هناك رؤى مختلفة حول وظيفة الفن وعلاقته بالواقع. ففي حين تتفق الأغلبية على الدور الترفيهي والامتاع الروحي الذي توقظه ألوان الفن المختلفة كالمسرح والموسيقى والسينما في المتلقي، هناك نقاش مستمر حول الكيفية التي يجب أن يقدم بها الفن الواقع. بناءً على هذا الاختلاف يتباين مؤلفو الأعمال الفنية والنقاد في إنتاج وتقييم هذه الاعمال.

الرواية والسينما، وهما لا تزالان أحدث فنين، كانتا ولاتزالان عرضة لهذا التباين، ونتيجة انتماء الروائيين والسينمائيين لمدارس عدة، وجدت السينما التسجيلية والرواية الواقعية والسينما التجريبية وغيرها.

قبل سنوات عدة كتبت مقالين عن فيلمي »أن تكون جون ميلوكيفيتش« و»تكييف« للمخرج سبايك جونز والسيناريست تشارلي كوفمان، حيث وجدت أسلوب كلٍ من الفيلمين متصفا بواقعية سحرية مختلفة عن تلك القادمة من أمريكا اللاتينية، وتقترب أكثر من تلك التي عبّر عنها كافكا بشكل خاص في أعماله الروائية، حيث انها ليست عن الغرابة التي لا تلتقطها العين في الحياة اليومية أو تؤولها بمفاهيم تزيل الغرابة عنها، بل غرابة تلف عالم الشخصية وتنبع من الشخصية ذاتها، حيث يغيب أي رد فعل يحاول ان يعيد الأشياء لترتبط بالأسماء التي تعنونها في الواقع، خلال كتابة عرض للفيلم في المقالين، كانت الامكانية الوحيدة وقتها هي سرد حكاية الفيلم، رغم إشكالية أن التحليل السينمائي كغيره من أنواع نقد الفن يجب أن يولي الانتباه لجميع جوانب الفيلم، وبشكل خاص لرسالة الفيلم أو مضمونه الذي لا يمكن تغطيته بشكل كافٍ من خلال إعادة سرد الأحداث.

لكن في فيلم السيناريست تشارلي كوفمان الأخير »الشروق الابدي« بالتعاون مع المخرج »الكندي- الفرنسي« ميشيل غوندري نجد أن الأسلوب الكافكاوي موظف بإتقان أكثر لإبراز مضمون الفيلم، الاجتماعي هنا. فبرغم ان الغرائبية لا تفقد بريقها، لكنها تشكل مع المضمون وحدة متكاملة تبرز مع المشاهدة الواعية للفيلم.

»الشروق الأبدي« كبقية الافلام السابقة للسيناريست فيلم متوسط الميزانية، مع فريق جيد من الممثلين. جيم كاري في البطولة إلى جانب الممثلة البريطانية كيت وينسلت، كما يتضمن فريق الفيلم كريستين دنست ومارك رافلو وإليجا وود، إضافة للممثل البريطاني المخضرم توم ويلنكيسون.

يتحدث الفيلم عن جول »كاري« وكيلمونتي »وينسلت«، اللذين يمران بوقت حرج في علاقتهما، بعد خلاف حاد يذهب جول لمصالحة كليمونتين في مكان عملها لكنها لا تتعرف عليه.

مثقلاً بالإحباط يذهب جول لبعض الأصدقاء ليكتشف أن كيلمونتين استعانت بخدمات عيادة تؤمن لمرضاها مسح اجزاء من الذاكرة، تلك التي تتعلق برفيق أو زوج سابق، و يتم إرسال بطاقات لجميع معارف المريض تنبه من عدم ذكر العلاقة أمام المريض مرة أخرى. ومن دون نية واضحة يقرر جول مقابلة مدير العيادة د.هاورد »ويلنكيسون«، لكن كما في »محكمة كافكا« يجد جول كما فرانز من قبله مَن يخبره بما يتوجب عليه فعله، يقرر مسح كليمونتين بدوره من ذاكرته.

بعد تحديد النقاط التي تحوي ذكرياتهما المشتركة في دماغه، يعود جول إلى منزله.

وعقارا مخدرا، وينتظر وصول تقنيي العيادة للشروع في مسح كليمونتين. من هذه النقطة تبدأ الأحداث بالسير في خطين منفصلين؛ الأول من خلال ذكريات جول عن المناسبات التي تجمعه بصديقته، والثاني مع تقنيي الشركة الذين يعملون في الغرفة نفسها التي يستلقي فيها المريض، حيث تحاول السكرتيرة »كريستين دينست« ابعاد احد التقنين عن المنزل للبقاء وحيدة مع صديقها وهو التقني الآخر»مارك رافلو«، بينما يخوض التقني المراد ابعاده إليجا وود علاقة مع كليمونتين، ويحاول الحصول على مزيد من أشياء جول ليستخدمها في التقرب منها.

تبدأ عملية المسح بهدوء، لكن في نصف الطريق يكتشف جول انه ل يزال يحب المرأة الآخذة بالابتعاد نهائيا عنه، ويحاول المقاومة، لكن الجهاز يعرف تماما أين تكمن كليمونتين في دماغه.

وبينما هو مستمر في عيش ذكرياته الآخذة بالزوال يبدأ جول بمحادثة كليمونتين، ويحاول الاثنان الهروب من تقنيي المسح المشغولين بأشياء أخرى في الجانب الآخر من الغرفة، ويصبح ما كان مستحيلا منذ لحظة ممكنا، يأخذ جول كليمونتين إلى أجزاء أخرى من ذاكرته، لم تسمع بها هي من قبل، ولا يعرفها الجهاز بعد.

مع توقف الجهاز عن المسح يتصل التقني والسكرتيرة بالدكتور هاورد الذي ينجح في العثور على المريض الضائع، لكنه لا يفهم سبب هروب وعيه عن المناطق المراد مسحها. يوجه الفيلم نحو العقدة الدرامية، حيث تفصح السكرتيرة عن اعجابها بالدكتور هاورد لتكتشف أنهما كانا معا من قبل، وأنها مسحته من ذاكرتها من قبل. وداخل عقل المريض المستلقي أمامهما يدرك جول عدم جدوى المقاومة، ويقرر هو وكليمونتين الاستمتاع بالجزء المتبقي من ذكرياتهما.

في اليوم التالي مدفوعين بهاجس مجهول يسافر كل منهما إلى الشاطئ، حيث التقيا للمرة الأولى، ومرة أخرى هما غريبان يتعرفان، يقومان بأشياء فعلاها دوما، لكنها جديدة بدءا من ذلك اليوم.

في صباح اليوم التالي تجد كليمونتين رسالة من سكرتيرة العيادة، تتضمن ملفها الطبي لتخبرها عن عملية المسح التي أجرتها، في وقت لاحق يجد جول رسالة مماثلة، يجد الغريبان نفسيهما في وضع حزين. فقد أدركا أنهما ليسا غريبين تماما، لكن كل ما جمعهما لسنتين قد مسح. كل ما يعرفانه الآن هو كيف يمكن أن ينتهي درب سلكاه معا.

تأتي النهاية ديمقراطية، إذ يقرر المخرج التوقف عند نقطة مبهجة من حديث ما بعد الحقيقة بين جول وكيلمونتين، وإتاحة المجال للمشاهد في اختيار النهاية الأنسب اليه.

رغم أن الفيلم يدين بالكثير لأفلام الخيال، ليس العلمي حصرا،ونظرة الكافكاوية لعلاقة الفرد بالمجموعة، خصوصا في مشاهد العيادة، حيث تكفي رؤية الممثلين في زي الأطباء، والأجهزة التي أبدع المخرج في اختيارها للتعبير عن الغرائبية المراد الوصول إليها، فإن حقيقة أن جزءا لا يستهان به من مشاهد الفيلم يصور ذكريات البطل، وهي رؤية معاد انتاجها للواقع،  رمز لحميمية المشاعر والأفكار الداخلية للإنسان، تجعلنا نصنف الفيلم كنوع من الدراما الرومانسية.

يعالج كوفمان عناصر النص كالذاكرة، وما نثمنه في الرفقة معالجة شجنة وجميلة، يفيد المخرج من هذه المعالجة بتوظيف سريالي للتعبير عن مشاهد مسح الذاكرة، كما في الشاطئ المغطى بالثلج أمام البحر، ومشهد منولوج كليمونتين عندما تحكي لجول عن طفولتها، ويكتشف هو أنه يمسح المرأة التي يحب من ذاكرته.

من ناحية أخرى، الفيلم هو الأنضج للسيناريست حتى الآن من ناحية بناء الشخصيات.. نرى محدودية في استخدام تقنية »اللازمة« التي نجدها في أعمال سابقة، واضافة إلى شخصيتي جول وكليمونتين فإن الشخصيات المساندة كتقنيي العياد والسكرتيرة والطبيب وأصدقاء جول يتصلون بعلاقات مختلفة، ما يتيح فرصة أكثر لفهم وتحليل هذه الشخصيات، وبشكل أو بآخر يقدم كوفمان نماذج مختلفة، تلتقي في أهليتها للخوض في مسح جزئي للذاكرة.

للذين يعرفون جيم كاري، لن يكون هذا هو الفيلم الذي ستجده فيه عادة، لكنه تحدٍ آخر يخوضه بنجاح لأثبات موهبته الموضوعة دوما في مكان التساؤل.. كيت وينسلت من الجانب الآخر، كانت حسب المخرج »جيم كاري« الفيلم، مقدمة دورا يناقض تماما الصورة التي اعتاد الجمهور عليها، كوفئت فيه بترشيحها الخامس  بجوائز الأكاديمية كأفضل ممثلة.

تنفيذ ممتاز من ناحية التقنيات رغم محدودية الإنتاج، ونختصر القول بأن النبرة الشجنة للكاتب، والأخرى المرحة للمخرج تبقي الفيلم في توازن يرضي أغلب الأذواق.

الأيام البحرينية في 9 يوليو 2006

 

«الحياة» في مهرجان تاورمينا السينمائي الايطالي...

أسماء الجوائز عابقة بالحنين... والسينما تقاتل المافيا في عقر دارها

تاورمينا (جزيرة صقليّة) – عرفان رشيد 

قلّما أتيح للسينما الإيطالية فرصة التعبير عن إنجازها لموسم كامل في الشكل الذي أتاحته لها الدورة الثالثة والخمسون لمهرجان تاورمينا السينمائي الدولي التي أقيمت في مدينة تاورمينا الصقليّة نهاية الشهر الماضي. وعلى رغم المصاعب التمويلية التي واجهها المهرجان، والتي نتجت من انسحاب أحد أهم مموليه، أي «بانكا ناتسيونالي ديل لافورو» الذي فضّل تمويل مهرجان روما الذي سينطلق بدورته الأولى في نهاية تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، تمكّن مدير المهرجان فيليتشي لاوداديو من إنجاز برنامج «طوارئ» حقق نجاحاً كبيراً.

وجاء قسط كبير من هذا النجاح من حضور السينما الإيطالية التي أُنجزت في الشهور الأخيرة ومن خلال حضور النجوم الإيطاليين الذين شغلوا، عن جدارة، الفراغ الذي تسبّب به غياب النجوم الأميركيين «الذين لم يعد في إمكان غير المهرجانات الكبيرة، كـ (كان) و (فينسيا) و (برلين) دعوتهم وإحضارهم لما يتسببون به من كلفة عالية لا طاقة للمهرجانات المتوسّطة والصغيرة بتقديمها» كما أكد لاوداديو. إضافة الى التكاليف العالية لاستضافة هؤلاء النجوم ومرافقيهم وبعض أفراد عائلاتهم وتكاليف تذاكر السفر والإقامة في الفنادق الراقية، فإن على المهرجانات أن تدفع لهم مكافآت باهظة، ما جعل حضور النجوم الأميركيين أمراً شبه مستحيل التحقيق. من هنا يكون في إمكان هذه المهرجانات التمتّع بحضور النجوم الكبيرة في عالم السينما الأميركية بالذات فقط في حال توافق انعقاد المهرجان المذكور مع فترة إطلاق العنان لحملة ترويج الفيلم الذي يؤدي هذا النجم أو ذاك دور البطولة فيه، إذّاك يُصبح حضور النجم أكثر احتمالاً لأنه يدخل ضمن التزاماته مع شركات التوزيع الوطنية التي تتحمل عادة قسطاً من التكاليف.

من دونهم

وعلى أية حال فقد برهنت الدورة الأخيرة لمهرجان تاورمينا أن في الإمكان إقامة مهرجان ناجح ومهم من خلال الاعتماد على المُنجز الوطني وعلى النجوم المحليين، خصوصاً أن السينما التي نتحدث عنها هي السينما الإيطالية والتي حققت في الموسم الماضي أعمالاً رائعة لعدد من مخرجيها الشباب والكهول، وتمكّن فيليتشي لاوداديو، بعناده وتوتّره المعتاد، من عرض معظم أفلام الموسم الماضي، ولم «يفلت» من شاشاته إلاّ فيلم «صديق العائلة» لباولو سورّينتينو، الذي كان عُرض ضمن مسابقة مهرجان «كان» الأخير ورسّخ حضور هذا المخرج الشاب المتميّز في خريطة السينما الأوروبية. «صديق العائلة» لم يحضر المهرجان لأن موزعي الفيلم ومنتجيه قرروا عرضه في الصالات في شهر تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، لذا كان عرضه في تاورمينا سيؤدي إلى إحداث تخلخل في حملة تقديمه جماهيرياً.

لاوداديو لم يكتف بعرض الأفلام الإيطالية فحسب، بل احتفى بها في شكل استثنائي من خلال استنباط جائزة خاصة يحمل كل فرع منها اسم أحد أهم المبدعين الإيطاليين في ذلك المجال، فجائزة التمثيل الرجالي» حملت اسم النجم الراحل «جان ماريّا فولونتييه» مثلما حملت جائزة التمثيل النسائي اسم بطلة أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة النجمة الراحلة «آنّا مانياني». وحمل اسم «جائزة أفضل منتج» اسم المنتج الإيطالي الكبير فرانكو كريستالدي، وجائزة أفضل مدير تصوير حملت اسم الأسطوري جوزيبي روتونّو، مبدع أفلام فيديريكو فيلليني. ولم تقتصر تسمية الجوائز على أسماء المبدعين الإيطاليين الراحلين، بل أجاز الكثير من السينمائيين الذين لا يزالون على قيد الحياة لفيليتشي لاوداديو، استخدام أسمائهم في الجوائز التي منحها للفائزين في الدورة الأولى من هذه الجائزة فقد حملت «جائزة أفضل مخرج» اسم أبي الكوميديا الإيطالية المخرج المخضرم ماريو مونتشيللي، الذي احتفل بعيد ميلاده الحادي والتسعين في الصحراء التونسية خلال تصوير فيلمه الأخير. كما حملت «جائزة أفضل سيناريو» اسم كاتبة السيناريو سوسو تشيكّي داميكو وحملت «جائزة أفضل قصة سينمائية» اسم الشاعر والسيناريست تونينو غوير. ومنح اسماء مصمم الديكور دانتي فيرّيتي والموسيقي الكبير إينيو مورّيكوني إلى جائزتي الديكور والموسيقى.

الجوائز التي قررتها لجنة مشكّلة من أعضاء جمعية نقّاد السينما الدولية «فيبريشي» أكدت ما ذهب إليه الجمهور خلال الموسم الماضي، فقد مُنحت جائزة أفضل ممثلة إلى النجمة الرائعة فاليريا غولينو عن دورها الصعب في فيلم «حروب ماريو» من إخراج النابوليتاني أنطونيو كابوانو، فيما مُنحت جائزة أفضل ممثل إلى النجم والمخرج كيم روسّي ستيوارت عن دوره المُميّز في فيلم «الحكاية الإجرامية» من إخراج ميكيلي بلاتشيدو. والحال ان ذهاب هذه الجائزة إلى كيم روسّي ستيوارت أكد أهمية هذا الفنان المبدع في السينما الإيطالية الراهنة، إضافة إلى دوره في هذا الفيلم المهم الذي يؤرّخ لحياة المجتمع الإيطالي في مطلع السبعينات من القرن الماضي، فقد عرض المهرجان أيضاً الشريط الروائي الأول لهذا الفنان كمخرج وكان بعنوان «لا بأس أن ألعب بدور شبه الوسط». وهو فيلم يتحدّث، بوجهة نظر صبي في التاسعة من العمر، عن أزمة اجتماعية ناجمة عن انفلات الآصرة العائلية. الفيلم الجديد لستيوارت كان عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» ضمن برنامج «نصف شهر المحرجين» وحقق نجاحاً وحضوراً مميّزين قوبلا بتصفيق طويل ليلة العرض الأولى في مسرح «نوغا هيلتون» في مدينة «كان» الفرنسية. والى ذلك كله مُنحت جائزة أفضل مخرج إلى المخرج نانّي موريتي عن فيلمه «الكايمان – التمساح الأميركي» الذي يتناول فيه أزمة منتج سينمائي يحاول إنجاز شريط سينمائي لمخرجة شابة واعدة قررت مواجهة ظاهرة البيرلوسكونية وهيمنة رئيس الحكومة الإيطالية السابق سيلفيو بيرلوسكوني على المشهد السياسي والإعلامي الإيطالي في السنوات الثلاثين الأخيرة.

الصقليّون لا ينسون

أما جائزة الجمهور فذهبت بامتياز إلى فيلم «في بلاد أخرى» للمخرج ماركو توركو. وتناول الشريط نضالات وأحداث استشهاد القاضيين جوفانّي فالكوني وباولو بورسلّينو اللذين اغتالتهما المافيا الصقليّة المعروفة بـ «كوزا نوسترا» يومي 23 أيار (مايو) و19 تموز (يوليو) من عام 1992 بتفخيخين مهولين صُرعا فيهما، إضافة إلى القاضيين وزوجة فالكوني، عدد من أفراد حماية القاضيين.

فالكوني وبورسيلّنو من مواليد صقليّة بباليرمو وساهمت تحقيقاتهما ومعرفتهما الجديدة بكينونة «كوزا نوسترا» وأصولها، في توجيه ضربات موجعة إلى هذه المنظمة الإجرامية الخطيرة، وأدى إنجازهما إلى الكشف الذكي لتركيبة المافيا وما عُرف في القاموس القضائي والسياسي والاجتماعي الإيطالي بـ «قبة كوزا نوسترا»، التي كانت تشكّل «القيادة وغرفة العمليات» للكثير من الأعمال الإجرامية التي تقترفها المافيا، أو بالأحرى المافيات في العالم.

إنجاز فالكوني وبورسلينو دفع المافيا إلى معاقبتهما بطريقة استعراضية جرّبت من خلالها «كوزا نوسترا» عضلاتها في مواجهة الدولة وحاولت إدخال الرعب في صفوف المواطنين الصقلّيين. وأرادت «كوزا نوسترا» من خلال عملية اغتيال فالكوني وبورسلّينو توجيه رسالة للصقليين وللدولة الإيطالية مفادها أن «كوزا نوسترا» لا تغفر لمن يقف أمامها ويسدّ طريقها». غير أن إنجاز القاضيين الشهيدين فقد تمكّن من توجيه ضربات موجعة أخرى إلى «كوزا نوسترا» حتى بعد اغتيالهما، تمكّن القضاء من إيصال زعامات المافيا التاريخية وعرابيها الكبار مثل توتو ريينا وبيرناردو بروفينتسانو وغيرهما الى العدالة، وهذا ما كان شريك ماركو توركو يبغي تأكيده.

ماركو توركو، الذي يعمل الآن على إنجاز شريط روائي مقتبس من رواية «الغريبة» للكاتب العراقي، المقيم في تورينو، يونس توفيق، أكد لـ «لحياة» أن «هذه الجائزة هي أجمل ما كان في إمكاني توقّعه من هذا المهرجان لأنها جائزة جاءت من أبناء صقلية الذين لا يزالون يعتبرون فالكوني وبورسلّينو منارتين في لجّة المجهول الذي يمخرون عبابه».

الحياة اللبنانية في 7 يوليو 2006

سينماتك

 

«الشـــــــروق الأبــــــــدي»

فيلم يدين بالكثير لأفلام الخيال ونظرة الكافكاوية

علي مدن

 

 

 

 

سينماتك

 

أشهر الأمهات على الشاشة العربية

الأم السينمائية بين الصورة المثالية والأخرى المحطمة الهامشية

(ا.ب) من عبداللطيف خاطر  

في مطلع الربيع من كل عام يحتفل العالم، كل العالم، بعيد الام تكريما لدورها وعطائها وحياتها. وهذا العيد ليس من ابتكارات الحياة العصرية بل إن جذوره ضاربة في أعماق التاريخ.

تعود الاحتفالات بعيد الام إلى سيدة أميركية تدعى اناجاوفيس التي ولدت العام 1864 وعاشت في ولاية فرجينيا واطلقت صيحتها ومطالبتها للاسر المتحاربة اثناء الحرب الاهلية الاميركية بتكريم الام بدلا من إشعال فتيل الحرب تلبية لرغبة والدتها. وفعلا كان اول احتفال لعيد الام بولاية فرجينيا 1907 وأقره الرئيس ويلسون وحدد موعده يوم الاحد الثاني من مايو سنويا وهناك قصة أخرى تؤكد بان هتلر الزعيم النازي هو اول من نادى بالاحتفال بعيد ميلاد أمه وجعله عيدا لكل الامهات في العالم.

اما الصحوة مصريا وعربيا فقد اطلقها علي أمين في فكرته بجريدة ‘’اخبار اليوم’’ وخلد مشوارها سينمائيا قائمة تطول من الفنانات في مقدمتهن فردوس محمد وأمينة رزق وحتى يسرا في أدوار أمومه ولا في الخيال لكونها من غير زواج وربما من غير عيال فإذا كانت أمينة رزق واحدة من افضل من قدمت دور الأم على الشاشة من غير زواج لكونها الراهبة التي وهبت حياتها متعبدة في محراب الفن فهناك فنانتان نبيلة عبيد ويسرا هما اللتان قدمتا دور الأم من دون إنجاب وهناك الفنانة كريمة مختار والتي تعد بمثابة الام المثالية على الشاشة والواقع.

ولا يمكن ان يتخيل احد ان تصل السينما لهذه الدرجة فبعد ان خلدت بالأمس دور الأم وقدمت النموذج المثالي المثير للفخر فمثلا في الام المثالية بالامس المكافحة والساهرة في الليالي حرصا على راحة ابنائها والدائبة في نهارها مساهمة في كسب الأسرة والزوج لقوت يومها كنموذج عضوي طيب.. ونبيل متمثلا في الفنانة فردوس محمد، وإذا كنا قد رأينا نماذج أخرى لشخصية الام المتميزة في علوية جميل وزينب صدقي ومديحة يسري وناهد سمير، الا ان امينة رزق كانت نموذجا متفردا للام المصرية الصامدة التي تقف بصلابة في المحن تمسك بزمام الامور.

ومن هنا لا يزال يراها في ‘’دعاء الكروان’’ رائعة عميد الادب العربي طه حسين، عندما حولها المخرج هنري بركات إلى فيلم سينمائي.

في فيلم الراحل صلاح ابو سيف، لك يوم يا ظالم المأخوذ عن قصة للكاتب الفرنسي الكبير إيميل زولا تريزر اكان الام الضريرة التي تزوج ابنها محسن سرحان من فتاة شابة جميلة هي فاتن حمامه، ويعود ذات مساء مصطحبا صديقا هو محمود المليجي الذي تحلو في عينية الزوجة الشابة فيسعى إلى الخيانة ويقتل صديقه الزوج، وتشعر الام الضريرة بالمأساة تضرب قلبها ونفسها.

ومن الروائع في تاريخ السينما فيلم أبوسيف ‘’بداية ونهاية’’ أمينة رزق الأم التي ارتحل عنها الزوج الموظف رب الأسرة، التي تتنوع فيها نوازع الشباب الثلاثة أبناؤها.. الأكبر اختار طريق الضياع لا يهبط على الأسرة إلا لماماً، والأوسط الذي لا يجد بداً من التضحية بمستقبله ليحصل على وظيفة بشهادة متوسطة حتى تستمر الأسرة في حياتها والأصغر الذي كان يحلم بأن يكون ضابطاً له شأن، ويرفض واقعه.. والابنة التي تنكب على ماكينة الخياطة لتساهم في رفع الفقر عن الأسرة، ويخدعها ابن البقال ويغريها بالسقوط فتنحرف الى نهاية أليمة.. وهي الأم أمينة رزق التي تواجه العواصف لكي تحمي العائلة، وما يفطر القلب. شخصيتها في فيلم سعيد مرزوق ‘’أريد حلاً’’ والسنوات التي تنفقها مترددة على المحاكم على نفقة لا تحصل عليها أبداً.

بعد ذلك اختفت الصورة الحقيقية للأم المصرية على الشاشة، وظهرت بدلاً منها صورة مشهورة لأم غريبة الملامح، سوقية الألفاظ لا تشبه الصورة المشرفة التي قدمتها السينما من قبل، فلم تعد الأم الحالية تشبه أمينة رزق في قلة حيلتها، أو فردوس محمد في طيبتها، وماري منيب بمقالبها الطريفة، وكريمة مختار بتلقائيتها، واستولت على أدوار الأم مجموعة من الكومبارس بأدوار هامشية.

ورغم تلك الصورة القاتمة إلا ان هناك بعض الجوانب المشرقة، حيث يوجد بعض الفنانات اللاتي قدمن دور الأم بحرفية وبراعة ومنهن دلال عبدالعزيز.

ففي فيلم ‘’أسرار البنات’’ قدمت دلال عبدالعزيز الأم المصدومة في ابنتها المراهقة التي فقدت عذريتها ونالت عنه جائزة، وهناك سوسن بدر التي قدمت في فيلم ‘’الأبواب الخلفية’’ نموذجاً للأم المكافحة والتي تتكبد وحدها عناء تربية ابنها المراهق، وفي فيلم ‘’أحلام صغيرة’’ تؤدي ميرفت أمين دور الأم لطفل صغير يعمل في ورشة سمكرة لمساعدتها على تحمل أعباء الحياة، ويصاب ابنها الصغير بصدمة كبيرة عندما تتزوج والدته من صاحب الورشة الذي يعامله بصورة سيئة ويرفض العيش معها، لينضم للمقاومة الشعبية.

وفي الفترة الأخيرة فاجأت عبلة كامل الجميع بأدائها لدور أم محمد سعد.. في فيلم ‘’اللمبي’’ ورغم انها تكاد تقاربه العمر إلا انها نجحت في تقديم صورة للأم الشعبية سواء في ملامحها وألفاظها السوقية وإشارات يديها، قد عادت وقدمت نفس الشخصية في فيلمي ‘’كلم ماما’’ و’’خالتي فرنسا’’ وبدت عبلة كامل نموذجاً صارخاً للأم بملامحها الجديدة، لتكمل بعدها الكومبارس المسيرة، ويصبحن النموذج الأمثل للأم في الأفلام الجديدة.

على النقيض من ذلك ظهر نموذج آخر للأم قدمته إنعام سالوسة في أغلب الأفلام التي ظهرت مؤخراً واشتركت مع الأخريات في الانتماء للحارة الشعبية، لكنها تميزت بخفة الدم ورقي الألفاظ، والتعامل بسلاسة مع طبيعة الشخصية، وظهر ذلك جلياً في أفلام ‘’صعيدي رايح جاي’’، و’’محامي خلع’’ و’’خللي الدماغ صاحي’’، وتؤكد انعام سالوسة انها استوحت هذه الشخصية من نماذج حية رأتها خلال تعاملاتها اليومية فمثلاً دور ‘’الجزارة’’ في فيلم ‘’خلَّي الدماغ صاحي’’ تأثرت فيه بشخصية حقيقية تجلس داخل المحل وفي يدها الشيشة.

ونظرا لسطحية دور الأم على الشاشة وقلة مساحتها وتجاهلها من جانب الكتَّاب والمخرجين والرغبة في ضغط النفقات أصبح الدور يذهب غالباً الى الكومبارس وترفضه الفنانات الكبيرات وهذا ما تؤكده الفنانة كريمة مختار قائلة: ان المخرجين يلجأون الى الكومبارس لضغط الميزانية وتوفير أجر ممثلة كبيرة مما يقلص من مساحة الدور لدرجة انه اذا تم حذفه لن يؤثر في مجرى الأحداث، وتتساءل كيف تم تجاهل الأم على الشاشة؟ ولمصلحة من يتم تشويهها.

بينما ترى سوسن بدر ان هناك شخصيات لا تصلح ان تقدمها الكومبارس لأنها تحتاج الى ممثلة من الحجم الكبير قادرة على التعبير، وهناك أفلام كانت موضوعاتها تدور حول شخصية الأم وأدتها فنانات كبيرات من غير المعقول ان تشطب اي فنانة كبيرة تاريخها الفني لتؤدي مشهداً أو مشهدين غير مؤثرين في فيلم هايف وتؤكد سوسن أن الأفلام السائدة لا تسمح بوجود مساحة لدور الأم لأنها تعتمد على حدوتة البنت والولد والأفيهات الجاهزة المعلبة وكل ما يدور في فلكهما مجرد شخصيات هامشية.

تؤكد فردوس عبدالحميد على أن الأم كانت محور الأحداث في الأفلام، لذلك كان يفرد لها مساحات كبيرة، وكان هناك نظرة جادة لأهمية دورها وقيمته واستمرت هذه النظرة حتى منتصف السبعينات وقدمت أفلاماً تمجد دور الأم مثل ‘’بائعة الخبز’’ و’’الشموع السوداء’’ و’’حكاية حب’’ و’’أمهات في المنفى’’ و’’لا تسألني من أنا’’ وغيرها ونالت صاحبات تلك الأدوار جوائز فنية كبيرة فضلاً عن حب الجمهور.

وتضيف: لا تعجبني صورة الأم الآن لأنها مشوهة ولا تمت لأمهاتنا بصلة فضلاً عن انه تم حصرها في نموذج وحيد وتم تجاهل الباقي، فأين هي صورة الأم المثقفة أو العاملة؟ فليست جميع الأمهات المصريات جاهلات وفقيرات بل هناك أمهات يتمتعن بثقافة كبيرة، وفي نفس الوقت مكافحات.

وكلما جاء الاحتفال بعيد الأم تستحضر الذاكرة على الفور أغنية ست الحبايب التي كتبها حسين السيد ولحنها وغناها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب كما غنتها فايزة أحمد.. ولا تزال هذه الأغنية رغم مرور أكثر من 40 عاماً على غنائها هي الأولى لهذه المناسبة، ولم تستطع كل الأغنيات التي قدمت للأم من بعدها ان تزحزح مكانتها، رغم وجود بعض المحاولات الناجحة قدمها بعض مطربي جيل الوسط.

تؤكد رتيبة الحفني مقرر عام مهرجان الموسيقى العربية على أن اغاني المناسبات الاجتماعية بوجه عام وليس اغاني الام وحدها قليلة وما يقدم منها كل عام هو نفسه ما تم انتاجه منذ 20 سنة او يزيد وترجع سبب ذلك إلى ان الاعمال الاولى تميزت بالقوة والجودة في صنعها من حيث الكلمات والالحان والاداء مما جعل كل ما جاء بعدها من اغان اقل بكثير منها ولا يعلق في ذاكرة الناس.

وتقدم رتيبة حصرا تقريبيا لاغنية الام وتقول الام ترتبط مع الجمهور بشكل اساسي باغنية ‘’ست الحبايب’’ لعبد الوهاب وفايزة أحمد ومن الاغاني التي قدمت للام بعدها وحظيت ايضا بقدر من النجاح اغنية ‘’أمي أمي’’ لشادية لحنها جمال سلامة و’’دعوتك الفجر يا أمة’’ لعلي الحجار، لحن محمد قابيل وأغنية ‘’يا ماما يا ماماتي’’ التي كتبها صلاح جاهين بروحه المرحة ولحنها كمال الطويل وغنتها سعاد حسني بأسلوب جميل ومعظم المحاولات التي قدمت بعد ذلك لا أحد يذكرها.

الوقت البحرينية في 7 يوليو 2006

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك