واحداً تلو الآخر يذهب الكبار تاركين الساحة للصغار يمرحون فيها, وقد تبدل الزمن وتغيرت الأحوال فصار "اللعب مع الصغار" هو السائد. اختزل مسار الممثل المصري محمود مرسي الأوضاع في مصر سياسياً واجتماعياً وفنياً, فالرجل الذي عاش عصر "العمالقة" بدا مكتئباً في سنوات الأخيرة وهو يرى السينما وقد ابتلعها "المهرجون" وسيطر عليها التلفزيون مفسحاً معظم أوقاته لـ "الفن الخفيف".

محمود مرسي اخر سلالة العمالقة وصاحب المدرسة الخاصة في الاداء الذي رحل عن عمر يناهز 81 عاما بعد صراع طويل مع المرض وبناء على وصيته طلب دفنه بالاسكندرية بمقابر اسرته وألايذاع الخبر الا بعد الدفن .. وترك تراثاً سينمائياً ينتمي الى الزمن الجميل.

قليلون جدا هؤلاء الذين يمكنك أن تمنحهم درجة الاستاذية في التمثيل وأنت مطمئن القلب،محمود مرسي هو واحد منهم بلا شك، بل انه ينافس على صدارة تلك القائمة الذهبية التي تضم اسماء في حجم ومكانة محمود المليجي وزكي رستم وعبدالوارث عسر وحسين رياض ويحيى شاهين الى آخر تلك الأسماء الكبيرة، التي اوتيت موهبة استثنائية في فن التمثيل.

وفي حالة محمود مرسي فإنك لا يمكنك ان تتصوره في مهنة أخرى غير التمثيل، حضوره ونظراته وبنيانه والكاريزما التي كان يتمتع بها على الشاشة، بالاضافة الى تلك الموهبة في التمثيل تمنحه بلا تردد درجة ممثل بامتياز، محمود مرسي قدم باقتدار عديدا من الشخصيات المتناقضة على الشاشة الكبيرة والصغيرة.. سجله السينمائي يضم خمسة وعشرين فيلما.. أولها لا أنا الهارب اخراج نيازي مصطفى عام 1962, وآخرها (حد السيف) اخراج عاطف سالم عام 1986 من بينها فيلم (شمس الضباع) للمخرج التونسي رضا الباهي 1977. ان أداء مرسي المرهف بالغ الخصوصية أثر تأثيرات ايجابية في النقد السينمائي للممثل والذي كان يأتي من قبل في نهاية اهتمامات الناقد.. فقد دفع مرسي في أدائه للشخصيات المركبة النقاد إلى تأمل أسلوبه وتصنيفه وابراز خصائصه يقول عنه سمير فريد انه يؤدي بفهم داخلي للشخصية أداء مثقفا واعيا, قال عنه الراحل حسن فؤاد لم يستطع ممثل واحد ان يقدم لنا شخصية تجري في عروقها دماء الحياة إلا محمود مرسي, قال الناقد عبد الفتاح البارودي عن دور مرسي في (السمان والخريف) 1967 انه تحمل مسؤولية دور يمثل تاريخ جيل عانى متناقضات ضخمة صور الضياع بوعي, ومثل المتناقضات بدون افتعال , وكتب علي أبوشادي عن دوره في فيلم زوجتي والكلب رجل يرهن ماضيه, ويؤرقه حاضره, عبر عن عذاباته في بساطة أخاذة وعبقرية مذهلة عن دوره في (أغنية على الجمر) , كتب سامي السلاموني انه بدا كأنما يحوط الكل بذراعيه ويحتضنهم, ووضع خبرته في خدمة زملائه الشبان وفي خدمة الفيلم ومن اهم الدراسات النقدية كتاب عنه بعنوان (محمود مرسي عصفور الجنة .. والنار) . للناقد كمال رمزي ويضم الكتاب جزأين أحدهما (حياتي كما يرويها محمود مرسي) وثانيهما دراسة نقدية بعنوان (محمود مرسي ـ أسلوب) في الجزء الأول يحدثنا مرسي عن حياته, مولده بالاسكندرية في 7 حزيران 1923, تعلمه في مدرسة ايطالية في سنوات الفاشية وتعرض لاحتقار المدرسة, بمدرسيها وتلاميذها له كمصري, هوايته للتمثيل بالمدرسة الثانوية, وبكلية الآداب وقيام جورج أبيض بتدريب فريق الكلية لكنه لم يكن يريد ان يكون ممثلا ظل حلم الاخراج يراوده, حققه عام 1951 باع بيته الصغير الذي ورثه وسافر إلى فرنسا ليدرس الاخراج السينمائي في معهد (الايديك) بعد انتهاء الدراسة بقي في باريس وعمل بالاذاعة الفرنسية, ولكنه خلال 1954 ــ 1955 عربدت روح الكراهية ضد مصر وعبد الناصر, وانتهت بطرده فذهب إلى لندن حيث عمل لفترة بالاذاعة البريطانية انتهت بقرار العودة مع العدوان الثلاثي على مصر من اجل الالتحاق بالمقاومة الشعبية التي اندلعت في مدن القناة ضد القوات الفرنسية والانكليزية. ثم عمل بالإذاعة المصرية كمقدم برامج ثم انتقل للبرنامج الثقافي فقام بإخراج العديد من المسرحيات العالمية، لذلك فحين انتقل الى حقل الدراما كان يستند الى خبرة أكاديمية وعملية طويلة عند انشاء التلفزيون 1960 ذهب في بعثة مع حسين كمال إلى روما لدراسة الاخراج التلفزيوني. دب الخلاف بينه وبين عبد القادر حاتم وزير الاعلام , وظن ان الفرج قد جاءه أخيرا ليتحقق حلمه في الاخراج السينمائي حينما استدعاه المنتج رمسيس نجيب تبين له انه دعي للتمثيل لا الإخراج, وهكذا كان التمثيل قدره! كان نيازي مصطفى أول من منحه دورا في فيلم (أنا الهارب) أما بدايته الجادة فقد كانت مع كمال الشيخ الذي أسند إليه دور البطولة في (الليلة الأخيرة أمام فاتن حمامة) ولم يكن غريبا ان تدور افلام محمود مرسي المهمة ومسلسلاته التلفزيونية المتميزة حول القلق ,الذي يتراوح بين التعبيرية الصاخبة التي سادت علم فيلم "زوجتي والكلب " 1971 لسعيد مرزوق , حيث تستبد الهواجس والشكوك بالزوج الغيور في وحدته , في الفنار القابع وسط البحر الهائج المترامي الاطراف .. ففي جو العزلة، والحرمان ـ الذي يعيشه «الريس مرسي » في الفنار، لا يستطيع ان يوقف اندفاع خيالات خيانة زوجته الجميلة له.. ويعبرمحمود مرسي بعيونه الزائغة، وشفتيه المرتجفتين عن طوفان الصور الذي يندلع داخل ذهنه.. ويجسد محمود مرسي عن أثر ألم ما، يحسه في قلبه، ويتجلى واضحا في اختلاج عضلات الوجه.. تعبير الانهاك الروحي. او الميلودرامية اللاذعة في فيلم "حد السيف " 1986 لعاطف سالم لكنه القلق الذي يكاد يكون ترجمة امينة صادقة لرؤية الروائي الكبير نجيب محفوظ في اثنتين من اهم رواياته واخرجهما حسام الدين مصطفى للسينما : " السمان والخريف " 1967 و " الشحات " 1973 , وفي الفيلمين , وان اختلفت التفاصيل , يعيش البطل الازمة نفسها عندما يشعر بأنه يملك القدرة على العمل السياسي , لكن الواقع يضطره الى ان يعيش منعزلا في وحدة قاتلة وفي تنويعة «عطيلية» أخرى، يقدم محمود مرسي دورا هائلا في «ليل وقضبان» لأشرف فهمي 1973، وهو هنا «ملك الغابة» بحق، أو على الأقل، من أشرس كائناتها: مأمور سجن لا تعرف الرحمة الى قلبه سبيلا.. وها هو «الملك» يرى بعينيه، من خلال فتحات خشب النافذة زوجته، في أحضان أحد مساجينه.. وتتجلى ثقافة «الأستاذ» وعلمه وموهبته، عندما يسيطر تماما على سبل الانفعالات الجارف الذي من الممكن ان يكتسح أي ممثل آخر ويبقى دور «عتريس» الذي اداه في فيلم «شيء من الخوف» هو الأشهر في تاريخه. الفيلم المأخوذ عن رواية أدبية لثروت اباظة كتب لها السيناريو صبري عزت، وتولى الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي صياغة حوار الفيلم واشعاره التي لحنها باقتدار بليغ حمدي وغنتها بطلة الفيلم شادية، وشاركها البطولة عدد من ألمح نجوم السينما يومها: يحيى شاهين، سميرة محسن ومحمد توفيق وصلاح نظمي والوجه الجديد محمود ياسين وكان عرضه الأول في 3 شباط عام 1969. ظل الفيلم واحداً من أبرز علامات السينما العربية, وحين تعطل عرض الفيلم عندما صور بعضهم للرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن مرسي جسد شخصيته فيه كديكتاتور أصر عبد الناصر على رؤية الفيلم وأمر بعرضه بعدما أشاد بدور "عتريس" الذي لعبه مرسي, لكن الاخير عاد فأغضب الناصريين عندما قدم عام 1973 فيلم "أغنية على الممر" الذي شرّح أسباب نكسة 1967. بعد سنوات أغضب مرسي الساداتيين على فيلمه "حد السيف" الذي رصد التحولات الاجتماعية التي أفرزتها سياسات السادات وخصوصاً الانفتاح الاقتصادي. وفي مسلسله التلفزيوني الشهير "العائلة", قبل سنوات, وجد مرسي نفسه في مواجهة انتقادات عنيفة من الإسلاميين كادت تحدث أزمة لولا تدارك المسؤولين الذين أصروا على إضافة مشهد إلى إحدى الحلقات لتخفيف وطأة تلك الانتقادات.

ان محمود مرسي ، بتفهم كامل لأبعاد الشخصية التي يؤديها، اجتماعيا ونفسيا وخلقيا وجسمانيا، يتدرج في الانفعالات، متحولا بليونة من شعور لآخر، وفق منطق سليم وصحيح، ومن خلال لمسات أسلوبه الخاص.

يتحدث محمود مرسي عن أهم المخرجين الذين عمل معهم.. كمال الشيخ يبحث عن الكمال بكل التفاصيل, بركات تلف أفلامه غلالة شاعرية, حسام الدين مصطفى خفة الغزال الشارد لانطلاقه وسرعة حركته.. حسين كمال يملك فهما عميقا للأداء التمثيلي, مع الجيل الجديد وقتئذ, قدم مع أشرف فهمي أربعة أفلام يرى ان (ليل وقضبان) أفضل أعماله كمخرج وأدواره كممثل. ويتحدث عن زملائه في المشوار الفني, فريد شوقي بروحه الحانية وسلوكه اللطيف.. فاتن حمامة .. التي أعطته درسا تكريميا.. الدرس في جديتها بالحضور للاستوديو قبل الموعد بساعة.. والتكريم حينما صفقت له بعد أن أدى دوره أمامها, وتبعها الجميع بالاستوديو, لقد كانت المرة الأولى والأخيرة التي أحظى بها بالتصفيق داخل الاستوديو! سعاد حسني.. موهبتها طبيعية عفوية تتصرف أمام الكاميرا بشفافية مذهلة.. يثني على نور الشريف ويتابع مسيرته التي رحلت إلى مستويات رفيعة في مسلسل (لن أعيش في جلباب أبي) .. نادية لطفي توافق بينهما أضاف الكثير لكل منهما, وهي انسانة تتمتع بالشهامة وخفة الظل, أمينة رزق تنتقل بسلاسة من مدرسة في الأداء إلى أخرى. يعترف محمود مرسي في حديثه عن الفارق بينه وبين يحيى شاهين في أداء دور أحمد عبد الجواد: بدون تواضع خسرت هذه الجولة أمام شاهين حتى أنني أحس بالندم أحيانا لأني قمت بهذا الدور بعد يحيى شاهين حتى ليبدو ان نجيب محفوظ رسم هذه الشخصية ليتواءم معها فناننا الكبير.

محمود مرسي في السينما والتلفزيون.. استطاع بقدراته وثقافته الواسعة ان يجسد أدوار الوداعة بذات الدرجة من الاقتدار الذي يعبر عن أقصى درجات الشراسة وان يصل بمستوى التمثيل العربي إلى قمة من قمم الابداع الخلاق. كما في دوري الشقيقتين المختلفتين المتواجهتين في مسلسل (عصفور النار) أو الشخصيتين المتشابهتين مع تباين في العلاقات في فيلم (شيء من الخوف) عتريس الجد وعتريس الحفيد. مسحتين في أسلوب محمود مرسي: (السطو العقلي) حيث يمكنه (التعبير عن موقف مستتر دون الاعلان عنه حيث يملك امكانية هائلة للايحاء بما يضمره) والأخذ والعطاء, حيث يحقق انجازات كبيرة مع فنانين زملاء ليس ثمة تنافس بل أخذ وعطاء بني على التفاهم العميق.

في حقل الدراما التلفزيونية اخرج عددأ من المسلسلات والأعمال الدرامية ومنها مسلسل «القط» عن قصة لاحسان عبدالقدوس و«زوجة وسكرتيرة» و«أم أولادي» وسهرة «الحب الكبير» التي تدور حول ضرورة حب الوطن والولاء له.

بعدها انتقل إلى التمثيل فقدم مسلسل «عصفور النار» وأبو العلا البشري، لمحمد فاضل، زينب والعرش عن رواية فتحي غانم وبنات أفكاري، ليحيي العلمي، العائلة لاسماعيل عبد الحافظ، ومن أعماله الدرامية التلفزيونية المتميزة الرجل والحصان وسفر الاحلام،- وقدم مع اسامة أنور عكاشة ويحي الفخراني المسلسل الكوميدي «لما الثعلب فات»، ثم أبناء الصمت، وأخيراً مسلسل وهج الصيف الذي رحل قبل أن يتمه.

وقدم آخر أعماله في الاذاعة قبل 3 أسابيع من وفاته حيث قدم شخصية الدكتور طه حسين. وقام بترجمة العديد من الأعمال الروائية العالمية وقدمها للمكتبة الثقافية، وكان يمارس العديد من الهوايات الثقافية ومعروف عنه إمتلاكه لمكتبة ضخمة لتراث الموسيقى ومعروف عنه أيضا شغفه بالدراسات السياسية، وكان ينظم أحيانا ندوات ثقافية وسياسية في مراكز متخصصة في مدينة الاسكندرية مسقط رأسه .وقد حصل محمود مرسي على العديد من الجوائز من بينها جائزة الدولة التقديرية عام 2000 تتويجا لمشواره الفني الطويل . كماحصل على جائزة أحسن ممثل عن دوره في «شيء من الخوف» والجائزة الأولى عن دوره في «الليلة الأخيرة» ، ويقوم مهرجان دمشق السينمائي بتكريمه بتظاهرة خاصة لأعماله بدورة سابقة.  

obado@scs-net.org

الحوار المتمدن في 4 يوليو 2006

 

 قراءة في كتاب "نور الشريف الانسان والفنان" لعماد النويري

*إطلالة بانورامية على مسيرة نور الفنية في ار بعة عقود

عواطف الزين  

الفنان نور الشريف يستحق  ان نسلط الضوء على شخصيته الفنية والإنسانية , لان الفنان  لديه لاينفصل عن الإنسان ,  وتلك الحالة من الانصهار بين الحالتين  ميزت شخصية هذا الفنان سواء على صعيد العطاء الفني او الانساني فهو فنان محب لفنه يعطي بصدق ويبحث عن الأدوار الغنية انسانيا والتي تحمل فكرة او قضية او تدافع عن راي او مقولة ومن هنا اكتسب الفنان تميزه ليصبح نجما ساطعا في عالم السينما له جمهوره الكبير وحضوره الاكبر وهو الفنان المثقف الذي يحظى باحترام الجميع 

نور الشريف الانسان والفنان هو عنوان الكتاب الذي صدر مؤخرا عن نادي الكويت للسينما  للناقد السينمائي عماد النويري وهو كتاب من النوع التوثيقي -التحليلي لمسيرة واعمال الفنان نور الشريف في السينما والمسرح والتليفزيون

 ضم الكتاب بين دفتيه مجموعة من الأبواب ضمنها الكاتب كل ما له علاقة بمسيرة نور الشريف الفنية  الثرية 

البداية

نقرأ في "صور من مخزون الذاكرة"مقاطع من بعض حوارات أجريت مع الفنان الى جانب ملامح من ذكرياته في مهرجان القاهرة السينمائي الثاني وكذلك في مهرجان مانيلا السينمائي وبعض لقطات من بداية نور والعقبات التي تعرض لها وكذلك النقد القاسي الذي واجهه في أول أفلامه والذي كان سيدفعه الى التخلي عن التمثيل نهائيا لولا تشجيع الفنانين حسن يوسف ونبيل الحلفاوي ثم تخطى نور هذه المرحلة وبدأت رحلة النجومية الحقيقية نحو الشهرة والمجد

ويستعرض الناقد عماد النويري في هذا الباب بإيجاز  محطات رئيسية وأساسية من مشوار نور مع السينما من خلال عدد من الأفلام التي شكلت شخصية نور المميزة فيما بعد ويتحدث نور عن نفسه كممثل ردا على سؤال فيقول :

انا كممثل اقدم جهدي وعملي من خلال تبعية لبعض العناصر الأخرى ’على مستوى الاحتراف هناك حسابات كثيرة كي يحافظ الممثل على وجوده فترة طويلة هناك الالتزام الاجتماعي ليس مطلوبا مني ولا انا ارغب في تمثيل أي عمل يتناقض وقيم المجتمع الذي اعيش فيه

اما عن سر نجاح نور كممثل فيقول الكاتب ان الفنان ابتعد عن القوالب التقليدية واهتم كثيرا بدراسة الشخصية من كل النواحي

أهم أدواره

ثم ننتقل الى متابعة بعض ما كتبه النويري عن نخبة من أفلام نورمنها كتيبة الإعدام وهو من اخراج عاطف الطيب وقطة على نار" بيت القاضي "و ايام الغضب وجميع تلك المقالات سبق نشرها في جريدة القبس

وتحت عنوان ملامح البطل في سينما نور الشريف

يتحدث الكاتب عن  انطلاقة نور الأولى في فيلم قصر الشوق حيث جسد الشخصية المحورية في ثلاثية نجيب محفوظ ثم  دور البطولة المطلقة في فيلم "السراب "عام 70 وجسد فيه شخصية الشاب المدلل وتوالت أدوار نور المميزة عبر أفلام مثل زوجتي والكلب والكرنك ومع سبق الإصرار وحبيبي دائما" أهل القمة" والحب وحده لا يكفي" وغيرها من الأفلام التي بلورت شخصية نور السينمائية أكدت قدرته على التنوع في الأداء والتعامل مع كل شخصية على حدة  وتقمصها بما يخدم السيناريو ويوصل الفكرة

مرحلة النضج

اما مرحلة الثمانينات  فقد شهدت نضجا سينمائيا برز في مجموعة من الأدوار مثل فيلم العار" و ثم حدوتة مصرية" ليوسف شاهين  والفيلم الرائع" سواق الأتوبيس "وهو من إخراج المخرج المبدع الراحل عاطف الطيب "واخر الرجال المحترمين "والصعاليك" والزمار"وزمن حاتم زهران ".

*اما مرحلة التسعينات ففيها نخبة من الأفلام التي تحاكي قضايا اكثر جرأة مما سبقها مثل فيلم" قلب الليل" والبحث عن سيد مرزوق" ودماء على الأسفل" اما الفيلم الذي اثار الكثير من الجدل والنقاش والرفض أيضا من بعض النقاد فهو فيلم  "ناجي العلي " الفنان الكاريكاتوري الفلسطيني الذي اغتيل في لندن عام 87 ومن خلال هذه الأفلام وغيرها تنقل نور الشريف بين عدة مراحل وجسد عبر أدواره  ملامح خاصة لادوار البطولة ويضم الكتاب أيضا بعض المقالات التي كتبها الفنان نور الشريف بنفسه في جريدة الأنباء الكويتية والتي تحاكي بمجملها الواقع السينمائي وطموحات الفنان على هذا الصعيد كما يضم الكتاب بعض آراء الفنان في كثير من القضايا السينمائية والحياتية

قالوا عنه

وفي باب "قالوا عنه" نقرأ مقالات لعدد من النقاد أمثال سمير فريد ,واحمد صالح ,ومحمد تبارك ,وعصام بصيلة, وحسن شاه, وفتحي العشري, وايريس نظمي ,وقصي صالح الدرويش, ولويس جريس,ونشير هنا الى الأديب العالمي نجيب محفوظ الذي قال  لنور لدى قيامه بتجسيد شخصية كمال عبد الجواد في قصر الشوق "تعجبت جدا حين رايتك تمثل روايات ثانية ابعد ما تكون عن شخصية كمال او الشاب الذي يبحث عن أصوله وجذوره نجاحك في دور زعتر النوري في اهل القمة" ثم دورك" في الشيطان يعظ "كان ملفتا لنظري جدا لانها كانت بعيدة جدا عن مكوناتك الاساسية وحين اخبروني انك ستمثل اهل القمة فرحت وقلقت فرحت لانك نجم كبير وقلقت لان الدور بعيد عن مكوناتك لكن نجاحك دل على مرونة فنية وامتحان لقدراتك .

أعماله الفنية

كما يضم الكتاب "فيلموجرافيا" لكل افلام نور التي تبلغ 170 فيلما على مدى اربعة عقود  بالإضافة الى اعماله المسرحية والتليفزيونية نذكر منها مسرحيات بعد ان يموت الملك "من تأليف صلاح عبد الصبور" العيال الطيبين" ست الملك" الفارس والأسيرة "كاليجولا "إخراج سعد اردش "الأميرة والصعلوك "من إخراجه ومسرحيات اخرى ,ومن اشهر مسلسلاته التليفزيونية القاهرة والناس, ابن خلدون, عمر بن عبد العزيز ,الحاج متولي, وعمر بن العاص ,وغيره

جوائز وأوسمة

وهناك قائمة طويلة من الجوائز التي حصل عليها الفنان نور الشريف بالإضافة الى الأوسمة وشهادات التقدير التي استحقها بجدارة ونذكر منها وسام الجمهورية في مجال الإبداع الوسام الثقافي التونسي الدكتوراه الفخرية من جامعة مديل بري في اميركا "وحصل أيضا على جائزة احسن ممثل مرات عديدة من مختلف الجمعيات السينمائية والمؤسسات الخاصة والمهرجانات العربية والدولية.

مرجع فني

لا بد من  الاشارة أخيرا الى ان كتاب نور الشريف الإنسان والفنان يمكن ان يشكل مرجعا شاملا لمسيرة الفنان لدى من يهمهم الآمر من فنانين ونقاد وجمهور وقد صدرالكتاب  بمناسبة الورشة السينمائية التي أقامها نادي الكويت للسينما في شهر ابريل الماضي والتي اشرف عيها أدارها الفنان نور الشريف ,   

القبس الكويتية في 5 يوليو 2006

الفيلم الهندي »مــــاء«:

أيتهـــا الأرملــــة لا تلقي بظلالــك على العــــروس!

كتب-فريد رمضان: 

يركز فيلم المخرجة الهندية ''ديبا متها'' على وضع المرأة الهندية التي وضعتها بعض النصوص الدينية في خانة التهميش والتبعية الأزلية للرجل، حتى بعد وفاته. ذلك أن الأرملة في الهند إما أن تحرق مع زوجها، أو يتزوجها شقيق زوجها المتوفى، أو تعيش في عزلة تامة، ترتدي قماشا أبيض يوحي بالكفن، لا تتزين، لا تخرج، ولا تتزوج. تعيش في عزلة تامة حتى الموت.

هذا الواقع الاجتماعي مازال قائما في الهند بحكم الكتاب المقدس للآلهة ''مانو''، وتقول إحصاءات العام 2001 الرسمية إن هناك أكثر من 34 مليون أرملة تعيش في ظروف مثل شخصيات الفيلم. ففي الفصل الخامس من هذا الكتاب المقدس، تركز الآيات التالية على تهميش المرأة، وحظوة الرجل في هذه المجتمعات:

.156 الزوجة الأمينة، التي ترغب أن تعيش مع زوجها بعد وفاتها، عليها ألا تفعل شيئا يسيء إليه، وهو الذي أخذ بيدها للصلاح، سواءً كان حياً أم ميتاً.

.157 عليها أن تمتنع عن المتعة الجسدية، وتعيش نقية مثل جذور الأزهار والفاكهة، كما يجب عليها ألا تنبس باسم رجل آخر بعد موت زوجها.

.158 عليها بالصبر حتى يأخذها الموت، عليها أن تتحكم في رغباتها، وتكون وفية. إن عملها الصالح أن تكون زوجة لرجل واحد، ولا تتزوج من بعد زوجها.

.159 الآلاف من البراهماناس الشباب العفيف، ستغادر روحهم إلى السماء من دون مواصلة السباق

.160 الأرملة الفاضلة هي الزوجة التي تستمر في عفتها، سنأخذها إلى السماء، حيث زوجها العفيف.

.161 إن الأرملة التي ترغب في الحصول على ذرية بعد وفاة زوجها، من رجل آخر، فهي تخل بواجباتها تجاه زوجها (المتوفى)، وستحمل على نفسها عارا في هذا العالم، وستفقد مقامها مع زوجها في الجنة.

ورغم أن الفيلم يطرح تكديس هذه المفاهيم، إلا أنه يشير أيضا إلى مشكلة الجهل في هذا العالم الثالث، حيث يطرح ظهور قوانين مدنية تعيد للمرأة بعضا من حرية خيارها بالزواج من زوج آخر بعد وفاة زوجها، إلا أن مجتمع الذكورة يحارب هذا الأمر، لكي يبقي له مساحة من الحرية في وجود الجاريات وتشجيع الدعارة، ذلك أن الأرملة تعيش في عزلة تامة، وهي تحتاج للمال لكي تعيش في عزلتها.

يطرح الفيلم قصة الطفلة ''شوييا'' وهي في طريقها إلى قرية ''راوالبور'' في عربة يجرها جاموسن إنها طفلة صغيرة لم تبلغ العاشرة من عمرها. العربة التي تحمل معها هذه الطفولة العروس، تحمل أيضا معها زوجها الذي يبلغ من العمر 50 عاماً، والمريض في الوقت نفسه، ووالدة الزوج، ووالد الطفلة، الذين يصلون عند نقطة يعبرون فيها النهر المقدس الذي يؤمن به ملايين من الهندوس لكي يصلوا إلى مدينة ''راوالبور''، هذه المدينة التي تنتمي للآلهة ''شيفا''، حيث المعابد التي تلامس ضفاف النهر المقدس. في الليل يتقدم الأب من ابنته شوييا ليقول لها: هل تتذكرين أنك متزوجة؟ فتنفي الطفلة ذلك. فيرد عليها والدها، نعم أنت متزوجة، وزوجك قد توفي. تتقدم نحوها والدة الزوج وتنزع من معصمها الأساور الزجاجية، ويأخذونها إلى حلاق لقص شعرها كاملاً، ذلك أنها أصبحت أرملة. والأرملة عند الآلهة ''شيفا'' ينتهي دورها بوفاة زوجها، ويصبح عليها إما أن تحرق مع زوجها، أو تودع في دار للأرامل لتعيش بقية عمرها خارج المجتمع في عزلة تامة.

وهناك في دار الأرمل حيث تعيش 14 امرأة، وهو عبارة عن منزل هندوسي قديم وصغير بطابقين، وتترواح أعمار الأرامل فيه بين 18 و80 عاما. وهنا حيث الأرامل يرتدين الملابس البيضاء الخشنة، لا يتزينون، ورؤوسهن محلوقة. أرامل لا يسمح لهن بالكلام مع الرجال، يأكلون وجبة واحدة في اليوم، وينامون على الأرض العارية، إنهم هنا في منفى يكفرون فيه عن ذنوبهم، ويخففون عن أسرهم الأعباء المالية والعاطفية.

مادوماتي أو الأرملة الكبيرة في السبعين من عمرها، سيدة هذا البيت وواضعة القوانين فيه، امرأة سمينة لها حضور قوي في تسيير وإصدار الأوامر. تربي طير الببغاء وتعتني به وصديقها ''غولابي'' رجل يتمثل بالنساء ويعمل أيضا كقواد يجلب الماريجوانا لمادوماتي وينقل لها أهم الأخبار لما يجري في المدينة، ويستغل الأرملة ''كالياني'' لممارسة البغاء.

ولأن أحداث الفيلم تنطلق في العام 1938 فإن غولابي تنقل إلى مادوماتي من خلال شباك النافذة عن محاولات رجل غريب الأطوار يدعى غاندي سوف يضيع الهند بما يطرحه من أفكار ضد الاستعمار الإنجليزي ويردد جملاً مثل ''إن المنبوذين هم أبناء الله''.

كالياني هي الأرملة الشابة في الثامنة عشرة من عمرها والأرملة الوحيدة ذات الجمال الباهر، وصاحبة الشعر الطويل الذي لم يقص تقضي يومها في تربية جرو صغير اسمه ''كالو'' أو التعبد لتمثال صغير من الآلهة كريشنا في غرفتها. ولكن في الليل يأخذها غولابي من خلال العبارات لتعبر النهر باتجاه القصور في راوالبور حيث طبقه النبلاء والأغنياء. إنها تعيش ضمن قول في الكتاب المقدس عندهم: ''عليها أن تعيش مثل جمال زهرة اللوتس، لا تلوثها المياه الآسنة''.

أما ''شاكونتالا'' فهي أكثر الأرامل إبهاما. تمتلك نظرة ثاقبة، هادئة، لا تخشى سيدة البيت مادوماتي. إنها أرملة لا تخشى أحدا. كثيراً ما تجالس أحد الرهبان وتستمع إلى صلواته وهو يقرأ من الكتب المقدسة إلى الحجاج الذين يفجون على المدينة ليتطهروا في النهر المقدس.

إن الطفلة/الأرملة شوييا مقتنعة بأن أمها ستأتي لتاخذها بعيدا. لكنها سرعان ماتدرك مصيرها وتتكيف مع حياتها الجديدة، تثير الأسئلة من خلال طفولة بريئة: لماذا تنمو النباتات؟ أو مثل سؤالها الخطير الذي يستقبل باستهجان كبير: أين يقع منزل الرجال الأرامل؟

وتتابع المخرجة في هذا الفيلم حكاية هذه الطفلة الأرملة، وتكشف حجم المعاناة التي تتعرض لها النساء في مجتمع يهمش المرأة بل ينفيها من الواقع بشكل حاد. فالفتاة ''كالياني'' الأرملة الجميلة التي تشبه الملاك تتعرف على الشاب ''نارايان'' الذي حصل لتوه على إجازة في القانون، وهو الشاب المثالي، المنفتح، الذي يجد في دعوات غاندي في الهند تأثير مباشر يستجيب له. يواجه هذا الشاب كثيرا من القيود المفروضة على الأرامل، مما يجعل من الصعب العثور على وسيلة لتحقيق أي نوع من العلاقة. وحين يجاهر بحبه لها ينتشر سر هذه العلاقة التي تعتبر علاقة محرمة من أرملة مع شاب، حسب نصوص الدين عندهم، لذلك حين تكتشف مادوماتي هذا السر، تقوم بقص شعر كالياني وتحبسها في غرفتها، إلا أن  شاكونتالا تستفسر من الراهب الذي يضيء لها الواقع بأن الدين الهندوسي يسمح بزواج الأرملة من قبل أهل زوجها، وأن هناك قانوناً صدر حديثاً يسمح للأرملة بالزواج، وحين تفاجأ بهذا الجهل الذي كانت تعيش فيه، تنتزع مفاتيح الغرفة التي سجنت فيها كالياني، وتشجعها على الذهاب لحبيبها والزواج منه، وحين تخرج هذه الفتاة لمقابلة حبيبها نارايان، الذي يأخذها عبر النهر إلى قصر أبيه من أجل الحصول على مباركاته بالزواج، تكتشف كالياني أنه يأخذها إلى القصر نفسه الذي كان غولابي يأخذها إليه لممارسة البغاء مع والده، فتطلب منه العودة، وحين يستفسر منها نارايان عن السبب تعجز عن إخباره، ولكنها تطلب منه أن يسأل والده عن ذلك. وحين تعود لا تستقبل مرة أخرى في بيت الأرامل، فتقرر الانتحار في النهر المقدس.

وبهذه الخسارة لا تجد مادوماتي إلا الطفلة شوييا للقيام بدور كالياني لإمتاع رغبات الرجال في القصور، وحين تكتشف شاكونتالا الأمر تحاول إنقاذ الطفلة من مصير مدمر لكن بعد فوات الأوان، حيث تجد أن الطفلة قد مرت بتجربة قاسية، فتحاول أمام مجتمع قاس أن تبحث عن مفر لهذه الطفلة، ولا تجد إلا أن تسلمها لمؤيدي الزعيم الهندي غاندي الذي صادف خروجه من السجن الإنجليزي، فتحملها وهي شبه ميتة، في مشهد سينمائي بالغ التأثير فتجد حبيب كالياني وقد انضم إلى جماعة غاندي فتسلمه الطفلة ليأخذها بعيداً عن هذا الواقع القاسي، وتبقى واقفة في مشهد طويلة محتارة من واقعها.

الفيلم ينجح في كشف الواقع القاسي للأرامل في الهند، وتأثير الدين والمجتمع الذكوري على تهميش المرأة، كما تنجح في بلورة مفهوم الماء كحالة من التطهير التي يمارسها الشعب الهندي، وتصبح الحقيقة واضحة مثل صفاء الماء، في قول شهير ينتهي به الفيلم حين يظهر غاندي وهو يستعد لركوب القطار بعد خروجه من سجن المستعمر الإنجليزي، إذ يقول للجموع الغفيرة التي تحلقت حوله: ''منذ سنوات بعيدة كنت مؤمناً أن الرب هو الحقيقة، ولكني اليوم أصبحت على يقين أن الحقيقة هي الرب أيضاً''.

الفيلم محمل بكثير من الموروثات الشعبية الموجودة في المجتمع الهندي في النظرة تجاه الأرامل، حتى من المرأة نفسها، وكيف أن ملامسة الأرملة نوع من النجاسة يستحق التطهر مرة أخرى في النهر المقدس لكي لا تجعل منها أرملة أخرى. وقد استطاعت المخرجة ''ديبا متها'' التي كتبت سيناريو وحوار الفيلم أيضاً أن تقدم شحنات عالية تجاه هذه الظاهرة الاجتماعية، من خلال طرح قوي وتصوير مبهر وأداءٍ عالٍ عند الممثلين. 

الوطن البحرينية في 5 يوليو 2006

 

عبقرية الصورة والمكان

عواد علي  

عواد علي من عمّان: "عبقرية الصورة والمكان" هو الكتاب الخامس للدكتور طاهر عبد مسلم (قاص وروائي وأكاديمي عراقي متخصص في السينما) بعد أن أصدر: "صعود القمر" (قصص 1993)، "دليل السينما التسجيلية في العراق"(1996)، "عمّ يتساءلون" (قصص 1998)، و"فن كتابة السيناريو" (2001). يرى الباحث مسلم، في تمهيده لهذا الكتاب الصادر عن دار الشروق في عمّان، أن الصورة والمكان ثنائية تشكل جزءاً رئيساً في العملية الإبداعية في الفنون المرئية، ثنائية تتصل مكوناتها بعدد من الترابطات التي تقدم المكان على أنه منظومة شيئية متكاملة. لكن العملية الإبداعية تعيد، بعبقريتها، تنظيم هذا المكان وتركيبه، إنها تحمله بعداً جمالياً، وتشحنه بدوال ورموز وأثر يتجلى عبر الصورة، وخاصةً الصورة المرئية المقترنة بالصوت والحركة، التي صارت جزءاً أساسياً من حضارة اليوم، فهي صورة تتنقل، حاملةً شيفرات المكان، من الثبات إلى الحركة. ويضيف الباحث إلى ذلك ثنائيةً أخرى هي ثنائية الإنسان والصورة التي تعيشها الذات، بوصفها ثنائيةً تداولية متصلة المعنى، متصلة التأثير، فقد خرج إنسان الألفية الثالثة بإرث ثقيل، حداثاته المضطربة، التكنلوجيا الراقية، المجتمعات التي تتماهى مع بعضها، ولذا لم يكن سوى الصورة مستودعاً للحقيقة، إنها اليوم تتغلغل في الثنايا والأرجاء المختلفة من دون استئذان، مخلفةً أثراً تراكمياً قوياً، فاعلاً، وليس ثمة سبيل للمنع أو للمقاومة. هذه الصورة، التي تملك سحرها الخاص، بعدما نضجت تقنياً، وجاءت (الرقمنة) لتزيدها قوةً على قوة، صار الكلام عنها كلاماً عن وقائع تعاش، ونتائج تتخلّلق وتتولد، يقف أمامها الفرد محاوراً ومتلقياً ومندهشاً وصامتاً وفاعلاً ومستسلماً وإيجابياً وسلبياً في آن واحد.

يشتمل الكتاب على أربعة أبواب، يختص الأول منها بموضوع (التعبير)، ويضم خمسة مباحث، قدم في المبحث الأول تعريفاً للمكان والصورة، وحاول في المبحث الثاني مقاربة الإطار المفاهيمي للمكان بجذره اللغوي، ومن ثم التقسيم المكاني، ودرس في الثالث الأشكال والهيئات المكانية فيما يتصل بالمعطيات الثابتة للصورة، وما يحيط بنا من معطيات مكانية، وأفرد المبحث الرابع لبناء المكان (السمعبصري) من ناحية العناصر الذاتية التي تشكل خصائصه، أو ترابط الأشياء والموجودات بما حولها، وبما يشكل نوعاً من العلاقة الإنشائية. أما في المبحث الخامس فقد انتقل الباحث من ثبات الصورة إلى الحركة من خلال وسائل التعبير التي تسهم في بناء المكان.

ويختص الباب الثاني بموضوع (التأويل)، ويحتوي على ثلاثة مباحث هي: الصورة- تأويل المكان؛ ثنائية المكان- الصورة بين الرواية والسيناريو والفيلم السينمائي؛ والصورة- المكان بين المسرح والسينما. ويذهب الباحث في هذا الباب إلى أن ما يحدث في عملية تأويل المكان هو رده إلى أسسه ومعطياته، أي إلى الأشياء والموجودات ومكوناتها: عناصرها وأبعادها المحسوسة. وهذه العملية هي بمثابة قاعدة لفهم المكان، والارتقاء إلى تلمس صلته بالظاهرة الفنية إجمالاً. وعلى هذا الأساس تستكشف دلالات المكان في السينما من خلال الصورة، فالتأويل مرحلة وخطوة باتجاه استيعاب آلية الفعل المكاني في الصورة السينمائية عبر تتابعها. ويستدرك الباحث بأن تأويل المكان ليس بمعنى تفكيك او تهشيم لبنائه، بل هو إعادة بناء من خلال إعادة النظر إليه للتوصل إلى ركائزه العميقة في الابداع السينمائي. وإذا كان المكان في الرواية قوامه الكلمات ودلالاتها وما تبعثه في ذهن القارئ من صور وتخيلات، ويشكل في الوقت نفسه قناةً من قنوات الروائي للإفصاح عن الحدث وأجوائه، ومكنونات الشخصية، فإنه يظهر في السينما من خلال موجودات تنقسم إلى خطوط وسطوح ومجسمات ثلاثية الأبعاد. وهو وثيق العلاقة بين أجزائه والشخصيات، ووسط تحتضن فيه الأفعال وتتنامى. وتتحقق الانتقالات المكانية في الفيلم إما عن طريق الحوار، أو عن طريق الديكور. ويقف الباحث في هذا الباب على الصعوبات التي تواجه مخرجي السينما في تحويل الروايات الذهنية إلى الشاشة، ويقتبس في هذا الصدد قولاً للناقد السينمائي جورج بلويستون مفاده ان جذور الفرق بين الفنين تكمن بين فكرة الصور المرئية والصور الذهنية، فالتعبير عن الحالات العقلية كالذاكرة والأحلام والخيال يكون باللغة افضل منه بالشريط لأن هذا الأخير لا يمتلك سوى الوسيلة المادية التي لا تستطيع التعبير عن الفكر، وإذا ما اصبح الفكر شيئاً خارجياً مرئياً لم يعد فكراً.

ويركز الباب الثالث، من خلال رؤية خاصة للباحث، على النقد، وهو يتألف من ثلاثة مباحث: الأثر المكاني والصورة التسجيلية؛ الفيلم التسجيلي من الأثر إلى الواقع؛ وأنموذج تطبيقي. ويقف الباحث في البداية على الإطار اللغوي والفلسفي والجمالي لمفهوم الأثر المكاني، ثم يحاول استقصاءه عبر ثلاث منطلقات هي:

1- تحليل مكونات الصورة المتحركة وهي تكتسب خواصاً قائمة على التتابع، أي تتبع تلك التحولات التي تطرأ على الموجودات والأشياء.

2- دراسة الخطاب الفلمي من داخله، والتوصل إلى شبكة العلاقات البصرية التي تولد الأثر مرتبطاً بمعطيين أساسيين هما: (الواقع) و (المكان)، وما يتصل بهما من مكونات.

3- محاولة فهم آلية (التأكيد)، و(التكرار) التي تُعتمد في المعالجات الفيلمية لتعميق الموضوع عندما يجري الانتقال إلى موضوعات مجاورة، عبر الانتقال من لقطة إلى لقطة، ومن مشهد إلى مشهد.

ويختار الباحث طاهر عبد مسلم، أنموذجا لتحليله، فيلم (الأهوار) التسجيلي للمخرج العراقي قاسم حول، الذي يعد من الأفلام التسجيلية المهمة في السينما العربية، وقد أنتج في سبعينات القرن الماضي. وهو، كما يرى الباحث، تجربة محملة بشيء كثير من التراث العالمي في ميدان السينما التسجيلية، ويقيم المخرج بناءه وعلاقاته الداخلية على سلسلة تفاعلية مع (المكان)، كونه فيلماً أسس فكرته على فهم المكان، وإدراك مكوناته وتحولاته من خلا غوصه في بنية نائية هي بيئة الأهوار، أو المستنقعات في أقصى جنوب العراق، حيث تنقطع أعداد من البشر عن العالم الخارجي، مقيمةً في بيئة طافية على الماء، تصنع فيها عالماً كبيراً مليئاً بصور الفولكلور والحكمة والمنطق في اخضاع الطبيعة لإرادة الانسان.

وفي الباب الرابع ينهي الباحث كتابه بتقديم استقراءات وخلاصات، مواكباً من خلالها المنجز المعاصر للسينما عبر محاور عديدة شملت استيطيقا العنف الفيلمي وابتسار المكان، وجدل المكان الأنثوي المأزوم، والسيرة والاستتباع المكاني، وتراجيديا المكان النفسي.

موقع "إيلاف" في 5 يوليو 2006

 

سينماتك

 

محمود مرسي آخر عمالقة السينما العربية

محمد عبيدو

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك