فـي زاوية صغيرة من معرض للكتاب نظم مؤخرا فـي دولة قطر التقيت بالسيناريست المصري الكاتب محفوظ عبدالرحمن، كان يحمل فـي يديه كتابا، وفـي الآن واللحظة بادرته بقولي وأنا أصافحه: هل للكاتب محفوظ سيرة ذاتية مطبوعة أخرج بها من هذا المعرض؟.. فأجاب: لم أكتب سيرتي بعد، ولو كانت لدي لأهديتك إياها.

محفوظ عبدالرحمن أحد الكتاب البارزين فـي الساحة العربية، برز فـي كتابة السيناريو لأكثر من مسلسل وفيلم، وهو الذي عرفنا على أسرار (بوابة الحلواني)، وعشنا معه فـي (ليلة سقوط غرناطة)، وتعرفنا على أم كلثوم فـي مشوارها الفني، وتابعنا الوهج الناصري فـي فيلم (ناصر 56)، وأخيرا فيلم (الرحلة الأخيرة) الذي تناول فيه حياة العندليب عبدالحليم حافظ، وكانت تجربة الكاتب محفوظ فيه مريرة جدا، حيث ينتهي الفيلم بالموت، للمثل أحمد زكي الذي لعب فيه دور البطولة وقبل ذلك للعندليب الذي يحكي الفيلم مشاور حياته الفنية الحافلة بالغناء، كانت نهاية تدر الدمع، وحين حاورت محفوظ عن هذا الفيلم بدا عليه الوجوم والضيق، وقال بصراحة لافتة: الفيلم (مش عاجبني)، ولا أنتظر عرضه، فقد كان أحمد زكي ـ بطل الفيلم ـ مريضا يعالج المَوت، لذلك لم يُمثل منه إلا القليل، وأحسب أنه لم يصل العُشْر من جملة العمل الذي كتبته).

وإلى تفاصيل الحوار الخاص لشرفات.

·         أين يلتقي كاتب الرواية مع كاتب الدراما؟.. أعني هل يمكن أن نعد كاتب الدراما التلفزيونية أو كاتب الأفلام روائيا؟..

 سؤالك يشير إلى العلاقة الأدبية والحوار المشترك بين كاتب الرواية كجنس أدبي وبين كاتب الدراما كعمل فني.. كلانا نشتغل فـي عمل واحد، وكلانا مسكون بذات الهاجس، أنا أكتب رواية، ولكن لا تقرأها بعينيك بين دفتي كتاب مطبوع، ولا فـي صفحات، روايتي من النوع المسموع، أنا وكل المشتغلين بكتابة السيناريوهات، وكتاب المسلسلات والأفلام جميعنا يكتب رواية مسموعة، تنصت لها الآذان، رواية يقرأها الممثل أمامك فـي خشبة المسرح، أو تتابعها على شاشة التلفزيون، أو فـي دار سينما، كلنا كتاب، يسكننا ذات الهم، ونسبر أغوار ذات الفكرة، ونغوص فـي أعماق النفس الإنسانية، ولدي قناعة بأن كتابة السيناريو لا تقل إجهادا عن كتابة الرواية، كما لا تقل إبداعا أيضا، لأنني أرسم شخصيات وأنفث فيها روح الحياة، أدعها تتكلم، وتنطق، وتنفعل، كما هو الحال فـي الكتابة الروائية، وهذه قناعة شخصية تعود إلى فلسفتي فـي الكتابة، واتخاذي هذا الشكل من الأشكال الأدبية التي يعرفني بها المتابع لأعمالي.

·         هل كتبت رواية من قبل؟.

نعم كتبت القصة والرواية، فـي بداية حياتي الأدبية نشرت مجموعة قصصية بعنوان: (البحث عن مجهول) وروايتين: (أربعة فصول شتاء، واليوم الثامن)، وبعد ذلك وجدت نفسي تنزع لكتابة السيناريو، حيث أشعر بمتعة كبيرة وأنا أستفيض فـي كتابة السيناريو.

بوابة الحلواني

·     مسلسل (بوابة الحلواني) أحد المسلسلات التي اشتهرت بها مؤخرا، وقد تابعناه فـي أكثر من 90 حلقة تلفزيونية.. حدثني عن تجربتك الثرية فـي كتابة مسلسلات طويلة كهذا المسلسل؟.

بوابة الحلواني من بين المسلسلات الطويلة، لقد أسهبت فيه كثيرا، وهو مسلسل فيه الرؤية التاريخية الممزوجة بالروح الروائية، نعم لدي القدرة على كتابة مسلسل طويل، وهذه واحدة من ميزات كتابة السيناريو، هو أن يسمح لك بالسباحة فـي روح الشخصيات، تتبادل معها حديثا عذبا وشيقا، وهذا ما لم تسمح به الرواية المحدودة الفصول والصفحات، وأحسب أنه لو تمت طباعة مثل هذا المسلسل لاحتاج الأمر إلى مجلدات متعددة.. ولا وقت لقراءة المسلسل الطويل، لأنه مصنوع لإنصات والاستماع وليس للقراءة البصرية.

·         بوابة الحلواني يقودني للحديث عن المكان، هل تشعر نحوه بحنين؟

لعلي أكون الوحيد من بين الكتاب الذين لا يرتبطون بعلاقة حميمية مع المكان، المكان لا يعني لي شيئا، بعكس الزمان الذي يعني لي الكثير، ومنذ طفولتي لم ارتبط بالمكان ارتباطا حميميا، لذلك لا يوجد فـي حياتي بيت قديم، أو بيت الطفولة، ولم تكن بوابة الحلواني تخليدا لذكرى مكان، إنما تؤرخ لمرحلة عاشتها مصر فـي تلك الفترة، فكانت بوابة الحلواني مجرد إشارة إلى اسم مكان فـي مصر، ومنه عبرت إلى الزمان الذي تحدثت عنه فـي المسلسل.

·         هل تعد كتابة السيناريو عملا صعبا؟

نعم.. وفيها من المشقة الكثير، لكني اعتدت أن أكتب بأناة، ولا أعود لصياغة مادتي المكتوبة، لأني حينها لن أنتهي، اعتدت أن لا أكتب إلا بعد أن أمنح الكتابة شيئا من إحساسي ومشاعري، لذلك فكتابة السيناريو عمل صعب كأي عمل إبداعي، وما لم يكتب الكاتب بإحساس فإنه لن يجد لكتابته أي تأثير.

سيناريوهات نجيب

·     نجيب محفوظ له تجربة فـي كتابة السيناريو بعد أن انتهى من كتابة الثلاثية، ولم يكتب أي عمل روائي، وخلال تلك الفترة كتب العديد من السيناريوهات.. كيف توفق بين مقولتك أن كتابة السيناريو عمل صعب، وبين كتابة نجيب محفوظ للسيناريو فـي تلك الفترة التي تليت كتابة الثلاثية، والموصوفة بالهدوء؟

بالنسبة لنجيب محفوظ هي حالة هدوء من الكتابة الروائية، فقد استنفد طاقته الإبداعية فـي كتابة الثلاثية التي تعد من بين الأعمال المهمة فـي تاريخ الرواية العربية، ووجد نفسه يكتب سيناريوهات، وهو عمل مختلف، الأمر الآخر أن كتابة محفوظ للسيناريو لا يمكن تصنيفها من الأعمال الإبداعية فـي مسيرته الأدبية، نعم هو كاتب كبير فـي الرواية، لكنه فـي كتابة السيناريو ليس كاتبا كبيرا، وهذا لا يمس من قدر الروائي الذي منح جائزة نوبل عن جدارة، ويستحق كل التقدير.

الرحلة الأخيرة

·     فيلم عبدالحليم حافظ (الرحلة الأخيرة) الذي جسده أحمد زكي، كان ختامه موت، هو رحلة أخيرة لكلا الفنانين (عبدالحليم وأحمد زكي).. ماذا يمثل لك هذا العمل؟

سأصدقك القول أني لست (مبسوطا) من هذا العمل، لقد كتبته تحت تأثير إلحاح الفنان أحمد زكي، كان صديقا عزيزا، وكانت تراوده فكرة أن يختتم حياته الفنية بفيلم عن العندليب الأسمر، تجسد رحلته الأخيرة إلى لندن التي انتهت بموته، فـي الحقيقة لست راضيا عن هذا الفيلم، لأن أحمد زكي لم يمثل منه حتى العُشر، وفـي العمل المكتوب مشاهد مهمة لا يمكن اختصارها، وهو ما لم يستطع أحمد زكي تمثيله، لهذا لست راضيا عن الفيلم.

·     كتبت عن (عبدالحليم حافظ)، وقبل ذلك عن (أم كلثوم).. هل تشعر بحميمية مع من تكتب عنهم؟.. هل كانت تجمعك صداقات قديمة مع هؤلاء الفنانين؟

لا ليست لي علاقة معهم، لقد التقيت بعبدالحليم حافظ فـي أكثر من مناسبة، لكنه لم تكن تجمعني به أية صداقة، ولا حتى اتصالات هاتفية، كما لم تجمعني بأم كلثوم، وأنا فـي كتابتي لمثل هذه الأعمال لا أغترف من معين الصداقة أي شيء، إنما من قراءتي لما كتب عنهما، وقد توفرت لدي مادة كثيرة عن الراحل عبدالحليم، ولدي الاستطاعة أن أكتب الكثير عنه، ومعروف عن حياة العندليب أنها أشبه بكتاب مفتوح الصفحات.

محفوظ عبدالرحمن.. سيرة أدبية وفنية

خريج كلية الآداب قسم التاريخ 1960عمل فـي الصحافة منذ أن كان طالبًا، وعمل فـي دار الهلال، وفـي مجالات السينما والمسرح، بدأ حياته الأدبية فـي مطلع الخمسينات بكتابة القصة القصيرة والنقد الأدبي، كتب مجموعتين قصصيتين هما (البحث عن المجهول)، و(أربعة فصول شتاء)، ثم رواية (اليوم الثامن) ثم كتب الدراما التاريخية والنصوص المسرحية، فكتب أول مسلسل تاريخي عن (سليمان الحلبي) عام 1975م، ثم تلاه فـي العام التالي مسلسل عن (عنترة)، وفـي عام 1981م كتب (ليلة سقوط غرناطة)، ويتناول فـي هذا المسلسل الليلة الأخيرة فـي حياة غرناطة قبل سقوطها وتسليمها إلي يد الاسبان، ثم كتب مسلسل (لحم يحترق) ويصف فيه مواجهة العالم العربي للحلف الافرنجي المغولي، ثم كتب مسلسلاته الشهيرة (بوابة الحلواني)، ومسلسل (أم كلثوم) فـي سبع وعشرين حلقة، كما كتب سيناريوهات لعدد من الأفلام مثل (القادسية)، و(ناصر 56)، و(الرحلة الأخيرة).

جريدة عُمان في 14 يونيو 2006

 

صفحات من فيلم "غير صالح"

بقلم : عدي رشيد 

لم تكن رحلة سهلة مع الفيلم , لا الفكرة ولا مراحل الانجاز , كانت أشبه بمخاض شرس, مساحة لمعترك الروح داخل التقنية وبالعكس , ان نصنع فيلماً وفي بغداد وبعد الحرب مباشرة , كنت لحظة أشبه بإعلان جنون, وتسأل الاخرين بأن يتبعوك الى ذروة العقل, ولما لهذه التجربة من محطات أعتقدها مهمة لي شخصياً ولمتتبعي حال السينما العراقية فأني أفتح دفتر يومياتي العتيق, المليء بسخام الحرب وأحاول بث الحياة في ذاكرة حاولنا أن نترجمها سينما

عين الرائي ::::: عن زياد تركي

أن تنتقل ـ تنفيذياً ـ من منهج الكادر الواحد" الفوتوغراف" الى منهج الـ 24 كادر في الثانية " السينما" , وبدون أن تمر عبر الطريق المرسوم سلفاً : وهو أن تقضي سنوات مساعداً لمصور سينمائي ومن ثم سنوات مصوراً سينمائياً, وعندما تشيخ كفاية فتستطيع أن تتحمل مسؤولية لقب " مدير تصوير ", بدون كل هذا وامام هكذا لحظة إنطلاق, بدونا مجانيين, لنقل بدا زياد مجنوناً, حقيقة الامر لم يكن. حيث أنه لم ينتقل من لحظة الفوتوغراف الى اللحظة السينمائية, لقد كان يمارس فوتوغراف في مساحة العين السينمائية , لنقل .. عين الرائي لم يكن زياد تركي( مدير تصوير ومصور الفيلم ) قريباً منا في فترة التسعينات , أو لنقل, بأن يومه كان مزحوماً بتفاصيل أكثر قسوة من تفاصيلنا, كان المعيل لعائلة مكونة من أربعة أطفال وزوجة, في زمن, كان الحصار يأكل أطفالنا بالجملة. لذا فأنه أختار الانزواء في غرفة مظلمة في شقة صغيرة لبناية تطل على حديقة الامة في قلب بغداد, حيث كان يحطم النهار دون أن تلامس وجهه شمس بغداد, وينغمس في طبع وتكبير صوراً فوتوغرافية, وبالمئات في اليوم الواحد.لم يكن هذا العمل مرضياً له , لكنه كان مساراً مهنياً واضحاً لتأمين أيجار المنزل وحاجات العائلة اليومية. أحياناً كان وجهه يبدو خالياً من الدم بسبب أبتعاده عن الشمس ولفترات طويلة, كان كمن يغرق لكن بأعين متسعة, لا خيار. مرات كان يهرب من هذه الحفرة المظلمة حاملاً كاميرته " البنتاكس" ليتجول في الشوارع يصور كما المهووس, ليعود لاهثاً للحجرة المظلمة. تعرفنا على بعض في أواخر السنة 1998, حوارت سريعة ومكثفة عن الصورة والسينما والخامة السينمائية المعلقة لأحلام كثيرة, بين الحين والاخر كنت أشاهد بعض تجاربه الفوتوغرافية, لم أشاهد في حياتي عين قد فهمت قيمة الضوء مثلما يفعل زياد في تجاربه, لكنه , شخصياً: بدا لي أخلاقياً أكثر مما ينبغي للفنان أن يكون عليه, كنت حذراً جداً في إطراءه رغم أعجابي الذي يصل حد الهوسّ, أنه يكبرني بتسعة أعوام, وأحياناً كنا نحتسي الشاي في مقهي سميراميس, وسط بغداد , وأنا أراقب نظرة منه تحاول أن تختفي خلف نظارته الطبية , كانت النظرة تعلن جملة واضحة : أهدأ.. ستعلمك الايام أنه أبن شرعي لرعب حرب الثمانينات, الهلع الذي مر به فترة خدمته للعسكرية واضح في بعض إستجاباته العصبية لبعض من أفكارنا العدميّة, كان يبحث عن المعنى بينما كنت أنا, أبحث عن القدرة على إثارة المعنى1

في هذه الفترة تحديداً بدأ أهم أصدقائي بالسفر.. بدأها الشاعر أحمد كاضم والشاعر معتز رشدي .. ليلحق بهم فقيدنا الشاعر نور.. الذي قتل في مدينة وان التركية من قبل الجندرمة الاتراك). كانت الطامة الاكبر عندما قرر صديقي السينمائي حسن بلاسم السفر على نفس طريق نور... وقد سافر في يوم لم أكن أستطيع فيه لم شتات الفكرة.. لم يبقى سوى سمر قحطان وباسم الحجار وباسم حمد.. وانا. عندها بدأت علاقتي بـ زياد تتكثف... أزوره دون أن أقاطع عمله لنتسلل الى المقهى.. نحتسي شايا والم السينما.. في ليلة من هذه الليال طرح زياد فكرة أن نصور فيلماً بالابيض والاسود, ضحكت من الفكرة, لكنه عندما أستمر بشرح التفاصيل بدات لي عرساً كان يصل العراق وقتذاك لفات شريط نيجاتف قياس 35 ملم أبيض وأسود, وبطول( 1000 ) قدم للفة الواحدة ليستلمه التجار ويقطعوه ومن ثم يلفوّه في بكرات الفوتوغراف 36 كادر للبكرة الواحدة. كانت الفكرة أن نشتري هذه اللفات قبل التقطيع ونضعها بالكاميرا السينمائية, نصور ومن ثم يقوم بالتحميض بيده وبمعمله الصغير. مباشرة بدأت بالتأثيث للسيناريو والفكرة... كان الشكل هو شغلي الشاغل, لكن المشروع أجهض بسبب عدم قدرتنا على الحصول على كمية الفيلم الموجب لطبع الفيلم, ومن المستحيل وضع النيجتف داخل ماكنة المونتاج لأنه سيتلف في أول تشغيلة
قتلت الفكرة .. كما الكثير من الافكار... وإنصرف زياد لعمله ودراسته المسائية في كلية الفنون. أحيانا كان زياد يمدني بقصاصات لقصص قصيرة جداً, أقرئها , لم أهتم لقيمتها الادبية , لكنها بشكل من الاشكال كانت بنى للقطات سينمائية مكتملة بذاتها يصور فوتوغراف , يعالج الضوء بمحبة وبمودة وبتحدّ, ينجح كثيراً, وما كان يصفه من تجارب فاشلة, كانت بالنسبة لي قراءة دقيقة للواقع الانساني والضوئي للمدينة بعد الحرب الاخيرة.. كان زياد مصدوماً كما أنا, هل يفرح بسقوط الطاغية؟ هل يحزن بمنظر العم سام وهو يجوب شوارع مدينتا بزيه الكاكي الذي يختفي أسفل معدات شاهدناها في العاب الفديو وأفلام شورزنايغر؟ كيف نمزج الفرح بالحزن بالغضب؟ كنا ندرك ضرورة أرشفة كل هذا, لكن ليس بطريقة ما نشاهده من وسائل أرشفة جراحنا من على شاشات التلفاز, كنا نبحث عن شكل مغاير , شكل يشبهنا, لا يشبه رغباتهم. أقتحم زياد كل شيء وفتح علبة من علب الخام الذي توقفت " كوداك " عن إنتاجه منذ السنة 1982 أقتطع في غرفة مظلمة جزء من الشريط ولفه في كاميرته الفوتوغرافية, وأخذ يصور بدقة , مدرج لوني دقيق, ثم صور لوحة لثلاث درجات لونية الأبيض الصريح والأسود الصريح والرمادي الممزوج بنسبة متساوية من الابيض والاسود. وذهب ليحمض الفيلم .. أقل من ساعة ونصف عاد ليقول بفرح المنتصر : روح أكتب.. نقدر نصور على هاي الخامة. كان وبحق عين مدربة كما صقر, ولا مبالغة في الوصف, ومن شاهد الفيلم سيقول لي أنت على حق! ببراعة , أستطاع العمل على كل الوحدات الحسية والحسابية. الكاميرا السينمائية التي أستعملناها كانت من أريفلكس بي ألـ 3, وهي كاميرا قديمة نسبياً, فتحها زياد ومارس عليها كل طقوس المحبة والاحترام , ومن ثم العدسات , كانت من نوع كارل سايز, لم يستعملها أحد منذ ما يقارب الـ 20 سنة . كل من العدسات والكاميرا هي من ممتلكات شركة بابل للإنتاج السينمائي مساعدو زياد كانوا فتية , فادي فاضل بعمر 21 سنة طالب هندسة لكنه مهتم جداً بالكرافيك ـ كومبيوتر . والمساعد الثاني مهند رشيد 19 سنة , طالب متمرد في معهد الفنون الجمية قسم المسرح ـ طرد الان من المعهد ـ وهو أحد الشباب الذين داهموا المسرح العراقي بقيمة الجسد. كلا المساعدين لا يمتلكان أي خبرة , الحماسة والايمان بالمشروع , وبالرغم من أن كل من المساعدين لم يحبا بعضهم البعض .... أبداً . الا أن زياد نجح في السيطرة عليهما مهنياً. فادي تولى البحث عن موقع شركة كوداك في الشبكة العنكبوتية , وحصل على عنوان بيتر بويس وهوالشخص المسؤول عن مبيعات كوداك في الشرق الاوسط , كتبت له رسالة , تفاعل معنا الرجل ’, الى درجة أنه أقنع كوداك بان تحمض لنا الفيلم مجاناً , وضع زياد أول 400 قدم في الكاميرا, وصور أول تجربة نهارية, أرسلناها الى كوداك ـ بيروت , وجاءت النتائج على ضوء مخططاته لإنتاج الصورة, ثم ألحق هذه التجربة , بتجربة ليلة ـ داخلية أخرى , كان يجرب كل شيء , وفادي ومهند يعملان تحت أشرافه وكأنهما قد قضيا سنوات في هذا العمل الدقيق, وفي أول يوم تصوير.

7 نوفمبر 2003, لم يستعمل زياد أي مصباح, كان يردد لدينا شمسنا : ذهب ! عاكستين بسيطتين وفتحة تعريض مناسبة .. وثقة بالنفس .. بدت لي حينها غريبة! اللقطة الاولى كانت ترافللج طويل نسبياً, أننا نتابع حركة جندي عراقي مصاب. عندما جلس زياد على العربة لأجراء بروفات الحركة, أعطى إحساساً لكل الموجودين بانه الرجل المناسب في المكان المناسب, شخصياً, أعطاني أحساساً شاملاً بالثقة , بدا وكأنه قد قضى نصف حياته محتضناً لهذه الكاميرا العتيقة.

موقع القصة العراقية في 14 يونيو 2006

هوليوود مشغولة بدراسة أمزجة الشعوب لتقطف المليارات

السينما الذكية تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد

واشنطن: محمد علي صالح  

قال نيكولاس مايار، مدير شركة «ليونغيت» لتوزيع الأفلام الأميركية، بعد عودته من مهرجان الافلام في «كان» هذه السنة، ان النشاط الحقيقي هناك لم يكن في ما عرض بقاعات «قصر الأفلام»، ولا بمرور الممثلين والممثلات على «السجادة الحمراء»، وإنما هو «سوق تحت الارض» (وهو بالفعل تحت الأرض بالقرب من «قصر الافلام») شهد النشاط الحقيقي. حيث باعت شركات إنتاج الأفلام الاميركية أفلاما بمئات الملايين من الدولارات لتعرض في دول أجنبية. وأضاف مايار: «كنا في الماضي ننتج الأفلام للمشاهد الاميركي، ولا نهتم كثيرا بتصديرها الى الخارج، لكن الدول الاجنبية اصبحت الآن اهم زبون لنا».

وأوضحت احصائيات ان دخل دور السينما في اميركا السنة الماضية كان 9 مليارات دولار، في ما وصل مدخول السينما الأميركية من الخارج إلى 12 مليار دولار. وبالتالي فإن 80 في المائة من مدخول السينما في العالم حققتها افلام اميركية.

حقق فيلم «ميشن امبوسيبل الثالث» (المهمة المستحيلة) اكبر دخل في تايوان خلال الشهر الماضي، رغم قوة السينما التايوانية باللغة الصينية، ورغم ان التايوانيين لا يرتاحون للاميركيين ارتياحا كاملا. (أوضح استفتاء مركز «بيو» في واشنطن السنة الماضية، ان 60 في المائة من التايوانيين ينظرون نظرة إيجابية نحو اميركا). وحقق فيلم «أيس ايدج» (عصر الجليد) اكبر دخل في بولندا الشهر الماضي، رغم قوة السينما البولندية (ينظر 62 في المائة من البولنديين نظرة ايجابية نحو اميركا).

حتى في فرنسا، حيث ينظر اقل من نصف الفرنسيين نظرة ايجابية نحو اميركا، حقق فيلم «آر في» (المنزل المتحرك) اكبر دخل خلال الشهر الماضي. وزادت وسط الفرنسيين شهرة بطله، الممثل روبن وليامز، بالاضافة الى بطلهم الاميركي الفكاهي المفضل جيري لويس.

 دعاية وتجارة

عرف الاميركيون، وخاصة شركات انتاج وتوزيع الافلام، منذ سنوات كثيرة، ان الافلام الاميركية محبوبة في الخارج، لكنهم لم يقدروا أبعاد ذلك، وآثاره. وظهر أخيرا عاملان جديدان:

الأول، فتح هجوم 11 سبتمبر (ايلول) عيون الاميركيين ليس فقط على الشعوب العربية والاسلامية، ولكن ايضا على بقية العالم. بدأوا يعرفون ويدرسون أبعاد أدوارهم العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

ثانيا، زاد الإقبال خارج أميركا على الافلام الاميركية، بسبب زيادة قنوات التلفزيون الفضائية، واستعمال الإنترنت، وبناء دور عرض جديدة.

وبدأت شركات الأفلام تدرس أبعاد هذا السوق قبل أن تنتج الفيلم. وذلك لأن متوسط تكلفة الفيلم الواحد هي مائة مليون دولار، ولهذا فإن كل شركة تخطط لاحتمالات الربح والخسارة اعتمادا على توقعات دخل الفيلم. وعندما وجدت هذه الشركات ان افلاما مثل «هاري بوترز» و«ستار وور» (حروب النجوم)، و«توي ستوري» (قصة لعبة)، حققت مداخيل اعلى خارج اميركا من مداخيلها في الداخل، تأكدت بأنها أمام «انقلاب عالمي».

 كتب بيتر بارت، رئيس تحرير مجلة «فارايتي» التي تهتم بأخبار الفن، ان فيلم «تايتنك» كان شرارة ذلك الانقلاب، أو ما سماه «قرن الأفلام العالمية». ظهر الفيلم قبل تسع سنوات، ونال عشرة جوائز «اوسكار»، وزاد دخله عن مليار دولار (خارج اميركا فقط). وصرخ جيمس كاميرون، مخرجه: «أنا ملك العالم». ولهذا كتب بارت بأن «الشركات التي أنتجت أفلاما مثل «كينغ كونغ» و«سبايدرمان» (الرجل العنكبوت) صرفت عليها كثيرا لأنها أجرت دراسات استباقية اوضحت ان الناس خارج اميركا سيقبلون عليها».

واشتهر ممثلون مثل توم كروز، وبراد بيت، وليوناردو دي كابريو. واشتهرت ممثلات مثل انجيلينا جولي وجوليا روبرتس. واعتقدت، في البداية، شركات الافلام ان الشعوب الاخرى لا تحب الممثلين الاميركيين السود، لكنها فوجئت بأن دينزل واشنطن، وويل سميث عندهما شعبية كبيرة. ولهذا بدأت تكثر من تقديم أدوار رئيسية لهما (لكنها تحرص على ألا تقدمهم في أدوار مجرمين، بسبب الانطباع العام بأن السود مجرمون، ولهذا تقدمهم في أدوار فكاهيين أو محققين لا يستعملون المسدسات كثيرا).

 أوضحت إحصائيات عن شعبية الافلام الاميركية في الخارج، بأن العرب يفضلون تلك التي تصور الحياة الاميركية العصرية، مع قصة خفيفة أو طريفة، مثل «ويدنغ كراشر» (مهاجم حفلات الخطوبة)، و«غيت رتش» (اصبح غنيا)، «فورتي يير فيرجن» (الرجل العذراء). وان العرب، لهذا، لا يفضلون الافلام الاميركية عن شعوب العالم الثالث، مثل «اوتيل رواندا» (عن مذبحة رواندا)، و«كونستانت غاردنر» (عن مساعدة الافارقة).

لم تجر دراسة عن إقبال العرب على النوع الجديد من الافلام الاميركية: الذي يتحدث عنهم، وخاصة بعد بداية حرب الارهاب وحرب العراق، مثل «سريانا» (عن مؤامرة لوكالة الاستخبارات الاميركية في دولة بترولية)، و«إسلاميك كوميدي» (عن نشر الفكاهة الاميركية وسط المسلمين لكسبهم الى جانب اميركا).

ويفضل الالمان الافلام الاميركية التي تكثر من الجنس، مثل «اميركان باي» (عن علاقة رجل كبير بفتاة شابة). ويفضل الاسبان افلام الرعب، مثل «فرايدي نايت ماساكير» (مذبحة ليلة الجمعة). ويفضل الكوريون الجنوبيون الافلام العلمية، مثل «ايلاند» (عن الاستنساخ) الذي در 22 مليون دولار هناك، مقابل 35 مليون دولار في كل اميركا.

توضح هذه التقسيمات، تفضيل كل شعب لنوع معين من الافلام، لكنها لا تقدم تفسيرات لذلك. لا يمكن القول بأن الاسبان أكثر عنفا من غيرهم لأنهم يفضلون أفلام العنف. هذا بالإضافة الى ان نجاح فيلم «ايلاند» (الاستنساخ) في كوريا الجنوبية لا يدل على ان الكوريين اكثر حبا للاختراعات العلمية من غيرهم، وذلك لأن عرض الفيلم بدأ خلال فضيحة عالم كوري قال انه استنسخ انسانا، ثم تأكد بأنه كاذب. لكن هناك اتفاقا عاما على ثلاث نقاط:

أولا، تلقى الأفلام الاميركية إقبالا متزايدا وسط غير الاميركيين.

ثانيا، تلقى الافلام الاميركية عن مواضيع غير اميركية إقبالا متزايدا وسط الاميركيين.

ثانيا، تؤثر كل الافلام على الذين يشاهدونها، بطريقة أو أخرى.  

وحول هذه النقاط، ألف رتشارد بيلز، أستاذ تاريخ في جامعة تكساس، كتاب «من الحداثة الى الافلام: عولمة الثقافة الاميركية». ورأيه كما يدل اسم الكتاب، هو ان تأثير الافلام الاميركية على شعوب العالم الاخرى هو أمر جيد للحداثة الاميركية، لكنه يعود ويقول ان الحداثة الاميركية عكست الانفتاح بين أميركا والعالم بنوعيه:

الأول، عكست إقبال العالم على الاشياء الاميركية.

الثاني، عكست تأثير العالم على هذه الاشياء الاميركية.

وبدأ بيلز دراسة حول تأثير الحداثة الاوروبية على أميركا مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وقال ان «اساس ثقافة الترفيه العالمية، ممثلة في الافلام السينمائية، ليست فقط كاوبوي وهنود حمر، ولكن فنون وآداب اوروبا الحديثة، ثم فنون وآداب غير اوروبا».

وضرب لذلك مثالين:

الأول، جعلت «الدادائية» الاوروبية (ثقافة التمرد في عصر الاحباط) الاميركيين يتمردون على تقسيمات مجتمعهم الكلاسيكية.

الثاني، جعل «الجاز» الاميركيين يميلون نحو الرقص والغناء، واضاف لونا افريقيا حتى قبل مظاهرات الحقوق المدنية.

وقال بيلز ان هذين العاملين أضافا الى الثقافة الاميركية «فوضى» و«مرحا» انعكسا على الافلام، وساعدا على انتشارها خارج اميركا. وسأل: «هل كانت ستنجح الافلام الاميركية لو كانت كلها عن حياة الارستقراطيين؟».

فوضى ومرح واحتمالات مفتوحة

أوضح استفتاء نشر أخيرا، ان الشعوب غير الاميركية تقبل على الافلام الاميركية لأسباب منها: مرحها، وبساطتها، وعفويتها، وإبداعها، وحريتها.

وتحدث الذين ركزوا على النقطة الاخيرة، «الحرية»، عن ظاهرة «الاميركي الفوضوي»، حيث تبين هذه الافلام ان الاميركي يمكن ان يفعل اي شيء، خيرا او شرا، محترما او فاضحا. وتحدث الذين ركزوا على النقطة الاولى، المرح، عن ظاهرة «الاميركي السعيد» الذي يبدو بدون مشاكل، ويكثر من الغناء، او الاستماع الى الغناء (مثل منظر الممثل العريق جين كيلي في فيلم «سنغنغ ان ذا رين» (يغني تحت المطر).

وأوضح الاستفتاء ان غير الاميركيين لا يضعون اعتبارا للمواضيع السياسية عندما يشاهدون الافلام الاميركية أو عندما يسألون عنها، وذلك لأنهم، ربما مثل شعوب كثيرة، يقدرون على التفريق بين الجد والمرح، وبين السياسة والفن.

ويبدو ان هذا يشبه قدرة هذه الشعوب على ان تفرق بين السياسة والرياضة. ولهذا، كما ان الرياضة (مثل منافسات كأس العالم الحالية في المانيا) تقرب بين الشعوب وتساعد على حل المشاكل بينهم، ربما تقدر الافلام الاميركية على ذلك.

وقال بيلز، ان الافلام الاميركية ما كانت ستقدر على تحقيق هذا النجاح لولا النظام الرأسمالي، وأضاف بأن «قوة الرأسمالية الاميركية، وقدرة شركات الافلام العملاقة على احتكار إنتاج وتوزيع أفلامها ـ بدون وسيط حكومي أو خارجي ـ جعلتها قادرة على الابداع، ليس فقط في الانتاج، ولكن، ايضا، في التوزيع» داخليا وخارجيا.

وأضاف بيلز عاملا آخر، هو «قوة اللغة الانجليزية كلغة تخاطب وتواصل عالمية». وعاب على اللغات الالمانية والروسية والصينية «تعقيدات قواعدها وطريقة كتابتها».

ثم عاد الى نقطته الرئيسية، وهي أن اميركا صورة مصغرة للعالم، تتأثر به وتؤثر عليه. ولهذا فإن الأفلام الاميركية تعرض أميركا أمام العالم، وتعرض العالم أمام أميركا (أي أنها تعرض العالم أمام العالم). وربط بيلز بين الرأسمالية والأعراق. وقال ان شركات الافلام الاميركية سألت نفسها يوما (ربما قبل ثلاثة ارباع قرن): «لماذا لا ننتج افلاما يشاهدها السود ايضا، وتزيد ارباحنا؟». وهكذا بدأت هوليوود تختار ممثلين سودا (حتى خلال سنوات التفرقة العنصرية). ثم انتقل الإقبال داخل اميركا الى إقبال خارجها، مثلما اشتهر أخيرا في نيجيريا وكينيا الممثل دون شيدلي، بطل فيلم «فندق رواندا» (لأنه افريقي والفيلم عن افريقيا).

وسألت هوليوود نفس السؤال، خلال العشر سنوات الماضية، مع زيادة عدد المهاجرين اللاتينيين: «لماذا لا ننتج افلاما يشاهدها اللاتينيون ايضا، وتزيد ارباحنا؟»، ولهذا ظهرت أفلام مثل «مانهاتن ميدش (خادمة مانهاتن)، وبطلتها اللاتينية جنيفير لوبيز. ثم انتقل الاقبال على الفيلم داخل اميركا الى اقبال خارجها، وأقبل سكان المكسيك والبرازيل والارجنتين على الفيلم (لأن بطلته «منهم»).

والآن مع حرب الارهاب، واحتلال العراق وافغانستان، ربما ستسأل هوليوود نفس السؤال بالنسبة للعرب والمسلمين، لكن عددهم داخل اميركا قليل جد. على أي حال، تبقى في النهاية استراتيجية دمج الرأسمالية بالأعراق والثقافات الاخرى، لإرضاء جميع الأذواق، وزيادة الارباح طبعا.

الشرق الأوسط السعودية في 14 يونيو 2006

 

سينماتك

 

الكاتب محفوظ عبدالرحمن لشرفات:

لدي قناعة بأن كتابة السيناريو لا تقل إبداعا عن كتابة الرواية

نجيب محفوظ ليس كاتبا كبيرا فـي السيناريو

حوار: محمد الحضرمي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك