سبحان الله.. هدي شعراوي قائدة حركة تحرير المرأة هي أصلاً "هدي سلطان" لأن والدها هو محمد سلطان باشا.. أما التي أخذت اللقب بالفن القديرة هدي سلطان فهي أصلا "بهيجة".. وإن أطلقت عليها بعض الجرائد والمجلات اسم جمالات أو فهيمة.

ولو أن لقب "سلطان" أخذته من "السلطنة" في الطرب وهي واحدة من أهم الأصوات وفي كل الأحوال فقد أصرت في عيد ميلادها الأخير 14/8/2005 أن تضع 80 شمعة.. بلا خجل.. وأن تؤكد أن عمرها الفني وحده 55 عاما وانها تزوجت 5 مرات وصفتها كلها بالفشل.. لأنها كانت تود أن تستمر مع رجل واحد فقط ويظل فريد شوقي هو الزوج الأشهر الذي استمرت معه 15 عاما وأثمر عن ناهد ومها التي كسرت قلب أمها.. برحيلها منذ أسابيع قليله وقد نفت هدي سلطان في عدة أحاديث ماتردد عن نية شقيقها الأكبر محمد فوزي قتلها عندما علم بأنها اتجهت للغناء.. واعترفت بأنه كان يشجعها.. وان نجاحه شجع أسرتها بعد ذلك علي قبولها هي وأخيها ثم بعد ذلك أختها هند علام التي لم تستمر.. وتفرغت لحياتها العائلية.

وكشفت هدي سلطان كيف أن فريد شوقي بكي عند طلاقها بدمع العين ولكنها أصرت علي ذلك.. وارتبطت بعده بالمخرج حسن عبدالسلام وقبله بالمخرج الاستعراضي فؤاد الجزايرلي وقدمت معه "وداد الغازية".. وقبله بفؤاد شقيق الفنان فريد الأطرش وكانت الزيجة الأولي في عمر 16 سنة وأثمر عن ابنتها نبيلة من رجل عادي اسمه محمد نجيب.

ظهرت هدي وسط عمالقة الغناء.. وبلغت القمة كصوت شعبي أصيل وقدمت كافة ألوان الغناء.. ودخلت السينما لكي تصبح نجمة ولم تستسلم لأدوار الاغراء فقط ولهذا لم يكن صعبا أن تتحول إلي أم من طراز فريد.. كأنها "وتد" البيت الذي يجمع الكل حوله برباط قوي لاينفصل وقد كسرت في دور الأم الأسلوب النمطي للأمهات وأبدعت مع يحيي الفخراني في "الليل وآخره" ومع محمود يس في سلالة "عابد المنشاوي".

وأول أفلامها هو "ست الحسن" الذي يحمل توقيع المخرج نيازي مصطفي.. لكن النجاح تحقق.. والأنظار التفتت إليها في فيلم "حكم القوي" مع المخرج حسن الإمام.. ثم كانت النقلة الهامة في حياتها بفيلم الأسطي حسن مع فريد شوقي عام 52 وتوالت أعمالها: بيت الطاعة. حميدو. سواق نص الليل. رصيف نمرة 5. أبو الدهب. النمرود. الفتوة. بورسعيد. سوق السلاح.

ورغم انفصالها عن فريد.. بثلاثين عاما عادت والتقت معه سينمائيا في فيلم "إمرأة آيلة للسقوط" وكيف لا.. والفيلم من انتاج ابنتهما "ناهد".. وكلام الأبناء علي الآباء والأمهات لايرد.

تغيير المسار

وكما نجح فريد شوقي أن يكتب لنفسه العمر الطويل فنيا.. بتغيير نوعية أدواره.. فعلتها هدي سلطان.. وظلت حتي آخر أيام حياتها متألقة متوازنة.. تظهر علي الشاشة بحجابها.. ولم تحاول أن تتاجر به أو تتطاول علي غير المحجبات.. وتركت هذه الأمور لقلب كل مسلمة وضميرها.. وبهذا التوازن الفني والنفسي.. كانت الرحلة الحافلة بعشرات الجوائز في السينما وفي أرشيف معظم الجرائد والمجلات ستجد صورتها علي منصة التتويج.. متكررة بأعمال من نوعية: إمرأة علي الطريق. جعلوني مجرما. السكرية. بدور. بورسعيد. سوق السلاح. الوتد. وان كانت تعتز جدا حسب اعترافاتها الصحفية لنا ولغيرنا.. بأدوارها في أرابيسك وليالي الحلمية. ورد قلبي. والليل وآخره وقد اعترف لي النجم السوري الكبير جمال سليمان بأن المشهد الذي جمع يحي الفخراني بهدي سلطان في الليل وآخره عندما توفي وبكته فأبكت العالم العربي كله.

يقول جمال ليلتها لم أنم.. وكنت أود أن أركب أول طائرة وأحضر إلي مصر وأقبل يديها..

وسبحان الله.. رحلت ابنتها قبل رحيلها هي فأبت إلا أن تلحق بها بعد أسابيع قليلة.. فكانت نعم "الأم" علي الشاشة.. وفي بيتها!!

 

المخرج أحمد النحاس: أخبرتني .. بأنها "سترحل"

كتب مصطفي البلك 

تنبأت الفنانة هدي سلطان بوفاتها أثناء حديثها عبر التليفون مع المخرج أحمد النحاس حيث قال: قابلت ابنتها ناهد فريد شوقي في صوت القاهرة وسألتها عن صحة الحاجة هدي. فقامت بالاتصال بها عبر التليفون وتحدثت معها وقدمت لها العزاء في وفاة ابنتها "مها" التي توفيت منذ ثلاثة أسابيع وكانت تعيش معها فقالت لي الأعمار بيد الله وأنت مش فاكر في مسلسل الوتد عندما توفي درويش ماتت أمه بعده مباشرة واخذت تبكي.. وكانت تتأهب للرحيل.

والفنانة هدي سلطان شاركت معي في عملين هما الوتد والمزداوية وكان اختياري لها لسببين الأول الصرامة التي تتميز بها.. والسبب الثاني هو الحنان والحضن الواسع الذي يشمل بحبه وحنانه جميع أفراد الأسرة ويكون طبيعياً وهذا ما وجدته فيها. واذكر انها كانت تعمل معي في مسلسل الوتد وهي مريضة وتتحرك بكرسي ورغم ذلك استطاعت أن تتفوق في الدور وتعطينا الشخصية القوية الحنونة التي ظهرت بها.  

 

شهاداتهم بالإجماع

"فنانة".. من طراز فريد!!

كتب - صفوت عمران 

أغلب من طلبناهم من نجوم الفن أغلقوا الموبايلات ولم يتمالكوا أنفسهم من البكاء.. ومع ذلك التقطنا بعض الشهادات في حق الأم "الوتد"!

الفنان محمود ياسين: تفوقت علي كثير من أمهات عظميات مثل فردوس محمد لأنها استطاعت أن تقدم دور الأم العظيمة التي تدير حياة الأسرة وتخطط لها الأم القائدة البسيطة وهي في نفس الوقت الأم القوية التي تذخر بالحكمة والحنان والقدرة علي إدارة شئون مملكتها وكل من حولها.

كما أنها كانت تمتاز بعلاقاتها الإنسانية مع كل الأجيال لدرجة أنها أصبحت علاقات أسرية فكانت دائماً معنا وتسأل علينا ومعنا في الحج وفي كل وقت كانت ترعانا بروح الأم.

وشاركت معها في عدد كبير من الأعمال سواء في السينما أو في التليفزيون كان أخرها مسلسل سلالة عابد المنشاوي.

أكد ممدوح الليثي نقيب السينمائيين ورئيس جهاز السينما أن هدي سلطان فنانة منذ بدايتها واعدة ومرموقة أدت مختلف الأدوار بكفاءة سواء كانت اجتماعية أو دينية أو تاريخية كما أنها الأم الحنون ومطربة عظيمة وشامخة ولا ننسي لها أعمال مثل وداد الغازية وامرأة علي الطريق وقدمت معي العديد من الأعمال التليفزيونية لم تحدثني مرة علي الفلوس فهي فنانة ذات خلق وكان حديثها دائماً عن التقرب إلي الله وكيف تؤدي رسالتها الفنية بكفاءة.

* ويقول الفنان رياض الخولي: هي فنانة كبيرة أعطت الفن فهي صاحبة رحلة من العطاء سواء في السينما أو التليفزيون أو الغناء وفقدها خسارة للفن فقد قدمت العديد من الأعمال المتميزة التي أضافت للفن المصري ولا نملك سوي أن نطلب لها الرحمة والمغفرة.

* الموسيقار حسن أبوالسعود نقيب الموسيقيين: هدي سلطان هي أخر أصوات زمن الفن الجميل ولم يكن له شبيه من الأصوات الموجودة علي الساحة فقد أدت جميع ألوان الغناء وقد برعت وابدعت كمطربة وممثلة وسوف تقوم النقابة بعمل ما يليق بها كفنانة كبيرة.

* ويقول الفنان مجدي فكري الذي شاركها بطولة مسلسل "الوتد" هي سيدة فاضلة من النجمات الكبار الذين أثروا الحركة الفنية بشرف وكرامة وباحترام علمتنا الكثير وكنت أحد من خرجوا من عباءتها في مسلسل "الوتد" ولم أتعلم في حياتي كما تعلمت من هذه السيدة أن الفن هواية مهما احترفنا.. إذا احترمناه.  

 

أم الفنانين

حسن سعد 

"هدي سلطان" فنانة يطلق عليها بصدق مسمي فنانة شاملة فهي مطربة من الطراز النادر وممثلة صاحبة الأداء الخلاب الساحر وصاحبة في نفس الوقت التعبير الحركي الراقص دون ابتذال.. هدي سلطان ممثلة السينما والمسرح والتليفزيون. كانت بدايتها مع السينما بكل أفلامها الغنائية المعروفة. فكانت أشبه بالقمر. تتمتع ببريق لامع وساطع. تشع جوا من البهجة علي الشاشة فيها سمت يتسلل الي الوجدان. الأداء التمثيلي يأخذك بمستوي الصوت المعبر الذي لا يشبه أحداً وسحر الغناء الذي لم أر لماذا تركته لتغوص في نهر التمثيل وهي صاحبة الحنجرة النادرة والتي لا مثيل لها.. لم تكن ممثلة سينما فقط وانما قدمت إحدي روائع المسرح الغنائي من خلال نص جليل البنداري "وداد الغازية" فجمعت بين التمثيل والغناء والرقص وكان المسرح الغنائي آنذاك في أوج ازدهاره.

عاشت هدي سلطان كل سنوات عمرها في حالة توهج وعطاء فكانت حياتها عبارة عن مراحل: الشباب والوسط وسنوات العمر الجميل وهي تلعب دور الأم. فكانت نموذجاً للأم المصرية الحنون بكل تفاصيل هذه المرحلة سواء كانت هذه الأمومة في السينما أو التليفزيون وكان آخر عمل لها في شخصية الأم من خلال مسلسل "الوتد".. ولعبت فيه كل الأدوار كانت ربة الأسرة والحاكمة لها وناسجة لخريطة حياتهم وهي نموذج حقيقي وفاعل للأم المصرية التي حملت عبء الأسرة المصرية علي مدي التاريخ منذ الفراعنة وحتي اليوم.

رحم الله هدي سلطان صاحبة الرسالة الفنية والعطاء المتواصل بكل مذاقه. فكانت نموذجا للفنان الجاد صاحب الاحترام والرسالة الفنية التي تحظي باحترام الجميع.

الجمهورية المصرية في 6 يونيو 2006

 

رحيل الفنانة الكبيرة هدى سلطان

أطربت الجمهور في زمن الكبار لكنها تخلت باكراً عن عرش الغناء لتصبح "أم الممثلين"

سحر طه 

رحلت عن إحدى وثمانين، وبعد نزلة برد حادة، الفنانة الكبيرة هدى سلطان، تاركة صوتها وصورتها الأخيرة كممثلة مبدعة. رحلت "أم الممثلين" كما يحلو للوسط الفني مناداتها لتترك فراغاً كبيراً في التلفزيون، كما تركت فراغاً كبيراً في السبعينات حين هجرت الغناء إلى التمثيل نهائياً.

جاءني صوتها دافئاً عبر الهاتف، ينبض حيوية وحباً، كانت ما تزال جذوة الحب للناس والحياة والعطاء في أوجها. كنت في القاهرة قبل سنوات حين تم تكريمها مع مجموعة فنانين، ويومها غنت مقاطع من إحدى أشهر أغنياتها "إن كنت ناسي أفكرك" وكما هي عادة الجمهور حين تغني هدى سلطان مقاطع قليلة في مناسبات خاصة مثل تلك، إذ يعلو التصفيق والتهليل مع كل قفلة طربية لجملة لحنية ما.

وكان يبدو جلياً في تلك الأثناء إن سلطان تستمتع بغنائها لبعض أشهر أغنياتها، بل كانت تظهر إن الصوت لا يشيخ حين تكون الروح شابة، بغض النظر عن سنوات العمر المديدة، وهكذا في خفر وتواضع تنحني لوقوف الجمهور احتراماً لجمال صوتها وقدرتها على الأداء السليم والممتع رغم مرور السنين، وإلى كل ذلك لم تكن الابتسامة وخفة الظل تفارقها ولو للحظة.

هكذا شعرتها عبر الهاتف، كنت أتخيل ابتسامتها، وتواضعها وهي تعتذر لي بشدة وأسف عن عدم تمكنها من إجراء حوار للجريدة، رغم حبها للبنان، لارتباطها بمسألة حفل التكريم وارتباطها بتصوير أحد أدوارها، لكنها وعدتني أن تحاول رغم ذلك التفرغ لإجراء اللقاء الذي لم يتم.

عشقي لصوت هدى سلطان يعود إلى الستينيات من القرن الماضي. حين كان التلفزيون العراقي، أيام الأسود والأبيض، يبث لها بشكل شبه يومي، حفلة أحيتها في أحد مسارح بغداد.

كنت كلما ظهرت أفترش الأرض أمام التلفزيون وأنا أنظر إلى جميلة شقراء فاتنة، بفستان ديكولتيه أسود وربما يكون أحمر، لكن لم يكن التلفزيون قد تلوّن بعد.

وكلما ظهرت نتذكر حكاية مرضها، فهي حين وصلت الى بغداد أصابتها نزلة برد حادة وكاد الحفل يلغى، لولا العناية الطبية المكثفة، وكان بادياً عليها بعض التعب والبحة، وهي تذكر هذا في بداية الحفل، ولولا أنها ذكرت الأمر ربما لم نعرف بمسألة مرضها ونحن نجلس مدهوشين أمام ذاك الجمال، وتلك الأناقة في كل شيء، بدءاً من الشكل وصولاً إلى الصوت والأداء.

في كل مرة كان التلفزيون يبث واحدة من أغنياتها في هذا الحفل، فتارة نسمعها تغني أغنياتها الشهيرة التي كنا نرددها بشغف وحب، مثل أغنيتها التطريبية المبدعة "إن كنت ناسي أفكرك، ياما كان غرامي بيسهرك، وكان بعادي بيحيّرك" من ألحان العبقري المبدع رياض السنباطي، وأغنيتها الشعبية "يا ضاربين الودع، هوّ الودع قال إيه، خصام حبيبي دلع ولا خصامه ليه".

وربما كثيرون لم يتعرفوا إلى هدى سلطان المغنية المتقنة التي أثبتت وجودها أيام الكبار إبان الخمسينيات والستينيات قبل أن يأخذها التمثيل تماماً وتتوقف عن الغناء في السبعينيات. غنت روائع إضافة إلى ما ذكرناه، وإبداعها في الطرب، كان غالبية أغنياتها تميل إلى اللون الشعبي، خاصة تلك التي غنتها ضمن الأفلام مثل "يا تكسي الغرام"، "من بحري وبنحبوه"، "يا عزيز عيني"، "مكتوب الهوى"، "آه يا انت"، "توت ..توت" مع عبد المنعم مدبولي، و"عمري ما دقت الحب"، "لاموني"، "محسودة"، "يا اسطه"، يا جدع ياظريف"، "على دول" وغيرها، ومن ألحان محمد عبد الوهاب لها أغنية "رجع الهوى تاني" وأغنية للطفل غنتها في فيلم "حكم القوي".

هدى سلطان شقيقة الراحل محمد فوزي الذي أبدع لها أجمل الألحان، رغم سنواتها القليلة في هذا الفن كما أسلفنا إلا أنها نالت شهادة كبار الملحنين مثل السنباطي، وفوزي ورغم ما أشيع في الصحافة من موقف شقيقها منها ومحاربته لها كي لا تدخل ميدان الفن، إلا أنها تدحض هذه الافتراءات وتتحدث عن المحبة الكبيرة التي كانت بينها وبين شقيقها، بدليل إنه أنتج لها أفلاماً ولحن لها أغنيات، بل تعيد له الفضل في زرع بذرة الفن وعشقه في داخلها، حين كان يختلس بعض الأوقات بعيداً عن العائلة ويمسك العود ويغني، كانت تدندن من خلفه وتردد بعض أغنيات أم كلثوم إذ تسمعها عبر الراديو.

تقول في إحدى لقاءاتها الصحفية إنه تدربت بعد حضورها من طنطا إلى القاهرة على يد الملحن أحمد عبد القادر. وفي بيت شقيقها محمد الذي سبقها إلى القاهرة حيث تحدى الوالد في دراسة الموسيقى، تعرفت إلى كبار الفنانين والشعراء والموسيقيين مما ساهم في تنمية موهبتها التي لم تدعمها بالدراسة مثل شقيقها.

لم يجمعها أي فيلم بشقيقها محمد فوزي وسبب ذلك، حسب قولها، إنه لم يكتب سيناريو خاص لهما. وتقول بأن فريد الأطرش قدم لها ألحاناً عديدة جميلة وبقيت علاقتها جيدة به حتى بعد انفصالها عن زوجها فؤاد الأطرش شقيق فريد.

صوت هدى سلطان

تميز صوتها بالقوة والخامة العريضة الواضحة، وبطرب غني، يشبع القفلات والجمل اللحنية، لا يعن، أو يتفكك في أي موضع، بحيث يبقى في نفس القوة في القرار وفي الجواب، وفي عرب تضعها في أماكنها الصحيحة.

صوت مترع بالأحاسيس الجياشة، والدفء النادر، والحس التلقائي. كان البعض يصف خامتها بالمخمل النفيس، لذلك جذبت كبير مثل رياض السنباطي، الذي أبدع لها واحدة من روائع ألحانه التي ستبقى على مر الزمن.

فنانة من زمن الطرب الأصيل، ما يزال كثيرون يعشقون الاستماع إلى صوتها، الطالع من الأعماق. صوت ممرغ بمسحة شجن ولوعة وآه جارحة عريضة القرار، وفي أحيان نجده، مغلفاً بطبقة هلامية من الدلال والغنج والآه، فعبرت عن روح الخفة والظرافة في الألحان الشعبية. وفي كل الأحوال يبقى صوتها ذا إطلالة خاصة مختلفة عن مجايلاتها مثل نور الهدى وصباح وشادية وغيرهن، فهو مزيج من نبرة مغنيات، نجمات شارع محمد علي، ونبرة الأنوثة الرقيقة، والأسلوب العصري الأنيق و"المودرن" في الغناء، الخالي من الشوائب والاستعراض للطبقات والدرجات. وربما هذا ما جعل المخرج حسن الإمام يستغل هذه الصفات في الصوت ليوظفها في فيلم "حكم القوي" كما استغل تماماً الوجه البريء المريح المماثل تماماً للصوت.

هي مطربة معتمدة في الإذاعة المصرية منذ بداية الخمسينات. تقول التمثيل شغلني عن الغناء وأخذ كل وقتي رغم إن بداية أحلامي كانت غنائية. إلا أن انشغالي بالتمثيل في السينما والمسرح كان له تأثير على حضوري في الحفلات الغنائية، لذلك أعوض هذا في الغناء في البداية في الأفلام وبعض المناسبات.

في الآونة الأخيرة وبعد الأحداث التي عصفت بالبلاد العربية شاركت في أوبريت "القدس ح تركع لنا"، ففاجأت الجميع بصوتها الذي ما يزال محتفظاَ بقوته ولياقته وقدرته على سحب البساط من تحت أقدام مغنيات اليوم الشابات. لكنها بعد امتداد العمر بها وظفت صوتها في بعض الغناء الوطني والديني والمناسبات الجادة أو الدعوات إلى تكريم أو مؤتمرات موسيقية مثل "مهرجان الموسيقى العربية" الذي يكرم الكبار كل عام. كانت تجد صعوبة في تقبل وقفتها على المسرح للغناء مثل أيام زمان، رغم مطالبات الجمهور. كما غنت في مسرحيات عدة مثل "وداد الغازية"، "الملاك الأزرق"، "سيد درويش"، "بمبة كشر" وغيرها.

سيرة

·         ­اسمها بهيجة عبد السلام عبد العال الحو.

·         ­مواليد قرية كفر أبو جندي، طنطا، محافظة الغربية 1925.

·     ­صديقتها المحامية مفيدة عبد الرحمن اختارت لها اسم هدى سلطان عندما قررت احتراف الفن ­عام 1950 تقدمت من الإذاعة ونجحت في الاختبار من قبل لجنة مكونة من حافظ عبد الوهاب، وعبد الوهاب يوسف اللذين أجازوا صوتها.

·     ­بدأت مشوارها الغنائي قبل السينمائي. ففي عمر 9 سنوات غنت في مدرستها أغنية لأم كلثوم "إنت فاكراني ولا ناسياني"، فنالت إعجاب الحاضرين ونصحها البعض للاتجاه إلى الغناء لحلاوة صوتها وصغر سنها.

·         ­أول أغنية عبر الإذاعة بعنوان "حبيبي ما لقتش مثاله" من تلحين أحمد عبد القادر.

·         ­أول دور في فيلم سينمائي عام 1950 من إخراج نيازي مصطفى بعنوان "ست الحسن"، غنت فيه ثلاث أغنيات منها أغنية "قطر الندى".

·         ­في فيلم "الأسطى حسن" غنت "حسن وعزيزة"، و "الحنطور".

·         ­في 1954 أول فيلم استعراضي غنت فيه مع عبد العزيز محمود الدويتو الشهير "يا تاكسي الغرام"، من إخراج نيازي مصطفى.

·         ­لها خمسة أشقاء. وولدان وثلاث بنات.

·         ­شقيقها الأكبر الراحل محمد فوزي.

·         ­حفظت القرآن في قريتها كفر جندي.

·         ­والدها مزارع محافظ شديد، كان يحرص على تعليم أبنائه تعاليم الدين، لذلك زوجها باكراً بموظف في سكة الحديد.

·     ­شقيقها محمد فوزي انتقل إلى القاهرة لدراسة الموسيقى وكان هذا حدثاً كبيراً في حياة الأسرة، ولم يرض عنه والده إلا بعد أن حقق شهرة واسعة وكان فخراً للجميع.

تزوجت خمس مرات:

1.       محمد نجيب وأنجبت منه أولى بناتها، نبيلة.

2.       فؤاد الجزايرلي منتج وموزع سينمائي معروف تعاونا وقدما معاً في البداية عدة أعمال.

3.       فؤاد الأطرش. شقيق الراحل فريد الأطرش.

4.       فريد شوقي، وحش الشاشة. وأنجبت منه مها وناهد. ودام زواجهما 15 سنة.

5.       حسن عبد السلام. مخرج تعاونت معه في عدة أفلام.

المستقبل اللبنانية في 6 يونيو 2006

 

عن هدى سلطان التي لا نعرف لماذا أبقيناها في زمن أفلامها الأول

حسن داوود 

كانت هدى سلطان قد سمعت ذلك بنفسها من المذيعة التلفزيونية التي حاورتها: "لكن لماذا لم يبقَ ذكرك متداولاً مثلما ظل متداولاً مثلما ظل متداولاً ذكر ممثلات أخريات؟"، ولم أعد أذكر الآن إن كانت هدى سلطان قد واتتها الشجاعة لتسألها مَنْ هنّ هؤلاء الأخريات. ربما، فيما كنت أشاهد تلك المقابلة التي أجريت قبل نحو خمسة أشهر على الأكثر، تطوّعتُ، بيني وبين نفسي، لأعدد أسماءهن: فاتن حمامة، شادية، هند رستم... أما طرح السؤال على هدى سلطان، مجرّد طرحه، فيشير الى مفارقة لا أعرف إن كان أحد من سامعيه، ومن مصدّقيه، يملك له جواباً هيّناً. وفي السؤال أيضاً أن هدى سلطان في زمنها وزمنهن، كانت لها النجومية التي لهن. لكنها، من دونهن، ودائماً على وجه التقريب، توقفت هناك فيما هنّ واصلن حضورهن في ذاكرة أهل ذلك الزمان: نجمات ما زلن، بل وجديدات، ذلك النوع من الجدة الذي نعرف أنه بدأ في وقت مبكر، منذ أربعين سنة مثلاً، أو ربما أكثر.

لقد واصلن حضورهن فيما بقيت هدى سلطان هناك، في تلك المشاهد القديمة من أفلام "الشاطر حسن" و"تاكسي الغرام" و"رصيف نمرة خمسة". كانت مصر قديمة هي أيضاً في تلك الأفلام، ومستمرة على حالها منذ أن غنى سيد درويش للشغيلة الذين يقومون الى عملهم مبكرين في الصباح، حيث، في ما يتعلق بزمن هدى سلطان، كان كل ابتعاد عن الفقر فساداً وذهاباً نحو الرذيلة، واختلافاً عما يجب أن يكون عليه العيش الحقيقي. هدى سلطان بقيت هناك إذن، في ذلك الأسود والأبيض الذي يبدو أكثر عتقاً من سواه في الأفلام الأخرى. هذا وقد بقينا وقتاً طويلاً نقول، فيما نحن نشاهد الأفلام العربية تتتالى على شاشات الأقنية التي تخصصت بها: لكن لماذا لايعيدون عرض تلك الأفلام (أقصد "الشاطر حسن" و"تاكسي الغرام" وسواها)؟ أو نقول: لقد شبعنا من الأفلام، لكثرة ما تتكرر، ولم يوصلنا واضعوها بعد الى أفلام هدى سلطان تلك. ربما كان ذلك أفضل، نقول في أحيان، إذ أنه يبقي تلك الأفلام مثل سرّ شخصي يحتفظ به كل منّا لنفسه. كما أنه يبقي هدى سلطان نفسها سرّاً إضافياً بينه وبين نفسه، حائراً إزاءها، متروكاً من دون أيّ تعريف بها يساعده على وضعها في صورة مفهومة.

بقيت هناك في اليفاعة، أو في أول المراهقة، حيث سيكون على متذكرها أن يترك خياله يرسم قوساً يرجع به زمناً لا يقل عن أربعين سنة. هناك هي، في تلك المراهقة الأولى، مغوية ومثيرة لكن مثلما تغوي قريبات العائلة وتثير. أو أن المراهق ذاك كان يترك الكلام عنها لنفسه، غير معلن فنتازماته لرفاقه. ليست مثل شادية مثلاً، الجامعة تدلّعين، واحداً في مظهرها وآخر في غنائها، وهذا ما كان يجعلها مقيمة في تداول الناس المشترك والعام. وليست مثل هند رستم، ولا سعاد حسني في ما بعد، اللتين، في كل مشهد ظهرتا فيه، كانتا تسعيان الى أن ترسخا حضورهما، بالقوة أحياناً كما في حال هند رستم، لكي لا يكون عبورهما في الأفلام مكتفياً بأداء الدور فقط.

هند رستم كانت تتحدى سطوة الرجال بأسلحة أنثوية ليست كلها من معطى الفطرة. سعاد حسني كانت تفعل ذلك بإغراء الأنوثة ودلعها. هدى سلطان، في الفيلم الذي جمعها مع فريد شوقي ورشدي أباظة وزوزو نبيل لم تكن أكثر من زوجة مظلومة ومسامحة. تركت فريد شوقي (زوجها في الفيلم) يقع في أسر التجربة، عالقاً في أسر زوزو نبيل، يهجر بيته ويغيّر هندامه وسكنه ويتغيّر هو نفسه فيصبح غريباً عن "الحتة" بعدما كان واحداً من أبنائها الطبيعيين. لقد فعل فريد شوقي كل ذلك فيما ظلّت هي مثلما هي: امرأة منتظرة، صابرة، محتضنة من أهل الحتة الذي كان بينهم سيد بدير ومحمود شكوكو وعبد الوارث عسر.

ظلت هدى سلطان في ماضيها ذاك لأنها، ربما، ابنة زمنها. كان ينبغي لها، مثل سواها، أن تسبقه بطريقة من إحدى الطرق الكثيرة التي تداولتها الممثلات الأخريات. أن تستفز مثلاً، على نحو ما فعلت هند رستم. أن تكون لعوبة أكثر من كونها جميلة، على نحو ما كانت شادية وسعاد حسني في ما بعد؛ أن تقترح صيغة أخرى لجمال النساء، مثلما كان حال فاتن حمامة. كلهن خطون خطوة، أو أكثر، نحو أن يكنّ نساء جديدات في زمن ما راحت السينما تدفع الناس الى تغيير ما يعتبرونه المقاييس الراسخة للجمال. "سعاد حسني جميلة لكن سحرها في دلعها"، كانت تقول الأمهات المهتديات الى مواطن فتنة تردّ الجمال الى الخلف أو تجعله في غير المرتبة الأولى بالضرورة.

كنّ، هن الممثلات، يستجبن للأذواق المتغيّرة التي كانت تذكي تقلبها السينما. أما هدى سلطان فكانت مثالاً للمرأة مستمراً منذ قرون ربما، محمياً بأوصاف الجمال التي كانت تعيّنها الأمثال الشعبية. وقد ظل هذا الجمال فاعلاً حتى الزمن الذي كانت فيه هدى سلطان نجمة. في سنوات الخمسينات تلك، ومطالع الستينات، أتيح لها أن تكون فاتنة للأب وإبنه معاً. لكن هذا الأخير تغيّر عنها بعد ذلك، وإذ ظل، حتى بعد أن صار أباً هو نفسه، محتفظاً في مكان ما من ذاكرته بنوع التهويم (الجنسي والغرامي) الذي أخذه منها في أفلامها.

ينبغي لنا أن نرجع الى الوراء، جاعلين ذاكرتنا ترتد أربعين سنة أو أكثر لنصل الى هدى سلطان، الممثلة، لكن المغنية أيضاً. لاأعرف إن كان ما أبقانا هناك، قاطعاً ذكراها عن الامتداد، زمنُها الثاني، أو زمن أدوارها الثاني الذي أدت فيه أدوار الأم أو مَنْ هنّ في منزلة الأم. لكن، في أي حال، لا ينبغي أن نحسّ بالذنب إذ لا أحد مسؤولاً عن تراجع هدى سلطان عن أن تكون "أيقونة" (بحسب استعمال مستجد علينا). لا ينبغي لنا أن نحسّ بالذنب حين نقرأ ذلك التاريخ الحافل، في التمثيل والغناء، وكذلك في العيش، الذي كان لهدى سلطان وبتنا في حاجة الى مَنْ يكتبه لنا لنتذكره. ذاك أننا لم نهمل عن قصد، بل ربما نكون، نحن أيضاً، ضحايا قوانين الحياة التي لا نعرف أبداً كيف تعمل.

المستقبل اللبنانية في 11 يونيو 2006

 

رحيل هدى سلطان بعد اكثر من نصف قرن على الشاشة

القاهرة - من رياض ابو عواد

الساحة الفنية تودع الممثلة والمغنية المصرية الكبيرة التي تحدت التقاليد وتألقت في نجوميتها.  

وصل نبأ وفاة الفنانة والمغنية هدى سلطان التي استمر عطاؤها الفني 56 عاما بعد ظهر الاثنين عندما كانت ابنتها ناهد فريد شوقي تشرف على حفل بدء تصوير مسلسل "كشكلول لكل مواطن" الذي تنتجه.

وتوقف حقل افتتاح المسلسل وغرقت حفيدتها ناهد مدحت السباعي التي ستقدم اول ادوراها التمثيلية في البكاء لتعلن امام الفنانين المشاركين في المسلسل والصحافيين الذين حضروا لتغطية الاحتفال وفاة جدتها في منزلها بعد ايام من عودتها من المستشفى حيث كانت تعالج من مرض السرطان.

والفنانة الراحلة واسمها الحقيقي بهيجة عبد العال الحو هي الشقيقة الثانية بعد هند للممثل والمطرب والملحن محمد فوزي الذي كان يقف وراء انتاج العديد من افلام السينما المصرية الى جانب تلحين المئات من الاغاني التي قام بتأدية العشرات منها هو نفسه.

وهي من عائلة فلاحية محافظة من مدينة طنطا استطاع شقيقها الاكبر محمد فوزي ان يفرض رأيه على والده المحافظ ليعمل في الفن والذي لم يعترف بابنه حتى حقق نجاحا فنيا كبيرا.

وهذا شكل دعما قويا لشقيقته الاولى والثانية لدخول عالم الفن بدعم منه مع بعض التحفظ، وهذا مهد لانطلاقة هدى سلطان المولودة في عام 1925 لتعلن ولادتها الفنية في عام 1950 مع فيلم "ست الحسن".

ولكنها دفعت ثمن هذا النجاح عندما طلقها اول ازواجها محمد نجيب بسبب الغيرة اثر اشتهارها في عالم الفن بعد ان انجبت كبرى بناتها نبيلة ثم تزوجت المنتج الموزع السينمائي فؤاد الجزايرلي وفشل زواجها للسبب نفسه. وتزوجت بعده الامير فؤاد الاطرش شقيق فريد واسمهان الاطرش، ثم فريد شوقي الذي انجبت منه ابنتيها ناهد ومها وعاشت معه 15 عاما.

وقدمت مع فريد شوقي خلال فترة زواجهما اكثر من عشرين فيلما حيث شكلا ثنائيا متميزا في السينما المصرية جذب جمهورا كبيرا من عامة الشعب وهي الشعبية التي دفعت النقاد والجمهور لاطلاق لقب "ملك الترسو" على الراحل فريد شوقي.

ومن اشهر الافلام التي قدمتها الفنانة الراحلة "امرأة على الطريق" الذي نالت على دورها فيه الكثير من الجوائز، الى جانب افلام "السكرية" عن رواية نجيب محفوظ بالاسم نفسه و"جعلوني مجرما" للمخرج عاطف سالم و"فتوات الحسينية".

ومثلت كذلك في "الاختيار" و"وداعا بونابرت" و"الابن الضال" مع المخرج المصري الشهير يوسف شاهين وفي "بدور" و"بورسعيد" و"سوق السلاح". وكان اخر دور سينمائي ظهرت فيه بعد عشرين عاما من انقطاعها عن التمثيل السينمائي في فيلم "نظرة عين" مع الفنانة منى زكي كضيفة شرف.

كما ادت العديد من الادوار في الدراما التلفزيونية من اهمها "زينب والعرش" و"ارابيسك" و"زيزينيا" و"الليل واخره" و"الوتد" و"ليالي الحلمية" و"رد قلبي" و"زي القمر" و"للثروة حسابات اخرى". وكان اخر مسلسلاتها "سلالة عابد المنشاوي".

وعلى خشبة المسرح قدمت الفنانة الراحلة الكثير من المسرحيات كان من ابرزها "وداد الغازية" و"الحرافيش" و"الملاك الازرق" و"بمبة كشر" و"سيد درويش".

ميدل إيست أنلاين في 5 يونيو 2006

محمود قاسم يكتب عن: تحولات سينمائية أكدت موهبتها الفنية

هدي سلطان.. عبقرية الأداء.. والأنوثة الطاغية  

فجأة تحولت من الفتاة الرقيقة الغناءة الرومانسية مكسورة الجناح إلي امرأة شعبية تتفجر بالأنوثة والخطيئة والشر  

فجأة تحولت هذه الفتاة الرقيقة الغناءة المكسورة الجناح غالبا، الرومانسية في أفلامها الأولي إلي امرأة شعبية تتفجر بالأنوثة والخطيئة والشر.

شتان بين المرأة المنكسرة التي جسدتها هدي سلطان في فيلم «الأسطي حسن» عام 1952 من إخراج صلاح أبوسيف والغجرية في «حميدو» والعاشقة في «تاكسي الغرام» والزوجة الثانية المسلمة في «الشيخ حسن» والزوجة الباحثة عن المأوي في «رصيف نمرة خمسة» ثم الضريرة في «بورسعيد» والعاشقة الحالمة التي تساند رجلها في «المجد» كي يعيد عزالدين ذو الفقار صياغتها تماما في فيلم «امرأة في الطريق» عام 1958 ليغير بذلك مسيرة حياتها تماما.

في «امرأة في الطريق» جسدت هدي سلطان المرأة التي تستخدم كافة أسلحتها مع الجميع، سلاح الأنوثة والغواية والخيانة ولم يفلت من طغيانها الأنثوي أحد ممن أحاطوها ابتداء من زوجها حسنين وشقيقه صابر وأبوهما ثم الكثير من سكان القرية الصغيرة المجاورة للسكن الذي تسكن فيه لواحظ مع عائلتها الصغيرة الخالية من الأطفال والبراءة المليئة برجال شحنتهم الشهوة والغربة من سائق شاحنة إلي عطار القرية إلي بهية خطيبة صابر وأبيها.

المرأة المغلوبة علي أمرها التي جسدتها هدي سلطان عاشقة، محتشمة، حالمة، رومانسية، أما المرأة الشريرة الشهوانية فهي بضة الجسد متوسطة الطول، تضع المنديل أبو أوية فوق رأسها، لا تتورع عن إظهار مفاتنها، أو اختيار لحظة صنع الإثارة، هي متقدة الحس، تبحث عن الارتواء الجسدي من رجل له ذكورة وفحولة صابر، تغويه حتي وإن كان شقيقا لزوجها الذي تقتله حين يهم بقتل أخيه فيما يشبه الصراع الأزلي بين قابيل وهابيل من أجل امرأة كما أنها تستخدم كافة ما لديها من أسلحة اللسان الطويل، والهجوم والطلبات الملحة وسوف نري إن لم تحب صابر الحب الرومانسي بل الشهواني فهي مثل الكلبة التي تعرض جسدها علي الكلاب جميعا في أي مكان من أجل أن تكسب.. كما أنها الغجرية في كافة صفاتها.

وقد وصفنا الشخصية الشريرة التي جسدتها هدي سلطان في هذا الفيلم بشكل خاص لأن كافة المخرجين الذين دفعوها لأداء هذه الشخصية في أفلامها التالية كانوا يحاولون العزف علي النغمة نفسها، أو الشخصية نفسها التي أدهشت المشاهدين في «امرأة في الطريق» باعتبار أن السينما المصرية حاولت دوما الاستفادة من نجاح ظاهرة ما، أو ممثل في دور معين كي تسند إليه بقية الأدوار بالطريقة نفسها فالمخرجون سيقدمونها مع رشدي أباظة في «قاطع طريق» لحسن الصيفي عام 1959 و«نهاية الطريق» لكمال عطية عام 1960 .

ومن ناحية أخري فإن الممثلة قد سبق لها أن جسدت دور الغجرية عام 1953 في فيلم «حميدو» لكنها امرأة ماهرة تحاول البحث عن فرصة للعيش وتقف إلي جانب حميدو وتسلم له شرفها، وتحمل منه وعندما تطلب منه الزواج يقتلها غرقا في البحر.. كما أنها جسدت شخصية «الغجرية» أيضا في فيلم يحمل العنوان نفسه عام 1960 مع تغيير ملحوظ في الهوية.

وهدي سلطان أو لواحظ في «امرأة في الطريق» هي أقرب إلي شخصية الغجرية في فيلم «صراع تحت الشمس» إخراج كنج فيدور عام 1947 وهو أيضا عن صراع بين أخوين بسبب امرأة لعوب دخلت فيما بينهما كانت أقرب إلي جينفر جونز، لكن كنج لم يجعل غجريته امرأة بمثل هذه الفتنة، ولا الشر ولا الإثارة التي تمتعت بها شخصية لواحظ فالغجرية في الفيلم الأمريكي أحبت شقيق زوجها في المقام الأول وماتت معه في الصراع النهائي بين الاثنين.

ويكفي أن نقول إن هدي سلطان بقيامها بتجسيد شخصية لواحظ استطاعت أن تبقي في الذاكرة وفي تاريخ السينما من الممثلات القلائل البالغات الموهبة فهي تحمل كافة ألوان التناقض، تتزوج من الأخ حسنين حتي تكون إلي جوار أخيه صابر.

ونحن أمام ثلاث شخصيات لايجمع بينهما أي صفة مشتركة فالمرأة شهوانية وحسنين أناني ضعيف الشخصية مدلل من الأب، أماصابر فهو قوي نبيل، ويعيش الثلاثة مع الأب الذي يفرق في المعاملة بين ولديه لأنه كان يفضل أم أحدهما علي الأخري.

والذي يهمنا هنا شخصية لواحظ فهذا الاسم كان يستخدم في الأفلام في تلك الفترة فقط للغانيات وبنات الليل مثل فيلم «لواحظ» لحسن الإمام في العام نفسه، لواحظ هنا امرأة وراءها تاريخ متدني طردت من قرية مجاورة لسوء سلوكها، وأيضا بسبب غيرة النساء من جمالها وفجورها فهي فاتنة للرجال وعندما تتزوج المرأة من حسنين فإنها تستطيع السيطرة عليه بجمالها وقوة شخصيتها وهي تتحكم في كل ما حولها وتبدو جاحدة كارهة ترفض أن تقرض زوجها وأباه المال إبان أزمته المالية وتري الأثاث وأدوات الورشة تباع بالمزاد بالقطعة دون أن يرق قلبها وفي اللحظة المناسبة يظهر صابر ويدفع الديون ويكون في ذلك مصالحة مع الأب، وعودة للابن صابر للإقامة في المنزل الذي يطل علي الطريق الصحراوي في منطقة جافة بالغة القسوة مثل قلوب بعض أصحابها.

وبعودة صابر إلي المنزل بعد زواج أخيه من لواحظ تشتعل النيران الداخلية وتبدأ المرأة في رمي أنوثتها من حوله لكنه يقاومها بشدة، ويحتمي ضدها بعلاقته ببهية، البدوية البسيطة ووسط هذه العلاقات فإن حسنين حين يلاحظ غوية زوجته لأخيه، لا يثور بل يطلب من صابر أن يسامحه كما أن الزوج لا يلاحظ سلوكها النزق، خاصة حين تنزل القرية فتلهب مشاعر الرجال ومن بينهم رجلان يتباريان عن طريق قوة الساعدين، ثم هناك أمين صاحب بقالة الأمانة والشرف التي يراودها عن نفسها ويشتهيها ويحاول إغوائها فتقذفه بالشتائم اللاذعة.

أما ما تفعله لواحظ تجاه الأخ صابر فهو يتم بإلحاح وشهوانية، أنا عايشة بيك وعشانك يا صابر أنا اتجوزته عشانك وهذا الحب من طرف حسنين يكتشف ضعفه فهو لا يستطيع أن يصفعها كما أنه يتوسل إلي صابر أن يعيدها.

ولواحظ ليست خائنة فقط بل إنها قاتلة لجأت إلي القتل مرتين حيث تدق رأس أمين بالحجر وتتخلص منه حين أراد اغتصابها في أحد المشاهد ثم تقوم بقتل زوجها حين يكاد أن يطلق الرصاص علي صابر فتطلق هي عليه عدة رصاصات قبل أن يخنقها الأخ الأكبر ولتموت بين يديه.

فتح هذا الدور لهدي سلطان أن تقوم بأدوار عديدة مماثلة خاصة في العام التالي 1959 في «حب ودلع» لمحمود إسماعيل و«قطاع طريق» لحسن الصيفي و«نساء محرمات» لمحمود ذوالفقار فهي في هذه الأفلام امرأة من بيئة شعبية تعتمد علي جسدها في تحقيق مآربها وهي في فيلمين منهما تقوم بدور مطربة أفراح مثل بطة في «حب ودلع» فهي بطة التي تعمل مغنية مع العوالم ترمي بشباكها علي جارها العجوز مثلما تفعل مع رجال عديدين، تعيش بطة مع أخيها جلجل الذي يود الزواج من بطة يطلب جلجل من أخته أن تخطب له رحمة ابنة العجوز عويس فترمي بشباكها عليه وتوافق علي عرضه عليها بأن يتزوجها، كي تمهد لفرض رأيها في أن يتزوج أخوها المدلل من رحمة.

ومصير بطة يأتي علي يدي أحد عشاقها السابقين حين يعرف أنها تزوجت من عويس لذا فإنه يتربص بها ويحاول قتلها ليلة زفاف رحمة وجلجل.

إذن فالمرأة هنا أيضا متعددة العلاقات خائنة، مليئة بالحسية والشهوانية وقد جسدت هدي سلطان هذه الشخصيات وهي في قمة نضجها الفني.. وبدت في أحسن حالاتها في فيلم «نساء محرمات» فالمرأة الخائنة هنا تمارس الخيانة عن عمد، تدعي محاسن، امرأة جميلة في منتصف العمر تتسم بليونة واضحة توافق أن تتزوج من عجوز لم تنجب امرأته منذ ربع قرن، وذلك طمعا في ثرائه فهو تاجر ميسور الحال ويتزوج منها بعد أن طلبت منه امرأته العجوز أن يفعل ذلك ومنذ اللحظة الأولي فإن محاسن ترمي بأنظارها علي الشاب أحمد الذي تولي الحاج توفيق تربيته والذي لا يعرف بالمرة أن هذه المرأة التي تأتي إليه ليلا في شقته هي زوجة الحاج توفيق إنها امرأة بالغة الشهوانية والحسية تخطئ معه، إلي أن تحمل منه، كل ذلك يتم في سرية شديدة، والوحيدة التي تعرف بطبيعة العلاقات بين كل الأطراف هي محاسن نفسها فهي رغم ليونتها الظاهرة واللين والكلام الحلو وأيضا قوة الإرادة والسطوة وطول اللسان لدرجة القتل من أجل أن تستحوذ علي كل شيء لنفسها، الزوج العجوز والعشيق والابنة من زواج آخر، وأيضا الجنين الكامن في أحشائها من علاقة خطيئة.

محاسن هذه تأتي بها إحدي معارف الحاج توفيق تبدو علي النقيض تماما من الزوجة الأولي لأمينة رزق فهي شهوانية وشابة وسبق لها الزواج وهي تعرف طريقها بشكل مختصر فهي ما إن تعرف أحمد من وراء البرقع حتي تبدأ في مغازلته في الهاتف ولأنها تسكن معه في نفس المنزل حتي تصعد إليه في غرفته فوق السطح وهو لديه استعداد للوقوع في الخطيئة دون أن يعرف أن المرأة التي تأتيه هي زوجة الحاج وفيما بعد تأتي ليلي الابنة من زواج سابق، وتتعضد صلتها بأحمد ولذا فإن محاسن تقف ضد هذه العلاقة بالمرصاد عندما يتقدم أحمد لخطبة ليلي، وتخبر عشيقها بأنها حامل منه.. ثم تصعد إليه كالعادة في إحدي الأمسيات وتطلب منه عدم الاقتران بابنتها في الوقت الذي يتسلل العجوز وراءها ويسمع الحوار بينهما فهي تخبره أنها زوجة الحاج توفيق وأن زواجها من ابنتها سيكون محرما لأن الجنين القادم سيكون أخا لليلي التي ينوي الزواج منها.

ومحاسن هنا قاتلة فهي عندما تشعر بالفضيحة تقوم بطعن عشيقها الذي يقوم بخنقها قبل أن يلفظ أنفاسه.. إذن فالمرأة الشريرة هنا تلقي المصير نفسه علي يد عشيقها الذي لاقته لواحظ علي يدي صابر «الخنق» ويترك هذا أثره الاجتماعي في المحيط الاجتماعي الذي عاشت فيه فالزوج يصاب بأزمة قلبية نتيجة لما سمعه وهو في المشهد الأخير من الفيلم يتعافي ويعود إلي زوجته صفية.

لم يشأ عز الدين ذو الفقار أن يضع نهاية محسومة في فيلمه بعد أن قتلت لواحظ مخنوقة لكن أخاه محمود وضع نهاية تربوية حين أعاد الحاج توفيق إلي امرأته العجوز مثله وكأنه تعلم من الدرس بعد أن خسرت أطراف كثيرة منها ليلي، مصائرها إما بالموت أو بفقدان العائل.

في عام 1960 صارت هدي سلطان أكثر حضورا ربما هي السنة الأكثر نشاطا سينمائيا لها طول حياتها حيث عملت في سبعة أفلام هي «زوجة من الشارع» لحسن الإمام و«سر امرأة» لعاطف سالم و«سوق السلاح» لكمال عطية و«العاشقة» و«الغجرية» وهما للسيد زيادة ثم «نهاية الطريق» لكمال عطية أيضا.

وكما نري فإن أغلب هذه الأفلام عدا واحدا هو «سوق السلاح» مما يعني أنها كانت تؤدي أدوار الشر والإغراء بعيدا عن زوجها الذي كون معها ثنائيا وشركة إنتاج والذي اتجه إلي أدوار الحركة والخير.

لم تكن «الغجرية» هنا هي المرأة الحسية الشريرة بل هي الطفلة الصغيرة التي اخطتفها الغضب وقاموا بتربيتها فصارت واحدة منهم وعندما تكبر تجد سلمي نفسها يوما في بيت أبيها الحقيقي وتعمل خادمة وتقاوم الرغبة في السرقة خاصة أنها أحبت الشاب فتحي، ابن السيد، وعندما تتكشف حقيقة سلمي وتحس أن زواجها من فتحي محرم فإن الأب يعترف أن الشاب ابن له بالتبني.

أما في «سوق السلاح» فإن هدي سلطان تعود لتجسد دور مطربة الأفراح بهية التي تعمل مع أخيها صلاح بعد أن مات أبوها ميكانيكي السيارات في السجن بسبب مهرب المخدرات شكورة الذي يسيطر علي الحي. هي امرأة موجودة في وسط اجتماعي موبوء بالإجرام لكنها تحاول الخروج منه بعد أن تدفع حبيبها سيد للانتقام ممن قتلوا أخاها صلاح وتسببوا في قتل أبيها والمقصود بالبيئة الإجرامية أن الأب والأخ والزوج سيد كلهم قد مارسوا تجارة المخدرات وأن هذا الأخير قد تم القبض عليه وصرا عليها أن تنتظر خروجه من السجن.

في فيلم «نهاية الطريق» للمخرج نفسه جسدت الممثلة دور شربات المرأة المتعددة الأزواج والرجال فهي تنتقل بين أكثر من علاقة شرعية بعد انفصالها عن زوجها الأول الذي رأته فاشلا غير طموح فهي تحب طالبا ثريا لكنها تتزوج من أبيه، وتدب الغيرة في قلب الابن، فيقتل أباه، ويدخل السجن وتؤول الثروة كلها إلي شربات لكن هذه الأموال لا تلبث أن تكون من نصيب رجل نصاب رمي بشباكه حولها.

كما تعدد الأزواج في حياة أشواق في فيلم «العاشقة» فهي الزوجة تقع في شباك شلبي ابن العمدة ثم تهرب معه لكن عشيقها لا يلبث أن يهجرها بعد أن مل من صحبتها مما يدفع بالزوج خليل أن يقتل العشيق شلبي ويدخل الأب السجن ويترك ابنته فاطمة من أشواق في رعاية أخته الفقيرة أما أشواق فإنها تصير راقصة تقوم ذات يوم بإحياء فرح ابنتها دون أن تدري حقيقتها بالنسبة لها، الوحيد الذي يعرف الحقيقة هو الأب خليل الذي يكون قد خرج من السجن والذي يلاحظ أن امرأته السابقة ترمي بشباكها حول زوج ابنتها فيعترف لها بالحقيقة، مما يصدم أشواق.. وتموت من الصدمة النفسية.

أما «زوجة من الشارع» فهي دلال المطربة صاحبة الكباريه، المحاطة بالرجال والتي تختار رجلا بعينه للزواج منه دون الآخرين الذين طلبوا منها الاقتران لكن هذه الزيجة تصدم الأم فتصاب بمرض وحين يأتي الطبيب إلي المنزل يتعرف علي دلال التي كان زبونا لها ذات يوم ويحدث أن يتقدم الطبيب لابنة العم لكن دلال تقف ضد هذا الزواج مثلما فعلت محاسن مع ابنتها ليلي لأن هذا الزواج سوف يكشف ماضيها أمام الأسرة وعندما تفشل محاولاتها تقتله وفي المحكمة يتمكن المحامي من إثبات الجريمة.

كما نري فإن كل هذه الأدوار الشريرة التي جسدتها حاول فيها المخرجون وهم أقل قيمة من عز الدين ذو الفقار أن يدفعوا إليها بأدوار يستفيدون فيها من نجاحها في أداء شخصية لواحظ لكن ليس غريبا أن تأتي كل هذه الشخصيات الشريرة التي جسدتها هدي سلطان باهتة فقد خلت من أجواء الإثارة المتوقدة كما أن أغلب هذه الشخصيات كانت تعيش في بيوت مغلقة وليس في بيت خشبي علي الطرق الصحراوي، منذ أسند إليها حسن الإمام أيضا في فيلمه «صائدة الرجال» دور مطربة الملاهي التي تسعي إلي اعتزال هذا العالم بأي ثمن، وتتركه لتتزوج من رجل فقير ويبدو أنه الدور الوحيد من بين المطربات التي أدت فيه شخصية امرأة طيبة.

كان هذا الإخفاق النسبي في أن تسند أدوار المرأة المثيرة الشريرة إلي هدي سلطان وأن تحقق فيها نفس التألق سببا في أن يقل الإقبال علي الممثلة فبعد أن ظهرت في سبعة أفلام في عام واحد، صارت تمثل فيلما واحدا فقط في الأعوام التالية بل إنها في عقد الستينيات لم تظهر سوي في خمسة أفلام أدت في بعضها دور المرأة الشعبية مثل «السيرك» لعاطف سالم، ودور الجارة التي تتهيأ لاستقبال جارها ظنا منها أنه سوف يتزوجها بعد أن عملت له أعمال السحر، فإذا به حين يأتي يطلب منها سلفة لأن امرأة سوف تلد وذلك في إحدي قصص «3 نساء» بعنوان «توحيدة».

صحيح أن هدي سلطان أدت دور العالمة المطربة، في أفلام «دلال المصرية» لحسن الإمام عام 1970 وفي «بدور» لنادر جلال 1974 و«شلة الأنس» لميمي العلمي 1975 لكنها عادت في أفلامها القليلة إلي تجسيد دور المرأة الخانعة الذليل المكسورة الجناح التي تقدم بها السن في أفلام أخري مثل «شيء في صدري» لكمال الشيخ 1971 و«السكرية» لحسن الإمام 1973 و«بيت بلا حنان» لعلي عبدالخالق 1976 .

لكن حسام الدين مصطفي هو الذي أسند إليها دور المرأة الشريرة بشكل قوي عام 1975 في فيلم «صابرين» المأخوذ عن مسلسل إذاعي بالاسم نفسه، كتبته جاذبية صدقي، فهي في الفيلم الأخت التي تأتي من مدينة أخري إلي بورسعيد كي تقيم في بيت أختها حاملة معها ثلاثة من الأبناء الصبية ويحاول بيت الأخت أن يتسع لها علي الحب والسعة رغم أن أسرة الأخت فقيرة وتقوم الأخت بإلقاء شباكها علي زوج أختها، وتصبح عشيقته مما يصدم الزوجة التي تموت من الصدمة فتتزوج الأخت من زوج شقيقتها وتصبح سيدة البيت وتتحكم في مصير ابنة أختها صابرين التي تسومها العذاب وتضربها وتحولها إلي خادمة لكن صابرين تقرر أن تنتقم من خالتها بأن ترمي شباكها حول أبنائها الواحد تلو الآخر فتتزوج واحدا منهم وتغري الثاني الذي يقتل أخاه ويدخل السجن ثم تدبر قضية رشوة للثالث الذي صار ضابط شرطة فيتم القبض عليه ويصيب كل هذا الأم بالصدمة التي سبق لأمها أن أصيبت بها، لكن نتيجتها يكون الجنون.

المرأة الشريرة هنا فعلت أشياء شبيهة بما فعلته لواحظ فهي تستخدم أنوثتها، وجمالها في إثارة شهوة زوج أختها المريضة ثم هي تمتلك البيت وتسعي إلي تعذيب صابرين ابنة أختها وتقف بالمرصاد ضد أولادها الذين يتقدموا للزواج منها الواحد تلو الآخر مما يشعل نيران الكراهية في قلب الفتاة والتي تدبر خططا للتخلص منهم أمام عيني أمهم فالأم تجد أن صابرين غير مناسبة بالمرة لأي من هؤلاء الأبناء خاصة ضابط الشرطة حسن.

تقلصت علاقة هدي سلطان بالسينما بشكل ملحوظ طوال العقود الثلاثة الماضية ولعل آخر أدوارها كإمرأة شريرة هو فيلم «علاقة خطرة» من إخراج تيسير عبود عام 1981 حيث تدور الأحداث في مدينة الإسماعيلية وتلعب دور بسيمة صاحبة المنزل الذي يسكن فيه المدرس الأعزب أحمد التي تطمع في أن يتزوج من ابنتها سهام الطالبة بالمدرسة نفسها التي يعمل بها وتتهمه بالاعتداء عليها.

أخذ الشر هنا صيغة أخري، لم يسبق للممثلة أن جسدته من قبل فقد راحت المرأة التي تطلب الرجال لجسدها أن تطلب الرجل هذه المرة لابنتها التي تم اغتصابها، والمرأة لا تتراجع قط عن اتهامها للمدرس، الذي يتم إيقافه عن العمل وتبدو بسيمة هنا قوية الإرادة والشكيمة فهي تعرف جيدا أن المدرس ليس مذنبا لكنها تريد أن تغطي فضيحتها بأي ثمن.

الأم هنا امرأة قوية تود مصلحة ابنتها ولا تتراجع عن موقفها هي ذات سلطان بطبيعتها وأيضا لأنها صاحبة الدار وربة أسرة صغيرة أما المدرس فهو أعزب وحيد ولذا فإن بسيمة تحقق النصر إلي أن يكتشف أحمد أن سهام الابنة كانت علي علاقة بشاب هو الذي أخطأت معه فسافر إلي العاصمة لإحضاره بهدف كشف الحقيقة.

قدمنا نموذج هدي سلطان كممثلة ومطربة تفرغت للتمثيل دون الغناء مثلما فعلت شادية في المرحلة الزمنية نفسها، لتؤدي دور المرأة الشريرة بشكل جديد يتفق مع ما نردده الآن بمصطلح «نيولوك» وبقدر ما كان الدور في صالحها، فإنه حبسها في إطاره، لما عجز المخرجون عن إخراج المرأة نفسها، أو امرأة متقاربة منها، تركت أدوار الشر، وقللت علاقتها بالسينما ولمعت في التليفزيون بقوة ملحوظة في أدوار الأم.

جريدة القاهرة في 13 يونيو 2006

 

رحيل الوتد هدى سلطان.. ست الحسن التى ملأت الدنيا فنا

أشرف شتيوي 

بعد رحلة قصيرة مع المرض، وحياة طويلة حافلة زادت على 60 عاما مع الفن بكل أشكاله وأنواعه، رحلت الفنانة الكبيرة هدى سلطان عن عمر يناهز 81 عاما، قدمت خلالها كل أشكال الفن من غناء وتمثيل واستعراض، فى الإذاعة والمسرح والسينما والتليفزيون، كما شاركت أغلب الأجيال، منذ الرعيل الأول فى السينما والمسرح، مرورا بما جاء من بعده لكبار النجوم، وانتهاء بالنجوم الشباب.

رحلت بعد رحلة عذاب مع المرض كانت تعاودها من آن لآخر فى الفترة الأخيرة، زادت بعد أن زاد حزنها واكتئابها الشديدان على وفاة ابنتها مها فريد شوقي، قبل شهر تقريبا.

ولدت الفنانة الراحلة بهيجة عبد السلام عبد العال الحو هدى سلطان عام 1925 فى إحدى القرى المحيطة بمدينة طنطا، الثالثة بين خمسة أشقاء، ولدين وثلاث بنات، أكبرهم الفنان الكبير الراحل محمد فوزي، لأب فلاح، وأم ست بيت بسيطة للغاية، ووسط معارضة الأسرة اتجه الأخ الأكبر محمد فوزى إلى القاهرة لدراسة وممارسة عشقه الأول الفن، ولكن لم تستطع هدى أن تفصح عن حبها للفن إلا بعد وفاة والدها عندما جاءت إلى القاهرة لشقيقها محمد الذى عارض كثيرا فى البداية عملها بالفن، وخلال سنوات قليلة أصبحت إلى جواره من أبرز نجوم ونجمات الفن العربي.

لمعت هدى سلطان كمطربة فى ذلك الوقت ثم كممثلة، ومن أشهر أغانيها التى عرفها من خلالها الجمهور لاموني، إن كنت ناسى أفكرك، عمرى ما دقت الحب، من بحري، يا ضاربين الودع، وظلت تقدم أغنياتها الناجحة من خلال السينما والمسرح، والتليفزيون حتى مطلع الثمانينات، لتنسحب بعدها من الساحة التى لم تعد ملائمة، غير أنها لم تستطع أن تقاوم انفعالاتها وأحزانها على الشهيد محمد الدرة، فقررت العودة للغناء من أجل المشاركة فى التابلوه الغنائى القدس حاترجع لنا.

تزوجت الفنانة هدى سلطان من الفنان فريد شوقى عندما شاركت معه بدور صغير فى فيلم ست الحسن عام 1950، غير أن اللقطة التى جمعت بينها وبين فريد شوقى أشعلت نار الحب بينهما وتم الزواج فى الفيلم التالى لهما حكم القوى عام 1951، غير أنه كان الزواج الرابع فى حياتها، فقد تزوجت فى بداية حياتها من محمد نجيب زوجها الأول، الذى لم يكن له علاقة بالفن، وتم الانفصال بينهما بسبب الغيرة الشديدة خاصة عندما قررت هدى احتراف الفن، ثم الزواج الثانى من المنتج والموزع السينمائى فوزى الجزائرلي، وحدث الانفصال سريعا أيضا بسبب الغيرة، وهو نفس السبب الذى حدث بسببه الانفصال من زوجها الثالث فؤاد الأطرش شقيق الفنان فريد الطرش، وكان كل ذلك خلال سنوات قليلة قبل أن تلتقى بالفنان فريد شوقى ويحدث بينهما الزواج الرابع وينجبا ابنتيهما ناهد ومها، ويكونا معا شركة إنتاج سينمائية ويقدما من خلالها أفلاما جعلتهما نجمين ساطعين خلال سنوات قليلة، لدرجة أن هدى لقبت خلال هذه الفترة بأكثر من لقب من بينها ست الحسن، وملكة الإغراء، ولكن بعد 18 عاما من الزواج تم الطلاق أثناء قيام هدى سلطان ببطولة مسرحية يا حلوة ما تلعبيش بالكبريت عام 1969، بعد أن قدما معا ما يقرب من 20 فيلماً ناجحاً لا تحسب لهما فى تاريخهما الفنى فقط، بل باتت جزءا مهماً من تاريخ وتراث السينما المصرية، بداية من الأسطى حسن، وتاجر الفضائح، وبيت الطاعة، وحميدو، ومكتوب على الجبين، وفتوات الحسينية، وأبوالدهب، ولمين هواك، والمحتال، وجعلونى مجرما، والنمرود، ورصيف نمرة خمسة، وكضيف شرف فى فيلم الفتوة، ثم سواق نص الليل، والمجد، وبورسعيد، وسوق السلاح، وصولا لآخر فيلم جمعهما معا وهو العائلة الكريمة عام 1964، لتتزوج بعده من المخرج حسن عبد السلام وخلال هذه الفترة تفرغت تقريبا للمسرح وقدمت العديد من الأعمال المسرحية الناجحة مثل عفريت الست، وداد الغازية، الملاك الأزرق، باى باي، آه من حلاوتها وغيرها العديد من الأعمال المسرحية الناجحة، ولكن الزواج بينهما لم يدم طويلا، وانفصلا وقررت بعدها الفنانة الراحلة عدم الدخول فى تجارب زواج مرة أخرى منذ أكثر من 30 عاما وحتى رحيلها.

مرت الفنانة الراحلة خلال رحلتها الفنية بالعديد من المراحل، بدأتها بمرحلة الأنوثة والإغراء وقدمت خلالها العديد من الأدوار المتميزة كان أبرزها امرأة على الطريق الذى وضعها فى مرتبة متميزة جدا بين نجمات جيلها من الصف الأول، ثم مرحلة النضج والأعمال ذات القضايا والوطنية حتى نهاية الستينات، ثم بدأت خطوات التغيير وكان التغيير الكامل عام 1971 بفيلمى الاختبار وشيء فى صدرى وتوالت أفلامها بعد ذلك فى نفس اتجاه التغيير السكرية عام 1973، ومنذ العام 1974 ركزت تماما فى شخصية الأم بداية من فيلم صابرين ثم بيت بلا حنان وعودة الابن الضال وشلة الأنس وأسياد وعبيد وشفاة لا تعرف الكذب وغيرها.

وفى حقبة الثمانينات بدأت تركز جهودها أكثر فى التليفزيون واكتفت سينمائياً بعدد قليل من الأفلام اختارتها بعناية لتتفق مع تاريخها واسمها مثل علاقة خطرة، ابن مين فى المجتمع، وداعا بونابرت، أنغام، وصمة عار وغيرها، وبعد غياب طويل عن السينما ظهرت كضيفة شرف مجاملة لابنتها المنتجة ناهد فريد شوقي، والتى نجحت فى أن تجمع بين والديها، فريد شوقى وهدى سلطان، بعد أكثر من 30 عاما من الانفصال فى فيلم من إنتاجها وإخراج زوجها مدحت السباعى بعنوان امرأة آيلة للسقوط كضيفى شرف فى الفيلم.

وكانت الفنانة الراحلة من أوائل النجمات اللاتى اتجهن إلى التليفزيون عن طيب خاطر وليست مرغمة مثل بقية نجمات جيلها، عندما استشعرت أهميته فقدمت من خلاله العديد من الدوار المهمة التى تعد علامات فى تاريخ الدراما التليفزيونية مثل: الرجل والحصان، الوتد، وداعًا يا ربيع العمر، لا يا ابنتى العزيزة، ودموع الشموع، وزيزينيا ، نجم الموسم، وزينب والعرش، وأرابيسك، وليالى الحلمية، ورد قلبي، وزى القمر، الليل وآخره وغيرها وغيرها.

وقد حصلت الفنانة الراحلة على العديد من الجوائز السينمائية والتليفزيونية عن الكثير من أعمالها وظلت تقدم رسالتها الفنية رغم ارتدائها الحجاب والتزمت فى جميع أدوارها بعدم خلعه، فكانت ترى أن الفن يمكن أن يكون رسالة ودورا مهما فى توعية الجمهور، بل كانت تقول: كيف أتبرأ من موهبة منحنى الله إياها، وكيف أتنصل من دور الفن ورسالته؟.

رحم الله الفنانة القديرة.

العربي المصرية في 11 يونيو 2006

 

سينماتك

 

الحاجة هدي.. الأم "الوتد"

رفضت أن تعيش بعد رحيل ابنتها ولحقت بها.. قبل الأربعين!!

سمير الجمل

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك