على غفلة من الأخبار اليومية الآتية من بغداد، تجري حياة أخرى هناك. إنها تحدث يومياً على مقربة وبموازاة أعمال القتل والتفجير. إنها حياة تصنع بمجاراة الخوف والفوضى. حيوات كثيرة رغم الموت، وهي هناك دوماً، وحقيقية، كما تعلمنا وصنعنا نحن في زمن حروب بيروت. وهي، على الأرجح، حياة مضاعفة، كثيفة، مشحونة بالكبرياء، والعبث في آن واحد.

بغتة ندرك أن الفن ما زال موجوداً ويحيا في بغداد، وانه يتجول ويعيش في أمكنته وبين ناسه، ويصنع تاريخه الخاص. بالطبع يحدث هذا بإصرار وعناد، وتحت الخطر باستمرار.

أهل الفن والثقافة في بغداد، كما يروي لنا الشابان السينمائيان حيدر حلو (27 عاماً) ومراد عطشان (26 عاماً)، يذهبون خلسة ـ كتنظيم سري محظور ـ في ساعات الصباح لحضور معرض تشكيلي، أو لمشاهدة مسرحية جديدة أو لعرض سينمائي.

سراً، خشية التعرض لهجوم إرهابي أو لاعتداء الجماعات الدينية المتطرفة (شيعة وسنّة) تُقام الأنشطة والأعمال والعروض. سراً، يعيش الفن في بغداد، كرجل متخف ومطارد. ورغم ذلك ينجز مهامه ويبتكر أعماله.

على هذا النحو، انتقلت الثقافة العراقية من تاريخ القمع الرسمي الى حاضر من المنع الشامل. انتقلت من الحروب الصدّامية المتسلسلة، الى الحروب الأهلية المتناسلة. لكن من هذا الأتون تأتي المفاجآت، كما المعجزات.

في رحلتنا الأخيرة الى كردستان العراق، في نيسان الماضي، التقينا بمجموعة من الشبان الآتين من بغداد، حاملين معهم فيلماً سينمائياً لعرضه في مدينة أربيل. إنهم في العشرينات من أعمارهم، ولدوا في زمن الحرب الايرانية ـ العراقية، وحصّلوا وعيهم في خضم الذهاب الى حرب الكويت، وما تلاها من انتفاضات شعبية انتهت في المقابر الجماعية والقمع الوحشي. وصرفوا شبابهم الأول في الخراب والفقر والتوحش العسكري والحصار المديد. قضوا حياتهم الأولى دوماً تحت حكم الطاغية، قبل أن تأتي الحرب الأخيرة وتنفلت الجماعات الأهلية على بعضها البعض إرهاباً واقتتالاً.

جيل شهد ذهاب بلاده الى الفوضى وتحطم المؤسسات وتبدد المعالم المدنية وخراب الحواضر والمدن وانهيار المجتمع وتمزق الهوية الوطنية وفساد الذاكرة. ومما شهده، يبدو أنه ألف لغة وخطاباً وموضوعاً، بل مما عايشه واختبره صاغ نصه وأراد أن يرويه.

حكاية حيدر حلو ومراد عطشان، هي حكاية الثقافة العراقية، وأولاً هي سيرة جيل جديد من السينمائيين: نزار حسين وضياء خالد وعدي رشيد ومحمد الدراجي وحسن بلاسم وآخرين.

وان يكون هناك سينما في العراق، فهذه هي المعجزة. خصوصاً، وأن هذا الفن بالتحديد، بوصفه "صناعة ثقيلة" يتطلب ليس فقط ازدهار دولة واستواء مجتمع وعافية اقتصاد، بل يتطلب تطوراً حضارياً شاملاً. وبهذا المعنى، أن تحاول شلة من الشبان "اختراع" سينما وتصوير أفلام في قلب العراق، فهذا من باب اجتراح المعجزات.

أما حكاية هؤلاء السينمائيين الجدد في العراق، فتبدو كأنها هي نفسها عبارة عن الفيلم، الذي نفترض أنه سيروي الأمثولة عن عراق الحاضر.

تقول الحكاية انه عام 2002 أنجز هؤلاء الشبان، بقيادة وإخراج عدي رشيد، فيلماً بعنوان "نبض المدينة" بعد إنجازه وقبل تجهيزه للعرض، جاءت الحرب عام 2003، وفي القصف الذي أصاب المدينة بغداد (موضوع الفيلم)، احترق الفيلم نفسه وتبدد مع احتراق بغداد. كأن في تدمير "نبض المدينة" تمت الكناية عن مصير المدينة نفسها.

ربما لهذا السبب، قرر مراد عطشان أن ينجز فيلماً عن الحادثة بعنوان "رماد فيلم". رمزياً، عنى ذلك بالضرورة أن يتم تصوير رماد بغداد وخرابها. أما عدي رشيد فقرر في العام نفسه (2003) أن يصنع جواباً مختلفاً على ضياع فيلمه. قرر أن يتجاوز الحادثة وأن ينجز بداية جديدة تتواءم بعد البداية الجديدة لتاريخ جديد لبغداد جديدة وأن يكون ذلك في فيلم روائي طويل.

الفيلم عن لحظة الصفر، عن يوم سقوط بغداد. لكن عدي رشيد لم يجد خامات (نيغاتيف) ليبدأ التصوير. هو ورفاقه بدأوا بالبحث عن الخامات في خضم ما يجري وقتها في العراق: السرقة والنهب والتفجير والفوضى وغياب كل ما يدل على وجود دولة واحتلال وجيوش غريبة وانقطاع الكهرباء والمياه... إلخ. كان شغلهم الشاغل أن يستأنفوا استثناءهم، وأن يجدوا بكرات نيغاتيف.

بعد بحث مضنٍ عثروا على خامات محفوظة في أحد المستودعات وقد انتهت صلاحياتها وختمت بعبارة "غير صالح". وكان هذا يعني استحالة عملية، وتأجيل قسري لـ"البداية" واستسلام للحظة تاريخية قاتلة، وتعثر مؤلم لإعادة التأسيس، يماثل تعثر التحول من الديكتاتورية الى الديموقراطية في بغداد ما بعد صدام.

لكن، وبإصرار وعناد، قرروا أن يستعملوا هذه الخامات، وأن يكون الفيلم نفسه بعنوان "غير صالح"، وأن يجعلوا من خلل الألوان والعيوب التي تسببها الخامات التالفة، جزءاً من الملمح الفني للفيلم وأن يستخدموا هذه العيوب بوصفها تأثيرات بصرية تعبيرية.

مرة أخرى، تكتمل الكناية: البداية الجديدة للعراق تأتي تحت عنوان "غير صالح" وبخامات فاسدة. ولكي تكتمل الحكاية، جاء هؤلاء الشبان بفيلمهم هذا الى أربيل ليعرضوه علينا، فلم يجدوا في كل كردستان العراق آلة عرض، فتأجل تقديمه لمدة يومين، قبل أن يأتوا بنسخة DVD ثم حدث أنه في منتصف عرض الفيلم تعطل جهاز العرض نفسه.

على هذا النحو لم يتسنَ لنا أبداً مشاهدته كاملاً. مع ذلك كان حرج أولئك الشبان طفيفاً، كما لو أنهم اعتادوا سيادة الأعطال على أعمالهم وحياتهم. فيما نحن المشاهدين كنا غارقين في ارتباكنا وتلعثمنا ونحن خارجين من الصالة. هذا ربما ما دفع المخرج المصري علي بدرخان الذي كان حاضراً، إلى القول: يمكننا أن نستغني عن نصف أفلامنا العربية مقابل شغف هؤلاء الشبان لنصنع أجمل سينما. أما محمود حميدة فبادر قائلاً: ليس مهماً أن نرى الفيلم كاملاً، لقد عرفنا، على الأقل، أن السينما حية في العراق... يا للشجاعة.

نسأل، من أين أتى هؤلاء الشبان الذين "نجوا" من ثلاثة عقود متتالية من الحرب والديكتاتورية والضحالة والعزلة الثقافية والادقاع الفكري؟ كيف استطاعوا أن يكونوا هكذا، شباباً خارج منظومة الخنوع والخوف والفظاظة العسكريتارية ـ الاستخباراتية، يتابعون ويعرفون تجارب أقرانهم في بيروت، وعلى دراية بما يجري في الغرب والشرق من تحولات في الوسائط والمواد التعبيرية، ولديهم ذاكرة تضم كوروساوا وتارانتينو، بقدر ما لديهم تجارب فيديو ووثائقيات وأفلام روائية قصيرة وطويلة؟

بمعنى آخر، كيف حصنوا أنفسهم إزاء دولة كان شغلها الشاغل تدمير مجتمعها ونخبها، وعلى نزوع للخروج من مستنقع الثقافة البعثية؟

يقول حيدر حلو: كنت تلميذاً في المرحلة المتوسطة، عندما ذهبت مع أصدقاء أخي، وهم تلامذة مسرح، الى معهد الفنون الجميلة لأشاهد مسرحية لهم. فكانت الصدمة. اكتشفت في أوساطهم جواً كرنفالياً، بوهيمياً؛ عالماً ساحراً ومختلفاً عن كل ما عرفته في حياتي. ولهذا السبب ما إن انهيت المرحلة الثانوية حتى انتسبت الى معهد الفنون الجميلة، قسم المسرح. لقد أصبت بلوثة الفن، وقررت دراسة الاخراج المسرحي.

طبعاً، الثقافة السائدة أدبية، وربما لهذا السبب كنت أكتب السيناريوات. قضيت ثلاث سنوات في المكتبة أطالع وأقرأ وأكتب. وفي هذا المناخ كان لقائي مع عدي رشيد. كان هو "عرابي"، إذا صح التعبير. وهو الذي أخذني الى عالم السينما وعلمني فن السينما، لأشاركه في ما بعد كتابة سيناريو "غير صالح".

في أعوام 1997 و1998 و1999، لم يتسن لي العمل كثيراً، مجرد تجارب سينمائية شديدة البساطة، فتلك كانت السنوات الأقسى على العراقيين حصاراً وعوزاً وخوفاً.

بالتأكيد، لم يكن باستطاعتنا اختراق مؤسسة السينما الرسمية، فقررنا أن نعمل لنؤسس سينما خاصة بنا. البداية كانت بقرارنا أن "نكتشف المدينة" وناسها، وأن نشاهد الأفلام. نذهب الى البيت ونجلس لنشاهد أفلام شادي عبد السلام المصري، وكوروساوا الياباني وكل ما نستطيع الحصول عليه من أفلام فيديو آتية من الخارج.

وبكثير من المجازفة، قررت أن أتفرغ كلياً للسينما، أن نصوّر ونصوّر ابتداء من مبدأ "اكتشاف المدينة". كان هذا ردنا على ثقافة سائدة ليست بصرية مطلقاً. كانت "ثقافة حكي وأدب". ولذا حاولنا إعادة قراءة المدينة على نحو آخر، بصري في المقام الأول. وكان هذا سيوصلنا لمواجهة واعية مع تاريخ شفاهي كامل ومع ديكتاتورية تخاف الصورة.

قبل الحرب الأخيرة بثلاثة أشهر فقط، رأيت لأول مرة كاميرا سينمائية حقيقية، وشاهدت للمرة الأولى خامات الأفلام. كان ذلك عبر العمل كمساعد مخرج وممثل في الفيلم الوثائقي "نبض المدينة" لعدي رشيد.

بعد الحرب، اشتغلت مساعد مخرج ومشاركاً في كتابة "غير صالح" وحالياً أتفرغ لإنجاز فيلمي الروائي الأول بعنوان "فراشة أمي" وسيكون المنتج عدي رشيد الذي يحاول أن يأتي بالدعم من مؤسسات محلية وأجنبية.

يمكن القول ان الحياة أثناء الحرب ستكون ثيمة دائمة لأفلام عدة أنوي إنجازها. أود التعبير عن هذه الذاكرة. والمشكلة أن ليس من جيل سينمائي سابق في العراق، لا إرث متصلاً. هناك صانعون لأفلام وسينمائيون مهاجرون. لقد جرت قطيعة زمنية وثقافية مع مجريات العالم. لكن بعد عام 2003 بدأنا ندخل العالم، بل بتنا نحن "مركز العالم".

أود الاشارة الى أنني سأواجه مشكلة صعبة مع عملي لإنجاز "فراشة أمي". فأي مسلح يستطيع أن يقتلنا، وأي خروج للتصوير هو عمل خطر جداً. والمشكلة الأخرى أن لا ممثلات عراقيات يقبلن العمل في السينما، فربما، إن فعلن، يواجهن الموت والقتل.

أما مراد عطشان، فيقول عن علاقته بالسينما: في سنوات المراهقة بدأت رحلة البحث عن آلية تعبير وأوكسجين للذات والوجود (هذا ما قاله حرفياً).

ويكمل: البحث بدأ مع اللغة والكتابة، لكن سحر الصورة طغى عليّ. الشاشة وعالم الفيلم الغريب، وحياة أخرى تمر في شريط الصور... كل هذا استولى على تفكيري.

مع الحياة الأكاديمية اكتشفت أن الجامعة ليست المكان المناسب لتعلم السينما فدرست الأدب وعلم النفس. ثم تعرفت على حيدر حلو وعدي رشيد وتطوعت للعمل معهما في "نبض المدينة". وبعد احتراقه، بادرت لإنجاز فيلم وثائقي عن مصير "نبض المدينة"، ثم ساهمت في صناعة فيلم "غير صالح". كنت مع عدي في تفاصيل الاخراج والبحث الوثائقي الذي يتعلق بالفيلم وأصبحت مساعد المخرج الأول.

بهذا المعنى، كان "غير صالح" المدرسة العملية لي، فمع مدير التصوير زياد تركي تعلمت شروط الاضاءة والصورة والكادر. وبعدها اشتغلت مصوراً في عشرة أفلام وثائقية.

قبل ثمانية أشهر، أنجزت فيلماً عن الفرقة السمفونية العراقية، وركزت على عراب الفرقة منذر جميلي حافظ، فهو من المؤسسين الأوائل للفرقة 1949 ـ 1951. والدافع هو التحدي، أي صنع عمل تصويري فني عن الموسيقى بينما القتل ينتشر ويحتل يومياتنا. انه البحث عن الحياة، وعن الألوان.

لا، ليس الدافع هو النوستالجيا، لكن البحث عن استمرارية وتأكيد ما يجب أن يتصل بالحاضر ويظل فيه.

الآن أكملت سيناريو فيلمي الروائي الأول، وهو فيلم قصير بعنوان طويل "حينما كانت أمي تنتظر رجوع أخي قبل ثلاث سنوات". العنوان يشير الى المحتوى العام والخارجي للفيلم (Out Line) لكني ألّفت حكاية أخرى في نواة الفيلم استمديتها من تأمل أمي وهي في حال الانتظار. إنها حكاية جميع الجنود، وأمهاتهم.

السيناريو عن جنود في معسكر ناء. تنتهي الحرب ولا يصلهم خبر انتهائها ويبقون في مواضعهم، لا حرب ولا معارك، ومع ذلك ينتظرون ولا يجرؤون على الهروب بسبب انتشار كتائب الاعدام في المدن. بالصدفة يعرفون أن الحرب قد انتهت والضباط كانوا قد هربوا، فيقررون العودة سيراً على الأقدام ويضيعون على الطريق.

هذا الفيلم يقوم أساساً على ثلاث شهادات تفسر اختفاء الجنود، ولكنها لا تهبنا النهاية الصحيحة أو الحقيقية. الجنود باتوا مفقودين. وبهذا المعنى، الفيلم هو إدانة للجميع: الديكتاتورية، الاحتلال، الشعب الذي رضي أن يكون راضخاً، وأنا نفسي لأني كنت صامتاً ولم أمنع أخي من الذهاب الى الحرب.

لقد قررت ألا أصمت بعد الآن. (انتهى كلام مراد عطشان).

الملاحظ في ما قاله حلو وعطشان وفي ما تبوح به أعمالهما وأعمال الآخرين، أن هذا الجيل السينمائي يعي أولاً تلك الضدية بين الثقافة البصرية والثقافة التي كانت سائدة، ويعي ثانياً تلك العلاقة العضوية ما بين صناعة السينما وتأليف مدينة، ويعي أيضاً فعل "المقاومة" (من غير ابتذال) الذي يبديه الفن ضد الارهاب. والمفارق ان كلاً من حلو وعطشان، على وشك أن ينجز فيلمه الخاص، لكن بثيمة واحدة، هي "الأم".

مفارقة، لن نتسرع في تفسيرها، طالما أننا هنا نروي فحسب حكاية من بغداد، بعيدة عن أخبارها الأخرى المؤلمة.

المستقبل اللبنانية في 2 يوليو 2006

 

أرشيف السينما العراقية!!

عراقيون يهربون من الواقع القاتم الى سينما الزمن الجميل

سام داغر-الفرنسية- 

تجمع عدد من رواد السينما العراقية ومسؤولون حكوميون يحيط بهم حراس مسلحون وعدد قليل ممن يتملكهم الحنين إلى الماضي، للمشاركة فى احتفال فنى خاص أقيم الأسبوع الماضى فى مسرح بغداد الوطني.

وعلى الرغم من أنه تم الإعلان عن هذا الاحتفال باعتباره أول مهرجان للسينما العراقية منذ الغزو عام 2003، إلا أنه فى الواقع لم يكن سوى محاولة لاستذكار "سينما الزمن الجميل".

وبدا أن غالبية المشاركين يريدون أن يتناسوا ولو للحظات واقعهم اليومى القاتم ليستمتعوا بلحظات الفرح التى عاشها هذا البلد رغم تاريخه المليء بالحروب والعقوبات والضربات.

وكان من المفترض أن يكون هذا الاحتفال الذى عرضت خلاله مقاطع من أفلام عراقية قديمة مثل "المنعطف" و"المسألة الكبري"، أمسية سينمائية غير أنه بسبب المخاطر الأمنية وانقطاع التيار الكهربائى المتكرر وحظر التجول الليلى المفروض فى بغداد، اضطر المنظمون إلى اقامته فى الفترة الصباحية.

وعلى جدران قاعة الاستقبال فى المسرح، تم تعليق صور قديمة لمخرجين وممثلين ومنتجين عراقيين.

وفى حين كانت مشاهد من أفلام قديمة انتجت فى الخمسينات والستينات تعرض على شاشة صغيرة فى أحد الأركان، قام فريق موسيقى صغير بعزف أغان فولكلورية.

وأخذت إمراة خط الشيب شعرها تتمايل مع النغمات وهى تغمض عينيها وقالت وقد ارتسمت ابتسامة على وجهها كنت أكثر جرأة من الرجال، كنت أحمل الكاميرا على كتفى وأصور فى كل مكان حتى على الحدود الإيرانية فى مواقع مليئة بالألغام".

وتقدم سناء على عباس "61 عاما" نفسها بفخر على أنها أول مصورة سينما عراقية وتؤكد أنها أخرجت 20 فيلما وثائقيا.

وللتدليل على صحة ما تقول، تحمل سناء مقالا كتب عنها ونشر فى الثامن من ايار/مايو 2001 فى صحيفة الجمهورية التى اختفت بعد ذلك مع الغزو الأمريكي.

وجاءت سناء التى تقيم فى حى بغداد الجديدة المضطرب مع ابنتها نبراس "37 سنة" لحضور الاحتفال. وترفض الأم وابنتها الحديث عن العنف كما ترفضان الكشف عما إذا كانتا تنتميان إلى الطائفة الشيعية أم السنية.

وتؤكد سناء بتفاؤل أنه بعد الظلمة ياتى دائما نور الصباح".

ومند ثلاث سنوات، وضع التراث المتواضع للسينما العراقية فى المسرح الوطنى بعد أن دمر ونهب مسرح الرشيد الواقع على الضفة الغربية لنهر الفرات، إبان الغزو عام 2003 .

ويقول قاسم محمد الرئيس الحالى لإدارة السينما فى وزارة الثقافة العراقية فقدنا 12 فيلما أصليا من إجمالى 99 فيلما انتجتها السينما العراقية كما أن الكثير من الأفلام الأخرى أصابها تلف".

ويحاول محمد مع مساعده حسين علوان ترميم الأفلام القديمة بوسائل بدائية.

ويقول المخرج عبد الهادى مبارك "73 سنة" الذى يعتبر عميد السينما العراقية إنه "يأمل فى استعادة فيلمه "عروس الفرات"".

وكان هذا الفيلم جريئا فى زمنه إذ تناول قصة فتاة تتحدى والدها والتقاليد وتصر على استكمال دراستها الجامعية.

وأخذ يتذكر مبتسما وهو ممسك بملف بلاستيكى يضم أجزاء من أشرطة سينمائية قديمة، كيف أنه شارك فى صناعة أول فيلم عراقى وهو "فتنة وحسن" انتجه ستوديو بغداد مؤكدا أن الأخير كان مملوكا لثلاثة شركاء أحدهم مسلم والثانى مسيحى والثالث يهودي.

ويقول لم تكن للسينما العراقية جاذبية السينما المصرية التى كانت تظهر فيها الممثلات منطلقات بلباس البحر".

ولتوضيح نوعية الأفلام التى انتجت فى عهد صدام حسين، يشير المخرج بيده إلى اللافتة الدعائية القديمة لفيلم بطل الصحراء الذى يروى قصة بطل وطنى شجاع يهزم الغزاة.

وعن الوضع الحالى يقول مبارك إنه مؤلم جدا بالنسبة لى أننى لا أكاد أخرج من بيتي".

الحياة اللبنانية في 3 يوليو 2006

السينما العراقية تحتفل بعيدها الحادي والخمسين...

تاريخ قديم لكنه متعثر.. وأفلام تراكمت من دون نجومية

بغداد - جودت كاظم 

شهدت اروقة المسرح الوطني (وسط بغداد) احتفالية تكريم رواد السينما العراقية لمناسبة مرور إحدى وخمسين سنة على انتاج اول فيلم عراقي خالص عام (1955) وهو فيلم «فتنة وحسنة» من اخراج «حيدر العمر» وقد تناول الفيلم قصة حب بين الشخصيتين الرئيسيتين في أجواء الريف العراقي.

بعد ذلك الفيلم بدأت مسيرة السينما العراقية كماً ونوعاً... ويقسم المتخصصون تاريخها الى مرحلتين: مرحلة البداية حتى عام 1968 حيث انتج ما يقرب من 41 فيلماً اعتمدت على القطاع الخاص في عملية انتاجها، كما دخلت فيها «المغامرة» الفردية حيث اضطر بعض المخرجين الى بيع جزء من ممتلكاتهم الشخصية لتغطية تكاليف إنتاج أفلام، بعضها حقق نجاحاً نسبياً وبعضها الآخر تعثر ومن ابرز الأفلام في هذه المرحلة «بغداد + القاهرة» و «عليا وعصام» و «ليلى في العراق» و «عروس الفرات» و «سعيد افندي» و «الدكتور حسن» و «قطار الساعة 7» و «نبوخذ نصر» وغيرها من الأفلام التي اتخذ معظمها طابعاً اجتماعياً.

اما المرحلة الثانية فتبدأ عام 1968 حيث تحولت صناعة السينما الى القطاع العام أو التمويل الحكومي وتم في هذه المرحلة إنتاج 53 فيلماً توزعت على الأفلام الروائية والوثائقية والتاريخية ومن أبرزها «المسألة الكبرى» و «المنعطف» و «الملك غازي» و «العاشق» و «الظامئون» و «الرأس» و «بيوت في ذلك الزقاق» و «الأسوار» و «الباحثون» و «القناص» و «مطاوع وبهية» و «صخب البحر» و «شيء من القوة».

وكرم في الحفل الذي أقامته دائرة السينما والمسرح في بغداد عدد من السينمائيين العراقيين والرواد منهم بوجه خاص. فقد تم تكريم كل من محمد شكري جميل، وشكيب رشيد، ومحمد مجيد، وخيرية المنصور، وفرجينيا ياسين وعبدالهادي مبارك.

وعلى رغم الواقع الأمني وانهيار البنى التحتية لكثير من المؤسسات الثقافية والفنية الا ان السينما العراقية لم تندثر تماماً، وإن أصابها الانحسار والتهميش لذا جاءت محاولات إحيائها في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق في شكل هش ولم تثبت التجارب قوتها وحضورها ما عدا فيلم «غير صالح» الذي شارك في مهرجانات عربية وعالمية وانتج بدعم متواضع وقد مثل فيه الفنان الكبير يوسف العاني وكذلك فيلم «رجل القصب» من إخراج «عمار علوان» والذي كان من بين ابرز الممثلين فيه سامي قفطان، وشذى سالم.

تكمن أزمة السينما العراقية في انعدام الإنتاج والتمويل لا سيما في المرحلة القلقة والعاصفة مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق، الى جانب عوامل أخرى أبرزها هجرة الكوادر السينمائية من مخرجين وكتاب سيناريو وممثلين بسبب التأزم السياسي والانفلات الأمني الذي يعيشه المجتمع العراقي، فضلاً عن انهيار أركان الدولة ومؤسساتها واندثار دور العرض السينمائي واختفاء ظاهرة الجمهور السبعيني الذي شهدته دور العرض السينمائي في العراق.

وقد لجأ بعض السينمائيين والفنانين العراقيين الى سورية ولبنان والأردن لإنتاج أعمال عراقية سواء منها ما يتعلق بالسينما او المسلسلات التلفزيونية التي تكاد تتأثر بجهود الفنانين، كتاباً ومخرجين وممثلين.

وعن أسباب أزمة السينما العراقية وتداعياتها يقول الفنان قاسم محمد سلمان، مدير قسم السينما في دائرة السينما والمسرح، انه «لا بد من الاعتراف بدءاً بأن هناك أزمة سينمائية في كل العالم وان كانت مظاهرها تتباين نسبياً من بلد الى آخر، حيث ان ثورة الاتصالات والتكنولوجيا العالمية جعلت الفن السابع ينحسر من المشهد اما في العراق فان تاريخ السينما العراقية عبارة عن تاريخ مغامرات ومبادرات فردية ولم يكن الإنتاج السينمائي في يوم ما منتظماً ودورياً اذا كانت المشكلة الجوهرية دوماً تكمن في غياب التمويل وانعدام الدعم المادي لأن المشروع السينمائي يحتاج الى موازنة كبيرة ومكلفة لا يستطيع (الأفراد) توفيرها لذا فان التمويل المركزي «تمويل الدولة» مطلوب في هذه المرحلة، وهو الوسيلة التي تمثل طوق النجاة لسفينة الفن السابع الغارقة»، مشيراً الى ان قسم السينما، الآن يركز اهتمامه على إنتاج أفلام وثائقية تسجيلية لأن الأفلام الروائية الطويلة تحتاج الى دعم وتمويل (ضخم).

الى جانب ذلك هناك أسباب أخرى ومنها عدم استمرارية الإنتاج السينمائي العراقي ما كان يمكنه أن يرسخ تقاليد سينمائية في السينما العراقية لذا لم تخلق السينما العراقية نجوماً سينمائيين من الممثلين كما هي الحال في السينما العربية والعالمية، ولا اساساً يوجد ممثلون سينمائيون فالممثل الذي يعمل في المسرح والتلفـزيون والإذاعـة فهو نفسه الذي تراه بطلاً سينمائياً في فيلم وقد نراه بدور صغير أو (كمبارس) في فيلم لاحـق وفي فيلم واحد قد نجد اكثر من ثـلاثين ممثـلاً معروفاً يستحق كل واحد منهم ان يكون نجماً أو بطلاً.

والسينما العراقية على رغم قلة إنتاجها قياساً الى تاريخها الا انها تناولت مواضيع مختلفة وقدمت نوعيات سينمائية متعددة من الدراما - الاجتماعية الى الكوميديا الى الفيلم السياسي الى الفيلم الحربي الى الأفلام الغنائية، ومن مشاكل السينما العراقية المزمنة عدم وجود كتاب سيناريو متخصصين لذا فان اغلب الأفلام كان يكتب لها السيناريو المخرجون أو يشترك مع اكثر من شخص في كتابة السيناريو.

الحياة اللبنانية في 7 يوليو 2006

 

الفيلم الأول لمخرجة شابة ينال «جائزة الصقر الذهبي» ... «أيام بغدادية» تفتح الطريق الصعب الى الواقع

بغداد - جودت كاظم 

استطاعت المخرجة الشابة هبة باسم ان تحرز «جائزة الصقر الذهبي للأفلام الوثائقية» في مهرجان الفيلم العربي الذي أقيم أخيراً في روتردام- بهولندا، وهو الفيلم الذي لعبت دور البطولة فيه مخرجته في اول تجربة اخراجية لها، يدور، موضوعاً، حول احدى طالبات اكاديمية الفنون الجميلة اضطرت الى ترك دراستها اثر تفاقم الأزمات في العاصمة بغداد بعد الاحتلال لتعيش في كنف والدتها وبين اخوتها... لأنها عاشت من دون اب بمحافظة كركوك (شمال العراق). وبعد استتباب الوضع وزوال الضبابية، نوعاً ما، في المشهد اليومي للعاصمة بغداد، تعاود الطالبة حياتها الجامعية مواصلة دراستها في العاصمة، إلا انها تصطدم هذه المرة بمشاكل من نوع آخر أهمها البحث عن سكن آمن بعد ان جرت عمليات سرقة ونهب لمحتويات الأقسام الداخلية للطلبة، التي كانت الطالبة وزميلاتها يسكن واحداً منها، (والأقسام الداخلية) هي الملاذ الوحيد لطلبة المحافظات البعيدة عن العاصمة بغداد حيث تتركز فيها غالبية طلبة الجامعات والمؤسسات العلمية والتعليمية، الى جانب ذلك تواجه الطالبة (هبة) مشكلة اخرى هي انعدام فرص العمل سيما وان الحياة كادت تتعطل بعد الاحتلال الأميركي للعراق، فتضطر الطالبة لأن تطرق أبواباً للحصول على فرصة عمل تمكنها من دفع بدل إيجار السكن الذي اضطرت ان تعيش فيه ومجموعة من صديقاتها الطالبات الجامعيات.

مصالحة

ما ان تنتهي «هبة» من إكمال دراستها الجامعية وسط ظروف صعبة حتى تصطدم بمشاكل اجتماعية عائلية تجعلها تكافح من اجل التوصل الى صيغة مصالحة مع وضعها كامرأة لها كيانها.

عن نجاح الفيلم وتجربتها الإخراجية فيه، تقول «هبة»: لا يمكن للظروف مهما اشتدت قسوتها ان تحد من ابداع الفرد، بل في احيان كثيرة تكون الظروف الصعبة او المعقدة سبباً لانطلاق المبدع وانتشاره، مؤكدة ان هذا هو ما حصل معها، فقد «استطعت ان أترجم الصعوبات التي واجهتني في مسيرتي الدراسية بما رافقها من أحداث في فيلم وثائقي تسجيلي اقتربت فيه كثيراً من معاناة المرأة العراقية، وان جعلته يخص فقط طالبات المراحل الجامعية اللواتي ابتعدن عن مساكنهن للحصول على فرصة تعليم جيدة»، مشيرة الى انها قصدت ان تجعل منه «ترجمة للهم اليومي للمرأة العراقية بوجه عام، ومحاولة تعريف العالم حجم المعاناة التي تواجهنا، وتحاول ان تحد من طاقاتنا، وتحجم إمكاناتنا».

وعن الجائزة التي أحرزها الفيلم، تقول: «لقد جاءت النتائج اكبر من توقعاتي، لأنني تعاملت مع مشاهد الفيلم بصدقية وشفافية عالية ولعل ذلك هو ما اكسبه هويته الفنية، فضلاً عن كون موضوعه مستمداً من «قلب الحقيقة الاجتماعية للمجتمع العراقي الحاضر».

وتأخذ «هبة» نفسها بمهمة البحث عن المرأة في مجتمعها، منطلقة من قناعتها بأن «الجمهور يسمع صوت المرأة» ومن ان «المرأة اليوم محاربة في شكل معلن... في كل مكان (من العمل الى الشارع) وفي كل شيء (من ملبسها الى خياراتها الاجتماعية).. وهذا امر، او واقع، يثيرني لأنني أعاني من مثل هذه الضغوط. فعلى رغم كوني شابة الا انني أتحسس معاناة المرأة في مجتمعي... وأعيشها...».

وفي هذا السياق تجد في «الفيلم الوثائقي» وسيلتها الأنجع، «لأنه الأصدق تعبيراً عن وجه الحقيقة التي ابحث عنها، ولأن «أبطاله» أناس حقيقيون، يعبرون وفي شكل مباشر، عن قضاياهم، ويجسدون معاناتهم بصدق»... وهو ما يجعلها ترى «ان الممثل مهما بلغ من إتقان الأداء التمثيلي لدوره لا يمكن ان يصل الى ما تؤديه «الشخصيات صاحبة القضية» - هكذا تسميها- في الفيلم الوثائقي... ففي عفوية هذه الشخصيات أجد الكثير الذي يساعدني على التعبير عن «أفكاري».

القمع الذكوري

وتحدد «المخرجة الشابة» قضية بحثها هذا في «القمع الذكوري» وتتساءل: «لماذا يحصل هذا للمرأة، وللمرأة العراقية بوجه خاص؟». وتضيف: «اريد القول من خلال هذا التساؤل: ان المرأة جزء مهم في بناء المجتمع، فإذا ما انتصرت هذه الضغوطات عليها وتغلبت على وضعها فان الأمر لن يكون إلا عامل تخلخل في بناء المجتمع». وتتأمل الوضع الذي تعيشه المرأة العراقية اليوم، وتقول محتجة: «ليس من المعقول ان اقف كل صباح امام خزانة ملابسي لأتساءل: ماذا ألبس كي ارضي هذا المجتمع الذي اصبح يفرض عليّ كل ما هو غريب عن طبيعتي الإنسانية؟ هل انصاع لما يريد كي اضمن سلامتي؟».

هذا الواقع ذاته يجعلها تثير سؤالاً اكبر بالنسبة لها، ولعملها: «كيف يتأتى لي ان أبدع في ظل ما أعيش من حالات الخوف؟ إنني أجد نفسي في مأزق، فأتساءل مرة اخرى: هل ان هذا الموضوع الذي أجده يحاصرني اليوم كان قائماً في حياة مجتمعي ولكني لم اصطدم معه حتى هذه اللحظة، أم انه طارئ جديد؟».

وتعود لتؤكد ان عملها على مواجهة هذا كله هو «الفيلم الوثائقي- التسجيلي»: «فمن خلاله باستطاعتي إيصال صوت من لا صوت لهن»... «أحياناً وأنا أسير في الشارع تواجهني الكثير من المشاهد التي أجدها تستأثر باهتمامي وتثيرني فنياً... ساعتها أتمنى ان تكون الكاميرا بين يدي لأصور... فغالباً ما أجد في هذا الذي أراه مشاهد درامية هائلة، أبطالها هؤلاء الذين اسميهم «أبطال الواقع»، وهم نحن».

وتصف هبة نفسها وهي تقبل على هذا كله بأنها «انسانة واقعية، جريئة وصريحة»، ولذلك فهي تعمل من خلال عملها على ان تفتح أفقاً لنفسها وعملها: «انا فتاة عراقية تحاول تأكيد ذاتها في المجتمع، وفي العمل». وتتساءل: «هل سيتحقق لي ذلك؟ هل سأتمكن من تحقيق شيء منه؟»، فتجيب: «ان نجحت فذلك منتهى طموحي، وإلا... فيكفيني شرف المحاولة».

الحياة اللبنانية في 30 يونيو 2006

 

سينماتك

 

كاميرات متعبة وأفلام تالفة لتصوير خراب بغداد

يوسف بزي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك