كأنك يا هاني الشيباني لم تحقق الفيلم الروائي الإماراتي الأول. كأنه لم يكن هناك فيلم بعنوان “حلم” أخرجته بكل حماسك وحبّك للسينما وصوّرته 35 مم، وبالألوان عن سيناريو ليوسف إبراهيم وتصوير حسّان ملساري وموفّق عبد العاطي وتوليف صابر الزباني وموسيقا إبراهيم الأميري. كأنك لم تسند البطولة الى بلال عبد الله ونواف الجناحي وعبد الجابري ومريم سلطان التي أبدعت.ربما لم يعرض في ختام الدورة الرابعة من مهرجان “أفلام من الإمارات” في العام الماضي. ربما كان كله -وتبعاً لعنوانه- حلماً فقط.

طيلة الأسبوع الماضي انتشرت مقالات ومقابلات صحافية حول فيلم يصور حالياً في الإمارات بعنوان “المهد” ومعظمها يحمل عنواناً يقول “الفيلم الإماراتي الروائي الأول” وإذا لم يحمله في العنوان فهو موجود في الأسطر الأولى. أحد العاملين الرئيسيين في الفيلم قرر -وكان له ما أراد- أن هذا الفيلم هو أول فيلم روائي من الإمارات. والصحافيون الذين عادة ما يكتبون من دون بحث في المعلومات، نقلوا الادعاء كما هو، والجمهور الذي لا يرى معظم ما توفّره السينما العربية من أفلام، إلا إذا كانت من بطولة نجوم الغناء والكوميديا، صدّق.

“المهد” فيلم للمخرج السوري محمد ملص وهو أول فيلم لشركة إنتاج إماراتية جديدة اسمها “الريف” والموضوع هو غزوة عام الفيل التي قادها أبرهة، وهو عام مولد الرسول محمد، صلّى الله عليه وسلّم. وفي الوقت الذي على المرء منا أن يفرح لولادة شركة إنتاج تحاول تأمين الشروط المادية والإنتاجية الصحيحة لفيلمها الأول، فإن السؤال الصعب هو البحث عن السبب الذي كان على هذا المشروع السير الى الوراء ولو من أجل استلهام الواقع الحالي، كما كتب البعض أو القراءة في معطيات المرحلة الحاضرة.

ما تطرحه هذه الكلمات لا علاقة لها بالمشروع، لأنه لا يزال جديداً لم يُنجز بعد لكي يمكن التحدّث في خصوصياته والحكم له أو عليه، كذلك هناك نوع من الضمانة السينمائية كون مخرجه صاحب “الليل” و”أحلام المدينة”، وهما فيلمان من أفضل إنتاجات السينما العربية في تاريخها خلال ربع القرن الأخير.        

في السعودية أنجز فيلمان سعوديان هما “ظلال الصمت” و”كيف الحال؟”. الأول من إخراج عبد الله المحيسن والثاني من إخراج (الفلسطيني- الكندي) إيزودور مُسلّم. “ظلال الصمت” هو -فعلياً- أول فيلم روائي سعودي طويل، سقاه المخرج طيلة اثنتي عشرة سنة تقريباً حتى ترعرع وصار شجرة. لكن كليهما يبحث في الواقع. بينما “كيف الحال؟” يتحدّث -ولو عبر الكوميديا الخفيفة- عما تشهده الحياة العائلية والاجتماعية السعودية من ظواهر تتعلّق بحرية المرأة وبظاهرة التطرّف ورغبة بعض الشباب في الانعتاق من الجوانب السلبية للتقاليد والانفتاح على الجوانب الإيجابية من العالم، يسبر “ظلال الصمت” عالماً أكثر تعقيداً ويعالجه بجدّية مطلقة.

“ظلال الصمت” يتحدّث عن مؤسسة خاصّة تقع في بلد عربي غير مُسمّى. هذه المؤسسة أنشأتها السلطة الحاكمة لكي ترسل إليها كل اولئك الذين لابد من تنويمهم وسرقة أفكارهم والتجسس على عقولهم وتحويلهم من مواطنين مفكّرين ساعين الى التغيير الى مجرد هلاميات بشرية غير قادرة على المعارضة أو قيادة ما يحتاجه الوطن من تغيير.

الى حد بعيد “ظلال الصمت” هو فيلم خيال- علمي (ثاني فيلم عربي يمكن أن يحمل هذه الصفة بعد فيلم المخرج الكبير الراحل كمال الشيخ “قاهر الزمان” سنة 1987)، وذلك لأنه يطرح في طيّات ما يطرحه وضع الآلة المتقدّمة في مجتمع يبحث عن صيانة الرئيس ووظيفتها السلبية إذ تبدأ في الفتك بالإنسان بناء على الدور المنوط بها. البطل المثقّف.

ليست هناك، للأسف، أفلام كثيرة أخرى خرجت في الوقت المناسب. المرء عليه أن يستعيد ما أنتجته السينما الأكثر نشاطاً في العالم العربي، وهي السينما المصرية بالطبع، ليدرك الحقيقة المرّة. ولم يعد يعني شيئاً على الإطلاق تشكيل قائمة بعناوين الأفلام لكي نؤكد خلو الوضع من سينما ذات هدف غير الهدف التجاري السريع الذي لا يتطلّع حتى لما هو أبعد من الموسم الصيفي وعيد الفطر ثم عيد الأضحى. إنها ذات التركيبة التي أدركتها السينما الأمريكية منذ عقدين على الأقل عندما اكتشفت أنها تستطيع اختزان الأفلام لمواسم محسومة الأهمية سلفاً: عيد الاستقلال، وعيد الكريسماس ورأس السنة وموسم الصيف وبعده بأسابيع قليلة موسم الجوائز.

فيلم “عمارة يعقوبيان” يعوّض الكثير من هذا النقص على أكثر من صعيد. وعلى الرغم من أن هذا الناقد لا يزال يرى أن الفيلم يحمل حسّ العمل التلفزيوني أكثر مما يحمل سمات الفيلم السينمائي الكاملة، الا أن ما لا يمكن تجاوزه حقيقة أنه فيلم يؤرخ ويطرح للوضع الحالي. إنه يتكلم - من خلال عدة قصص وعدة شخصيات- عن كل ما يشغل الإنسان المصري هذه الأيام: من فساد السلطة، الى انتشار العنف والإرهاب (والفيلم يجعلهما وجهين لعملة واحدة) ومن المصالح العاطفية والهروب من المسؤولية الى حياة الناس المثقلة بالغايات المصلحية جنساً كانت أو أطماعاً مادية أو سياسية عالية. الجميع في هذا الفيلم، تقريباً، ساقط في خطيئة هي من شدّة كبرها قادرة على أن تشمل لا صاحبها فقط بل من حوله أيضاً. وحيد حامد كتب السيناريو الذي لا يترك الكثير من التفاصيل من دون بحث أو ذكر أو إلمام. لا عجب أنه يثير كل تلك الاحتجاجات من مسؤولين وغير مسؤولين وجدوا نفسهم أمام أصبع الاتهام على نحو أو آخر.

إزاء كل هذا لابد أن السينمائيين العرب يجدون أنفسهم أمام عدّة خيارات والكلمات السابقة تدل على أي من الاختيارات نحبّذه هنا:

السينما التي تستغل وجودها لكي تخدم المشاهد عبر منحه طرحاً لقضية أو مجمل قضايا لتتركه إما أمام الحال عارياً (كما عمارة يعقوبيان) وإما لتحثّه على التغيير (ظلال الصمت). السينما التي تعود قليلاً الى الوراء لكي تؤكد أن الحاضر لا ينفصل عنه (وفي هذا الإطار نفهم أفلام الحرب اللبنانية في السنوات العشر الأخيرة). السينما التي تهرب من الواقع في كل اتجاه ممكن. هذه على نوعين: نوع يهرب الى التاريخ مبتعداً عن الحاضر لأن “الحاضر شائك” ونوع يهرب من الواقع دون أن يبرح مكانه الزمني ملتهياً بقصص كوميدية وعاطفية موجّهة الى جمهور الشباب ثم الى أي عينين تسهران على شاشة التلفزيون لمتابعة فيلم السهرة.

الخليج الإماراتية في 17 يوليو 2006

 

ضوء.. السينما وفوضى الانطباعات البصرية

عدنان مدانات 

بذل المخرجون والمنظرون والباحثون في السنوات العشرين من القرن الماضي جهودا حثيثة لاستكشاف طبيعة السينما، هذا الفن الناشئ آنذاك والواعد بآفاق تطور غير منظورة والداخل بقوة في منافسة مع فنون راسخة أثبتت نفسها منذ القدم. ومن ضمن تلك الجهود كانت ثمة اجتهادات لصياغة تعريفات شاملة تحيط بجوهر هذا الفن الجديد. يتعلق أحد تلك التعريفات بتفسير طبيعة علاقة الصور السينمائية بمرجعيتها الواقعية حيث يشير هذا التعريف إلى أن السينما فن تنظيم “فوضى الانطباعات البصرية” التي تصادفها العين في مجرى تيار الحياة اليومية ضمن سياق فني جمالي، وأن السينمائي البارع هو من يستطيع، إضافة إلى ذلك، تسجيل صور الواقع وإعادة تنظيمها في الفيلم بطريقة تضفي على “فوضى الانطباعات البصرية” معنى. وهذا التعريف يقصد به بالدرجة الأولى الأفلام التسجيلية التي تعكس بشكل مباشر صورا تجسد وقائع وظواهر وأشكال مختلف أنواع مواد الحياة المتناثرة، ولكن هذا المطلب ينطبق أيضا على طريقة تنظيم تلاحق الصور في السينما الروائية، فمبدأ التنظيم الجمالي واحد في الحالتين، فبدون هذا التنظيم ليس فقط يصعب على جماهير المشاهدين فهم العلاقة بين الصور وكذلك الاستمتاع بمشاهدتها، بل ان انعدام هذا التنظيم يتسبب أيضا في تشويه الحس والذائقة الجمالية لديهم. ولقد ظل هذا المبدأ الذي ينطوي عليه ذاك التعريف القديم الرائد مستمرا خلال عقود عديدة من مسيرة السينما العالمية وحتى الزمن المعاصر، لا تخرج عنه إلا الأفلام الرديئة شكلا والجوفاء مضمونا.

ومن البديهي أن عملية تنظيم فوضى الانطباعات البصرية لا تقتصر فقط على المواد التي يتم تصويرها من الواقع، بل تشمل أيضا التنظيم الداخلي للعلاقات التشكيلية الموجودة بين المواد داخل الصور الملتقطة، بحيث تتمتع بالتكوين الصحيح والجمال ودقة التعبير.

كانت السينما طوال قرن ونيف الفن الأكثر انتشارا وجماهيرية وتأثيرا في الوعي العام للملايين شعوب المعمورة. ثم فجأة ظهر للسينما منافس قوي فاق في حالات كثيرة ما كانت تتمتع به السينما من شعبية ومن قدرة على الانتشار والتأثير في الوعي العام للناس، منافس ينتمي إلى نفس العائلة البصرية هو التلفزيون. وهذا المنافس لم يتطور، كما هو الحال بالنسبة للسينما، باعتباره وسيلة فنية، بل أساسا باعتباره وسيلة إعلامية سمعية بصرية ووسيلة ترفيهية من ناحية، وباعتباره حاوية ضخمة تستوعب على مدار الساعة كماً هائلاً من الفقرات البرامجية المتنوعة، بما فيها الأفلام السينمائية، من ناحية ثانية.

اشتد ساعد التلفزيون منذ العقد الأخير من القرن العشرين بفضل تواطؤ التقنية الرقمية التي عممته في أرجاء العالم بوساطة الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء، مما أتاح للتلفزيون تشكيل المزيد من المحطات ومنها محطات الدردشة عبر الرسائل القصيرة والمنوعات والمحطات المتخصصة في الأغاني المصورة العربية والأجنبية، وهي كلها موجهة لجيل الشباب المعاصر.

تتشابه جميع المحطات التلفزيونية في طريقة عرضها للمواد التي تبثها وفي طريقة استخدامها لمساحة الشاشة حيث يجري تكديس العديد من المواد المرئية دفعة واحدة ضمن حيز ضيق هو حيز الشاشة، وكمثال نذكر المحطات التي تبث الأغاني المصورة، حيث تتأسس الشاشة من مستويين، أولهما الصورة الأصلية التي تقع في خلفية الشاشة وفيها ثمة من يغني أو يرقص، وثانيهما كتابات وأشكال، ثابت بعضها ومتحرك بعضها الأخر، تقع في المقدمة فوق الصورة الأصلية على يمين أو يسار أو أسفل أو أعلى الشاشة مباشرة فتغطي على مساحات منها وتخفيها. والكتابات والأشكال متنوعة وكل منها تتحرك في اتجاه مختلف وبطريقة مختلفة وتتضمن مراسلات متبادلة وإعلانات وربما شريطاً إخبارياً سياسياً أو رياضياً وغير ذلك، بل ان بعضها لا يتورع عن أن يغطي على غيره، فتخفي الكتابة الإعلانية الدخيلة جانبا من وجه بشري يلعب دورا بارزا في المشهد الرئيسي كأن تغطي الكتابة على جزء من وجه المغني. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مشاهد الأغنية الأصلية قد تتكون أصلا من صور للأشخاص عشوائية الترتيب تظهر وتختفي من الشاشة بسرعة البرق أحيانا وهي تلهث من أجل التزامن مع إيقاع الأصوات الموسيقية، فسنلاحظ المقدار الهائل من الفوضى البصرية المرافق لها التي تعكس نفسها على المشاهدين مسببة له التشوش.

يمكن ملاحظة هذه الفوضى البصرية والعشوائية في التعامل مع الخطوط والأشكال والتكوينات والأصوات المرافقة في مجال آخر يفترض فيه الرصانة، ألا وهو نشرات الأخبار، وتحديدا في المقدمة الإعلانية المرئية التي تسبق النشرة والتي تتداخل فيها الخطوط وتتبدل فيها الأشكال وتتحول من هيئة لأخرى ومن حال لحال وتختلط الألوان ويترافق ذلك كله مع أصوات موسيقية ضاجة تذكّر بالمارشات العسكرية لتتمخض كل هذه الجهود في النهاية عن مجرد صورة للشارة الخاصة بالمحطة.

ولا يقتصر هذا النمط من التقديم المرئي على نشرات الأخبار بل يعمم من خلال تقديم كل أنواع البرامج الرصينة منها والترفيهية سواء بسواء.

هذه الفوضى البصرية التي تتوالد وتتكاثر من خلال شاشات التلفزيون وتشمل معظم منتجاته المرئية هي أشبه ما تكون بألاعيب مرئية تصنع وتمارس من قبل فنيي المونتاج الإلكتروني المأخذوين بقدرتهم على الاستفادة من برامج معدة مسبقا من قبل مهندسي أو مبرمجي كمبيوتر فنيين، وليس فنانين، مخصصة للرسم ولتنفيذ المؤثرات البصرية، بما يعكس نوعا من الهوس باستكشاف الإمكانيات المخزنة داخل هذه البرامج والتباهي الذاتي الاستعراضي الطابع بالقدرة على استعمالها وإدهاش جماهير المتفرجين بها، بما يؤدي إلى تغليب إمكانياتها على المضمون والقيمة الجمالية، أي تغليب مهارة التعامل مع التقنيات الموجودة كمعطى جاهز على القدرات الإبداعية التي تستمد طاقتها من الرغبة في التعبير عن مضمون معين وتقديم فكرة ما واقتراح رؤية للموضوع ذات بعد جمالي.

تكمن خطورة هذا الوضع الذي ينتج عنه تكريس الفوضى البصرية وترحيلها من مجال التلفزيون إلى مجال الفن السينمائي الذي بات يعتمد أكثر فأكثر على التقنيات الرقمية، خاصة وأن عدواها استشرت في جسد السينما وأذواق مشاهديها من خلال الكم الهائل من الأفلام التجارية المهيمنة على صالات العرض السينمائية في العالم والبث التلفزيوني للأفلام السينمائي، في وصول السينما إلى وضع يترحم فيه قدامى المشاهدين على ما كان يمتعهم من تصوير جميل في الأفلام.

الخليج الإماراتية في 17 يوليو 2006

"متروبوليس" تستفيق في يومها الأول على ما غفت عليه

"الأسبوع الدولي للنقاد" يفتتح بفيلم تنظيري و"كوما" يقظة

ريما المسمار 

الأمر أشبه بسيناريو غير واقعي، أسود ومتشائم. هكذا تخيلت أن يكون رد فعلي لو أن ما يجري كان سيناريو متخيلاً: صالة من صالات شارع الحمراء السينمائية يتزامن افتتاحها ـ او بلفتة تراجيدية يتسبب ب ـ مع اشعال الحرب من جديد! صالة "متروبوليس" التي افتتحت مساء الثلاثاء الفائت بأسبوع النقاد الدولي (تظاهرة سينمائية على هامش مهرجان كان)، استفاقت في يومها الأول على ما غفت عليه وغفا الشارع برمته عليه قبل نحو عقدين من الزمن. انها الحرب في جوهرها وان كان مبكراً الجزم بها. هاجس الحرب المتجذر في النفوس يرتسم صفوفاً من البشر امام محطات الوقود والبقالات والدكاكين، تماماً كما تفوح رائحتها من كواليس السينمات والمسارح وتتخايل على الشاشات كأن زمناً لم يمر. صور الحرب تتحرك على وجه المدينة فتقسو ملامحه وتشيخ لتذهب ادراج الريح سنوات واهمة من الهدوء والرخاء. هل علينا ان نعتاد من جديد الحياة المزدوجة؟ وأن نتقن كيف نكون فصاميين في تعاطينا مع يومياتنا؟

هل علينا ان نسأل من جديد وان نحاول الاجابة عن السؤال: ما نفع السينما في هذه الظروف؟ ولكن القيمين على تظاهرة اسبوع النقاد الدولي وعلى "متروبوليس" قرروا عدم الغاء النشاط او بمعنى آخر قرروا ـ كما جاء على لسان أحدهم ـ "ان نواجه من خلال استكمال العروض". ولكن الظرف الأمني لن يمر من دون أن يترك أثره على الأقل لجهة استقطاب جمهور ليس جمهور المهرجانات حصرياً. كذلك كان من المتوقع وصول المخرجة الهنغارية كوكسي أمس لعرض فيلمها "هواء منعش" ولكن اقفال المطار حال دون ذلك. بانتظار ان تتمكن التظاهرة من تحقيق انطلاقتها في الأيام المقبلة حتى موعد اختتامها يوم الخميس العشرين من الجاري، نتوقف هنا عند عرضي اليومين الاول والثاني اي شريط الافتتاح Les Amities Mal?fique وتاليه Komma.

ينفي ايمانويل بورديو الاعتقاد السائد بأن الفيلم الاول او الثاني هو فيلم البوح الذاتي والذكريات الحميمة والتجارب الشخصية المؤثرة. فشريطه "الصداقات المُفسِدة" Les Amities Mal?fiques الفائز بجائزة النقاد ذهني بامتياز. يستقرىء افكاره أكثر منه يصورها ويطرحها للنقاش لا للرؤية. في أجواء تستعير من مناخات ثورة 1968 ومن روحية شبابها الثائر والمتمرد، يقدم الفيلم شخصية "أندريه" الطالب في كلية الآداب المتمع بجراة وثقة بالنفس كبيرتين وباعجاب استاذه الناقد الادبي الفذ. في اليوم الجامعي الأول، يتبرع الشاب بالقاء محاضرة ارتجالية امام زملائه عن معنى كتابة الادب، ملخصاً فكرة الفيلم ورؤيته. فهو يعتبر ان لا حاجة للكتابة اذا لم تقدم اضافة مستشهداً بقول لكاتب شهير يسأل "لماذا يكتب بعض الناس؟" ويجيب "لأنهم أضعف من ألا يكتبوا". تشكل هذه الجدلية أساس علاقة اندريه بزملائه على نحو يجعله الأكثر تفوقاً ونزقاً في ابداء رأيه وفي الاختباء وراءه في آنٍ. ولكن تأثيره يبدو مضاعفاً على "ايلوا" و"الكسندر" دافعاً بالاول بشكل غير مباشر الى رمي مخطوطة لرواية شبه منتهية وبالثاني الى امتهان التمثيل بدلاً من الكتابة. يمارس اندريه سحره، الخبيث أحياناً، على صديقيه بعبثية يحسده عليها "ايلوا" ابن الكاتبة المشهورة الذي يصفه بـ"اللامع". وفي مشهد يبرز مدى عدائيته، يقوم "اندريه" بالسخرية القاسية من زميل له لمجرد انه أصدر قصة قصيرة ناعتاً اياه بـ"المتزلف" و"المدعي" وواصفاً قصته من قبل ان يقرأها بـ"الزبالة". ولكن تحولاً جوهرياً يطرأ على شخصية اندريه عندما يرفض استاذه المشرف على رسالة تخرجه استكمال مهمته بسبب استخفافه بعمله لافتاً للمرة الاولى الى ان اندريه ينظر انما من دون ان يفعل. هكذا تتصاعد عدائية الشاب بسبب فقده اعجاب استاذه فيصفع الأخير في مشهد مؤثر ويتلف مسودة رواية صديقته ويختفي بعدها مقنعاً صديقيه بأنه ارسل في منحة دراسية الى جامعة بارزة في اميركا. ولكن الواقع انه يلتحق بقاعدة عسكرية في منطقة فرنسية نائية حيث يعلم بعض المتطوعين الأدب في اشارة الى حاجته الى ان يكون قائداً دوماً. يستغرق ايلوا والكسندر بعض الوقت قبل ان يكتشفوا كذبه.

ينجح الفيلم في دخول عالم الكتابة ربما لأن مخرجه كاتب في الاصل للسينما. فسؤال الحاجة الى الكتابة ومعناها هاجسان اساسيان. كذلك فكرة القيمة التي يحافظ المخرج على ابقائها مسألة نسبية. ولكن الفيلم يقع بين اتجاهه الفكري والآخر الانساني. فهو من جهة يرمي بنظريات حول الادب والكتابة وعلاقتهما بالمجتمع والفرد. ومن جهة ثانية يحاول التوغل في العلاقات الانسانية بين الاصدقاء الثلاثة. في الجانب الأول، يبقى نظرياً وفي الثاني يعجز عن استكمال الصورة وتعميق الشخصيات. بمعنى آخر، يبقي الفيلم اسئلة كثيرة مفتوحة أبرزها تحول اندريه الكبير. لماذا اتخذ ذلك القرار الكبير؟ كما يخلف علامات استفهام حول الشخصيات الأخرى مثل "مارغريت" صديقة اندريه. وما معنى ان يكون عنوان رواية ايلوا هو نفس عنوان الفيلم بما يوحي بأنها رواية عن مثلث الصداقة على الرغم من ان الرواية تكون تامة عندما يتعرف ايلوا بأندريه؟ التركيز على ذينك الشقين حول الكتابة والصداقة هو مؤشر على غياب لغة بصرية خاصة يمكن ان تدخل بعداً ثالثاً على الفيلم. أخيراً تجدر الاشارة الى مفارقة هي ان الفيلم يُفتتح بمونولوغ اندريه حول قيمة الناقد ووظيفته (التمييز بين الكتابة المجدية والأخرى غير المجدية) ويختتم بضياع اندريه الذي نصب نفسه ناقداً لأعمال الآخرين. وهو ايضاً الفيلم الفائز بجائزة النقاد. فهل هو اعتراف بلا جدوى النقد ام ببقاء الناقد في درجة ثانية بعد الكاتب؟ جدلية أخرى ربما لم يدخل الفيلم فيها ولكنه شرع التساؤلات حولها.

على صعيد آخر، قدمت مارتين دويان فيلمها الروائي الأول Komma بين عالم الموتى الحي وعالم الاحياء الميت. في أجواء غرائبية غامضة، يستفيق "بيتر" ليجد نفسه في مشرحة مستشفى. يفيده الممرض بانه نقل اليها على اثر اصابته بذبحة قلبية ولكن "بيتر" يعجز عن تذكر اي شيء. يهرب من المستشفى باسم رجل ميت هز "لارس ايريكسون" السويدي. يهيم "لارس" في المدينة بشخصيته المستعارة محاولاً ان يملأها بذكريات يخترعها ويتخيلها من اجل صنع تاريخ لرجل لا يعرفه ولكنه اصبح هو. فيتخيل بصوت عالٍ كأنه يؤكد لنفسه قبل ان يؤكد للآخرين انه شخص حي، يتخيل نفسه رجل أعمال ترك السويد بسبب ظلامها وتنقل بين بيرو وهونغ كونغ. بمحاذاة حكايته، تتطور شخصية "لوسي" الفنانة الهشة التاي تعاني من ذكريات طفولد مضطربة ترتسم لها في شكل صور خاطفة تعبر امام عينيها. على أثر تقديمها عرضاً بصرياً يمثل الصدمة بين النار والماء، تدخل في نوع من الكوما المتيقظة تفقد معها ذاكرتها الحاضرة من دون ان تبرحها صور الماضي. هكذا يلتقي "لارس" الباحث ذاكرة بلوسي ذات الذاكرة البيضاء فيملأها بذاكرته المخترعة. بخلاف دوبوا، يبدو عمل دويان بصرياً بامتياز بحساسية كاميراها المفرطة تجاه الوجوه وقدرة ممثليها على تجسيد الهشاشة الجوانية للشخصيات. ينتهي الاثنان في "بافاريا" التي تمثل مكاناً رمزياً خاوياً الا من اسطورة قصر الاميرة النائمة. انه المكان الأمثل ليحتوي ذاكرتين متخيلتين تبحثان عن التواصل الانساني المفقود. هناك وسط تلال الثلوج ومعالم المكان الدفينينة، يعثر كل منهما على ذاكرة بيضاء تماماً كالثلج يكتبانها بما يشاءان من الحكايات الممزوجة بالخيال والاسطورة وبعض الحقيقة التي تغرق كالمدينة تحت قشرة الثلج.

الحياة اللبنانية في 10 يوليو 2006

 

عملية السلام بين عمرو موسى و'قراصنة الليطاني.. من نلوم؟

كتب : عماد النويري  

فشلت كل محاولاتي للانبطاح فضائيا او سينمائيا لمتابعة هيفاء وهبي او روبي في قناة 'ميلودي'، او نجلاء وهي تداعب الحصان المسكين في قناة مزيكا. او حتى متابعة هالة سرحان وهي تستلقي على قفاها من الضحك وهي تلتقي أبطال فيلم 'العيال هربت'!. وكانت هناك محاولة ثانية للهروب من تلاحق الاخبار وصور الضحايا من الاطفال الابرياء على قناة المستقبل من خلال متابعة مسلسل 'للثروة حسابات اخرى' او مسلسل 'سلالة عابد المنشاوي' ووجدتني غير قادر على فعل اي جرم فضائي او سينمائي وهناك اخوة واخوات في الدم يعيشون لحظات مصيرية وينتظرون الموت في كل لحظة بعد ان انطبقت السماء على الارض. المشهد اصبح اكثر اثارة من كل افلام الرعب ومن كل مسلسلات الخديعة. والصورة اصبحت ملطخة بالاشلاء والليل يتلقفه نهار مخضب بالجثث التي تتناثر اشلاؤها فى كل مكان. كان من المفترض ان اكتب هذا الاسبوع عن فيلم 'قراصنة الكاريبي' ووجدتني على رغم كل محاولات الهروب في مواجهة قراصنة 'الليطاني' ولصوص نهر 'العاصي'

بيانات وخديعة

أخيرا فعلها عمرو موسى فهو رجل صريح وطيب ومستفز ومثل شعبان عبد الرحيم يكرة اسرائيل، ويبدو انه قد بدا كراهية العرب أيضا. فعلها عمرو موسى أعلن ان عملية السلام قد ماتت كأنها لم تمت من قبل عشرات المرات. أخيرا فعلها موسى بعد ان طفح به الكيل وقالها ليبرئ ذمته من كل المؤامرات وكل اللجان وكل 'الميكانيزمات' وكل القرارات. عمرو موسى هذا هو الأمين العام للجامعة العربية، والجامعة العربية هذه كم اتحفتنا على مر نصف قرن بمؤتمرات وقمم . وكم سارعت مرات ومرات لاصدار البيانات، وكم أمطرتنا مرات ومرات بالعديد من التوصيات التى لم تر النور. فى الاجتماعات المغلقة لم نعرف يوما ماذا دار، وفي الاجتماعات المفتوحة كنا نرى الابتسامات والضحكات. على مر نصف قرن ازعم ان هذه الجامعة وعلى رغم جهودها المتواصلة فى تنقية الأجواء العربية! لم تقدم لنا حلا واحدا لاي مشكلة عربية فمشكلة الصحراء الغربية مازالت قائمة ومشكلة دارفور مازالت قائمة ومشكلة فلسطين مازالت قائمة ومشكلة العراق مازالت قائمة، ومشكلة لبنان مازالت قائمة. هذا غير مشاكل الحدود بين العديد من البلاد العربية. عندما قامت الجامعة العربية كانت هناك فرحة ورغبة صادقة في تجاوز الخلافات وامل كبير في تحقيق استقلال الشعوب والان مع الإعلان التاريخي لعمرو موسى عن فشل عملية السلام هناك خمس دول عربية أراضيها محتلة او فى طريقها للوقوع تحت طائلة الاحتلال. خلال خمس عقود ومن خلال الجامعة العربية جرى حشونا بالبيانات والتوصيات وانتفخنا حتى سقطنا على اقفيتنا. واكتشفنا ان حشونا كان تبنا وقشا. فعلها عمرو موسى واعلن موت عملية السلام ولم نكن بحاجة الى هذا الاعلان الذى جاء متأخرا عشرات السنين. مئات الملايين من العملات العربية ضاعت من دون فائدة تذكر في الاعداد لموائد القمم ولخيام المسؤولين، وكان لنا ان نتحمل العيش سنوات وسنوات تحت رايات الخديعة والوهم ومليارات الدولارات ضاعت من الثروة العربية في مغامرات حمقاء وفي حروب عبثية ولم تتحقق الوحدة المزعومة من المحيط الى الخليج. والاف الشهداء ماتوا فى صمت من دون ان يترحم عليهم احد ارضاء لشهوات حكام لم ينظروا يوما لاحلام شعوبهم المقهورة. وانهار من الدم العربي الطاهر سالت بسبب حسابات مذهبية وطائفية، وكانت الجامعة العربية هناك تكتفي بصب الزيت على النار وبصب الحبر على أوراق تذهب أدراج الرياح.

من يعوضنا؟! ومن نلوم؟!

نيات طيبة

قدم العرب على مدار السنوات العشر الأخيرة كل النيات الطيبة لعدو لايفهم سوى لغة الاعتداء. وطرح العرب كل خيارات السلام والاستسلام لدولة لاتفهم سوى لغة القتل والتدمير. وقدم العرب كل التنازلات الممكنة فى اوسلو وفي واي ريفر وفي الشرم الأول وفي الشرم الثاني وكانت النتيجة هي المزيد من التكبر والغطرسة. وكانت النتيجة أننا أصبحنا نمسح عتبات الدول الكبرى ربما تحملت أقدامنا السير بعد ان أعيانا المسير على طريق المهانة والخضوع.

يحيا الوطن

'قراصنة الليطاني' قاموا بهجمة شرسة قاسية وهمجية لاغتيال براءة عروس المدن العربية، لصوص العاصي يواصلون تدمير كل مرافق الحياة. ويغتصبون بكارة الحياة في ارض المحبة والسلام. كل المرجعيات غائبة. الجامعة العربية غائبة والنظام العربي الجديد غائب وعملية السلام غائبة، والامم المتحدة غائبة والدول الكبرى غائبة وشرعية الدولة غائبة والاخلاق الدولية في الحضيض، لم يبق سوى مرجعية حزب الوطن. الوطن زيتونة العيش ولحاف البرد ورائحة الورد وضحكة الطفل على ارجوحة القمر. الوطن مهد الميلاد ولحد الموت. الوطن ليس ليلة سياحية يقضيها الغرباء مقابل ابتسامة ذل وهوان. الوطن قامة مرفوعة تطاول السماء وكرامة كسرة الخبز المغموسة بعشق النهر والجبل.. لتعطينا الحياة.

القبس الكويتية في 18 يوليو 2006

 

سينماتك

 

لا تحرموا الشيباني من لقب "الأول"

الاشتباك مع الحاضر استثناء في السينما العربية

محمد رضا

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك