‘’البقلاوة الأفضل هي التي صنعها العرب في حيفا’’.. يصرّ ضابط الموساد على رئيسه الذي يعهد إليه باغتيال أولئك الفلسطينيين الذين تدّعي إسرائيل أنهم مخططو عملية ميونخ العام .1972

إلى جوار البدء من صانعي البقلاوة من الطراز الأول، نكتشف القليل أيضا في شريط ستيفن سبيلبيرغ ميونخ عن فلسطينيي حيفا، حيث الأغلبية من بينهم جرى دفعها إلى البحر من قِبَل القوى الصهيونية في مايو/ أيار من العام .1948 ثمة الكثير من الغرقى فيما كانت البقية تفرُّ على المراكب إلى لبنان حيث لن يُسمح لهم أبدا بالعودة. لم يكن ميونخ عن هؤلاء الفلسطينيين، إنّه عن اليهود الإسرائيليين والإرهاب الإسرائيلي على نحو حاسم.

وفي سياق التاريخ السينمائي الهوليوودي، ليس ميونخ الشريط الأول الذي يناقش الإرهاب الإسرائيلي فقد كان شريط سِفر الخروج 1960 لأوتو بيرمنغر في جوهره احتفالا بالإرهاب الإسرائيلي. يطرح ميونخ أسئلة أخلاقية حول النظم الإرهابية وإنْ كانت النهاية تبرِّئ المعاني أثناء ما يقوم بالتأريخ لأحداث تعرض وخْزَ الضمائر المتعبة للإرهابيين الإسرائيليين تلك الأحداث التي تعاقبت كرونولوجيا فيما يقتلون شعراء وكتّابا وسياسيين فلسطينيين في عُرض أوروبا وفي لبنان. وبحسب تفويض جدير بالإهتمام، يمتلك ميونخ تأثيرا في الجمهور الأميركي ويلعب الدور ذاته الذي لعبه سفر الخروج في أن تصبح السياسات الإسرائيلية والمشروع الصهيوني شرعيين.

كان سفر الخروج مأثرة سينمائية عظيمة للحركة الصهيونية. لقد جعل القضية الصهيونية في متناول مدارك الجمهور وأبقاها ملهما للشبيبة الصهيونية الأميركية والأوروبية. كان سفر الخروج مؤثرا لجهة إخراجه فثمة عزم أكيد ويأس ينتابان قائدا صهيونيا يجرى تصويره بوصفه لا يمتلك خيارا آخر سوى الاستيلاء على فلسطين وإقامة دولته اليهودية. يروي سفرُ الخروج قصةَ اختطافٍ صهيون سفينةً من قبرص إلى فلسطين بواسطة فدائي صهيوني من الهاغاناه، آري بن كنعان، الذي يهدد بنسف 200 باوند من الديناميت تقتل 611 رجلا وامرأة وطفلا. يقدم الشريط اللاجئين اليهود في حال من التوافق مع المخطط ويصوّتون بانحياز له، ويحولون التهديد الصهيوني إلى تفجير انتحاري. وبالفعل ترفض الأمهات أن يتركن أبناءهن يذهبون إلى خارج السفينة عندما يطلب إليهن بن كنعان أن يفعلن ذلك، يُلْحِحْنَ على أنه ينبغي لأطفالهن أن يكونوا معهن في الحدث وينفذون التفجيرالانتحاري. يصرّ سفر الخروج على أن تهديد بن كنعان بالتفجير الانتحاري لم يكن عديم الجدوى. وعبر عالم تخييلي استثنائي يرجّع الشريط صدى حادث نسف صهاينة على متن سفينة شبيهة وقع بالفعل في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام .1940 عندما سُأِلَ من قِبَل أرملة أميركية شابة عن الغاية من التضحية بحيوات كثيرة يجيبها بن كنعان ‘’ سمِّ ذلك دعايةَ؛ قياما بعمل مثير للانتباه’’. إنه يجزم بأن كل شخص عل متن السفينة هو جندي. السلاح الوحيد الذي ينبغي أن نقاتل به هو استعدادنا للموت’’. وبينما بدت الهاغاناة في الشريط مشغولة بتفجيرات انتحارية لإنجاز أهدافها فإنها تتناقض مع إرهاب الأراغون الذي هو إرهاب استهدف البريطانيين من دون سواهم في الشريط (إنما ليس العرب !) ولم يكن انتحاريا. وبطريقة أو بأخرى يصالح سفر الخروج في هواجسه بين أسلوب الهاغاناة وأسلوب الإرهاب الآراغوني بقلبٍ مُحَسَّنٍ للأسلوب الهاغاني في التفجيرات الانتحارية ، وذلك بالاهتمام بتوحيد القوتين بهدف بناء الدولة. إن المأثرة العظيمة لسفر الخروج إلى جوار إشاعته الرواية الصهيونية كانت في التخلص من الفلسطينيين من المعادلة هم الذين قد بدأ المشروع الصهيوني بسرقة أرضهم وحياتهم. يمثِّلُ النشيد الوطني الإسرائيلي، هاتيكفا دورا مزعجا في الشريط كي يقود إلى نهاية مؤثرة..

- أهو نشيد مسروق من ‘’النبيل التشيكي’’ للمؤلف الموسيقي بيدريتش سميتانا؛ من القصيدة السيمفونية فالس القصيدة الثانية تحديدا؟

لم يحتاج ميونخ إلى الإشتغال بالأسئلة الوجودية في سبيل الهواية، من مثل الوجود الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المسروقة التي جرى استيطانها في سفر الخروج وعلى حساب حيات الفلسطينيين. إن ميونخ، ببساطة، يريد أنْ يُحدِّثَ الرواية. كان كاتب السيناريو المشارك توني كوشنر واضحا في هذه النقطة في مقالة حديثة كتبها للوس أنجيليس تايمز: كان انتقادي إسرائيل بنّاء بإعلان دعم غير مشروط لحق إسرائيل في الوجود، وإنني أعتقد أن المصالح المشتركة الشاملة تمتلك المقدرة على حماية ذلك الحق. لقد كتبت وتحدثت عن حبي لإسرائيل’’.عندما سُمِحَ لفلسطيني واحد، طه، أن يتحدث في سفر الخروج إنما أُجيز له بذلك كي يمجِّد الصهيونية فقط. وفي الحقيقة فإن طه قد شرب نخب الصهيوني المنتزِعِ أرضَ ناسه وحياتهم. لقد غلَّف سفر الخروج التطرفَ اليهودي المتمدن بمقارنته بالفلسطينيين الذين جرى تصويرهم انهم نهّابون بسبب حجم تخلفهم (أثناء ما تستعرض الكاميرا قريةً ثمّ مدينة). يوظف ميونخ تكتيكات سينمائية شبيهة، حتى عندما يُظْهِر الفلسطينيين في الغرب فإنهم نهّابون متحضرون، بما ينبّه المتفرج إلى أنهم ليسوا مختلفين عن أولئك الذين يعيشون في القرى العربية. إذا كان آري بن كنعان الرجل المثقف الذي يعرف طريقة مميزة في التعامل مع قائمة المطبخ الفرنسي طعاما ونبيذا، فإن أفنير فوكمان خبير في الطبخ وعاشق حساس مع أنه يملك ذوقا مشكوكا فيه بالنسبة لأهوائه الإيروتيكية. وغيرَ شبيهٍ بسفر الخروج الذي يرجئ التركيز على الكثير من الشخصيات، فإن ميونخ يسلط الضوء على التناقضات الداخلية لشخصية أفنير على وجه الحصر؛ مستعرضا حبه لزوجته وطفله المولود حديثا وعلاقته المضطربة بوالديه - تجعلهم العلاقة الناشئة بين الجيلين وقد تزيّوا بماضٍ انبنى من أجل الموستوطنين اليهود في إسرائيل فيما هما غير أكيديْن من مستقبلٍ يجيء وقد أصبحا جدّين.

يؤثر تلك الحال التي هي عليها شخصية خبير المتفجرات روبيرت في خلية أفنير الإرهابية فيجري تقديمه بوصفه أخلاقيا يهوديا- هو الذي اكتسب خبرته على يد البوليس السري الإسرائيلي، الشين بيت- عاجزا عن التوفيق بين أخلاقياته اليهودية والإرشاد الإسرائيلي غير أنه يستسلم للإنغماس في القتل. إنه يذكِّر بدوف لانداو في سفر الخروج، الشاب خبير المتفجرات من الآرغون الذي اكتسب أدواته من النازيين في أوشفيتز عندما زرع الديناميت في الأرض لحفر خنادق بهدف دفن المُبادين من اليهود. وليس كَمَثل روبيرت ميونخ ، فإن لانداو لا يخزِه ضميره تجاه قتل اليهود أو تجاه قتل العرب والبريطانيين عندما نسف فندق الملك داوود. إن صدمة لانداو العظيمة مثلما قدّمها سفر الخروج ليست في دفنه في أوشفيتز أو شهادته على حرق اليهود بالغاز ثم مشاركته في دفنهم، إن الشيء الوحيد الذي جعله يبكي كان اغتصابه من قِبَل النازيين (‘’لقد استخدموني مثلما تستخدم امرأة’’) هو المكرَه على الارتباط بالاراغون بوصف هذا الفعل محفز لرجولته الضائعة. على النقيض من ذلك فإن لدى روبيرت مشكلة صغيرة يتقاسمها لحظةَ إغواء مُثْلي أثناء ما يُراقِص ستيف في احتفال وصخب بعد قتلهما وائل زعيتر في روما. إن السياسات الجنسية للصهيونية هي بالتأكيد متحضرة وتقدمية أو أننا ننقاد إلى الايمان بذلك عبر مشاهدتنا ميونخ .

يمثل الضمير الأخلاقي الذي يخصّ أفراد الخلية الإرهابية انتكاسة للمشاهد المثقف على نحو غريب، فمنذ التقارير الوثائقية للقاءات بموظفي الموساد يُظهِر هؤلاء الأفراد تعهدا إيديولوجيا بارتكاب الجريمة وكذلك عزما أكيدا على قتل الأعداء الفلسطينيين من دون تساؤل أخلاقي. وهذا بعض مما لدى أنصار إسرائيل في المنفى اليهودي الذين يواظبون على الإدعاء بالمآزق الأخلاقية أحيانا - أيضا يقوم الإسرائيليون بتلفيق أنفسهم أمام الإعلام الوطني عندما يُدْعَوْن إلى واجب-. يبدو سبلبيرغ واحدا من هؤلاء، وقد عبّر عن ورطته بعبارات واضحة للندن تايمز، أي أنه وعائلته ‘’أحب إسرائيل، إننا نناصرها، الدعم المطلق لإسرائيل، التي كافحت، المحاطة بأعداء، منذ كان وجودها مُعلنا... أشعر أنني فخورٌ جدا حيال موقفي الجيد من أصدقائي كلهم في إسرائيل؛ وبوسعي أن أتساءل حول هذه القضايا الحساسة جدا، جدا بين الإسرائيليين والفلسطينيين والبحث كله في الشريط من أجل الوطن’’.

إن ميونخ شريطُ سبيلبيرغ وكيشنر وأنصار المنفى من العقول الشبيهة وليس رجاةَ أنْ يميِّزوا أنفسهم ثانية وليس شريط موظفي الموساد.

إن الأسئلة الأخلاقية التي يطرحها ميونخ ينبغي جدا أن تكون على صلة بأرواح اليهود الإسرائيليين. فهي في ذلك، لن تنحرف كثيرا عن الدعاوى الصهيونية التي تطالب الجنود اليهود: بـ ‘’أطلق النار ثم ابكِ’’. بالفعل غولدا مائير، التي يجرى تصويرها في الشريط على أنها قائد يميني محبوب، قالت مرةً ‘’بوسعنا أن نغفر لك قتلكَ أبنائنا، إنما سوف لن نتسامح أبدا في قتلنا إياك’’. إنها عنصرية ملموسة تلك التي أشيدت عليها حكاية ميونخ والتي يريد قولها.والحقيقة إن العنف الفلسطيني استجابةٌ للإستيلاء والقتل الصهيونيين هو الذي، أي العنف، لم يكن ذا بال بالنسبة لتفكير سبيلبيرغ ولا كذلك حقيقةَ إن الكثير من الفلسطينيين يمتلكون استعدادَ أنْ يغفروا ليهود إسرائيل الذين يواصلون سرقةَ أرضهم وأسباب رزقهم ومثلما يتحدث الفلسطيني من بطنه في سفر الخروج، يتحدث الفلسطيني كذلك في ميونخ إنما على نحو أسوأ مما هو عليه في الدعاوى الصهيونية. وإذا كان الفلسطيني الطيب في سفر الخروج هو الفلسطيني العميل طه الذي قتله الفلسطينيون لخيانته العظمى، فإن ميونخ يقدم الإرهابي وقد قتله الإسرائيليون لأنه لم يكن مثل طه الذي صادق على أن الفلسطيني الطيب فقط هو الفلسطيني الميت. وكذلك هو الأمر بالنسبة لما تبقى من الفلسطينيين، فيأمل ميونخ مثلما تأمل السلطات الإسرائيلية أن تثابر البقية على صناعة البقلاوة في حيفا وأن توقف مقاومة الاضطهاد الإسرائيلي؛ المقاومة التي تُكْرِهُ إسرائيل على قتلهم والتي تورِّط سبيلبيرغ وكوشنر والبعض من الأنصار الآخرين في المنفى تباعا في أزمات أخلاقية. 

* أستاذ مشارك في تخصص السياسات العربية الحديثة والتاريخ الثقافي في جامعة كولومبيا.

الوقت البحرينية في 30 يونيو 2006

 

"أحلام أميركية" فيلم بول ويتز

النهاية الكوميدية للمشروع الأميركي

نديم جرجورة  

بدأت العروض التجارية المحلية لفيلم <أحلام أميركية> لبول ويتز أمس الأول الخميس، في صالات المجمّع السينمائي <أمبير> في <سينما سيتي> (نهر الموت) و<أمبير أ ب ث> (الأشرفية) و<أمبير دون> (فردان) و<غالاكسي> (بولفار كميل شمعون) و<فريواي> (سن الفيل) و<كسليك>. تمثيل: دنيس كوايد وهيو غرانت وويليام دافو وماندي مور.

يرتسم الحسّ الكوميدي الانتقادي الساخر في العنوان الإنكليزي للفيلم الروائي الجديد لبول ويتز <أحلام أميركية>. ذلك أن جمع كلمة <حلم> باللغة الإنكليزية يحتاج إلى حرف s في نهايتها، في حين أن الجمع المعتمد في عنوان الفيلم انتهى بحرف z (هناك أغنية في الفيلم تؤكّد أن جمع الكلمة نفسها ينتهي بهذا الحرف وليس بالحرف الصائب لغوياً). لا يكتفي الفيلم باللعب على الحرفين، كي يُقدّم نفسه فيلماً انتقادياً لاذعاً في إطلاق <نيرانه> الحادّة والمبطّنة في وقت واحد. فهو، إلى جانب المواقف الملتبسة بين الضحك المبسّط ومرارة الواقع وانهيار القيم (والأخلاق أيضاً)، يذهب بعيداً في تصفية حساب ما مع <نظم> سياسية وإعلامية واجتماعية معتمدة حالياً في تسيير شؤون المجتمع الأميركي، أو بالأحرى السلوك المتّبع في التعاطي مع أمور الحياة اليومية في التفاصيل كلّها التي تصنع ""حلماً"" أميركياً لم يعد، في مطلع القرن الواحد والعشرين، تحديداً، مرتبطاً بالقيم الحقيقية التي تعني الإنسان وحريته الفردية وضوابطه الأخلاقية رفيعة المستوى.

التباس المضامين

لوهلة أولى، يجد المُشاهد نفسه أمام عمل سينمائي عاديّ، يسعى صانعوه إلى إضحاك الجماهير، وحثّهم على السخرية من الرئيس الأميركي الحالي جورج دبليو بوش وزوجته وإدارته، ومن الإرهابيين الأفغان والمنطق الذي يعتمدونه في مواجهة <إمبراطورية الشرّ> وفي تنظيم صفوفهم، ومن سطوة الإعلام المرئي من خلال برامج استعراضية تصنع نجوماً وتقتلهم، ولا تتردّد في اختيار كل ما ومن يتمكّن من إلهاء الناس وتسليتهم بأسوأ الأدوات وأكثرها تأثيراً عليهم. هذه السهام المصوّبة ضد الرئيس والإرهابيين والإعلام المرئي، تصيب أيضاً الجمهور العريض، المنشغل (غالباً) بكل ما هو سطحي وعادي، مع أنه (أي هذا الجمهور نفسه) يرى في انشغالاته أساس عيشه وأحلامه وسلوكه. كما أنها تنتقد واقعاً آخر يرتبط بمفهوم <البطل الأميركي> الحديث، أي الجندي الذي يخوض حروباً في دول بعيدة عن وطنه آلاف الكيلومترات.

يُمكن مشاهدة الفيلم بمستويين اثنين: إما من الجانب الكوميدي البحت، وإما من جانب رغبة القيّمين على صنع الفيلم في رسم صورة حسّية، من خلال الكوميديا أو بعضها على الأقلّ، عن واقع أميركي بائس وموغل في حماقته وضياعه اللذين لا يشعر بهما أصلاً. لكن، ربما يجد المرء صعوبة ما في فصل المسحة الكوميدية الصرفة (!) عن الانتقاد اللاذع والساخر والحادّ. بالنسبة إلى الجانب الأول، فإن من حقّ المُشاهد أن يحيّد كل شيء، كي يتمتّع بلحظات كوميدية بحتة، بسبب التجارب السابقة لبول ويتز في مجال الفيلم الكوميدي (وإن بدا صعباً فصل <الانتقادات> المبطّنة في طيات أفلامه السابقة عن الكوميديا، سواء كانت اجتماعية أم إنسانية أم أخلاقية متعلّقة، كلّها، بواقع الحياة الأميركية اليومية على المستوى الشبابي). لكن بول ويتز (المخرج وكاتب السيناريوهات والمنتج والمنتج المنفّذ والممثّل الأميركي، المولود في نيويورك في العام ,1965 في عائلة معروفة في الوسط السينمائي)، في هذه الأفلام نفسها، وضع شيئاً من لغته الساخرة في قراءة البيئة الإنسانية التي نشأ فيها واختبر بؤسها وعرف تفاصيلها المؤلمة. مع هذا، وجد في الكوميديا أداة ل<كشف المستور>، أو بعض هذا المستور على الأقلّ، علماً أن المجتمع الأميركي لم يعد قادراً على إخفاء تحوّلاته السلبية، بفضل <جرأة> سينمائيين (ومبدعين ومثقفين وباحثين وغيرهم) على التوغّل في عمقه، وعلى إظهار ما في هذا العمق من فساد وفوضى وانهيار وبؤس ومتاهات متنوّعة.

سيرة سينمائية

منذ العام ,1999 بدأ بول ويتز (جدّه لأمه بول كونر معروف بكونه <الوكيل الأسطوري> الذي عمل مع نجوم كبار، أمثال جون هيوستن وبيلي وايلدر وإنغريد برغمان. والده جون كاتب، ووالدته سوزان كونر ممثّلة، وشقيقه كريس سيناريست ومخرج عمل معه في تحقيق أفلام عدّة) عمله الفني في مجال السينما، بعد أن درس في جامعة <ويسلاين>، وبعد أن قدّم مسرحيته الأولى <شاي مانغو> على خشبة مسرح <برودواي> حين كان في عامه الدراسي الأخير (قدّمتها فرقة <مسرح المجموعة>، ومثّل فيها عدد من الممثلين المعروفين، كماريزا تومي وروب مورو). في العام المذكور (1999)، أنجز بول، متعاوناً مع شقيقه كريس، <فطيرة أميركية>، مسلّطاً الضوء على عالم شبابي مهووس بالجنس، وقابع في ظلّ سطوة عائلية وتقاليد صارمة أحياناً في معالجة موضوع الجسد والعلاقات والانفعال. بعد مشاركته وشقيقه كريس أيضاً كممثّلَين في <شاك وباك> (2001) لميغيل أرتيتا، عاد الثنائي ويتز إلى الإخراج، وقدّما معاً، في العام نفسه، <عد إلى الأرض> (تمثيل: كريس روك وريجينا كينغ وشاز بالمنتيري)، قبل أن ينفصلا عن بعضهما البعض، ويتولّى بول إخراج <بخصوص صبي> (تمثيل: هيو غرانت وتوني كوليت وراشيل وايز)، و<رفقة جيّدة> (2005)، تمثيل دنيس كوايد وسكارليت جوهانسن وتوفر غريس.

في <أحلام أميركية>، جمع بول ويتز غرانت وكوايد معاً كي يروي فصلاً من فصول الحياة الأميركية، على ضوء المستجدّات القائمة، على المستويين السياسي والعسكري: فالصورة الكاريكاتورية المثيرة للضحك والسخرية التي رسمها بول ويتز في شخص الممثل دنيس كوايد، تشير إلى الحالة النفسية والروحية والأخلاقية التي بات جورج دبليو بوش موسوماً بها: غباء، قناعة مطلقة بأنه مكلّف بتحقيق رسالة إلهية على الأرض، عجز عن اتّخاذ أي قرار سواء تعلّق به شخصياً أم ارتبط بالسياسة (مساعده أو نائبه، الذي يؤدّي دوره الممثل البديع ويليام دافو، يوجّهه ويقول له كل شيء بواسطة جهاز لاقط يضعه في أذنه)، إلى درجة بات معها أداة في يد رجل آخر. والمشهد الانتقاديّ لا يسيء إلى الجندي الأميركي بقدر ما يطرح سؤالاً حول معنى البطولة: ما إن يتطوّع الشاب المحبط (بسبب تخلّي حبيبته عنه) في الجيش، حتى يتمّ إرساله إلى العراق بعد أسبوعين فقط على انتسابه إلى المؤسّسة العسكرية. لكنه هناك، في أرض المعركة (!)، لا يعرف شيئاً. وما إن يُصاب بطلق ناري في كتفه، حتى يعود إلى بلده، فتتلقّفه حبيبته سالي كيندو (ماندي مور) مجدّداً، لأنها وجدت فيه صورة البطل العائد من الحرب ومصاباً بجرح بليغ من أجل وطنه، ولكن أساساً من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية، كي تحقّق بفضل <ما يمثّل> طموحاتها.

هواجس ورغبات مدمِّرة

هذه الحبيبة سالي تهجس بالنجومية، من خلال برنامج <أحلام أميركية> الذي يُقدّمه أحد أشهر مقدّمي البرامج في أميركا وأكثرهم شعبية مارتن تويد (هيو غرانت)، الذي لا يتردّد عن استخدام أي شيء أو استغلال أي رجل أو امرأة لتحقيق مزيد من النجومية والأرباح. إنه النموذج الحيّ عن واقع <التلاعب> في برامج استعراضية كهذه، وعن قوة النجومية في صنع المعجزات. إنه، ببساطة، يريد نماذج مختلفة للتصفيات النهائية، فيختار شاباً يهودياً وآخر شرق أوسطي (هو نفسه <الإرهابي> المغرم بالموسيقى والرقص، الذي ترفضه قيادته لفشله الدائم في التدريبات العسكرية، قبل أن تختاره مجدّداً لتنفيذ مهمة اغتيال الرئيس الأميركي) إلى جانب الفتاة الأميركية، التي تبدي استعدادها، هي أيضاً، لاستخدام أي شيء واستغلال أي كان لتحقيق ما تصبو إليه.

تتشابك الأمور، التي ينسجها بول ويتز بلغة سينمائية مبسّطة وسلسة، قبل أن تكشف النهاية عن التلاقي الساخر بين التفاصيل والحكايات كلّها. لا فذلكة بصرية، ولا ادّعاء أو ثرثرة درامية، ولا براعات مدهشة في التمثيل، باستثناء حرفية <كبار> في تقديم أدوارهم بما يتناسب والشخصيات المطلوبة منهم، خصوصاً دنيس كوايد الذي بدا، في أكثر من لقطة، شبيهاً ببوش الابن، وهيو غرانت الذي حاول تقليد توم كروز في دور مقدّم البرامج فرانك تي. جي. ماكاي في فيلم <مانيوليا> (1999) لبول توماس أندرسن، من دون أن يبلغ الحدّ المدهش لكروز في إظهار مدى غضبه الداخلي وأزمته الذاتية وضياعه المخفي في طيات ذاته، وهي أمور صنعت شخصية مارتن تويد، من دون أن تظهر بالشكل الدرامي اللائق، وإن بشكل كوميدي، في أداء هيو غرانت، الذي اشتهر في تمثيل أدوار رومانسية عادية.

السفير اللبنانية في 1 يوليو 2006

 

ملاحظات عامة علي هامش الدورة العاشرة لمهرجان السينما الافريقية بخريبكة:

غني في مادة الافلام التعبيرية وفقر في خطاب الصورة

د. عز الدين الوافي 

نقترح من خلال هذه القراءة التركيبية الوقوف عند أهم الملامح التي استرعت اهتمامنا لبعض الأفلام المشاركة في الدورة 10 لمهرجان خريبكة، حيث بات من المؤكد أن السينما تمسي مهما كان انتماؤها أو موقعها، في حاجة ماسة لشروط الصناعة التي هي من صميم النمو الاقتصادي والسياسي لأي بلد ما.

1

لا يمكن تصور أي اشعاع سينمائي، وبالتالي رواج فني وتجاري مرتبط بهذا المجال، من دون أن توجد جهات داعمة ومحتضنة أكانت الدولة أو المؤسسات المعنية بالقطاع السمعي البصري، الشيء الذي يجعل المشروع الثقافي للقارة الافريقية برمته مرهونا بمجموعة من الاعتبارات التي يأتي في مقدمتها الاستقرار السياسي والاجتماعي.

بالرغم من الدعوات والتوصيات المتكررة من هذه الجهة أو تلك حول بعض العوامل الأساسية: كالعمق التاريخي المشترك والذاكرة التراثية، ثم الغني الاثني والثقافي واللغوي الذي يمكن للسينما أن تشتغل عليها وتجعل منها جبهة موحدة، نلاحظ أن العاملين السياسي والاقتصادي يجمدان كل رغبة في التوحيد والتماسك بين شعوب هذه القارة، مما يجعلهما يلقيان بظلال غامقة علي حركية الانتاج والتوزيع والتعريف بالفيلم الإفريقي لأسباب قد تكون أيديولوجية أو مالية محضة.

2

ننطلق من هذه المعطيات لنؤكد علي حقيقة مفادها أن السينما الإفريقية اليوم أصبحت مشروطة بمقومات الدولة وبمدي وعيها بالمشروع الثقافي الذي عليها أن تتبناه وتدافع عنه.بل الأمر من ذلك، أن السينما ذاتها بأفلامها المنتمية لبلدان افريقية كالكوت دي فوار، والبنين، والسينغال، وبوركينا فاسو وأنغولا وجدت نفسها وسط معمعة الانشغال بقضايا فرضت نفسها علي مسرح الأحداث من كوارث طبيعية كالجفاف والمجاعة وصحية كفقــــدان المناعة، وانسانية كالحروب والتناحر الاثني الذي يخلف ضحايا لم يسلم منه لا النساء ولا الأطفال. ولعل جل الأفلام صورت بصدق الوضعية المأساوية التي تعيشها الطبقات المسحوقة، بينما مالت أفلام أخري لتقريب المشاهد من الحياة المزدوجة التي يمكن أن يعيشها المهاجرون الأفارقة ـ الي فرنسا تحديدا ـ نتيجة أزمات الهوية وضغط التقاليد.

في غياب شبه تام لسياسة ثقافية وسينمائية قارة ومتينة في محاربة الفقر والفساد الاداري والتفكك الأسري، كشفت بعض الأفلام كفيلم آه أيها البطل من أنغولا/البرتغال عن كثرة الأطفال المتخلي عنهم والذين لا أب لهم لأن الرجال ماتوا في الجبهة، أو لأن أمهاتهم بتن يتعاطين الدعارة لضمان قوت يومهن. كما أشار هذا الفيلم لخطورة المشاكل البيئية التي تتخبط فيها الدول الافريقية.

أوضح ذلك أيضا فيلم ليلة الحقيقة بمشاهده المقززة التي تعمدت فيها المخرجة فانتا اظهار أعضاء آدمية مبتورة في مجاري المياه وعلي السهول نتيجة النزاعات الطائفية والعرقية.

نفس الشيء أكد عليه الفيلم الجزائري نساء الدوار لمخرجه محمد الشويخ الذي لفت الانتباه لخطورة الخطاب الارهابي وممارساته الدموية علي قرية معزولة هجرها رجالها لتواجه النساء مصيرهن بالدفاع عن أنفسهن مستخدمات كل الوسائل بما فيها الأسلحة النارية، وقد فاز هذا الفيلم بجائزة الصقر الذهبي في مهرجان الفيلم العربي بروتردام.

3

في ظل هذا الوضع اللاانساني يجد السينمائيون أنفسهم أمام خيارين: اما الانخراط في مسلسل الانتاج السينمائي مع تزكية النظم السياسية وحكامها، أو الهجرة الي الخارج وترك المشروع السينمائي الوطني لمزاج السياسيين، وهو ما يحكم علي مسار الانتاج والاشتغال بالسينما عموما بالفقر وعدم الفعالية.ولا شك أن الأنظمة الاستبدادية في القارة تفضل ممارسة الضغط علي المخرجين نظرا لطابع التحريض والتوعية الذي يمكن أن تمارسه السينما.

ان ما يزيد الطين بلة هو وجود مجموعة من المعوقات أمام السينما الافريقية من ضمنها:

ـ عدم توفير آلات وتجهيزات التصوير بل اخضاعها لرسوم جمركية عالية.

ـ اغلاق القاعات.

ـ غياب بني تحتية لتحميض الأفلام الشيء الذي يجبر المخرجين الأفارقة علي التوجه الي المغرب أو فرنسا أو بلجيكا.

ـ زيادة مصاريف اضافية تثقل كاهل منتجي مثل هذه الأفلام.

ـ عدم قدرتها علي منافسة الأفلام الوافدة أكانت فرنسية أو أمريكية لغياب مجال المقارنة أصلا.

ـ مشاكل التوزيع المرتبطة بالرؤية الدونية لكل ما هو إفريقي.

4

انه من باب العبث أن نصدر أحكاما علي أفلام كـ كارميل أو مولادي لسمبين أوسمان أو المؤخرات السمينة من خلال عيون نقدية تستند لمرجعيات غربية أو عربية اسلامية من دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الثقافة الافريقية كثقافة ذات أصول وثنية متجذرة في التراث الشعبي الشفهي علي الخصوص، وهو ما يجعل خطاب الصورة بمقوماتها الفيلمية يتميز بفتوة تجربته التي انطلقت في افريقيا السوداء مع بداية السبعينيات. لذلك نلاحظ طغيان الطابع المسرحي علي جل هذه الأفلام، وبالتالي هيمنة الملفوظ علي حساب المصور. ان الفيلم في هذا السياق يصبح كمسند محكوم بقوة الرسالة أو العبرة التي تسعي لتمرير حكمة أو ادانة سلوك وهو ما يبقي جل الأفلام الإفريقية رهينة اعتبارات موضوعاتية كالحب أو الحق في اختيار شريك الحياة، أو ادانة السحر أو ختان الفتيات كما تجلي ذلك من خلال فيلم مولادي . لكن هذا لا يعني الانتقاص من قيمة بعض الأفلام التي لاقت رواجا تجاريا ، بل استطاعت أن تحصد العديد من الجوائز في القارات الثلاث كفيلم الهوية المنشطرة .

5

بالرغم من اعجاب العديد من المتتبعين في هذه الدورة من أجانب ومغاربة بقدرات الممثل الافريقي وزميلته في أداء الأدوار بطريقة ذات عمق انساني وشحنة وجدانية، نلاحظ غني مادة الأفلام بحكم الأشكال التعبيرية من فنون الرقص والغناء والرسم وفن الحكي، لكن بالمقابل هناك نوع من الفقر في تمثل الفيلم لمجموعة من الأدوات البصرية المرتبطة أساسا بخطاب الصورة. وهذا في رأيي شيء طبيعي نظرا لظروف العمل وقلة الامكانيات، وغياب الدعم المالي والاداري الذي من المفروض أن تقدمه حكومات الدول الافريقية للعاملين في الحقل السينمائي، ونظرا أيضا للطابع التربوي والوعظي الذي تتميز به الأفلام في غياب مشاهد متمرس علي التمييز بين محتوي القصة الجميلة والأسلوب السينمائي.

كاتب وناقد سينمائي من المغرب

القدس العربي في 1 يوليو 2006

جورج كلوني يقتحم العالم الواقعي:

يخرج أكثر نجوم السينما كياسة ولطفا من عالم السينما ليسهم في وقف حرب الإبادة الدائرة في دارفور.

بقلم : نِك كولاكاوسكي 

أن يتواجد صحافي مع النجم السينمائي جورج كلوني في نفس الحجرة أمر يبعث على الخوف قليلا. فهو، فضلا عن كل شيء، النجم الذي حظي بقدر كبير من المديح وحصل على العديد من الأوسمة لمشاركته في كتابة سيناريو فيلم تصبحون على خير وحظا سعيدا Good Night, and Good Luck وإخراجه، وهو الفيلم الذي يدور حول حياة إدوارد أر مورو أحد الرموز الشامخة في تاريخ الصحافة الأميركية.

وليس كلوني واحدا من النجوم الذين يكتسبون مظهرهم اللطيف باستخدام قدر كبير من المكياج أو بالوقوف أمام الكاميرا من زاوية معينة لتُظهره بصور جذابة. فما يراه المرء على الشاشة هو ما يراه في الحياة الحقيقية، أي رجل يرتدي بذلة أنيقة قد يفوق ثمنها ما كسبته من دخل في سنة بأكملها. وربما كان والد كلوني صحافيا، وربما فكر كلوني ذاته في دخول عالم الصحافة. بيد أن دخول عالم التمثيل والإخراج كان هو الخيار الصحيح من ناحية المكاسب المالية.

ومن منطلق الربح هذا، يبدأ كلوني العمل في فيلم 13 عبر المحيط Ocean's Thirteen تكملة التكملة في نهاية يوليو القادم. بيد أن النجم البالغ من العمر 45 عاما مشغول هذه الأيام بأمر أكثر خطورة وإلحاحا من مجرد تمثيل فيلم آخر يعود عليه بكمية ضخمة من المال. إنه مشغول بقضية الإبادة الجماعية في أفريقيا.

فقد لقي أكثر من 200,000 نسمة حتفهم في دارفور، غرب السودان، خلال السنوات الثلاث الماضية في حين تم تشريد مليوني نسمة من ديارهم في الحرب الدائرة هناك. ويعاني ملايين آخرون من الجوع والمرض والسلب على أيدي ميليشيات الجنجويد. وقد أمضى كلوني مؤخرا بعض الوقت في تلك المنطقة مع والده، وتنقل بين مخيمات اللاجئين ليعرف ويقيّم عن كثب ما وصفه بـ"أول حرب إبادة جماعية في القرن الـ21". ويتواجد كلوني اليوم في واشنطن العاصمة لقيادة مسيرة أثناء عطلة نهاية الأسبوع بعنوان أنقذوا دارفور. وستُقام المسيرة في المنطقة الواقعة بين البيت الأبيض ومبنى الكونغرس.

لكن وقبل ذلك بأسبوع واحد فقط، كان كلوني يقف مع والده عند الحدود الفاصلة بين دارفور وتشاد يراقبان اللاجئين وهم يتدفقون على المخيمات هناك. وبوسع المرء أن يرى على الشريط الذي أسهم كلوني في تصويره أناسا من جلد وعظم شديدي الهزال يرتدون ملابس زاهية الألوان أو ثيابا بيضاء يغطيها بالغبار ولا يتوقفون ولو للحظة في فرارهم من أجل النجاة والسلامة.

ويتوقف الشريط في لحظة ما عند كوخ مسقّف حيث يقف كلوني وسط دائرة من اللاجئين ويسألهم: " هل كانت هناك طائرات تقوم بالقصف قبل مقدم ميليشيات الجنجويد، أم هل كان الجنجويد بمفردهم؟" ويظهر كلوني في كل لقطة بعد هذه وهو يمسك بالكاميرا الرقمية الخاصة به وينهمك في تصوير الحزن الظاهر على الوجوه.

وينضم كلوني بهذا إلى قائمة متنامية من المشاهير الأميركيين الذين وظفوا ثقلهم الفني في خدمة قضايا متعددة في أرجاء مختلفة من المعمورة. ومن بين هؤلاء النجوم أنجلينا جولي التي تقوم بتبني اليتامى وبراد بيت الذي يرعى مسابقة في التصميم للمساهمة في إعادة إعمار نيو أورليانز في أعقاب إعصار كاترينا.

وبوسع المرء أن يصرف النظر عن هذه الجهود الخيرية وأن يعتبرها حيلة دعائية، أو وسيلة يوظفها نجوم يعتبرون أنفسهم شديدي الأهمية في عالمنا المتغير لتعزيز مكانتهم. لكن كلوني واضح كل الوضوح في ما يتعلق بدوافعه، إذ يقول: " لست مشرعا. ولست سياسيا. أنا فقط أحاول أن أقوم بما في وسعي. ثمة تأثير يتأتى من كونك مشهورا وثمة ظروف بوسعك أن توظف هذه الشهرة فيها للقيام بالعمل الصائب".

وإذا كان هذا يعني أنه بحاجة للعمل في فيلم آخر للحفاظ على شهرته ونجوميته، فمرحى له.

الدخول في جدل

ما من خط يفصل بين كلوني النجم السينمائي وكلوني الناشط السياسي. فقد سبق له وأن عبر عن آرائه السياسية بوضوح حين كان يمثل في فيلم صانع السلام Peacemaker وفيلم أمر استثنائي Out of Sight. لكن هذين البعدين لشخصيته لم يندمجا معا بشكل أكثر وضوحا إلا في السنة الماضية. وكانت الخطوة الأولى هي فيلم سيريانا Syriana حيث مثل دور شخص غامض يلعب دورا رئيسيا في مؤامرة فساد تتعلق بالنفط. ثم جاءت الخطوة التالية في فيلم تصبحون على خير وحظا سعيدا الذي شارك في كتابة نصه وفي دور البطولة فيه إضافة إلى إخراجه.

ولم تكن هذه هي أفضل الأوقات لكلوني رغم جائزة الأوسكار والاحترام الذي حظي به لدوره في فيلم تصبحون على خير وحظا سعيدا. فقد تعرض كلوني لإصابة أثناء تصوير فيلم سيريانا تسببت له في آلام فظيعة استمرت لعدة أشهر. وفي غضون ذلك توفيت جدته ونسيبه وكلبه.

لكن هذا لا يُقارن إطلاقا بالآلام التي يعانيها اللاجئون في دارفور أو غيرها من الأماكن. ويستحق كلوني الثناء لأنه يدرك هذا الأمر جيدا.

يقول كلوني: "لا أعتقد أن  الناس يدركون كم هشة هي الحياة وذلك الخيط الرفيع الذي يفصلهم عن الموت كل يوم. لقد رأينا جميعنا هذه الصور. وكلنا نعرف ما معنى الجوع المرض". وبوسعنا أن نفهم هذا أكثر من خلال مشاهدة الشريط الذي قام بتصويره: أناس بدوا فاقدين للأمل تماما.

ويقول كلوني: "انتهى بي المطاف لأن آكل لحم الماعز وهو ما يأكله الناس في تلك المنطقة. وفي اليوم التالي انتقم الماعز مني حيث كنت أجثو على ركبتي داخل الخيمة وأعاني. ثم حضرت هذه الطفلة المشردة إليّ". وسألته تلك البنت باللغة العربية: متى سيأتي من سيقومون بوقف الإبادة الجماعية والجوع والحياة البائسة في هذه المخيمات.

يقول كلوني في هذا اليوم الربيعي في العاصمة واشنطن وفي صالة مكيفة الهواء فيما تجمدت اللقطات من دارفور على الشاشة خلفه: "أخبرت المترجم بأن يبلغها بأنهم قادمون قريبا".

ويضيف كلوني: "ضحكت البنت وقالت 'هذا ما تقولونه دائما'. لم تكن البنت حزينة حتى، فهذه هي الحياة بالنسبة لها". وشدّ ذلك من عزمه ودفعه إلى توظيف رصيده الفني في خدمة هذه القضية. " ليس هناك من يمين أو يسار في هذا الصدد. وليس هناك من وجهة نظر محافظة أو ليبرالية. هناك فقط أمر صائب وآخر خطأ".

وبعد ذلك بثلاثة أيام وفي يوم أحد مشمس، شارك كلوني في مسيرة أمام مبنى الكونغرس حيث وقف الآلاف ممن يرفعون الرايات ليستمعوا إلى كلوني والسناتور بارك أوباما وجوي تشييك متسابقة التزلج على الجليد الأوليمبية وإيلي ويزل الحائزة على جائزة نوبل للسلام وهم يتحدثون عن الحاجة للتدخل لوضع حد لمأساة دارفور. وقال أوباما: "إذا ما اتخذنا خطوات عملية، فإن العالم سيفعل الشيء ذاته".

لكن ما من تغير نوعي في السودان في اليوم التالي للمسيرة، فالمحادثات بين المتمردين والحكومة السودانية وصلت طريقا مسدودا. ويبدو السلام في هذا الإقليم مهددا بالانهيار. لكن ليس في هذا الواقع من جديد، كما يقول المتشككون.

غير أن كلوني كان قد قال في المؤتمر الصحفي الذي عقده قبل المسيرة وأمام كاميرات كل المنظمات الإخبارية في نصف الكرة الأرضية الغربي: "ليس بوسعنا أن ندير رؤوسنا في الاتجاه الآخر على أمل أن تختفي هذه المأساة. وإذا ما فعلنا هذا، فإن ما سيختفي هو جيل كامل من البشر. ولن يكون هناك حكما ليصدر حكمه علينا سوى التاريخ". وسيخبرنا التاريخ في ما بعد إن كانت الحركة التي تعززها قوة نجومية كلوني ستؤدي إلى تدخل غربي. لكن كلوني وكما في شخصيات المزاحم في لاس فيغاس أو في شخصية البطل المخلص الذي لا يكل ولا يمل، مصمم على الدفع باتجاه تدخل إنساني لحل أزمة دارفور مهما كانت التحديات ومهما كانت الصعاب.

مجلة "هاي Hi" في يونيو 2006

 

«سيريانا» من موجة الأفلام النقدية

كل الخطوط مرجعها واحد و«المؤامرة» من صنع أجهزة خفية

الوسط - نبيل عبدالكريم  

يبدأ فيلم «سيريانا» الذي يعرض حالياً في سينما السيف بتسليم قنبلة في طهران من طرف عميل يعمل سراً مع المخابرات المركزية الأميركية (سي. اي. ايه) وينتهي الفيلم بتفجير تلك القنبلة في ناقلة نفط تعبر في منطقة الخليج على يد خلية تابعة إلى تنظيم «القاعدة».

أول الفيلم آخره. و«سيريانا» يتحدث في النهاية عن تلك الشبكات التي تعمل في التهريب وتشتغل على أكثر من خط. وكل الخطوط ممسوكة ومراقبة وتجتمع في المطاف الأخير في دوائر صغيرة تحرك اللعبة وفق قوانين يتم توظيفها في المدى البعيد لتقوية المصالح الأميركية التي تتحكم بها لوبيات (مافيات) تعمل في قطاع النفط وتستخدم كل الوسائل المنافية للأخلاق خدمة لتلك الحفنة من الناس.

هذه هي الفكرة المركزية التي يريد ان يقولها «سيريانا» للمشاهدين. ومن هذه الفكرة تتفرع مجموعة آراء ترتد كلها إلى مصدر واحد: الولايات المتحدة.

أميركا إذاً هي الرأس، وهي التي تدبر كل الأمور وتديرها لتصب في إطار مصالحها حتى ولو اقتضى الأمر التضحية بالحلفاء أو المتعاونين كما حصل مع ذاك «الإيراني» الذي خان بلده وباعها للشيطان وقام باستخدام معارفه وعلاقاته واتصالاته من أجل قضية «الحرية» التي آمن بها واعتقد أن الدولة الأميركية تعمل من أجلها. وفي النهاية اكتشف انه خدع وانه كان مجرد وسيلة استخدمت مؤقتاً وحين انتهى دوره استغنى عنه قبل أن ينكشف امره أو يكشف أمره ويفضح اسرار اللعبة.

تبدأ اللقطات الأولى من «سيريانا» في طهران في مشهد تسلم وتسليم قنبلة حديثة ومجهزة تقنياً مقابل مبلغ من المال. العميل الذي يسلم القنبلة ويتسلم المال إيراني الأصل. وبسبب معرفته بالبلد ولغته وثقافته استغلته المخابرات لنقل القنبلة (الأميركية الصنع) إلى مجموعة إيرانية معارضة (أو تعمل في الخفاء). وبسبب براءة العميل الإيراني وثقته بنزاهة الأجهزة الأميركية لم يسأل عن الجهة ولماذا تريدها وضد من ستستخدم؟ فقط اخذ المال وخرج من طهران لا يعرف مصير تلك القنبلة التي غامر بحياته من أجل نقلها وتسليمها.

بعد هذا المشهد تبدأ اللقطات بالتواصل والانتقال من مدينة إلى أخرى في العالم. كذلك أخذت الكاميرا تتحرك من عاصمة إلى أخرى في «الشرق الأوسط». فالمخرج اراد ان يظهر امام المشاهد تلك المساحات المتباعدة التي تتم فيها وعليها كل تلك المؤامرات (المخططات) من كازاخستان شرقاً إلى تكساس غرباً.

اللقطات التصويرية تحركت من واشنطن وبرنستون ونيويورك وهيوستن (عاصمة النفط في تكساس) في أميركا إلى بيروت وطهران ودول الخليج العامرة بالنفط والنشاط الاقتصادي.

وكل عاصمة ومدينة لها معناها في الفيلم. فبيروت هي مركز «حزب الله». وطهران هي الممر. وكازاخستان تشكل المساحة الجغرافية التي تتنازع عليها شركات النفط للتنقيب والاستثمار. ومنطقة الخليج هي معبر الناقلات والمال والكتل البشرية التي تستورد من آسيا لتشغيلها في قطاعات البناء والورش وغيرها من مهن وضيعة.

وكل هذه المدن مراقبة من أجهزة تتحكم في شرايين الاقتصاد والمال. وهذه الأجهزة هي في النهاية مجموعة شبكات تخترق بعضها بعضاً وتعمل مع بعضها وضد بعضها وعلى أكثر من قطاع ومستوى.

وكل هذه الشبكات التي تعمل في أكثر من حقل تمتهن التهريب من مال ومخدرات وأسلحة وتقوم بعمليات وتخطط لغيرها ليقوم بأفعال تخدم في النهاية مصالح تلك الهيئات القابضة على مفاصل الحياة السياسية والمدنية في دول الخليج.

هذا هو الجانب الآخر من القصة. والقصة التي نرى حوادثها في دائرة «الشرق الأوسط» تحركها الخطوط والخيوط من جهات خفية موجودة في تكساس (شركات نفط) أو في واشنطن (مؤسسات وادارات) أو في برنستون (مراكز بحوث ودراسات) أو في نيويورك (هيئات دولية). فكل عاصمة لها دلالة ولكل مدينة دورها في هذا المجسم الذي يظهر أمامنا ولكن الحقيقة مستورة لا أحد يعرف عنها شيئاً سوى قلة تخطط وتستخدم المجموعات والأفراد كادوات غير واعية تنفذ وتتحرك من دون علم أو خبرة. وهذا البعض اذا نجح وتوصل إلى معرفة تلك الأجزاء الخفية من الصورة يطرد أو يستبعد أو يعزل أو يقطع رزقه وربما يقضى عليه بطريقة تظهر وكأنها جريمة قتل عادية.

«سيريانا» هو من تلك الأفلام التي أخذت تظهر موجتها بعد هجمات سبتمبر/ أيلول .2001 وهذه الموجة نقدية تشكك في كل الروايات الرسمية التي تبوح بها إدارة «البيت الأبيض». كذلك تذهب هذه الموجة من الأفلام إلى تبني نظرية «المؤامرة» وهي نظرية اشتهر بها المثقفون العرب وتحولت إلى مجال سخرية منهم لكثرة تكرارها واستخدامها.

الآن كما تبدو من تلك الموجة من السينما الهوليودية أخذت نخبة من المثقفين الأوروبيين والأميركيين بتبني النظرية العربية عن «المؤامرة» ودور الأجهزة الخفية في تحريك خيوط اللعبة خدمة لمصالح لوبيات (مافيات) تحتكر النفط والمال وتريد السيطرة على الأسواق والمعابر. فهذه التهمة التي يسخف كل من قال بها من المثقفين العرب تحوّلت إلى ما يشبه الشائعة في الغرب وتحولت إلى نوع من القراءة التي تنمط السياسة وفق سياقات مدروسة ومتصلة بأجهزة عليا تملك من الإمكانات والاتصالات والمواقع ما يكفيها لفعل ما تريده وضمن السياق المدروس والمخطط له.

«سيريانا» إذاً يصب في تيار يجتهد في رؤية السياسة الأميركية في «الشرق الأوسط» في إطار نظرية المؤامرة. وهي كما يبدو لم تعد فكرة يعتمدها المثقفون العرب للتحليل وانما تحولت إلى منهج أخذ السينمائيون يعتمدونها لتفكيك الرموز وترجمة الشيفرات وقراءة الوجه الحقيقي للاكاذيب الأميركية عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية... إلى آخر السمفونية.

«سيريانا» يحاول قدر الإمكان ربط الخيوط وتركيز انتباه المشاهد على تلك التقاطعات التي تلتقي عليها مصالح متنافرة واعداء في السياسة. فوراء هذه الهيئات الظاهرة شبكات خفية تخطط وتلعب وتدفع الناس نحو المواجهات أو الانتحار باسم المبادئ... لكنها في النهاية تصب في خانة تسيطر عليها مافيات النفط ولوبيات الأسلحة وشبكات التهريب.

إنه عالم متداخل من العصابات التي تحترف السرقة والقتل والنصب والاحتيال والتهريب (مال، مخدرات، سلاح). وهذا العالم لا يتردد في استخدام كل الوسائل المنكرة من أجل الدفاع عن مصالح شركات مملوكة لتلك اللوبيات التي تدير كل الشبكات وتتحكم بها عن بعد.

«سيريانا» يتحدث عن كل الأجهزة بما فيها تلك المنظمات الايديولوجية والسياسية. فهذه بدورها مراقبة ومخترقة وكذلك فهي ضحية وأيضاً تستخدم بطريقة غير مباشرة للقيام بمهمات معينة تخدم في أسلوب غير مباشرة تلك القوى الخفية التي تتحكم في التوقيت وتملك المعلومات وتدير اللعبة السياسية من خلال مستشارين أو مربين يسيطرون على أسر وعشائر وعائلات تهيمن على مصادر الطاقة وحقول النفط.

الكل مغفل في النتيجة. ولا احد يعرف ماذا يحصل؟ ولماذا يحصل هذا الأمر؟ ومن هو المستفيد؟ ومن هو الفاعل؟ ومن المفعول به؟ الكل أدوات. والكل مجرد واجهات لا تعرف ماذا تريد ولا تدري لماذا يحصل ما لا نريد ولا يحصل ما تريده. انها لعبة الأمم.

والأمم محكومة أو مصادرة من أجهزة تراقب بالأقمار الاصطناعة كل التحركات والاتصالات وتتحرك عند الحاجة وعندما يلزم الأمر لتنفيذ اغتيالات تشطب وجوه لا تريدها، أو تساعد على تمرير أسلحة ونقلها من مكان إلى آخر لاخفاء المصدر الحقيقي كما فعل ذاك الإيراني الذي باع قنبلة بإيعاز من المخابرات الأميركية إلى مجموعة مجهولة في طهران ثم تنتقل من دون علم منه إلى خلية لـ «القاعدة» تعمل خفية في دولة خليجية لتستخدمها في تفجير ناقلة نفط.

أول فيلم «سيريانا» هو آخره. فالقصد من هذه الدائرة ربط مقدمة الموضوع بنهاياته. والقصد من ذلك ايصال رسالة واضحة وهي: ان كل الجهات تصب في مكان واحد لأن مصدرها ينبع من جهة واحدة.

الوسط البحرينية في 31 يونيو 2006

 

سينماتك

 

ميونخ.. تقاطع التقاطع

فيلم سبيلبيرغ سعى ببساطة إلى تحديث الرواية الصهيونية تجاه فلسطين وسرقتها

الوقت - جوزيف مسعد*   ترجمة:جهاد هديب

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك