في 24 ساعة فقط احترق قلب فؤاد المهندس مرتين.. الأولي عندما أفلت من النيران التي اندلعت من مسكنه.. والثانية عندما داهم الموت رفيق عمره ورحلته.. الكبير عبدالمنعم مدبولي.. الذي نطق بالأمس وكما جاء في صفحة الجمهورية "الأولي".. بعد طول غيبوبة.. ولكنها لم تكن إلا حلاوة الروح وهي تودع المكان والزمان.. وينضم اسم بابا عبده.. إلي لوحة الخالدين في متحف الفن المصري العريق إلي جانب نجيب الريحاني وبديع خيري وابوالسعود الابياري والسيد بدير وزكي طليمات ويوسف وهبي. كان مقررا ان يسجل مدبولي قبل دخوله المستشفي في رحلة علاجه الأخيرة.. مشوار حياته لقناة فضائية في 15 حلقة منذ ان دخل معهد التمثيل متجاوزا السن القانونية ولأنه تميز حوله زكي طليمات من طالب مستمع إلي منتظم.. ثم دخل الإذاعة من باب ساعة لقلبك.. مع يوسف عوف وفؤاد المهندس والخواجه بيجو وأبولمعة والمعلم شكل وخيرية أحمد.. وضحكت مصر وضحك العالم العربي كما لم يضحك من قبل مع ساعة لقلبك التي تحولت إلي مدرسة للضحك.. ولهذا دخل مدبولي إلي المسرح شاهرا سيفه كاستاذ لمدرسة جديدة اطلق عليها المدبوليزم.. بعد ان قدم عشرات الروائع لمسرح التليفزيون.. الذي سمح لمدبولي بأن يختلط مع الأوائل والزملاء والابناء.. ولم ينجح وحده.. فمن جلباب وبدلة مدبولي انطلق الزعيم عادل امام والامبراطور أحمد زكي الذي ظهر معه لأول مرة في "هالو شلبي" في دور الجرسون العاشق للفن وسمح له بأن يقلد كبار النجوم.. وهي نفس المسرحية التي اطلقت سعيد صالح "بأستك منه فيه" وقبل أن تتأكد نجومية هؤلاء.. وقبلهم محمد عوض ومعهم حسن مصطفي. موسوعة ما بين المسرح والإذاعة والسينما والتليفزيون.. تحول مدبولي إلي موسوعة.. ومارس الكتابة والاخراج.. بل والانتاج من خلال فرقته الخاصة. ولم يكن غريبا عليه.. أن يصل إلي القمة عندما اضحك.. والي القمة أيضا عندما أبكي الكل وبكي هو ايضا في الفيلم الاستعراضي "مولد يادنيا" للمخرج المبدع حسين كمال.. الذي راهن عليه مرة أخري مسرحيا في "ريا وسكينة" مع شادية وسهير البابلي وأحمد بدير. وبسهولة تستطيع أن تلتقط علامات مدبولي في كافة الميادين.. فهو "بابا عبده" التليفزيون الذي قدم معه فاروق الفيشاوي ويحيي الفخراني وآثار الحكيم.. ورغم عبقريته في الضحك بلغ الذروة أيضا في الانسانيات البديعة من خلال "الحفيد" و"احنا بتوع الأتوبيس" بل انه مارس الشر ببراعة بفيلم "الحب في الزنزانة" بهذا تجاوز مدبولي دور المهرج الأراجوز.. إلي الضاحك الفيلسوف.. "شارلي" العرب.. وكيف لا.. وهو يلعب الدور القيادي بعد سنوات قليلة من تخرجه عندما أسس فرقة المسرح الحر. وفي تاريخ مدبولي أنت لا تبحث عما قدمه.. لكن ما لم يقدمه.. فقد فعل في الفن كل شيء.. بل انه ساهم أيضا في برنامج محو الأمية لعام 2000 تحت شعار "اتعلم واتنور" وكان قريبا من الأطفال في كل وقت.. وهو "جدو" اللطيف الذي قدم لهم الفوازير بدلا من زميل عمره فؤاد المهندس.. وبعد ان استأذنه ومرت الأزمة بسلام بين "عمو" و"جدو" لأن ما بينهما أقوي من مجرد عمل فني.. وهو نفسه مدبولي الذي صعد إلي خشبة المسرح وهو يبتلع احزانه في الإسماعيلية.. لوفاة والده وبعد أن أضحك الجمهور.. دخل إلي غرفته يبكي وحده.. وتكرر نفس المشهد وقت أن مرضت زوجته.. ثم مع شقيقه.. فقد كان شعاره الذي عاش به وعلمه لغيره: لا يمنعكم عن خشبة المسرح إلا الموت وقدموا العرض.. ولو كانت الصالة خالية.. إلا من متفرج واحد! وليتعلم ابناء الجيل الحالي من المضحكين.. كيف ان الكوميديا ليست هي بالهزل لكنها جد الجد.. وهي مخزون ثقافة وخبرة وعلم ووعي ورسالة.. وليتعلم ابناء الجيل الحالي.. احترام المواعيد.. واحترام الزملاء.. واحترام الفن.. فإن الفنان يرحل.. ولا يبقي منه.. إلا سيرته العطرة ومسيرته النظيفة العامرة بالكفاح والنجاح والاحباط.. والخالية من السقوط والتدني والمتاجرة بالفن... رحم الله بابا عبده الذي أخذ ضحكته معه ورحل. نجم ساعة لقلبك في سطور
الجمهورية المصرية في 10 يوليو 2006
رحيل رائد الكوميديا الراقية الفنان عبدالمنعم مدبولي رحل الفنان الكبير عبدالمنعم مدبولي صباح أمس عن عمر يناهز(85 عاما) إثر توقف عضلة القلب عن العمل مما اضطر الأطباء المشرفين علي حالته الصحية لاستخدام جهاز الصدمات الكهربائية لكن وافته المنية. كان مدبولي يرقد منذ أيام بغرفة العناية المركزة بمستشفي المقاولون العرب لتعرضه لإلتهاب رئوي حاد وهبوط في مناعة الجسم وكان يرافقه بالمستشفي أبناؤه أمل ومحمد وأحمد وأحفاده وصديقه أحمد كمال. وسيتم تشييع الجثمان ظهر اليوم من مسجد آل رشدان بمدينة نصر كما يقام العزاء مساء غد بنفس المسجد. ويعد مدبولي رائدا من رواد المسرح المصري وصاحب مدرسة خاصة في الكوميديا تخرج منها عشرات الممثلين في مصر والعالم العربي وشارك في تأسيس أول فرقة للمسرح الحر في مصر وله سجل حافل من الأعمال سواء كممثل أو كمخرج حيث شارك بالتمثيل في80 مسرحية و150 فيلما و30 مسلسلا وقدم عددا من الفوازير الرمضانية وحصل علي العديد من الجوائز ونال الكثير من التكريم. * ومن غرائب القدر ان صديق عمره الفنان الكبير فؤاد المهندس والذي كان سيكرم معه اليوم من قبل المهرجان القومي للمسرح التهم الحريق منزله بالكامل مساء أمس الأول واصيب في قدمه. أما الفنانة شويكار فقالت لنا: أن الراحل كان استاذي الذي علمني الكوميديا الراقية وكان له اسلوب كوميدي اطلق عليه المدبوليزم, واصبح تلاميذه كلهم نجوما للكوميديا, لذلك اعزي نفسي فيه. الأهرام اليومي في 10 يوليو 2006
رحيل بابا عبدو مكتشف فؤاد المهندس وعادل إمام
توفي أمس الأحد الفنان عبد المنعم مدبولي صاحب واحدة من أهم المدارس الكوميدية المصرية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في أحد مستشفيات القاهرة عن عمر يناهز 85 عاما، بعد صراع طويل مع مرض السرطان. كما أعلن نقيب الفنانين المصريين أشرف زكي، والفقيد، الذي يشتهر في العالم العربي باسم بابا عبدو، من مواليد عام 1921 متزوج وله ولدان وبنت. أسس مدبولي عام 1952 فرقة المسرح الحر، لكنه عمل في الوقت نفسه مع سبعة فرق أخرى، وكان له الفضل في اكتشاف عدد كبير من الفنانيين الكوميديين، مثل فؤاد المهندس وعادل إمام والراحلين محمد عوض وأبو بكر عزت. كما شارك في نحو خمسين فيلما سينمائيا. عاش مدبولي الذي ولد في منطقة باب الشعرية الشعبية في القاهرة طفولة بائسة، توفي والده وعمره ستة أشهر فقط، واضطر للعمل كعامل بسيط قبل أن يلتحق بفرقة فاطمة رشدي المسرحية ثم يدخل معهد التمثيل الذي تخرج منه عام 1949. عمل في بداياته في ورش الفنون التطبيقية حيث التقى رائد المسرح المصري الحديث جورج أبيض الذي تنبأ له بمستقبل باهر في المسرح. وأعطت مشاركة مدبولي في برنامج "ساعة لقلبك" الدرامي الإذاعي المعروف شهرة جماهيرية ساهمت في انطلاقه . وعلى صعيد الدراما التلفزيونية، قدم مدبولي العديد من المسلسلات أهمها "بابا عبده" و"شارع عماد الدين". وإلى جانب نجاحه في التمثيل، عرف مدبولي كمخرج مسرحي أعطى الثنائي فؤاد المهندس وشويكار، أهم فناني الكوميديا في الستينات، واحدة من أهم مسرحياتهما وهي "أنا وهو وهي" التي أطلقت كذلك عادل إمام قبل تألقه في مسرحية "مدرسة المشاغبين". من أهم المسرحيات التي أخرجها "حالة حب" و"مطار الحب" و"السكرتير الفني" و"مطرب العواطف" و"أصل وصورة" و"حلمك ياشيخ علام" التي قام ببطولتها الراحل أمين هنيدي. ومن هذه المسرحيات انطلق مصطلح"المدبوليزم"لوصف هذه المدرسة الكوميدية اعترافا بقيمة مدبولي وأهميته كواحد من أعمدة الكوميديا في مصر في ستينات وسبعينات القرن الماضي. لعب اهم ادواره المسرحية في مسرحية "ريا وسكينة" إلى جانب المطربة والفنانة الشهيرة شادية التي وقفت فيها على خشبة المسرح لأول وآخر مرة. وكان آخر ظهور لمدبولي على المسرح قبل ثلاثة أعوام في مسرحية "وسط البلد" لناصر عبد المنعم. ومن أشهر الأفلام التي شارك فيها "مولد يا دنيا"و"الحفيد" و"إحنا بتوع الاتوبيس" و"حب في الزنزانة" و"المراة والساطور". وآخر أفلامه "أريد خلعا" مع الكوميدي الشاب أشرف عبد الباقي وحلا شيحا. الصحراء المغربية في 10 يوليو 2006 |
بابا عبده.. أخذ ضحكته وراح من مدرسة المدبوليزم.. تخرج الزعيم والإمبراطور والمشاغب قلب "المهندس" احترق مرتين في 24 ساعة سمير الجمل |
آخر حوار مع الفنان عبدالمنعم مدبولي قبل دخوله إلي غرفة الإنعاش: · مازلت أمارس الفن بروح الهواية · عندما تحول المسرح إلي تجارة خسرنا الفن الهادف حوار: عيد عبد الحليم عبد المنعم مدبولي فنان من الزمن الجميل ورائد من رواد المسرح المصري في النصف الثاني من القرن العشرين. صاحب مدرسة خاصة في الكوميديا تخرج منها عشرات الممثلين في مصر والعالم العربي، وصاحب رؤية متميزة في فن «الإضحاك» الهادف. تلميذ نجيب لأساتذة المسرح الكبار حيث تربي في «مسرح الريحاني» وتعلم علي يد «جورج أبيض» و«زكي طليمات» و«فتوح نشاطي» و«عبدالرحيم الزرقاني» وغيرهم. هو فنان يعشق الحرية وينطلق من فضاءاتها ويؤرخ لها بفن هادف يبتعد عن الاسفاف. أسس مع مجموعة من زملائه عام 1952 أول فرقة للمسرح الحر والتي قدمت عددا من العروض المسرحية التي خرجت عن نمط المسرح التقليدي بعيدا عن مماحكات وممارسات المؤسسة الرسمية. شارك بالتمثيل والإخراج في عدد كبير من المسرحيات منها «السكرتير الفني» بطولة فؤاد المهندس وشويكار ولا ينسي أحد دوره في رائعة حسين كمال «ريا وسكينة» بالاشتراك مع شادية وسهير البابلي وأحمد بدير، بالإضافة إلي قيامه بالعشرات من أدوار البطولة في الأفلام الكوميدية مثل «الحفيد» و«مولد يا دنيا». وقد أجري هذا الحوار معه أثناء بروفات مسرحية «أمير الخيال» منذ شهر ونصف. · في البداية ماذا تقول عن تجربتك في المسرح علي مدار السنوات الخمسين الماضية؟ - المسرح رحلة حياة فيها كثير من الصعوبات وقليل من الأفراح، فالمسرح الحقيقي ابن المعاناة وابن التجربة ولا وجود لتجربة مسرحية تحاول أن تقدم شيئا إلا بالاتكاء علي التجريب علي مستوي التأليف والتمثيل والإخراج والديكور وغيرها من جماليات المسرح المختلفة وآلياته، وقد حاولت أن أمارس التمثيل والإخراج ومازلت اتعامل مع الفن من منطلق الهواية. · وما رأيك في المسرح اليوم؟ - هناك بعض الفرق التي تقدم أعمالا متميزة فيها توجيه وهناك مسرحيات لمجرد الضحك وكلاهما مطلوب. · بالتأكيد اختلف المسرح عما كنتم تقدمونه في الستينيات؟ - طبعا لا يمكن أن يعيش المسرح الحقيقي في ظل زمن الاستهلاك، فعندما تحول المسرح إلي تجارة خسرنا الفن الهادف وإذا أردنا عودته مرة ثانية فلابد من دعم حقيقي من وزارة الثقافة، فكما تعامل الفرق الحكومية التابعة للبيت الفني للمسرح لابد وأن تعامل الفرق الحرة التي تقدم فنا جادا. مسرح نجيب محفوظ · إذن كيف كانت تتعامل وزارة الثقافة مع فرقة المسرح الحر في بداية الخمسينيات من القرن الماضي؟ - وقتها كان وزير الثقافة د. ثروت عكاشة يشجع فكرة وجود مسرح حر فكان يعطينا المسرح كمكان للعرض بالإضافة إلي الملابس والمناظر، وكان تشجيعه لأقصي حد لنا وللفرق الأخري وهذا ما نفتقده الآن. وفي ظل هذا التشجيع قمنا بتقديم أعمال «نجيب محفوظ» الروائية لأول مرة علي خشبة المسرح فقدمنا «زقاق المدق» و«قصر الشوق» و«بين القصرين». ازدواجية الفن · ربما اختلفت الأجواء الآن فقديما كان هناك ممثلون ومخرجون نذكرهم -الآن- كرموز خرجوا بفكرة المسرح المستقل إلي حيز الوجود والفعل؟ - اعتمد المسرح الحر علي الدفعة الأولي من خريجي المعهد العالي للمسرح أمثال سعد أردش وزكريا سليمان وعبدالحفيظ التطاوي وصلاح منصور وخيرية أحمد ومحمد رضا وأبو بكر عزت وأنا، وكنا نقوم بالتمثيل والإخراج وقدمنا في ذلك ثمانية عشر عرضا ولم نعتمد علي مخرجين من الخارج سوي في عملين فقط. · هل لهذه التجربة أثر في اتجاهك إلي الإخراج المسرحي بالإضافة إلي التمثيل في نفس العروض؟ - الجمع بين التمثيل والإخراج أمر مؤلم مما يجعل الممثل المخرج لا يقدر علي تنفيذ التعليمات وبين دوره كممثل يؤدي. الأمر في النهاية بالغ الصعوبة والتعقيد وأحبذ أن يكون الممثل ممثلا والمخرج مخرجا، ولكن نستطيع أن نقول إن الجيل السابق كان يحب المسرح، أما الجيل الحالي فيريد الثروة والسيارة والشقة بخلاف جيلنا، فقد كنا في أحيان كثيرة نعمل بدون أجر من أجل الفن، ولذلك كان الجمهور يملأ قاعات المسرح لدرجة أنني أذكر أننا في فرقة «المسرح الحر» ونحن نقدم إحدي روايات نجيب محفوظ وصل عدد الجمهور إلي أكثر من ثلاثة آلاف الذين تدافعوا لرؤية العرض مما أحدث تلفيات بالغة بمسرح الأوبرا القديمة. مدرسة كوميدية · قال عنك بعض النقاد إنك صاحب مدرسة في الكوميديا فكيف تري ذلك؟ - ليس هناك شيء اسمه مدرسة كنت أعمل حسب أسلوبي وأخرج حسب رؤيتي وحسب ما تعلمته أياً كانت التسمية ولكنني - في النهاية- حاولت في طريق الفن ومازلت ولآخر لحظة من العمر سوف أحاول. · وماذا عن أساتذتك؟ - تأثرت بالأساتذة الكبار وأولهم أستاذ الجميع ركي طليمات والمخرج العظيم الفنان فتوح نشاطي. · قدمت مع فؤاد المهندس ثنائيا فنيا ناجحا فما أسباب هذا النجاح؟ - يرجع ذلك إلي أنني أفهم «المهندس» جيدا وهو يفهمني وهذا الفهم من أهم الأشياء في نجاح أي عمل مسرحي فقد كان كل منا يفهم الآخر بالنظرة. أما «شويكار» فقد اجتهدت حتي تصبح نجمة ولها جمهور والفنان الصادق - دائما - يسعي لتطوير نفسه، وقد حاولت «شويكار» بذكاء شديد أن تقدم أدوارا مختلفة من خلال أداء فني مغاير، وقدمت مع «المهندس» ثنائيا فنيا يسكن الآن في الذاكرة المضيئة للتاريخ. جريدة القاهرة في 4 يوليو 2006
|