين سبيسي دوراً في حصولك على الدور أم أن مهارتك وحدها هي التي فتحت أمامك باب العمل في الفيلم؟

- كيفين سبيسي توسط من أجل تسجيل اسمي على قائمة المرشحات للاختبار، وأنا أشكره كثيراً على ذلك، فلولا الامتحان أمام الكاميرا وفرصة التقاء سينغر لما مثلت الدور طبعاً.

·         يقال باستمرار إنك جوليا روبرتس جديدة في هوليوود، فما رأيك في هذه المقارنة؟

- لا أعتقد بأنني أشبه فعلاً جوليا روبرتس من حيث الملامح، لكن ربما أن ابتسامتي تذكر البعض بابتسامتها، وأدواري الرومانسية أيضاً، كما في «بلو كراش» و»سوبرمان يعود»، قد تسبب المقارنة بيننا. أنا فخورة بهذا الشيء لكن إلى حد ما لأنني لا أرغب أبداً في تولي خلافة ممثلة ثانية أو التخصص في نوع أدوارها نفسه ذلك أنني مقتنعة بأهمية الهوية الشخصية والأشياء التي تأتي بها كل واحدة على الشاشة والتي لا شك في أنها فريدة في أسلوبها. وما أود قوله بهذا الصدد هو «أبعدوني عن التقليد». فليس هناك أسوأ منه في الحد من عمر الفنان على الصعيد المهني.

·     في فيلم «بلو كراش» أديت شخصية بطلة في رياضة التزلج المائي، فهل أنت رياضية في الحقيقة أم أنك لجأت إلى بديلة في اللقطات التي دارت فوق الماء؟

- أنا أمارس أنواعاً عدة من الرياضة منذ سن الصبا، أهمها ركوب الخيل وثم السباحة وأجيد التزلج المائي ومع ذلك اضطررت إلى التدريب الشاق عليه لمدة ثلاثة شهور قبل بدء تصوير الفيلم بمعدل أربع ساعات في النهار حتى أنجز الحركات المطلوبة التي توحي بأنني بطلة في هذا الميدان، ولم ألجأ إطلاقاً إلى بديلة بل فعلت كل ما يظهر فوق الشاشة بنفسي.

الأفضل بين المتقدمات

·         هل أن إجادتك ركوب الخيل هي التي جلبت لك دورك في فيلم «الرجل الذي يهمس للخيول» وكنت لا تزالين بعد صبية صغيرة؟

- نعم، فقد كنت في الثالثة عشرة من عمري حينما سجلت أمي اسمي في مسابقة فنية من أجل دور صغير يتطلب من صاحبته ركوب الخيل في فيلم كان سيخرجه ويمثل بطولته روبرت ريدفورد. وحزت الدور من دون أدنى صعوبة لأنني كنت الأفضل بين جميع المتقدمات، ووجدت نفسي في لقطات مشتركة لكن قصيرة مع ريدفورد وسكارليت جوهانسون التي نالت في الفيلم أول أدوارها الكبيرة.

·         هل كنت متأثرة بالعمل تحت إشراف ريدفورد وأمامه في هذا الفيلم؟

- لا أبداً فعلى رغم التقدير الذي أكنّه له لا أستطيع القول إنني شعرت بخوف من أي نوع فأنا منحته ثقتي التامة وقلت لنفسي إنه طالما اختارني فلا بد من أن يكون على دراية بما يفعله وأن الموضوع كله تحت مسؤوليته في النهاية، ورحت أفعل ما اعتبرته من واجبي أن أفعله، وأقصد انني أديت دوري على أحسن وجه وبحسب طاقتي الفنية وقدرتي على ركوب الخيل بمهارة لا أكثر ولا أقل.

·     وكيف تفسرين نجومية سكارليت جوهانسون الفورية في ما بعد وانتظارك أنت مدة أطول حتى يتم الاعتراف بك رسمياً كممثلة جيدة؟

- أنا عدت إلى تعليمي المدرسي ثم الجامعي بعد الانتهاء من تصوير الفيلم، ولم أظهر في أفلام أخرى طوال خمس سنوات، بينما استمرت سكارليت في العمل السينمائي وبنت لنفسها شهرة كبيرة وهي بعد مراهقة.

·         وهل تعتبرينها منافسة لك الآن؟

- أي ممثلة في مثل عمري هي بلا شك منافسة لي، خصوصاً إذا كانت تعرف النجاح، لكن المنافسة في نظري من أفضل الأشياء التي تدفع المرء إلى التقدم، لذا لا أنظر إليها بطريقة سلبية أبداً.

كشف الحجاب

·         ألا توجد غيرة بين الممثلات الناشئات؟

- لا شك في أن الغيرة موجودة في الوسط السينمائي وليس فقط عند الناشئات. صدقني، لكنني شخصياً لا أشعر بها وأرفض أن أترك مثل هذا الإحساس السلبي يسيطر علي.

·         لكن ألا تلاحظين أن هناك بين زميلاتك من تشعر بالغيرة تجاهك مثلاً؟

- لا، لأنني أرفض أن أضيع وقتي في محاولة كشف الحجاب عن مشاعر الزميلات، وعندما تأتيني إشاعة مثلاً في شأن ممثلة تكون قد قالت عني كل الخير الذي تحمله في قلبها، أرد بأنني في انتظارها إذا أرادت أن تواجهني بكلامها. وأما غير ذلك فالأمر لا يهمني ولا يشغل بالي أبداً.

·         ماذا عن علاقتك العاطفية مع النجم أورلاندو بلوم؟

- أورلاندو خطيبي وهذا كل ما في الأمر.

·         قيل إنك انفصلت عنه ثم عدت إليه؟

- أنا انفصلت عنه في الحقيقة قبل عام وبعد علاقة عاطفية دامت سنتين وكان ذلك بسبب انشغال كل واحد منا إلى درجة كبيرة جداً بعمله، خصوصاً في بلاد بعيدة ما جعلنا نبتعد عن بعضنا البعض ونقرر إنهاء علاقتنا، ثم عادت المياه إلى مجاريها إثر اكتشافنا مدى تعلقنا ببعضنا وصعوبة فراقنا العاطفي، حتى إذا كانت ظروفنا المهنية تبعدنا عن بعضنا فترات طويلة، فقد جاء الفراق بمثابة اختبار لحبنا المتبادل.

·         يقال إن علاقتكما عرفت أوجها أثناء وجود أورلاندو في المغرب لتصوير فيلم «مملكة السماء»؟

- هذا صحيح، فأنا كنت قد ترددت إلى المغرب لأكون إلى جواره وعشنا هناك أحلى أيامنا معاً. والمغرب بالنسبة إلي مثل الجنة فوق الأرض لما يتميز به هذا البلد من صفات جذابة في مناظره الطبيعية وجوه العام وطباع أهله ومأكولاته ومشروباته. وحصل الفراق عقب عودتنا من هناك، لكننا الآن، مثلما ذكرته، نعيش علاقة عاطفية جادة وقوية لن تزعزعها العواصف العابرة.

·         وما رأيك في براندون روث «سوبرمان» الجديد فوق الشاشة؟

- هل رأيته فوق الشاشة؟ وهل تعرف أنه لم يمثل أي شيء آخر ذي أهمية في حياته السينمائية؟ أنا أتوقع له مستقبلاً باهراً، فهو يمزج بأسلوب غريب بين جودة الأداء والقوة الجسمانية والوسامة والجاذبية والتواضع ما يجعله في نظري، بلا أدنى شك، في مرتبة أكبر نجوم هوليوود وبالتالي العالم في المستقبل القريب، وأتمنى ألا تحبسه السينما في إطار دور سوبرمان وحسب فهو قادر بحسب ما ألمس فيه على التنويع في تمثيله والتقلب بين الكوميديا والدراما والمغامرات.

الحياة اللبنانية في 11 أغسطس 2006

 

ثنائية التردد في حسم الخيارات الفنية...

الأب والابن والسينما المستقلة

دمشق – فجر يعقوب 

نسبياً، لا يبدو اسم محمد الرومي السوري المقيم في باريس معروفاً على نطاق واسع بين السينمائيين السوريين، وان ذكر اسمه فانه غالباً ما يتناول بصفته مصوراً فوتوغرافياً. وكذا الحال بالنسبة الى ابنه ميّار الذي أخذ يتردد اسمه في الآونة الأخيرة، وخصوصاً بعد فيلمه «سينما صامتة» الذي عرضته فضائية «العربية» منذ فترة، وفيه يقترب من «ملامسة» هموم ومشاغل السينما السورية نفسها، بأسلوب لا يخلو من تهكم وإفاضة في الشرح، لا تغني عنه في المقابل إلا شاعرية السينما الصامتة التي لم يقترب منها الفيلم في شيء، فيما غرق في بحيرة الإشارات الى النفخ البيروقراطي في المؤسسات الحكومية، والحالات الاجتماعية المنشأ الضاغطة على مناحي الحياة العامة في سورية. على الأقل هكذا بدا الحوار اللاهث والمتقطع في الشريط مع بندر عبدالحميد ورياض شيّا وحكم البابا.

محمد الرومي وابنه ميّار عرضا أخيراً أفلاماً لهما في تظاهرة الوردة للسينما المستقلة في دمشق. وكانت الفكرة أن يعرض الأب الى جانب الابن شيئاً مختلفاً وجديداً في اعتبار أنهما غير معروفين للجمهور السوري و «مستقلين»، أضف الى ذلك أنها كانت فرصة للتعرف الى اسمين ينتميان الى جيلين مختلفين ومجهولين، وليس لهما موطئ قدم الى جانب سينمائيين سوريين عرفوا جيداً عبر السنوات الماضية حتى من خلال فيلم أو فيلمين.

ميّار الرومي ظهر في فيلمه الجديد «رحلة ربيعة» متردداً في حسم خياراته الفنية التي بدأها مع «سينما صامتة». لا شك في ان خياراته التي نرمي إليها تتمثل في التوق الى مثال صارخ في السينما السورية ربما يمثلها أسلوب عمر أميرالاي، من دون الإمساك بتلابيبه بالطبع، لكنه كان توقاً في ثوب تهكمي من النوع الذي يتقصد أن يكون لاذعاً، ومن دون أن يكون ارتداء هذا الثوب صفة إبداعية مستقلة بحد ذاتها.

في الفيلم الجديد، لم تبد ربيعة موفقة في رحلتها مع خطيبها من قريتها القريبة من حوض الفرات الى الساحل السوري بصحبة سائق سيارة أجرة كان يطيل من الطريق من أجل التلصص عليها. كان يمكن لهذه النظرات المختلسة أن تشكل مادة دعم درامي للفيلم، لكنها ضاعت مع كل تلك الإطالة التي لم تفد في الكشف عن أحوال ربيعة التي لم يعكر صفو رحلتها سوى هذه النظرات المتلصصة من دون أن تترك وراءها أثراً يذكر.

ينتهي الفيلم بنظرة خاطفة - زائدة – على الفيلم من ربيعة نفسها نحو هذا المتلصص ولا شيء أكثر. نظرة تأبى أن تقول لنا شيئاً من دون «تلفيق» رحلة ربما لم يكن لها من مبررات لإتمامها سوى أن الخطيب قرر في ذلك اليوم أن يجرب اتصالاً بالهاتف النقال من على ظهر سطح المنزل الطيني. لا نعرف سبباً للاتصال، إلا إذا كان لزيادة الجرعة التهكمية التي يتعمدها المخرج، فيما بدت المكالمة مجرد ذريعة لتبدأ ربيعة رحلتها.

في سياق مختلف يطل الأب محمد الرومي بفيلمه التسجيلي «أزرق – رمادي»، الذي يتكئ منذ دقائقه الأولى على سيرة ذاتية مهملة تغوص في ماض بعيد تتشكل منه على ما يبدو ذكريات المخرج نفسه عن طفولته وملاعب الصبا التي أصبحت مجرد أطلال في الفيلم.

يجيء صوت الراوي على كلمات تهيئ للدخول في الأزرق والرمادي من خلال العبّارة التي نقلته يوماً مع أبيه عبر نهر الفرات بعيداً من موقد الذكريات التي أخذت تراوغه كلما تقدم في السن، وهي تشكل الآن الأرضية الخصبة للفيلم، كأنما هي تمتد وتمتد لتشكل خلفية رائعة لكل ذلك البوح الناقص عن كارثة حلّت بأهل قرية تل اعبر جراء فيضان سد تشرين.

بدت كادرات الفيلم التالية للرواية الصوتية وكأنها تغرق بدورها في صمت يستمد قيمته من الصورة الفوتوغرافية نفسها، وهذا أرهق إيقاع الفيلم وبدد من خامته لأنه غرق في سكون يناقض الفيضان المدمر!!

الحياة اللبنانية في 11 أغسطس 2006

أحداث 11 أيلول التي تدفع واشنطن الى إطالة الحرب على لبنان...

أوليفر ستون في «مركز التجارة العالمي» من البطولة العادية الى ازدواجية الجلاد والضحية

إبراهيم العريس 

تبدو الرغبة في تطويل أمد الحرب التي تشنها إسرائيل حالياً على لبنان عموماً، وعلى «حزب الله» خصوصاً، واضحة لا لبس فيها ولا غموض. ولعل وضوحها هو ما يربك كثراً من المراقبين الذين يدهشهم عدم التعاطف الأميركي مع لبنان وشعبه هذه المرة. وهذا الارتباك يدفع هؤلاء الكثر الى ضرب أخماس بأسداس والبحث عن السبب الذي يجعل الفارق كبيراً بين الموقف الأميركي هذه المرة، والمواقف الأميركية التي كانت – في المرات السابقة – أقل لؤماً وقسوة ووضوحاً. في مجال البحث عن جواب يتناسى كثر السبب الذي يبدو – في هذا السياق – أساسياً، السبب الذي يفسر – وإن لم يبرر بالطبع – تشابه الموقف الأميركي المدمّر، مما يحدث في لبنان، ومما حدث ويحدث في فلسطين. ونعني بهذا السبب أحداث أيلول (سبتمبر) 2001. أي العمليات الإرهابية التي ضربت نيويورك، وجعلت واشنطن، ومعظم الشعب الأميركي، يرون إرهابيين في كل مكان... بحيث صار ثمة بارانويا خاصة، لها جذورها في تلك الأحداث – التي دفع المسلمون والعرب حتى الآن أثمانها أكثر كثيراً مما دفع الأميركيون -. وهذه البارانويا تبدو صادقة من ناحية، لكنها من ناحية أخرى تبدو مفتعلة طالما أن في وسعها أن تخدم أهدافاً سياسية، وصراعات اقليمية وما شابه.

أحداث أيلول هذه، سيكون قد مر خمس سنوات عليها، خلال الأسابيع القليلة المقبلة. وإذا كانت ردود الفعل الأميركية عليها قد ظهرت، سياسياً وعسكرياً، في شكل فوري، فإن السينما – والتلفزة من بعدها – استغرفت وقتاً قبل أن تدنو منها بصورة جدية. وإذا كنا نتحدث عن السينما بالمطلق هنا فإننا نعني السينما الأميركية تحديداً. ذلك ان هوليوود، ومنذ مرور أسابيع قليلة على تلك الكارثة الإنسانية راحت تتساءل: أخلاقياً... متى يمكننا أن نبدأ حقاً في الدنو، فنياً، من هذا الموضوع؟ وإن دنونا منه، كيف ندنو: درامياً؟ وثائقياً؟ روائياً؟ على شكل أسئلة؟ على شكل يقين؟

حياء هوليوودي

لمرة في تاريخها أبدت هوليوود نوعاً من الحياء في التعبير عن رغبتها في صنع سينما تقول ما حدث. ونعرف الآن أن الجواب الحقيقي – بالمعنى الفني الجيد للكلمة – جاء في العام الخامس. ولمرة في تاريخها – بالتالي – وجدت هوليوود نفسها مسبوقة من لدن منتجين فرنسيين سارعوا منذ الذكرى الأولى للعملية، الى تحقيق فيلم شارك فيه أحد عشر مخرجاً من شتى أنحاء العالم، أعطي كل واحد منهم 11 دقيقة ليقدم خلالها، وكما يرتئي، نظرته الى الحدث. وكان من بين المخرجين المصري يوسف شاهين (مساهمته كانت الأضعف على أي حال) والاسرائيلي عاموس غيتاي، والمكسيكي اينيراتو... والانكليزي كين لوتش. غير ان الإنصاف يدفعنا الى القول ان الشريط القصير الأقوى والأكثر ابتعاداً عن إدانة العمليات كان شريط الأميركي المشاكس شين بن. المهم ان ذلك الفيلم في شرائطه الكثيرة رسم الطريق وقال مختلف المداخل التي يمكن ولوجها للدنو من أحداث أيلول 2001. أو هكذا خيّل لكثر. لكن هوليوود رسمت مداخل أخرى في مناسبات راحت تكثر وتكشف عن وجهها عاماً بعد عام. إذ مثلاً أفلا يمكننا اعتبار فيلم «رأس الجرة»، فيلما عن أحداث أيلول طالما انه مرتبط مباشرة بحرب واشنطن على نظام صدام حسين؟

غير ان فورة العام الخامس، تبدو مختلفة... حتى وإن كان عليها أن تقتصر على فيلمين مرتبطين مباشرة بما حدث، وفي شكل يدخل في صلب الواقع... أحد الفيلمين عرض في مناسبات عدة وتجارياً، وكان أحد أبرز العروض في مهرجان «كان» في الجنوب الفرنسي. أما الثاني فإنه يعرض في أوروبا وربما عندنا، بعدما بدأت عروضه الأميركية ابتداء من أواسط الشهر المقبل. الأول هو «يونايتد 93»، والثاني اسمه، في كل بساطة «مركز التجارة العالمي». وإذا كان «يونايتد 93» قد أوصل الى ذروة الشهرة، اليوم، مخرجه بول غرينغراس الذي لم يكن معروفاً على نطاق واسع من قبله (حتى وإن كان اشتهر له، قبلاً، فيلم عن مذبحة إيرلندية هو «يوم الأحد الدامي»)، فإن «مركز التجارة العالمي»، حاز مسبقاً شهرته وحصد حتى الآن قدراً هائلاً من الضجيج – مع أن أحداً لم يشاهده في أي عرض تجاري أو خاص، حتى اليوم – بفضل مخرجه أوليفر ستون الذي، إن لم يستغرب أحد دنوه من هذا الموضوع هو الذي غاص في معظم أفلامه السابقة في صلب القضايا الأميركية الشائكة، فإن كثراً استغربوا ما تبين حتى الآن من أن ستون لم يستخدم، على عادته، فيلمه هذا من أجل مواصلة معركته الأزلية ضد النظام الأميركي. وطبعاً كل هذا لا يزال حتى الآن في طور الاستنتاج إذ قلة شاهدت الفيلم كاملاً واستنتجت منه موقف مخرجه.

في المقابل كنا كثراً حين شاهدنا، في عرض خاص خلال الدورة الأخيرة لمهرجان «كان»، بعض مشاهد من «مركز التجارة العالمي»، أحضرها أوليفر ستون معه ليعرضها أمام الصحافيين وأهل المهنة، كمقدمة – على شكل هدية خاصة – لعرض فيلمه القديم «بلاتون» الذي يعتبر ومنذ حقق قبل عشرين عاماً واحداً من أكثر الأفلام قسوة وإدانة للسلطات الأميركية، في سياق ما عرف بـ «أفلام حرب فيتنام الهوليوودية». والحقيقة ان المزاوجة بين عرض «بلاتون» وعرض ثلث ساعة من «مركز التجارة العالمي» لم تأت صدفة. لعل ستون أراد، بهذا الاختيار أن يذكر بما بين الحالين والزمنين من ترابط ليقول لنا بوضوح، ومن دون حس شماتة تبسيطي، أن أميركا تحصد اليوم ما كانت هي نفسها زرعته في الماضي.

فهل معنى هذا ان «مركز التجارة العالمي» سيكون إدانة اضافية لأميركا، حققها سينمائي ما توقف عن مشاكسة أميركا هذه منذ ربع قرن وأكثر؟

علينا أن ننتظر أسابيع أخرى قبل أن نحصل على الإجابة الشافية. وفي انتظار ذلك قد لا يكون ثمة بأس في أن نستعرض «علاقة» أوليفر ستون بالنظام الأميركي – بل بكل ما يشكل الذهنية الرسمية والجماعية الأميركية على الاطلاق – عبر أفلامه الكثيرة والتي يشكل القسم الأكبر منها علامات مرجعية في تاريخ السينما الأميركية المعاصرة. إذ، حتى وإن كان في وسعنا أن نقرّ مع كثر بأن السينما التي يحققها أوليفر ستون – ويكتب معظم سيناريوات أفلامها بنفسه -، تعتبر متقدمة في شكل واضح على صعيد الأبعاد الجمالية واللغة السينمائية وإدارة الممثلين وترابط المواضيع، وهي مميزات تفتقر اليها عادة السينما السياسية – التي تنتمي سينما أوليفر ستون إليها -، فإن ما لا يجب أن يغيب عن بالنا ان الأساسي، بالنسبة الى الجمهور العريض، هو دائماً الرسالة السياسية التي تحملها تلك الأفلام. وهي رسالة طاولت، كما أشرنا، بعض أهم أعمدة الذهنية الأميركية.

مشاكسة أميركا

ولا ريب أن حرب فيتنام شكلت بالنسبة الى ستون الرافعة التي مكنته، أكثر من أي شيء آخر، من المشاكسة على العقلية الأميركية، وذلك من خلال ثلاثية حققها، في مراحل متفرقة عن تلك الحرب التي «أكلت الوطن وشبابه»: «مولود في الرابع من تموز» و «بلاتون» ثم «بين السماء والأرض». في الأولين «فضح» ستون الحرب وتدميرها للإنسان الأميركي، أما في الفيلم الثالث فإنه دنا من موضوع أكثر حساسية هو موضوع الموقف الأميركي العنصري من الذين لم تكتمل أميركيتهم: عاد فيه الى حقيقة تاريخية تصور كيف جمع الأميركيون مواطنيهم ذوي الأصل الياباني في معسكرات اعتقال إثر كارثة بيرل هاربر، كانتقام من اليابانيين.

وكأن «فضيحة» فيتنام لم تكف أوليفر ستون للتنديد بالعقلية الأميركية، إذ عكف لاحقاً على فضح العلاقة العضوية الكئيبة بين السلطة والمال (في «وول ستريت») قبل أن يصل الى التنديد بقدس الأقداس في الحياة الشعبية الأميركية من خلال «أي يوم أحد» الذي دنا فيه، فضحاً وتنديداً من علاقة الأميركيين برياضتهم القومية. ومن الرياضة القومية الى الموسيقى وثورة الشبيبة خطوة قطعها فحقق «ذي دورز» مركزاً على شخصية جيم موريسون. وبعد هذا نراه يفضح تهافت وتفاهة الإعلام من خلال فيلمه القاسي «قتلة بالفطرة» الذي أقام الدنيا ولم يقعدها. لقد صور في فيلميه الأخيرين هذين، البطولة وكيف يصنع الأبطال، وهو موضوع ما توقف عن شغل باله منذ البداية: أي منذ حقق فيلم «ج إف ك» حول اغتيال جون كنيدي. وهو الفيلم الذي حقق لستون أعلى درجات شهرته، وفتح الطريق أمام إعادات نظر بالتحقيقات التي جرت حول ذلك الاغتيال. والحقيقة ان «ج أف ك» لم يكن عن كنيدي، كرئيس، بل كان عن مؤسسة الرئاسة ومؤسسة القضاء والأكاذيب الكثيرة التي رسمت للعلاقة بين المؤسستين. أما الرئاسة الأميركية نفسها، فكان على المتوقعين من ستون أن يدنو منها، الانتظار سنوات أخرى وهم واثقون من أن نجم الاخراج المشاكس هذا كان لا بد له من أن يدخل نيكسون وووترغيت في حساب سينماه. وهكذا ولد فيلم «نيكسون» الذي تميز بالتباس شديد من حول حكم ستون النهائي على شخصية ذلك الرئيس.

والحقيقة أن ستون، حتى وإن كان قد اهتم في الفيلم بشخصية نيكسون نفسه، وبمؤسسة الرئاسة، فإنه توجه هنا أكثر ناحية مفهوم البطولة والزعامة في مرحلة تاريخية محددة، لطرح أسئلته من حولهما. ومن هنا كان «نيكسون» وعلى عكس ما كان يمكن توقعه من ستون، فيلماً إشكالياً شكسبيرياً، أكثر منه فيلماً سياسياً. ويقيناً ان المرء يمكنه أن يقرأ هذه الحقيقة المرتبطة بفيلم «نيكسون» بصورة أفضل على ضوء فيلمين لاحقين لستون، هما وثائقيان لا روائيان هذه المرة: فيلم «غير المرغوب فيه» عن ياسر عرفات والقضية الفلسطينية (أو بالأحرى عن استحالة تحقيق فيلم عن ياسر عرفات والقضية الفلسطينية)، وفيلم «القائد» عن كاسترو. وهذان الفيلمان الأخيران نالا، على أي حال، حصتهما من غضب وشجب المؤسسة الرسمية الأميركية التي دائماً ما اعتبرت أوليفر ستون «خائناً» للقيم الأميركية كلها.

الزعامة بأي ثمن

لكن ستون لم يكن من الذين يأبهون لمثل ردات الفعل هذه. انه يبدو دائماً واثقاً مما يريد قوله وفعله. وما قاله في «غير المرغوب فيه» و «القائد» كان في الحقيقة تمهيداً لما سيقوله في واحد من أضخم أفلامه «الاسكندر». إذ هنا مرة أخرى طرح ستون مسألة البطولة والزعامة وتساءل حول أحقية البطل في أن يحقق طموحاته ولو على جثث الآخرين. ومن الجليّ ان هذا التساؤل، إذ انتزعه ستون من تاريخ شخصية عاشت قبل ألوف السنين، إنما كان بالنسبة اليه شديد الراهنية: ارتبط بالأحرى بما يحدث في زمننا هذا. ولنقل في شكل أكثر تحديداً: بحرب بوش على العراق. ذلك انه من الصعب تصور ان فناناً من طينة ستون كان من شأنه حقاً أن يسير على خطى سيسيل بي دي ميلي ويغوص في التاريخ كتاريخ.

من هنا، وحين كان المهتمون بسينما ستون يصغون بدهشة الى من يخبرهم ان صاحب «بلاتون» و «نيكسون» سيحقق فيلماً عن أيلول 2001، كان السؤال الأول: ماذا... هل سيجد ستون في تلك الكارثة مجالاً للإمعان في حربه ضد أميركا؟

ستون من ناحيته طمأن كثيراً، وأكد أكثر من مرة انه عقل هذه المرة، وقرر أن يدنو من الأمور من وجهة نظر أخرى... كثر لم يصدقوه (راجع أجزاء من حوار أجري معه أخيراً في مكان آخر من هذه الصفحة). أما هو فقال وأكد انه انما شاء هذه المرة، ومن دون أن يعطي أي صدقية للمؤسسة الأميركية، أن يحقق فيلماً عن الإنسان وعن بطولة الإنسان، حتى في ظل أوضاع تبدو قادرة على انتزاع أي حس بالبطولة. ومن هنا نراه، إذ انقشع الكثير مما لف مشروعه من غموض، نراه يختار حكاية بطولة حقيقية، تنوقلت كثيراً خلال السنوات الفائتة وصدر عنها أكثر من كتاب: بطولة شرطيين - إطفائيين وجدا نفسيهما محاصرين بالدمار والنار والدخان داخل برجي مركز التجارة في تلك الساعات المأسوية من يوم الحادي عشر من أيلول، فواصلا عملهما لينقذا، على رغم كل شيء، الكثير من الأرواح، وكادا يموتان لولا أن قام بطل ثالث بإنقاذهما.

حسناً... قال كثر من قبل عرض الفيلم... هذه هي الحكاية يبقى أن نعرف ما الذي أراده ستون من خلال اختيارها.

نحن الذين شاهدنا في «كان» الفائت، مشاهد عدة من الفيلم، بدا لنا الأمر أشبه بالكلمات المتقاطعة: أوراق تطير من هنا، وجوه مدماة من هناك، حجارة تلتصق بالحديد، سماء سوداء وطائرة تثقب جدار مبنى، أحذية متروكة، مكاتب محطمة، وصراخ... كثير من الصراخ... كل هذا بدا قوياً ورائعاً ومصوراً كأنه جزء من عمل تسجيلي طويل حقق بحذق ومهارة... غير انه كله ظل عاجزاً عن توضيح رسالة أوليفر ستون.

منذ أواسط أيلول المقبل سيبدو هذا كله واضحاً وسنعرف كيف وظف ستون موضوعه. ويمكننا أن نعتقد منذ الآن، بأن توقعات كثيرة ستخيب. سيحدث ما حدث بالنسبة الى فيلم ستيفن سبيلبرغ الأخير «ميونيخ»: ستنشر كل أنواع التخمينات، وسترسم في الأفق كل أنواع الأفكار المسبقة. وفي النهاية سيفاجئ أوليفر ستون الجميع، كما فاجأهم سبيلبرغ... سنكتشف ان الأول، كالثاني، حقق في نهاية الأمر عملاً استثنائياً يقول هواجس الفنان في لحظات الكوارث الكبرى، يقول نظرة الفنان الى الموت والدمار. ويقيناً ان ما من فنان حقيقي، يمكنه ان يقف الى جانب الموت والدمار، طالما ان الفنان الحقيقي يعرف ان كل دمار انما هو دمار لطرفيه: الجلاد والضحية في الوقت نفسه.

كان هذا، كما لا بد ان نعترف أخيراً، الدرس الذي انتهى اليه فيلم «ميونيخ»... فهلاّ يكون الدرس الذي سيوصله الينا ستون هذه المرة، الدرس نفسه؟

الحياة اللبنانية في 11 أغسطس 2006

 

سينماتك

 

حبيبة «سوبرمان» وخريجة جامعة برينستون...

كيت بوسوورث لـ «الحياة»: لست خليفة جوليا روبرتس ولا غيرها

باريس - نبيل مسعد

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك