مسعد حجازي من كندا: شهدت حقبة الخمسينات من القرن الماضى ميلاد وصعود جيل جديد من المطربات مثل شادية وهدى سلطان وشهرذاد وسعاد مكاوى وحورية حسن وسعاد محمد ونور الهدىوفايزة أحمد وفايدة كامل ونجاح سلام وغيرهن، بالإضافة إلى جيل الأربعينات مثل أم كلثوم ومنيرة المهدية وليلى مراد وصباح ونجاة على، وتعتبر شادية وهدى سلطان من المطربات القلائل من جيل الخمسينات اللاتى نجحن بتفوق فى فن التمثيل ، وكانت هدى سلطان تتمتع بصوت قوى، جهورى ومميز، وقادر على التلون والإنتقال بين طبقات صوتية مختلفة، وقد ساعدها ذلك كثيرا فى القيام بأدوار سينمائية مختلفة الأنماط، وقد لحن لها كبار مشاهير الملحنين فى ذلك الوقت مثل رياض السنباطى وفريد الأطرش ومحمد الموجى وشقيقها محمد فوزى الذى كان رافضا لإحترافها الفن، وبعد أن تم الصلح بينهما لحن لها أغنيتى " لامونى"، و" يا ضاربين الودع".

كان من حسن حظ هدى سلطان كمطربة أن الأفلام العديدة التى قامت ببطولتها خاصة مع الفنان فريد شوقى ومحمود المليجى، وحققت نجاحا جماهيريا منقطع النظير بين جمهور " الترسو" كان لها أكبر الأثر فى ذيوع وانتشار العشرات من أغانيها، وزاد الإنتشار أكثر من خلال الإذاعة وبعد ظهور التليفزيون المصرى فى عام 1960، والمحطات الفضائية التليفزيونية فى التسعينات ، ومن أشهر أغانى هدى سلطان على سبيل المثال لا الحصر: " سوق يااسطى وعلى مهلك بينا" ، و " على دول يأمه على دول"، و " إن كنت ناسى أفكرك" ، " من بحرى وبنحبوه" ، " يا جدع يا ظريف"، " على باب شقتنا الحلوة يا شريك أيامى الحلوة"، و " محسودة فى حبك محسودة" ، "عمرى ما دوقت الحب غير لما حبيتك" ، " مكتوب الهوى" ، يا ولاد حارتنا اتلموا.. شوفوا رمضان " ، و " كتبو كتابك يا نقاوة عينى" ، و " يا أم العروسة حضرى لها الحنة".

بعد إنفصالها عن الفنان فريد شوقى وزواجها من المخرج المسرحى حسن عبد السلام قررت هدى سلطان خوض تجربة الوقوف على خشبة المسرح فقدمت " عفريت الست" وأوبريت " وداد الغازية"  ( مع الفنان الراحل عادل أدهم) ، و " الملاك الأزرق" و " وباى باى" و " آه من حلاوتها"

فى حقبة الثمانينات، والتى شهدت تحولات جذرية فى المجتمع المصرى، وظهور شرائح إجتماعية جديدة أثرت بدورها على نوعية جمهور السينما، تعرضت السينما المصرية إلى أزمة كبيرة بسبب قلة الإنتاج السينمائى وقلة دور العرض والمغالاة الكبيرة فى أجور مشاهير النجوم أو النجم الأوحد الذى يتقاضى أجرا يبتلع نصف ميزانية الفيلم أو أكثر، وسيطرة الموزع العربى والأجنبى على سوق توزيع الأفلام المصرية فى البلاد العربية والخارج وبالتالى التحكم فى عملية الإنتاج ... كل هذه الأسباب دفعت العديد من كبار نجوم ونجمات السينما ومخرجيها الى اللجوء للتليفزيون والعمل فى تمثيليات سهرة ومسلسلات الدراما، ومنذ منتصف الثمانينات نجحت الفنانة هدى سلطان فى مد عمرها الفنى لمدة عقدين كاملين بإشتراكها فى العديد من المسلسلات التليفزيونية الناجحة من أهمها ثلاثية نجيب محفوظ، و" ليالى الحلمية " و" على الزيبق" و " أرابيسك" و " زيزينيا" ، " الوتد، و" الليل وآخره"، وتمشيا مع تقدمها فى السن نجحت فى تقديم دور الأم فى نمط جديد يختلف عن أنماط الأدوار التى عهدناها فى أشهر الممثلات اللاتى قمن بدور الأم فى السينما المصرية مثل فردوس محمد وأمينة رزق وسامية رشدى وعزيزة حلمى وآمال زايد، فهى الأم الحنون الرؤوم، وفى نفس الوقت قوية الشخصية، شديدة المراس، والعنيدة القاسية عند اللزوم.

لقد بدأت هدى سلطان حياتها الفنية كمطربة فى أوائل الخمسينات من القرن الماضى، ونجحت لأنها لم تقلد أحدا من مشاهير مطربات عصرها مثل أم كلثوم أو ليلى مراد ، ولكن يبدو أن الشاشة الفضية قد إختطفتها من عالم الغناء الى حد ما بعد النجاح الكبير لأفلامها خاصة تلك التى تقاسمت فيها البطولة مع زوجها فريد شوقى ، ونجاحها فى الوقوف على قدم وساق فى منافسات فنية شريفة يسودها الحب للفن والرغبة فى الإبداع مع بنات جيلها من نجمات السينما فى الخمسينات مثل فاتن حمامه وشادية وماجده الصباحى ومريم فخر الدين وهند رستم وزهرة العلا  وغيرهن.

وإذا كانت التحولات الجذرية التى طرأت على المجتمع المصرى بعد قيام ثورة يوليو 1952 قد ساعدت على حدوث تغير كبير فى مفهوم وشخصية البطل الذى تقدمه السينما المصرية فبرز فريد شوقى  - كمثال - ونجح فى أدوار البطل الفتوة الذى على استعداد أن يأخذ حقه بذراعه ولا يستجديه، فقد حدث نفس التغيير فى أدوار البطولة النسائية، فبينما كانت معظم أدوار فاتن حمامه وماجده ومريم فخر الدين وسميرة أحمد تمثل الفتاة أو المرأة الرومانسية الحالمة المظلومه والمسكينة والتى تعانى من الكثير من القيود، ظهر نوع آخر من الشخصيات النسائية الجديدة – شخصية المرأة القوية الجريئة التى لا تستكين بل على إستعداد أن ترد الصاع صاعين، وقد نجحت تحية كاريوكا وهدى سلطان وهند رستم فى تجسيد هذه النوعية الجديدة من الأدوار. بالنسبة لهدى سلطان فقد مرت سينمائيا بثلاث مراحل أو نقلات نوعية، المرحلة الأولى كان صاحب الفضل فيها هو المخرج الكبير نيازى مصطفى الذى قدمها فى أدوار مختلفة ومتنوعة فى أفلام مثل ست الحسن وحميدو وفتوات الحسينية ورصيف نمرة 5 وسواق نص الليل، وهذه كانت مرحلة الإنتشار واستعراض قدراتها ومواهبها الفنية، وجاءت النقلة النوعية الثانية مع المخرج الكبير عز الدين ذو الفقار الذى قدمها فى دور لواحظ فى فيلم إمرأة فى الطريق، وهى مرحلة بلغت فيها هدى سلطان أعلى درجات الحرفية فى الأداء العبقرى وتقمص الشخصية أصبحت بعدها نجمة " سوبر "
  أو خمس نجوم، ثم تأتى المرحلة الثالثة مع المخرج الكبير كمال الشيخ الذى قدمها فى دور صعب ومركب فى فيلم " شىء فى صدرى" (1971) عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس – ويمكن أن نطلق على هذه المرحلة مرحلة النضج الفنى وتزاوج الخبرات المكتسبة مع المواهب والقدرات الخاصة.

يعد دور لواحظ فى فيلم إمرأة فى الطريق من أشهر الأدوار السينمائية للفنانة الكبيرة الراحلة هدى سلطان إن لم يكن أشهرها وأهمها على الإطلاق، وهذا الفيلم لايزال ضمن قائمة أفضل مائة فيلم مصرى فى تاريخ السينما المصرية كلها. الفيلم بطولة هدى سلطان ورشدى أباظة وشكرى سرحان وزكى رستم وأمال فريد وعبد الغنى قمر ومن إخراج عز الدين ذو الفقار، وقد يكون من المفيد هنا أن نتوقف برهة عند هذا المخرج الكبير صانع النجوم ومفجر المواهب والذى كان له الفضل فى إحداث نقلة نوعية كبرى لكل من رشدى أباظة والفنانة هدى سلطان – الأول بعد دور " عصمت كاظم" فى فيلم " الرجل الثانى" ، والثانية بعد دور لواحظ فى فيلم "إمرأة فى الطريق".

عز الدين ذو الفقار  مخرج متفرد من طراز خاص، ويصنفه كثير من النقاد   على أنه رائد الأفلام العاطفية الشاعرية والرومانسية فى السينما المصرية، وبعض النقاد يعتبره شاعرا يقف وراء الكاميرا، وأراه مخرجا شاعرا رومانسيا حتى فى أفلامه البوليسية، وأسلوبه فى الإخراج – فى رأيى – يقارب أسلوب المخرج العالمى فرنسيس فورد كوبولا ، كلاهما أشترك فى كتابة السيناريو لمعظم افلامهما، ويهتمان بإبراز البعد النفسى والمشاعر العميقة والدوافع للشخصيات، وقد بدأ إهتمامى بهذا المخرج المصرى العبقرى منذ الصغر، وشاهدت تقريبا كل أعماله السينمائية ولا أمل من مشاهدة أى فيلم من إخراجه عدة مرات، وكنت دائما أرى أن عز الدين ذو الفقار لو ظهر فى هوليود لأصبح من كبار المخرجين العالميين، وهذه ليست مبالغة من جانبى أو فرط إعجاب، فعندما إلتقيت كلا من المطربة الفنانة صباح ( فى تورونتو) والراقصة الفنانة سامية جمال ( فى مونتريال) فى مقابلات صحفية خاصة حرصت على أن أسأل كلا منهن عن رأيها فى المخرج عز الدين ذو الفقار والذى أستطاع أن يجمع بينهما فى فيلم واحد هو فيلم " الرجل الثانى" فى عام 1958، وهو نفس العام الذى أخرج فيه أيضا إمرأة فى الطريق، وقد لفت نظرى إلى حد الدهشة أن جاءت الإجابة متطابقة حرفيا وبنفس الطريقة حيث قالت كل منهن : " ده كان عالمى"، وقالت لى الفنانة صباح " أن العمل معه كان صعبا وشاقا فقد كان – رحمه الله – يتميز بالشدة والصرامة والإنضباط نظرا لطبيعته وشخصيته العسكرية فقد كان ضابطا سابقا فى الجيش".  ومن أشهر أفلام عز الدين ذو الفقار " أنا الماضى" و رقصة الوداع" و قطار الليل ورد قلبى وبورسعيد  والرجل الثانى وبين الأطلال وشارع الحب ونهر الحب والشموع السوداء، وطبعا بالإضافة إلى إمرأة فى الطريق.

وقصة فيلم إمرأة فى الطريق مقتيسة أو بمعنى أدق مستوحاه من فيلم أمريكى شهير كان قد ظهر فى أواخر عام 1946 بعنوان " صراع تحت الشمس" – Duel In The Sun - بطولة جريجورى بيك و جينيفر جونز وجوزيف كوتين ، من إنتاج دافيد سيلزنيك ( المنتج السينمائى الذى أنتج للسينما العالمية الفيلم الخالد " ذهب مع الريح" فى عام 1939)، ومن إخراج المخرج العالمى كينج فيدور والذى أخرج روائع مثل " الحرب والسلام " بطولة هنرى فوندا وأودرى هيبورن، و " رجل بلا نجمة " بطولة كيرك دوجلاس و" سولومون أند شيبا" عن قصة الملك سليمان وبلقيس ملكة سبأ بطولة يول برينر وجينا لولو بريجيدا.

تدور قصة الفيلم الأمريكى حول فتاة أمريكية من أصل مكسيكى تدعى " بيرل " ( جينيفر جونز) يقتل والدها أمها رميا بالرصاص بعد أن يكتشف خيانتها الزوجية له ، ويعدم الأب شنقا فترحل بيرل لتقيم مع عائلة ثرية تمت بصلة قرابة بعيدة لأسرتها.

فى منزل العائلة الثرية يعيش شقيقان تختلف شخصية كلا منهما عن الآخر تمام الإختلاف ، الأصغر اسمه " لوت" ( جربجورى بيك) .. شاب وسيم، طويل القامة، جذاب ، مغامر جرىء وطائش، والثانى – " جيسى" - عاقل، متزن ورزين ( جوزيف كوتين)، .. ويقع الشقيقان فى حب بيرل، .. لوت يستغل سحره ووسامته ومصمم على أن يوقع بيرل فى حبائله لكن ليس لديه أى نية فى الزواج منها، ولا يأبه بتمنعها ويستمر فى محاولاته دون كلل، ويحاول الشقيق الأكبر أن يحميها من أخيه الذئب لوت ، غير أن الظروف والسياسات والتقاليد داخل العائلة الثرية تجبر جيسى على أن يترك البيت والمزرعة الكبيرة ويرحل بعيدا، ويخلو الجو تماما للشقيق الأصغر لوت لينفرد بـ بيرل التى لم تيأس من المقاومة وترفض الإستسلام لمحاولاته، ولكن وسط المناظر الطبيعية الخلابة فى المزرعة ، وتحت لهيب حراة الشمس فى الجنوب الأمريكى يرتفع لهيب المشاعر والرغبة وتحاول الفتاة أن تقنع نفسها أن لوت يحبها وأن غرضه شريف فتستسلم له، ... يتزوج جيسى ولأنه يعلم نوايا شقيقه الأصغر الحقيقية يطلب من بيرل أن تترك المزرعة وتعيش معه وزوجته، ويبدأ مثلث الصراع على عدة محاور وأبعاد متضاربة بين الرفض والرغبة وبين العقل والعاطفة، وبين الأخ وأخيه، وعندما يحاول جيسى التصدى لـ لوت وإنقاذ بيرل من براثنه يحتدم الصراع وتتطور الأحداث وتنتهى نهاية مأساوية.

كان هذا ملخصا لقصة الفيلم الأمريكى الذى أحدث ضجة كبيرة فى أمريكا بعد عرضه واختلف عليه النقاد، وقد حظرت كثير من المدن الأمريكية عرض الفيلم لتضمنه العديد من المشاهد العارية والإيماءات الجنسية المثيرة، وتسبب الحظر فى بعض المدن إلى ذيادة الإقبال على الفيلم فى مدن وولايات أخرى، فحقق عند عرضه الأول إيرادات كبيرة بعد أن توقع له بعض النقاد خسارة مالية فادحة، وأصبح الفيلم من كلاسيكيات السينما الأمريكية الشهيرة.

فى الفيلم المصرى " إمرأة فى الطريق" نجح المخرج عز الدين ذو الفقار، الذى شارك فى كتابة السيناريو مع السيناريست الكبير عبد الحى أديب، وكاتب الحوار محمد أبو يوسف فى تقديم فيلم مقتبس عن جوهر قصة الفيلم الأمريكى، ودون الإلتزام الحرفى بسيناريو صراع تحت الشمس، فعبر السيناريو والحوار والشخصيات المرسومة بدقة وعناية تعبيرا صادقا وجميلا عن الجو والبيئة المصرية الخالصة.

تتلخص قصة فيلم إمرأة فى الطريق فى المعلم فرج ( زكى رستم) صاحب محطة بنزين وورشة أصلاح سيارات ملحقة ببيته الذى يقع على الطريق الصحراوى بالقرب من الملاحات والإسكندرية ، يعيش فيه مع إبنه حسنين ( شكرى سرحان) المتزوج من لواحظ ( هدى سلطان )، وهى راقصة غجرية لعوب قبلت الزواج من حسنين وهى لا تحبه وحتى تكون قريبة من صابر ( رشدى أباظة ) الذى تحبه وتعشقه، ولكن صابر يحب بهية ( أمال فريد ) الفتاة البدوية إبنة المعلم منصور الذى ينجح فى إعادة صابر إلى البيت بعد أن طرده أبيه الصعيدى الذى يكرهه لا لشىء سوى أنه إبن زوجته الأولى التى دست السم لزوجته الثانية ( أم حسنين ) وسجنت. تتراكم الديون على الأب بعد فشل حسنين فى إدارة الورشة، وأصبح مهددا بالإفلاس وفقدان الورشة وكل ما يملك، ولم ينقذه من الورطة وسداد الديون سوى صابر، الذى تطارده لواحظ وتلاحقه بكل ما تملك من أسلحة الفتنة والإغراء خاصة بعد أن يفقد الأب بصره فى حادث أثناء عمله فى الورشة تسبب فيه حسنين، .. يقرر حسنين الذى أفسده حب أبيه الزائد وأضعف شخصيته ترك المنزل والسفر بحثا عن عمل وكى يعتمد على نفسه، ويظن الأب نتيجة وشاية الشيخ أمين المنافق ( عبد الغنى قمر) أن ثمة علاقة آثمة بين صابر ولواحظ،، وعندما يعود حسنين يخبره الأب بخيانة زوجته له فى غيابه، .. وفى عدة مشاهد ميلودرامية متتابعة ومتصاعدة يحاول حسنين الغاضب أن يقتل أخيه إنتقاما لشرفه، ولكنه يقتل على يد لواحظ ، ويلفظ حسنين أنفاسه وهو فى حضن أخيه، ويتحول صابر الذى أصبح مطاردا من البلدة بسبب الوشايات والإشاعات الكاذبة إلى وحش شرس فيخنق لواحظ بيديه ويقتلها، ويحمل أخيه القتيل بين ذراعيه ليدفنه، ويسدل ستار نهاية الفيلم على مشهد الأب الأعمى وهو يسير تائها ووحيدا على الطريق يبحث عن إبنه وهو ينادى مرددا : " حسنين يا ولدى .. ولدى يا حسنين".

فى إمرأة على الطريق وصلت الفنانة القديرة هدى سلطان إلى أعلى درجات الإبداع والحرفنة فى الأداء التمثيلى، فأستطاعت بإقتدار تقمص روح شخصية لواحظ، ونقل المعنى المكتوب فى السيناريو وتجسيده على الشاشة الفضية بذكاء وإحساس وإنفعالات متباينة دون مبالغة أو نقصان. لقد تقمصت الدور الصعب المركب ولبسته كما لو كانت ترتدى قفازا فى اليد،أو فستانا على مقاس جسم لواحظ،، وظهر ذلك واضحا جليا فى طريقة كلامها ونبرات صوتها المختلفة وإنفعالاتها حسب الموقف الدرامى، ونجحت فى عدة مشاهد وبلغة السينما فى أن تسرق الكاميرا حتى ولو كانت تقف فى خلفية الكادر، .. كما ظهر فى التعبير بنظراتها وحركات يديها وطريقة سيرها .. لواحظ .. الراقصة الغجرية التى تحب وتعشق، المرأة اللعوب أم عيون جريئة ، الدلوعة، الغيورة، القوية، الضعيفة، تلمح الضعف فى قوتها، والقوة فى ضعفها، سليطة اللسان سريع الطلقات، ... كانت حقا " لواحظ مهلبية "، و " لواحظ الكهربا " كما كان يتخيلها " على " ( محمد توفيق) الشاب العربجى المخلص الذى يتلعثم فى الكلام، ويملأ جدران حجرته البسيطة بصورها لتكون سلوته فى وحدته.

لقد شاهدت الفيلمين الأمريكى والمصرى، ورغم إعجابى الكبير بالنجم العالمى الراحل جريجورى بيك، وبروعة الأداء والمناظر الطبيعية فى الفيلم إلا أننى أعجبت أكثر بالفيلم المصرى، وأرى أن هدى سلطان قد تفوقت على جينيفر جونز الجميلة التى تعرض جسمها بالكامل لعملية ماكياج وصباغة حتى تبدو سمراء البشرة أو قمحية اللون كى تناسب شكل فتاة أمريكية – مكسيكية فى فيلم قد يكون من أشهر أفلامها لكنه ليس أفضلها، أما هدى سلطان فظهرت على طبيعتها بلا ماكياج.. جمال مصرى خالص من صميم التربة والبيئة المصرية.

لقد تفوقت لواحظ المصرية على بيرل الأمريكية، من خلال فيلم مصرى توافرت له كل عناصر النجاح: موضوع قوى، مخرج بارع متمكن وحساس ويعتنى بأدق التفاصيل ، وسيناريو محكم وحوار ذكى جيد، وطاقم من الممثلين المبدعين ، وموسيقى تصويرية رائعة ومعيرة تضيف قوة للمشاهد الدرامية ألفها أندريه رايدر، ومدير تصوير كبير (وديد سرى) ومونتاج أكثر من رائع قام به ألبير نجيب ، وديكور ملائم أضفى واقعية على المكان وخدمت مفرداته الجو والحدث الدرامى بناه أنطون بوليزويس ، والفيلم من إنتاج حلمى رفلة.

وبعد دور لواحظ فى إمرأة فى الطريق مضت هدى سلطان فى طريقها الفنى بخطوات واسعة وأقدام راسخة فقدمت المزيد من الأفلام الناجحة والأعمال التليفزيونية الجيدة، ..

وفى نهاية الثمانينات من القرن الماضى قررت الفنانة القديرة الكبيرة أن ترتدى الحجاب طواعية، ودون إثارة ضجة أو إعلان، فقد كانت فنانة حقيقة وأكبر من أى دعاية رخيصة، .. تحجبت وحجت إلى بيت الله الحرام كل عام، ولم تعتزل الفن أو تتبرأ من أعمالها السابقة أو تدعى أن الفن حرام، فاكتسبت مزيدا من الوقار، والإحترام والحب عند ملايين الناس والفنانين.

نسأل الله العلى القدير أن يرحم الفنانة الكبيرة هدى سلطان ويجعل مثواها الجنة، وإذا كانت قد رحلت عنا بجسدها فإن أعمالها الفنية الكبيرة ستظل حية وخالدة لتمتع الأجيال الحالية والقادمة بالفن الجميل.

كاتب وصحفى مصرى – كندي

Mossad_Hegazy@hotmail.com

موقع "إيلاف" في 22 يونيو 2006

هدى سلطان وعبقرية إمرأة فى طريق الفن

( 1 - 2 )

مسعد حجازي

كان الرئيس السادات – رحمه الله – رجلا " صاحب مزاج" فنى، يقدر الفن والفنانين حتى أنه أستن عيدا سنويا للفن حيث يقوم فيه رئيس الدولة بتكريم كبار الفنانين والفنانات فى حفل كبير يذيعه التليفزيون الرسمى للدولة، ولما لا وهو الذى كان فى مطلع شبابه يحلم بأن يكون ممثلا سينمائيا محترفا، لكن شاءت الأقدار أن تدفع به إلى عالم السياسة الملىء أيضا بالتمثيل ولعب الأدوار.

فى أحد إحتفالات عيد الفن فى نهاية السبعينات من القرن الماضى كانت المطربة والفنانة الكبيرة هدى سلطان إحدى الفنانات اللائى كرمهن الرئيس السادات، وعندما صعدت الى خشبة المسرح لتستلم جائزتها صافحها الرئيس السادات بحرارة شديدة، وانفرجت على قسمات وجهه الأسمر أسارير البهجة والسرور وضحكة كبيرة لفتت أنظار الحاضرين، وظن الجمهور أن مبعث ذلك هو إعجاب وتقدير خاص من الرئيس للفنانة الكبيرة ولكن ما لم يعرفه معظم الناس آنذاك أن هدى سلطان كانت جاره للرئيس السادات فقد كانت تسكن فى إحدى شقق العمارة الملاصقة للفيللا التى انتقل إليها الرئيس السادات بعد توليه رئاسة الجمهورية، وكانت هذه الفيللا التى تقع فى شارع كافور فى الجيزة وتطل على النيل هى ذات الفيللا التى كان يقيم فيها المشير عبد الحكيم عامر وجرى إعتقاله منها بعد حصار عدة ساعات بقوة عسكرية كبيرة بقيادة الفريق محمد فوزى واللواء عبد المنعم رياض فى أعقاب نكسة 1967، وقد عرفت ذلك من زميلة لى كانت تسكن فى شقة تقع أسفل الشقة التى كانت تقيم فيها الفنانة هدى سلطان مع زوجها المخرج المسرحى حسن عبد السلام، وأذكر أن زميلتى كانت قد أخبرتنى بأن أقارب أسرتها قد امتنعوا عن زيارتهم بسبب الإجراءات الأمنية المشددة من جانب طاقم أفراد الحراسة على بيت الرئيس قبل كل زيارة، والتى كانت تطبق على كل سكان العمارة وأقاربهم وأصدقائهم، وكانت الفنانة هدى سلطان تضيق ذرعا بتلك الإجراءات التى كانت تشكل قيدا على حريتها، وكثيرة الشجار مع طاقم الحراسة الذى كان يبلغ الرئيس وأسرته بما يحدث، وكانت تعليمات الرئيس السادات كما علمت فيما بعد تقضى بعدم التعرض لها أو مضايقتها، فقد كان السادات رحمه الله وكما يقول المصريون " إبن حظ" ويحب السهر والفرفشة.

وكان من الطبيعى أن تضيق هدى سلطان بأى قيود على حريتها، وكانت هذه المشكلة والغيرة من أسباب فشل زيجاتها الأربع قبل زواجها من المخرج حسن عبد السلام.

برحيل الفنانة الكبيرة هدى سلطان فى الأسبوع الماضى عن عمر 81 عاما خسر الفن المصرى فنانة عظيمة من جيل العمالقة، بعد رحلة عطاء وإبداع ومشوار طويل فى عالم الفن لما يزيد عن نصف قرن، وحافل بالعديد من الأعمال الغنائية والسينمائية والمسرحية والتليفزيونية المتنوعة – عبر مراحل زمنية مختلفة - يعد الكثير منها بمثابة علامات فارقة فى تاريخ السينما المصرية ومسلسلات الدراما التليفزيونية.

فى الواقع إن مشوار هدى سلطان فى طريق الفن والشهرة والنجومية هو حديث عن الفن المصرى والسينما المصرية على وجه الخصوص خلال النصف قرن الأخير، ويكاد يكون من المستحيل على أى ناقد أو مؤرخ يريد التأريخ للسينما المصرية خلال النصف الثانى من القرن العشرين أن يتجاهل هدى سلطان، كما أن مشوارها الفنى يصلح فى حد ذاته كقصة ورواية مليئة بكل عناصر الدراما.

ولدت الفنانة المطربة هدى سلطان فى عام 1925 فى " كفر الجندى " - إحدى القرى المتاخمة لمدينة طنطا بمحافظة الغربية فى غرب الدلتا، وهدى سلطان هو اسم شهرة، أما اسمها الحقيقى فهو بهيجة (جمالات) عبد السلام عبد العال الحو، وهى تنتمى لأسرة ريفية محافظة، وشقيقها الأكبر هو الفنان الموسيقار والمطرب المحبوب محمد فوزى ( 1918 – 1966) الذى نزح إلى القاهرة لدراسة الموسيقى والإشتغال بالفن رغم إعتراض والده والذى لم يرض عنه إلا بعد أن أشتهر، وقد عالج محمد فوزى هذا الموضوع بطريقة درامية فى أحد أفلامه – ليلى بنت الشاطىء – مع ليلى فوزى وفايزة أحمد وعباس فارس ومن إخراج حسين فوزى.

أدركت هدى سلطان فى سن مبكرة أن الله قد حباها بصوت جميل، وظهرت موهبتها فى الغناء، وسافرت الى القاهرة مع زوجها محمد نجيب بعد وفاة والدها، وفى منزل شقيقها محمد فوزى الذى أصبح ملحنا مشهورا وممثلا سينمائيا أيضا التقت بالعديد من كبار المطربين والملحنين، وفى استوديوهات السينما بصحبة أخيها التقت بكبار الفنانين والفنانات، وتملكتها رغبة عارمة مثل أخيها فى الإشتغال بالفن رغم إعتراض أخيها وزوجها الذى طلقها بسبب إصرارها،.. وبعد فترة من المتاعب والكثير من المحاولات إعتمدتها الإذاعة المصرية كمطربة.

فى ستوديو نحاس اكتشف موهبتها المنتج اللبنانى جبرائيل تلحمه، وقدمها إلى السينما فى أول أفلامها " ست الحسن" فى عام 1950، وقصة الفيلم مستمدة من إحدى قصص ألف ليلة وليلة، كتبها وصاغ الحوار لها أبو السعود الإبيارى وأعد السيناريو للفيلم وأخرجه المخرج الكبير نيازى مصطفى، والفيلم بطولة كمال الشناوى وسامية جمال وليلى فوزى، وبدأت أول مرحلة فنية فى مشوار هدى سلطان الفنى الطويل، وانهالت عليها العروض السينمائية وأصبحت خلال حقبة الخمسينات من أشهر وأحب نجمات السينما المصرية ومطرباتها، وقدمت العديد من أشهر الأعمال الفنية مع كبار النجوم وأشهر مخرجى السينما المصرية فى الخمسينات – نيازى مصطفى – حسن الإمام – صلاح أبو سيف – عاطف سالم – محمود ذو الفقار و شقيقه عز الدين ذو الفقار – يوسف شاهين و حلمى رفلة وغيرهم، مما كان له أثر كبير فى إختلاف وتنوع الأدوار التى مثلتها.

لم تكن هدى سلطان فى حياتها الزوجية موفقة وسعيدة كحياتها الفنية وشهرتها الجماهيرية غناءا وتمثيلا، فزواجها الثانى من المخرج فؤاد الجزايرلى لم يستمر طويلا فتم الطلاق بسبب الغيرة ورغبة الزوج فى عدم اشتغالها بالفن، ثم حدث أن توسط المطرب والموسيقار الكبير فؤاد الأطرش فى مشروع زواجها الثالث من شقيقه فؤاد الأطرش، ورغم ترددها فى القبول خوفا من خوض تجربة زواج فاشلة جديدة إمتثلت لرغبة فريد الأطرش الذى لحن لها العديد من أشهر أغانيها،.. فتم الزواج سريعا غير أن الطلاق كان أمرا محتوما وأسرع، أيضا بسبب الغيرة وعدم تفرغ الزوجة.

وفى عام 1952 قدم مخرج الواقعية الكبير صلاح أبو سيف فريد شوقى فى أول بطولة سينمائية مطلقة له فى فيلم الأسطى حسن أمام البطلة هدى سلطان، وحدث الإعجاب المتبادل، وكان فريد شوقى مطلقا أيضا بعد فشل زواجه الأول من زينب عبد الهادى والتى أنجب منها إبنته الأولى منى،..... وتزوج فريد شوقى وهدى سلطان وقدم الأثنان " دويتو سينمائى" ربما كان الأشهر سينمائيا وجماهيريا بعد " دويتو" أنور وجدى وليلى مراد، قدما من خلاله العديد من الأفلام الدرامية والوطنية وأفلام " الأكشن" مع " مجرم الشاشة" الفنان الكبير محمود المليجى وهى الأفلام التى جعلت النقاد والجمهور يخلعون على فريد شوقى لقب " وحش الشاشة " أو " ملك الترسو " أو " الملك ".

ومن أشهر أفلام هدى سلطان فى الخمسينات: " حكم القوى " (1951) إخراج حسن الإمام، و" الأسطى حسن" و " حبيب قلبى " ( 1952) مع الموسيقار الكبير رياض السنباطى وتحية كاريوكا ومحسن سرحان ومن إخراج حلمى رفلة، و" حميدو" (1953) أمام فريد شوقى ومحمود المليجى وتحية كاريوكا والسيد بدير ومن إخراج نيازى مصطفى، و " نساء بلا رجال" (1953) مع عماد حمدى وكمال الشناوى، ومن إخراج يوسف شاهين، و" جعلونى مجرما" (1954) مع فريد شوقى ويحيى شاهين للمخرج عاطف سالم، وفى نفس العام قدمت " تاكسى الغرام" مع المطرب عبد العزيز محمود، و" فتوات الحسينية " للمخرج نيازى مصطفى، و" أبو الدهب " إخراج حلمى رفلة، و فى العام التالى فيلم " رصيف نمرة 5" مع فريد شوقى وزكى رستم ومحمود المليجى إخراج نيازى مصطفى أيضا، والنمرود (1956) لعاطف سالم، وفى 1957 قدمت "بورسعيد" للمخرج عز الدين ذو الفقار، والفتوة للمخرج صلاح أبو سيف والذى أشتركت فيه هدى سلطان فى مشهد النهاية فقط، وفيلم " المجد" للمخرج السيد بدير، وفى العام التالى قدمت " سواق نص الليل" مع فريد شوقى ومحمود المليجى وزهرة العلا لنيازى مصطفى، وقدمت " إمرأة فى الطريق"، ونساء محرمات" مع صلاح ذو الفقار وحسين رياض وأمينة رزق للمخرج محمود ذو الفقار، وفى عام 1960 قامت ببطولة فيلمى " قاطع طريق" للمخرج حسن الصيفى، و" سوق السلاح مع زوجها فريد شوقى.

استمر زواج هدى سلطان وفريد شوقى قرابة خمسة عشر عاما وأسفر عن إنجاب ناهد ومها، وكانت أعمالهما المشتركة الناجحة جماهيريا حديث الصحافة الفنية لسنوات طويلة، وبدا الزوجان –على الأقل فى الظاهر – كأسعد زوجين، ولكن فى الواقع كانت المشاكل والخلافات تدب بينهما بين حين وآخر بسبب الغيرة والشهرة الكبيرة التى نالها كل منهما فى أعمال سينمائية أخرى كبيرة وغير مشتركة مع كبار نجوم ونجمات السينما المصرية، ومع كل خلاف كان يتدخل أصدقاء الطرفين من الفنانين والنقاد والمنتجين للصلح بينهما بالود والحسنى تارة وبالضغوط تارة أخرى لمنع حدوث الطلاق، فالطلاق بين نجمين كبيرين مثلهما لم يكن ليمثل صدمة كبيرة للجماهير التى أحبتهما فحسب، وإنما كان يعنى كارثة مادية لمنتجى السينما، و لشركتهما الخاصة للإنتاج السينمائى " العهد الجديد"... وتكررت الخلافات الزوجية بينهما حتى وصلت إلى طريق مسدود، وجرت محاولة أخيرة للصلح بينهما فى شقة مؤلف الأغانى الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد لكن يبدو أن هدى سلطان كان قد فاض بها الكيل وصممت على الطلاق رغم الحب الكبير الذى كان بينها وبين فريد شوقى، وأتفق الطرفان على الطلاق على أن يعلن الخبر بعد ستة أشهر بناء على طلب فريد شوقى، وبعدها كتب الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد أغنيته الشهيرة " ظلمنا الحب" والتى غنتها كوكب الشرق أم كلثوم من ألحان الموسيقار بليغ حمدى والتى تقول كلماتها:

" أنا و أنت ظلمنا الحب

أنا و أنت ظلمنا الحب بأيدينا و جينا

عليه و جرحناه لحد ما داب حوالينا

ماحدش منا كان عايز يكون أرحم

من التانى و لا يضحى عن التانى

وضاع الحب و دلوقتى لا أنا بأنساه

و لا بتنساه و لا بنلقاه انا و أنت

أنا و أنت ظلمنا الحب بالغيرة و جبنا

الظنون سيرة و قطعنا الأمل مرات

تصاد الشك و الغيرة و كان الحب بيننا

كبير صغر لما إبتدينا نغير و بردت

نار و قادت نار و برضه مشينا فى التيار

أنا و أنت !!!!!

أنا و أنت نسينا حتى نتعاتب و نتصارح

و عز عليك تسيب العند و تسامح

و عز على أكون البادى و أتصالح

و أصبح كل يوم بيننا يفوت أصعب من

إمبارح و نسينا إزاى كده نسيينا

و إيه ده اللى جرى لينا أنا و أنت

أنا و أنت اللى كنا زمان أعز إثنين

و كان اكبر خصام بينا يدوب فى يومين

يدوب فى يومين خصامنا ليه النوبة دى

زاد و خلا الخطوة بينا بلاد

فرقنا على طريقين و ضاع الحب ما بين

و ضاع الحب ما بين عند قلب و قلب ضاع

الحب و دلوقتى لا أنا بأنساه

و لا بتنساه و لا بنلقاه أنا و أنت".

أرجو من القارىء العزيز أن يغفر لى عرضى لكلمات الأغنية كاملة وألتمس منه العذر، فقد تعمدت ذلك كمثال ليعرف من خلاله الجيل الجديد من أولادنا وشبابنا لماذا يطلق البعض على فترة الخمسينات وحتى منتصف الستينات العصر الذهبى للسينما المصرية، والزمن الجميل للفن المصرى، وإلى أى مدى وصل التدنى والإنحطاط فى كلمات الأغانى الهابطة لأشباه المطربين والمطربات الذين انتشروا بفعل الكاسيت والفيديو كليب فى زمن الإنفتاح سداح مداح (على رأى الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين) خلال الربع قرن الأخير!!... زمن سطت فيه طغمة جاهلة وجشعة ومعقدة من تجار الحديد والخيش والخردة والكاسيت على المسرح المصرى والأغنية المصرية والسينما المصرية والتى كانت تعد فى فترة من الفترات ثانى أكبر تجارة فى مصر بعد تجارة القطن،... زمن اللا معقول، والعجز العربى الذى أصبحت فيه أغانى " شعبولا" تحقق أرقاما قياسية فى المبيعات، مع أن أشهر أغانيه والتى كانت السبب فى شهرته " أنا بكره إسرائيل وبأحب عمرو موسى" لم تزد إسرائيل إلا صلفا وغرورا وتوحشا وعدوانية، لكنها تسببت ودون أن يدرى فى الإطاحة بعمرو موسى من الخارجية إلى الجامعة العربية، فأسدى للنظام ولإسرائيل خدمة كبيرة!!.

نحن يا سادة نعيش فى عصر " الليمبى" صاحب أعلى إيرادات فى تاريخ السينما المصرية كلها، والذى أستطاع فيه بطله محمد سعد بإقتدار أن "يمسح البلاط" برائعة أم كلثوم " حب إيه" أيضا من تأليف الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد وتلحين بليغ حمدى،.. أليس هذا دليلا ومؤشرا خطيرا على ما أصاب الذوق المصرى من إفساد وتدنى وإنحطاط؟!!!

إننى لست ضد أن يغنى شعبان عبد الرحيم ومن على شاكلته من المطربين و" المكوجية" و" القهوجية" ، أو ضد أن يمثل محمد سعد كما يشاء، فالغث والسمين يمكن أن تجدهما دائما فى كل عصر وزمان وفى أى مكان، ولكن ما يقلقنى حقا، ويجب أن نقلق له جميعا هو إختلال الميزان، فيصبح الردىء الهابط هو القاعدة، والجيد الراقى هو الإستثناء. إننى ضد أن ندمر أو نشوه بأيدينا كل ماهو جميل فى حياتنا وتراثنا وتاريخنا.

نعود مرة أخرى إلى محطة الزمن الجميل من رحلة ومشوار الفنانة الكبيرة هدى سلطان الطويل فى عالم الفن والإبداع لنعرض لأشهر أعمالها الغنائية والمسرحية والتليفزيونية، مع عرض نظرة نقدية وافية لأهم وأخطر أدوارها وأفلامها على الإطلاق والذى أظهرت فيه هدى سلطان عبقريتها فى الأداء والتقمص لشخصية " لواحظ " فى فيلم " إمرأة فى الطريق" للمخرج الكبير الراحل عز الدين ذو الفقار، ونثبت كيف أن هذا الفيلم تفوق على الفيلم الأمريكى الأصلى المأخوذ عنه قصة الفيلم، وهذا هو موضوع الحلقة القادمة بإذن الله وتوفيقه.

كاتب وصحفى مصرى – كندى

Mossad_Hegazy@hotmail.com

موقع "إيلاف" في 14 يونيو 2006

 

سينماتك

 

هدى سلطان وعبقرية إمرأة فى طريق الفن

( 2 - 2 )

مسعد حجازي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك