هل هناك علاقة بين الحركة النسوية العالمية Feminism بين ظاهرة آكلى لحوم البشر وغيرها من الظواهر المرضية التى تنتشر فى أوروبا وتهدد بالانتقال إلى بقية أنحاء العالم؟ لقد عرفنا حركة تحرير المرأة فى مصر منذ مطلع القرن التاسع عشر عندما قدمها لنا رجلان من أعظم رجال ثقافتنا هما الشيخ محمد عبده وقاسم أمين اللذان وضعا - معا - دستور النهضة النسوية التى انتصرت بانتصار الحركة الوطنية فى 1919 وتعالت معدلات صعودها بتأسيس جمهورية يوليو. لماذا لم نرتجف رعبا عندما قرأنا ما كتبه دعاة تحرير المرأة من الرجال والنساء؟ هناك من اعترض على تحرير المرأة وعلى مجرد خروج المرأة من بيتها ناهيك عن توليها مناصب وزارية لكن لم يقل أحد أن هذه الأمور ترتبط بظواهر مرضية مخيفة مثل أكل لحوم البشر وتقديم الأضحيات البشرية والشذوذ الجنسى وزيادة العنف الأسرى وتشرد الأطفال وسعار الاستهلاك وفقدان الحياة الإنسانية لقيمها العليا؟ فما هو الجديد؟ ما الذى يدفعنا الآن لدق أجراس الخطر وللربط بين ظواهر لا يبدو أن بينها أى نوع من الارتباط؟ * عقيدة عبادة الأنثى لقد عرض قبل أيام، فى مهرجان كان، فيلم مأخوذ عن رواية «دان براون» الشهيرة «شيفرة دافنشى» ليشاهده - عندما ينتقل إلى دور العرض السينمائى التجارى وإلى الفضائيات المخصصة لعرض الأفلام - مئات الملايين من البشر. وإن كنت أعتبر أن الفيلم والرواية التى أخذ عنها أحدث حلقة سلسلة دعائية فى الحرب المطولة ضد المجتمع الذكورى فإن هذا الفيلم لم يكن الأكثر تمثيلا للثقافة النسائية فى مهرجان كان. فبناء على الرسالة التى وصلت إلى جريدة القبس الكويتية من مراسلها فى كان الصحفى والأديب والصديق صلاح هاشم فإن فيلم «العودة» للمخرج الإسبانى بدرو المودفار (اسم إسبانى أصله العربى هو المظفر) كان أروع أفلام الدعاية الأنثوية فى هذه الاحتفالية السينمائية العالمية. وكلى شوق لمشاهدة الفيلم لكنى أريد أن أقول أن الرواية الحقيقية للمرأة قد تخرج من إسبانيا التى حكمها العرب ثمانية قرون لأن الحضارة العربية - الإسلامية تركت تحت تراب إسبانيا وفى عروق أبنائها وبناتها الموروث الأقدر على تحرير المرأة وهو موروث يختلف عن التصورات الوثنية التى تقوم عليها عقيدة الأنثى المقدسة فى رواية «شيفرة دافنشى» والتى هى تهديد لا للمسيحية ولكن للحضارة الإنسانية، باعتبار أن المجتمع الذكورى هو الحضارة الإنسانية. وقد وزعت الرواية، حتى الآن، عشرات الملايين من النسخ فاعتبرت مجلة تايم أن مؤلفها واحد من مائة مؤلف ومفكر وداعية هم الأكثر تأثيرا فى الحضارة البشرية، لأن روايته التى انتشرت هذا الانتشار الواسع هى، فى حقيقتها، إنجيل عقيدة دينية هى عبادة الأنثى. تروج الرواية لعقيدة عبادة الأنثى ونجمتها الخماسية ورمزها السرى المركزى الذى هو الزهرة. ويأتى ظهور هذه الرواية وانتشارها بعد أن بلغت الحركة النسوية Feminism مبلغا كبيرا على أرض التطبيق العملى وبعد أن بدأ انحسارها مع ظهور سلبيات التطبيق والدعوة إلى مراجعة مبادئها وكبح جماحها فجاءت هذه الرواية - وروايات أخرى وأفلام سينمائية -تحاول أن تعطى دفعة قوية للنسوية بأن تضفى عليها الصبغة الدينية. تدور الرواية حول لغز الكأس المقدسة الذى يعالجه الفنانون والشعراء فى العالم المسيحى منذ قرون: هل الكأس المقدسة هى تلك الكأس التى شرب منها المسيح فى العشاء الأخير؟ أم هى امرأة مقدسة حملت سر المسيح ونقلته إلى الأجيال التالية؟ الإجابة عن هذا السؤال موجودة - فى العالم الخيالى الذى نسجته الرواية - فى وثائق تخفيها جماعة سرية اسمها «رواد صهيون» نشأت فى القرن الحادى عشر بهدف المحافظة على الوثائق التى تحدد ماهية الكأس المقدسة. تولى قيادة هذه الجمعية رجال عظماء كان منهم ليوناردو دافنيشى واسحق نيوتن وفيكتور هوجو وهؤلاء جميعا من الرجال الذين ارتبطت أسماؤهم بعقيدة عبادة الأنثى. وأحب هنا أن أشير إلى أمرين يتعلقان بالتفاحة والزهرة وكلاهما من رموز عقيدة الأنثى المقدسة أولهما أن قصة غريبة ترددها البشرية، جيلا بعد جيل، تقول لنا أن اسحق نيوتن اكتشف قانون الجاذبية عندما سقطت فوق رأسه تفاحة. التفاحة التى فتحت لنا طريق المعرفة باكتشاف أهم قوانين الحياة، قانون الجاذبية، هى أقدم رمز ارتبط بأمنا الأولى حواء وعندما قدمت حواء التفاحة لآدم فتحت له الطريق إلى المعرفة. وتقول التوراة: وعرف آدم حواء والمعرفة هنا تتحقق بالجنس وهذا طقس من الطقوس التى تحافظ عليها عقيدة عبادة الأنثى، فالمعرفة السامية لا تتحقق إلا بممارسة الجنس وفى بعض الجماعات الوثنية القديمة والمعاصرة فإن المعرفة بالحق والوصول إلى النور لا يتحققان إلا بالخطيئة وليس فقط بالجنس، بل بأسفل أنواع الجنس. والمسألة الثانية التى أحب أن أشير إليها هى أن فيكتور هوجو عندما قابل جمال الدين الأفغانى سأله: ما أكمل ما فى الوجود؟ فرد الأفغانى قائلا: الزهرة. وقد كان الأفغانى عضوا فى المحفل الماسونى الاسـكتـلندى، معقل عبادة الأنثى، وعندما قال الأفغانى أنه كان ماسونيا وجب تصديقه. وعندما قال إنه ترك الماسونية فأنا أستقبل هذا القول بالشك. لكنى أضيف أن صمويل هنتنجتون يرفض نموذج جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده لأنهما يأخذان من الحضارة الغربية ما يناسب الشرق ويرفضان ما لا يناسبنا. نعود إلى الرواية لنجد أنها تروى مأساة آخر رئيس (افتراضى) لجمعية رواد صهيون السرية الذى كان أحد مديرى متحف اللوفر وكيف أن عضو جمعية كاثوليكية متشددة اسمها أوبوس دى (عمل الرب) قتله وقتل ثلاثة آخرين كانوا يحرسون سر الكأس المقدسة بعد أن أبلغه الأربعة بمكان الكأس. لماذا قتلهم؟ * الكأس المقدسة لأنه بذلك يصبح المالك الوحيد للسر فإذا وضع يده على الكأس المقدسة أمكنه أن يبيع الوثائق كما تزعم الرواية للفاتيكان الذى لا يريد لأحد أن يطلع على سر الكأس المقدسة. والسر هو أن الكأس هى امرأة تزوجها المسيح وحملت منه والفاتيكان لا يريد لأحد أن يعلم ذلك، كما تزعم الرواية، لأن الكاثوليكية عقيدة قامت على احتقار المرأة وعلى اضطهادها ولو عرف المسيحيون أن المسيح تزوج وأنجب فإن احتقارهم للمرأة سيضعف الكنيسة التى هى، فى هذه الرواية، مؤسسة ذكورية تنطوى على رموز وممارسات وثنية، وتحرير البشرية من هذا كله يتحقق بالتخلص من هذه المؤسسة الذكورية المتجبرة. وتتعامل الرواية مع سلالة المسيح المزعومة باعتبارها سلالة ملكية فالمسيح، كما جاء فى الإنجيل، هو ملك اليهود وهو من سلالة داود الملكية. والأسرة الملكية التى تقول الرواية أنها من سلالته وأنها تعيش لليوم هى سلالة مسيحية يهودية وهذا ينسجم مع تصور مسيحيى أمريكا لأنفسهم. وهنا حقيقتان مهمتان: أولاهما أن الرواية تنطوى على نزع ملكية تلمح إلى الحركة الرجعية العالمية التى أصبح مركزها فى واشنطن والتى تسعى لهدم الميراث الديمقراطى للثورة الفرنسية بما فى ذلك سيادة القانون بدليل الاعتقال بدون قرينة وبدون حقوق قانونية للمعتقل كما يحدث لسجناء جوانتانامو وأبوغريب. كما تسعى للتمييز العنصرى بين البشر بدعوى صراع الحضارات وأفضلية الجنس الأبيض. لكن أهم ملامح الانقلاب على تراث الثورة الفرنسية تتجلى فى التراجع عن فكرة دولة المواطنين واستبدالها بفكرة دولة دافعى الضرائب التى حولت الوطن إلى سوق كبيرة ونسفت فكرة المواطن وحرمته من أى حق لا يملك أن يدفع ثمنه بالأسعار العالمية. والحقيقة الثانية أن أجواء الرواية والكلام عن سلالة ملكية للمسيح تنسجم مع الخلط الواضح بين الدين والسياسة فى الغرب والشرق وهو ما قد يمهد لعودة فكرة الحكم بالحق الإلهى وأفكار المسيحية - اليهودية السائدة فى أمريكا وتصوراتهم لمستقبل الأرض المقدسة (فلسطين) ليست بعيدة عن ذلك. إن حركة الانقلاب على الثورة الفرنسية حركة قوية وقد اعترف الأفاق العبقرى سلفادور دالى فى مذكراته بأنه ينتمى إليها ويجب أن ننظر إلى أى هجوم على فكرة الدولة الوطنية Nation State وفلسفتها العلمانية باعتباره جزءا من الارتداد عن موروث الثورة الفرنسية. ولهذا فإن أول مشهد يظهر فيه بطل الرواية دان براون فى أحد فنادق باريس (مدينة النور ومعقل الحرية) هو فى غرفة نوم أثاثها من طراز لويس السادس عشر الذى أعدمته الثورة، والذى يسميه دعاة الملكية «الملك القديس». لكن الاهتمام الرئيسى للرواية يبقى تمجيد المرأة ورمزها التاريخى مريم المجدلية التى تزعم الرواية أنها لم تكن مجرد عاهرة دعا المسيح للعفو عنها، بل كانت زوجته المطهرة التى حملت فى أحشائها «سر المسيحية» مجسدا فى سلالة المسيح، وبالتالى كانت الكأس أو القنينة التى استقر فيها السر المقدس. فهل سر عقيدة كبرى يتجسد فى سلالة؟ أم فى أرواح وعقول شجاعة تتوارث الدفاع عن الحكمة والرحمة نقلا عن معلمنا الكبير عيسى المسيح أو عن أخيه ومكمل رسالته محمد صلى الله عليه وسلم. لا تهتم الرواية بالمسيحية بقدر ما تهتم بالأنثى المقدسة ويكون ذلك بالأسلوب القصصى المشوق الأخاذ الذى لن تجده عند أعظم وأرقى المدافعات عن Feminism من طبقة بيتى فريدان أو سيلفيا آن هيوليت أو حتى جيرمين جرير فى مرحلة النضج. والعقيدة الأنثوية كما ازدهرت فى أوروبا وأمريكا ليست كما زعمت هؤلاء الكاتبات المناضلات من أجل فكرة عقيمة. ليست هذه العقيدة مجرد رفض لظلم يقال أنه لحق بالمرأة عندما انتزع منها سلطانها مع ظهور المجتمع الأبوى فأصبح من الضرورى إنشاء نظام اجتماعى جديد بمؤسسات جديدة وتقسيم جديد للعمل وللامتيازات على أساس المساواة الكاملة بين النوعين. العقيدة الأنثوية فى الغرب الصناعى هى فى الأصل، نفور من القسوة الذكورية، كما تجسدت فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، هاتان الملحمتان المرعبتان نقلتا عبادة الأنثى من الكهوف السرية للجماعات الوثنية إلى حركة علنية على الساحات الاجتماعية. وفى فترة الحرب الثانية خرجت النساء إلى العمل واخترن المواقع التى أخلاها الرجال الذين ذهبوا إلى ميادين القتال. فى الوقت نفسه فإن الحركتين الشيوعية والنازية جيشتا المجتمعات واعتبرتا أن الإنسانية منخرطة، برجالها ونسائها فى معركة إنتاج السلع والخدمات. ولم تشأ الرأسمالية أن تتخلف عنهما بحجب حق العمل عن النساء، نصف قوة العمل فى أى بلد. لكن الشيوعية والفاشية بتوجهاتهما المادية والنفعية مهدا لشىء آخر بالغ الخطورة حيث تجرآ على العقائد الدينية والروحية ومهدا بذلك لإيقاظ النزعات الوثنية عند الأوروبيين وهى قوية فى كل أنحاء أوروبا، وإن كانت أقل قوة فى المناطق الأرثوذكسية فى الشرق، خاصة فى روسيا وفى جنوب أوروبا الكاثوليكى والأرثوذكسى، على السواء. وقد لاحظت بعد حياة طويلة فى الغرب أن أوروبا الغربية والشمالية والوسطى ليست مسيحية الروح، إنها مسيحية فى الظاهر وثنية فى الباطن. انتبهت إلى ذلك عندما عشت أكثر من عشر سنوات فى لندن وكنت ألاحظ أن الاحتفال بالكريسماس ليس احتفالا بمولد المسيح (له المجد) بل إن أسلوب البريطانيين فى الاحتفال به يجعله أقرب إلى الاحتفال بقيامة أوزوريس أو أدونيس. إنه احتفال يمتزج فيه العنف البدنى باللذات الحسية الطبيعية والشاذة. وفى ميدان بيكاديللى حيث ينتصب تمثال إيروس، إله الرغبة الجنسية عند الإغريق، وفى ميدان الطرف الأغر حيث يعلو رمز آخر للجنس يجتمع فى الكريسماس وفى ليلة رأس السنة رجال ونساء من كل الجنسيات ليقضوا الليالى التى يفترض أنها مقدسة فى ممارسات غير مقدسة. هذا العنف الوثنى الاحتفالى المبتهج باللذات الحيوانية وثيق الصلة بالعنف الوثنى الحربى الذى تجلى فى الحربين العالميتين وفى معسكرات الاعتقال وحملات الإبادة العرقية الألمانية التى راح ضحيتها البولنديون والسوفييت واليهود والغجر والشواذ والشيوعيون. * الأمير الضفدع والذكر فى الوعى الغربى هو مركز كل هذا الدمار ويعالج كتاب تحويل الرجال Transforming Men الذى ألفه جيف دينش الأصل الأسطورى لرؤية الغرب للذكر المتوحش وكيفية ترويضه وتحويله إلى كائن اجتماعى راق، من خلال الزواج. الكتاب كله مخصص لتحليل حكاية صغيرة عن الأمير الضفدع الذى يعيش فى الغابة وتلتقطه أميرة جميلة رقيقة طيبة وتمنحه حبها وتأخذه إلى قصرها رغم اعتراض الأب، وعندما يقبل الضفدع حبها وأخلاقها يتحول إلى إنسان، إلى أمير جميل. الضفدع هو الذكر الخشن قبل أن يهذبه الزواج والغابة هى حياة العزوبية واللا مسئولية والقصر هو بيت الزوجية، حيث تنشأ الحياة الاجتماعية وتزدهر الأخلاق. وقد أشار دينش إلى أن ربط البشاعة بالذكر والرقة الحكيمة بالأنثى أمر تكرر فى أعمال كثيرة مثل «أحدب نوتردام»، تأليف فيكتور هوجو و«الجميلة والوحش» وكذلك «شبح الأوبرا». لكن انفجار القسوة الكونية فى الحربين العالميتين مثل مناسبة ملائمة لعابدى الأنثى وكهنتها الأقوياء ليربطوا هذا بالذكورة وليس بوحشية الصراع الرأسمالى الإمبريالى على المستعمرات. وكان الهجوم على الذكورة مركز حركة أوسع اسمها «ما بعد الحداثة». ماذا تفهم من هذا الاسم؟ يقول لنا الفنان الناقد عادل السيوى فى مجلده «عين - فنون تشكيلية»: فى الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، ومع حساب الخسائر والضحايا وتذكر حجم المجازر التى ارتكبها الإنسان التكنولوجى الحديث تلقت روح التطور وفكرة التقدم ضربات موجعة، ولم يعد الحديث عن صياغة تصور جديد وطليعى للعالم والإنسان أمرا يثير الحماس. هذا هو تعريف عادل السيوى لما بعد الحداثة أو تصويره للسياق التاريخى الذى أحاط بها، باعتبارها ردة عن قيم وأساليب العالم المعاصر وعودة إلى روح عصر النهضة الوثنى الذى يمجد الجسد ويكرس عبادة جديدة هى عبادة الفن. لكن عبدالوهاب المسيرى ينظر إلى ما بعد الحداثة لا باعتبارها ارتدادا عن العالم المعاصر إلى قيم النهضة الوثنية فى أوروبا، فقط، بل باعتبارها هدما للنظام الحضارى بأكمله لتنكمش الحدود ويغيب المركز بعد أن يضعف، كما جاء فى كتابه: «اليد الخفية، دراسة فى الحركات اليهودية الهدامة والسرية». ويبدو من قراءة هذا الكتاب أن يهود المارانو الذين أجبروا على اعتناق المسيحية بعد سقوط الحضارة العربية المتسامحة فى الأندلس لهم دور كبير فى نشر هذه الأفكار الهدامة. فهذه الطائفة كانت لها قيادات روحية نسائية بسبب ظروف التخفى التى فرضها عليهم المجتمع المسيحى، وباعتبار يهود المارانو بتعبير عبدالوهاب المسيرى، جماعة وظيفية، أى جماعة لا تتحدد هويتها بانتماء إلى أرض أو مجتمع، بل انتماء إلى وظيفة التجارة وجمع المال، فقد كانت حركتهم حرة وغير مقيدة، الأمر الذى جعلهم أقدر على تبنى الأفكار والمعتقدات السرية التى فعلت فعلها فى تغيير الحياة فى العالمين المسيحى والإسلامى. لكن النظر إلى التوجه العام للحضارة الرأسمالية الاستهلاكية يكشف عن أن عبادة اللذة أصبحت هى المبدأ الحاكم وهو ما ندركه بالنظر إلى المجتمع الاستهلاكى فى عمومياته ودون حاجة للبحث فى التفاصيل المحركة لهذه القوى السرية والخفية. وقد أصبح الإنسان سلعة ضمن السلع وبشكل لم نعرفه فى زمن الرقيق. عندما كانت لحياة العبد حرمة الحياة البشرية. تيار ما بعد الحداثة الذى يهدم القيم لا يضرب سلطة المجتمع الذكورى وحده، بل يضرب السلطة المركزية للأخلاق أيضا. وهكذا فالجسد البشرى الذى يبيعه تجار الأزياء وأباطرة الإعلان وعمالقة تجارة الجنس ولصوص الأعضاء البشرية من قرنية العين إلى الكلى التى تباع كقطع غيار، هذا الجسد البشرى لم تعد له حرمة. فهو يعرض فى الفاترينات فى بعض بلدان أوروبا ويباع سرا أو علنا فى كل عواصم العالم لممارسة الجنس الحرام أو يقطع وتباع أجزاؤه كقطع غيار. وتعد ممارسة الجنس مع جثث الموتى شكلا من أبشع أشكال العبث بالجسم البشرى. وتعرف باسم Necropheleia ولها نواد فى أوروبا الشرقية والغربية ولها مطبوعاتها التى تدل الراغبين على أماكن تواجد جثث لاتزال بها بقية من سخونة الحياة لممارسة الرذيلة مع الأموات نظير أجر معلوم. ومادامت الروح فكرة يرفضها من يرفضها فكيف لنا أن ندافع عن حرمة وقداسة الجسد البشرى أمام هؤلاء؟ ونحن نفزع من أكلة لحوم البشر ونرتجف عندما نتابع محاكمة أرمن مايفز الذى ذبح رجلا وأكله بعد أن اتفق الاثنان على ذلك. لكن هذا الفزع لا يمنعنا من إدراك انحطاط المجتمع الذى أفرز القاتل والقتيل. القاتل والقتيل عاشا فى مجتمع يشجع على الشذوذ ويقول بمبدأ اللذة على إطلاقه، ويعتبر الجسم الإنسانى موضوعا Object يخلو من أية قداسة كأنه كوب أو إناء أو ورقة شجر. وهو مجتمع فردى - تعاقدى فما اتفق عليه فردان بالغان هو أمر مقبول أخلاقيا وربما قانونيا مادام يخصهما وحدهما. أضاف إلى ذلك أن هذا المجتمع تعلم على يد سيجموند فرويد الفصل بين الجنس والتناسل، وهذا المبدأ هو أساس كل شذوذ جنسى، كما أنه مقدمة عزل وظيفة حفظ النوع عن مؤسسة الزواج، فإذا كانت حبوب منع الحمل هى بوابة تحرير النساء، بحيث لا ينفردن بحمل مسئولية ما يترتب على المشاركة الجنسية الممتعة بين الأنثى والذكر فمنع الحمل أو فصل الجنس عن التناسل هو الذى مهد لإنشاء آليات مستقلة عن الأسرة لإنتاج الأطفال. عندئذ لا يبقى هناك داع للأسرة، ولا يبقى ضروريا أن يتحقق الإشباع الجنسى بطريقة تربط اللذة بالمحافظة على النوع. وقد قال لنا أساتذة اللغويات «الألسنية» فى الجامعة: إن كل عضو من الأعضاء التى يستخدمها الإنسان فى الكلام له وظيفة أصلية غير الكلام». فاللسان للتذوق والفم للطعام والأسنان للمضغ، بل إن أحد الأساتذة قال لنا إن الوظيفة الأساسية للأحبال الصوتية هى لسد مجرى الهواء عندما «نحزق» أو نستجمع قوتنا لرفع حمل ثقيل أو لدفع جسم ثقيل. وأنا أنقل كلام أستاذ اللغة كما هو مذكرا قرائى بأن هذا ليس كلام طبيب أو أستاذ فى علم وظائف الأعضاء. لكن المؤكد أن الإرادة وليس الحتمية البيولوجية هى التى تحدد للإنسان ما يفعله بأعضائه. والنظرة الاستعمالية للجسد الإنسانى مظهر من مظاهر الوثنية التى لا تعترف بالروح. وهكذا أمكن استخدام مقولة فرويد التى تفصل بين الجنس والتناسل لتبرير سلوكيات غير حميدة. هذه هى البوابة التاريخية للشذوذ. ألم يقل فلاسفة اليونان القدماء أن حب الذكر للذكر حب خالص لأنه لا يهدف إلى الإنجاب؟! كل هذه الأفكار تتفاعل الآن فى المدينة الأوروبية المعاصرة التى هى أبعد ما تكون عن المدينة الفاضلة التى حلم بها أفلاطون! إنها مدينة الاستهلاك المسعور والوحشة. وعندما أقرأ أو أشاهد ما يقال عن الظروف التى أحاطت بآكل لحوم البشر الألمانى أتذكر ما قاله جيف دينش عن أثر الحركة النسوية على المجتمع وكيف تفككت الأسرة وعاد كثير من الشباب والرجال فى الغرب الصناعى إلى الوحشة والوحدة وإلى المخدرات والجريمة والعنف والسجون. نظرية دينش بسيطة فالمرأة هى التى تحمل وتلد وترضع وتربى وتعد الطعام والشراب. وسط هذا كله هى مركز الحب والحنان والدفء، والرجل غير مؤهل لمنافستها على هذا الدور، فيبقى له دور كئيب وغير جذاب يتمثل فى خوض الصراعات وحماية الأسرة واختطاف لقمة العيش من نسور المجتمع وذئابه. وإذا كانت المرأة تستأثر بالوظيفة الدافئة والمشبعة فهى تكافئ الرجل أو يكافئه النظام الذكورى بإعطائه المكانة المتميزة التى للرجال كحافز وحيد على الاستمرار فى مهمة الأبوة وهى مهمة ثقيلة الوطأة. وعندما فقد الرجل الغربى هذا الحافز شرد وأغرق نفسه فى حياة باردة يائسة وعديمة المعنى وسعدت نساء كثيرات بحرية وهمية فاكتفين بعد الإنجاب بما يسمى Single Parent Family حيث تكون الأم رأس الأسرة وحدها، دون أب. وقد تكون معها صديقة طبيعية أو شاذة، وقد يكون للأم صديق يأتى وصديق يروح مع بقاء السلطة الأنثوية مركز حياة الأسرة. وقد دفعت دولة الضمان الاجتماعى فى الغرب ثمنا باهظا لغياب الأب عن طريق المشاركة فى الإنفاق على الأطفال للتخفيف عن الأم المستقلة بنظام Child Benefit، ولكن دولة الخصخصة التى تحاول سحب كل نوع من أنواع الدعم تئن خزينتها الآن من هذه التكاليف وتضغط على الحركة النسوية للحد من غلواء الكراهية للرجل، ودفعه للهروب من البيت. لكن داعيات حقوق المرأة فى مصر فيما يبدو مازلن عند النصوص والدعاوى التى راجت حتى منتصف التسعينيات وقبل أن تضغط ثورة اليمين التى فجرتها تاتشر وريجان على الحركة النسوية لتغيير أفكارها. وبعيدا عن ببغاوات الحركة فإن الحركة النسوية فى مصر تطالب بحقوقها من خلال الشرع والقانون وبما لا يخل أو يضر المجتمع. الزاد الفكرى الذى يقدم لببغاوات الحركة النسوية المصرية انتهت صلاحيته منذ عشر سنوات على الأقل. * الجائزة الكبرى كما أن بعض داعيات حقوق المرأة فى مصر فى الغالب غير مدركات لعلاقة الحركة الأنثوية بهذه التيارات العدمية، لكن مأساة الثقافات التى تعيش على الترجمة هى أنها تنزلق دون وعى نحو الهاوية خاصة إذا كان الببغاوات يرددون ما يسمعون لقاء مساعدات أو حوافز مادية فلنحذر ولنحذر ببغاوات الترجمة من تدمير ثقافة مصر. ومرة أخرى نعود إلى رواية شيفرة دافنشى التى تتحدث عن رسالة سرية تركها فنان عصر النهضة العبقرى فى لوحة العشاء الأخير ليؤكد على مركزية المرأة وعلى ما يزعمه من ظلم المسيحية «وليس المسيح، حاشا لله أن يكون ظالما» لجنس النساء. لقد كان هذا الرجل يعبث بجثث الموتى بهدف دراسة التشريح الذى برع فيه، وكان شاذا جنسيا. لكنه قال عبارة عن مصر أحترمها رغم أنها تأتى من رجل أعرف شذوذه ووثنيته. قال دافنشى إن النيل صب فى البحر كميات من الماء، عبر العصور، تفوق كل مخزون الأرض والمحيطات من الماء، ولهذا فإن كل الأنهار والبحار والمحيطات عبرت مصب النيل. وهذا يجعل مصر أم الحياة المادية على الأرض كما جعلتها الحضارة الفرعونية، ثم دورها المهم فى تاريخ اليهودية والمسيحية والإسلام أم الحياة الروحية على الكوكب. وربما لهذا السبب جاء ليوناردو دافنشى إلى مصر، كما قال ويل ديورانت الذى أورد عبارته عن النيل فى المجلد العاشر من قصة الحضارة وفى مصر خدم السلطان واعتنق الإسلام ولو لفترة من حياته. فلماذا مصر؟! مصر هى الجائزة الكبرى من أيام فيثاغورث إلى ريتشار بيرل، وليس غريبا أن يقصدها دافنشى رئيس حركة رواد صهيون، وليس غريبا أن يقصدها رجل آخر يناقض بصوفيته مادية دافنشى، ذلك الرجل الآخر هو الشيخ عبدالواحد يحيى. من هو عبدالواحد يحيى؟ إنه رجل بالغ الأهمية له أتباع فى المنطقة الممتدة من البرازيل غربا حتى الهند شرقا، مرورا بمصر، التى جاءها فرنسيا كاثوليكيا اسمه رينيه جينو، ومات فيها بعد ثلاثين سنة من الحياة كمسلم صوفى فى أحيائها الشعبية، وكان اسمه بعد إسلامه عبدالواحد يحيى. وهذا حديث آخر. وما نشهده الآن فى مصر لا يليق بها ولا تاريخها الثقافى الطويل والثرى. مصر لا تأخذ عن الآخرين كما يأخذ التلاميذ، بل هى تغير وتطور وتضيف وتنقى الفكر والفن من كل ما هو رخيص وخسيس وضار، ثم تعيد تصديره إلى العالم بعد أن تجعله أنقى وأرقى وأجمل. ودليلى على ذلك ما فعلته مصر بعملاق من عمالقة الإنسانية هو الإمام الشافعى الذى أصبح بعد أن أقام بمصر، غير ما كان فى عهده السابق على وصوله إليها. بل يمكن أن نقول الأمر ذاته عن عملاق آخر من عمالقة الإنسانية هو أبوالطيب المتنبى الذى هذبت مصر عبقريته الشعرية ورققتها فأصبح فى مصر أعظم مما كان قبل وصوله إليها. وفى فترة أقرب إلينا فإن محمد عبده وقاسم أمين عندما نقلا أفكار تحرير المرأة عن الغرب وضعاها فى الإطار المصرى الذى هو عربى - إسلامى فكانت العظمة النسائية التى لم تتجسد فى كاتبات وفنانات ووزيرات فقط، بل فى أمهات عشن بعيدا عن الأضواء، لكن حياة الواحدة منهن، فى بيتها، تساوى حياة أمة بكاملها. أما الآن فما نشهده ليس سوى تكرار ببغائى بمقولات Gender Equality التى خربت المجتمعات الغربية، وتوشك الآن أن تنتقل بالتخريب والتخريف إلى المجتمعات العربية. موقع "سينما إيزيس" في 6 يونيو 2006 |
عبادة الانثي: دراسة في السينما والجنس والسحر بقلم اسامة الغزولي* |
كثيرون يسعون لكتابة أسمائهم على الخريطة ميزان السينمائيين العرب حول العالم محمد رضا التالي الحلقة الأولى من تقليد سنوي يلي مهرجان “كان” مباشرة ويلقي نظرة فاحصة على وضع السينمائيين العرب عالمياً. أين يقفون؟ وما هو موقع كل واحد منهم من العالمية؟ المقاييس عبارة عن عناصر مختلطة ومعايير الحكم تشمل النجاحين التجاري والنقدي والشهرة المكتسبة والنشاط السينمائي في العامين الأخيرين. ولتسهيل هذه المهمة الشاقة قسّمنا السينمائيين إلى 3 أقسام هم المخرجون والمنتجون والممثلون، علماً بأن قسماً رابعاً ربما انضم في المرة المقبلة قوامه من الموسيقيين والكتّاب والفنيين البارزين عموماً. منذ أن فاز هاني أبو أسعد بالغولدن غلوب ودخل ترشيحات الأوسكار الرسمية وذلك عن فيلمه الجديد “الجنة الآن” وهناك سعي ملحوظ بين أكثر من سينمائي عربي لتحقيق النجاح ذاته. وصوله عنى لكثيرين أن المسألة ممكنة بالنسبة للمخرج وممكنة بالنسبة للمنتج وللممثل. الواقع أن نجاح أبو أسعد مرتبط بمأساة 11/9 تلك التراجيديا التي انقلبت وبالاً علينا، كما على غيرنا، جذبت إلينا، وعلى نحو شبه مفاجئ، رغبة الغربيين في معرفتنا ومعرفة ما الذي لدينا قوله وعرضه عليهم. نجاح “الجنة الآن” يعود إلى أن الفيلم سياسي الأحداث وجيّد التنفيذ. وجهان متممان لبعضهما البعض ولو أنهما لا يضمنان توزيعاً تجارياً ولا حتى إقبالاً نقدياً من دون خطة عمل مسبقة وسعي لا يعرف اليأس في سبيل اختراق الحلقة التي أخفق كثيرون من قبل في اختراقها. على عكس نجاحات البعض قبل ذلك الحين، فإن السعي للعالمية ما عاد حكراً على اكتشاف موهبة وتقديمها، كما كان الحال مثلاً مع عمر الشريف حين قدّمه ديفيد لين في “لورنس العرب”، بل صار ضرورة التحرّك صوب النجاح والتقاط الفرص الثمينة. بعض المخرجين والسينمائيين استحوذ على فرص هائلة لكنها كانت في النهاية ومضات عابرة. بعضهم الآخر لا يزال يعيش على حساب تلك الفرص.في شتّى الأوضاع فإن ميزان السينمائيين العرب حول العالم يتضمّن، لهذا العام على الأقل، تجارب مختلطة. بعض الوجوه القديمة لا تزال مؤثّرة وبعض الجديدة تشترك في تغيير معالم الصورة التقليدية. وعدد كبير من السينمائيين العرب كُتب عنهم او شوهدت أفلامهم المحلّية عالمياً فوجدوا أنفسهم في ركب هذا السباق نحو المستقبل من حيث لم يتوقّعوا. نتيجة هذا كله، والكثير من الاعتبارات فإن الوصول إلى نتائج حيادية مثير في حد ذاته ولو أنه عمل صعب أيضاً. الإحصائية شملت ثلاثين سينمائياً (من بين 75 تم فحص نتاجاتهم وعرضت أعمالهم خارج أوطانهم في الأعوام الثلاثة الأخيرة). الشرط الجامع بينهم أنهم لا يزالون يتحدّثون العربية (بالتالي سلمى حايك او توني شلهوب خارج الإحصائية) سواء أكانوا يعيشون في الداخل العربي او في خارجه. المخرجون 1 هاني أبو أسعد (فلسطين) فاز بالغولدن غلوب ورُشح للأوسكار عن “الجنّة الآن”. يقف اليوم في المقدّمة بين أترابه. 2 رشيد بوشارب (الجزائر) فيلمه “مواطنون” فاز بجائزة أفضل تمثيل رجالي في “كان”. لديه عقد لفيلم أمريكي. 3 يوسف شاهين (مصر) لا يزال عنواناً للسينما العربية بسبب أعماله السابقة رغم قلّة أعماله. 4 جوسلين صعب (لبنان) الضجّة التي صاحبت فيلمها “دنيا” وضعتها في مركز لم تصل إليه من قبل. 5 جوزف فارس (لبنان) “زوزو”، ثالث أفلامه، أعجب نقّاداً ورواد مهرجانات لعرضه وجهاً جديداً للحرب اللبنانية. 6 رندة الشهّال (لبنان) فوزها بجائزة رئيسية من مهرجان “فانيسيا” عن “طائرة من ورق” سمح لها بموقع جيّد. 7 يسري نصر الله (مصر) بحاجة إلى فيلم جديد، لكنه مرتاح للآن على اعتاب نجاح “باب الشمس” إلى حين. 8 ايزودور مسلّم (فلسطين) بعد غياب يعود مخرجاً لفيلم لافت “كيف الحال” أعجب غربيين وانقسم العرب حوله. 9 رضا الباهي (تونس). عدم إتمام “براندو، براندو” كان نكسة للمخرج ذي السمعة العالمية ينهض منها بفيلمين. 10 جوانا حاجي توما وخليل جريج (لبنان) فيلمهما “يوم آخر” حاز إعجاباً واسعاً أينما عُرض. مستقبلهما يتوقف على الفيلم المقبل. 11 عبدالله المحيسن (السعودية) يطل بفيلمه السعودي “ظلال الصمت” متلمّساً طريقه هنا بحذر وسط انقسام نقدي حوله. 12 إيليا سليمان (فلسطين). لا يزال مثيراً للاهتمام رغم كسله. “يد إلهية” ساعده على إنجازات عدّة لكن الانتظار طال. 13 زياد الدويري (لبنان) خسر فرصة القبض على نجاح “بيروت الغربية”، لكنه لا يزال محافظاً على وجود ملحوظ. 14 بدر بن حرصي (اليمن) المخرج اليمني/ البريطاني وضع عبر “يوم جديد في صنعاء القديمة” اللبنة الأولى. منتجون وإداريون 1 د. أمينة الرستماني (الإمارات): تقود “دبي ميديا سيتي” تاركة أثراً على أكثر من صعيد في الحياة السينمائية العربية. 2 مسعود أمر الله (الإمارات): المحرّك الأول لسينمائيي الإمارات أصبح في موضع يمثل نقلة لمهرجان دبي العالمي. 3 طارق بن عمّار (تونس): على صعيد أعماله الغربية هو الأول، لكنه لم يتمم بعد الرابط بين الشرق والغرب. 4 أيمن حلواني (السعودية): مركزه كمنتج لحساب “روتانا” يزمع رفع مستوى إنتاجاته يضعه الآن في مركز مرموق. 5 عماد الدين أديب (مصر): بفيلمين تحت إبطه، “عمارة يعقوبيان” و”حليم” يتقدّم مكتسحاً. العالم ينتظر. 6 مالك العقّاد (سوريا): يقف عند حافة نجاح جديد داخل السينما الأمريكية شبيه بنجاح والده المرحوم مصطفى العقاد 7 سليم رميا (لبنان): من أنشط موزعي العالم العربي. شراؤه فيلماً أو عدم شرائه يؤثر في سوق الخليج بأسره. 8 ماريو قصّار (لبنان): فشل “فطرة أساسية 2” نقله من مركز متقدّم إلى الخلف. الممثلون 1 عمر الشريف (مصر): لا يزال يحتل الصدارة بالنسبة للممثلين العرب الذين نجحوا عالمياً والأرجح سيبقى. 2 ألكسندر صدّيق (...): هذا الممثل المجهول بلد المنشأ ترك بصمة جيدة في “سيريانا” و”مملكة السماء”. 3 هيام عبّاس (فلسطين): تتحرك فرنسياً وعربياً ولديها بضعة أعمال غربية لافتة بينها “خاص” و”منطقة حرّة”. 4 محمد بكري (فلسطين): لا يزال مقصداً لغربيين يريدون شخصية فلسطينية كما لفلسطينيين لكن أعماله متفرقة. 5 خالد أبو النجا (مصر): لديه دور أول فيلم أمريكي بعنوان “واجب وطني”. نقلة مهمة بعد نجومية مصرية. 6 غسّان مسعود (سوريا): بعد دوره الرائع في “مملكة السماء” عاد إلى سوريا حيث يصعب طلبه إلى الخارج. 7 خالد النبوي (مصر): في “مملكة السماء” سجّل حضوراً لكنه لا يزال بحاجة لاستثماره. هنا اللحظات الحرجة. 8 سامي بوعجيلة، رشدي زم، سامي نصيري (جزائريون): بحصولهم على جائزة “كان” يقفون عند مفترق طرق. أحدهم على الأقل سيتقدّم أكثر. الخليج الإماراتية في 11 يونيو 2006
ضوء ... سينما من دون نجوم عدنان مدانات تاريخياً، نشأت الفنون والآداب نتيجة الحاجة إلى التخاطب والتعبير عن الأفكار والمشاعر والمواهب الإبداعية، ولم يتم التعامل مع الآداب والفنون من قبل كسلعة إلا في زمن لاحق، رافق تطور المجتمعات المدينية مع بداية عصر النهضة، ولم يحصل هذا التعامل مع منتجات الآداب والفنون باعتبارها سلعة على وضعه الدائم وصيغته المتكاملة إلا منذ مطلع القرن العشرين. أما السينما فوضعها مختلف، فهي وبعكس بقية الفنون والآداب ذات الأصول الطاعنة في التاريخ نشأت في مرحلة تاريخية متأخرة وتحديداً في أواخر القرن التاسع عشر كاختراع تقني ولكنها سرعان ما تطورت في القرن العشرين وخلال سنوات قليلة فقط إلى صناعة، وتحولت منتجاتها الفيلمية إلى سلعة تنطبق عليها شروط ترويج السلع. ومن أهم هذه الشروط الإعلان والدعاية المكثفة التي تأخذ بألباب وعواطف المستهلكين، وتستخدم لهذه الغاية شتى العناصر المتنوعة التي تتضمنها صناعة السينما. والممثل النجم واحد من العناصر التي استخدمتها صناعة السينما منذ العقد الأول للقرن العشرين للدعاية لنفسها والترويج لمنتجاتها الفيلمية. ويترتب على الترويج للنجم الغرس في أذهان رواد السينما عامة، سواء كانوا من المعجبين بالنجم المحدد أم لا، فكرة أن هذا النجم ممثل موهوب ومبدع تبرز موهبته عبر مختلف الأدوار التي يؤديها وفي جميع الأفلام التي يشترك فيها أو يضطلع ببطولتها، بحيث لا يراود المشاهد الذي غرست الدعاية في ذهنه القناعة بموهبة هذا النجم أي شك يمكن أن يهز هذا القناعة. غير أن هذه القناعة غالبا ما تكون غير مطابقة للحقيقة وللواقع، فالكثير من النجوم لا يتمتعون بموهبة تمثيلية إبداعية حقيقية، إنما قد يتمتعون بجاذبية شخصية أو بوسامة الوجه ما يقربهم من المشاهدين ويتسبب في الإعجاب بهم، كما أنهم قد ينجحون، كممثلين، في أدوار معينة تناسب شخصيتهم، وقد يفشلون في أداء أدوار أخرى تحتاج إلى براعة خاصة. وفي بعض الأحيان يمكن أن يبدو الممثل ناجحا في أداء دوره بشكل مقنع فقط بسبب من الجهد الذي بذله المخرج، وفي أحيان أخرى قد يحصل ذلك بالصدفة. غير أن هذا كله لا يغير شيئاً في آلية الدعاية وفي توجهاتها نحو تكريس صورة الممثل النجم، طالما أن هذه الصورة تفيد في ترويج السلعة، أي الفيلم، خاصة أن الصورة، وثباتها، يصبحان ضمن هذا الهدف في المرتبة الأولى من الأهمية، فلا يشترط هذا الثبات ولا يحتاج حتى لأن ينوّع الممثل النجم في طرق أدائه وتعبيرات وجهه واستجاباته للمواقف التي تحصل معه. ولهذا بتنا نلاحظ أن الكثير من الأسماء المشهورة في عالم نجوم السينما خاصة، صنعتها الآلة الدعائية وليس الموهبة والمقدرة الأدائية التمثيلية الحقيقيتين. هكذا يمكن اعتبار عملية صناعة النجم ضرورة تسويقية وليس ضرورة فنية. والنجوم بالتالي، هم أداة تسويقية لسينما هي تجسيد لصناعة تنتج أفلاماً بهدف أن تكون سلعة رائجة ومدرة للأموال، وليس منتجاً فنياً يحمل قيماً جمالية وفكرية ومضامين إنسانية. ومن هذه الزاوية يمكن فهم السبب في تغيير المفهوم الصارم للنجم وتفريغه من مضمونه عن طريق الاستغناء عن المواصفات الخاصة التي حددت له مع ولادة وانتشار نظام النجوم، وتسهيل عملية تصنيع النجوم الجدد من ممثلين صار يجري إطلاقهم بكثافة وإسباغ لقب النجوم عليهم بسرعة، وإن لم يكونوا كذلك في واقع الأمر. لا يضير السينما كفن أن يكون هناك نجوم من الممثلين والممثلات من ذوي وذوات الشعبية لدى جماهير مشاهدي الأفلام، ما يضير السينما كفن وكفكر وكمجال ثقافي وليس ترفيهيا فقط، هو إشاعة وتسيد نظام النجوم بحد ذاته لأن ذلك يسهم في نشر مفاهيم خاطئة عن السينما ككل وعن فن التمثيل كعنصر رئيسي من عناصر السينما وفي تسطيح علاقة المشاهدين بها، ما يتسبب في جعلهم يقبلون على ارتياد الصالات التي تعرض الأفلام التي تنتج بناء على نمط من السينما يقوم على الترفيه، ولا يقبلون على مشاهدة الأفلام التي تنتمي إلى نمط آخر من السينما ليس الترفيه أساس أولوياته بل الإبداع الفني والعمق الفكري. هناك بالمقابل نمط آخر من السينما لا يستند إلى قاعدة صناعية إنتاجية قوية، كما لا يحظى بفرص التسويق التجاري الواسع، في حين يحظى باحترام وتقدير محبي السينما ذات المستوى الراقي الفني والفكري. ينتشر هذا النمط من السينما من خلال جهود سينمائيين مستقلين في أوروبا وأمريكا وكذلك، وعلى نحو أكثر تميزا، من خلال سينمائيي أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا (البرازيل، إيران، السنغال، وغيرها). ما يميز هذا النمط الآخر المقابل من السينما هو تقديم خبرة مغايرة كلياً في مجال التمثيل واختيار أبطال الأفلام. ففي هذا النمط المغاير من السينما لا تسيد للنجوم بل اختيار لممثلين للأدوار الرئيسية، غالبيتهم من الناس العاديين ومن غير المحترفين وحتى من الأطفال، وهم في معظم الأحوال ينتمون إلى القرى والأحياء الشعبية، لكنهم مع ذلك يبدون على الشاشة شديدي الإقناع ويثيرون الإعجاب لصدق تعبيرهم الفني. وهذا النمط المغاير من السينما بات في السنوات الأخيرة يحظى بتقدير متزايد من قبل محبي السينما الحقيقية. الخليج الإماراتية في 11 يونيو 2006
|