دعوة حب للحياة.. والناس.. للأمل والتفاؤل.. للود والتسامح... مهما كانت درجة اليأس التي تعترينا... والالم الذي يكوينا.. حتي لا نسقط.. ويسقط معنا من نحبهم... ويحبوننا... وحتي لانكون عرضة للضياع.. ككل الذين حملوا بين ضلوعهم المعاناة... وركبوا الآمال الواهية.. والأحلام الزائفة، لاننا في مواجهة هذا العالم الذي يلهو بالنار، ويشبه وصلة علي سطح صفيح ساخن.. لم يعد أمامنا سوي الحب 'ملجأ' إلي النجاة.. لاننا لو أحببنا الآخرين لكنا اكثر عدلا وإنصافا.. ولو احببنا أوطاننا.. لثرنا لكرامتنا وكبريائنا... ورفعنا أيدينا عن سرقتها ونهبها... وكففنا عن البعث والفساد بقوت وأموال شعبها.. وسعينا للذود والدفاع عنها.. فما قيمة ومعني لحياة بدون حب تسانده كرامة ويدعمه كبرياء. هذه الدعوة للحب في كل صوره الخاصة.. والعامة... انطلقت من مهرجان 'مونز' السينمائي الدولي ال ...20 والذي احتار 'تيمة' 'الحب' شعارا دائما له طوال تلك السنوات.. فكانت دوراته وأفلامه احتفالية خاصة بهذا المعني الجميل الخالد في حياتنا علي مستوي الانسان... والاوطان. في اطار المسابقة الرسمية التي ضمت أربعة عشر فيلما تمثل خمس عشرة دولة.. شاركت مصر للمرة الأولي بفيلم 'حب البنات' 'لليلي علوي' واخراج 'خالد الحجي'.. وعلي الرغم من عدم حصول الفيلم علي أي جوائز، إلا أنه لاقي نجاحا جماهيريا كبيرا وهو ما أسعدنا.. ليس فقط من قبل الجالية العربية والتي معظمها من المغاربة حيث يشكلون ثلث سكان العاصمة البلجيكية.. بل من جانب البلجيكيين انفسهم وأعضاء الوفود الأخري.. وهو ما لم يحدث مع أي فيلم آخر... مما يعكس أن السوق الأوروبية ترحب بالسينما المصرية بشرط أن تكون جيدة.. وجميلة والحق أنه 'لليلي علوي' شعبية كبيرة في مدينة 'مونز' فقد شاركت في العام الماضي في لجنة التحكيم الدولية وتركت انطباعا إنسانيا شديد العذوبة... مما دفع بمئات من الجماهير للبحث والسؤال عنها وتتبعها طوال أيام المهرجان وهو شئ يحسب للفنان المصري ويسعدنا بالتأكيد. اعتذار وقد كان من المفروض أن تشارك الجميلة 'يسرا' في لجنة تحكيم هذا العام.. لكنها اعتذرت في آخر وقت لاصابتها بآلام في اسنانها.. وقد رأست اللجنة المخرجة 'اوزهان باسي' والتي تعد أول امرأة 'سوداء' تخرج فيلما في هوليوود... وذلك بعد أن حقق فيلمها الروائي الاول 'شارع زراع القصب نجاحا كبيرا وحصل علي اكثر من سبع عشرة جائزة دولية.. من بينها 'الأسد الفضي' من 'فينيسيا' مما دفع بالفنان الكبير 'مارلون براندو' بقبول التعاون معها بعد سنوات طويلة امتدت للعشر بعيدا عن الكاميرات والاستديوهات.. بالاضافة لتنازل كبير في الاجر... وذلك تقديرا منه لهذه المخرجة الشابة... وذلك في فيلم 'موسم ابيض جاف' سنة .1989 المأخوذ عن رواية للكاتب الشهير 'اندريه يربنك' أما فيلمها الثالث 'RULY BIDGES' فقد حضر ليلة عرضه الأولي الرئيس الامريكي السابق 'كلينتون' الذي حرص علي تقديمه بنفسه.. والاحتفاء 'بأوزهان' وبالفن الجيد الذي تقدمه.. خاصة أنه كان يتناول حكاية طفل صغير لم يتعدي الخامسة من عمره.. لكنه يواجه بشجاعة الثقافة العنصرية البغيضة التي كانت شائعة حتي الستينات في الولايات المتحدة الامريكية. المناضل الاسطورة أوزهان بالسي' التي ولدت في جزر 'المارتينيك'.. وتعلمت في باريس التي اختارتها وطناً ثانيا لها.. لم تنس أبدا أن الفن سلاح في أيدي الفنان عليه أن يستعين به في عرض قضاياه علي العالم.. ولهذا فإن فيلمها القادم والتي انتهت من كتابة السيناريو الخاص به عن المناضل الافريقي الاسطورة 'تومان لوفي تيور' الذي يلقبونه 'سبارتاكوس الاسود'. والطريف أن 'أوزهان' يراها الكثير من المخرجين وجها سينمائيا متميزا.. ولهذا يعرضون عليها أدوارا كثيرة.. لكنها ترفض بشدة الوقوف أمام الكاميرات واحتراف التمثيل لانها كما تقول: تشعر بخجل شديد 'من مواجهة الكاميرا'. وقد اتفقت 'أوزهان' مع التليفزيوني المصري الكبير 'يوسف شريف رزق الله' علي أن تكون بيننا في ديسمبر القادم كواحدة من ضيوف مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. حيث أن 'مصر' تعد حلما لها طالما تمنت تحققه بزيارتها. وعودة مرة أخري إلي لجنة التحكيم الدولية التي ضمت كلا من كبير مصوري فرنسا 'بيبي ويليام جلين' والمخرجة المغربية 'مفيدة تلاتلي' والمخرج الفيتنامي 'دانج نات ويليام'... 'وبابا هاما' مدير مهرجان بوركينافاسو وهو صحفي وكاتب وصاحب برنامج إذاعي شهير هناك... والممثلة الفرنسية 'استريدفايلون'... والممثل الايطالي 'إرنستو ماهيو'... والمنتج الكندي الكبير والشهير 'روك ديمرز' والذي أقام له المهرجان تكريما خاصا.. والممثل البلجيكي 'جان بول كومار'.. والفرنسي 'جان فرانسوا جالوت'. ويبدو أن الصراع والخلاف كان شديدا بين هؤلاء العشرة.. لكنهم استطاعوا في النهاية أن يتفقوا ويعطوا جائزتهم بالاجماع للفيلم الكردي 'فودكا بالليمون' وهو انتاج مشترك مع فرنسا.. وايطاليا لللمخرج 'هينر سليم'، أما جائزة أحسن ممثلة فقد حصلت عليها مناصفة ثلاث فتيات لم تتعد أعمارهن الرابعة عشرة في أول بطولة سينمائية لهن في فيلم 'تحذير' للمخرج عبداللطيف كشيش.. وهي 'سارة فورستبه'.. 'سابرينا كوزاني'.. 'ونانو بن هامو'. أما جائزة أحسن ممثل فقد حصل عليها ايضا الممثل الشاب المكسيكي 'لويس فرناندو' عن فيلم 'قلوب عاشقة' للمخرج 'فرناندو سارينانا'. أما جائزة أحسن سيناريو فقد حصل عليها 'مابكل انجلو فرامارتينو' عن الفيلم الايطالي 'العطاء'. أما جائزة 'قلب من الكريستال' وهي الجائزة الخاصة بشباب طلاب معهد السينما فقد حصل عليها الفيلم الفرنسي 'كما لو أن شيئا لم يكن' للمخرج 'بيبي اوليفييه مورناس'. أزمة الحجاب وسط حالة الغليان الشديد الذي تجتاح أوروبا... وبالتحديد فرنسا.. من قرارات سياسية للرئيس 'شيراك' يقي من قانون الحجاب منها المدارس والمؤسسات الحكومية، يبدو الحديث أو الاقتراب من الجاليات العربية ذو أهمية شديدة الحساسية من خاصة في مجتمع الصبية والفتيات من ابناء هؤلاء المهاجرين. ان الشباب الذين يطلق عليهم (LES BEUSES) أي 'الزيدة' لانهم تأقلموا مع المجتمع الفرنسي... وذابوا فيه من خلال المدارس والأصدقاء والحياة اليومية.. هم أنفسهم الذين يحاولون البحث عن هويتهم الحقيقية سواء بالعودة لارتداء الحجاب.. كجزء من حماية للنفس في مواجهة هذا المجتمع... حتي لايذوبوا اكثر وتضيع ملامح هويتهم وثقافتهم الأصلية... والتي أصبحت بالنسبة لهم مجرد 'فلكلور' مبهج الشكل والصورة يجملون به واقع شديد السواد والقتامة، جعل منهم فريسة سهلة ينال منها أقرب الناس إليهم دون أن ننسي طبعا البعاد عنهم. والحقيقة دون أي زيف أن من يقرب من أحوال الاسر العربية المقيمة في التجمعات السكانية التي يطلق عليها (H.E.M) يري حالا سيئا شديد القسوة.. فما بين أهل انفصلت جذورهم.. وابناء يعانون من ضغط هؤلاء الكبار، بالاضافة للعنف الشديد الذي يسود بينهم نتيجة ايضا لضغوط المجتمع الذي وان ذابوا فيه مازال بنظر اليهم بريبة وحرص شديد.. وربما لكل هذه العوامل مجتمعة أثمرت هذه المجتمعات البشرية بما تحمله من مناقصات علي مناخ سينما لتقديمها في اكثر من عمل سينمائي لعل آخرها 'الهروب' 'أو التجنب' للمخرج عبداللطيف كشيتش'.. في فيلمه الثاني قدم لنا عبداللطيف صورة مغايرة لمجتمع ال (Cite) عما يطلق عليه من خلال مجموعة من البناء ثلاث فتيات وثلاثة أولاد تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة عشرة والخامسة عشرة.. والحق أنهم أدوا أدوارهم بتميز شديد خاصة البنات استحققن عنه بجدارة اقتسام جائزة أحسن ممثلة بينهن، فمن خلال النشاط المدرسي لتقديم مسرحية 'لعبة الحب والصدقة' احد روائع الاديب الفرنسي الكبير 'ماريفو'.. تبرز شخصية 'ليديا' التي يحبها 'كريمو' وحتي يستطيع أن يبوح لها بهذا الحب بوسط صديقه الذي يمارس عنفا 'صبيانيا' علي إحدي صديقاتها.. لتصل لمشهد النهاية عندما يتعرض الصغار لعنف شديد من رجال الشرطة.. رغم صغر سنهم في بلد من المفترض أن يحترم القانون.. حتي لو كانوا استولوا علي سيارة للتنزه بها.. ان 'عبداللطيف كشيش' الذي قدم من قبل في فيلمه الاول 'غلطة فولتير' صورة واقعية عن مجتمع المهاجرين الذين يعيشون في فرنسا بدون اوراق.. كما نجح هذا الفيلم أن يقدم صورة متعادلة الادانة للمجتمع العربي في المهجر.. والعنصرية الفرنسية أيضا... وان كانت الصورة في النهاية ليست قاتمة لأن هؤلاء الشباب الذين يمثلون المستقبل والأمل لديهم القدرة علي الحياة والتكييف في المجتمع الفرنسي الذي ولدوا به بدون أي مشاكل من ناحيتهم.. لان المشكلة في الاصل تتمثل في الاهل وفي المجتمع الذي يحاول أن يبدو متسامحا عادلا معهم بينما هو في حقيقة الامر، لاتخلو نظرته نحوهم من عنصرية شديدة. قلوب عاشقة واذا كان فيلم عبداللطيف كشيش حمل الكثير من الالم والاسي لشابات وشبان صغار، ذنبهم أنهم حاولوا البحث عن الحب في سن مبكرة.. واختبار عواطف حميمية لكنها بالتأكيد غير ناضجة... فإن هذا الالم رغم روعة الحب وجماله امتد وتشابه مع الفيلم المكسيكي الجميل... 'قلوب عاشقة' لمخرجه 'فرناندو سارينانا' وهو مأخوذ عن قصة واقعية وقعت منذ عدة أعوام.. وان كانت توقفت علي قصص الحب الخالدة مثل 'روميو وجوليت' وبانها قصص الحب الجميلة الشهيرة. وقد استحق بطله الشاب 'لويس فرناندو' جائزة أحسن ممثل. وقد شاركته البطولة مارتا هيجارينا وهي ايضا فتاة شابة لم تتعد الرابعة عشرة من عمرها... وهي ظاهرة باتت تكون عامة في معظم الافلام العالمية بالاستعانة باسماء ووجوه غير معروفة تقف امام الكاميرا للمرة الاولي فتنقلها مصداقية شديدة للموت بالاضافة لكونها تعكس عن وجود الكثير من المواهب. ان فيلم 'قلوب عاشقة' رغم انه دراما تقليدية كلاسيكية تشبه حواديت الكثير من الأفلام.. الا اكثر ما يؤثر فينا هو كونها واقعة حقيقية.. أحداثها الدرامية وحبكتها جعلتها تصلح فيلما سينمائيا أدمي قلوبنا.. وشحذ عقولنا بالثورة علي الطغيان والثقافة غير العادلة للبشر، بطلة الفيلم تنتمي لأسرة شديدة الثراء برجوازية... والدها نبيل.. ارستقراطي... يشغل منصبا سياسيا حساسا.. في هذا المجتمع نشأت الفتاة 'ريتانا' مع شقيقتها الصغري.. لكن 'ريتانا' امتازت دائما إنها تملك قلبا من ذهب قادرا علي الحب والوجدان بالاضافة لبسالة شديدة متناهية.. مما جعلها تشعر بملاحقة أحد الفتيان الفقراء لها الذي وقع في حبها منذ النضرة الاولي التي التقت عيناهما فيها. 'اوليس' الفتي الذي لم يتجاوز السادسة عشرة يساعد والده في السوق... حيث يمتلك محلا متجولا.. وكطبيعة الاشياء في كل المجتمعات التي بها خلل اجتماعي متفاوت في المستوي الاقتصادي فإن هذه الانظمة بكل جهودها تقف بالمرصاد في وجه أي عاطفة صادقة حقيقية. وبالفعل قامت الدنيا ضد الفتي الصغير 'اوليس'.. وتحولت علاقة الحب إلي حرب ضروس بين الطبقات الثرية من ناحية.. والفقيرة من الجانب الآخر.. لينتهي بمعركة شرسة.. كانت نتائجها حرمان 'وبناتا' من الخروج من باب 'الفيللا' المحصنة التي تشبه 'القلعة' وفي الوقت نفسه تنزل عقابا بدنيا شديدا علي 'أوليس'.. لكن رغم كل هذا الدمار فإن الحب كان أقوي بكثير من كل الابواب الحديدية.. وبالفعل نجح 'اوليس' في الالتقاء 'بريتاتا' والاتفاق معها علي الهرب.. لكن شقيقتها استمعت لحوارهما... وكان أن أخبرت أصدقاءهما بذلك فذهبوا لمنعهما.. وكالعادة تم استخدام العنف، لتصاب 'ريتاتا' برصاصة في القلب وتنتهي حياتها بين ذراعي 'أوليس' ليصدق القول بأن 'الحب به الكثير من الالم'.. وأن في 'الجمال' بعض الجماد.. وما أقسي جمود القلب وتحجره من قبل اناس يحسبون دقائق الحياة بالمال.. خاصة أمام قلوب محبة عاشقة مغيرة. ان البهجة التي اضفتها الأفلام التي حملت العديد من المشاعر الانسانية الجميلة.. وحكايات الحب الرائعة التي تناولتها حتي لو اختلفت وتناوتت نهايتها ما بين السعادة.. والالم واللقاء.. والفراق لمحبين لونوا الدنيا بملامحهم.. وبريشة احلامهم الوردية.. غير مبالين من قسوة حياة كانت أقوي وأعنف منهم بكثير.. جعلتهم رغما عنهم خاضعين لسلطان القسوة.. بعد أن لم يشفع لهم الحب.. لانه في هذا الزمن الصعب يحتاج 'الحب' للقوة.. والعدل لكي يسود.. بعد أن كان في زمن مضي 'الحب' هو 'القوة'.. و'السلطان'. أخبار النجوم في 13 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
دعوة حب للحياة في مهرجان مونز السينمائي بلجيكا ـ نعمة الله حسين |
|