> هناك خلط أوراق متعمد بين أحمد زكي وفيلم حليم ومحاولة ابتزاز واضحة للجمهور والنقاد

> صناع الفيلم لم يكن يعنيهم تحقيق حلم أحمد زكي بتجسيد شخصية حليم، ولكنهم حققوا حلمهم بتقديم فيلم يسبقه تعبير له ثمن في البيع «آخر فيلم لأحمد زكي»  

أشعر أن هناك من يخلط الأوراق عامدا متعمدا بين أحمد زكي وفيلم «حليم» إذا أثنيت علي الفيلم فإنك تثني علي أحمد زكي تاريخا وإبداعا وتضع وردة علي قبره وإذا كانت لك ملاحظات علي حليم فإنك تنكر تاريخ وإبداع أحمد زكي وتهين حرمة الموتي وحقهم في التكريم!!

إنها معادلة صاغتها بعض الأقلام ورددتها بعض الأصوات المنتسبة إلي شركة الإنتاج وهي مقايضة تنطوي علي الكثير من الابتزاز العاطفي لأن تاريخ أحمد زكي السينمائي فقط قدمه في «55 فيلما» قبل «حليم» وأستطيع وغيري من النقاد ربما كان أقدر مني علي أن يذكر من بينها 30 فيلما علي أقل تقدير دخلت وسكنت تاريخنا السينمائي ولا بأس من أن أذكركم ببعض منها وإن كنت أعلم أنكم تذكرونها أكثر مني وهي تبعا للتاريخ الزمني شفيقة ومتولي، الباطنية، عيون لا تنام، موعد علي العشاء، طائر علي الطريق، أنا لا أكذب ولكني أتجمل، العوامة 70، الحب فوق هضبة الهرم، البريء، أحلام هند وكاميليا، زوجة رجل مهم، كابوريا، الهروب، اضحك الصورة تطلع حلوة، أرض الخوف، إن هذه مجرد لمحات لإنعاش الذاكرة فقط. وأستطيع بضمير نقدي مستريح أن أقول إنه لا يوجد أي نجم سينمائي مصري حقق تلك النسبة من أفلامه التي لاتزال تتنفس وتنبض بالحياة مثل أحمد زكي حيث إنها تتجاوز 60% من إبداعه لا يوجد من وصل إلي تحقيق هذا المعدل خاصة أن أحمد زكي لم تقف وراءه لا مؤسسة ولا شركة إنتاج وكان عليه دائما أن يتحرك وفقا لما هو متاح أمامه.. وكان هو حلم جيله من المخرجين أمثال الطيب وخان وداود وخيري وعرفة كان هو الملهم وكان هو أيضا المعبر.. فلا تستطيع أن تفصل أفلامهم عن أحمد زكي ولا أن تفصل أحمد زكي عنهم.. هناك امتزاج ولهذا جاء تفوقه علي كل جيله في المحطات السينمائية التي يملأها الصدق والإبداع وهذا الرأي قلته وأحمد زكي بيننا وكررته بعد رحيله وأرصده الآن لأنني أستشعر بهذا السلاح الفتاك الذي يتردد بقوة ليربط بين أحمد زكي والفيلم.. نعم كان فيلم «حليم» هو حلم أحمد زكي وكان من المفترض أنه بعد أن قدم «ناصر 56» عام 1996 أن الشخصية التاريخية التالية لجمال عبدالناصر علي خريطة أحمد زكي هي عبدالحليم حافظ.. وتحمس مجدي العمروسي للإنتاج وكتب عبدالسلام أمين السيناريو وكان مرشحا للإخراج وقتها حسين كمال.. ثم ظهر مشروع آخر بعد اتفاق كل من داود عبدالسيد وأحمد زكي علي أن يقدم هو الفيلم وكتب داود معالجة درامية وتعطلت لغة المفاوضات بين أحمد زكي وورثة عبدالحليم حافظ نظرا للمغالاة في الشروط التي فرضها الورثة واتجهت وقتها شحنة أحمد زكي الإبداعية لتجسيد حياة الرئيس الراحل أنور السادات في «أيام السادات» إخراج محمد خان.. ولكن ظل أحمد زكي يسكنه عبدالحليم حافظ ويحلم بأن يقدمه للناس حتي جاء لقاؤه مع عماد الدين أديب.. وبعدها بدأت مرحلة مرض أحمد زكي وتتابع القصة المؤلمة والظرف الطارئ القاسي الذي عاشه أحمد زكي ورغم ذلك لم يفقد أحمد زكي روحه في المقاومة لكن للجسد أيضا إمكاناته.. أحمد زكي الذي شاهدناه يقدم «حليم» ليس هو المبدع الكبير «أحمد زكي» كل شيء تم إعداده وكأننا بصدد خطة محكمة للحصول علي آخر أنفاس أحمد زكي فإذا كان غير قادر علي الحركة والانفعال فهو يجلس علي المقعد المقابل لجمال سليمان الذي يؤدي دور المذيع في الفيلم ويبدأ الحوار وأشعر وأنا أتابع كلمات أحمد زكي الحوارية أنه لا يستطيع الأداء الصوتي بسبب تغلغل المرض في جهازه التنفسي أما تباين المشاعر بين كل جملة وأخري فإنه لا يستطيع الانتقال ليس لأن مبدعنا الكبير لا يدرك أن عليه التعبير ولكن أدواته الجسدية والصوتية والتعبيرية تخذله.. هل حققوا حلم أحمد زكي؟ لا أتصور ذلك لأنهم كانوا يحققون حلمهم هم بتقديم فيلم يسبقه تعبير له ثمن في البيع وهو أخر... إنه آخر فيلم لأحمد زكي وهذا يعني مضاعفة ثمن البيع. الفيلم يظل وثيقة تلتصق بالفنان في حياته بعد رحيله.. بالطبع في حياة أحمد زكي أفلاما كان هو أول من ينتقدها ولكن أحمد زكي قدم تلك الأفلام وهو في كامل قواه الصحية والإبداعية والنفسية هذه المرة حتي ولو كانت إرادة أحمد زكي وراء تقديم الفيلم وأنه حلمه الاثير إلا أن الشاشة التي احتوت هذا الحلم لم تكن علي قدر المسئولية، كان شريف عرفة يحاول أن يجمع أوراقا درامية مبعثرة هنا أو هناك وأن يستعرض قدرته علي اللعب بالكمبيوتر «جرافيك» وأن يحصل من أحمد زكي علي بقايا أداء وعلي آخر أنفاسه وبعد ذلك ينتقل كما يحلو له، موقف هنا وأغنية هناك وكلمة هنا وشخصية هناك قرر أن يصنع فيلمه في ظل ظروف مستحيلة ولكنه ليس فيلم أحمد زكي هو فيلم لاستثمار آخر أنفاس نجمنا الراحل الكبير.. ولم يضبط المخرج المسئول أيضا عن السيناريو التفصيلي كما شاهدناه علي الشاشة لم يستطع وهو علي تلك الحالة من اللهاث أن يضبط الزمن دائما ما تتداخل الأغنيات والتواريخ وتتناقض ووقع أسيرا لصورة ذهنية رسخها مجدي العمروسي بأنه كان الصديق الأقرب لعبدالحليم يحكي له ويفضفض رغم أن ما كان الأقرب هما علي سبيل المثال محمد الموجي وكمال الطويل حتي فترات الخصام بينهما كانت قادرة علي أن تخلق مواقف درامية تستطيع من خلالها أن تري بجلاء أكثر عبدالحليم حافظ.

لا أصادر حق شركة الإنتاج ولا حق من يعملون معها أو يتعاطفون معها علي الترويج لفيلمهم فهذا يظل من واجبات شركة الإنتاج ولكن فقط عليهم أن يضعوا خطا فاصلا بين أحمد زكي وحليم.

.. أحمد زكي ممثل استثنائي مبدع له تاريخ إبداعي لم ولن يطاوله أحد و«حليم» مجرد فيلم شارك فيه أحمد زكي وهو غير قادر علي الأداء.. لا نحاسب أحمد زكي بالطبع علي الفيلم ولكننا نحاسب من صنعوا الفيلم وحاولوا إلصاقه بأحمد زكي.

جريدة القاهرة في 18 يوليو 2006

 

ما بين بكاء وتصفيق... الفيلم يتحول مرثية لبطله الراحل...

«حليم» يطالب الصحافة باحتضان آخر أحلام أحمد زكي

القاهرة - علا الشافعي 

«سجادة حمراء» وصور ولقطات مختلفة لأبطال فيلم «حليم» وصوت عبدالحليم حافظ يملأ الاجواء، كانت تلك تفاصيل المشهد التمهيدي قبل العرض الافتتاحي للفيلم، أما المشهد الختامي فكان بطله التصفيق والبكاء من صفـوف الحـضور. ولا أحد يـعـرف بالضبـط هل كان البكاء على احمد زكي بطل الفيلم - الذي بدا في مشاهده متعباً ومرهقاً؟ أم على «حليـم» الشخصيـة المحورية التي عـانـت الكثير في حياتها، أم على استدعاء لحظات الثورة والانكسار العـربي التي حملتـها المشـاهد الارشيفية في الفيلم؟ أو لأن الشريط السيـنمائي نفسه لا يـليـق بـاسم اثنين من كبار الفنانين العـرب شكلا ثـورة فـنية كلٌ في مجاله؟

ما بين هذه التساؤلات يكمن مأزق فيلم «حليم»، إذ إن منتجه عماد الدين أديب، كان لديه شعور بأن هناك خللاً درامياً في الفيلم، لذلك مهد أمام الحضور قائلاً: «اعتبروا ان هذا الفيلم هو قصة حب ووفاء وتعبير عن تقدير لأخ كبير، وصديق عظيم عاشق للسينما، احمد زكي طرق كل الابواب كي ينتج هذا الفيلم، وكتب له السيناريو والحوار عشرات المرات الى أن استقر على رؤية الكاتب محفوظ عبدالرحمن، والمفارقة الدرامية أنه في الوقت نفسه الذي وقع فيه احمد عقد الفيلم عرف أنه مريض بالسرطان، ارجو من زملائنا في الصحافة ان يتعاملوا برفق مع أحمد زكي، اطالبكم بأن تحتضنوا حلمه الاخير». ليس هذا فقط بل اكد أديب أن هناك من يتربص بالفيلم حتى قبل عرضه، فإحدى الصحف جهزت ست صفحات هجوماً على الفيلم قبل أن ينزل الى دور العرض، في اشارة واضحة الى جريدة «روز اليوسف» اليومية التي سبق وافردت صفحاتها للهجوم على شخص عماد الدين اديب نفسه، وفيلمه الاول الذي انتجه «عمارة يعقوبيان»، وضمن الهجوم اتهامات لعماد الدين اديب بأنه استغل احمد زكي في فترة مرضه، وأقنعه بتصوير الفيلم في حين ان حالته الصحية لم تكن تسمح بذلك، بل ردد بعضهم ان في مشهد النهاية لفيلم «حليم» كان سيتم المزج بين جنازتي حليم وأحمد زكي.

من ناحيته نفى هيثم أحمد زكي ان تكون هناك شبهة استغلال لوالده، مؤكداً أن فيلم «حليم» كان «حلم والدي الذي ظل يجري وراءه فترة طويلة، ولم يكن ثمة من يستطيع ان يقول لأحمد زكي: لا تقف امام الكاميرا او تعال لتصور هذا الفيلم، والدي لم تكن تحركه سوى أحلامه وقناعاته، أرجوكم كفاية إشاعات، واتركوا أبي يرقد في سلام».

من الواضح بعد كل شيء أن منتج الفيلم ومخرجه شريف عرفة وقعا في مأزق ولم يكن أمامهما الا خيارين كلاهما صعب: الاول عدم تنفيذ الفيلم نظراً الى مرض البطل، والثاني إنتاج الفيلم وهما على وعي ودراية بأن النجم احمد زكي قد يرحل في أي لحظة، الا انهما اختارا الحل الثاني لذلك كان لا بد من البحث عن حلول بصرية وتقنية ودرامية تتواءم مع الحالة الصحية للبطل الذي ظهر جالساً طوال مشاهده امام الفنان السوري جمال سليمان الذي جسد شخصية الإذاعي رامز في حوار يستعيد فيه عبدالحليم ذكرياته ليظهر في «الفلاش باك» ابنه هيثم وهو يجسد دور حليم شاباً ضمن الكثير من مشاهد الفيلم استخدم فيها الغرافيك لإحلال هيثم مكان عبدالحليم في مشاهد من افلام الراحل.

تعاطف

وبدا أحمد زكي في مشاهده التي قدمها منهكاً لا يقوى على الحركة وكان صوته يخرج بصعوبة - هناك مشاهد صورها زكي وهو لا يستطيع الرؤية بشكل واضح. وبغض النظر عن الهنات الفنية والاخطاء التاريخية التي وقع فيها الفيلم، وطريقة السرد التي غابت عنها السلاسة نظراً الى ظروف البطل الصحية، فإن الجمهور خرج متعاطفاً مع الفيلم الذي يروي مأساة مطرب أثرت اغانيه الرومانسية والوطنية في اجيال كاملة، وكذلك مأساة حياة بطل الفيلم الذي عاش ظرفاً مماثلاً بدءاً من طفولته وحتى لحظة وفاته بالسرطان.

لذلك فالفيلم الذي أثار موجة من التعاطف لن يخرج عن كونه مرثية في حب أحمد زكي الذي عشق شخصية عبدالحليم وتمنى أن يجسدها، كما فتح باباً لموهبة جديدة ستشهد تألقاً في الفترات المقبلة وهي هيثم احمد زكي.

الحياة اللبنانية في 21 يوليو 2006

 

سمير الجمل يكتب

«حليم» من «حكاية شعب» إلي حكاية فيلم  

> شريف عرفة جمع «شتات» سيناريو مكتوب وآخر تنفيذي وهيثم أحمد زكي كان الاختيار «صفر»! لا يمكن بحال أن نتجاهل موهبة بحجمه ونوعية أحمد زكي رئيس جمهورية التمثيل وانت تعرف مقدما أن الذي جسد طه حسين وعبدالناصر والسادات يمكن أن يرتدي حنجرة حليم بكل اقتدار. ولكن كيف تحكم علي هذا العمل السينمائي بنفس مقاييس الحكم علي الأعمال الأخري وأنت تعرف وغيرك يعرف تلك الظروف الاستثنائية التي تم فيها تصوير الفيلم.. وبطله يصارع الموت والمرض يضربه بعنف.. وقد رحل قبل أن يكمل حلمه الكبير.

لا يكتب محفوظ عبدالرحمن السيرة الذاتية للشخصية الشهيرة فهذه لعبة أصغر بكثير من قلم وفكر وخبرة محفوظ، أنه يلتقط لحظة ساخنة من حياة الشخصية ويشيد عليها المعمار الدرامي حتي لا يسقط في فخ التهليل والإشادة والتمجيد، ويتحول العمل إلي كارت بوستال أو طابع بريد عليه صورة ناصر أو الست أو العندليب.

ومع تسليمي وقناعتي أنا وغيري بأن فيلم «حليم» لم يكن ليظهر أو تقوم له قائمة لولا وعي المخرج شريف عرفة وموهبته الفذة وخبرته السينمائية البالغة لكي يجمع هذا الشتات بين ما تم تصويره وما يجب تصويره وبين سيناريو كتبه أديب كبير وبين سيناريو تنفيذي يخضع لظروف أخري ساقت هيثم إلي البلاتوه ليكمل حلم والده، وقد كان وجوده هو الاختيار «صفر» الذي لا بديل عنه .

عنوان السيناريو المكتوب «حكاية شعب» وعنوان السيناريو المرئي «حكاية فيلم» وتلك هي المسألة التي تجعلك تدخل دار العرض وأنت مشحون عاطفيا تجاه أحمد زكي وهيثم ثم تستيقظ حواسك العقلية وأنت تري التكنيك الذي استخدمه شريف والحلول التي لجأ إليها حتي إنه استهلك كل الحيل والوسائل السينمائية المعروفة وغير المعروفة بحيث يظل الفيلم في نهاية المطاف وثيقة تجسد وثيقة، وعلي غرار ما جاء في إعلانات الفيلم «اسطورة يجسدها اسطورة» الوثيقة المرئية التي قدمها عرفة من وحي الوثيقة الدرامية التي كتبها محفوظ والتي هي بدورها وثيقة عن آخر أيام قتال «زكي» مع الحياة حتي رفع الراية البيضاء وانسحب مستسلما لقضاء الله وهو الذي كان ينتظره، والوثيقة التي شاهدناها لعصر ورجل ومواقف وهذا المزج الناضج لما هو تسجيلي بما هو درامي بما هو فيلمي من مشاهد لحليم حل هيثم محله فيها وظهر مع شادية وإيمان وهو أقرب للشكل الذي قدم به محمد فاضل فيلم «ناصر 56» عن نص محفوظ عبدالرحمن.

لقد كنا لحظة بلحظة مع أحمد زكي في معاناته وكان لي الحظ أن التقي به بعد لحظات من الاتصال التليفوني الذي تلقاه من الرئيس مبارك وهو يدخل مستشفي دار الفؤاد وقبل الإعلان عن حقيقة مرضه في فبراير 2004 .

ولا أعرف لماذا اختارت الشركة المنتجة أن تلقي بالفيلم في لهيب الصيف وزحمة الموسم وأمزجة الجمهور وهو ينشد الضحك والفرفشة أكثر من التأمل والرزانة، ولو طرح الفيلم في الشتاء منفردا وبعيدا عن طابور الأفلام المعروض حاليا.. لكانت النتيجة أفضل للمتفرج وللفيلم، لأنه ليس فيلما تقليدا إنه «حالة»، إما أن تقبلها علي بعضها أو ترفضها لأن الظرف غير الظرف والفيلم غير باقي الأفلام، والذي ينظر إليه صامتا احتراما لغياب أحمد زكي وموهبته يظلم زكي، والذي يشاهده بحثا عن سيرة حليم فقط يظلم حليم، والذي يفتش في مشاهده عن لقطات الحب والرومانسية وأغاني العندليب يظلم كل هذه الأمور.. وأغلب الظن أن الخوف من نزول الفيلم بعد المسلسل التليفزيوني الذي يجري إعداده الآن عن «العندليب» هو الذي فرض هذا التوقيت لعرض «حليم»، ورأيي أن الفيلم برائحة وطعم أحمد زكي وهذا الجهد العبقري لشريف عرفة وباقي طاقم العمل يستطيع الصمود أمام مسلسل يلعب بطولته شاب كل ميزته أنه يشبه عبدالحليم وليس بدرجة التشابه وحدها تنجح سير العظماء لأن التمثيل بالشكل مثل أكل «التيك أواي»، لكن التمثيل بالروح يعيش لأنه أصيل وأحمد زكي هو أستاذ التقمص بالروح حتي إننا رأينا أنف عبد الناصر علي وجه وأنف أحمد زكي وهو يحتفظ بأنفه هو وتلك هي العبقرية.. ألم أقل لكن إننا أمام حالة استثنائية.

جريدة القاهرة في 25 يوليو 2006

 

حليم افتقد الصدق والجمال بسبب.. هذا الإصرار العجيب علي إنتاجه‏!‏

كتب ـ نـــــادر عــــــدلي 

أي محاولة نقدية لقراءة فيلم حليم تصطدم فورا بشوشرة إعلامية ودعائية صاخبة تحاول أن تربط بين الشريط السينمائي‏,‏ ورحيل بطله المأساوي‏,‏ وظروف إنتاجه‏!..‏ وأكاد أجزم بأن الدعاية الزائدة والعاطفية أثرت سلبا علي نجاحه الجماهيري‏,‏ لأن الناس توقعت عملا أهم من الذي شاهدوه‏,‏ والطريف أن نفس الدعاية أحاطت وأصابت صناع الفيلم أنفسهم‏,‏ فأصبح هناك التزام أدبي باستكمال الشريط بكل الحيل الممكنة وتعديل السيناريو‏,‏ وحذف وإضافة شخصيات وأغنيات حتي يكون هناك فيلم يروي سيرة أهم مطرب عرفته مصر والعالم العربي‏:‏ عبدالحليم حافظ‏.‏

كان أحمد زكي ـ رحمه الله ـ ممثلا مجتهدا للغاية‏,‏ وكان من أهم الممثلين الذين عرفتهم السينما المصرية‏,‏ وهو جزء مهم من سينما الثمانينيات‏(‏ الواقعية الجديدة‏),‏ ومع ظهور سينما جديدة بنجوم شباب تميل إلي الكوميديا الخفيفة‏,‏ واتجاه الجمهور نحو هذه الموجة لأسباب كثيرة‏,‏ حاول أحمد زكي أن يستمر بتقديم أفلام مختلفة ومحترمة تضيف إلي رصيده‏,‏ وجاء النجاح المدهش لفيلم ناصر‏56‏ ليفتح له طريقا‏,‏ فتحمس لفيلم أيام السادات لتحقيق نجاح آخر‏,‏ ثم بدأ يكافح لتقديم فيلم ثالث يكون بطله عبدالحليم حافظ‏,‏ هذا المطرب الذي ارتبط بالثورة سياسيا‏,‏ وبمشاعر الحب والرومانسية في الستينيات بعد أن قاد ـ مع آخرين ـ ثورة في شكل وأداء ومضمون الأغنية الشبابية‏..‏ وعاش أحمد زكي فترة غير قصيرة حائرا‏(‏ بوصفه صاحب مشروع فيلم عن عبدالحليم حافظ‏):‏ كيف يقدم هذا الفيلم؟ وكانت صعوبة السؤال تتلخص في أن تقديم سيرة ذاتية لعبدالحليم دون قراءة مجتمع الثورة بكل أحلامه وتطلعه للمستقبل يمثل عملا فقيرا لأن حليم كان المتغني بهذه الأحلام وباسم المستقبل‏,‏ وأن صوته الجميل تم توظيفه ليصبح حنجرة وأعلام الثورة تجاه الشباب عاطفيا وسياسيا‏!‏

المهم أن الصيغة أو المعالجة التي أرادها أحمد زكي لفيلم حليم تم تعديلها تماما بعد إصابته بمرض السرطان اللعين حيث أصبح من المستحيل تنفيذ الفيلم كما اراده‏..‏ وكان الحل الوحيد هو العودة إلي صيغة السيرة الذاتية علي أن يتقمص أحمد زكي شخصية حليم ليروي في حديث إذاعي طويل مشواره‏..‏ ولأن الفيلم تم إنتاجه أصلا لتحقيق رغبة أحمد زكي فإن هذه المشاهد كانت تمثل الخط الدرامي الأساسي لمعالجة الفيلم‏,..‏ ولأن أحمد زكي يعاني آلام المرض فإن هذا الحوار الطويل افتقد للحيوية‏,‏ وبدا حزينا مأساويا وكأنه يروي مرض أحمد زكي شخصيا‏,‏ وهكذا تداخلت الشخصيتين‏(‏ حليم وأحمد زكي‏),‏ والغريب أن هذا ما حاولت أن تؤكده الدعاية لتربط بين المغني الأسطورة والممثل العبقري‏!‏

بذل شريف عرفة جهدا مدهشا في إنجاز شريط حليم ومال في الجزء الأول نحو تقديم صيغة فيلمية تسجيلية‏,‏ وفتح مساحة جيدة لأغاني عبدالحليم الثورية أو السياسية‏,‏ ولكنه قدمها هكذا دون تمهيد درامي‏,‏ أو تفسير‏:‏ كيف أصبح عبدالحليم لسان حال الثورة؟‏..‏ وهذا الجزء لاقي قبولا من صالة العرض‏,‏ وإن كان تنفيذه ـ رغم المهارة الفنية العالية ـ يبدو بصيغة الأعمال التليفزيونية‏!..‏ وما لم أفهمه تماما هو جملة الحوار تلك التي جاءت في بداية الفيلم والتي تؤكد أن عبدالحليم لم يكن صادقا إلا حينما يغني‏!..‏ فهذه الجملة ضد حليم وسيرته وتعني من زاوية أخري أن الفيلم ليس عن عبدالحليم وإنما عن رأي من حوله فيه‏!!‏

نأتي إلي الجزء الثاني من الفيلم‏,‏ الذي أراد شريف عرفة أن يجعله رومانسيا فظهرت الشخصيات النسائية الثلاث‏:‏ الفتاة التي أحبها ولم يطلها‏(‏ سولاف فواخرجي‏),‏ والفتاة التي يرعاها وظنت أنه يحبها‏(‏ مني زكي‏),‏ والممثلة التي أحبته وأحبها ولا نعرف ما سر فراقهما‏(‏ سهير رجب‏),‏ وفي هذا الجزء الثاني تناثرت أغاني حليم العاطفية بسبب وبدون سبب‏,‏ وكان أسلوب الراوي أو الحديث الطويل بين حليم والمذيع‏(‏ جمال سليمان‏)‏ مبررا للانتقال العشوائي من موقف لموقف‏.‏

افتقد الفيلم وحدة الأسلوب والرؤية‏,‏ وبدا أشبه بحكاية عبدالحليم حافظ كما ترويها الصحف وليست عملا دراميا جميلا وصادقا‏,‏ لكن من المهم أن نشير إلي أن هذا العمل برغم كل ما يمكن أن يؤخذ عليه يستحق المشاهدة‏,‏ وأن مناطق غير قليلة في المعالجة تخاطب المتفرج بشجن ويتعاطف معها‏,‏ وأن جيلا كاملا من الشباب أعاد اكتشاف مطرب مهم لم يكن يعرفه‏,‏ وأن الفيلم نجح في أن يصل هذا الصوت إلي وجدان شباب اليوم‏,‏ وكنت أظن أن أغاني عبدالحليم الوطنية لم يعد لها أثر إلا في جيلي بدوافع من الحنين‏,‏ فاكتشفت أن شباب اليوم مال إليها وحركت بداخله شيئا ما‏.‏

يملك هيثم أحمد زكي‏(‏ بطل الفيلم‏)‏ حضورا‏,‏ وجاءت تعليمات شريف عرفة لتأخذ منه بعد التلقائية في أداء حركة العين‏,‏ وخرج الأداء بشكل عام متميزا من جمال سليمان ومني زكي وسولاف فواخرجي ومحمد شومان وصلاح عبدالله‏,‏ أما عزت أبو عوف‏(‏ محمد عبدالوهاب‏)‏ فقد قدم الشخصية بشكل كوميدي كاريكاتيري بدون مناسبة‏!‏

جهد حقيقي من المخرج شريف عرفة لتقديم فيلم حليم‏,‏ وهو عمل يحسب له تماما علي مستوي الحرفة‏,‏ وصحيح أن رغبة أحمد زكي وحلمه كانت تحقيق هذا الفيلم‏,‏ لكن رغبته كانت أن يكون هو بطله‏,‏ وليس تقديم عمل عن عبدالحليم حافظ في حد ذاته‏,‏ وقد أصرت شركة الإنتاج بشكل عجيب علي تقديم الفيلم واستكماله فخرج ينقصه الكثير‏.‏

الأهرام اليومي في 26 يوليو 2006

فيلم «حليم» أُنجز في ظروف صعبة... هيثم أحمد زكي:

لم أقلِّد والدي... بل قدمت مزيجاً من أسطورتين 

القاهرة/ الحياة: مع بداية عرض فيلم «حليم» في دور العرض المصرية وفي الوقت الذي كان فيه الفيلم يعرض في حفل افتتاح مهرجان السينما العربية في باريس، انقسم النقاد حول الفيلم. البعض وجده لا يليق باسم عبدالحليم، ومشوار حياته الشديد الثراء، وبممثل في حجم أحمد زكي، الذي أكد كثر أنهم رأوا موته على الشاشة، فيما قال آخرون أن الفيلم أنجز في ظروف صعبة، ويكفي أنه يحمل اسم أحمد زكي. ولكن «الكل» في المقابل أجمع على موهبة هيثم، والذي «حتى وإن كانت تجربته الأولى هذه قد ظلمته بعض الشيء» إلا أنه يملك كاريزما خاصة وموهبة تحتاج الى رعاية.

في حوار مع «الحياة» لم ينف هيثم أحمد زكي أنه دخل تصوير فيلم «حليم» في ظرف درامي غير إنساني، فاليوم الأول له أمام الكاميرا جاء بعد وفاة والده بـ14 يوماً فقط، وكان المفروض به أن يكون بديلاً لأحمد زكي، ومجسداً لشخصية عبدالحليم.

وإذ يقول هيثم هذا يصمت بعض الشيء قبل أن يضيف: «كان الوضع بالنسبة إلي كارثياً، وأذكر انني وقتها سألت نفسي من أنا حتى أقدم دوراً سينمائياً يجسد عملاقين في الغناء والتمثيل؟ خصوصاً أن كل علاقتي بالتمثيل كانت من خلال أحمد زكي الذي كنت أتابعه وهو يحضّر لأفلامه، يذاكر السيناريوات، يضع تفاصيل للشخصيات التي يعمل عليها، أو يقدم أمامي بعضاً من المشاهد فهو وأنا عندما كان يريد أن يُشركني معه، كنا نقدم مشاهد ارتجالية نتبادل فيها الأدوار أو نختلق مواقف درامية نجسدها».

ويضيف هيثم: «في إحدى المرات وهو يحضِّر لفيلم «حليم» قلت له: «أنا عاوز أمثل» أذكر يومها ان والدي صمت، ثم علق على سؤالي قائلاً: «أعرف انك موهوب ولكن عليك أن تنهي دراستك أولاً»، ولكن القدر شاء له ولي شيئاً آخر أقصد شاء أن أقف مكانه لاستكمال أحد أحلامه التي عاش لأجلها وهو تقديم فيلم عن عبدالحليم حافظ».

اليوم الأول

حول أول يوم تصوير في فيلم «حليم» يقول هيثم: «بالتأكيد لن أنسى هذا اليوم، الجميع أحاطوني بالعطف بدءاً من العاملين في الاستوديو ووصولاً الى الشركة المنتجة والمخرج شريف عرفة، وعلى رغم ذلك كنت أشعر بوجع عميق. فأنا قبل أن أكمل عامي العشرين صرت بلا أب، وكنت فقدت أمي قبل ذلك بأعوام، في تلك اللحظة شعرت أن الفيلم يجب استكماله إكراماً لخاطر أبي. ومع تصوير أول لقطة شعرت كأنه يقف بجواري ويربت على كتفي بحنان أبوي بالغ».

وعن أدائه في الفيلم والذي وجد فيه البعض تقليداً لأحمد زكي وهو يحاكي عبدالحليم، قال: «إن عبدالحليم عانى في مشواره الفني وكذلك أبي. وليس ذلك فقط فالاثنان ينتميان الى محافظة واحدة هي الشرقية، وجمعهما شقاء أسري يتشابه في تفاصيله، وكلاهما توفي في الخمسينات من عمره بعد معاناة طويلة من المرض لذلك أنا لم أقلد أبي وهو يحاكي حليم، بل قدمت مزيجاً من الشخصيتين».

يضيف هيثم: «أرجو ألا تنسوا أن الفيلم أُنجز في ظروف إنسانية صعبة جداً، ويكفي أنني لم أقم بعمل التحضيرات اللازمة للشخصية مثل أي فنان تتوافر له فرصة تقديم شخصية تاريخية أو عامة، فما بالك لو كانت هذه الشخصية لعبدالحليم حافظ، الذي حقق ثورة بأغانيه، وارتبط في أذهان العرب بلحظات تاريخية ثورية، وعاش الناس من خلال صوته انتصارات، وانكسارات، ونظراً الى طبيعة الظروف اكتفيت بأن أعرف «حليم» من خلال أفلامه والأغاني الوطنية والرومانسية التي قدمها، وكانت عيني حليم، هما مفتاح دخولي الى الشخصية».

حول الانتقادات التي وجهت الى الفيلم بأنه «لا يليق باسم الراحل أحمد زكي أو عبدالحليم»، والحديث عن أن «السيناريو تم تعديله نظراً الى الظروف المرضية لوالدك»؟! يعلق هيثم متسائلاً: «من قال إنه كان هناك تعديلات درامية أُجريت في السيناريو؟ كلاّ، فالسيناريو نُفذ كما صاغه الكاتب محفوظ عبدالرحمن، وكما قرأه والدي. كل ما في الأمر أن المخرج شريف عرفة تدخل بحذف بعض المشاهد القليلة والخاصة بوالدي بعد وفاته لا أكثر ولا أقل. وعن أداء والدي أؤكد أنه لم يتأثر، فهو قدم معاناة حليم مع المرض فيما كان هو نفسه يعاني من السرطان، وأرى أن المرض لم يعقه بل أعطاه دفعة قوية».

وعن مسألة الاتهامات التي وجهها البعض للمنتج عماد الدين أديب باستغلاله الراحل أحمد زكي في مرضه الأخير يؤكد هيثم: «هذا الكلام غير حقيقي بالمرة، الذين يرددون هذه الاتهامات لا يعرفون أحمد زكي جيداً فهو الذي أصر على التصوير، ولم يكن أحد في الكون يستطيع ثنيه عن رغبة له وما بالكم بتجسيده شخصية عبدالحليم الذي ظل يحلم بتقديمها عشرات السنين».

وحول عرض الفيلم في الموسم الصيفي المزدحم بالأفلام، وعدم تحقيقه إيرادات تتناسب مع كلفته، إذ أن مدخول الفيلم لم يتخط الـ2 مليون جنيه، يقول: «اختيار توقيت عرض الفيلم مسألة تخص الشركة المنتجة وليس لي دخل فيها، أما مسألة الإيرادات فالفيلم هو التجربة الأولى لي وهناك ظروف لها علاقة بالتوزيع قد تؤثر في إيراد الفيلم هذا في حدود معلوماتي».

وعن مشاركة فنانين عرب (جمال سليمان وسلاف فواخرجي) في الفيلم يؤكد: «سعدت جداً بالعمل مع سلاف التي جسدت دور حبيبتي، أقصد حبيبة حليم جيهان، وأرى أنه من الطبيعي أن تجمعنا أعمال مشتركة، خصوصاً أن «الفن» هو الشيء الوحيد الذي يجمع ويوحد العرب في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة العربية».

وحول متابعاته للقضايا السياسية والتطورات في لبنان وفلسطين، قال: «لست قارئاً جيداً ولكني أتابع نشرات الأخبار بانتظام وأعرف الكثير من التفاصيل من طريق الانترنت، إلا انني عشت فترات تاريخية سابقة من خلال والدي الذي كان قارئاً نهماً وعاصرته وهو يحضر «ناصر 56»، و «السادات» وهذه التفاصيل ساعدتني في تنمية وعيي بما يدور حولي».

ويختتم هيثم أحمد زكي قائلاً: «أرى أن أكثر ما نحتاجه في هذه الأيام الصعبة هو صوت عبدالحليم حافظ والذي تأثرت جداً بأغنياته السياسية والوطنية».

الحياة اللبنانية في 28 يوليو 2006

 

هيثم‏:‏ أحمد زكي علمني فن الحياة.. برحيله‏..‏ لم أعد أعرف طعم الفرحة

أجرت الحديث‏-‏ علا الشافعي

هو الوحيد الذي عرف أنني ممثل‏,‏ كثيرا ما كنا نرتجل مشاهد تمثيلية لنقدمها معا‏,‏ هو يقوم بدور الابن‏,‏ وأنا بدور الأب‏,‏ لست قارئا جيدا‏,‏ لكن هناك فترات تاريخية عشتها من خلال أبي‏,‏ الذي كان قارئا نهما‏,‏ قيامي باستكمال دور أداه والدي كان بمثابة كارثة لي‏.‏

أتخيله في كل لحظة وكثيرا ما نتبادل حوارات بعد رحيله لم أعد أستطع أن أفرح تلك كانت جملا من حوار لـ الأهرام العربي مع هيثم أحمد زكي‏,‏ البطل الذي شاهدنا مولد نجمه في فيلم حليم‏,‏ يحمل هيثم الكثير من أحمد زكي‏,‏ لفتاته‏,‏ انفعالاته‏,‏ ونفس نظرة الحزن الأسيرة في عينيه‏,‏ والأهم أنه يملك ذكاء الحوار‏,‏ والوعي الشديد بكل ما يجري حوله‏,‏ كأن التجارب الحياتية الأليمة التي عاشها منذ صغر سنه من رحيل والدته‏,‏ ثم معاناة أبيه مع المرض ورحيله قد زادته جدة وجعلته في لحظات يبدو أكبر من عمره بكثير‏,‏ وعن فيلم حليم وأحمد زكي‏,‏ تحدث إلينا‏.‏

‏**‏ شاهدت فيلم حليم وسط جمهور متنوع في مهرجان كان الدولي‏,‏ ماذا عن رد الفعل هناك ورد الفعل بعد عرض الفيلم في مصر؟

بالفعل الجمهور في كان الدولي شديد التنوع ما بين دبلوماسيين وفنانين وعرب وأجانب شاهدوا الفيلم وجاءت ردود فعلهم إيجابية‏,‏ لكن ما أذهلني هو رد فعل الفرنسيين علي الفيلم الذين وقعوا في غرامه‏.‏

‏**‏ لماذا أذهلك رد فعل الفرنسيين؟

الفيلم يعبر عن مراحل تاريخية تمس الشعب المصري‏,‏ فالمسألة ليست فقط عبدالحليم‏,‏ هناك خلفية تاريخية للأحداث‏,‏ أغان وطنية‏,‏ ثورة تولد‏,‏ مرحلة انتصارات ثم انكسارات‏,‏ لحظات من الدفء أشعر أنها تخصنا كعرب‏,‏ لذلك جاء ذهولي من رد فعلهم الإيجابي والحميم تجاه الفيلم‏,‏ وهذا ما جعلني أتجاوز قلقي قليلا‏,‏ وأقولها صراحة كنت مرعوبا من رد فعل الجمهور المصري‏,‏ خاصة أنه جمهور كبير‏,‏ وبعض ممن شاهدوا الفيلم عاشوا اللحظات التاريخية التي يتناولها‏,‏ وعاصروها‏,‏ أو ارتبطوا عاطفيا بعبدالحليم أو أحمد زكي‏,‏ من هنا كان خوفي الشديد من رد فعل الجمهور المصري‏,‏ الذي لم يختلف كثيرا عند العرض الأول للفيلم‏.‏

‏**‏ جرت العادات السينمائية علي أن يقوم الفنانون بجولات في دور العرض ومشاهدة أفلامهم وسط الجمهور لمعرفة ردود الأفعال؟

صمت للحظة وقال‏:‏ صدقيني لا أستطيع حتي الآن التعامل مع نفسي علي أنني فنان‏,‏ فعمليا لا أستطيع التعامل مع هذه التفاصيل‏,‏ بجد مش واخد علي جو الفنانين‏,‏ لكن سأحاول في الأيام القادمة أن أذهب بمفردي وكواحد من الجمهور لمشاهدة العرض‏,‏ علي الأقل لأعرف رد فعل الناس علي أدائي في تجربتي الأولي‏.‏

‏**‏ عندما يقوم فنان بتجسيد شخصية تاريخية أو شخصية عامة‏,‏ يأخذ فترة طويلة من أجل التحضير للشخصية‏,‏ بدءا من القراءة عنها‏,‏ وعمل مشاهد لها إلا أن الفرصة لم تتوافر لك‏,‏ هل انعكس ذلك علي أدائك للشخصية؟

لم يكن عندي وقت لدراسة الشخصية أو جمع معلومات عن حليم‏,‏ إلا أنني كنت أستمع لأغانيه باستمرار‏,‏ وحاولت من خلال الأغاني المتنوعة التي قدمها أن أشعر بالشخصية وأتواصل وأتفاعل معها‏,‏ وأعتقد أن هذه الأحاسيس ساعدتني رغم قلة الخبرة والدراسة‏,‏ وبالتأكيد عندك حق فهذه النقطة لم تكن لصالحي بالمرة‏,‏ فأبوي قام بالتحضير لشخصية السادات لمدة أربع سنوات ليس ذلك فقط‏,‏ بل كان معاصرا لشخصيته‏,‏ كما سبق أن شاهد عبدالناصر في طفولته‏,‏ لكن ساعدني في التغلب علي هذه المسألة‏,‏ أنني عشت مع أبوي لحظة بلحظة وهو يعمل علي شخصية عبدالحليم‏,‏ الذي ظل يحلم بتقديمه عشر سنوات‏.‏

‏**‏ لاحظت أنك تردد كلمة أبوي طوال الحوار‏..‏ لماذا لا تستخدم بابا أو اسمه؟

يصمت لفترة‏,‏ لا أعرف فهي الكلمة الأقرب إلي قلبي ولساني‏,‏ وأقولها بشكل تلقائي‏,‏ ويتساءل هو أبوي بحسها كده‏.‏

يضيف‏,‏ عندما دخلت إلي الاستوديو كان الجميع يحيطني برعايته كل فريق العمل والشركة المنتجة‏,‏ لكن بالتأكيد لم يكن من بينهم من يشعر بوجعي‏,‏ قد يتعاطفون معي‏,‏ أو يشفقون علي‏,‏ لكن ألم ووجع الفراق كان يخصني أنا هيثم ابن أحمد زكي‏,‏ والذي فقد والده وهو في أمس الاحتياج إليه‏.‏

لكن في هذااليوم شعرت بأن أبوي يقف وراء الكاميرا وينظر إلي ويشجعني‏,‏ وكأنني أخذت طاقتي النفسية من إحساسي بروحه تدور حولي‏.‏

‏**‏ تنتمي لجيل تربي علي سينما مختلفة وموسيقي مختلفة‏..‏ فكيف تري عبدالحليم كمطرب؟

يخطئ من يظن أننا جيل تافه‏,‏ فالكثير من أبناء جيلي يسمعون عبدالحليم‏,‏ ويعشقون صوته‏,‏ كما أنه مازال يمثل لي ولآخرين مرادفا للرومانسية‏,‏ وأذكر أنه في الفترات التي كان أبوي يحضر فيها لفيلم ناصر‏56‏ والسادات‏,‏ كثيرا ما كان يحدثني عن عبدالحليم‏,‏ وكنا نستمع لأغانيه معا‏.‏

‏**‏ في الفيلم تغنيت بأغاني حليم العاطفية والرومانسية أيهما الأقرب إليك؟

هل ستصدقيني لو قلت لك الأغاني الوطنية‏,‏ فنحن في أمس الحاجة إليها الآن‏.‏

‏**‏ ماذا تقصد؟

أعتقد أننا نعيش ظروفا مماثلة مع اختلاف التفاصيل والظرف التاريخي‏,‏ والصراع حاليا علي أكثر من جبهة في العراق وفلسطين ولبنان‏,‏ أخيرا‏.‏

‏**‏ البعض ردد أنه تم التغيير في السيناريو ليتم تنفيذه بما يتلاءم مع الظروف الصحية التي كان يمر بها الراحل أحمد زكي؟

السيناريو قدم كما كتبه الكاتب محفوظ عبدالرحمن‏,‏ وتدخل المخرج شريف عرفة‏,‏ ليحذف بعضا من مشاهد والدي بعد تدهور حالته الصحية‏,‏ وبالنسبة للأداء التمثيلي لأبوي في اعتقادي لم يتأثر‏,‏ فحليم كان ينزف لظروف مرضه‏,‏ وأحمد زكي كان عنده سرطان‏,‏ ورغما عن ذ لك لم يعقه المرض‏,‏ بل أعطاه الدفعة والروح‏,‏ فحليم وأحمد زكي كانا متوحدين في جسد والدي‏.‏

‏**‏ قدمت فيلم حليم وتستعد لتقديم مشروع سينمائي جديد بعنوان إبراهيم الأبيض أقصد أنك احترفت التمثيل‏..‏ هل يعني ذلك أنك ستتوجه لدراسته مثل والدك؟

أذكر عندما كان يحدثني أبي عن أدواره أو في اللحظات التي كان يقرأ فيها سيناريو‏,‏ دائما كان يحدثني عن الشخصية‏,‏ وكيف يتعامل معها الممثل ويشعر بها‏,‏ إلا أنه لم يحدثني يوما عن فن التمثيل‏,‏ لأنه من الصعب أن يشرح بكلام‏,‏ أعرف أن هناك تدريبات صوت‏,‏ جسم‏,‏ حركة لكن في ظني أن الأهم من كل ذلك هو إحساس الممثل بالشخصية‏.‏

أما مسألة دراسة التمثيل فلم أفكر فيها حتي الآن‏,‏ مثلا قد ألتحق بورشة للتدريب علي شخصية من المفترض أن أقوم بتأديتها‏,‏ خاصة أنني حتي هذه اللحظة لا أعرف إذا كنت سأمتهن التمثيل أم لا؟ خاصة أنني عايشت معاناة أبوي من الوسط‏,‏ والتي لاتزال حاضرة في ذهني‏,‏ لأنني في النهاية إنسان وأرغب في أن أعيش حياتي بشكل طبيعي‏,‏ كما أنني أخاف من بعض الصحفيين‏.‏

‏**‏ قاطعته لماذا؟

أؤكد أنني قلت بعضهم وليس كلهم‏,‏ خاصة أن هناك من عذبوا أبي في حياته‏,‏ وبعد مماته‏.‏

هل تذكرين عندما خرجت أكثر من‏30‏ شائعة تؤكد موته‏,‏ وهو لايزال علي قيد الحياة‏,‏ بالإضافة إلي من اخترعوا قصصا عن حكايات تربطهم بأبي‏,‏ ووجدوا من يروج لهم في الصحافة؟ كل هذه التفاصل خلقت لي حالة رعب من الوسط الفني‏.‏

‏**‏ كيف تفسر الهجوم علي صاحب جودنيوز عماد الدين أديب‏,‏ واتهامه بالاتجار بأحمد زكي؟

هذا كلام عجيب‏,‏ ولا أفهمه‏,‏ وعلاقة عماد الدين أديب بأحمد زكي هي علاقة صداقة قبل أي شئ‏,‏ وكل ما فعله المنتج عماد أديب أنه ساعد أبوي علي تحقيق حلمه في تقديم شخصية حليم‏,‏ وأحمد زكي لا يستطيع أحد أن يثنيه عن شئ يريده إلا هو شخصيا‏,‏ لذلك فأنا أري أن الهجوم علي عماد الدين أديب‏,‏ لا يخرج عن ثلاثة احتمالات‏,‏ الأول شخص عنده خلافات خاصة مع عماد الدين أديب‏,‏ والثاني شخص سمع أشياء ولم يتأكد من صحتها‏,‏ والثالث هو من يرغب في الكلام لأنه يرغب في أن يكون صاحب رأي‏.‏

‏**‏ في النهاية ما مدي فرحتكم بحليم الذي شهد بداياتك الأولي في السينما؟

من بعد رحيل أبوي أصبح من الصعب أن أفرح بشئ‏,‏ صدقيني هي فرحة منقوصة في كل الأحوال‏,‏ لأنني دائما أقول لنفسي‏:‏ لو كان معي بالتأكيد كانت الحياة ستكون أفضل‏*‏

الأهرام العربي في 22 يوليو 2006

 

سينماتك

 

طارق الشناوي يكتب

حليم استثمار لآخر أنفاس أحمد زكي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك