في عصر مثل عصرنا هذا بكل هذه السرعة- عصر لا يقبل البطء، كل شيء في عجله من أمره، مما في الزمن الذي يجبر الناس على اللهث بأقصى سرعة- كيف يمكن أن يكون في مقدور الإنسان أن يجلس 7ساعات و40 دقيقة لمشاهدة فيلم؟ في زمن تولى الحاسوب ابتكار الخطوط والأصوات والحركات من غير مثال سابق، واستباقه من هذه الطريق ما قد يستقر أشرطه أبطالها أمواج الخطوط ومركباتها المتداعية، لا إلى غاية أو صورة وموسيقى أو مركبات صوتية لم تطرق إذن بشر أو سمع حيوان، وأجساماً موقعة يحتذي عليها راقصون وراقصات بعد استنباط الإيقاع، في زمن جعل الآلة تنشئ الشكل والصوت والحركة وتداخل الزمان والمكان في سرعة فائقة فوق ومقدور الإنسان مما جعل الكائن البشري خارج القدرة على التأمل والتركيز- كيف بوسع الإنسان الاسترخاء والانتباه وبشكل يقظ لمشاهدة أفلام المخرج الهنغاري الفذ والمهم ''بيلاتار'' صاحب فيلم الجحيم (1978) ''نغمات وركمايستر''     (1997) والذي يعد من أصعب المخرجين - المنغلقين- وقلة قليلة جداً من يستطيع الصبر على مغامرات هذا المخرج، فأفلامه تتميز بالطول ''تاتغو الشيطان'' في حدود سبع ساعات وأربعين دقيقة، مخرج يمتلك قدرة هائلة لبناء عناصر جمالية رائعة ذو بعد درامي يمكنها السيطرة على حواس المشاهد المحب للسينما.

مما يجعل الواحد منا متابعة أفلامه الطويلة دون تراجع إذا ما أدرك نكهة السينما الحقيقية في هذا اللون من السرد السينمائي الذي لا يتكرر عند أي مخرج آخر من عمالقة السينما، فلمه الرائع ''تاتغو الشيطان'' يعتبر من أكثر أفلامه تعبيراً.

عن المخرج بيلاتار، فهو من المخرجين اللذين يحاولون إشباع الحواس من خلال إشباع كل لحظة بمعطياتها الفنية والجمالية والضمنية فتلك الساعات الطويلة التي لا يمكن الدخول إليها والخروج منها بنفس المفاهيم والأحاسيس، قصة فيلم ''تاتغو الشيطان'' تتمحور حول بلده هاجر معظم من فيها تبعاً للمتغيرات الاقتصادية في الزمن الراهن، بقى فيها عدد قليل من الناس اللذين تتعرف إليهم في المقهى الوحيد المفتوح، حيث يرقصون ''تاتغو الشيطان'' وهم سيغادرون أيضاً في رحلة طويلة إلى مجهول لا يدركونه، هناك طبيب يسجل وقائع القرية من نافذة بيته ومع غياب ما يستطيع تسجيله يزداد اعتماده على الخمر والعقاقير الطبية الكاميرا في مطلع فيلم ''تاتغو الشيطان'' ترقب دخول قطيع من البقر الشارع الرئيسي لبلدة مهملة، تتحرك من اليمن إلى اليسار متابعة سير البقر، جدار قديم متآكل يقف حائلاً دون متابعة تلك الأبقار الهائمة، وكأنها تشعر باقتراب نهاياتها، المخرج لا يقوم بتقطع اللقطة ليتابع الحركة السابقة في زاوية، وكان آخرين، إنما يتسمر في تحريك الكاميرا، كما كانت، مصوراً الجدار القديم.

ومن خلال هذه المتابعة للجدار سوف يقوم بالتعليق على المكان والزمان، كالح مقشور الدهان، مغلق النوافذ لا حياة وراءه، الكاميرا تتابعه نحو دقيقتين أو أكثر لتلتقط قطيع البقر مع نهاية الجدار، في أحد المشاهد نرى الطبيب يفتح أرضاً ويبقى لا حراك والكاميرا تبقى فوقه لفترة طويلة قاسية وباردة، وبعد فترة يبدأ بالتحرك في بطء، ويقف على قدمين ضعيفين، يفحص برميل الخمر لديه، فيجده فارغاً، يلتقط حبتين من دوائه ثم يتجه إلى الباب، حاملاً البرميل الصغير، ويقطع، مطلع الليل مسافة طويلة داخل البلدة الفارغة إلى حيث يعلم كيف يملأ برميله، الكاميرا طوال ذلك الوقت لا تنقطع، إنها تلاحقه بعناد وإصرار حوالي 02 دقيقة، منذ اللقطة الأولى له وهو جالس، وراء نافذته إلى أن تتركه وقد ملأ برميله بالخمر، على رغم ذلك لا يؤدي أي من هذا إلى تململ أو الشعور بالبطء، واقعية ما تصوره الكاميرا والخوف مما ستصوره في أي وقت، وبلا توقع يسيطران على المشاهد، مثلما يسيطر عليه غير هذا المشهد طوال الفيلم 5 في فيلم ''أنغام فيركمايستر'' وهو اقصر من فيلم تانغو الشيطان في المدة (الوقت) إلا أنه من ذات النسيج الذي يتكون منه فيلم ''تانغو الشيطان'' يصل سيرك في شاحنة إلى بلده علا منها غبار الزمن، وتركها خارج القرن وأوقف عقارب الزمن يصل السيرك ومعهم حوت كبير.

يدعو السيرك أهل القرية أو البلدة إلى التجمع في الساحة الشاسعة ''الفرجة'' أنه سيرك ساكن لا حركة فيه، تابع وسط ساحة مكسوة ببقايا الثلوج يتوزع فوقها الناس متفرقين وفي جماعات صغيرة مثل خيالات ساكنة، وصاحب السيرك الذي يسمى بالأمير مجهول، وليس له وجه أو حضور بدني. هناك دعوة بالنيابة عنه إلى جميع أهل البلدة بالتغيير، البعض يستجيب بعد أيام من الإنصات إلى الصمت والهمس من أحوال مجمدة لا حياة فيها، الاستجابة تأخذ شكلاً عنيفاً.

تظاهرة حاشدة كعدد كبير من الناس الذين لا نعلم من هم ومن أين جاءوا، ولا أحد هناك يعترض.

البلدة تموج بحركة خارجة عن نظام أو أيديولوجيا تفكير. كما لو أنها وقعت تحت نظام إرهابي فاشي جديد بثياب ووعود براقة، وسط كل ذلك هناك الشاب الهنغاري الوافد من خارج البلدة (لارس رودولف) الذي يسعى إلى معرفة ما يحدث ومواجهته. الهلع من النتيجة بتماثل على وجهة، وسرعان ما يجد نفسه نهاية الفيلم مطارداً من السلطة.

إنه فيلم عن خريف هنغاريا وسقوطها في السديم الرمادي - لترى موت قريب للمجتمع الهنغاري، وهو من الأفلام التي تتحدث عن المتغيرات المناخية في النظام السياسي، ويركز المخرج ''بيلا تار'' ويحذر من ضياع الهوية الهنغارية التي تعرضت لتلك المتغيرات وبسبب ذلك فهي ذاهبة إلى الموت، ولا تستطيع أن تقاوم الموت، وقد تم التصوير في فصل الخريف ليربط بين موت الطبيعة وموت الوطن - نتيجة أطماع أكبر شأناً من قدرة الناس على التصدي لها ومقاومتها - هناك ستارة بيضاء منصبة في وسط غرفة في نهاية العنبر يزيحها من يبدو قائد هذه الجماعة فيجد رجلاً عجوزاً عارياً يرتجف برداً أو رعباً ينظر إليه، لا قطع هنا لنظراته بل مازلنا في إطار اللقطة نفسها ممعناً، ثم يأمر رجاله بحركة، فيتركون كل شيء ويخرجون - الكاميرا تتابعهم في خروجهم متوالي، ثم تنحى عند رأس السلم لتتابع خروجهم من زاوية عليا، خلال متابعتنا لهم نتوقف عند ملامح شخصية (لارس رودولف) والفيلم بالنسبة للمخرج بيلا تار ليس مجرد فيلم لكن هو حياة ورؤية بل هو كيانه الذي من خلاله يتحرك في إحدى المشاهد من فيلم (نغمات وركمايستر) نرى حشد كبير من البشر الذي يثير عواطف الناس، والمخرج بيلا تار يهاجم العولمة فهو من المخرجين الذين هم ضد العولمة.

دائماً ما يتحدث عن تلك المتغيرات التي تطرأ من الخارج، التغييرات المختلفة التي تهاجم هنغاريا من كل صوب وتخلع عليهم هوية جديدة بسبب العولمة. ففي نهاية فيلم تاتغو الشيطان مشهد الراحلين من البلدة وهم يمرون بالقرب من مسجد قديم نسمع صوت الأذان الصادر ليرمز لنا باحتلال تركي لأجزاء من هنغاريا والذين تركوا آثارهم فيها. حين تتوغل في روح سينما بيلا تار تذكر بالخصوص المخرجين الكبار أمثال تاركوفسكي وأنجلو بولوس فهو يشبههم في أسلوب العرض لكنه يختلف عنهم بطريقة تنفيذ هذا الأسلوب فإذا كان تاركوفسكي يضفي الأمل في فيلمه فبيلا تار متشائم إلى حد اليأس فهو لا يرى اليوم ما يثير البهجة. خطة الفيلم تبدأ لدى المخرج بيلا تار دون سيناريو يعاين المكان ويبدأ بالتصوير فإذا لم يكن هناك وقت لكتابة سيناريو يبدأ بالتصوير دون السيناريو تكون لفكرة في البال أو يضعها في رؤوس أقلام على الورق، يذهب ويعاين المكان ويدرس تفاصيل كل مشهد على حدة. ثم يعمل على أساس كل مشهد وهذا يكفي لما يحتاجه ويجنبه الحادة إلى كتابة السيناريو أو كتابة التفاصيل، بطل الفيلم يمشي في الشارع الرئيسي من البلدة في نغمات وركمايستر، وهو هنا يعلم بكيفية تصوير المشهد فلا حاجة لديه للسيناريو. دائماً ما يعتمد على مصدر واحد للضوء فهو يبدأ بالتصوير من وسط الغرفة أو من جانبها أو من السقف - فالمهم عنده الابتعاد عن الإضاءة الموزعة في أرجاء المكان - مما يجعلنا نرى نوراً قوياً داخلياً لا يكاد يكون طبيعياً، مشاهد الشوارع لديه دائماً ما تكاد تكون خالية من المارة وحين يسلط الكاميرا على الشبابيك نراها دائماً مغلقة والبيوت خالية من الناس ومعظم  أفلامه تكون في الريف على اعتبار أن الريف لديه هو مصدر الحياة، والحياة اليوم معرضة للتغيرات المفروضة التي يحار بها في أفلامه واقفاً في صف الحياة والإنسان.

فالإيقاع الحقيقي لديه هو إيقاع الحياة وهذا يظهر في طريقة تصويره لهذا الإيقاع، دائماً ما تشعر بالصعوبة في تصوير مشاهد أفلامه في لقطة واحدة دون قطع أنها طريقة فذة لا يمكن مشاهدتها لدى أي مخرج آخر.

الوطن البحرينية في 27 يونيو 2006

 

الـ«ماتادور» في سينما السيف

حين يتحول القتل إلى مهنة و«الشر» إلى لعبة رياضة

الوسط - نبيل عبدالكريم  

المصادفة جمعتهما في حانة فندق في مدينة مكسيكو.

الأول قاتل محترف جاء المدينة لينفذ مهمة اغتيال سيدة لا يعرفها ولا تعرفه، انه مجرد قاتل مأجور يعمل في مهنة لا ضمير فيها ولا اخلاق. الثاني موظف فصلته شركته من عمله وهو يبحث عن بديل يعوض له خسارته. جاء المدينة لتوقيع عقد عمل بعد مقتل ابنه الطفل في حادث سير.

المصادفة جمعتهما... محترف الجريمة لا شفقة ولا رحمة لديه فهو يمتهن القتل مصدراً للرزق. ومثل هؤلاء الأشخاص دائماً يتوجسون بالناس ويخافون الاحتكاك بالغير ويشكون في الصغيرة والكبيرة. فالقاتل المأجور لا مكان يلجأ اليه ولا عنوان يملكه ولا استعداد أو وقت عنده للزواج أو تأسيس أسرة والعيش بهدوء وسلام.

الآخر بسيط ومتواضع ويبدو قياساً بالقاتل المحترف مجرد شخص ساذج لانه لا يعرف الكذب ويصدق ما يقال له، كذلك يخاف من القانون ويتجنب المخالفة أو ايذاء الناس.

حانة الفندق المكسيكي جمعت «الشر» و«الخير». فالقاتل عنيف لا صديق له ويعيش في حال عزلة للمحافظة على سرية مهنته. وبسبب وضعه الخاص يعيش الشرير في دائرة ضيقة محفوفة بالمخاطر. وهذا الوضع الخاص ساهم في تطويق حياته ودفعه إلى العيش بعزلة عن الناس. فهو لا يعرف احداً ولا احد يعرفه. وهذه الوحدة جعلته يتحول إلى إنسان وقح لا يحترم الخصوصيات ويحتقر الحياة العامة ويهزأ بالناس ولا يتردد في إهانة مشاعرهم.

الموظف على عكس القاتل المحترف. فهو ينظر إلى الدنيا ببساطة ومن دون تعقيدات. ولكن حياته مملة لأنه لا يفكر سوى في تأمين الرزق في نطاق ضيق ومن دون مغامرة. فهو خائف من انقطاع الوظيفة وهو طامح يريد التعويض عن خسارته، وكذلك يميل إلى الوداعة واللطف والابتعاد عن الخشونة.

هذا الموظف الباحث عن الرزق في مكسيكو يلتقي ذاك القاتل الباحث عن طريدة كلف باغتيالها لحساب عصابة تحترف القتل وسيلة لإزالة الخصوم والمنافسين. ومكان اللقاء كان حانة الفندق. وبدأ الاتصال بين «الشر» و«الخير». فالأول لا رأفة له ولا شفقة ولكنه يعاني من العزلة ويبحث عن صديق وهمي يشرح له همومه ويروي له حكاياته السرية المجبولة بروحية القتل مقابل حفنة من المال. والثاني رؤوف يعيش في حياة روتينية بعيدة عن المغامرة. وهذا النقص في شخصية الأول وجده في الثاني، والثاني وجد في الأول بعض وجوه يسمع عنها ولا يتصور وجودها في الواقع.

أدى اللقاء إلى تشكيل صداقة متوترة بين طرفين جمعتهما المصادفة. والمصادفة هذه تحولت إلى مطاردة بين «الشر» و«الخير». فالأول يحتاج إلى الثاني لفك طوق العزلة الاجتماعية والوحشة العائلية. والثاني يحتاج إلى الأول لكسر ذاك الروتين اليومي الذي يتكرر من دون صدمات أو ملاحقات.

في الحانة تنعقد صداقة حذرة ومضطربة ولكنها تستمر سراً نظراً إلى تلك الحاجة المتبادلة. فالشر بحاجة إلى الخير ليتكشف العالم الآخر الذي لا يعرفه. والخير يتشوق لمعرفة ذاك العالم المجهول والمجبول بالغموض.

هذه هي الفكرة المركزية التي اراد مخرج فيلم «ماتادور» قولها في شريط سينمائي يعرض حالياً في السيف. و«ماتادور» هو مصارع الثيران الذي يناور لاضعاف خصمه حتى ينهكه ثم ينقض عليه ويقتله بضربة سيف واحدة.

مصارعة الثيران هي لعبة رياضة تستعرض القوة وتنتهي بالقتل. اما أن يفشل الماتادور ويقتله الثور واما أن ينجح ويقوم بالقضاء على الثور. انها لعبة قتل. ولكن الناس يشاهدونها بوصفها رياضة للتسلية. والشرير (القاتل المحترف) يرى مهنته مثل «الماتادور» فهو قاتل شريف ينقض على طريدته باطلاق رصاصة واحدة لا أكثر. والمحترف هو من يقنص بشرف ويستخدم طلقة واحدة. والموظف الشريف (الخير) يرى ان القتل جريمة سواء استخدمت فيها طلقة أو طلقات.

هذا النقاش أسهم في تكوين اواصر «صداقة» بدأت في الحانة وانتقلت إلى حلبة مصارعة الثيران وانتهت إلى علاقة مصلحية بين «الشر» و«الخير». فالقاتل كبر في السن وضعف نظره ودخل فترة الكهولة ويخاف على شيخوخته. فالمهنة التي احترفها لا رحمة فيها ولا تعويضات عن نهاية الخدمة وكذلك فهي قاسية لا تقبل الخطأ في الاصابة أو الفشل في المهمة. وبسبب هذه العزلة فهو بات في وضع عاجز ويحتاج إلى مساعدة من إنسان بريء وصادق. والموظف الذي يخاف على مستقبله ومصاب دائماً بحال من القلق بسبب المنافسة هو أيضاً بحاجة إلى «الشرير» لمساعدته على ازاحة خصومه.

الحاجة إذاً أقوى من المثل في لحظات معينة. وهي أحياناً تتغلب على المثاليات إذا فرض الواقع شروطه. وبسبب تلك الحاجة المتبادلة بين القاتل والموظف ينعقد ذاك «الحبل السري» ويقوم الاتصال على تبادل المنافع. فالشر يساعد الخير للتخلص من المنافسين والخير يساعد الشر لينجز مهمة لا يسمح سنه القيام بها وحده من دون ارتكاب اخطاء. وفي النهاية تكسر الصداقة تلك العزلة التي يعاني منها «الشر» و«الخير».

النهاية إذاً مجرد لعبة رياضة ولكنها قاتلة. فاما ان ينتصر الثور ويفشل الماتادور وتنتهي اللعبة أو ينتصر الماتدور ويقتل الثور وتستمر اللعبة القاتلة وسط جمهور من الناس يصفق بفرح لمشهد الموت.

الوسط البحرينية في 28 يونيو 2006

 

اليوبيل الذهبي لصوفيا لورين في روما...

جميلة مثل حلم بطولي وريح عاصفة

روما - موسى الخميسي 

داخل قاعات متحف «الفيتوريانو» التابع لنصب الجندي المجهول في قلب العاصمة الإيطالية روما، افتتح معرض كبير عن حياة وفن السينمائية الإيطالية صوفيا لورين بمناسبة مرور خمسين عاماً على عملها في السينما، وبلوغها سبعين عاماً، تحت عنوان» شيكولونا، لاتزارو، لورين». وحوى المعرض اكثر من 4000 قطعة من الصور الفوتوغرافية والملابس، والمجوهرات، والحاجات الشخصية، والجوائز المحلية والعالمية، واللوحات الفنية التي رسمها لها عدد من الفنانين الإيطاليين والعالميين، اضافة الى عروض لمقابلات شخصية، وأفلام سينمائية شهيرة.

وتأتي احتفالات إيطاليا بذكرى مرور 50 عاماً على عمل لورين بالسينما، وبلوغها 70 عاماً، لتقدم في عدد كبير من دور السينما في مدينتي روما ونابولي، عروض لأفلامها السينمائية. كما تساهم القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة بتقديم البرامج والندوات حول عمل وحياة هذه المرأة التي ما زالت تتمتع بروح طفلة، مفعمة بالمرح والنشاط، فهي تقول في احدى المقابلات الصحافية بهذه المناسبة» اقترب من الذكرى بروح معنوية لشخص سعيد جداً بالحياة التي عاشها. وما زلت اشعر بأنني شابة ومفعمة بقوة إيجابية تدفعني الى عدم التوقف».

وتقول صوفيا التي عانت فقراً شديداً في طفولتها في إحياء مدينة نابولي الفقيرة، وهي تعد الآن من ثريات إيطاليا بأن «العشرين من شهر ايلول (سبتمبر) المقبل، وهو يوم عيد ميلادي، سيكون مثل أي يوم آخر، ذلك لأني ومنذ ثلاثين سنة لا احتفل بعيد ميلادي».

لم تعتزل صوفيا التمثيل هي التي جسدت لجيلين، منذ منتصف القرن الماضي حتى مطلع ثمانيناته، صوراً مثيرة للمرأة المكافحة، المضطهدة، الثائرة، صاحبة الأنوثة الصارخة، فكان فيلمها الأخير «بين غريبين» الذي انجز العام الماضي ويعرض الآن في صالات العرض المحلية والعالمية من تحقيق ابنها المخرج ادواردو بونتي (من زوجها المنتج الراحل كارلو بونتي)، بمثابة تأكيد جديد على قدرتها المتفوقة كفنانة قديرة.

نشر عن حياة صوفيا عدد من الكتب في جميع أنحاء العالم، وانتج عنها مجموعة أفلام تلفزيونية، وعاشت قصة حب عاصف مع الممثل الأميركي الراحل غاري غرانت بعد ان شاركته بطولة فيلم «العاطفة والكبرياء» عام 1957، عملت مع افضل مخرجي اوروبا وأميركا، واشتغلت مع مخرج الواقعية الإيطالية الجديدة الراحل فيتوريو دي سيكا أربعة عشر فيلماً، حصلت على الأوسكار لأفضل ممثلة عن دورها في فيلم «امرأتين» لدي سيكا عام 1962، كما حصلت في السنة نفسها على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان الدولي، وفي عام 1998 منحها مهرجان فينسيا الدولي سعفته الذهبية تقديراً لأدوارها السينمائية كأفضل ممثلة، كما انها مثلت مع الراحل مارشيللو ماستروياني أفلاماً عدة، أبرزها «امس واليوم وغداً» و «الطلاق على الطريقة الإيطالية».

من هي صوفيا؟

عام 1934 ولدت طفلة صغيرة في مدينة روما من ام كانت تعمل ممثلة وتدعى»روميلدا فيلاني» ومن أب مجهول، يدعى «ماريو شوكولونا» فسميت الصغيرة بصوفيا شوكولونا. وعاشت الطفلة مع أمها في منطقة «بوتسيويولي» التي تقع على التلال في إحدى الشقق القديمة المؤلفة من غرفتين ومطبخ فقط وتصف صوفيا ذلك بقولها: «كنا نعيش ثمانية أشخاص في تلك الشقة الضيقة، عمي وزوجته، وجدي وجدتي وخالتي وأمي، وأختي وأنا، وكنا نأكل في منتصف النهار المعكرونة مع قطع من الخبز وبعض المرات كنا نأكل القليل من الفاصوليا المسلوقة. وفي العشاء نأكل الطبق نفسه، اما اللحم فكنا نأكله مرة واحدة في الأسبوع، وذلك في يوم الأحد، حيث نعمل منه ما يعطي للمعكرونة والسباغيتي نكهتها الطيبة» هذا ما حكته صوفيا لورين بعد عشرين سنة في أحد لقاءاتها الصحافية مع الكاتب الإيطالي الراحل «البيرتو مورافيا» عام 1954، وفي لقاء آخر عام 1962 بعد منحها جائزة الأوسكار عن فيلمها المسمى «شيوشيارا».

بعد عودتها مع أمها الى نابولي، سكنت قرية أمها الصغيرة التي يطلق عليها «لاتزارو»، وأبدلت لقبها من شوكولونا الى لاتزارو، إلا انها وبعد اشهر من دخولها عالم السينما غيروا لقبها الى لورين ليكون مقبولاً سينمائياً.

وهذه الأيام إذ تكمل صوفيا السبعين من العمر تعتبر في جذور تاريخ وعواطف ومشاعر وأفكار وممارسات الإنسان الإيطالي وهو مهزوم او خائف او جائع او منتصر او عاشق. سبعون سنة علقت عليها تذكارات لتاريخ الحياة الشعبية الإيطالية بكل أجزائها والتي قدمت نفسها بمجموعة كبيرة من الأفلام وصل عددها اكثر من سبعين فيلماً، كانت فيها صوفيا لورين وكأنها مونولوغ داخلي ينساب في شكل عفوي إلا ان عفويته عكست واقعية كبيرة.

نصف قرن من التمثيل في عالم السينما حمل بعض التجاعيد، وقليلاً من الكآبة، التي لا مفر منها لامرأة في هذا العمر تحل في أعماق العيون الخضر الجميلة والتي تعطي الانطباع بان هذه المرأة «ان لا أخاف من الشيخوخة لأن مساعي عملي الفني بنيت على العمل وليس الجمال الجسدي».

عام 1957 كان أول لقاء لها مع «كارلو بونتي» والذي هو زوجها الذي رحل عن عالمنا قبل خمس عشرة سنة، وكانا قد تزوجا المرة الأولى في المكسيك ولحقه زواج آخر في فرنسا عام 1966 وكان ذلك أحد فضائحها. إلا انها عادت الى زوجها الأول لتنجب منه ولدان، وقف الكبير عام 1983 الى جانب أمه في تمثيل فيلم «شيء ما أشقر» ، اما الثاني «ادواردو» فأصبح مخرجاً سينمائياً وقامت هي بدور بطولة أول فيلم روائي له «بين غريبين».

تشعر صوفيا لورين بأنها وبهذا العمر ما زالت تشعر بأنها جميلة على رغم تلك التجاعيد، وسمات الذبول اللتين تغطيان وجهها «عندما بدأت بعملي السينمائي جعلوني افقد صوابي، الأنف كانوا يقولون عنه بأنه طويل جداً، والفم كبير جداً والوركان عريضان للغاية.. كانوا يريدون تغييري رأساً على عقب، ولم يتركوني زمناً طويلاً إلا مع هذه التفاهات...».

أحبّوها

ما زالت هذه المرأة في شبابها الاول فهي تتذكر كل شيء وخصوصاً الحرب «الحرب والظلام، والقصف والجوع، والجرذان، والزجاج المحطم، وقوة الصمود التي كانت تمتلكها امي» قوية، صلبة، متماسكة حتى مع مشاكلها «انا امرأة اعرف كيف استجمع مشكلاتي واحلها لوحدي» الا انها ما زالت تخاف من الظلام لان الظلام يذكرها «بالحرب والقنابل ورعبها».

لها صحة من الحديد» دائماً كنت قوية بصحتي فلي القدرة على التجدد، مملوءة بالحيوية، أصحو كل يوم مبكرة لأمارس حياتي» لها أصدقاء وواجبات كثيرة، وهي معروفة بتواجدها وسط المثليين جنسياً لأنها تعتقد بأنهم طبيعيون اكثر من غيرهم وهم يطرحون مشاكلهم التي يمكنني ان افهمها وأتجاوب معها، وهم يمتلكون طيبة ووداعة كبيرتين نحوي فأنا اكثر من اخت لهم».

صوفيا لورين لم تصوت في حياتها لأي حزب سياسي، ولكنها ان حتمت الظروف لتذهب يوماً ما لأجل الإدلاء بصوتها فهي بالتأكيد ستصوت لليسار الايطالي.

في كتاب «صوفيا.. حياتها وحبها» تتكلم عن زميلها وصاحبها الممثل الراحل مارشيللو ماسترياني فتقول عنه: «هو وأنا نشكل جسداً واحداً، الخسارة ان هذا الرجل لم يعرف كيف يعيش حياته بعزم» اما عن الممثل الإنكليزي الراحل ريتشارد بيرتون الذي كان أحد من هاموا بحبها وقال عنها ذات مرة بأن صوفيا «جميلة مثل الحلم البطولي مع فم واسع شهي وكريم، وهي مثل الريح العاصفة، ومرات باردة مثل الذهب وأخرى مثل رغيف الخبز» فهي تقول عنه «لقد احبني كثيراً وأنا احترم قدراته العظيمة كممثل بارع».

خمسون سنة من العمل الفني في السينما والمسرح، عشرات البيوت في اجمل مدن العالم واكثر من عشرين سيارة وثياب من أرقى مخازن العالم وقبعات ملكية، واكثر من هذا الانتظام مع كل شيء، تهوى الأدب وتطالع بأربع لغات عالمية وهي بغناها تدفع ثمن الفقر الذي عاشته ايام طفولتها وصباها.

الحياة اللبنانية في 30 يونيو 2006

جيل بلا آباء: السينمائيون العرب "يتظاهرون" في سورية

منى سركيس   ـ   ترجمة يوسف حجازي 

السينمائيون السوريون الشباب يرغبون في الانفصال التام عن إرث الآباء، ويسعون إلى إيجاد أفلامهم الخاصة التي تُعلي من شأن الفردية إنه جيل من السينمائيين الناشئين العرب الذين يعلنون غضبهم تجاه الآباء، راغبين في تسليط الضوء على القضايا الفردية، والابتعاد كل البعد عن القضايا السياسة. منى سيركيس تحلل الظاهرة.

قدم "مهرجان الوردة للسينما العربية المستقلة" في الفترة ما بين الخامس والسابع من حزيران/يونيو الجاري على شاشاته عروضًا لقرابة ثلاث وخمسين إنتاجًا سينمائيًا مستقلاً - معظمها من سورية - إضافة إلى ستة أفلام قصيرة من إنتاج المؤسسة السورية العامة للسينما.

اجتثاث جذور الآباء

إن عدم معرفة عمر أميرلاي بأي شيء عن حدوث "مهرجان الوردة للسينما العربية المستقلة" لها دلالات كثيرة. فغياب الأستاذ الخبير عن هذا الحدث لهو دليل على البعد القائم بين جيله وجيل السينمائيين الناشئين، بالرغم من أن المخرج عمر أميرلاي منشغل تمامًا بالجيل الصاعد.

فهو يعمل على بناء معهدٍ عالٍ للسينما في عمان لا مثيل له في المنطقة العربية. ويرحب منظم المهرجان ورئيس تحرير مجلة الفنون والثقافة السورية "الوردة" بشار إبراهيم بهذه البادرة طالما "لا يقوم أميرلاي فيها بدور الأب. إذ أن لا آباء لهذا النشء" كما يقول.

يتطابق هذا تمامًا مع موقف ابن الخامسة والعشرين - رامي فرح - الذي ضاق ذرعًا بقضية الأجيال. فلا ضير بحسب رأيه من أن يتكلم المرء عن نفسه فقط، ففي نهاية الأمر للجيل الجديد حكاياته أيضًا. أما على سؤال: ما هي هذه الحكايات؟ فيجيب رامي أنها على أية حال ليست تلك الحكايات المفروضة، ويعني بذلك القضايا الكبرى لأولئك الذين لا يريدهم أن يكونوا آباءه، قاصدًا قضية فلسطين، والجولان، والوحدة العربية، والامبريالية، والحروب وهزائمها.

بشار إبراهيم خريج "المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، الذي تعلم فن الرقص فيه "بدون استفادة كبيرة" يفضل البحث عن ذاته، ويتابع قوله: "لقد خمد التطبيل الشعاراتي القومي لسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. أسئلة هذه الأيام لا تدور حول: كيف أحرر فلسطين؟ بل تطرح مسائل من نوع: هل أستطيع التعبير عن ذاتي؟ وكيف لي أن أفعل ذلك؟"

ويؤيده رامي فرح بقوله: "لا يتوجب علي العثور على إجابات، بل علي أن أطرح الأسئلة. عندما أسأل أشعر بقوتي". إلا أن اهتداء المرء إلى موقعه ليس بالأمر اليسير.

البعد عن السياسية والاقتراب من الفردية

يعرض رامي فرح في فيلمه القصير "نقطة" الذي أنتجه عام 2003 بقعة في منظر طبيعي تكبر باستمرار: يجري رجل باتجاه الكاميرا. لدى وصوله إليها يضحك للمشاهدين، لكنه سرعان ما يصاب بالخوف فجأة، فيعود أدراجه جريًا إلى حيث أتى.

ينتمي عدنان العودة أيضًا إلى مجموعة رامي فرح السينمائية. ويهتم ابن الحادي والثلاثين عامًا بالقضايا الفردية: "لا علاقة لنا بالسياسة، ولا نعرف حتى من هم النواب في مجلس الشعب، ولكنهم بدورهم لا يعرفوننا أيضًا، وهنا بيت القصيد: لا نريد أن نكون أرقامًا شكلية في دوائر الدولة".

لا يجد الكاتب الخطر إلا في ثنائية تقسيم اللغة إلى عربية فصحى وعربية عامية. فقد تم منع نشر أحد نصوصه بسبب كتابته بلغة عامية مفهومة. وتعثر أيضًا أحد أفلامه القصيرة الذي تناول موضوع الفرق بين حرفي "الضاد" و "الصاد" في الكتابة العربية، ويكمن الفرق الوحيد في النقطة على الضاد. لطخة الحبر هذه هي إحدى وسائل الجهات المسؤولة الساعية إلى تعريب أسماء المناطق. هذا ينطبق على سبيل المثال على غابة "النصارى". فمن خلال نقطة صغيرة بات اسم المنطقة فجأة غابة "النضارة" وانمحى الاسم المسيحي السرياني القديم.

إلا أن رقابة "المؤسسة السورية العامة للسينما" أقل شدة من التوقعات كما يؤكد بشار إبراهيم قائلاً: "بإمكاني إنتاج فيلمي بشكل مستقل عن المؤسسة أو معها. ومن يأخذ بالخيار الثاني يحصل على مساعدة حكومية لكل عناصر الإنتاج. لكن ليس لذلك تأثير على النصوص إذ يتعين على الجميع عرضها على الرقابة". ويضيف: "إنّ نتيجة الرقابة غالبًا ما تكون على شكل "نعم، ولكن" وتبتعد عن "الرفض" المطلق".

رواج كبير لمساءلة الذات

عمر أميرلاي استبعد من المهرجان لكونه يمثل جيل الآباء ويبدو لبشار إبراهيم أنّ ثمة رقابة أخرى أكثر صرامة حيث يقول إنّ: "المحرمات المحبوكة اجتماعيًا هي الأكثر سوءً. نحن نترعرع في مجتمعات لها سطوة علينا، ونهاب ردات فعل آبائنا وأمهاتنا وجيراننا إذا ما استهنا بمحرماتهم. لذلك يبقى السؤال الأكبر بالنسبة للنشء الصاعد، ما الذي أسمح به لنفسي؟"

النقاش الصريح عن الجنس غير مدرج قطعيًا على قائمة المسموحات. أما ما يتم تناوله غالبًا وبشكل ملفت للنظر فهي مواضيع الحب الفاشل بسبب التضييق الاجتماعي.

على سبيل المثال يروي الفيلم القصير "عن الحب" لوليد حرين (من إنتاج المؤسسة السورية العامة للسينما) القصة التالية: يتقارب رجل وامرأة مسنان يشعران بالوحدة في إحدى الحدائق العامة من بعضهما البعض، ويشرعان بالرقص، ويتحولان أثناء رقصهما للفالس إلى عاشقين شابين، إلى أن يستيقظا من حلمهما بفزع على ضجيج الضحكات الساخرة لرواد الحديقة. فيعود كل منهما هاربًا بخجل إلى ركنه ثانية. ويجدر القول أنّ الفيلم قد لقي إعجابًا واسعًا.

إن الرواج الكبير لمُساءلة الذات ليس نتاجاً شعارات "الحرية" و "الوحدة" اللفظية فقط التي فُرِغت من محتواها كما يعتقد بشار إبراهيم. فصحيح أن النقاشات السياسية التي ألقى كبار المخرجين من أمثال عمر أميرلاي أو محمد ملص الضوء عليها قد غدت باهتة، لكن المواضيع الدائمة الاشتعال مثل قضية فلسطين تبقى محافظة على حضورها، ولا ينقص سوى التمويل اللازم لمعالجتها سينمائيًا بطرق حديثة.

السينما السورية متأخرة بالمقارنة مع نظيرتها المصرية

على العكس من مصر فقد أهملت سورية صناعة السينما، إذ لا يوجد هناك صناعة سينمائية أبدًا، ولا يوجد تسويق أيضًا، ولا حتى دور سينما. لا يوجد سوى اثنا عشر دارًا للسينما معظمها في وضع يرثى له لقرابة عشرين مليون نسمة. ولم يحصل نهوض إلا مع دخول التقنيات الرقمية.

تدفع مجموعة رامي فرح على سبيل المثال تكاليف أفلامها بنفسها: ثمانون دولارًا لأربعين ثانية، فمن الممكن تحقيق كل شيء تقريبًا باستخدام كاميرا رقمية وبمشاركة بعض الأصدقاء. لكن ليس فيلمًا يتناول موضوعًا كالقضية الفلسطينية، اللهم إلا إذا حالف الحظ المرء في الاشتراك بإنتاج عالمي.

تمكن المخرج الفلسطيني رائد انضوني من تحقيق إنتاج مشترك من هذا النوع، حيث استطاع في عام 2005 تحقيق عمله "ارتجال" مع تلفزيون آرته -فرنسا، الذي تناول فيه قصة الأخوة جبران، عازفي العود الفلسطينيين الثلاثة، ذي الشهرة العالمية. وكما يدل اسم الفيلم تدور قصته كلها حول الارتجال في الموسيقى كما في الحياة اليومية تحت رزح الاحتلال.

الفيلم توثيق لنقاشات مرتجلة بشكل كامل، ولحركة بالغة الحساسية للكاميرا، تُبين للعيان ذلك الجنون وتلك المعاناة في الأرض المحتلة – وتمر الكاميرا في أثناء ذلك أيضًا على الوجوه المرهقة للجنود الإسرائيليين. إنها فلسطين، الموضوع الكبير، لكنها أتت هذه المرة خاليةً من اللهجة المنبرية، فجاءت أكثر تأثيرًا.

أقام بشار إبراهيم المهرجان بمساعدة "المؤسسة السورية العامة للسينما" ورعاية بعض الشركات، وهو يخطط للمتابعة والاستمرار حيث يفترض أن يجد السينمائيون الناشئون العرب في المهرجان منتدى سنويًا لهم انطلاقًا من عام 2006. 

حقوق الطبع قنطرة 2006

موقع "قنطرة" في 29 يونيو 2006

 

جولة إعلامية في موقع تصوير فيلم «المهد»...

محمد ملص: لم أشعر بغربة إزاء الشخصيات

تدمر (سورية) - ابراهيم حاج عبدي 

نظّمت وزارة الثقافة السورية، وبالتنسيق مع شركة «الريف» الإماراتية المنتجة للفيلم، جولة للإعلاميين إلى مدينة تدمر حيث يصور فيلم محمد ملص الجديد «المهد» الذي كتب السيناريو له وزير الثقافة السوري رياض نعسان آغا الذي رافق الإعلاميين في جولتهم، وتبادل معهم الأحاديث الودية، ونأى بنفسه عن «الرسميات»، وعن كونه وزيراً للثقافة، ليعبر أكثر عن كونه كاتباً لسيناريو الفيلم، وواحداً من الوفد الإعلامي الزائر، الأمر الذي ترك انطباعاً لطيفاً لدى الصحافيين تجاه شخصيته.

يخيّم فريق الفيلم الجديد «المهد» وسط غابة من النخيل قرب مدينة تدمر السياحية، ولدى زيارة الموقع يخال المرء نفسه في واحة من واحات شبه الجزيرة العربية حيث الأحصنة، والجمال وخضرة النخيل، وقد اقتحمت كل هذا الصفاء الهادئ التكنولوجيا الحديثة من الكاميرا السينمائية إلى أجهزة الصوت، وأجهزة الإضاءة وسواها، ولعل هذا الانطباع يفصح عن جانب من حكاية هذا الفيلم التي تعود إلى ما قبل ظهور الإسلام بعقود، لتتوقف عند حادثة مهاجمة أبرهة الحبشي لمضارب قبيلة عربية هي كندة التي تسكن أطراف الصحراء، وتفاجأ بالغزو الخارجي، وهذه الإشكالية هي التي يحاول الفيلم رصدها إذ ينبش في التاريخ العربي القديم ليعثر على إسقاطات تاريخية تعبّر عن حال العرب في المرحلة الراهنة.

يعمل فريق العمل القادم من مختلف البلدان ـ باعتبار أن السينما في رأي ملص «ليست هوية قومية بل هوية فنية» ـ بدأب وسط ظروف صعبة حيث الغبار والشمس الحارقة، والديكورات المعدة خصيصاً للفيلم، ولم نتمكن، حتى تلك اللحظة، من الحصول على أي معلومة، سوى مراقبة هذا الفضاء السينمائي الذي شكل مهداً لفيلم «المهد»، الذي يتناول «حالة التأييد أو المعارضة للغزو الخارجي، والصراع الذي ينشأ إثر هذا الانقسام»، كما قال مساعد المخرج شامل أميرلاي، وهذه الزيارة الى موقع التصوير كانت موضوعة ضمن برنامج الجولة، وجاءت تمهيداً للمؤتمر الصحافي الذي عقد مساء في أحد مقاصف المدينة.

رد فعل الأمة

شارك في المؤتمر رياض نعسان آغا، ومحمد ملص، والممثل المصري هشام عبد الحميد، والسوري خالد تاجا، وهاشم قيسية ممثلاً لشركة «الريف» الإماراتية العائدة إلى الشيخ طحنون بن زايد الذي نقل إلى نعسان آغا رغبته في كتابة سيناريو لفيلم يتحدث عن «رد فعل الأمة حين يأتيها الغزو»، فكان هذا السيناريو الذي اسند إخراجه، باقتراح من كاتب السيناريو، إلى ملص الذي تمكن عبر مسيرته السينمائية ـ كما قال نعسان آغا ـ من أن «يشق طريقاً للسينما السورية جعلها سفيرة لسوريا إلى العالم»، وفي رد على سؤال لـ «الحياة» حول إشكالية التوثيق والتخييل في النص الذي يجرى تصويره، قال نعسان آغا بأن «الفن ليس بحثاً أكاديمياً، وليس ثرثرة كذلك، وفي الوقت الذي لا يحق فيه للفن أن يزيّف التاريخ، فإنه يحق له أن يستلهم التاريخ»، مضيفاً «لا أزيّف التاريخ ولا أقع أسيراً له. أقدم قصة مستوحاة من التاريخ من دون أن أتماهى معه أو أعيده كما كان بالضبط، فالتاريخ هو فسحة للتأمل، ويمكننا أن نستخلص منه العبر».

وبدوره أعرب ملص عن سروره لإخراج هذا الفيلم، مشيراً إلى أن الفيلم يحمل «فكرة نبيلة»، معرباً عن الرغبة في إنجاز فيلم «نرفع به رأسنا»، نافياً أن يكون السيناريست، فضلاً عن الجهة المنتجة، قد وضعا شروطاً، إذ أكد بأن نعسان آغا قال له لدى إعطائه السيناريو: «لا تنظر إلى هذا النص كسيناريو يجب أن ينفذ، لقد قدمت لك مادة افعل بها ما تشاء»، ومن دون الخوض في تفاصيل دقيقة، قال ملص، رداً على بعض الانتقادات المسبقة، «هذا الفيلم ينتمي إلى السينما فحسب، ففي كل ما تحقق من مشاهد حتى اليوم (أنجز نصف الفيلم تقريباً) لم اشعر بغربة إزاء الشخصيات التي تولد أمام الكاميرا»، وقال صاحب «الليل» بنبرة الحرص على تاريخه السينمائي: «سأنتحر لو أن لقطة ما أنجزت بعيداً من فهمي الخاص للسينما».

من المؤلف الى التاريخ

وفي رد على سؤال حول التحدي المتمثل في طبيعة سينما محمد ملص المندرجة تحت مسمى «سينما المؤلف»، وهذا الفيلم التاريخي المختلف عن تلك الطبيعة، قال صاحب «أحلام المدينة»: لننتظر إنجاز الفيلم، وبعده نتساءل: هل استطعت التعامل مع موضوع لم أكتبه؟ ومع مرحلة زمنية لا أعرفها؟، معترفاً بأنه لم يكن يعرف كيف يشهر السيف، وكيف يعيده المقاتل إلى غمده، لكن استدرك «في السينما يجب أن نسأل، ونبحث لنعرف بصدق وبدقة».

يستعين محمد ملص بكوكبة من الفنيين من مختلف الجنسيات، فمن إيران هناك سياميك مصطفى للمكياج، ومن تونس توفيق الباهي للديكور مع السوري زياد قات، ومن البرتغال إلسو روك مديراً للتصوير، ومن فرنسا برونو مهندساً للصوت، وغازي القهوجي مصمماً للملابس، والنحات السوري عاصم باشا للإكسسوار... وغيرهم، إضافة إلى ممثلين من سوريا هم :خالد تاجا، باسل خياط، عبدالرحمن آل رشي، عمر حجو، مجد نعسان آغا...وغيرهم، ومن مصر يشارك هشام عبدالحميد وعمرو عبدالجليل، ومن فلسطين الممثلة عرين العمري. وبرّر ملص مشاركة هؤلاء الفنانين والفنيين من جنسيات متعددة في الفيلم بالقول «أنا أتعامل مع السينمائي الذي يحقّق لي فيلمي، ولحسن الحظ لم أر يوماً فيلماً إسرائيلياً مصوراً في شكل جيد» (في إشارة إلى انه من الممكن أن يستعين بسينمائي إسرائيلي إذا ما حقق له هذا السينمائي الفيلم الذي يبحث عنه)، وأضاف «أنا اختار الفنانين والفنيين من دون أي اعتبار لجنسياتهم، لأنني انتمي إلى السينما دون أي شيء آخر»، وخصّ الممثل السوري بمديح لافت، وبتقدير بالغ، معتبراً أن هذا الممثل «لم يلق الاهتمام المطلوب».

هشام عبدالحميد أعرب، بدوره، عن سعادته للمشاركة في هذا الفيلم وقد اعتبرها «فرصة ذهبية» سنحت له، فهذا الفيلم يعني له الكثير، كما قال، ولئن أشار إلى المعاناة والجهد والتعب... لكنه قال أننا مستمتعون، ومعجبون بإدارة ملص الذي يدقق، دقة شديدة، حسب تعبيره، في كل إيماءة أو مفردة أو إشارة أو حركة، ويحرص على دقة الديكورات والأزياء والإكسسوارات... ليرسم لوحات «متناهية الجمال»، معتقداً بأن هذا الفيلم «يصنع من القلب ليصل إلى عموم جمهور السينما».

الحياة اللبنانية في 30 يونيو 2006

 

سينماتك

 

«كل شيء يتحرك في الفراغ الهائل دون أن ينتهي»

كتب: عبدالله السعداوي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك