أول ما يحسب لمخرج فيلم رحلة يونايتد 93 United 93 هو أنه لم يقدم التوليفة الهوليوودية التقليدية التي اعتدناها في مثل هذه النوعية من الأفلام التي تعالج موضوع الارهاب وتكون متخمة بالأكشن ومشاهد الاثارة المفتعلة من قبيل مطاردة السيارات وتبادل إطلاق النيران والصراع التقليدي بين الأخيار والأشرار.

فمن المؤكد أن مخرج الفيلم، بول غرينجراس، تحسس طريقه الي موضوع الفيلم بحذر شديد، لإدراكه العميق لحساسية الموضوع ذي الطبيعة الشائكة، والذكريات المضنية التي لم تزل ماثلة في عقول الملايين من الأمريكيين. ولا نجد أفضل تجسيدا لهذه الحساسية المفرطة للموضوع التي توشك أن تضع تناوله في قائمة المحرمات الفنية، سينمائية وغيرها، من حقيقة أن السؤال الذي شغل الإعلام الفني الأمريكي أثناء فترة العد التنازلي لافتتاح فيلم الرحلة 93 تمحور حول ما إذا كانت أمريكا جاهزة بعد لاستقبال أول فيلم سينمائي يتعامل مع كارثة الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). وكان علي المرء أن ينتظر حتي يتسني له مشاهدة الفيلم قبل أن يدرك مغزي إلحاح الإعلام الأمريكي علي هذا السؤال والأهمية المتزايدة التي أسبغها عليه.

وربما يقتضي الأمر هنا التذكير بالكيفية التي تحولت بها أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، وتحديدا الصور المروعة التي تابعها العالم في تلك الساعات الرهيبة، كيف تحولت الي حرام مطلق يحظر علي وسائل الاعلام إعادة عرضه في غضون ايام قليلة من الهجمات ذاتها. ففي الثامن عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001 اتخذ دافيد ويستن، رئيس شبكة إيه بي سي الأمريكية، قرارا بمنع إعادة عرض صور الهجمات الارهابية كلية علي أي من برامج او نشرات الشبكة، علي اساس أن مشهد صدم برجي التجارة في نيويورك بالطائرات يمثل ضربا من العنف البشع لا مبرر لعرضه . وفي غضون أيام قليلة حذت سائر الشبكات الأمريكية حذو إيه بي سي، وصار عرض هذه الصور امرا نادر الحدوث منذ ذلك التاريخ.

وفقا للمنطق ذاته، فإن وسائل الإعلام ذاتها لم تدخر وسعا في الفترة الأخيرة في استطلاع آراء الأمريكيين حول قضية تناول الأحداث، كلها أو بعضها، في فيلم سينمائي، وما إذا كان الوقت قد حان لخرق هذا المحرم الاعلامي الفني وما إذا كان العقل الجمعي الأمريكي جاهزا لاستقبال فيلم كهذا ام ان الوقت لم يحن بعد. تابعنا ذلك من خلال لقاءات مع عدد من أقارب الضحايا، وخاصة أولئك الذين كانوا بين ركاب الرحلة المشؤومة يونايتد 93 التي سقطت في بنسلفانيا.

واحدة من بين هؤلاء تحدثت عن انزعاجها الشديد حين ذهبت إلي دار العرض لمشاهدة فيلم كوميدي، وفوجئت بإشارة فيلم الرحلة 93 تعرض في إطار التنويه بالأفلام القادمة، وكانت التجربة علي قصرها (فالشارة عادة لا تتجاوز بضع دقائق) صادمة علي نحو مؤلم جدا لها، لأن هذه الدقائق الخاطفة استدعت من ذاكرتها علي الفور لحظات المعاناة التي عاشتها منذ وقوع المأساة واقتضاها الأمر بضع سنوات حتي تصل إلي درجة من التصالح مع أحزانها المأسوية. وقد يقول البعض إن مشاعر هذه المرأة بالذات متوقعة ومفهومة، كون الفيلم ينكأ جرحا عميقا داخلها، مثلها في ذلك مثل كل أولئك الذين يمس الفيلم وترا حساسا داخلهم.

فماذا عن المشاهدين العاديين؟

في كل من لوس انجليس ونيويورك اضطرت دور العرض إلي سحب عرض إشارة الفيلم بعد أن قوبلت بصيحات الاستهجان من المتفرجين. بل إن استطلاعا للرأي بين أن ستين في المائة من الأمريكيين لا ينوون مشاهدة الفيلم. وإلي جانب الذكريات المؤلمة التي قد تثيرها مشاهدة الفيلم، فإن من بين الأسباب التي تقف وراء هذا العزوف المسبق عن مشاهدة الفيلم يمكن أن تكون سمعة هوليوود ذاتها المتهمة دائما ليس فقط بالإسراع الي استغلال القضايا والأحداث الكبري وتحويلها إلي أبقار حلوب تدر عليها ذهبا في شكل أفلام جماهيرية كاسحة ذات ميزانيات خرافية أو Blockbusters بل إن هذا الاتجاه التجاري البحت هو ذاته المسؤول عن فشل هوليوود في التعامل مع العديد من تلك القضايا الهامة، طالما أن شباك التذاكر يظل الهدف الأول وراء هذه الانتاجات، ولا يستثني من ذلك موضوعة الإرهاب علي اختلاف تنويعاتها، فهي دائما ما تأتي متخمة بالألغام السياسية والأحكام والشخصيات النمطية التي لا تعدم بدورها الأنفاس العنصرية المبطنة أو الملتبسة تارة والصارخة، الفجة في معظم الأحيان الأخري.

نستطيع القول إن فيلم بول غرينجراس نجا من كل هذه المزالق، أولا لأن المخرج ليس هوليووديا في المقام الأول، ومن ثم فقد دخل إلي عرين هوليوود دون أن تعلق به أدران الحمي التجارية وأعراضها. وسجله الفني يجمع بين الأفلام الوثائقية وبين أفلام درامية ذات طابع تاريخي تسجيلي أيضا، أي تتناول موضوعات وأحداثا تاريخية بأسلوب الاستقصاء الصحفي السينمائي إذا جاز التعبير، ومن أبرزها فيلم يوم الأحد الدامي Bloody Sunday والذي تناول فيه أحداث مسيرة الحقوق المدنية التي جرت في أيرلندا في 30 كانون الثاني (يناير) عام اثنين وسبعين والمذبحة التي تبعتها علي أيدي القوات البريطانية في ذلك اليوم الدامي.

تحري الدقة الوثائقية واستكناه الحقائق والوقائع بأكبر قدر ممكن كانا المنهج الذي اختطه المخرج في تعامله مع موضوعه، ونقول بأكبر قدر ممكن لأن ما حدث بالفعل علي متن تلك الطائرة الرحلة 93 التابعة لشركة يونايتد إيرلاينز لا أحد يعرفه علي وجه اليقين. وإنما سعي المخرج لرسم أقرب صورة ممكنة عبر لقاءات مطولة عقدها مع ما يقرب من مائة من أقارب واصدقاء الضحايا من ركاب وطاقم الرحلة. وعدد غير قليل من أولئك الضحايا كان قد اتصل بذويه في اللحظات الأخيرة الرهيبة التي عاشوها قبل مصيرهم المحتوم، ونحن نري بالفعل عددا من هؤلاء اثناء تلك اللحظات وهم يحملون الأصدقاء والأقارب ومن تسني لهم الاتصال بهم رسائل الحب وكلمات الوداع الأخيرة في مشاهد مؤسية ينفطر لها القلب. ومضي المخرج لأبعد من ذلك في تحريه درجة من التوثيقية وكي يمنح فيلمه أكبر درجة ممكنة من المصداقية الفنية، فاستعان ببعض الشخصيات التي عاصرت الأحداث الدامية دقيقة بدقيقة، وفي مقدمتهم بن سلايني ، الذي لعب دوره الحقيقي في الفيلم كمسؤول هيئة الطيران المدني يوم الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) والذي اتخذ بنفسه قرار إغلاق المجال الجوي الأمريكي بعد أن فشل في الاتصال بأي من المسؤولين الكبار وبعد أن اكتشف أن الطائرات التي اختفت عن شاشات الرادار انتهت مصطدمة ببرجي مركز التجارة في نيويورك. أدي دوره في الفيلم أيضا الرائد جيمس نوتس، مسؤول قطاع الشمال الشرقي للدفاع الجوي في قاعدة كيب كود الجوية. وعوضا عن الاستعانة بممثلين محترفين استعان المخرج بمضيفين ومضيفات جويين حقيقيين ليلعبوا أدوار تلك الشخصيات من أفراد طاقم الطائرة وملاحيها الذين لقوا حتفهم في النهاية. واستأجر المخرج طائرة بوينغ 757 قديمة لتصوير المشاهد الداخلية في ستديوهات باين وود بانكلترا. كما اعتمد المخرج علي الحقائق التي توصل إليها تقرير لجنة الكونغرس الأمريكي للتحقيق في أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).

يوم غابت أمريكا عن الوعي

ينهج الفيلم خطا تقليديا في الدقائق الأولي من أحداثه السابقة علي وقوع الكارثة، علي نفس المنوال التقليدي الذي نراه في أفلام الكوارث من حيث تصوير الواقع في سيره المعتاد الرتيب تعميقا للأثر الدرامي الذي سيحل بعيد وقوع الكارثة. نحن نتابع إجراءت صعود الركاب إلي الطائرة في رتابة ونظام، والحوارات الجانبية بين أفراد طاقم الملاحين والمضيفين والمحمل بعضها بمفارقات لن ندركها إلا لاحقا. فالطيار يقول لزميله الجو صحو وجميل، وهذا يوم مثالي للطيران ، وإحدي المضيفات تسر لزميلتها كيف أنها تواقة لإكمال هذه الرحلة (كانت متجهة من مدينة نيورك Newark إلي سان فرانسيسكو) لتعود إلي أطفالها وأنها ستطلب تخفيض عدد ساعات طيرانها لتقضي وقتا أطول مع أسرتها. والركاب أيضا نجد بعضهم يحادث زملاءه هاتفيا قبل إقلاع الطائرة، وزوجان مسنان يطمئنان بعضهما البعض وما شابه من تفاصيل الحياة اليومية الحميمة لأشخاص عاديين لا ندرك نحن كم هي عميقة وبسيطة في تجسيدها للحياة ذاتها، إلا حينما تنتزع منا فجأة دونما خطأ ارتكبناه ودون وجه حق ودون سابق إنذار وعلي نحو مأساوي.

هكذا نلتقي بركاب الرحلة 93 لأول مرة في الفيلم، ويظل الحدث يتنقل بعد ذلك بين عدة مواقع رئيسية: مركز قيادة هيئة الطيران المدني (FAA) في هرندون في ولاية فيرجينيا، وأبراج المراقبة في كل من بوسطن ـ ماستشوستس، نيويورك، كليفلاند، ومركز قيادة قاعدة كيب كود الجوية، وداخل الطائرة حيث نتابع حصار الركاب وجلاديهم داخل النعش الطائر طوال نحو تسعين دقيقة من الرعب والهلع في جحيم مقيم.

يضعنا المخرج في قلب الأحداث من زاوية فريدة لم تتسنّ لأغلب المشاهدين والمواطنين الذين عاصروها يوم الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). فهو يتابع من خلال برج المراقبة أنباء اختفاء الطائرات الواحدة بعد الأخري من علي شاشات الرادار، وتواتر الأنباء عن عمليات اختطاف، وتكهنات عن هويات المختطفين ومن وراءهم وما إذا كانت لهم مطالب. كل هذا في خضم حالة من الفوضي ترتسم أبعادها تدريجيا إلي أن تصطدم الطائرة الأولي بأحد برجي التجارة. حتي هنا لا تغيب عن المخرج الحساسية اللازمة لتفادي استدعاء اللقطات الصادمة من أذهان المشاهدين، فهو يرينا إياها أولا مصغرة من علي شاشات العرض داخل برج المراقبة. علما بأن العاملين في برج المراقبة في المطار شاهدوا الطائرة تصدم بالبرج من نوافذ البرج، لأن موقع البرجين في حي مانهاتن من أبرز معالم سماء نيويورك التي تري من علي مسافة بعيدة لكل من يدخل الي المجال الجوي لها. لكن المفارقة هنا انه فيما كان الموظفون يلهثون في سباق محموم امام شاشات الكومبيوتر بحثا عن مصير الطائرات التي اختفت، إذ بهم يجدون الإجابة علي اسئلتهم الحائرة تتجسد أمام أعينهم المجردة في سماء المدينة. وحتي بعد تلك الصدمة المروعة لم يكن بوسع اي شخص في برج المراقبة أن يتبين كيف حدث ذلك. وللحظات قصيرة تبدو نظرية اختطاف الطائرات غير مقنعة، ولا يعقل ان يكون الطيار قد فقد صوابه لدرجة ان يصطدم بالبرجين ولا حتي احتمال اصابة الطائرة بخلل. وما من أحد ربما علي وجه الأرض، كان قد تخيل أبدا أن تزن هناك خطة لاصطدام الطائرات بالبنايات كعملية إرهابية مع سبق الإصرار والترصد. هذا من الناحية النظرية البحتة، فما بالنا إن كانت كل ظروف وملابسات الأحداث في الواقع قد تضافرت لتزيد من حالة البلبلة والفوضي التي نقلها الفيلم لنا دون مباشرة، ولكن فقط عبر الانتقال من مراكز صنع القرار في الدائرة الضيقة لأحداث الفيلم، وفي الوقت ذاته عبر تغييب كامل لمراكز صنع القرار السياسي والعسكري علي أعلي المستويات. فالرائد المسؤول في القاعدة الجوية يحاول جاهدا دون جدوي الاتصال برؤسائه في وزارة الدفاع البنتاغون، ولم يكن يعلم أن البنتاغون نفسه قد ضرب. وحين يدرك خطورة الموقف بعد ان يتبين ان الطائرات المخطوفة استخدمت كسلاح لصدم البنايات يدرك ان تلك التي لا تزال مجهولة الموقع ربما تكون في طريقها لهدف آخر، ويسعي لاستصدار أوامر بتحليق طائرات مقاتلة ربما لإجبار الطائرة المخطوفة علي الهبوط أو إسقاطها، لكنه يعجز عن الوصول الي مسؤول أعلي ليصادق علي قرار خطير كهذا. ونسمعه في محادثة هاتفية يقول ان نائب الرئيس ديك تشيني هو الذي يملك صلاحية اعطاء مثل هذا التفويض، لأن الرئيس الأمريكي يفترض أنه الآن في مكان آمن لا يعلمه أحد كما يقتضي الأمن القومي للبلاد (أو متغيب دون إذن مسبق، كما يقول التعبير العسكري AWOL). هذا الغياب والتغييب المتعمد في الفيلم للرئيس الأمريكي، ليس فقط لشخصه، بل ولغيابه عن الحدث، سواء بالمفهوم الدرامي أو الوثائقي، هو ذاته الذي كان موضع تعليق وهجوم وانتقادات في الواقع وفي السينما في افلام آخري، من اشهرها فهرنهيت 9/11 لمايكل مور، ومن آخرها مشهد في فيلم فيلم مرعب 4 Scary Movie 4 يتناول علي نحو تهكمي ساخر واقعة إبلاغ الرئيس بخبر الكارثة اثناء زيارته لمدرسة أطفال وسماعه لحكاية تروي لهم. في هذه اللحظات الحاسمة بدت أمريكا في حالة غياب عن الوعي، فخطوط الاتصالات شبه مقطوعة بين أركان الإدارة، والمصدر الوحيد للأنباء الذي تتابعه أمريكا ومن ورائها العالم بأسره كان شبكة سي إن إن الإخبارية. ينسحب هذا علي المواطنين العاديين الذين تسمروا أمام شاشات التليفزيون، وموظفي المراقبة الجوية والقواعد العسكرية وحتي ركاب الرحلة 93 الذين يدركون مصيرهم شبه المحتوم بين السماء والأرض عبر مكالمات يتلقونها من ذويهم ينقلون فيها ما يبث علي سي إن إن.

لم يكن هناك إنسان واحد ـ ربما علي وجه الأرض ـ يدرك علي نحو شامل الصورة الكاملة لما يدور في تلك اللحظات. كان كل من هو منخرط في الأحداث أو متابع لها يراها من الزاوية المحددة التي يتيحها له موقعه منها، ولهذا كان التخبط والفوضي هما سيدي الموقف وقد نقل لنا الفيلم ذلك بأمانة ودقة دون زيادة او مباشرة فجة، وإنما فقط عبر مراكمة التفاصيل وملاحقة الأحداث بين المواقع الرئيسية لتداعياتها.

قليل من الخيال لا يضر

من الانتقادات التي اثيرت في وجه الفيلم أن روايته لما حدث في داخل الطائرة نبعت من بنات أفكار خيال المخرج ـ وهو كاتب السيناريو في الوقت ذاته، لأن احدا لا يدري علي وجه اليقين ما حدث هناك. وهذا نقد مجحف وبمعايير الفن ذاته ولا شيء سواه. فالفيلم في أبسط توصيف له كان تناولا دراميا لأحداث واقعية لا خلاف علي كونها وقعت في ذلك اليوم وتلك الساعات تحديدا. بل إنه بهذ المعني يعد مطابقا لتعريف الدراما بمعناها الأصلي كما صاغه المعلم الأول الفيلسوف الإغريقي أرسطو، من أن الدراما هي محاكاة لفعل بالفعل بمقتضيات الضرورة والاحتمال، أي ما حدث أو ما كان يمكن ان يحدث لشخصية ما في موقف بعينه، ولهذا أيضا اعتبر أرسطو الدراما أرقي مرتبة من التاريخ فيما يتعلق باستكناه الحقيقة كل بوسائله الخاصة. وهذا المفهوم ينسحب تحديدا علي إعادة قص الأحداث التي جرت في الطائرة. الأهم من ذلك أن هذا التناول الدرامي لم يجر علي التزام الدقة الوثائقية بالقدر الأكبر في الفيلم، بل إن الزمن الحقيقي للفيلم يكاد يتطابق تماما مع الزمن الحقيقي للأحداث وهو أمر صعب حتي في الأفلام الوثائقية أو التسجيلية الصرف التي لا مجال فيها للدراما بالمرة. فرحلة يونايتد إيرلاينز 93 أقلعت من مطار نيورك في نيوجيرسي في تمام الساعة 8.42 صباحا الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001 متجهة إلي سان فرانسيسكو، اي قبل أن تضرب رحلة الطائرة 11 البرج الشمالي من برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بأربع دقائق فقط. وانتهت الرحلة 93 علي الأرض في شانكسفيل في ولاية بنسلفانيا في تمام الساعة 10.03 نفس النهار، أي أنها كانت في الجو نحو تسعة وسبعين دقيقة، يضاف إليها نحو عشرين دقيقة التي تستغرقها تحضيرات الرحلة من صعود الركاب وجلوسهم في مقاعدهم وربطهم الأحزمة، نجد أننا أمام نفس المدة التي نقضيها داخل صالة العرض في مشاهدة الفيلم حتي لحظة النهاية.

إلي جانب ما أشرنا إليه أعلاه من تجنب المخرج الاعتماد علي نجوم او ممثلين مشهورين (البعض منهم بالطبع وجوه مألوفة في أعمال تلفزونية لكنهم لا يتمتعون بالشهرة)، حرص المخرج/المؤلف في رسمه للشخصيات علي تجنب صناعة الأبطال الخارقين من الأشخاص العاديين، وهي الصناعة التي تجيد سبكها هوليوود. بل إن أحدا من اي من الركاب جميعهم لا يبرز بشخصه علي نحو بطولي متفرد، كما أن ايا منهم لا يبرز بملامح شخصية بعينها تجعله موضع اهمامنا وتعاطفنا أكثر من غيره، لا عبر الدور وحجمه ولا عبر تعامل كاميرا المخرج معه، بل كلهم كانوا سواسية في السيناريو وأمام الكاميرا، وبالمثل فنحن نتعاطف معهم لا كأفراد فقط ولكن كمجموعة من الضحايا جمعتهم الظروف في محنة مشتركة. وعلي العكس من البطولات الفردية، نجد أن البطولة كانت جماعية ليس فقط بالمعني السينمائي وإنما أيضا بمعطيات ما حدث. فالهلع الذي سيطر علي الركاب وطاقم الطائرة بعد أن رأوا بأعينهم الخاطفين يذبحون أحد أفراد الطاقم وبعد أن أدركوا مصيرهم المحتوم من خلال تواتر الأنباء إليهم عبر الهاتف حول ما حدث للطائرات الأخري، كل هذه المشاعر المستعرة داخلهم دفعتهم الي التفكير في عمل شيء، وجاءت تصرفاتهم مشوبة بنفس الاضطراب والخوف، لكنهم علي ما يبدو وقد ادركوا أن مصيرهم محتوم قرروا ألا يجعلو الخاطفين يصلون لغايتهم باستخدام الطائرة في ضرب الهدف المقابل، والذي ربما كان البيت الأبيض أو الكونغرس الأمريكي.

وربما لهذا وصف البعض ما فعله ركاب الرحلة 93 بأنه كان بمثابة الطلقة الأولي في الحرب علي الإرهاب، علما بأن قناة ديسكفري أنتجت فيلما وثائقيا عن الرحلة ذاتها عنوانه يفيد هذا المعني رحلة الطائرة التي ردت الصاع The Flight That Fought Back.

نفس المنهج في تصوير شخصيات الركاب وطاقم الطائرة اتبعه المخرج في تصويره لشخصيات الخاطفين الأربعة. فقد تجنب تمام السقوط في فخ النمطية وتقديمهم علي أنهم محض أشرار أو مجرمين متعطشين للدماء بوجوه متنمرة وملامح فظة أو غليظة. وإنما قدمهم لنا كبشر عاديين ولكن تحركهم دوافع قوية لارتكاب أفعال بشعة ورهيبة، وإن لم يخض الفيلم بالمرة في تلك الدوافع، لكنه بين لنا أن معتقداتهم الدينية تلعب الدور الأكبر في هذه الدوافع، حيث نلتقي بالخاطفين لأول مرة في الفيلم وهم يؤدون الصلاة في غرفتهم بالفندق، فلم تكن هناك محاولة لتصويرهم كمجرمين محترفين أو إرهابيين متمرسين، ولا هم ينصاعون بسهولة للتصنيفات الرائجة حول الارهابيين، فهم مترددون وأياديهم مرتعشة ومضطربون ومشوشون، ولا يعرفون كيف يسيطرون علي الركاب حين يثورون ضدهم، إنهم في أقل تقدير وكما رأيناهم في الفيلم شباب مغرر بهم خضعوا لمزيج من غسيل المخ والمعتقدات المشوهة، تتملكهم رغبات محمومة في الانتقام والقصاص وإيمان أعمي ومطلق بعدالة ما يعتقدون وصوابيته المطلقة.

إن فيلما معروفة نهايته مسبقا من شأنه أن يضع مخرجه علي المحك لأنه غالبا ما يكون معرضا لفقدان أحد أهم عوامل التشويق فيه، وهذا ما نجح فيلم غرينجراس في تجنبه تماما. فالفيلم لا يفقد قدرته علي الاستحواذ علي اهتمام المشاهد ولو للحظة واحدة، وتلك هي شهادة الجدارة لمخرجه، فنحن جميعا نعلم كيف انتهت الطائرة وركابها وطاقمها، لكننا لا نعلم كثيرا عن الرحلة التي قطعوها وصولا إلي هذه اللحظة المأسوية. كل هذا في الوقت الذي تجنب فيه المخرج اتباع أساليب الإثارة الرخيصة الأثيرة لدي هوليوود.

وفي النهاية فإن جدارة فيلم يونايتد 93 وخلوه من توابل الاثارة الهوليوودية والمبالغات الدرامية المألوفة والتنميطات المشوهة كل هذا كفيل بحسم الجدل الذي دار حول توقيته وما إذا كان جاء مبكرا أو جرعة زائدة لا يحتملها الجمهور الأمريكي بالذات. وهو في الواقع لم يكن الأول الذي يتناول أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) أو جانبا منها. فإلي جانب الفيلم الوثائقي الذي أشرنا إليه من قبل من إنتاج قناة ديسكفري ، أنتجت قناة الكابل A&E فيلما عن الرحلة 93 ذاتها، كما أنتج فيلم تليفزيوني آخر بعنوان خلية هامبورغ عن أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر). ولن يكون فيلم غرينجراس الأخير، فالمخرج الأمريكي المثير للجدل أوليفر ستون يقوم حاليا بتصوير فيلم عن أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) بعنوان مركز التجارة العالمي وقد عرض خمس عشرة دقيقة منه في مهرجان كان الأخير في المؤتمر الصحافي الذي عقده لهذا الغرض.

وتبقي تجربة مشاهدة الفيلم كمتفرج عربي ذات طابع خاص أقل ما يمكن ان توصف به أنها خبرة ملتبسة تتنازعها حزمة من الدوافع المتضاربة، خاصة إن كنت عربيا يقيم في الولايات المتحدة. لقد حكي لي صديق عربي كيف أنه مر بتجربة مماثلة لتلك السيدة الأمريكية التي فوجئت بإشارة الفيلم، فقال إنه فوجئ هو الآخر بالإشارة في الوقت الذي كان قد ذهب للسينما لمشاهدة فيلم كوميدي، وكان رد فعله الفوري ـ حسب تعبيره الحرفي ـ أنه غاص في مقعده حتي غطس تماما فيه، كما لو أنه كان يخشي أن يكتشف أحد أنه عربي. وقد أكد لي أنه لا يفكر بالمرة في الذهاب لمشاهدة الفيلم ولا حتي حين يطرح في سوق الفيديو. ربما كان ذلك أمرا مفهوما علي المستوي الشخصي، لكن مشاهدة الفيلم تثير أيضا اسئلة وتجدد إشكالية مضنية أقل ما توصف به أنها تلقي بنا من جديد في نفس الدائرة الجهنمية التي أطلقتها أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر).

فمن ناحية تثير مشاهد الذبح البشعة لثلاثة من أفراد طاقم الطائرة تقشعر لها الأبدان وتثير خليطا من مشاعر الغثيان والغضب والحزن والأسي المضني، بمثل ما أنها تعمق مشاعر الفرد بالعجز والرعب إزاء مثل هذه الأفعال مهما قيل في شأن الدوافع والمبررات التي تقف وراءها. ومن ناحية أخري، فإن الحرب علي الإرهاب التي أطلقتها أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) لم تقض علي هذا الإرهاب ولم تستأصل شأوته، بل علي العكس تماما زادت جذوته اشتعالا وامتدادا. ثم إن العرب والمسلمين في اصقاع عديدة من الأرض ما انفكوا يتلقون الضربات وشتي صنوف العدوان بذريعة هذه الحرب علي الارهاب حتي الآن، ويبدو العالم أجمع وقد دخل في نفق مظلم لا يلوح فيه أي بصيص ضوء ولا أمل في المستقبل المنظور.

ناقد سينمائي من مصر

القدس العربي في 13 يونيو 2006

 

هل أميركا مستعدة لمشاهدة نفسها تحترق؟

إعداد-مريم أحمد: 

عادة ما يذهب المشاهد إلى السينما هرباً من واقع أليم يعيشه العالم سواء بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية أو الفقر، لكن هذه المرة نحن على موعد مع فيلم يصور أهم الوقائع التاريخية التي جرت يوم الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بالهجوم على برجي التجارة التوأمين في نيويورك· والفيلم الجديد الذي أنتجته هوليوود يحمل عنوان المتحدة 93 United، وهو يرمز إلى الخطوط الجوية المتحدة الأميركية، وبالتحديد الرحلة رقم'' ''93 وهي الطائرة الرابعة التي تم اختطافها، ولم تتمكن في الواقع من تنفيذ مهمتها بسبب ''الرّكاب الشجعان'' الذين أفشلوا الهجوم· والمعروف أن الطائرات الثلاث الباقيات أصابت أهدافها بمهارة ودقة متناهيين·

الخوف الأكبر

ويأتي الخوف الأكبر من ألا يحقق الفيلم أي أرباح لأنه يعيد للشعب الأميركي وقائع ذكرى أليمة راح ضحيتها مئات الأبرياء الذين تركوا خلفهم أيتاماً وأرامل وثكالى مازالوا يعيشون الحدث بكل تفاصيله·

أخرج الفيلم وكتبه البريطاني الشهير بول غرين غراس، وهو متخصص في صناعة أفلام تلقي الضوء على الإرهاب والعنف· ويحكي الفيلم قصة الركاب وطاقم الطائرة المختطفة الرابعة، وعائلاتهم، فيعيد خلق أحداث الرحلة بدءاً من لحظة إقلاعها، ومن ثم اختطافها،حتى يصل إلى لحظة إدراك ركابها وطاقمها بأن الطائرة قد أصبحت جزءاً من مخطط إرهابي يهدد سلامة وأمن بلادهم· ويحاول الفيلم التوصل إلى فهم أعمق لمشاعر الخوف والقرارات الشجاعة التي اتخذها الركاب في التسعين دقيقة التي قضوها في الجو،والتي وحّدت بين مجموعة من الغرباء ليصبحوا مجموعة من الحلفاء الشجعان، نجحت في إعاقة وإفشال عملية الهجوم الرابعة·وبما أن هذا العام يشهد الذكرى السنوية الخامسة للهجوم الأكثر إيلاماً في تاريخ الولايات المتحدة، رأى صُنّاع الأفلام أن الوقت قد حان للبحث والتقصي عن أحداث ذلك اليوم المشئوم، بما في ذلك إلقاء الضوء على الأسباب التي أدت إلى شن مثل ذاك الهجوم الإرهابي، ونتائجه، وجميع من تأثرت حياتهم وتغيرت للأبد ممن كتب عليهم القدر العمل في ذلك المكان·

وقد أعاد مخرج الفيلم بول غرين غراس، والذي أخرج من قبل أفلام ناجحة مثل ''الأحد الدموي'' Bloody Sunday وفيلم ''تفوق بورنيه'' The Bourne Supremacy مجد صناعة الأفلام التاريخية التي كشفت وقائع وأحداث شهدها العالم،ساد فيها العنف بدلاً من المبادئ سعياً وراء السيطرة· وبما أنه لا توجد سجلات ووثائق دقيقة عما حدث فعلاً يوم 11 سبتمبر، فإن المخرج حاول وبحذر شديد أن يرتجل ويصور الأحداث بالاستعانة بطاقم تمثيل جديد،وغير شهير،ممن تم تدريبهم على الدور جيداً·

أدوار وتقديم

وقد تم إسناد بعض الأدوار لأشخاص شهدوا الحادث بأنفسهم ذاك اليوم، بالإضافة إلى أشخاص يعملون في شركة الطيران المستهدفة·

ويهدف فيلم ''المتحدة ''93 إلى تكريم كل من كان على متن تلك الطائرة· ويمكن إدراجه ضمن قائمة الأفلام الوثائقية التاريخية·وتبدأ الأحداث بإلقاء الضوء على الاستعدادات التي أجراها مختطفو الطائرات، وعلى روتين العمل الصباحي اليومي الذي يؤديه موظفو برجي التجارة في نيويورك· وتمضي الأحداث حتى تصل إلى لحظة هجوم الطائرتين الأولى والثانية،حينها يبدأ التركيز على حماية نيويورك من هجمات جديدة،لكن لم تحصل القوات العسكرية على إذن صريح من الرئيس بوش بالتصرف حيال الأمر· وحينما سئل المخرج عن الضغوطات والمعوقات التي واجهها كونه أول من ينتج فيلماً عن الحادث، أجاب بأن ذلك أمر طبيعي كَوْنَ الحادث قد أثر سلباً على حياة عدد كبير من الأشخاص والعائلات·

وبدأ عرض الفيلم في الولايات المتحدة أواخر شهر أبريل الماضي، وتم تقييمه ليتبع فئة الأفلام التي لا تناسب من تقل أعمارهم عن السابعة عشر عاماً، وذلك بسبب ما يحويه من مشاهد عنف وإرهاب متسلسلة ومتعاقبة·

ويلعب دور البطولة في الفيلم كل من أوبال علاء الدين، إريك ريدمان، بِن سينلي وهو أحد الذين شهدوا الحدث عن قرب ويجسد شخصيته الواقعية، وكذلك بيتر هرمان، وسوزان بلوميرت، ولويس السماري· أما مدة عرض الفيلم، فإنها لا تقل عن الساعتين·

الإتحاد الإماراتية في 14 مايو 2006

"إكس من" وحالة الإبهار ومخرج لم يصدق نفسه

عرض وتحليل: عماد النويري 

كشف برت راتنر مخرج الجزء الثالث من 'اكس من' عن تفاصيل تتعلق بفيلمه الذي يحمل عنوان 'الوقفة الأخيرة'.

وقال إن الفيلم حافل بمشاهد الأكشن والإثارة التي لم يتضمنها فيلم من قبل! وان التكنولوجيا المستخدمة تجعله حدثا عملاقا في تاريخ السينما. وأضاف أنه نفسه يقف مشدوها حين يشاهد لقطات معينة من الفيلم، خاصة اللقطات الأخيرة ولا يصدق نفسه من شدة الإبهار الذي صنعت به هذه اللقطات بفضل التكنولوجيا الحديثة.

فيلم راتنر (الذي لم يصدق نفسه) لم يخيب ظن صاحبه فقد حقق في أميركا الشمالية مبيعات تذاكر قدرها حوالي 107 ملايين دولار وحقق رابع أعلى إيرادات عند الافتتاح على الإطلاق في أميركا الشمالية.

وأطاح الرجال اكس بإيراداته بفيلم 'شفرة دافنشي' الذي كان قد حقق في أميركا الشمالية عندما بدأ عرضه إيرادات قدرها 77 مليون دولار وكان هذا الرقم هو الأعلى في 2006.

وتكلف الرجال اكس: المواجهة الأخيرة حوالي 165 مليون دولار وهو الجزء الاخير من ثلاثية الرجال اكس التي تدور حول شخصيات متحولة. ويحدث في الفيلم اكتشاف علاج للتحول ويصبح أمام المتحولين خيار ان يصبحوا بشرا عاديين ويفقدوا قدراتهم الخارقة والاحتفاظ بقدراتهم الخاصة مع المخاطرة بأن يصبحوا في عزلة عن الباقين، وبالتالي تقع المواجهة الحاسمة بين الفريقين.

فكرة بسيطة واستنساخ

الفيلم القصة والسيناريو يدوران ويتمحوران حول فكرة بسيطة استقرت لدى الغرب وتجري دراستها منذ فترة طويلة وهي القدرات الخارقة لبعض البشر وهي قدرات جسدية وأحيانا ذهنية ولكن الفيلم وكعادة الأفلام التي تستند على الخيال العلمي يقوم على المبالغات في هذه القوى الخارقة فالبطل ولفيرني جراحه تلتئم من تلقاء نفسها ولا تظهر عليه السن على رغم انه تجاوز المائة، كما ان له مخالب معدنية تظهر وقتما يريد. والبطل ماجنيتو له قدرة مغناطيسية مذهلة يستطيع بها ومن خلالها تحطيم المعادن ايا كانت صلابتها. وجين غراي يستطيع تحريك اي شيء وهكذا باقي الشخصيات. فهناك من يستطيع ان يصنع النار وهناك من يستطيع ان يصنع الثلج وهناك سادس يستطيع ان يستنسخ نفسه الى أربعة أو خمسة فى الوقت ذاته. وهكذا باقي الشخصيات. في الجزء الثالث سنجد حديثا عن وصول الحكومة الأميركية الى اختراع يجعل أصحاب القدرات الخارقة بشرا طبيعيين. من المتحولين او المشوهين او اصحاب القدرات الخاصة المذهلة البعض وافق على تلقي العلاج، لكن البعض اعترض والتف حول عالم الفيزياء ماجنيتو الذي قرر ان يقود حربا للسيطرة على البشرية لصالح أصحاب القوى الخارقة الأشرار.

سيمون كينبرج كاتب السيناريو استطاع ان يبني شخصياته من لحم ودم وجعلها تعاني وتتألم وتحب وتكره وتحتار في الاختيار وما بين الشر والخير كانت هناك مساحات رمادية لكن فى النهاية لابد ان ينتصر الخير وهزم ماجنيتو بعد ان اشبعنا هو ورفاقه بكل ما يمكن ان تتصوره من أساليب وأشكال التدمير، وفي النهاية كانت هناك رسالة الفيلم التي تقول ان الحياة الطبيعية افضل وانه من المهم تدارك وعلاج امر أصحاب القدرات الخاصة قبل ان يتوغلوا ويتوحشوا بقوتهم القابلة دائما لأن تكون خارج السيطرة.

إبهار وتكنولوجيا

فى الفيلم 'الفن' نحن بصدد حالة من الابهار السينمائي المدهش ساهم فى صنعها قدرة كبيرة على صناعة الحيل السينمائية وساهم فيها أيضا تطوير كبير للمؤثرات الخاصة البصرية والصوتية، ويمكن القول ان البطل الحقيقي لعناصر هذا الفيلم هو 'برامج الكمبيوتر' التي كانت البديل الفعلي للكثير من عناصر الفيلم. وفي حدود ادوارهم قدم هيوجاكمان وهال بيري ويان ماكلين وغيرهم استعراضا تمثيليا مهما واجادوا ادوارهم بعد ان هضموا الشخصيات بشكل كبير من خلال العمل في الأجزاء السابقة.

مخرج الفيلم وقف مشدوها ولم يصدق نفسه بعد ان شاهد الإبهار الذي صنعه بفضل التكنولوجيا الحديثة، والى حد كبير هذا المخرج على حق فالفيلم يقدم جرعة عظيمة من الإبهار التكنولوجي وبعد مشاهدة الفيلم اشفقت على نفسي انا الآخر واكتشفت بعد برهة تأمل انني كنت لا اشاهد سينما، انما كنت اشاهد تكنولوجيا.

هذا لا يقلل اعجابي بما صنعه المخرج، ولكن من المؤكد ان هذا الفيلم سيضع اغلب النقاد وانا منهم في مأزق كبير، وهذا المأزق يدعونا الى اعادة تاهيل انفسنا حتى نتواءم مع التطورات التقنية في عالم السينما المعاصرة وحتى نستطيع التكيف مع السينما التكنولوجية او التكنولوجيا السينمائية الحديثة.

القبس الكويتية في 13 يونيو 2006

 

المهمـــــة المستحيلــــة إثــــارة كلاسيكيـــــة

محمد راشد بوعلي 

بدأت انطلاقة الصيف السينمائي لهذا العام بعرض الفيلم الضخم للممثل توم كروز ''المهمة المستحيلة ''3 وكان من المتوقع أن يسجل أرباحا بأرقام فلكية في أيام عرضه الثلاثة الأولى، وخاصة أن عرضه قد تم فيما يقارب 4100 صالة سينما في مختلف الولايات المتحدة، إلا أن النتيجة التي ظفر بها كانت مخيبة للآمال المرسومة والتوقعات المبنية على الفيلم حيث لم تتجاوز إيرادات الفيلم 48 مليون دولار في أسبوعه الأول، صحيح أنه مبلغ جيد نوعا ما ولكن مقارنة مع شهرة الفيلم وعدد صالات العرض ووقت عرضه من الموسم السينمائي، فقد كان متوقعا أن يتخطى حاجز الـ70 مليون دولار بسهولة.

عندما طرحت فكرة عمل فيلم المهمة المستحيلة الجزء الثالث لم يكن اشتياقي لمشاهدة الفيلم بقدر اشتياقي لمشاهدة عمل من يقف خلف الكاميرا في هذا العمل وهو المخرج "J.J. Abrams" الذي سبق أن تحدثت عنه سابقا نظرا للمساته الرائعة في مسلسلات'' alias ،''Lost  فقد كنت أنتظر بفارغ الصبر عرض الفيلم في صالات العرض، ولله الحمد لم يدم انتظاري طويلا فقد عرض الفيلم في جميع أنحاء العالم تقريبا تزامنا مع فتره عرضه في الولايات المتحدة الأمريكية.

قبل التحدث عن الجزء الثالث من سلسلة أفلام المهمة المستحيلة لا بد لنا وبومضات سريعة التحدث عن الجزءين الأوليين، فقد تصدى للجزء الأول المخرج الشهير "Brain Da Palma " الذي استطاع من خلال الجزء الأول في 1996 بناء قوّة لاسم المهمة المستحيلة ولشخصيتها ''إيثان هنت'' فقد كان الجزء الأول عملا رائعا في سلسلة أفلام الإثارة والتشويق آنذاك، قبل أن يعود توم كروز في الجزء الثاني بمخرج آخر كان صيته قد ذاع عندما قدم فيلم "Face off"، من بطولة ''جون ترافولتا ونيكولاس كيج'' وهو المخرج "John Woo" ، إلا أنني لم أعجب بما قام به جون وو في الجزء الثاني حيث كانت المبالغة الكبيرة في ''الأكشن'' في غير محلها والقصة كانت بعيدة عن عنصر الإثارة، إلا أن الفيلم حقق أرباحا فاقت 200 مليون دولار. وفي الجزء الثالث توقعت أن يعيد ''جي جي إبرامس'' رونق الإثارة والتشويق المفقود في الجزء الثاني وخصوصا لما تميزت به أعماله التلفزيونية من روعة وإثارة.

في مقابلة مع المخرج ''إبرامس'' قال إنه لم يستطع أن يقول نعم بسرعة كافية عندما اتصل به توم كروز طالبا منه إخراج الجزء الثالث من سلسلة أفلام المهمة المستحيلة، حيث كان حينها لا يزال يعمل على مسلسل "lost"، إلا أنه من الناحية النظرية فإن التحدي الذي فرضه ''جي جي إبرامس'' على نفسه ليس بهذه البساطة، حيث أن التحول من العمل التلفزيوني إلى السينمائي ليس سهلا، وخصوصا أنه وضع نفسه في مواجهة مخرجين متمرسين بالعمل السينمائي ''دا بلما و جون وو''.

بدأ إبرامس تخطيطه لوضع لمساته على الفيلم من خلال العرض الدعائي والذي كان يصور الممثل الحائز على الأوسكار لهذا العام ''فليب سيمور هوفمان'' مقيدا وهو يتوعد ''توم كروز'' ويهدده بقتل كل من يحب أمام عينيه.

إلا أنه عكس الآية عند عرض الفيلم ففي أول مشهد من مشاهد الفيلم أظهر لنا توم كروز مقيدا وأمامه ''فليب سيمور هوفمان'' يهدده بقتل خطيبته إذا لم يسلمه ''قدم الأرنب'' وتوم كروز من دون أي حيلة يحاول أن يطلب من ''فيليب سيمور هوفمان'' وعيونه مغرورقة بالدموع أن يعطيه الفرصة وسيجلب له ما يريد ويخدمه أي خدمة بشرط أن لا يقتل زوجته ولكن..!

بعد المشهد الأول أدركت أنني أمام فيلم يتمتع بإثارة منقطعة النظير، وأمام أفكار مستنيرة بلمسات إبرامس.

بعدها بدأت موسيقى الفيلم المشهورة ترجعك للخلف قبل أحداث المشهد الأول، حيث كان توم كروز يعيش حياته مع خطيبته الجديدة بعيدا عن الـ IMF وهي رمز للمنظمة التي يعمل بها توم كروز وتعني ''منظمة المهمات المستحيلة''، وقد قرر ترك المنظمة ليعيش حياته الطبيعية بعيدا عن الضغوطات التي كان يحملها العمل في هذه المنظمة، إلا أنه وخلال حفلة عائلية كانت مقامة للاحتفال بالخطوبة يصله اتصال من أحد رؤساء المنظمة يطلب من خلالها مقابلته. يذهب توم ليخبره الرئيس بأن العميلة وزميلته التي سبق أن تدربت على يديه رهينة، ويطلب منه العودة لتحرير العميلة من أيادي ''فليب سيمور هوفمان''.

يعود توم كروز من خلال هذه العملية مع طاقم عمل مكون من 3 أفراد آخرين يتقدمهم ''فينغ راميس'' زميل توم في الأجزاء السابقة، و''جوناثان رايس'' بطل فيلم ''ماتش بوينت'' للمخرج ''وودي ألن''.

إلا أن تورّط توم يزداد شيئا فشيئا من خلال سلسلة من الأحداث الشيقة المتواصلة.

حاول المخرج بطريقة خاصة أن يوزّع أحداث الفيلم على عدد من المدن العالمية الشهيرة أمثال شنغهاي وبرلين وروما والفاتيكان كمناطق رئيسة لتصوير الأحداث، وكان الهدف من ذلك تسويقيا تجاريا بحتا من وجهة نظري وخصوصا لما تتمتع به هذه المناطق من قوّة تجارية في صالات العرض، وكان هذا القرار بتوزيع أحداث الفيلم على هذه المدن سببا رئيسا في تأخير تصوير الفيلم، خصوصا أن الحصول على تصاريح للتصوير في بعض الأماكن كان أمرا صعبا، حيث تمّ رفض إعطاء تصريح للتصوير في مجلس البرلمان الألماني، واستغرق الحصول على تصريح للتصوير في الفاتيكان ما يقارب الشهرين! حيث يعتبر الفاتيكان دولة مستقلة وسط روما ويعتبرها البعض أصغر دولة في العالم!

إذا شاهدنا الجانب الإيجابي للفيلم فقد كان فيلما ممتعا، رغم المبالغة في بعض الأحداث، إلا إنها ومن وجهة نظري كانت مبالغة معقولة مع فكرة الفيلم الذي أعاد لنا أسلوب أفلام الأكشن الكلاسيكية القديمة والتي كانت تمتع المشاهدين في قاعات السينما، وهي نوعية الأفلام التي يطلق عليها اسم ''بوب كورن موفي'' أي أفلام الفشار ''النفيش''.

الفيلم إجمالا حصل على استحسان النقاد، حيث قال الناقد ''روس أنثوني'': ''استمتعت كثيرا، لقد جعلني الفيلم أدخل تجربة سينمائية رائعة لم أكن أريدها أن تنتهي''. كما أثنى النقاد كثيرا على أداء المخرج، حيث قال الناقد ''كيفن كار'': ''قد يكون هذا فيلم لتوم كروز لكن النجم الحقيقي للفيلم هو ''جي.جي. إبرامس'' من البداية حتى النهاية''.

قد يكون الجمهور البحريني محظوظا نوعا ما بعرض الفيلم في صالات العرض تزامنا مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن وجودي بعيدا عن البحرين يحرمني من هذه الميزة التي يحصل عليها السينمائيون في البحرين، ففي الأردن قد أنتظر شهورا قبل مشاهدة الفيلم إلا أنني وفي يوم الثلاثاء مساء كنت ذاهبا مع أحد أصدقائي للعشاء في أحد مطاعم المجمع الذي يضم عددا من صالات السينما هناك فسألت موظف شباك التذاكر ماذا سيعرض لديكم غدا؟ فأجابني بابتسامة تملؤها لمحات الفخر ''المهمة المستحيلة ''3 وأضاف: ''كما يوجد لدينا الليلة في الساعة 11 مساء عرض خاص للفيلم ''Premier ''، طبعا لم أستطع أن أخفي دهشتي بوجود العرض الخاص بالفيلم قبل عرضه في السينما، طبعا نظام ''العرض الخاص'' للفيلم موجود في أغلب دول العالم حيث يكون هناك عرض قبل العرض الرسمي للفيلم في صالات العرض بيوم أو يومين، إلا أن هذا النظام لا يتوافر لدينا في البحرين، بصراحة أتمنى تطبيق هذه الفكرة لدينا ذات يوم.

الوطن البحرينية في 14 يونيو 2006

 

يميل للأدوار المعقدة ويحب التعامل مع المخرجين الشباب

محمد المروازي: يجب علي الجمهور المغربي ان يتصالح مع سينماه

الرباط ـ القدس العربي ـ من حليمة يسني:  

أطل الممثل المغربي محمد المروازي علي الجمهور المغربي من خلال أفلام متميزة تألق في تأدية شخصياتها كانت من توقيع مخرجين لهم وزن في السينما المغربية لذا فمسيرته الفنية التي لم تتجاوز السبع سنوات كانت حافلة بكل ما هو جديد ومميز.

ويعتبر محمد المروازي من الممثلين الشباب الذين استطاعوا شق الطريق نحو التألق بخطي ثابتة لأنه يؤمن بضرورة التجديد والاتجاه نحو الاختلاف ونجح في أداء أدوار برهنت علي مدي احترافيته وحبه الكبير لفن السينما، علي ربيعة والآخرون ، و أصدقاء الأمس ، و ذاكرة معتقلة وغيرها، أفلام لعب فيها دور البطولة ونجح في شد الجماهير وأسال حبر المهتمين بالسينما المغربية.

·         ماذا عن بداية مشوارك الفني؟

انطلقت مسيرتي الفنية سنة 1995 حيث بدأت أكتشف حبي للمسرح من خلال دراستي للأدب الفرنسي، هذا الولع جعلني أدخل معهد المسرح، لتبدأ بذلك رحلة بحث في أغوار هذا الفن الراقي لأجد نفسي أدخل فجأة عالم السينما من بابه الواسع. وأول دور اكتشفت عبره السينما كان في الفيلم الايطالي من سماء الي سماء هذا الفيلم جعلني أقترب أكثر من السينما وأبتعد كليا عن المسرح الذي لا أنكر بأنه ساعدني في صقل موهبة التمثيل لدي. لكن بدايتي الفعلية في الميدان السينمائي كانت سنة 1996 مع المخرج المغربي الجيلالي فرحــاتي في فيلم أصـــدقاء الأمس فدخلت عالم السينما من بابه الواسع اذ قمت بعده بأداء أدوار البطولة في أفلام متنوعة.

·         قمت بأدوار متنوعة سواء تلفزيونية أو سينمائية، في رأيك ما هي الأعمال التي تري بأنها صنعت منك شخصية محترفة؟

أري بأن كل الأعمال وخاصة الأخيرة قد تركت وقعا في نفسي وأغنت تجربتي وهي علي كل حال منحتني أشياء كثيرة ومازلت أبحث عن الأدوار التي تعطيني الاضافة لأني عادة أبحث عن الأدوار المختلفة، وعن الشخصيات المركبة. وكل فيلم ألعب دوره يترك في نفسي شيئا ما، لأن مع كل فيلم أحس بأن أدواري تتطور وتجعلني مسؤولا أكثر اتجاه نفسي واتجاه الجمهور.

·         ما هي الأدوار التي ترتاح في تأديتها؟

أميل دائما الي الأدوار المعقدة، الي تجسيد الشخصيات المركبة التي تجعل الجمهور يسعي الي فهمها وتتبعها كالدور الذي لعبته في فيلم علي ربيعة والآخرون .

·         من هم المخرجون الذين يفضل المروازي التعامل معهم؟

صراحة وبدون استثناء أرتاح لكل المخرجين وكل المخرجين الذين تعاملت معهم تتوطد بيننا العلاقة كما أني لا أضع نفسي حبيس مخرج معــــين بل أحاول دائما التعامل مع كل المخــرجين خـاصة الشباب وأعتبر بأنه من المفــــروض علي كممثل شاب أن أشتغل مع هـــؤلاء المخرجين خاصة اذا كان السيناريو جيد.

·         هل تري بأن علي الممثل المغربي ان يختار ادوارا تعكس الواقع كما هو؟

أري بأن الممثل أداة يوظفها المخرج لنقل رسالته للجمهور، وتقع علي الممثل مسؤولية جعل الدور أو الشخصية التي يتقمصها قريبة من الواقع ليضفي نوعا من المصداقية علي العمل ككل. وأري بأن هناك مواضيع كثيرة لم تتطرق اليها السينما المغربية بعد وهي وثيقة الصلة بالواقع المغربي والمجتمع.

·         هل تعرضت اعمال شاركت بها للرقابة؟

لا لأني لا أنسي بأني في بلد اسلامي وأني أمثل أفلاما موجهة للجمهور بفئات عمرية مختلفة وأحاول أن ألعب أدوارا محترمة.

·     في الآونة الأخيرة أثار فيلم ماروك للمخرجة المغربية ليلي المراكشي ضجة وجدلا في الوسط الفني المغربي، كسينمائي ما هو موقفك من الفيلم؟

للأسف لم تتح لي الفرصة لمشاهدته لكن حالما يتسني لي ذلك لن أتتردد، أما عن ما قيل عن الفيلم وما أثاره من ضجة في رأيي المخرج حر في أن يعبر عن موقفه بالطريقة التي يريد والسينما ماهي الا وسيلة لنقل الرسائل والمخرج في الأخير هو الذي يتحمل مسؤولية ما جاء به مضمون الفيلم.

·         هل تري بأن الجمهور المغربي في طريقه نحو المصالحة مع السينما المغربية؟

يجب علي الجمهور أن يتصالح مع السينما المغربية ولا أنكر المجهودات الجبارة التي تبذل من قبل المخرجين والممثلين والمنتجين لطرح أعمال تستحق المشاهدة والسينما المغربية قطعت أشواطا كبيرة وهي جديرة بالاهتمام والمشاهدة.

القدس العربي في 13 يونيو 2006

 

سينماتك

 

رحلة يونايتد 93 أو الطلقة الأولي في الحرب علي الإرهاب:

فيلم ينكأ ذاكرة الحادي عشر من سبتمبر

د. عماد عبد الرازق

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك