يُعرض حالياً في الصالات المحلية، الفيلم الكندي «أميركان سولدجرز» أو «جنود أميركيون يوم في العراق» وهو من إخراج سيدني فيوري وبطولة كل من: كورتيس مورغين، مايكيل بيليسارو، فيليب باكلاند، مايكيل شالينور، بول ستورينو وتم تصوير معظم مشاهده في «أونتاريو» والجزء الآخر في العراق. تدور قصة الفيلم حول يومٍ دامٍ تعيشه سرية عسكرية أميركية بعد وقوعها في مصيدة المسلحين في العراق في شهر أبريل من عام 2004م، الذي يعتبر لغاية الآن الشهر الأكثر دموية للقوات الأميركية من حيث عدد القتلى، حين يحاصرون في منطقة زراعية، وتتم ملاحقتهم إلى أن يقتل معظمهم. وبينما تتنقل هذه السرية داخل الأراضي العراقية في محاولة لتخليص نفسها من الموت، بعد انقطاع اتصالاتها مع مقر قيادتها، يتعرض أفرادها لامتحان أخلاقي بعد اكتشافهم لصنوف مختلفة من التعذيب تمارس بحق المعتقلين العراقيين في أحد سجون الاحتلال. ـ في إشارة إلى حالات التعذيب التي تعرض لها المعتقلون في سجن أبوغريب- مما يحتم عليهم الوقوف بوجه ضباط «المخابرات الأميركية- CIA» الذين يديرون هذا المعتقل، وإنقاذ المعتقلين من التعذيب والفرار بهم بعيداً إلى قاعدتهم، وتنتهي أحداث الفيلم بنهاية ذلك اليوم الدامي. قبل الخوض في تفاصيل الفيلم الفنية والدرامية، يجدر بنا القول ان مخرج الفيلم الكندي «سيدني فيوري» متهم من قبل أوساط فنية عربية بتشويهه لصورة العرب والمسلمين، وبعد عودتنا لرصيد هذا المخرج المغمور في السينما، وجدنا بعض الإشارات إلى ذلك من خلال فيلمه التافه «النسر الحديدي- Iron Eagle» بأجزائه التي نافت على الأربعة. وتدور أحداثه حول إلقاء سلطة عربية القبض على طيار أميركي سقط على أراضيها، فيخاطر ابن الطيار بالهجوم على تلك الدولة واقتحام أجوائها كي ينقذ والده وينجح في ذلك، في مغامرة يخجل منها حتى «فان دام» أو «آرنولد» في أكثر أدوارهما سطحية وبعداً عن المنطق. وتتصاعد البطولات السخيفة لأبطال الفيلم في الجزء الثاني حينما يقومون بقصف مفاعل نووي في إحدى البلدان العربية التي تضعها أميركا في محور الشر، ونتيجة لهذه البطولات الخارقة للطبيعة لأبطال «سيدني فيوري»، ارتأت «الدولة العبرية» رعاية سلسلة أفلام «النسر الحديدي» عبر دعمها مادياً بعد وضع اسم «إسرائيل» كراعٍ رئيسي للسلسلة،. ويبدو أن «الشيكل» الإسرائيلي بات يسيل اللعاب له أكثر من «دولار» أبناء العم سام، ويبدو أيضاً أن ذلك هو ما دفع لاعب «غانا» لرفع علم الدولة العبرية في المونديال المقام حالياً في ألمانيا. نعود إلى فيلم «الجنود الأمريكان» لسيدني فيوري، ونقول انه كارثة كبرى للسينما العالمية، وضحك على الذقون من الدرجة الأولى، ولكن بعيداً عن نقد العاطفة الذي يعشش في رؤوس المثقفين العرب في قراءتهم لأعمال الغرب عبر نظرية المؤامرة، لأننا حين نقرأ هذا الفيلم نحاول . وإن كان يشق عليّ ذلك ـ أن نقرأ الفيلم بمعزل عن جروح أرض الرافدين الدامية التي يشترك الجميع في نكأها ـ لا استثني أحداً.. اقتباساً من الشاعر مظفر النوّاب ـ فنبدأ من المشاهد الأولى للفيلم الذي تظهر ساعة التوقيت فيه الساعة السادسة صباحاً بتوقيت العراق، فتنطلق عربات السرية الأميركية في منطقة قريبة من سامراء التي تقع شمالي العاصمة بغداد بحوالي 120 كلم. وتبدأ رشقات الأسلحة الخفيفة والهاون وقذائف «آر بي جي» تتهاوى على رؤوس الجنود الأميركان من المسلحين، فيحتمون في مستشفى عراقي، ثم تظهر الساعة وقد قاربت السابعة والنصف لنجد المشاهد تتنقل إلى كربلاء ـ لاحظ أن كربلاء تبعد عن بغداد حوالي 140 كلم جنوباً - أي أن المسافة بين موقع الحدث الأول «سامراء». والثاني «كربلاء» تتجاوز 300 كلم تم قطعها من قبل عربات السرية الأميركية المرتعبة بأقل من ساعة مع التوقف المستمر بسبب الهجمات لأكثر من ساعة، وهذا ما لا تستطيعه سيارة سباق من نوع «فيراري». يحتمي الجنود الأميركان في كربلاء في مركز للشرط العراقية، وتحيط بهم مجموعة من المقاتلين -الذين يبدو من مظهرهم أنهم تابعون لجيش المهدي التابع لمقتدى الصدر الذي تظهر صوره في جميع الأمكنة، حتى في سامراء وهذا من عجائب الدنيا، لأن سامراء بينها وبين مجموعة مقتدى ما صنع الحداد- فينهال هؤلاء المقاتلون بالقذائف على المركز. والأدهى من ذلك أنهم يهاجمونه بسيارة مفخخة، بل ان انتحارياً بحزام ناسف يهجم في البداية على الجنود الأميركان والشرطة العراقية مما يؤدي إلى سقوط عشرات القتلى من المدنيين العراقيين قرب مركز الشرطة. وهنا يجب أن نشير الى أن المخرج قد خلط بين أسلوب تنظيم «القاعدة» في العراق المعروف بميله إلى التفخيخ والأحزمة الناسفة الانتحارية، وبين أسلوب جيش المهدي المعروف بالمجابهة المباشرة ولم ينقل حتى في أشد لحظات الاحتدام في المعارك مع القوات الأميركية أنه استخدم أسلوب الانتحاريين. والمضحك في الأمر أن المُشاهد للفيلم -شرط أن يكون عارفاً بالشأن العراقي وجغرافيته ويعرف التنظيمات الموجودة هناك- سيصاب بالدهشة وخيبة الأمل في آن معاً، حين يرى التوافق والانضواء التام لمجاميع المسلحين تحت لواء مقتدى الصدر. حيث تظهر صوره - كما ذكرنا- في جميع أرجاء العراق، حيث تجد شكل ملابس مسلحي «القاعدة» و«جيش المهدي» و«مجاميع أنصار السنة» في المنطقة الغربية كلهم في مكان وزمان واحد، وهو العجيبة الثامنة في الدنيا. من الأخطاء المخزية في إنتاج الفيلم هي لهجة المسلحين العراقيين الشامية الواضحة، فتسمع هذا المسلح ينادي «يا زلمة» وهي مفردة شامية وفلسطينية واضحة ولا ينطق بها في العراق مطلقاً، ومفردات أخرى مثل «أيوه هيك» «اليوم نرسل الأميركان لجهنم.. بتعطيش الجيم» وغيرها من مهازل الحوار، وكأن الفيلم يتحدث عن احتلال سوريا وليس العراق، ويبدو أن مخرج الفيلم الفاشل «فيوري» لم يجد ممثلاً أو «كومابرساً» عراقياً يشارك معه في الفيلم. والأغبى من ذلك أنه لم يقم بدبلجة تلك الحوارات أو المفردات إلى اللهجة العراقية التي يعرفها القاصي والداني في العالم العربي، أما طريقة الفيلم بتنفيذ المعارك فهي تصل إلى حد الخرافة، حيث ترتطم قذيفة «آر بي جي» بعربة غير مصفحة دون أن تترك ولو «دخاناً» أو خدشاً. يظهر الفيلم المبادئ الأخلاقية الراقية التي تصل بجنود السرية الأميركية إلى حد مجابهة ضباط «CIA» لتحرير وإنقاذ المعتقلين العراقيين، وهي محاولة من المخرج لتبييض صورة القوات الأميركية التي تورطت في تعذيب سجناء أبوغريب وغيرها من التصرفات الهمجية التي قامت بها في العراق، كما يظهر الفيلم بعض اللقطات التي تتناسب مع أفلام «سوبرمان» الخيالية ولا ينقل مطلقاً ما يجري على الأرض. كما أنه يظهر الشرطة الوطنية العراقية بمظهر يشعر المشاهد العربي بعمالة هذه الشرطة للأميركان، وإن كان من كلمة تقال؛ فإن فشل هذا الفيلم ينبع من كونه استخدم مآسي الناس وجراح العراقيين كجسر لطريق النجومية، مثلما هو حال تجار الحروب الذين أنتجوا أفلامهم وقصائدهم وموسيقاهم على حساب مذابح «فلسطين» و«فيتنام» وغيرها من المناطق المنكوبة، وهي أعمال فنية يجب أن يخجل صانعوها من نواياهم التي لا تعدو أن تكون طريقاً للشهرة والثراء على حساب دماء الناس. البيان الإماراتية في 22 يونيو 2006
تطابق في تنوّع الأدوات بين المخرج سونيفيلد وروبن وليامز «آر في» .. حكاية بسيطة تلمع في سماء الكوميديا دبي ـ حسين قطايا: «آر في» عنوان اختصاري لفيلم كوميدي من إنتاج السنة الحالية، أخرجه باري سونيفيلد الذي قدّم للسينما الأميركية مجموعة صغيرة من الأعمال الكوميدية ذات نكهة مغايرة عن الاتجاه السائد، فلا يعتمد على البناء «الفودفيلي»، ولا على مفارقات «البوليفار» اللغوية على الإطلاق. وهذه ميزة أساسية لأعماله التي تتألف كوميديتها من أحداث القصة ذاتها. أي أنه يملك قدرة لتحويل الحدث النمطي إلى معقول غير مألوف، فلا يستجدي الإضحاك ولا يبالغ في تضخيم حركة الشخصيات أو الكاريكاتيرات التي يبتعد عن تحميلها مشروع العمل وحدها. فهو كما يبتعد عن هذا كله يقيم مجموعة توازنات الزمن ومدته من جهة، والمكان وحجمه من جهة أخرى. الأول يستثمره من دون بطء أو تسريع، والثاني يفككه إلى عناصر تبقى مشدودة إلى بعضها البعض لكنها تتيح أن يستخدم كل عنصر بشكل مستقل. ما ينطبق علي صيغتي المكان والزمان في أعمال سونيفيلد يتطابق مع صيغ متعددة لإدارة الممثلين الذين يعملون معه.فيخرجهم مما تعودوا أن يلعبوه من إيحاءات وحركات صارت مكرسة لديهم. فمثلاً حين أدار النجم داني ديفيتو في فيلم «غيث شورتلي» في العام 1995 شاهدنا أداءً جديداً للممثل يخرج عن القولبة والوصفات المعدة سلفاً، وإلى جانبه جين ماكمان المتنوع أصلاً في لعبه أدواراً مختلفة . والذي أضاف إلى ما عنده الكثير المخرج باري سونيفيلد. وكذلك هو هذا المخرج مع كل من عمل معه من الممثلين أمثال ويل سميث وانجليكا هوستن التي أدت دور البطولة في أول أعماله «ذا آدامز فيميلي» في العام 1991. وفي فيلمه الجديد «آر في» تعامل لأول مرة مع النجم روبن وليامز، الذي اختصر التجربة بقوله عن سونيفيلد: «هذا المخرج يبحث عما يستطيعه الممثل ولم يخرجه بعد، تمتعت كثيراً في العمل معه، وتعرفت إلى ذاتي، وإلى عالم الفن السينمائي وإمكانياته أكثر». قصة فيلم «آر في» عادية وبسيطة، حول رب أسرة يشغله عمله عن الاهتمام بزوجته وبولديه، إلى أن يقرر قضاء وقت طويل معهم، من خلال رحلة بسيارة كبيرة إلى شواطئ ميامي، لكن الأمور تتجه إلى ما عكس وجهتهم، فتارة يصلون إلى صحراء، وأخرى إلى جبال كولارادو. حيث إنه يتحايل هناك على أفراد عائلته لإنجاز بعض الأعمال والاجتماعات الخاصة، لأن يقنع مالكي شركات أن يدمجوا أعمالهم مع آخرين، وإلخ.. من حواشٍ تشكل عصباً ضرورياً لإكمال السرد والروابط الاجتماعية والاقتصادية لشخصيات الفيلم، الذين منهم رب عائلة أخرى يؤدي دوره الممثل جيف دانيلفر، يعيش متنقلاً بين المدن مع زوجته وولديه اللذين يدرسان في مدرسة منزلية تتركهما يتفوقان على من يتعلم في الأكاديميات. وعائلته أقرب إلى السذاجة بسلوكها من التخطيط الذي تتمتع به العائلة الأولي الفارة من هؤلاء مع أن ما قدموه لهم ليس فيه شيء سوى العناية والرفق والود، وعلى هذا تقوم ثلثا أحداث الفيلم حول سلوك كل عائلة. الأولى تخطط بدقة لكل شيء وتفشل، والثانية أكثر طبيعية مع قليل من الفوضى وتنجح. الفيلم مسل وليس فيه إسفاف أو مجانبات تسعى للإضحاك من دون توظيف درامي على صلة أكيدة في السياق العام. نجح كاتب القصة والسيناريو جيف رودكي برسم علاقة حيوية بين الحكاية ونسق الصورة المستوحاة بمعرفة عالية من قبل مخرج الشريط. بالطبع روبن وليامز أكد مرة أخرى من دون مواربة بأنه نجم حقيقي لا يمكن أفوله بمدى قريب. وهو الذي بدأ عمله في السينما والمسرح منذ أكثر من ربع قرن وأذهلنا في أدائه لأدوار كثيرة منها: «ذا سير فيفرز» بشخصية دونالد كينيلي في العام 1983، وفي «كلوب بارديز» بشخصية جاك مونيكر في العام 1986، وبشخصية بيتر بن في فيلم «الكابتن هووك» إلى جانب القدير داستن هوفمان في العام 1991، وفي «هاملت» بإدارة كينث براناغ. وهو حائز على أوسكار أفضل ممثل مساعد في العام 1997 عن فيلم من إخراج غاس فان سانت وشاركه البطولة فيه مات دامون، على غولدن كلوب كأرفع جائزة بعد الأوسكار لثلاث مرات. وهي «غود مورنينغ فيتنام» من إخراج باري ليفنسون في العام 1987، و«فيثر كينغ» كأفضل ممثل في العام 1991، بعدها بستة أعوام حاز على الجائزة نفسها عن فيلم «غوود ويل هانتنغ» وحاز أيضاً على الكثير من الجوائز العالمية ،يعد واحداً من أكثر الممثلين شعبية داخل الولايات المتحدة وخارجها. فأدواته التعبيرية كثيرة ومتنوعة ومختلفة، إلى حد جعلت منه شبه أيقونة في الفن السابع إلى جانب الايقونات الكبيرة مثل مارلون براندو ومن يليه نجومية. البيان الإماراتية في 22 يونيو 2006 |
<يانوسك> فيلم عن أوروبي في لبنان إيلي خليفة: فيلم متوسطي <لايت> وكوميديا موقف نديم جرجوره في عشرين يوماً، صوّر إيلي خليفة فيلمه الروائي الطويل الأول، بعنوان مؤقّت <يانوسك>. وفي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، يُنهي توليفه، ويبدأ تنفيذ العمليات الفنية المختلفة. وإذا سارت الأمور بهذه الوتيرة، فإن هناك إمكانية لإنهائه كلّياً في الخريف المقبل، علماً أن الوقت لا يزال باكراً بعض الشيء بخصوص تحديد موعد ثابت لإطلاق عروضه التجارية المحلية. لا يختلف المشروع السينمائي الجديد لإيلي خليفة عن أفلامه الروائية السابقة، من حيث توغّلها في شؤون الفرد والجماعة. مع هذا، فإن الأشكال المعتمدة في أفلامه الثلاثة القصيرة (<تاكسي سرفيس>، <مرسي ناتكس> و<فان إكسبرس>) مختلفة تماماً بعضها عن البعض الآخر، لأنه اختار لكل واحد منها أسلوباً في قراءة الواقع والمجتمع والمدينة، وطريقة في التقاط المشهد أو في تصوير اللقطة أو في تسليط الضوء على هذه المسألة أو ذاك المرء أو تلك الحكاية. هناك حسّ مرهف وواضح في فهم النبض الحيّ لهذا المجتمع، بناسه وتقلّباته وأزماته. هناك رغبة دائمة في جعل الكاميرا عيناً تراقب قبل أن تنقضّ على <فريستها> لتشريحها بهدف فهمها وإعادة صوغها في قلب الحياة اليومية. هناك سخرية مرّة، أو كوميديا مبطّنة، أو مناخ درامي. ففي أفلامه الثلاثة القصيرة، التي تشبه <نكتة> (بأسمى معانيها وجمالياتها الإنسانية) مليئة بالقهر والوجع، من دون أن تغرق في البؤس إلى حدّ البكائيات، أو أن تسرف بالندب إلى حدّ الفجيعة، يعاين المُشاهد فصولاً من يومياته المثقلة بالهمّ والألم، فإذا به يضحك على انعدام الحدّ الفاصل بين الحقيقة والوهم في <تاكسي سرفيس>، أو يسخر على نفسه من خضوعه لسطوة الإعلام المرئي في <مرسي ناتكس>، أو يقف متألماً أمام بشاعة الآنيّ المتمثّلة بالخراب الفظيع في الروح والذات والمجتمع، في <فان إكسبرس.> أمثلة عن واقع إنساني على الرغم من هذا كلّه، فإن الميزة الأولى في الأفلام الثلاثة هذه كامنة في قدرة منجزها على ابتكار أشكال مختلفة في تقديمه أمثلة عدّة عن واقع إنساني بحت. في حين أن الميزة الثانية حاضرة في جمالية التكثيف الدرامي التي اعتمدها خليفة أسلوباً بصرياً في آلية إخراجه السينمائي، شكلاً ومضموناً. أما <يانوسك>، فيروي حكاية شاب سويسري جاء بيروت محمّلاً بأفكار مسبقة عن المرأة الشرقية المثالية، فإذا به يغوص في تحوّلات المجتمع وتقلّباته وهواجس أبنائه، وذلك بأسلوب بصري يمزج الفكاهة بالواقع الاجتماعي المرير، ويصنع من اللحظات المضحكة مدخلاً جميلاً إلى ما يعتمل في أعماق هذا الواقع من ألم وبؤس. لكن الفيلم لن يكون درامياً، بل كوميدياً مسلّياً، كما قال إيلي خليفة في لقائه <السفير>، مضيفاً أن هناك <ثلاثة أفكار شغلت بالي كانت أساس فكرة هذا الفيلم: أولاً، هناك كمّ كبير من الأفلام الأوروبية تتناول العرب: المغاربة والجزائريون في فرنسا، الأتراك في ألمانيا، اللبنانيون في السويد، مثلاً. أحببت فكرة أن أقلب المسألة، فأصنع فيلماً عن أوروبي في لبنان، أكشف من خلاله مشاكله ومشاكل المجتمع اللبناني الشرقي، وأحاول أن أدخل هاتين الثقافتين بعضهما ببعض. هذا كلّه، في إطار فيلم طريف ومسلّ. ثانياً، أردت أن أنجز فيلماً نابعاً من مناخ البحر الأبيض المتوسّط، بدل أن يكون فيلماً لبنانياً فقط. أن يشبه فيلماً إيطالياً بعنوان <البحر الأبيض المتوسّط> (Maditerraneo) لغبريال سالفاتوريس مثلاً. أن يكون فيلماً كوميدياً فعلياً، له طابع متوسطي. مع هذا، لم أختر ممثلاً فرنسياً، بل ألمانياً يؤدّي دور رجل سويسري يأتي بيروت ليقيم فيها. بهذا المعنى، فإن حوارات الفيلم مكتوبة باللغتين الإنكليزية والعربية، وهذا ما يدفع بالفيلم إلى أن يكون عالمياً على مستوى اللغة أيضاً. ثالثاً، أردتُ أن أنجز فيلماً خفيفاً وسلساً على غرار <شيء ما بخصوص ماري> أو <زواج صاحبة القدم الكبيرة اليونانية>. فيلم <لايت> مضحك، شرط أن تكون الكوميديا فيه <كوميديا موقف>. هكذا تكوّنت لديّ فكرة تحقيق فيلم عن شاب سويسري يعمل في بيروت ويعاني مشاكل عدّة مع الفتيات اللواتي يلتقيهنّ. يمضي وقته من فتاة إلى أخرى، وينتقل من مغامرة إلى مغامرة ثانية. جاء إلى لبنان بحثاً عن الحبّ والمرأة الشرقية المثالية، لأنه لم يعثر على هذا الحبّ وتلك المرأة في بلده. اختار لبنان، وجاء للعمل فيه، ولكي يتعرّف على الفتاة الشرقية المرسومة في ذهنه، والتي ترمز إلى الوفاء والحب الأبدي وإلى ما هنالك من صفات نعرفها عن المرأة الشرقية تلك. ما يُضحك في الفيلم، أنه سيلتقي فتيات نقيضات لتلك الصورة، إذ إن بعضهنّ يستخدمنه ك<فشّة خلق>، خصوصاً أن كل واحدة منهنّ لديها قصّة أو مأزق أو مشكلة>. فريق عمل متجانس تعاون إيلي خليفة مع فريق عمل مؤلّف من أحد عشر شخصاً فقط، وأنهى تصوير المشروع في عشرين يوما. ويُفترض بمدّة الفيلم أن تبلغ تسعين دقيقة: <صوّرته بتقنية جديدة متطوّرة عن تقنية ، وهي ليست كاميرا كبيرة بل صغيرة. أجريت اختباراً: اخترت ثلاث دقائق من الفيلم وحوّلتها إلى نسخة 35 ملم، فكانت النتيجة جيّدة للغاية. ألكسندر مونييه اهتمّ بالجوانب التقنية كلّها، في حين أن عمليات التحميض والنفخ وما شابه ذلك ستتمّ في سويسرا>. أضاف خليفة: <كل العاملين في الفيلم قدّموا دعماً لا مثيل له، لي ولإنجاح المشروع. تخلّوا عن جزء كبير من رواتبهم. أبدوا حماسة كبيرة في العمل. لم يتردّدوا عن تصوير لقطات كانت تخطر على بالي أثناء استراحة ما، وهي غير مكتوبة في السيناريو مثلاً. والمفارقة الجميلة، أن معظم العاملين معي وجدوا أنفسهم في وظائف متفرّقة هي الأولى لهم: الممثل الرئيسي سيغفريد تربوورتن يؤدّي دوراً أول للمرّة الأولى في حياته. مديرة التصوير راشيل عون استلمت هذا المنصب للمرّة الأولى أيضاً، بعد أن عملت مساعدة ثانية في أكثر من مشروع، وأيضاً المصوّر السينمائي طلال خوري، الذي اشتغل لفترة كمساعد مصوّر (كما حصل في <باب الشمس> ليسري نصر الله، مثلاً)، وهكذا. لهذا السبب، بدا الفيلم وكأنه لنا جميعنا، وليس لي وحدي أنا فقط. عملنا كعائلة، وكل واحد من هؤلاء الشباب أعطى أقصى ما لديه من طاقة وحيوية، لأنه مقتنعٌ بضرورة أن يكون الفيلم في أفضل حالة ممكنة. كنا فريق عمل صغير ومتكامل ومهضوم>. من ناحية أخرى، اختار إيلي خليفة عدداً من الممثلين التلفزيونيين المعروفين، وآخرين جاءوا من تجارب فنية مختلفة: زينة دكّاش، يوسف فخري، آماليا أبي صالح، جورج دياب، أنطوان نادر، ختام اللحام، نيكول كاماتو، ريتا إبراهيم، ألكسندرا قهوجي، جورج قاصوف، حسين مقدم، طارق يعقوب، نبيلة عساف: <اخترت هؤلاء جميعهم لأنهم يتلاءمون والأدوار التي كتبتها. مثلاً: منى هي نفسها زينة دكّاش. والدها يشبه يوسف فخري تماماً. ثم إن الفيلم قريبٌ جداً من الواقع، لذا، ستشعر في بعض الأحيان أن ما تراه على الشاشة ليس تمثيلاً بل حقيقة. بعض هؤلاء الممثلين لا يمثّل بل يُقدّم نفسه تماماً، كما هو في حياته اليومية. مثلٌ آخر: هناك دور لمغنية شابة، على غرار أولئك المغنيات الشابات اللواتي يتكاثرن في لبنان حالياً. لم أختر ممثلة لتأدية هذا الدور، بل تعاونت مع المغنية الشابة دانا، التي قدّمت نفسها كما هي في الواقع>. أضاف إيلي خليفة: <صُوّر الفيلم في ظروف سياسية صعبة مرّ بها لبنان. وأنا ضجرت من التكرار المملّ لما يحدث فيه: قنبلة من هنا، عنف من هناك، وهي صُوَرٌ يبثّها التلفزيون الأجنبي دائماً. أردت أن يعكس فيلمي هذا الصورة المكرّرة، بأن أصوّر مدينة غارقة في التفاؤل والناس فيها <مشرقطين> أو مجانين بالمعنى الإيجابي للكلمة. لا يعني هذا أني أتغاضى كلّياً عن المشاكل الاجتماعية التي يعانيها اللبنانيون، بل على العكس من ذلك تماماً: كل واحدة من شخصيات الفيلم تعاني أزمة أو مشكلة. لكني لم أنجز فيلماً درامياً قاسياً، بل أردته كوميدياً>. وانتهى إلى القول: <جميل أن يشعر المرء بحرية كبيرة في تحقيق فيلم كما يريده هو. أي أن يكون متحرّراً من أي ضغط يأتيه من المنتج الأجنبي. ذلك أني عانيت كثيراً جرّاء ما قاله لي منتجون أجانب حول سيناريو هذا الفيلم، ومنها مثلاً أنهم لا يُصدّقون أن فتاة لبنانية يُمكنها أن تسير وحيدة في شوارع بيروت ليلاً. ردّي عليهم كان واضحاً: أنا أعرف بيئتي أكثر منكم.> السفير اللبنانية في 22 يونيو 2006
كلاكيت .. مهرجانات منتجة نديم جرجورة هل يُمكن القول إن المهرجانات السينمائية التي تُقام في بيروت باتت مهرجانات <مُنتجة>، أي إنها لم تعد تكتفي بعرض أفلام، وإقامة تظاهرات جانبية، وتنظيم ندوات؟ عشية بدء الموسم المنتظر سنوياً، على مستوى إحياء مهرجانات سينمائية متنوّعة بدءاً من آب المقبل، يُطرح هذا السؤال، على ضوء العناوين العامة التي أعلنتها إدارات هذه المهرجانات بمناسبة إقامة دورات جديدة لها. ذلك أنها أضافت همّاً جديداً على لائحة اهتماماتها، يتمثّل بالإنتاج السينمائي، وإن في مجالات مختلفة: ورشة عمل تبحث، بشكل علمي، في كيفية الحصول على التمويل اللازم لإنتاج الأفلام (أيام بيروت السينمائية)، إنتاج نسخ <دي في دي> لأفلام لبنانية (نما.. في بيروت)، عقد لقاءات مباشرة بين مخرجين لبنانيين وعرب ومنتجين أجانب (مهرجان بيروت الدولي للأفلام الوثائقية). طبعاً، لا تكتفي المهرجانات المذكورة بهذه الجوانب فقط، ولا تتغاضى عن غيرها من التفاصيل المتعلّقة بتحريك المشهد السينمائي اللبناني والعربي. لكنها (العناوين العامة) مساهمة جادّة وطموحة في منح المهرجان قوة دفع إلى الأمام، من خلال إشراكه الفعّال في عملية الإنتاج السينمائي. أضف إلى ذلك، أن <أيام بيروت السينمائية>، وبفضل التمويل الأوروبي عبر <برنامج أوروميد السمعي البصري>، تستعدّ لإطلاق واحدة من أكثر العمليات الثقافية والفنية المطلوبة في العالم العربي: تأسيس ما يشبه <بنك معلومات> على شبكة <إنترنت>، يضمّ أرشفة توثيقية مُتكاملة وخاصّة بالنتاج السينمائي العربي <من المحيط إلى الخليج>. لا شكّ في أن المهرجان السينمائي مدعو إلى لعب دور أكبر من مجرّد عرض أفلام، ودعوة سينمائيين، وتنظيم لقاءات (عابرة بمعظمها)، حتى ولو تمايز هذا المهرجان عن ذاك بتخصّصه (وثائقي، لبناني، عربي، إلخ.). ذلك أنه محتاجٌ إلى دور ثقافي واجتماعي وإنتاجي، خصوصاً أن هذا الدور قادرٌ على المساهمة الفاعلة في إنتاج صناعة ما للفيلمين اللبناني والعربي. في العام الفائت، أتاح المهرجان الوثائقي فرصة جدّية للتواصل بين مخرجين عرب شباب ومنتجين أجانب، نتج منها <تبّني> بعض المنتجين مشاريع عربية. في حين أن إدارة المهرجان نفسه عازمة على فتح الباب واسعاً في دورة هذا العام، لتفعيل التواصل وتوسيع أفقه ومنح فرص أكبر لسينمائيين أكثر. لا يختلف هذا الأمر كثيراً عن الورشة المزمع عقدها قبل بدء الدورة الرابعة (أيلول المقبل) ل<أيام بيروت السينمائية> بعنوان <الإنتاج في بلاد الجنوب>، وهي موجّهة إلى المنتجين العرب كي يتدرّبوا على كيفية تقديم الملفات اللازمة للحصول على تمويل أو إنتاج. إذاً، تمارس المهرجانات اللبنانية قليلة العدد هذه وظيفة تجمع الثقافة بالصناعة، وتمزج الفن بآليات اقتصادية وإنتاجية. تمارس، أيضاً، نوعاً من منبر لبناني وعربي مفتوح على الخبرات الدولية، على المستويين الصناعي والثقافي معاً، الذين تحتاج إليهما السينما اللبنانية والعربية. فهل <تنجح> المهرجانات المحلية في مهمّتها الجديدة هذه؟ السفير اللبنانية في 22 يونيو 2006
|
«القاعدة » تحت إمرة «جيش المهدي» وغباء جغرافي من العيار الثقيل «جنود أميركيون» مهزلة سينمائية تشوه صورة العرب والمسلمين أبوظبي ـ محمد الأنصاري: |