كان من الصعب عند مشاهدة فيلم حليم الفصل بين أحمد زكي وعبد الحليم حافظ؛ وهي ضرورة فنية بالدرجة الأولي؛ مثلما حدث في أيام السادات وناصر 56، وبات الأمر وكأن شريط الفيلم يحكي قصة حياة أحمد زكي الذي صارع المرض وعاني من ويلاته في آخر أيامه.

كان الفضول في رؤية أحمد زكي في آخر أفلامه، أمراً لم يستطع أحد مقاومته، وربما هذا ما لعب عليه صناع الفيلم، لكن عند المشاهدة تلاشي الفضول مع مرور الوقت، وتساءل الكثيرون رغم إدراكهم بإمكانات أحمد زكي المهولة والمذهلة عن هذا الإعياء الذي بدا عليه، ولم يفلح الماكيير في تبديل ملامح مريض بالسرطان لتحل محلها ملامح مريض بالكبد، لقد كان المكياج طبيعيا لدرجة الشفقة وبصورة لم يرض عنها الكثيرون، رغم الرضا الضمني بالرضوخ لعملية الخداع التي مورست عليه.

لا يستطيع أحد أن ينكر موهبة زكي التمثيلية، إلا أنه في حليم لم يكن بكامل لياقته أو حتي نصف لياقته الفنية، فقد وضح عليه الإرهاق الشديد والتعب، فالمشاهد يعرف جيدا إمكاناته وقدراته، حتي وإن بدا ذلك في مشهد أو مشهدين، وهذا يجرنا للاعتراف بأن الفيلم جار علي الاثنين معا، ورغم ذلك فأن الشعور بالفضول لم ينقطع أثناء مشاهدة الفيلم.

التشابه يفسد المعايشة

في آخر رحلات حليم للعلاج في لندن كان المشهد يجمع بينه والأطباء المعالجين وأخته، وأثناء حواره مع طبيبه يقول له: ممكن نزرع لك كبد جديد، فيرد حليم: يعني محدش استخدمه قبل كده، ثم يضحك، ويواصل الكلام بحزن عميق لا تخطئه العين : أنا تحت أمركم.. اعملوا اللي انتوا عايزينه.. أنا تحت أمركم.. وفي تلك اللحظة لا تتمالك أخته علية مشاعرها فتحتضنه وتقبل رأسه منهمرة في بكاء شديد!! ولا ندري هل تحتضن سميرة عبد العزيزة (الممثلة) أحمد زكي (الممثل) التي تعلم جيدا بتأخر حالته الصحية، أم تؤدي دورا مكتوبا لها في السيناريو. والحقيقة أن الجماهير تعاطفت مع (سميرة وأحمد) وليس مع حليم وعلية. وهذا رغم حميميته أفقد المشاهد مصداقيتها.

أثناء الحوار الذي دار بين حليم والمذيع (جمال سليمان) لم تكن التفاصيل الخاصة بحياته والتي يعلم الناس معظمها كفيلة وملهمة لكي يشعر البعض بأن من يجلس أمامه هو عبد الحليم حافظ، فحتي الحياة الخاصة والفنية التي تشابهت جعلت المشاهد في حيرة من أمره، أيهما يصدق؟ حتي الفضول الذي صاحب المتفرج طوال عرض الفيلم تخلي عنه بعدما أخذت المشاهد تتوالي، وبات يحيل تلك المشاهد رغما عنه لأحمد زكي حتي غابت شخصية حليم إلا في تلك الفترات التي كان يظهر فيها هيثم فيحاول أن يعيد هذا الاندماج المفقود مع الشخصية! ثم يظهر أحمد زكي ليجدد الحيرة وعلامات الاستفهام مرة أخري!

في أدواره الكثيرة تلاشت شخصية الفتي الأسمر - ونقصد هنا أحمد زكي وليس عبد الحليم- وظهرت شخوصه التي كان يجسدها لتفرض سطوتها علي الشاشة، أما في حليم فالأمر كان مختلفا ومربكا وفي غاية الصعوبة علي المشاهد، ربما كانت الأمور ستختلف لو لم يمت أحمد زكي، وعندها سيكون الرابط النفسي والقدري بين الشخصيتين بعيدا.

هيثم لم يحل المعادلة

كان اللجوء إلي هيثم لتكملة دور أبيه مقصودا به رأب الصدع الذي اتسع برحيل أحمد زكي، واللعب تجاريا علي هذا الاختيار لجذب مزيد من الجماهير التي تشعر بالفضول، وأيضا كتعويض عن فنان لا يستطيع أحد أن يملأ مكانه. ورغم أن هيثم ظهر في أكثر من ثلثي مشاهد الفيلم وبذل مجهودا مضاعفا في أولي تجاربه السينمائية، إلا أنه لم يكن مقنعا بالدرجة الكافية، فكان من الظلم اختباره في امتحان لا يستطيع أي فنان اجتيازه، لأنه مطالب بأن يكون عوضا عن نجمين كبيرين بحجم عبد الحليم حافظ وأحمد زكي، فلم يفلح مع الأسف في تصدير أيهما، وظل البحث عن أحمد زكي وعبد الحليم حافظ ممتدا حتي كلمة النهاية، ساعد علي ذلك كادرات شريف عرفة القريبة من وجه أحمد زكي التي أكدت غياب حليم، فهل أحب شريف هذا الممثل العبقري لدرجة الافتتان به وتجاهل الشخصية الرئيسية التي تقوم عليها الأحداث؟

تمتع حليم وزكي بشعبية وجماهيرية جارفة، ساعد عليها موهبتهما الفائقة وغير المتكررة، وكان من الصعب المزج بينهما في إخراج عمل فني يتقاسمان فيه الدرجات، ربما لو كانت شخصية سياسية أو شخصية عامة كان يمكن تحقيق هذه المعادلة، هذا في حالة اكتمال العمل وتوفير معطياته الفنية، لكن مع وجود شخصيتين فنيتين تتساوي قامتهما الفنية فالأمر يبدو محالا. وانصب التعايش والاندماج مع الشخصية المفترض فيها التقمص والتجسيد.

عندما قامت صابرين بتجسيد شخصية أم كلثوم نجحت في تصدير الشخصية للمتفرج، لأنها اجتهدت في توصيل إحساسها وفنها لهذه القيمة الفنية الكبيرة، كما أن الفروق بينهما واضحة، أما حليم وزكي فهما علي ذات الدرجة من النجومية ويحتلان مساحة متساوية، وكان صعبا أن يصعدا معا إلي منصة التتويج، فلابد أن تطفو شخصية علي الأخري، وفي حال صعود شخصية حليم يكون أحمد زكي قد نجح بامتياز ويحسب له، لكن المباراة - نقصد الفيلم - لم تكن منصفة للاثنين، ولم تتوافر لها الشروط الموضوعية والفنية.. كان امتحانا صعبا ومرهقا علي هيثم زكي، فقد وضع بين مطرقة أحمد زكي التمثيلية الهادرة وسندان عبد الحليم حافظ الغنائي الطاغي، وكان الانطباع الأول من الجماهير غير منصف، لأن الجماهير انتظرت منه أن يصلح ما اعتوج، ويلملم أخطاء ليس له علاقة بها، أو أن يقدم تفسيرا لهذه الأسئلة التي حملها المتفرج معه داخل دار العرض، كما أن تجسيد دور عبد الحليم بكل الوهج الذي تمتع به يحتاج إلي إمكانات خاصة وقدرة فائقة علي التعبير أكثر من التقليد، ولو كان عبد الحليم وأحمد زكي تعرضا لهذا الامتحان في بدايتهما لفشلا فيه، ربما الفضول الذي صاحب المتفرج من أول مشهد جعله غير حيادي في الحكم علي هيثم فمرة يحيله إلي حليم ومرة أخري إلي أحمد زكي.

نجوم وأدوار

كان اختيار بهاء جاهين لأداء دور صلاح جاهين موفقا للغاية، ولم يكن الشبه الكبير بينهما وحده هو السبب في ذلك، فنزعم أن بهاء استحضر روح أبيه وتقمص أداءه وشخصيته، ونجح في التعبير عنها رغم أنها التجربة الأولي؛ خصوصا لحظات المرارة بعد نكسة 1967، بينما فشل عزت أبو عوف نتيجة التقليد المبالغ فيه لشخصية الموسيقار محمد عبد الوهاب والاعتماد علي ملامح الشخصية من الخارج دون الغوص في أعماقها، وأجاد محمد شومان في دوره واستطاع أن يثبت وجوده، وكذلك عادل شعبان الذي أدي دور إسماعيل شبانة، وكذلك رءوف مصطفي، والممثل الذي قام بدور إحسان عبد القدوس لديه حضور واعد. أما الممثل السوري جمال سليمان فالدور أقل من إمكاناته التمثيلية، وكذلك الأمر لصلاح عبد الله وسميرة عبد العزيز، أما مني زكي فتستطيع من خلال مشهد واحد أن تفرض شخصيتها علي الدور، بينما ساعدت مساحة الدور الممثلة السورية سلاف الفواخرجي لإثبات نفسها وتنويع أدائها العالي للشخصية وإحساسها المرهف في التعامل مع الدور في تجربتها السينمائية الأولي في فيلم مصري، وكان اختيارا ذكيا وموفقا إسناد الدور لوجه غير معروف وخصوصا أنها لعبت دور حبيبة عبد الحليم.

كان مشهد لقاء حليم وسعاد حسني من أروع مشاهد الفيلم، والذي قامت به الممثلة سهير رجب ورغم أن الآراء تفاوتت حول موهبتها التمثيلية، لكنها تفوقت علي نفسها واقتربت بأداء هادئ من شخصية السندريلا دون افتعال أو مبالغة. وكذلك مشهد استشهاد عازف الكمان، كان مشهد مؤثرا ورائعا، ورغم عدم تأثيره علي الأحداث، فقد وفرت له الإمكانات ليخرج بهذا الشكل الرائع.

إن هذا العمل ما كان لينجز من غير وجود المخرج شريف عرفة، رغم التحفظات الكثيرة، فقد وضح بأنه صنايعي بالمعني الحرفي للكلمة، قدم تابلوهات سينمائية في غاية الرقة والعذوبة خصوصا المشاهد التي جمعت بين هيثم وسلاف فقد اهتم بها اهتماما بالغا وحرص علي تأكيد قوة العلاقة من خلال هذه المشاهد، حتي ألوان الملابس اختيرت بدقة فائقة وتناغمت ألوانها لتكثيف العاطفة بينهما، لوحظ أيضا الدقة المتناهية في أدق التفاصيل والتي ظهرت بوضوح في ملابس المجاميع وطريقة قص الشعر، والذي استعان بهم كجمهور لحفلات عبدالحليم.

إن فيلم حليم ليس من نوعية الأفلام التي يطلق عليها جيد أو ردئ، إنه فيلم يثير الشجن والأسئلة الكثيرة، ورغم طرحه لفرضيات لم ينجح في الإجابة عنها، وظهر فيه المجهود الكبير الذي بذله مخرجه واهتمامه بكثير من المشاهد وإخراجها علي أكمل وجه، وحاول التوفيق بما هو بديل وبما كان ممكنا.

حالة خاصة

يمثل فيلم حليم حالة خاصة، سواء اتفقنا أو اختلفنا، وهذا لا ينفي أننا بحاجة لفيلم آخر عن عبد الحليم حافظ، فقد تعرض العمل لسيل من النقد والهجوم، وأحيانا التجريح، وذهب البعض إلي قضايا فرعية ومسطحة، وصبوا جام غضبهم حول أدوار ذويهم التي تمت الإشارة إليها بصورة عابرة، ووصل الأمر بالبعض أنه طالب بحرق نيجاتيف الفيلم وطمس معالمه، وأخري صرحت بأنه لا يحق لصناع الفيلم الاستعانة براقصة لأداء دور أختها رغم إجادتها للدور. لكن معظم الأقلام التي تناولت الفيلم كان نقدها موضوعيا وتمثل في الفبركة التي مورست علي تنفيذ الفيلم، وتقفيله بأقل الخسائر الممكنة، إنما النتيجة النهائية تؤكد بأن ما عرض علي الجماهير كان بديلا غير مقنع، لفيلم توخي فيه الكثيرون الجودة والتميز، حال القدر دون اتمامه، فهل كان أجدي عدم الشروع في تنفيذه خصوصا بعد أن تبين استحالة أن يكمله أحمد زكي؟ بعد أن تحول العمل السينمائي إلي حفل تأبين لنجمين كبيرين، أمتعا الجماهير بفنهما، فلم تنجح أغنية أي دمعة حزن لا التي اختتم بها الفيلم في منع الدموع من السقوط، فقد سقطت بالفعل أثناء المشاهدة، وجاءت كلمة النهاية ليجفف المشاهدون ما تبقي منها، بعدما أفرغت المقل ما بداخلها علي نجم أحبوه ومات، وآخر أحبوه وكان يموت أمامهم.   

الأهالي المصرية في 2 أغسطس 2006

 

"حليم" شهادة وفاة فنية لأحمد زكي والعندليب

القاهرة ـ جميل حسن:  

الضجة الاعلامية التي صاحبت فيلم ''حليم'' منذ بدء تصويره وحتى عرضه كانت سببا في تباين الآراء حوله وجاء معظمها ضده· ويبدو ان عماد الدين أديب منتج الفيلم أدرك هذا التباين، فساق العديد من الدفوع بين طيات كلامه ليلة افتتاح الفيلم، راجيا النقاد والصحفيين ان يتعاملوا مع ''حليم'' على انه آخر افلام احمد زكي، واذا كان لابد من هجوم على الفيلم فعليهم ان يهاجموا الاحياء لأنهم الأقدر على الرد· لكن لا كلام أديب ولا رحيل احمد زكي شفع لضعف مستوى الاداء في ''حليم'' بل ان أداء احمد زكي كان نقطة الضعف التي انطلق منها اكثر من ناقد لمهاجمة الفيلم·

أسطورة تجسد أسطورة· هذا هو الشعار الذي رفعته الشركة المنتجة للفيلم· والاسطورة الاولى هي احمد زكي الفتى الأسمر المليء بالحماس وعنفوان الشباب والاداء التمثيلي· اما الاسطورة الثانية فهي عبدالحليم حافظ الفنان الذي اعتلى ومازال قمة الغناء العربي وتربع في قلوب العرب باحساسه وعذوبة صوته· وزكي وحليم كفيلان بجمع الجمهور العربي امام الشاشة لأن لكل منهما جمهوره العريض· لكن المشاهد للفيلم لا يرى زكي ولا حليم بل ينشغل بذلك الفنان المريض الذي يعاني ضيق التنفس وبطء الحركة ويحاول جاهدا ان يخفي آلامه وهي صورة لم يعتد جمهور احمد زكي على ان يراه بها·

بين مريضين

واذا كانت الشركة المنتجة والمخرج شريف عرفة، قد عولا على ان حليم كان يعاني المرض في سنواته الاخيرة فان أداء احمد زكي جاء واهنا لان المرض كان قد تمكن منه· والممثل المريض لا يمكن ان يجسد شخصية رجل مريض·

فالممثل الذي يتمتع بصحة جيدة هو من وجهة نظر النقاد الأقدر على تجسيد شخصية الرجل المريض· لذلك انشغل جمهور الفيلم بصورة احمد زكي الجديدة· فهو رجل مريض يقاوم الموت حتى يحقق حلمه· وحتى يتغلب المخرج شريف عرفة على مرض احمد زكي قصر ظهوره على حوار اذاعي مع رمزي (جمال سليمان) الذي افتقد التمكن من التحدث باللهجة المصرية· بالاضافة الى هذا الحوار الذي يسجل من خلاله عبدالحليم حافظ ذكرياته ظهر احمد زكي في مشاهد معدودة تصيب الجمهور بغصة· فليس هو عبد الحليم حافظ المريض ولكنه احمد زكي الذي يقاوم الموت حتى يكمل دوره في الفيلم·

ورغم ان شريف عرفة نفى استغلاله والشركة المنتجة لمرض احمد زكي حتى يكسب تعاطف الجمهور فان كثيرا من النقاد يصرون على ان مشاركة احمد زكي في هذا الفيلم كانت صفقة للشركة المنتجة· والبعض يرى ان المخرج لجأ الى حيلة الحوار الاذاعي حتى يتغلب على مرض احمد زكي ولذلك اجرى تغييرات في السيناريو· لكن عرفه يرى ان التغييرات التي اجراها كانت في حدود التغييرات التي يجريها أي مخرج على أي سيناريو·

كما ان المتابع للفيلم يتأكد منذ البداية من ان احمد زكي لم يكمل تصوير دوره لكن شريف عرفة أكد ان مشهدين فقط مع منى زكي تم اختصارهما من دور احمد زكي وقد استمر تواجده على الشاشة لفترة طويلة اقتربت من الساعة وتم اختصار بعض المشاهد الخاصة به على المسرح اثناء الغناء·

أما شخصية الموسيقار محمد عبدالوهاب التي جسدها عزت أبوعوف في الفيلم فجاءت على غير المتوقع، إذ كانت أقرب الى تعليقات لا تقدم الشخصية الحقيقية لموسيقار الاجيال، لكن شريف عرفة اكد ان عبد الوهاب لم يكن الشخصية المحورية في الفيلم ولم يتم التحريف في الدور·

ورد عرفة على من تعاملوا مع شخصية عبدالوهاب على انها ''إفيه'' بان ''أولاده وأحفاده شاهدوا الفيلم وقالوا انه كان كذلك، اذا أبدى رأيه في موضوع يسوق أكثر من حل، واذا أجاب عن سؤال يطرح أكثر من إجابة· كما انه كان قليل الكلام ويهرب من الازمات بردود غير متوقعة ويستخدم ذكاءه في التعامل مع الآخرين''·

مفاجأة هيثم

اما المحطة النقدية التي تستوجب التوقف طويلا في هذا الفيلم فهي اداء هيثم احمد زكي الذي لم يتوقعه أحد· فقد اعتقد كثيرون ان مشاركة هيثم في الفيلم جاءت ترضية لوالده، لكن الحضور الطاغي لهيثم على الشاشة وصدق أدائه جعله ينتزع التصفيق من الجمهور· وكأن هيثم بادائه يأخذ بيد الجمهور الى منطقة عبدالحليم حافظ وهو ما لم يستطع والده عمله بسبب مرضه· أكثر من مشهد أداه هيثم أبكى الجمهور واستطاع التأكيد على امتلاكه بالفعل موهبة اهلته لبطولة الفيلم· وفخر شريف عرفة باختياره لهيثم ونفى ان تكون هناك شبهة مجاملة لوالده، فقد خضع لاختبار قاس اجتازه بجدارة·

وجوه وأحداث

وجاء اداء بهاء جاهين اكثر من رائع عندما جسد شخصية والده الشاعر الراحل صلاح جاهين خاصة في المشاهد التي اعقبت هزيمة ·1967 وجاء اداء جمال سليمان عاديا حيث حالت طبيعة دوره كمذيع يحاور عبدالحليم حافظ دون ظهور قدراته كممثل قوي·

اما اداء منى زكي فلم يضف اليها جديدا· فهي فتاة فقيرة أحبت عبدالحليم من طرف واحد وحاولت الانتحار لأنه بادلها الحب بالشفقة عليها· واستطاعت الممثلة السورية سلاف فواخرجي التي جسدت شخصية ''جيهان'' الفتاة التي احبها عبدالحليم التناغم مع حالة الرومانسية التي عاشتها مع حليم وببراءة وجهها وقدرتها على الاقناع ابكت الجمهور خاصة في المشهد الأخير الذي ماتت فيه جيهان بين يدي حليم·

ورغم النقد الموجه للفيلم والخاص بعدم مراعاة الدقة في التاريخ لبعض أغاني عبدالحليم واستخدام أجهزة تليفون منزلية لم تكن موجودة في حقبة الخمسينات، فان المخرج شريف عرفة يصر على أنه كان دقيقا في كل شيء والقى باللوم على بعض النقاد الذين يتربصون بالفيلم لاسباب شخصية·

لكن الذي أجمع عليه النقاد والجمهور بالاضافة الى أداء هيثم احمد زكي هو ان المخرج شريف عرفة كان البطل الاول في فيلم ''حليم'' باستخدامه التقنية الحديثة ومزجه بين الماضي والحاضر ومحاولاته المستمرة طوال الفيلم للتغلب على مرض احمد زكي· لكن هذا كله لم يخف الصورة الهزيلة التي ظهر بها فتى السينما الاسمر حتى ان الجمهور لم يكن يعرف هل يبكيه ام يبكي العندليب·

الإتحاد الإماراتية في 9 أغسطس 2006

حليم.. عناق الحياة والموت والفن والتاريخ

سمير فريد 

"حليم" فيلم خاص جداً في تاريخ السينما المصرية وفي تاريخ مخرجه شريف عرفة ومنتجه عماد أديب الذي يفتح صفحة جديدة للسينما في مصر بهذا الفيلم وفيلم "عمارة يعقوبيان" إخراج مروان حامد. فكل الشركات تبدأ بفيلم واحد. ولكن عماد أديب يبدأ بفيلمين في نفس الوقت. وكلاهما يختلف بقوة عن الكوميديا الهزلية والسينما "النظيفة" السائدة منذ عشر سنوات.

صحيح ان كلا الفيلمين لايتجاوزان السينما "النظيفة". أو بالأحري السينما "الوهابية" من حيث تحريم القبلات بين العشاق رغم أن الشخصية الرئيسية في "عمارة يعقوبيان" لا هم له سوي مطاردة النساء. ورغم ان جمهور 1959 كان يحصي قبلات حليم لمريم فخر الدين في "حكاية حب" أثناء العرض. وكذلك قبلاته لنادية لطفي في آخر أفلامه "أبي فوق الشجرة" عام ..1969 ولكن أين "عمارة يعقوبيان" و"حليم" من الأفلام السوقية الركيكة التي تسيطر علي السينما المصرية. والتي صنعت جمهورا لا يري في الأفلام إلا مضيعة للوقت. ولا يعرف شيئا عن متعة تلقي السينما وكل الفنون. وأين نحن في مصر كلها من عام 1959 وعام 1969 وكانت هزيمة 1967 إعلانا عن هزيمة ثورة يوليو. أما اغتيال السادات عام 1981 فكان إعلانا عن هزيمة شاملة تمتد إلي مشروع محمد علي.

عرفة وزكي

شريف عرفة من المواهب الكبري في تاريخ السينما المصرية. وقد أخرج أول أفلامه "الأقزام قادمون" عام 1986 وهو في السادسة والعشرين من عمره. وفي العشرين سنة حتي 2006 أخرج 16 فيلما أحدثها "حليم".. ويمكن تقسيم سينما شريف عرفة في العقدين إلي ثلاث مراحل. الأولي أربعة أفلام مع كاتب السيناريو ماهر عواد. والثانية ستة أفلام مع كاتب السيناريو وحيد حامد منها 5 من تمثيل عادل امام. والثالثة خمسة أفلام مع نجوم الكوميديا الهزلية ونجوم السينما النظيفة.. ويختلف "حليم" عن أفلامه ال 15 السابقة اختلافا تاما. فهو أول فيلم يخرجه عن شخصية حقيقية هي عبدالحليم حافظ "1929 - 1977" المغني الذي ولد في قرية فقيرة من قري الريف المصري وأصبح من أشهر نجوم الغناء والسينما في الخمسينيات والستينيات من القرن الميلادي الماضي.

لم يعرف شريف عرفة عبدالحليم حافظ. فقد كان في السابعة عشرة من عمره عندما توفي المغني الكبير. ولكنه عرف الممثل أحمد زكي "1949 - 2005" الذي ظل طوال الثمانينيات والتسعينيات من نجوم عصره المتميزين. وتفرد بموهبة فذة. وارتبط بحركة الواقعية الجديدة مع نور الشريف. فقد مثل زكي في ثاني أفلام شريف عرفة "الدرجة الثالثة" عام ..1988 وكل من عرف أحمد زكي يعلم أنه كان في سهراته الخاصة مع أصدقائه يهوي تقليد إلقاء كبار النجوم وكبار الشخصيات السياسية. ولكن هذه الهواية تحولت إلي هاجس جدي بعد النجاح الهائل لفيلمه "ناصر 56" إخراج محمد فاضل عام 1996 حيث مثل دور الرئيس جمال عبدالناصر "1918 - 1970". فمثل دور السادات في "أيام السادات" إخراج محمد خان عام 2001. وأعلن انه يريد تمثيل أدوار كثيرة لشخصيات مؤثرة أخري مثل الشيخ الشعراوي وعبدالحليم حافظ والرئيس مبارك. وجاء عماد أديب عام 2004. وحقق حلم زكي بتمثيل دور عبدالحليم في فيلم من تأليف محفوظ عبدالرحمن.

زكي وعبدالحليم

كان أحمد زكي يري ملامح مشتركة كثيرة بين حياته وحياة عبدالحليم حافظ. فكلاهما من قري الشرقية. وكلاهما نشأ يتيما وفقيرا. وكلاهما كان يعاني من أمراض ناتجة عن البلهارسيا التي اخترقت جسديهما وهما طفلان يسبحان في الترعة. ولكن ما لم يخطر علي بال أحمد زكي ولا علي بال أحد أن يكتشف الممثل الفنان اصابته بمرض السرطان وهو يستعد لتمثيل دور عبدالحليم حافظ. وأن يبدأ تمثيل الدور وهو يصارع الموت. ويموت قبل أن يتم تمثيله.

تساءل البعض لماذا لم يستمع أحمد زكي إلي نصيحة محمد حسنين هيكل عندما زاره. وقال له أن يقاوم المرض كما قاومه بالاستماع إلي نصائح الأطباء وتطبيقها بدقة. وقالوا ليته استمع إلي هذه النصيحة وشفي كما شفي الأستاذ هيكل أطال الله عمره. وليت عماد أديب توقف عن انتاج الفيلم. ووصل الأمر إلي حد اتهام عماد أديب انه تاجر بأحمد زكي. وهو اتهام ظالم لرجل لم يأت إلي السينما تاجرا. فما بالك بالمتاجرة بصديقه الممثل الفنان.

من يقولون ذلك لايعرفون أحمد زكي. ولايعرفون الفرق بين شخصيته وشخصية هيكل. ولا يعرفون عماد أديب. لقد أراد أحمد زكي بكامل إرادته. ورغما عن عماد أديب أو أي مخلوق في العالم أن يموت وهو يمثل. وتصادف أن كان الدور الأخير دور عبدالحليم حافظ فزاده ذلك من الاصرار علي موقفه. هل كان ينتحر. أقول من واقع معرفتي به منذ عام 1980 حتي يومه الأول في المستشفي. نعم. ولو لم يمت بالسرطان لمات منتحرا مثل صلاح جاهين وسعاد حسني اللذين ارتبط بهما كما لم يرتبط بأحد. فهو شخصية انتحارية إذا جاز التعبير. وفضل أن يمثل حتي الموت بدلا من أن يستمر في الحياة مريضا.

هذه هي المرة الثانية في تاريخ السينما في حدود معلوماتي التي يقوم فيها أحد الممثلين بتمثيل دوره الأخير وهو يعرف أنه ميت لا محالة. وذلك بعد الممثل الإيطالي ماسيمو تروزي في "ساعي البريد" إخراج مايكل رادفورد عام 1995. والذي توفي بعد يوم واحد من نهاية تصوير دوره بالكامل. وكأنه اختار موعد موته. ولكن الله سبحانه وتعالي أراد له أن يحقق حلمه في تمثيل الدور بالكامل. بينما لم يشأ أن يحقق حلم أحمد زكي.

محفوظ عبدالرحمن

لايوجد كاتب سيناريو عبر عن معرفته بتاريخ مصر الحديث مثل محفوظ عبالرحمن في المسلسل التليفزيوني "بوابة الحلواني". وهو كاتب كبير وموهوب يخسره الفكر الليبرالي بقدر ما يكسبه الفكر الناصري. ويحول تحيزه السياسي الشديد بينه وبين كتابة نصوص عظيمة أخري مثل "بوابة الحلواني". وقد كان شريف عرفة في حاجة إلي كاتب مثل محفوظ عبدالرحمن ليكتب "حليم" حتي يعبر عن حياة عبدالحليم حافظ وعصره الذي عاصره محفوظ. ويعرف خباياه وتفاصيله.

أمام نص محفوظ. وتمثيل أحمد زكي لدور عبدالحليم حافظ في نهاية حياة كل منهما. جاء شريف عرفة بابن أحمد زكي هيثم ليمثل دور عبدالحليم الشاب. وصنع فيلما مدهشا تتعانق فيه الحياة مع الموت والفن مع التاريخ. ويتماهي الخيال مع الواقع. والأب مع الابن. وما هذه السطور إلا مقدمة للحديث عن هذا الفيلم الفريد من نوعه.

الجمهورية المصرية في 26 يوليو 2006

 

فيلم متميز لكنه ظلم أحمد زكي وعبدالحليم حافظ معاً...

«حليم» ... ارتباكات عابرة يمحوها الأداء الكبير

القاهرة - أيمن يوسف 

عندما أُعلن عن استكمال تصوير فيلم «حليم» بالمشاهد القليلة التي صورها احمد زكي قبـل رحيله، لم نكن متفائلين فقد توقعنا ان يعاني الفيلم ارتبـاكاً ما حتى ولو كان مخرجه شريف عرفة، وقد كان. فبـداية، ومع كل الأسف، لم يكن أحمد زكي بالطبع في حال التوهج التي عرف بها عند تقمصه لأي شخصية درامية في العموم وشخصيات السير الذاتية على وجه خاص.

تباين واضح انتاب أسلوب أدائه لتلك المشاهد القليلة بسبب حاله الصحية المتغيرة صعوداً وهبوطاً خصوصاً ان تصويره لبعض المشاهد كان زمنياً قريباً جداً من التدهور الأخير في حالته الصحية، وهذا ما وعاه صانعو الفيلم فاهتدى تفكيرهم الى ان يبدأ النجم الكبير بتصوير المشاهد الأخيرة لمرض عبدالحليم حافظ أولاً لأنها المشاهد الأخيرة نفسها لمرض أحمد زكي وثانياً من أجل اللحاق بكل ما يمكن أن يصوره أحمد زكي في هذه الحال وقبل الرحيل.

لكن هذا التوجه أوجد شعوراً مزدوجـاً لدى المشاهدين: تقديراً كبيراً لأحمد زكي لعشقه التمثيل والتقمص حتى آخـر رمق، وشفـقة وتحسراً، وربما أيضاً سخطاً، على ظهـوره بهذه الحالة الصعبة على الشاشة خصوصًا انها ستمثل لديهم الانطباع الأخير عن عملاق أحبوه وها هو يتـساقط أمامهم.

ومن هذا المنطلق لم يكن المُشاهد يبحث عن عبدالحليم في مشاهد الفيلم المتتالية بقدر ما كان يبحث عن أحمد زكي، مترقـباً ظـهوره في كل مشهد جديد ليقتحم تلك الحالة الخاصة لمرضه، إشفاقاً كان أم فضولاً، مراقباً في محاولاته للتماسك والتحدي، وطبقات صوته غير المستقرة التي تخفت وتوهن بين الحين والآخر، ونظرات عينيه الحائرة بين التشبث بالحياة وانتظار شبح الموت. ومن هنا كانت صورة احمد زكي في الفيلم تستدر تعاطف المشاهدين تجاه أحمد زكي اكثر من تعاطفهم مع حليم واكثر طبعاً من إعجابهم بتجسيده شخصية حليم.

على المنوال نفسه، ومن دون مبالغة، كان المشاهد ينظر الى هذا القادم الجديد هيثم احمد زكي الذي أدى عبدالحليم في مراحل شبابه بالعين ذاتها المتعاطفة مع شاب فقد أباه حديثاً وأمه من قبله، وليس مع حليم اليتيم.

وهكذا ظلم الفيلم احمد زكي كما ظلم حليم الذي جاء سرد الفيلم لقصة حياته أشبه بحال من الاستجابة لأسئلة المشاهدين، بالذات الشباب منهم، عن واقع ومواقف في حياة عبدالحليم كانت ملتبسة لديهم أو غير مؤكدة فقام الفيلم بإيضاحها مثل علاقته بسعاد حسني ثم بجيهان المرأة الوحيدة التي احبها في حياته، وعدم قدرته على الزواج نتيجة لحالته الصحية أو خلافه مع ام كلثوم وعلاقته بالثورة ورجالها. جاء سرد قصة حليم في صورة أقرب الى معلومات بُثت واحدة وراء الأخرى عبر خط / مستوى بانورامي افقي استاتيكي بارد مفتقراً لرؤية خاصة او مفهوم محدد ومدروس لتناول السيرة الذاتية لعملاق آخر.

سيبيا

لا ندري لماذا كان اللجوء الى تقنية الـ «سيبيا» التي تجعل مشاهد ملونة قريبة من الأبيض والأسود فيما كانت الأزمنة بالفيلم مغلوطة الى حد ما، ولا ندري كيف يقدم مخرج مثل شريف عرفة مشهداً سخيفاً وقديماً قِدم أزل السينما ذلك الذي ينادي فيه أحد أصحاب المحلات في الشارع الذي كان يسكن فيه حليم أيام البدايات والفقر ليخبره ان الموسيقار محمد عبدالوهاب اتصل به في تليفون المحل الخاص به وهو في حال بلهاء من السعادة والفخر، يكاد يتطابق هذا المشهد مع مشهد المعلم محمد رضا في حارة فيلم «معبودة الجماهير».

في المقابل كان المشهد الختامي لرحيل حليم الذي كان يـنـظر فيـه عبر ناـفذة غـرفـته في المستشفى الى الطفـل الذي كان هو عندما كان صغيراً كان مشهداً مؤثراً ونفذ بحساسية عالية فنياً ووجدانياً على رغم تأثره بالمشهد الختامي لنور الشريف في فيلم «حدوتة مصرية» الذي كان متأثراً بدوره بالفيلم الأميركي «كل هذا الجاز».

على رغم كل هنات الفيلم، وهي هنات تعزف منفردة، صور عرفة مشاهد فيها الجماليات المنشودة للصورة السينمائية من تكوينات ودلالات خاصة وتناسق في الألوان وحركة كاميرا ملائمة منها ذلك المشهد الذي يأوى فيه الشاب عبدالحليم الى فراشه بعدما يعرف بحقيقة مرضه لأول مرة، ومنها مشاهده على شاطئ البحر مع حبيبته جيهان التي جسدتها السورية سلاف فواخرجي في أداء رفيع وأشرقت فيها بطلتها الجميلة ووجهها الهادئ ذي الملامح الارستقراطية التي تناسبت ودورها في الفيلم.

والحقيقة ان اختيار الممثلين و «تسكينهم» في شخصيات الفيلم كان من أفضل عناصره، لا ينطبق هذا على الممثلين الرئيسين فقط انما على شخصياته الثانوية أيضاً التي لم تعتمد فقط على تشابهها الخارجي مع الشخصيات الحقيقية التي عاصرت عبدالحليم بل أفادتها توجيهات عرفة التي منحتها الروح القريبة من هذه الشخصيات التي جسدتها وكانت أبرزها شخصيتا عبدالرحمن الأبنودي وصلاح جاهين.

اما هيثم احمد زكي فقد نجح في محاكاة الملامح الخارجية لعبدالحليم في طريقة حديثه ونظرات عينيه وحركات يديه وشفتيه عند الغناء والتحدث، والفضل يعود هنا ايضاً الى توجيهات شريف عرفة.

ولا شك أبداً بعد هذا في صدق رغبة المنتج عماد الدين أديب في إنجاز الفيلم تحقيقاً لحلم احمد زكي ووفاءً لصداقته ولذكراه، ولكن نقول فقط ان نتيجة هذه الرغبة جاءت الى حد ما سلبية وعلى عكس ما كان مرجواً منها. لم تأت على أي حال لمصلحة أحمد زكي وتاريخه الفني.

الحياة اللبنانية في 4 أغسطس 2006

 

سينماتك

 

"حليم" بين الخدعة والصنعة

أشرف بيدس

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك