باستثناء “سيد الخواتم”، فإن معظم الثلاثيات التي خرجت بها هوليوود في الأعوام الأخيرة تنطلق أفضل مما تنتهي. الجزء الثالث من كل ثلاثية يصل وهو يحاول أن يبزّ الجزأين السابقين. أمر وحده يكفي لزعزعة ثقة كل مخرج يخشى من فشل فيلمه والتحوّل من صانع أفلام الى بائع تذاكر.

لكن هذا الخوف وحده هو بداية النهاية. وليس صدفة مطلقاً أن “ماتريكس” الأول أفضل من الثاني والثاني أفضل من الثالث، والأمر نفسه يمكن إطلاقه على “جوراسيك بارك” أو “العودة الى المستقبل” أو حتى أفلام أصغر مثل “صراخ”. المشكلة الناتجة عن محاولة أي مخرج تحقيق إنجاز يتفوّق به على الجزأين السابقين تؤدي عادة الى المزيد من الحركة والقليل من الإبداع. الكثير من المؤثرات والأقل من التأثيرات. بالتالي، هناك قدر كبير من مهنة بيع التذاكر. أمر ربما من حق شركة الإنتاج، لكن المخرج، فرضياً على الأقل، عليه أن لا يشارك به.

“رجال إكس: الوقفة الأخيرة” (المعروض حالياً) إخراج برت راتنر (“ساعة الزحام”)، ربما لن يكون الفيلم الأخير من السلسلة. القرار لم يتّخذ بعد وإن تم اتخاذه فليس أسهل من النظر الى الإيرادات التي حققها الفيلم في أمريكا وحول العالم للرجوع عنه. هذا مؤسف، لأن الناقد أعتقد أنه سينتهي من متابعة مسلسل انطلق للحديث عن فئة من الناس تعاني عنصرية وتعصب الغالبية وعن ضرورة الوفاق والقبول بالآخر، ليصل في نهاية مطافه الى الحديث عن حرب أهلية أمريكية قوامها تلك الفئة. ما كان يستدعي التعاطف بات الآن يستدعي الحذر.

الشفاء من الداء

في الأساس، “رجال إكس” يدور عن مجموعة من المخلوقات تتبدّل بفضل تشويهات ولدت بها.

Mutant هي كلمة تعني “مُتبدّل” أو “متحوّل” النشأة الجينية. والداه طبيعيان لكنهما أنجبا صبياً أو فتاة ذات قدرة على التبدّل من بشر الى شيء آخر ولو بشكل بشري. الفيلم الأول أسس أيضاً أن هؤلاء  في أغلبهم  مخلوقون صالحون يعانون من كونهم ضحية مجتمع يريد تحجيمهم، محاربتهم والقضاء عليهم.

الرمز الذي تستند اليه الفكرة لا تستدعي الكثير من الإغراق في التفاصيل لكشفها. الى جانب المتحوّلين خُلقاً، فإن الرمز يشمل أي أقلية تجد نفسها مضطهدة لاختلافها عن السائد. نظرياً، يشمل ذلك أي أقلية تعيش في أمريكا، كالعرب والمسلمين، لكن الفيلم، بأجزائه الثلاث، يخص، بالذكر، اليهود ويوحي بالشاذّين جنسياً تاركاً الأقليات الأخرى لتكون نوعاً من التحصيل الحاصل.

في الفيلم الأول تم تأسيس الفكرة وفي الثاني تأكيدها وفي الثالث تغييرها، أو بالأحرى “تبديلها” و”تحويلها”. الآن هي مثل وليمة عليها أطباق صينية وأوروبية وشرقية كل ما تريد منها أو كلها جميعاً.

نحن في أمريكا المستقبل القريب. الحكومة الأمريكية اعترفت ب “المتبدّلين” وأسست مكتباً حكومياً لشؤونهم يرأسه د. هانك (كلسي غرامر) ومنحته صلاحية العمل على معالجة أوضاعهم وإشعارهم بأنهم جزء من المجتمع. لكنها في الوقت نفسه تستثمر، معنوياً ومادياً، في استنباط علمي اسمه “الشفاء” يمكن أن يعيد “المتبدل” الى حالة طبيعية. وأحد المتحدّثين في هذا الخصوص يؤلّب عليه الرأي العام للمتبدّلين المحتشدين في مظاهرة معادية عندما يستخدم كلمة “مرض” لوصف حالتهم. الإعلان يجد ممانعة شديدة من ماغنيتو (إيان مكّالين) رئيس المجموعة المتشددة من المتبدلين التي تهدد  وسريعاً ما تنفّذ تهديدها  بمهاجمة الحكومة وفرض سيطرتها على قطاعاته المختلفة. لكن الجماعة المعتدلة من “المتبدّلين” بقيادة أكزافيير (باتريك ستيوارت) تعارض العنف لفرض الرأي وتدعو لمشاورات مع الحكومة.

جاهز بسذاجته

هذه المعارضة تؤدي سريعاً الى مواجهة بين أكزافيير وماغنيتو مع بعض رجال ونساء كل منهما خلفه. المعركة تنشب على محاولة استحواذ جين (فامكي جانسن) التي أصبحت ذات وجهين أو جانبين، واحد يريد أن يعيش حياته السلمية مع أكزافيير والثاني يريد إتباع ماغنيتو. اكزافيير يموت في هذه الموقعة وعضد ماغنيتو يشتد وهاهو يواجه الحكومة التي تسلّح الجيش بطلقات “الشفاء”. وإذ تبدأ المواجهة بين الجيش وبين ماغنيتو وقوّاته بعدما نجح ماغنيتو في اقتلاع جسر “البوابة الذهبية” في سان فرانسيسكو وذلك لسبب سينمائي أكثر منه سبباً درامياً، فإن قوى جماعة ماغنيتو الخارقة (واحد يشعل ناراً وآخر يخرج دبابيس من رأسه.. الخ) هي التي تنتصر. لكن جماعة أكزافيير، بالإضافة الى رئيس شؤون المتبدّلين ينتقلون الى رحى المعركة وبعد سجال مستعجل بين الطرفين ينتهي الفيلم حيث تنتهي معظم الأفلام: الخير ينتصر والشر ينهزم ولو جزئياً.

“رجال إكس: الوقفة الأخيرة” فيلم جاهز لكي يؤخذ بسذاجته. في مطلع الفيلم هناك تعريف بالشاب ليتش (كاميرون برايت الذي شوهد في دور ابن نيكول كيدمان في “ولادة” قبل نحو سنتين) الذي نراه يحاول اقتلاع ريش ظهره قبل أن يداهمه والده ويدرك انه من “إياهم”. هذا الأب هو الذي يخترع الدواء وحين يداهم الأب الخطر من ينقذه؟ ابنه الذي كان والده يشعر بالعار به. إنه شيء جاهز للأخذ به من دون سنتمتر واحد من العمق، ولا حتى ربع ذلك من الخروج عن المتوقع. لأن كل شيء في هذا المثال، وهو ليس سوى مثال، متوقع وناتج عن تفكير نمطي وفوق ذلك تفكيرا يعمل ضد ما يحاول الإيحاء به.

أمريكا والعالم

حسب الفيلم، فإن أولئك الذين استدعى الأمر في الفيلمين السابقين تقريبهما الى الجمهور على أساس أنهم أصحاب قضايا، ينقسمون الى قوّتين، القوّة الأشد هي الشريرة. هي تريد الآن السيطرة على الولايات المتحدة بأسرها. بذلك ضحايا العنصرية ومعانو الضغينة يتحوّلون الى فاشيين. هذا السير ضد الخطّة الأصلية يخلق فاصلاً عاطفياً بين المشاهد وبين ما يقع ولا ينقذه تدخل جماعة أكزافيير لمصلحة الحكومة التي كانت في الفيلمين السابقين أداة قمع.

الحكومة هنا تبدو معفاة من الخطأ. لقد أسست وزارة أو إدارة لمعالجة شؤون هؤلاء المتبدّلين وبذلك أقدمت على ما على كل حكومة راشدة فعله. هي أيضا تعمل تحت إدارة رئيس جمهورية يبغي الخير للجميع وتريد المساعدة عن طريق معالجة المتبدّلين بمادة تحوّلهم الى بشر عاديين. إنها ليست مُدانة وأنا لا أقول أن الحكومة في الأفلام يجب دائما أن تكون. لكن بغياب الحكومة كطرف صالح للانتقاد فإن الشرير الوحيد هو ماغنتو وجماعته.

سحب خطوط تمتد الى موضوع أمريكا والعالم اليوم يتم ببعض الجهد نظراً لأن الفيلم ليس لديه “أجندة” سياسية صحيحة أو ثابتة. في بعض الأحيان يبدو أن الدعوة الى التمرد هو ما تحتاجه الناس لتغيير الحال، لكن  على عكس التمرّد الذي يدعو إليه “ف للانتقام”  هو تمرّد رجعي فاشي. بعض النقاد الغربيين ربط بشكل ملتو بين ما يطرحه الفيلم وبين المواقف السياسية والعسكرية الحالية في العراق. لكن الفيلم إذا ما هدف لمثل هذا المنظر المتوازي يفشل أكثر إذ لا يستطيع تحديده.

في الخيوط الأخرى، فإن الفيلم لا يزال يعمل على أساس أن التباين بين قدرات المتبدّلين هو الأهم بحد ذاته. لكن الحقيقة أن كثرة عددهم لا تخدم الفيلم خصوصاً وأن كلاً يمارس كل شيء في نفس الوقت ومن دون استراتيجية تفيد الفيلم في جعله أكثر إثارة.

المفكرة.. باليه روسيا

“المؤلم أن تبقى وحيداً مع هذا الحب. لا تستطيع أن تفعل شيئاً حياله”.

يقول ميغويل تريخوف متحدّثاً عن تجربته في “باليه روسيا”، إخراج: دان جيلر وداينا غولدفاين، وذلك في فيلم يحمل نفس الاسم تم إنتاجه في العام الماضي ولا يزال يدور على مهرجانات سمعت به من قبل نقّاد أحبّوه. الفيلم كان جال تورنتو وسان فرانسيسكو ولندن وإذا كان حظ هاوي السينما جيّداً فإنه سينتقل الى اسطوانات الأفلام قريباً. إذا ما تم ذلك، اشتريه أو استأجره أو استعيره أو أسرقه.. لا يهم. المهم أن تراه. عمقه، حنانه، رقّته، والمعلومات التي ترد فيها ستجعله من أهم الأفلام الوثائقية التي شاهدناها في السنوات الأخيرة.

في مطلع الثلاثينات، انطلقت فرقة “الباليه روسيا لمونتي كارلو”. قوامها كان عدد من راقصي وراقصات الباليه الذين لم يرقص معظمهم في روسيا من قبل. هؤلاء هاجروا أو هربوا مع اندلاع الثورة الشيوعية. وفي حين بقي في البلاد فرق باليه أخرى، رغبت الفرقة التي جعلت من باريس مقرّاً لها، أن تكون البديل لتلك الفرق التي لم تعد قادرة على مغادرة البلاد. أن تكون امتداداً لتنقل فناً زاوله سترافنيسكي ونيجنسكي وسيرج دياغيليف وسواهم من قبل. هكذا يبدأ “باليه روسيا” معلناً عن ولادة الفرقة بمشاهد وثائقية نادرة تؤسس لتاريخه وللفيلم. وإذ ينتقل الفيلم الى سلسلة مقابلاته يسجّل، قبل فوات الأوان، شهادات راقصي الفرقة (التي لاحقاً أصبحت فرقتان) عن أنفسهم وعن أدوارهم وعن تلك الفترة الواقعة على بعد ثمانين سنة أو أكثر.

تكتشف أن إيرينا بارانوفا وإيفون شوتيو وناتاليا كراسوفسكا وتاتيانا ريابوشينسكا وتاتيانا ستبانوفا وتمارا تشينافورا ومارك بلات (او بلاتوف كما قرّر الروس تسميته) وفردريك فرانكلين وسواهم لا يزالون أحياء. بعضهم يعيش في طي ذكرياته وبعضهم لا يزال يمارس هوايته المحببة فهو مدرّس في أريزونا أو تكساس أو لا يزال يعيش في بعض أنحاء أوروبا. وما يتلونه مؤثّر ليس فقط لأنه جزء من تاريخ لم يعد يلتفت إليه أحد بل لأنه نابع من إحساس ووجدان شخصياته التي ألّفته. بعد النجاح الكبير للفرقة، تطل الحرب العالمية الثانية وتقع وأوروبا تحت الخطر والفرقة، وقد انقسمت الى فرقتين واحدة باسم “باليه روسيا الكلاسيكية” والثانية حافظت على “باليه روسيا لمونتي كارلو”) يؤمّان عروضهما الأولى في الولايات المتحدة ما اضطرهما لجعلها المكان الذي يعودان إليه بعد كل رحلة سفر. ما يحدث بعد ذلك هو الكثير من التفاصيل حول نمو وازدهار ثم اضمحلال كل منهما (“باليه روسيا الكلاسيكية” ابتلعها الفقر ثم الإفلاس حتى مات صاحبها لاحقاً والثانية استمرّت لسنوات قليلة بعد ذلك لكنها أيضاً توقّفت عن النشاط في مطلع السبعينات). في سبر غور هذا التاريخ فإن ما يأسر النفس ليس صعود وهبوط فرقة أو فرقتين، بل ذلك الإيمان الجيّاش براقصي الفرقتين صوب حب لم يمت مع الأيام. حب لا الراقص خانه ولا هو خان الراقص. إيمان رائع ينقصنا نحن في أيامنا هذه وبصرف النظر عما نقوم به (وينقص سياسيينا أكثر من سواهم). ويتجلّى ذلك الإيمان بشغف الحديث. بالكلمات المختارة للتعبير عن الذات والنفس والذاكرة. ثم بتلك المشاهد التي تدفع الدموع لتقف عند حواف العيون: راقصون وراقصات وقد أصبحوا في خريف العمر يقومون ببعض الرقصات للكاميرا. يبدون مثل العرائس بعد نفض الغبار من عليها. خارج الموضة لكن عرائس.

مرة ثانية هو فيلم عن المرء وإيمانه. من دونه نحن ذرات رمل في الهواء. كل واحد من هؤلاء الذين أحبّوا فنهم الى درجة الالتحام به يقول لنا أن ما ينقصنا في حياتنا هو الإيمان من دون خوف من التضحية.

م. ر

merci4404@earthlink.net

الخليج الإماراتية في 18 يونيو 2006

 

فيلم لخمة راس.. كوميديا عشوائية تستخف بالمشاهدين

أشرف بيدس 

لا أحد يتعلم من أخطائه، عبارة واجبة وملزمة ونحن نتعرض لفيلم لخمة راس لأشرف عبد الباقى وأحمد رزق، ويشاركهما البطولة مها أحمد وحسن حسنى وسامح أحمد وفى أدوار شرفية غسان مطر ولطفى لبيب وشمس وزيزى مصطفى وسعيد طرابيك، بالإضافة إلى سعد الصغير الذى راهن عليه صناع الفيلم ليمتطى حصان الإيرادات، الفيلم من إخراج أحمد البدرى وتأليف أحمد عبد الله.

يبدأ الفيلم بمشهد لرجلين يتعاطيان المخدرات (حسن حسنى وسعيد طرابيك) الأول هو والد ويكا (أحمد رزق)، والثانى أحد جيران الحى الذى يقوم والد ويكا بالنصب عليه، وسحب أموال كثيرة منه على أمل أن يلتحق ابنه بكلية الشرطة، وساعتها يستطيع أن يردها نظير خدمات، وأثناء تعاطيهما المخدرات والاتفاق على دفعة مالية جديدة، يهجم على الشقة أربعة ملثمين حاملين معهم أسلحة، وبعد حوار قصير نكتشف أن أحد هؤلاء الممثلين هو ويكا يزاول تدريباته البوليسية ومعه صديقه سفينة (سعد الصغير)، يفشل ويكا فى امتحانات القبول بكلية الشرطة، مما يوقع والده فى مأزق أمام من نصب عليهم، ويسافر ويكا إلى والدته بعد الاتفاق مع والده ليوهموا الناس بأنه التحق بالفعل بكلية الشرطة، وأثناء سفره يلتقى فى الأتوبيس ب نخنوخ (أشرف عبد الباقي) القاتل الأجير المسافر أيضا لتسليم راس قتيل قام بقتله لحساب بعض العصابات، لكن يحدث تبديل لحقائب السفر، ويأخذ ويكا حقيبة نخنوخ التى يكتشف بها راس القتيل وبعد عدة مفارقات يتم ضبط والد ويكا وبحوزته الحقيبة التى بها راس القتيل يسعى ويكا لتخليص والده من البوليس بالكشف عن الجريمة.

الصدمة

من الوهلة الأولى يصاحب المتفرج شعور بأن جميع الشخصيات التى تتحرك أمامه تتمتع بقدر عال من التخلف العقلى والسطحية، وتحاول الأحداث أن تفرض عليهم مواقف صعبة وأحيانا كثيرة غير مبررة لا تستطيع قدراتهم العقلية والتمثيلية الخروج منها، مما يضطرهم فى النهاية (الممثلين والسيناريو) للجوء إلى الحلول السهلة للوصول لأعلى إيفيه ممكن، بعيدة كل البعد عن أى مبرر مقنع، وغير معتنين بأى صورة سينمائية، فالمشهد يتلخص فى مدى قدرته على زغزغة الجماهير مضحين بالمصداقية التى أفتقدها الفيلم من أول مشهد حتى كلمة النهاية، ورغم جودة الفكرة - المكررة- والتى كان يمكنها أن تحدث مواقف كوميدية كثيرة، إلا أن المؤلف استسلم لإغراءات السوق، واختصر مشاهد كثيرة، لم تؤثر على حدوتة الفيلم فقط، بل جاءت على مصداقية الفكرة وتثبيتها وترسيخها، وراح يلقى بمشاهد عشوائية هنا وهناك فككت المضمون وأفرغته من محتواه، حتى بدا الفيلم وكأنه سباق فى إطلاق النكات والضحكات.

تراجع نجمين

إن موافقة أشرف عبد الباقى وأحمد رزق لكى يحتل سعد الصغير بأغانيه كل هذه المساحة من شريط الفيلم والتى تجاوزت أكثر من ثلث الفيلم أكبر دليل على فقرهما وفشلهما، واعتراف صريح بأنهما غير قادرين على تحمل مسئولية الفيلم وحدهما، فجاء الصغير ليمثل لهم طوق النجاة ويشغل بأغانيه مساحات كبيرة كانت ستسبب لهم إرباكاً كوميديا شديدا، وحاولا (أشرف وأحمد) بقدر ما أتيح لهما من مساحة أن يثبتا للجمهور أنهما مازالا يملكان القدرة على الإضحاك.

مثلما أفسدت الكوميديا صناعة السينما جرت أيضا على بعض الفنانين الموهوبين، الذين كان يعول على موهبتهم الكثير، فبعد عدة تجارب سينمائية -لأشرف عبد الباقى وأحمد رزق- لم تلق قبولا جماهيريا، بدأ القلق يتسرب إليهما، فرضخا لشروط السوق بتقديم أفلام هزيلة - فى الأغلب لم تعبر عن قناعاتهما- واضطرا للقيام بها للحاق بقطار الإيرادات، فجاء الإخفاق تلو الإخفاق، ولم يكن الاستسهال طوق نجاة للعبور، بل ألتف حول إعناقهما فزاد من انغماسهم فى القاع.. وجاء اشتراكهما معا فى فيلم لخمة راس كمحاولة للطفو على السطح مرة أخري، إلا أن هذا التنازل الذى أبدياه لم يحقق ما كانا يطمحان إليه، وذهبت أحلامهما أدراج الرياح، ولم يبق سوى بعض الإيفيهات التى تلاشت بعد لحظات من إطلاقها، إنما الذى ظل فى الذاكرة وترسخ لدى الجماهير هو كثرة المحاولات وكثرة الاخفاقات.

مشاهد استهلاكية

لاشك أن صناع فيلم لخمة راس لخموا أنفسهم باللجوء إلى سعد الصغير المطابق لمواصفات السوق، وحاولوا قدر الإمكان أن يجدوا لها مساحات غنائية، مرة على حساب تسلسل الأحداث الذى تم اغتصابها لصالح سعد ومرة على حساب الأدوار الرئيسية التى تم تقليصها، وتحول الأمر إلى مجرد حشو مشاهد لا رابط بينها، فمثلا عندما يذهب ويكا لمنزل أخته ليصلح خلاف بينها وبين زوجها، نفاجأ بأن الزوج يكيل اللكمات والضربات له، ويحطم أثاث الشقة على رأسه، وينتهى المشهد دون أن يفهم المتفرج لماذا حدث أصلا، وتنتهى علاقة أخت ويكا بالفيلم، وفى مشهد آخر ويكا فى غرفته حزين لعدم قبوله بكلية الشرطة، وعندما تدخل عليه خطيبته حبيبة يقومان بالرقص دون سبب ويتساءل المتفرج لماذا يرقصان؟، ثم مشهد آخر مقرف، عندما يذهب ويكا لخطبة حبيبة وعندما يهم بالكلام، نفاجأ بالوالد يصدر غازاته الصوتية بشكل مقزز، والغريب أن هذا المشهد حصد أكبر الضحكات داخل قاعات العرض. الحقيقة المشاهد اللقيطة كثيرة جدا، حتى رأس القتيل محور الأحداث والتى من المفترض أن تفجر الكوميديا، لم يجد صناع الفيلم غير راس بلاستيك تثير الاشفاق على رداءة صنعها. حتى الأغانى التى أعتمد عليها فى ملء تلك المساحات الشاسعة تم تصويرها بشكل سيئ للغاية، لم يراع فى تنفيذها أى تكنيك، وتم تقطيعها بصورة بدائية افتقرت للدقة، ناهيك عن حشو أغنيتين يمكن نزعهما من شريط الفيلم. الشيء الوحيد المنطقى فى هذا الفيلم هو اسمه، وهو اسم على مسمى تم اختياره؟!! بدقة تحسب لصناعه، فهى بالفعل لخمة يقع فيها المؤلف والمخرج والأبطال، ويجد المتفرج أنه أمام حالة من الضجيج، لا يستطيع أن يمنع نفسه من الالتحام معها إما بالتصفيق أو بالتهليل، لكنه لا يعلم ما الذى يصفق عليه.

البطل الحقيقي

لا نستطيع أن ننكر أن وجود سعد الصغير ضمن أبطال الفيلم كان يشكل عامل جذب للجماهير، فمن مطرب أفراح إلى نجم سينمائي، تتصدر صوره أفيشات الأفلام، فرصة يسعى إليها الكثيرون، وبدوره انتهز الصغير الفرصة محتلا مساحة سينمائية كانت مخصصة لآخرين، ومثلت أغانيه أسباب هذا الجذب، إلا أن كل ذلك لا ينفى أن سعد أمام الكاميرا بدا مهزوزا ومتوترا ويفتقد لأى موهبة تمثيلية وكأن العمل بلا مخرج يصدر التوجهات والتعليمات، لم يتم استغلال سعد فحسب، بل تم الاستعانة بأعضاء فرقته ليحلوا محل المجاميع، فهم ذاتهم زملاء الدراسة، وهم أبناء الحي، وهم الكورال وهم الكومبارس وهم المدعوون فى الأفراح والمآتم.

أدوار

مها أحمد فنانة كوميدية خفيفة الظل، لديها حضور وتلقائية تجعلها تدخل قلوب المشاهدين من أقصر الطرق، لكنها سجنت موهبتها فى أدوار نمطية لتحقيق الانتشار، لكن بعد ذيوع هذا الانتشار تمادت فى تقديم هذه الأدوار كلم ماما، الباشا تلميذ، بحبك وبموت فيك كلها أدوار متشابهة ومشاهد أيضا مكررة ، وعند اللجوء للاستعانة برقصة أو أغنية لا يجد المونتاج غير دورها لتحجيمه وتقصيره، فيأتى أداؤها فى النهاية وكأنه مونولوج واحد معاد، يجب عليها أن لا تستهلك موهبتها، ولا ترضخ للهاث وراء الإيفيه وتكراره لأن ذلك مع الوقت سيأتى على وهجها التى تتفرد به. أما بقية الممثلين فكانت أدوارهم عادية، غسان مطر يستخدم صوتا عاليا بمناسبة ودون مناسبة، شمس تمثل وكأنها مصابة بدوار البحر، أما أحمد سامح الذى قام بدور دبشة فهو مشروع ممثل واعد، لديه حضور قوى وخفة ظل، وسيلمع نجمه فى السنوات القادمة. 

الأهالي المصرية في 21 يونيو 2006

«ذئاب العراق» التركي في سينما السيف

المرتزقة يجتاحون العراق وخنجر صلاح الدين بالمرصاد

الوسط - نبيل عبدالكريم  

يبدأ فيلم «ذئاب العراق» الذي يعرض حالياً في سينما السيف من تلك الواقعة التي حصلت بين الجيش الأميركي الذي احتل العراق وذلك المخفر التركي في مدينة السليمانية في منطقة الأكراد.

الشريط السينمائي من صنع تركيا. والمخرج تعمد ان ينتجه على الطريقة الأميركية. هناك أبطال (أخيار) يواجهون الأشرار. والأشرار هنا هم أولئك المرتزقة الذين زحفوا مع «المارينز» بذرائع شتى منها الديني (مبشرون) ومنها الاقتصادي (شركات تتوخى السرقة والنهب) ومنها تلك المؤسسات السرية التي تتاجر بأعضاء البشر. والبشر هم ضحايا كل احتلال سواء في العراق أو غيره. من تلك الواقعة يبدأ الفيلم. جنود أميركيون يطوقون المخفر ويجبرون الأتراك على الاستسلام.

وبعد الاستسلام تبدأ عمليات الإذلال والاهانة.

إذاً المسألة ليست عراقية صافية. فهناك جانب تركي (قومي) في الموضوع. الاحتلال الأميركي أهان مجموعة من العسكريين وأذلهم. وعلى رأس تلك المجموعة ضابط قرر الانتحار لأن دولته لم تأذن له بالمواجهة والاستشهاد.

قرار الانتحار يفجر الغضب في صفوف الجيش التركي وتخرج مجموعة من القوات الخاصة وتقدم استقالتها احتجاجاً. وكان على رأس تلك المجموعة المنشقة شقيق ذاك الضابط المنتحر الذي بعث برسالة يشرح فيها ظروف الحادث.

هنا يدخل العامل الشخصي بالقومي. وتقرر تلك المجموعة العسكرية المحترفة الانتقام من الأميركي على طريقتها الخاصة.

إلى المجموعة التركية التي تنتمي إلى قوات خاصة منشقة هناك واقعة أخرى تحصل في بلدة كردية عراقية في ليلة زفاف شاب ينتمي إلى عشيرة قاتلت قديماً مع صلاح الدين الأيوبي حين اقتحمت قوات الفرنجة قبل ألف عام ثغور بلاد الشام واحتلت القدس.

هذا الشاب الكردي قرر ليلة زفافه اهداء عروسه ذاك الخنجر الذي ورثه أباً عن جد. والخنجر كان من بقايا سلاح قديم حين تواجه المسلمون مع الفرنجة في أرض فلسطين. فالخنجر هو الرمز المتوارث عن ذكريات المجد والبطولة وكذلك يتمتع بقيمة خاصة لا تقدر بثمن. أنه سلاح الأجداد.

قرر الشاب اهداء الخنجر لعروسه التي أشرف على تربيتها شيخ صوفي على الطريقة الجيلانية. هذا الشيخ عرف عنه التقوى واحترام الإنسان. فهو دافع عن الأكراد حين تعرضوا للظلم في عهد صدام حسين، وهو أيضاً يكره القتل والغدر والنميمة ويميل إلى السلام والموادعة. فهو رجل مؤمن يثق بان للزمن دوراته وأن مخالفات قوات الاحتلال يجب وضع حد لها عن طريق الممانعة والمقاومة وليس عن طريق الخطف وقطع الرؤوس والتفظيع بالاسرى والتباهي بالبطولات أمام اشرطة الفيديو ومواقع الانترنت. البطولة عند هذا الشيخ هي البسالة والمواجهة من دون تعريض البشر للاهانة باسم الإسلام. فالإسلام لا يدعو إلى قطع الرؤوس على الشاشة ولا يشجع على الانتحار وقتل الأبرياء وانما هو دعوة إنسانية تحض على المقاومة وردع العدو وصد العدوان من دون اضطرار إلى ارتكاب المعاصي.

من هذه المشاهد تبدأ مقدمات الفيلم التركي. هناك مجموعة محترفة من القوات التركية الخاصة تمردت على أوامر القيادة وقررت الانتقام من أولئك المرتزقة الذين أهانوا جنود المخفر في السليمانية. وهناك شاب أهدى خطيبته في ليلة زفافها خنجراً موروثاً من اجداده في زمن صلاح الدين. وهناك شيخ طريقة صوفية قرر مساعدة أولئك الفقراء أو تلك المجموعات التي نزحت من مناطقها بسبب سياسات الفرز العرقية التي اتبعها الاحتلال لتفرقة المسلمين وتمزيق شمل الكردي عن التركي عن العربي. وهناك أيضاً مرتزقة يعملون في صفوف «المارينز» ولكنهم يتبعون أوامر شركات أمنية خاصة تقوم بأعمال مخالفة للقانون والإنسانية تحت شعارات دينية وتستظل قوات الاحتلال لتمرير مشروعاتها التبشيرية. وأيضاً هناك ارساليات تعليمية تتعامل مع شركات خاصة تتاجر بأعضاء البشر وتنقلها على جناح السرعة إلى المستشفيات في أوروبا و«إسرائيل».

كل هذه الصور ربطها المخرج في مشاهد تعكس تلك الكارثة التي أوقعتها الإدارة الأميركية بالشعب العراقي. وأيضاً تكشف تلك المشاهد ركام الأكاذيب التي اطلقتها وسائل الاعلام بشأن الحرب وما خلفته من تداعيات مزقت المجتمع وأسست مجموعة من الاحقاد والمآسي.

تبدأ المأساة في ليلة الزفاف. فالعريس الذي يتطلع إلى بناء أسرة بفرح وسرور تتحول ليلته إلى مجزرة يرتكبها الاحتلال ضد الضيوف. فالمارينز مع المرتزقة طوقوا مكان الزفاف وانتظروا لحظة اطلاق الرصاص ابتهاجاً بالمناسبة. فالرصاص كان ذريعة الاحتلال لاقتحام العرس بحثاً عن إرهابيين. وتحصل المشادة وتتحول إلى مذبحة يقتل خلالها العريس وعشرات الضيوف من نساء وشيوخ وأطفال.

بعد المجزرة تتأسس شخصيات جديدة. فوالد طفل قتل ابنه في تلك الحفلة يتحول إلى انتحاري يريد تفجير نفسه انتقاماً من الاحتلال. زوجة العريس المقتول قررت الانتقال إلى صفوف المقاومة حاملة معها تلك الهدية / الذكرى: خنجر صلاح الدين.

وهكذا تتلاقى الدوافع الشخصية مع المشاعر القومية مع دعوة الإسلام في سياق واحد وهو مقاومة الاحتلال ومواجهة تلك المجموعات الشريرة التي تحالفت وتآلفت وجمعت المبشرين إلى المتاجرين باعضاء البشر إلى المرتزقة الذين يعملون في شركات أمنية خاصة إلى المارينز وكمية من العملاء والجواسيس.

مقابل جبهة الاشرار هذه هناك جبهة الأخيار وهي تشكلت من المجموعة التركية الخاصة (العلمانية القومية) مضافاً اليها تلك العروس وخنجرها والشيخ المسالم الذي يدعو إلى المقاومة من دون عنف وأخيراً تلك المجموعات المتضررة من التجاوزات والاهانات أو من عمليات الطرد الجماعي التي تفتعلها قوات الاحتلال (المارينز) من مناطق النفط (كركوك تحديداً).

ويبدأ الفيلم التركي حكاياته مستخدماً الأسلوب الأميركي نموذجاً. فالشرير هو الأميركي الذي يمثل كل سيئات البشر تقابله مجموعة من العسكريين المحترفين الاتراك. وتحصل مطاردات ومواجهات تتكشف من خلال طياتها الكثير من أسرار الحرب والدوافع الحقيقية التي كانت السبب في اندلاعها. فالحرب ليست للدفاع عن حقوق الإنسان وانما للاتجار بأعضاء الإنسان. وهي أيضاً ليست من أجل حرية الإنسان العراقي وانما لأجل اهانته واذلاله كما حصل في سجن «أبوغريب». لم يوفر مخرج الفيلم قصة الا وادخلها في سياق السيناريو لتوضيح فكرته التي تقول ان أميركا احتلت بلاد الرافدين لسرقة خيراته وثرواته ولتحطيم دولته وتشريد أهله وتمزيق النسيج الاجتماعي لمجتمع مسلم يتعايش فيه العربي والكردي والتركي كبشر توافقوا على الحياة في أحياء متجاورة أو مشتركة في المدن والمناطق.

الأميركي إذاً مجرم جاء إلى العراق للتفرقة لا للتوحيد وجاء للسرقة لا للبناء والتعمير. وما يحصل في البلاد من دمار ونهب وقتل وتشريد واهانات أمر مدبر ومخطط له من مجموعات (لوبيات ومافيات) تكره الإسلام والإنسان ولا تتردد في ارتكاب الفظاعات من أجل الاتجار والبيع والشراء وليس لتلك الكلمات التي تطلقها أميركا في التصريحات والبيانات. انها معركة. والرابط من أولها إلى آخرها هو ذاك الخنجر (خنجر صلاح الدين) الذي حملته العروس في ليلة زفافها وقررت الانضمام إلى المقاومة والتعاون مع تلك المجموعة التركية التي تبحث عن ذاك المرتزق/ المبشر الذي اهان المخفر في السليمانية وخطط لمجزرة الزفاف لتأمين كمية من الاعضاء البشرية تحتاج اليها السوق الأوروبية.

يتطرق الفيلم التركي المصنوع جيداً وبتقنية عالية إلى الكثير من الموضوعات المتشابكة. الا ان الخيط الرابط كان ذاك الخنجر الذي يغرزه قائد المجموعة التركية الخاصة في قلب ذاك المبشر/ المرتزق.

نهاية الفيلم أيضاً أميركية فالمخرج تعمد ان تكون كذلك على المنوال الهوليودي. فالقتلى في غالبية المواجهات من الجانب الأميركي والمجموعات التركية التي تتحرك هنا وهناك لم يسقط منها سوى الجرحى. البطل لا يموت في السينما الأميركية كذلك في الفيلم التركي المتأمرك. فالمخرج اخذ البضاعة الأميركية وردها اليهم. العروس فقط تستشهد في المواجهة مضافاً إليها عشرات بل مئات المدنيين الذين يقتلون يومياً على يد القوات الأميركية.

الفيلم يخاطب في النهاية جمهوره التركي. وهو دعوة للناس إلى رصد المخاطر والتنبه لما يجري في محيطهم من خيانات ومؤامرات. لذلك قرر المخرج الا يغضب الجمهور وان يزرع في قلب المشاهد الاحساس بالفخر وتثوير كرامته ضد تلك الاهانة التي حصلت للمخفر التركي في السليمانية.

ويبدو ان خطة المخرج نجحت. فالفيلم حين بدأ عرضه في تركيا تدفقت الجماهير لمشاهدته وذكرت وكالات الانباء العالمية ان صور البطولات أثارت الغضب والحنق والاستعداد لمواجهة «الاميركي» حيثما وجد. فالفيلم نجح تجارياً وتقنياً وسياسياً مذكراً العالم بتلك التجربة الفاشلة حين حاول الفرنجة احتلال المنطقة فنجحوا بداية ثم انهزموا.

مخرج الفيلم أوصل رسالة واضحة من خلال استخدام ألاعيب «السينما الأميركية». فالسينما تملك قوة تأثير وتسحر المشاهد وتؤجج مشاعره وهذا ما اراد ابلاغه من خلال تذكير الاحتلال بذاك الخنجر: خنجر صلاح الدين.

الوسط البحرينية في 7 يونيو 2006

 

سينماتك

 

لن يكون الأخير من السلسلة

رجال إكس: الوقفة الأخيرة” من الضحية إلى الفاشية

محمد رضا

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك