شعار الموقع (Our Logo)

 

 

بدأ الأمر شبيهاً بدردشة مع اول مخرجة سينمائية سورية عن اول فيلم روائي طويل لها, ولم يكن مقدراً لهذه الدردشة ان تأخذ طابع الحوار, بل مقالة تلخص افكار واحة الراهب التي وردت في السياق عن فيلمها "رؤى حالمة", ولكن طبيعتها جاءت مفارقة لنوعها, فحرصنا على الأسئلة والأجوبة كما وردت في حوار هنا نصه:

  • اول مخرجة سينمائية سورية... ترددت الجملة كثيراً. هل كان الجو معادياً للمرأة الى هذا الحد حتى يحتفى بك بهذه الطريقة؟

- يبدو لي من تكرار الجملة, ومن تجربتي الشخصية في السينما تحديداً انه فعلاً هناك معاداة لعمل المرأة في مجال كان حكراً على الرجل, وهو مجال كانت الفرص فيه قليلة اصلاً, ومع دخول المرأة فيه ستصبح المنافسة اقوى. من خلال مشكلتي مع الإدارة السابقة للمؤسسة العامة للسينما وهي ادارة كانت مستغرقة في عقلية ذكورية, وعلى رغم انه لم يكن هناك مشكلة تذكر في السيناريو, فالكل كانوا معجبين به, دفعت سبع سنوات من الانتظار لمجرد بعض الملاحظات التعجيزية التي وضعتها الإدارة السابقة.

  • ولكن في مجال التلفزيون الأمر مختلف على ما يبدو؟

- الفكرة صحيحة من حيث المبدأ, فالتلفزيون هو المجال الوحيد الذي كان متاحاً فيه عمل المرأة, ومع ذلك فإن القطاع الخاص لا يرحب كثيراً بعمل المخرجات.

  • ومع ذلك فإن السينما مؤنثة والتلفزيون مذكر (مفارقة أليس كذلك)؟

- حقاً مفارقة. على اي حال ربما كان التلفزيون بحاجة الى كل الكوادر, ومن يدري ربما كان يحمل افكاراً تحررية اكثر (...)؟ الآن هناك تراجع, فأفكار التطور عندنا هشة ما إن تلامس السطح حتى تسقط ويظهر التخلف على حقيقته, ومع ذلك فإن السينما مكلفة, وتكاليفها تظهر عدم الثقة بقدرات المرأة, في مجال, كما قلت, كان حكراً على الرجال ولم تكن فيه بالأساس فرص كثيرة. مؤسسة السينما لم تنتج كمّاً معقولاً يؤدي الى تغيير نوعي. التلفزيون مع فورته الانتاجية تمكن من الانفتاح على كل العقليات, بعكس المؤسسة التي اصابها الركود, على رغم انها بجرأة افلامها تجاوزت التلفزيون كثيراً.

هاجسي قضية المرأة

  • تاء التأنيث لم تكن ساكنة في فيلمك "رؤى حالمة"؟

- بصراحة ومن دون تصميم سابق, كنت احس دائماً ان الهاجس الأساسي عندي هو قضية المرأة. انا ادافع عن العناصر الأكثر اضطهاداً في المجتمع, وقد بدأت تتوضح لدي هذه القصة عندما اشتغلت على قضية المرأة في الريف في فيلمي القصير "جداتنا". المرأة هناك تعمل على كل شيء, وليس لها حق تقرير مصيرها. تصور انهن يتزوجن في الريف كل خمس عشرة امرأة في عرس واحد عندما يكون موسم الحصاد وافراً (على الأقل هذا ما قالته امرأة في فيلم جداتنا).

الرجال في الريف يفضلون انجاب البنات من اجل مهورهن, وهم يفضلون المراقبة وتدخين السجائر وانتظار ما لا يأتي.

من تجربتي لاحظت كم ان الأبواب مغلقة امام المرأة, وتجذرت هذه الملاحظة عندي عندما وصلت الى "رؤى حالمة", فأي تغيير في المجتمعات مهما كان ثوروياً لا يمكن ان يتحقق من دون حل مشكلة المرأة جذرياً, ومهما فكّر الرجل بأنه تحرر, فإن المرأة التي تركوها على تخلفها وعبوديتها ستعيد انتاج هذا التخلف والعبودية. والعبودية والاستبداد وجهان لعملة واحدة.

الفرد والأبطال

  • هل حقاً هذا الزمن بلا ابطال كما يتكرر في فيلمك؟

- لا... هذا الزمن (نسبياً) بلا ابطال عندما تمسح قدرة المرء على الفعل بقمع حريته, فأي فعل يقوم به من بعد ذلك هو رد فعل وليس بطولة, حتى الأعمال التي لها علاقة بالبطولة, للأسف جزء اساسي منها يجيء نتيجة للإحباط, نحن لا نستطيع ان نبلور نتيجة اللافعل, ولا نستطيع ان نبلور اي فعل حقيقي يشكل منظوراً حقيقياً للمستقبل العربي, فتفريغ طاقات الناس بحروب وهمية سيستهلك حيواتهم بالركض وراء لقمة العيش, ومن يظن انه يحقق ذاته بهذا الركض سيكتشف انه لا يحقق هذه الذات.

  • لكن هم يظلون ابطالاً في فيلمك على الأقل؟!

- اذا لاحظت, فإن بطلة فيلمي تحمل معظم الوقت طابعاً مناقضاً تماماً للبطولة. كانت جميلة بوحيرد (لعبت دورها نادين سلامة) سلبية وخائفة نتيجة قهر المجتمع والأهل لها, وإصرارها على ألا تعيش التجربة خوفاً من فقدان ثقة اهلها ومجتمعها ستعوض عنها بأحلام يقظة ورؤى كابوسية تساعدها على تبصّر طريقها, ولكن هذا لا يعوض عن التجربة.

في نهاية الفيلم تقوم هي بالفعل, صحيح انه كان غير واضح الملامح, فهو اقرب الى رد الفعل (لطمة الكف - اجتياح اسرائيل للبنان) من خلال الاستعادة تبين ان اللطمة كانت مثل القشة التي قصمت ظهر البعير, ومع ذلك فإنه اقرب الى رد الفعل. حتى صعودها في الباص كان يظهر خوفها من الرجل المسؤول عن قهرها, فنراها ترتبك وتهرب الى التلال سائلة الى اين هي ذاهبة.

الفعل يبدأ عندها بإعادة تقويم التجربة ومحاولة نقد الذات والموضوع. وفي عتمة المغارة نراها, تسأل في اي اتجاه ستهرب, باتجاه القصف ام باتجاه العتمة وهي تختار عتمة اعماقها في الواقع.

  • إشارات فرويدية. هذه الإشارات الفرويدية (التحرش بجميلة وهي صغيرة - عجز الأب عن اقامة علاقة مع الغاوية (لعبت دورها ليلى سمور), ثم نراه يواصل زعيقه اليومي ويطارد جرذاً ببندقية الخ... ألا تعتبر كلها اشارات نمطية في هذا السياق؟

- هذه النقطة بالذات بالنسبة الى جميلة تطرح للمرة الأولى بهذه الطريقة. الاغتصاب, الخوف من الرجل, العلاقة الملتبسة معه كونه القوة المسيطرة والقامعة في المجتمع وانغلاقها هي تجاهه. كل هذا يجعلني اقول انني لا ارى نمطية في معالجتي للأمور بهذه الطريقة.

التحرش بجميلة هو رمز لتفجير المشكلة الأساسية لديها, في الوقت نفسه هناك خنساء شقيقتها (لعبت دورها ريم علي), ربما هي تعرضت ايضاً للتحرش ومع ذلك اخذت شخصيتها منحى آخر.

  • هل التقيت فتاة مثالية مئة في المئة في فيلمك؟ ومن هي؟ جميلة؟ خنساء؟ ام انت؟

- ليست هناك واحدة مثالية, انا قصدت عمل شخصيات فيلمي لأعبر عن فكرة الفصام المجتمعي رجالاً ونساء, لأن اي تركيبة خاطئة للمجتمع لا يمكنها انتاج اولاد سويين. شخصية سمر (لعبت دورها المخرجة نفسها) هي التي توازن بين كفتي الميزان النقيضتين (خنساء - جميلة). وهي في البداية تكون اقرب الى جميلة, ولكنها عندما تعاني حال الفصام والهذيان تعيش قمة التطرف الذي يجمع بين النقيضين. جميلة وحدها استطاعت ان تستبصر الطريق بالتجربة وهذا بحد ذاته بداية ايجابية عند الشخصية.

الإبداع لا جنس له

  • في "رؤى حالمة" وقفت على ممثلتين اجادتا في دوريهما (نادين سلامة وريم علي). لو كان المخرج رجلاً هل كان سينجح معهما الى هذا الحد؟

- لا اعرف, انا شخصياً ارى ان الإبداع لا علاقة له بجنس او نوع. لكن ربما كانت له خصوصية تختلف بين المرأة والرجل, فالمرأة لديها معاناة مزدوجة اكثر من الرجل, ومعروف ان الأمراض النفسية لدى النساء اكثر من الرجال بسبب هذه المعاناة, وبالتالي يمكن ان يكون لديها القدرة على ملامسة التفصيل عند المرأة. نعم في عملي هناك بصمة انثوية واضحة, فالنساء يعملن على التفاصيل اكثر.

  • انثى تدير انثى في الفيلم... هل هناك قواعد معينة وبخاصة انك تدخلين منطقة محظورات (تحرش جنسي - اعتداء - محاولة إقامة علاقة من خارج الزواج)؟!

- قبل التصوير عملت بروفات مع الممثلات الأساسيات وكنت واضحة وصريحة. وبقصد حل كل الإرباكات كنت أكسر هذه الاعتيادية بعملي مع الممثلين, جرعة زائدة من الجرأة كانت كافية لإرباك الطاقم كله, لذا كنت اقوم بمحاولات التفاف على هذه الإرباكات. كنت اعتمد على اقل عدد ممكن من الطاقم في هذه اللقطات, وأخلق جواً مرحاً وطريفاً, فعندما يعتدي مثلاً المثقف (لعب دوره سامر المصري) على زوجته تركت الغليون في فمه وهذا خلق عاصفة من الضحك, مشهد اغتصاب الطفلة عذبني كثيراً وكلفني الكثير من الأعصاب كي اقنع هذه الطفلة البريئة بمشهد ثقيل من هذا النوع.

جريدة الحياة في  11 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

واحة الراهب عن فيلمها "رؤى حالمة":

ربما كان التليفزيون يحمل أفكاراً تحررية أكثر مما في السينما

فجر يعقوب