ايتاكي.. هو اسم الرحلة التي قام بها أوليس بطل حرب طروادة.. أثناء عودته لبلاده.. وليلتقي زوجته الوفية بينيلوي التي انتظرته السنوات الطوال.. رحلة كان مقدرا لها أن تدوم أياما.. ولكنها استمرت سنوات.. عرف خلالها أوليس أشياء كثيرة واكتشف معارف.. وشخوصا.. وعاش مغامرات وعواطف وتعرض لأزمات روحية ونفسية وفكرية.. حولت هذه الرحلة.. رحلة استكشاف لأعماق النفس واستكشاف للعالم. ايتاكي أيضا اسم القصيدة التي كتبها شاعر إسكندرية الكبير «كافافس» وقال فيها: «عندما تتهيأ للرحيل إلي ايتاكي/ تمني أن يكون الطريق طويلا/ حافلا بالمغامرات.. عامرا بالمعرفة/ لا تخشي آله البحر الهائج ولا السيكلوبات/ لن تجد أبدا أيا منهم في طريقك/ إن بقي فكرك ساميا.. وإن مست عاطفة نبيلة/ روحك وجسدك». وايتاكي هو أيضا اسم الفيلم المتوسط الطول الذي أخرجه وصوره إبراهيم البطوط.. بعد رحلة قصيرة مع الأفلام التسجيلية رصد فيها الكثير من الأحداث الدامية التي تعرض لها العالم.. والفيلم لا يخرج عن كونه تجربة ذاتية يرد بها المخرج الشاب علي لسان بطله الأول.. وهو مخرج أيضا.. خاض حروبا مدمرة.. وشهد مآسي اجتماعية تركت في القلب شرخا وفي الروح غصة. الفيلم يبدأ بالمخرج يروي لنا.. حادثة فنان مروعة.. شهدها في إثيوبيا.. قبل أن يتعرض لحرب العراق.. ويروي مأساة أب يفتش عن قبر يدفن به طفله الرضيع الذي يحمله علي صدره. وأشياء أخري كثيرة.. انصهرت في قلبه.. قرر أن يخرجها عقدا من حديد وأبنوس.. من خلال شخصيات عرفها أو تعرض لها.. أو مرت في حياته.. إنه أوليس الجديد في رحلة ايتاكي أخري.. دروبها هذه المرة شخصيات إنسانية مختلفة.. حاول المخرج أن يجمعها وأن يربط بينها بحبل درامي وثيق. هناك هذان العاشقان الذي يبدأ الفيلم بتصوير قصة حبهما اللاهبة.. برقة وحساسية وشاعرية أخاذة ثم ينهي الفيلم بقطيعتهما وبدء قصة حب جديدة لكل منهما.. إذ هكذا تسير الحياة علي كوبري قصر النيل الذي اختاره المخرج بؤرة لأحداثه تتجمع فيه شخصيات الفيلم وشخصيات أخري عابرة ربما تحمل كل منها مأساة أو قصة أروع وأبدع مما شهدناه.. فالحياة وحدها هي القادرة علي ابتكار اللاممكن الذي نعجز نحن أحيانا عن ابتكاره. هناك هذا الكهل المدمن.. الذي يعيش مع زوجة تحترم خصوصيته وتحيط خصوصيتها بسياج دون أن يؤثر ذلك علي طبيعة علاقتها الحلوة مع زوجها.. وتفهم أكثر من غيرها.. بل ربما شاركت زوجها آلمه وفجيعته بموت السمكة التي رباها سنوات طويلة.. ثم ماتت لتتركه في فراغ نفسي كبير لا يفهمه أحد غيره. وعندما يقول له أحد رفاقه هازئا بألمه.. اشتري سمكة غيرها. يرد بجواب منطقي حار.. هو إذا فقدت ولدك.. ستذهب لتشتري ولدا غيره!! هذا الرجل المدمن.. الذي حذرته طبيبته بأن أية نقطة خمر قد تؤدي بحياته.. والذي يجلس صامتا متأملا أمام كأس النبيذ الممتليء.. يتأمله.. كما يتأمل موته.. في لحظة استغراق عاطفي مذهل.. والذي يقضي أيامه أحيانا.. بقيادة سيارة أجرة.. يتعرف من خلالها علي نماذج متعددة من البشر ومواقف تشبه في عبثيتها.. لوحة سيريالية غامضة. وهذا العجوز الذي تطفح الذكريات من وجهه المعروق الذابل.. والذي يواجه بكبرياء.. جمال الميدان الذي يطل عليه بيته.. والذي يحمل آثار حضارة ومدنية ورقي.. بدأت تضمحل من حياتنا.. والذي يوافق علي إهداء الكمان القديم الذي يعتز به إلي أي شخص يعرف كيف يعتني به. وهذا الجندي الذي عاد من حرب العراق.. وقد خسر عينا.. ولكنه اكتشف عوضا عنها عينا أخري سحرية جعلته يدخل إلي أعماق الموسيقي الحقة (موسيقي بيتهوفن) ويغرق فيها.. حتي البكاء ليصبح أضحوكة بعض من أصدقائه.. هذا الإنسان البسيط الذي يسير في أحياء القاهرة القديمة ومقاهيها المشتعلة بالذكريات والتي تملأها ظلال حية تبث فيها الروح التي غادرت إلي الأبد الأحياء الجديدة العصرية. لقد صقلته الحرب.. بمدافعها وضجيجها الهستيري.. فجعلته يكتشف الهدوء الروحي في سمفونية بيتهوفن الخامسة وضربات القدر فيها التي تشبه ضربات قلبه. عصام «الجندي» ببساطته وبراءة قلبه.. وعينه الضائعة ربما كان من أكثر الشخصيات قربا إلي المخرج والتي جمعها كلها في دائرة.. تشتعل فيها عواطفهم وإحساسيهم واعترافاتهم كدائرة النار المطهرة في قصص الأساطير.. صوفية الجسد.. تمثلت في حركات الرقص الانسيابية وصوفية الصوت.. الخارج من الأعماق.. والذي تزيده ألقا وقوة.. الصور الفوتوجرافية القوية التي تصور دراويش الأناضول أو بوابات المساجد المشتعلة. وصوفية الروح.. في هذه الأغنية المنطلقة من أعمق أعماق القلب.. والتي تحمل كل دماء الشرايين والتي تطلقها العاشقة.. في حفل نصف شعبي.. تتخيل من الليل دوائر شفافا لها.. يخترقه صوتها كما يخترق الخنجر الأحشاء والقلب. شخصيات جمعها المخرج.. كما يجمع حبات اللؤلؤ المنثور في عقد واحد يضم العنق ويكاد يخنقه.. مضيفا إلي هذا الاسم بالفحم الأسود.. إحساسا صوريا مدهشا.. نجد في اختياره وقدراته واكسسواراته ولوحاته.. والصور الفوتوجوافية التي تزين جدرانه وموائده.. التماثيل والشموع.. والخناجر المشرعة.. التي وضعت علي سجادة حمراء قانية.. قدمها المخرج.. من خلال إطار من الخضرة الفاتنة.. فأتت وكأنها لوحة رسمها رسام ملهم. بل إن هذا الإحساس الجمالي لم يفارق المخرج.. في صوره كلها تقريبا.. المجسمة منها.. التي تلتقط ظلمات الوجه وارتجافات الفصل.. أو العامة التي تشكلت وفق هندسية جمالية مدروسة.. خصوصا عندما تلمس كاميرا المخرج.. حارات القاهرة العتيقة ودروبها الضيقة وشبابيكها المفتوحة علي السماء والقمر. رؤية شديدة الثراء.. تماشي مع (اللادرامية) المقصودة من المخرج إذ إنه حرص علي أن لا يقدم سردا تقليديا فيه الحادثة التي تلد وتتطور ثم تنتهي. لقد أراد أن يمسك بلهب النار الذي يتفجر في القلب خلال لحظة رائعة.. دون أن يبالي بأن يقدم له أو يرسمه.. أو يصور نتائجه. سرد سينمائي وفق منطق جديد.. وذكاء متوهج في عرض الأحداث وصيرورتها.. تنتمي إلي سينما مصرية شابة بدأت تعلن عن نفسها بقوة ووضوح.. وتقف متحدية التفاهات السطحية وأساليب السرد البالية التي امتلأت بها أفلامنا التجارية.. والتي بدأت تهز أركان سينمانا الصلبة التي مازالت تقاوم الزمن والتيارات منذ مائة عام أو ينيف. إبراهيم البطوط.. هو واحد.. من هذه السلسلة من الشباب التي قررت أن تقتحم الميدان السينمائي الذي بدأت عناكب التفاهة والابتذال تنسج حوله خيوطها القاتلة. لقد أثبتت هذه المجموعة الفذة من الشباب أن الصراخ الداخلي وحده لم يعد يجدي.. وأن عليها أن تحارب بأبواقها وصراخها كما فعل جنود فلسطين.. لكي تهدم أسوار «جرش» المنيعة. وهكذا.. جاءتنا أفلام قصيرة أو متوسطة الطول مدهشة حقا.. في فكرها وأسلوبها وعرضها.. بل حتي في جرأتها البالغة.. كما في فيلم الحصار الذي أنتجته شركة سيمات بالتعاون مع مؤسسة سويسرية وكتبه وأخرجه وليد مرزوق.. ويتحدث فيه بتهكم ساخر.. وبروح نقدية صائبة عن موظف مبيعات يحرض علي شراء مستحضر جنسي.. يقدمه بعبارات لم تعتد سماعها في السينما المصرية.. ويدخل الفيلم بعد ذلك في متاهات نقدية قوية.. لا ترحم أحدا من سياطها.. ويتألق بالفيلم نجم شاب.. أعتقد أنه سيشق طريقه قريبا جدا علي الشاشات التجارية الواسعة الانتشار.. هو آسر باسين سبق الذي شاهدناه يلعب دور المقريء الأعمي في فيلم رامي عبدالجبار المتميز «بيت من لحم» والذي يعود إلينا هنا في دور مختلف وشخصية مختلفة ولكنها تحمل نفس النار الداخلية الحارقة التي أدهشتنا في «بيت من لحم» والتي يقدم فيلم «الإعصار».. جانبا آخر من هذه الموهبة التي كادت تفجر الشاشة.. وسامة وموهبة وحضورا. «الإعصار» يطلق سهاما نارية علي المجتمع الذكوري الذي مازال يسيطر بقوة علي مصير الحياة الاجتماعية المصرية.. كما يطلق صفارة حادة مليئة بالسخرية علي الأوهام الجنسية التي تسيطر علي هذا المجتمع وتدير قياده. فيلم آخر.. أنتجته سينمانا وأخرجه إسلام العزازي باسم «نهار وليل» ومثلته نجمة سينمائية لها وزنها هي هند صبري إلي جانب ممثل شاب طموح يتقدم بخطي واثقة نحو الشهرة والشعبية هو «بسام سمرة».. الفيلم أيضا كفيلم ايتاكي.. يكاد يكون بلا حادثة.. يعتمد علي الأحاسيس الداخلية.. وعلي موجات الإحباط القاتلة.. التي تمكنت من نفوس شباب سدت الأبواب كلها في وجوههم.. والتي تفرغهم شيئا فشيئا.. من عواطفهم الإنسانية وترغمهم علي الدوران في الفراغ.. قاتلين بملء إرادتهم الحب والعواطف التي كان بإمكانها أن تنفذهم من يأسهم وإحباطهم. برع المخرج في رسم الأجواء التي تعيش بها فئات هامشية.. واستطاع من خلال بطليه الرئيسيين ومن خلال شخصيات هامشية متعددة أن يرسم لوحة مؤثرة لواقع أليم يعيشه شبابنا.. واقع يجعل من الحب شيئا مستحيلا.. ويدوس بأقدام فظة علي كل الزهور الحمراء الصغيرة والبنفسج الذي نما علي طريق الأشواك الذي نسير عليه. إسلام العزازي اختار الصعب.. بل والصعب جدا.. ليقدم صورة بائسة عن شباب جيله.. صورة.. تضج بالموهبة والرؤيا السينمائية الناضجة والمختلفة. أفلام كهذه وسواها أفلام أخري لابد من الإشارة إليها هي طوق النجاة الوحيد الذي يمكننا أن نعبر من خلاله هذه العاصفة التي كادت تطيح بأبراجها المجنونة آمالنا كلها. ولكن النور يأتي من بعيد ساطعا.. واثقا.. متكبرا.. والأمواج مهما هدرت لابد لها أن تهدأ وتستريح.. ولابد للقمر أن يعود من جديد يرسل أشعته الفضية والعنقاء النائمة.. ابتدأت تتحرك.. لتنطلق من رمادها. جريدة القاهرة في 6 يونيو 2006
طارق الشناوي يكتب من «كان»: المقايضة المحرمة بين «شفرة دافنشي» و«مسيح» فايز غالي * هناك من يضغط علي البابا شنودة الآن للموافقة علي سيناريو «المسيح المصري» الذي يلتزم بالإنجيل.. كنوع من الرفض لشفرة دافنشي الذي يهدم صلب المسيحية * إذا أردنا أن يلعب الفن دوره ينبغي أن تحكمه استراتيجية واحدة وهي ألا يخضع الناسوت للاهوت وأن نفصل ما هو إنساني عما هو ديني، أما أسلوب المقايضة بين الدولة ومؤسساتها الدينية فإن الجميع فيه خاسرون. ثورة الغضب التي اجتاحت العديد من الدول الغربية وعبر عنها «الفاتيكان» باعتراضه علي فيلم «شفرة دافنشي» وهو ما أدي أيضا إلي أن اتحاد الكنائس العالمية يعلن غضبه.. بالإضافة إلي عدد من المنظمات الأهلية سارعت بإعلان رفضها للفيلم.. العالم العربي باستثناء دولة الإمارات تحفظ وأغلب الظن أنه لن يعرض علي الأقل خلال هذا العام الفيلم، ولكن كالعادة سوف تجد الفيلم يتبادله المصريون فيما بينهم بعد أن يصل إلينا عن طريق أسطوانات C.D أو D.V.D وربما قبل أن تقرأ هذه السطور يكون بالفعل قد وصل الفيلم مهربا إلي العديد من البيوت المصرية.. إن البعض يعتقد خاصة المتزمتين أن هناك منظمة ما دينية تمنع عرض فيلم.. المنظمات تعلن فقط رأيها لكنها لا تمنع.. عرض الفيلم قبل افتتاح مهرجان «كان» بيوم واحد حيث شاهده الصحفيون والنقاد يوم 16 مايو الماضي وبعدها أقيمت له أربعة عروض ولم تمض سوي 48 ساعة فقط وكان الفيلم قد عرف طريقه إلي أوروبا وأمريكا وحقق في الأيام الأولي لعرضه أرقاما غير مسبوقة رغم تواضع مستواه الفني إلا أن مساحات الانتظار والشوق والترقب ساهمت في خلق حالة من الاندفاع الجماهيري.. الفيلم يقع تحت طائلة قانون الخيال ولا يشكك في العقيدة المسيحية لكنه عمل فني افتراضي.. النقاد في مهرجان «كان» منحوه درجة رديء.. أتذكر أن ثمانية من بين عشرة نقاد في مجلة «فيلم فرانسيز» وهي المجلة الفرنسية الشهيرة التي تتابع في إصدار يومي فعاليات مهرجان «كان» منحته درجة رديء من خلال ثمانية نقاد بينما ناقدان فقط اعتبراه علي استحياء يستحق درجة مقبول.. نقاد أمريكا لم يمنحوه أكثر من مقبول!! لا أتصور أن الإيرادات سوف تستمر لصالح «شفرة دافنشي» وهو بالفعل في الأسبوع الثالث لعرضه بدأ يعاني من هبوط سهم جماهيريته. أما عالمنا العربي فلا يمكن لأحد أن يتوقع علي وجه اليقين مصير الفيلم جماهيريا لو أتيح له العرض.. وأغلب الظن ـ وليس كل الظن إثم ـ أنه لن يجد صدي لأن الجمهور الذي لديه ثقافة سينمائية وقرأ القصة أو قرأ عنها لن يجد سحر القصة السينمائية.. أما إذا كان الغرض أن يري الجمهور فيلماً تشويقياً بوليسياً يجدد من خلاله روائع الأفلام الأمريكية البوليسية فإنه أيضا سوف تصدمه الحقيقة لأنه لا يوجد بالفيلم حالة اللهاث والترقب والتماهي التي تحققها الأفلام البوليسية الأمريكية.. لقد أشارت أكثر من جريدة إلي أن البابا شنودة اجتمع باعتباره رئيسا للكنيسة الأرثوذكسية مع رجال الكنيستين الكاثوليك والبروتستانت لاتخاذ موقفا ضد «شفرة دافنشي» وأن الرأي العام باستثناء البروتستانت هو رفض الفيلم!! ووجدها البعض فرصة لمطالبة الكنيسة الأرثوذكسية للرد علي «دافنشي» بالموافقة علي إنتاج «المسيح عليه السلام» الذي كتب له المعالجة الدرامية «فايز غالي» وسبق له أن تقدم بتلك المعالجة إلي البابا شنودة أثناء الاحتفال بعيد القيامة المجيد ووعده البابا شنودة بقراءة المعالجة وبعدها يتخذ موقفا نهائيا من مشروع الفيلم وكان قد سبق أن أرسل د. جابر عصفور باعتباره أمينا عاما للمجلس الأعلي للثقافة بهذه المعالجة إلي الكنيسة منذ أكثر من شهرين ولم يتلق ردا حتي الآن!! ولا أحد يدري بالطبع الموقف النهائي للكنيسة من المعالجة الدرامية والذي أعلمه أن «فايز غالي» كاتب المعالجة التزم بما جاء في الأناجيل الأربعة ولم يقدم اجتهادا خاصا في التحليل من الممكن أن يفتح الباب لأي خلاف أو تعدد لوجهات النظر.. التزم «فايز غالي» ولهذا فإنه في الأغلب سوف يحصل علي موافقة الكنيسة المصرية لتبدأ بعد ذلك خطوات كتابة السيناريو والتصوير حتي تصل إلي شريط سينمائي لن يعرض طبقا لكل ما سبق إلا إذا حظي بموافقة الكنيسة لأنه من البديهي إذا أقرت الدولة من خلال الرقابة وهي بالفعل أقرت ذلك عرض المعالجة الدرامية علي الكنيسة فلا يمكن إلا أن يستمر الحال علي ما هو عليه وتخضع كل إجراءات الفيلم لشروط مباركة الكنيسة. هذا الوضع الشائك الذي أسهم فيه بقسط وافر الخوف من غضب الكنيسة وبنفس القدر اسهم فيه أيضا ضيق سماحة المفتي د. علي جمعة والذي سبق له قبل أربعة أسابيع بأن صرح بأن علي المسلم ألا يشارك في فيلم عن حياة السيد المسيح، أكثر من ذلك فإنه اعتبر أن المسلم الذي يشاهد الفيلم مذنب استنادا إلي أن الديانة الإسلامية تحظر تقديم صورة الأنبياء علي الشاشة.. هذا التشدد الذي أعلن عنه المفتي بكل وضوح وبما لا يدع هناك أي مجال للشك ولا لسوء التفسير والتأويل لأن المفتي دائما ما يؤكد أن بينه وبين الصحافة سوء فهم وأن آراءه المنشورة يساء تفسيرها.. أقول إن تشدد المفتي حتي لو قابله رأي مرن لشيخ الأزهر يؤكد فيه أن للمسيحيين طبقا لعقيدتهم أن يقدمو السيد المسيح علي الشاشة فإنه أيضا لم يوضح ما هو موقف المسلم إذا شارك أو شاهد فيلماً عن السيد المسيح عليه السلام.. ان سطوة المؤسسة الدينية سواء الأزهر أو الكنيسة سببها المباشر هو أن الدولة تتنازل طواعية عن دورها.. مثلاً فيلم «آلام المسيح» لميل جيبسون لو عرض علي الأزهر كان سيمنع عرضه بحجة أنه ممنوع تجسيد صورة الأنبياء علي الشاشة وهو حجة شرعية بل إن قانون الرقابة يحوي بندا صريحا وضعه د. جمال العطيفي عندما كان وزيرا للثقافة في السبعينيات تمنع تجسيد الأنبياء علي الشاشة، ولو عرضت الرقابة فيلم «آلام المسيح» علي الكنيسة من المؤكد أنها سوف ترفضه لأنه مقدم طبقا لرؤية الكاثوليك عن «السيد المسيح» وليس الأرثوذكس وفي الحوار داخل الفيلم بعض الجمل التي تصطدم مباشرة بالعقيدة المسيحية عند الأرثوذكسي حيث تتردد كلمات تصف السيد المسيح تارة بأنه ابن الله وتارة بأنه ابن الإنسان.. وذلك لأن الكاثوليك ـ الكنيسة الغربية ـ تعتبر أن للمسيح طبيعتين إلهية وإنسانية بينما الكنيسة الأرثوذكسية ـ الشرقية ـ تري أن له طبيعة واحدة هي إلهية فقط فلا يمكن أن توافق الكنيسة ولا البابا علي عرض آلام المسيح.. ولكن عرض الفيلم قبل عامين ولم تحدث أي علامات للغضب سواء من المسلمين أو الأقباط لأنه لا أحد أستأذن لا الأزهر ولا الكنيسة. إنني أري بعض الزملاء يهللون مباركين علي صفحات الجرائد والمجلات رافضين عرض «شفرة دافنشي» ويعتقدون أن هذا هو الطريق الوحيد لكي ترحب الكنيسة بتقديم فيلم عن السيد المسيح.. وذلك كوسيلة للرد علي التطاول الغربي.. لا ينبغي أن نحسبها هكذا.. لا يمكن أن تقدم أي أعمال فنية تنتظر مباركة الأزهر والكنيسة ومن يريد من الكنيسة أن تتشدد في التصريح بـ «شفرة دافنشي» لا يمكن أن يطلب منها علي المقابل أن تتسامح في التصريح بفيلم عن السيد المسيح!! إذا أردنا للفن أن يلعب دوره ينبغي أن تحكمنا استراتيجية واحدة وهي ألا يخضع الناسوت للاهوت.. إن تفضيل ما هو إنساني ـ دنيوي ـ عما هو ديني.. وألا يخضع الأول للثاني.. أما أسلوب المقايضة بين المؤسسات الدينية والدولة فإن الجميع فيه خاسرون!! جريدة القاهرة في 6 يونيو 2006 |
ماذا عن السينما الأفغانية بعد طالبان.. والإيرانية بعد نجاد؟ رويا سادات.. أول مخرجة لفيلم أفغاني طويل فوزي سليمان * وزير السينما الإيرانية في عهد نجاد المحافظ يدعو إلي التحرر وتعدد وجهات النظر * ثلاث نقاط.. فيلم روايا يقتحم بجرأة حالة القهر التي تعاني منها المرأة الأفغانية وتدور أحداثه حول أرملة شابة تضطر لمساعدة زعيم عصابة لتربية أولادها. دليل السينما الدولي in Ternationa Film Yuide الذي يصدر سنويا في لندن ولوس أنجلوس وكان، يقدم في عدده الثالث والأربعين، عرضا وافيا للنشاط السينمائي في أكثر من 76 دولة، إلي جانب أقسام أخري ـ تتغير موضوعاتها في كل سنة ـ مثل: «مخرجو العام» ـ يلقي الضوء علي مخرجين من مختف أنحاء العالم مع تحليل «أهم أعمالهم»، كما تختار في كل مرة سينما معينة لتقديم دراسة عن تاريخها وتصدرها وهذه المرة وقع الاختيار علي السينما الأيرلندية نتعرف منها علي دورها الرائد في تصوير أفلام مهمة صورت علي أرضها، ونعرف أن فنانا أيرلنديا كان له تأثير كبير في هوليوود هو سيدريك جيبونس، وهو الذي صمم تمثال الأوسكار تحت، كما نجد قوائم بالكتب الجديدة، واهتماما بأفلام الديجتال تعكس تقارير السينما الأحوال السياسية والاجتماعية المؤثرة في مختلف البلاد، ففي تقرير السينما الألمانية يلاحظ الناقد الألماني روديجر سوفسلاند بزوغ ظاهرة جديدة هي الموجة النازية كما في أفلام مثل «السقوط» (وهو الذي عرض تجاريا في مصر بعد مشاركته بمهرجان القاهرة) وقد حقق ثلاثة ملايين يورو في دور العرض الألمانية، و«اليوم التاسع» للمخرج الكبير فولكر شلندورف، و«نابولا» و«صوفي شول» ـ الأيام الأخيرة ـ عن مقاومة الشباب للنازية، ويبدأ تقرير السينما الهولندية بذكر مصرع المخرج ثيوفان جوخ علي يد شاب مسلم متزمت، ومن سخرية القدر أنه بعد شهر واحد من قتل المخرج الهولندي قدم العرض الأول لفيلمه «السادس من مايو» ـ الذي كان قد أنجزه قبل مصرعه، ويدور حول اغتيال رجل سياسي هولندي عام 2000، لأنه كان قد عارض شراء هولندا لطائرات حربية في صفقة مشبوهة! رغم الجو المحبط في أفغانستان، تظهر أول مخرجة أفغانية لفيلم روائي طويل هي رويا سادات Roya Sadat بفيلم «ثلاث نقاط»، تدور أحداثه علي الحدود بين إيران وأفغانستان، بطلته جول أفروز.. امرأة شابة أرملة، تناضل ومعها أطفالها الثلاثة من أجل الحياة، وترفض عرض شقيق زوجها للزواج مما اعتبره المجتمع المحافظ خروجا علي تقاليده، فعاملها بقسوة وظلت في حالة خوف أن تجبر علي أن تترك أطفالها، وتضطر أن تعمل في مساعدة «خان» وهو زعيم عصابة تهريب المخدرات وتقدم المخرجة رويا سادات ورؤيتها لمصير الأرملة الشابة المأساوي، وتحلل بصراحة مشاكل البناء العائلي والإقطاع والزواج القسري. وقد أنتجت أفغانستان خمسين فيلما منذ عام 1965، وبعد فترة انتعاش في الإنتاج في ظل الاحتلال السوفييتي، جاء حكم طالبان الذي حرم كل أنواع «الصورة» تحريما مطلقا، وبعد سقوط الطالبان وبداية الاستقرار قامت مؤسسات رسمية خاصة مثل «أفغان فيلم» و«مركز الثقافة والفن» في كابول، و«اتحاد السينمائيين»، أو شركات ترعاها منظمات مدنية أو إنسانية، تقوم بالمساعدة في إنتاج أفلام ديجيتال قصيرة، مثل «الطائرة الورقية» إخراج رازي محب عن أطفال يخشون اللعب بالطائرة الورقية لأن أحد رجال طالبان ينهرهم، صادقوا ابن الرجل وعن طريقه أقنعوه أن يستثنيهم، وفي فيلم «سينما كابول» إخراج مريس ركاب يقوم ولد بجمع مخلفات شرائط أفلام سينما تهدمت، ويعدها للعرض علي عربة يد تنتقل في شوارع كابول رغم قصف القنابل وخشية اكتشاف أمره! وفي فيلم «رجم بالحجارة» يقدم لطيف أحمد قصة سريعة لامرأة تقدم علي الانتحار بعد اغتصابها لتتجنب عقوبة الرجم، وتضطر اختها الصغيرة التي لا يتعدي عمرها 13 عاما أن تتزوج من المغتصب، وتقوم خمس مصورات أفغانيات بعد أن درسن الصحافة بمنحة من مؤسسة تنتمي للمجتمع المدني بإنتاج تحقيق سينمائي بعنوان «الكشف عن أفغانستان»، ارتحلن لأول مرة بدون أسرهن عبر أفغانستان يسألن عينات من النساء عن أحوالهن، وقد فاز الفيلم بجائزة «إيمي» عام 2005. وهناك مخرجان أفغانيان يعيشان في باريس، أحدهما همايون كريمبور Hamayoun Karimpour، أنتج وكتب وأخرج فيلما بميزانية صغيرة هو «نيلوفار في المطر»، يروي فيها بطله قصة رجل أفغاني مقيم في فرنسا يروي قصة علاقته بالفتاة نيلوفار التي كان يحبها ولكن الحرب التي دمرت كل شيء أنهت حبه. أما المخرج الثاني فهو عتيق رحيمي Atiq Rahimi فإنه يخرج فيلما تسجيليا بعنوان «حالة مستحيلة» يتبعه بفيلمه الروائي الطويل الأول «أرض ورماد» ـ عن رواية له ـ تقدم أحداثها في وقت الاحتلال السوفييتي، حول جد يعيش مع حفيده الذي أصابته القنابل بالصمم ويظل في قلق علي ابنه الذي يعمل في أحد المناجم، إلي جانب هذين المخرجين قام كريستيان فراي بتصوير شريط فيديو بعنوان «بوذا العملاق» عن مراسل لقناة الجزيرة تنكر في زي أحد رجال طالبان صور سرا تحطيم تماثيل بوذا العملاقة في باميان. كتبت تقرير أفغانستان هذا ساندرا شيفر وهي مخرجة ألمانية وناشطة في تنظيم المهرجانات، أهمها مهرجان «كابول ـ طهران ـ بين أعوام 1979 و2003»، وشاركت في إعداد كتاب بنفس العنوان، وتقوم بإعداد فيلم تسجيلي عن مقاومة النساء في ظل حكم الطالبان! ماذا عن السينما الإيرانية بعد انتخاب المحافظ محود أحمد بن نجاد رئيسا للجمهورية في يونية 2005، بعد أن انتهي عهد محمد خاتمي الإصلاحي كانت محاولة المنتجين استشفاف مستقبل السينما من خلال تصريحات مسبقة لنجاد أن صناعة الفيلم يجب أن تتجه فقط إلي أن تكون وسيلة لترسيخ القيم الاجتماعية والدينية، وأشيع أن الصناعة السينمائية ستتركز في يد مجموعة ملتزمة أيديولوجيا، ولكن بعد شهور سري الاطمئنان بعد تصريحات لوزير الشئون الثقافية الجديد حسين صف هاراندي ومحمد رضا جعفري نائب الوزير لشئون السينما، فقد أكد هاراندي أنه يجب أن يكون هناك جو من التحرر في صناعة الأفلام وبين المخرجين من خلال تعدد وجهات النظر علي أسس متكافئة، ونفي جعفري الشائعات التي ترددت حول القيود علي الإنتاج الخاص، حيث قال إن التعاون بين القطاع العام والقطاع الخاص هو الأكثر ضرورة في السينما عنها في أي حقل ثقافي آخر.. ويرصد المؤرخ وكاتب السيناريو الإيراني جمال أوميد أهم الأفلام من الإنتاج الجديد من بينها «المبارزة» إخراج رظا درويش وبطولة زينال ـ 40 سنة ـ الذي أطلق سراحه من سجن عراقي بعد أن حكم عليه بالسجن عشرين سنة، وكان قد شارك في المقاومة ضد القوات العراقية بمدينة خوراشهر وكان قد طلب منه أن يسحب ملفات سرية من خزانة عراقية، وقد افتقد الفيلم التقدم التقني والفني الذي امتلكه المخرج في أفلامه السابقة مثل «كيمائي» و«أرض في عين الشمس» من أهم الأفلام الجديدة ذات المستوي الفني فيلم «شجرة الضعاف الباكية» للمخرج مجيد مجيدي الذي سبق أن بهرنا بفيلمه «لون السماء» عن طفل صغير يستشعر صوت الطبيعة والعناية الإلهية ويصفها بالألوان، يعود مرة أخري إلي قضية العمي ولكن يوسف هنا عمره 45 سنة أستاذ جامعي يستعيد بعده الذي كان قد تقدم في سن الثامنة، ولكن عودة البصر إليه تثير بعض الصعوبات إذ يقع في غرام فتاة جميلة، ويؤدي الصراع بين رغباته الحسية ومسئوليته نحو أسرته إلي عودة العمي إليه، ويؤدي به احتجاجه علي ما حدث له من القدر إلي إدراك وتأمل صوفي لمعني الحقيقة المطلقة فيلم مهم آخر وعلي مستوي فني جيد هو «قريب جدا، بعيد جدا» للمخرج الشاب رضا مبرر كريمي الذي رشح لأوسكار أحسن فيلم أجنبي يدور حول الدكتور عالم أمراض عصبية شهير يشغله عمله كطبيب حتي يهمل ابنه الصغير سامان الذي يصاب بورم في مخه يشعر بالذنب تجاه ابنه ويبحث عنه في الصحراء حيث كان ابنه يلاحظ النجوم ـ تصادفه عاصفة رملية وتدفن سيارته في الرمال ـ ويهدد بالموت وبعد أن فقد الأمل إذا به يسمع صوت ابنه الذي يكون سبب نجدته ورغم عدم جدية الموضوع فقد وفق المخرج إلي إضفاء جاذبية عليه. المخرج علي رافعي بعد أن بلغ السابعة والستين من عمره وبعد أن كان قد شارك ـ كممثل ـ في مسرحيات وأفلام فرنسية ـ كما مثل في إيران ـ يقدم فيلمه الروائي الطويل الأول «السمكة تقع في الحب» الذي يروي قصة عزيز ـ وهو رجل في أواسط العمر ـ له ميول يسارية يتمرد علي طبقته الاجتماعية، ويتعرض للاعتقال، وبعد سنوات السجن يعود إلي بيته فيجده قد تحول إلي مطعم تديره عدة نساء. وتظل كارثة الزلزال التي أصابت جنوب إيران عام 2003 ـ مصدرا لأفلام أخري جديدة، وفي فيلم «استيقظ ـ أريزو» إخراج أياري الذي كان قد رحل إلي المنطقة المنكوبة بعد الأحداث مباشرة، وقد لاقي صعوبات كثيرة في التصوير في ظل ظروف قاسية وخرج الفيلم مؤثرا. ويتابع المخرج يسول صدر اميلي في عمل ثالث قضية تجربة البنات الصغيرات مع الحب، في فيلم، لقد شاهدت أباك الليلة الماضية يا عايدة» الفتاة عايدة التي تكتشف علاقة والدها بامرأة شابة. الحياة اللبنانية في 28 مايو 2006
سينما عراقية بسرعة الريح ليث عبد الامير للفترة بين 6\10 مارس، أقيم بجامعة بلندن أول مهرجان للفيلم العراقي حضره جمهور غفير أغلبه من العراقيين المغتربين في بريطانيا SOASبالاضافة الى مثقفين ومهتمين بالشأن العراقي من البريطانيين والاجانب. وتميزت عروض المهرجان بنوعية الافلام المشاركة والجيدة وشكلت إمتدا لسلسلة تضاهرات سينمائية عراقية نشطت بعد سقوط دكتاتور العراق بدأت من باريس في معهد العالم العربي عام 2004 ثم طوكيو عام 2005 وسنغافور وباري في إيطاليا... في بريدي الالكتروني وقبل الذهاب الى حفل إفتتاح مهرجان لندن للفيلم العراقي وجدت هذه الكلمات المؤثرة والدالّة " كن متأكدا بأنني مستعد للتضحية بحياتي من أجل لحظة سينمائية صادقة وخالصة " وهي مقتطف من رسالة لصديق سينمائي شاب يعيش في العراق و ينوي إنجاز فيلمه الاول ! الرسالة تلخص تصميم جيل جديد من السينمائيين العراقيين فتحوا أعينهم على الحروب والبؤس، هذا الجيل من السينمائيين الشباب لا يتكأ على إرث سينمائي عريق رغم قدم تاريخ السينما العراقية وغير مؤهل في معاهد سينمائية ولا حتى دوراة تأهيلية مع بعض الاستثناء. في قاعة المهرجان فاجأني حضور السينمائيين القادمين من العراق، عمار سعد، عدي صالح، سعد إبراهيم وكلهم من الشباب الذين تشرفت بالتعرف عليهم قبل سنة، وذلك في مطلع عام 2005، وهم الفريق الفني الذي رافقني في رحلتي لتصوير فيلمي الاخير (العراق أغاني الغائبين ) والذي شكل بالنسبة لهم تجربتهم الاولى في عالم السينما التسجيلية. اليوم كل منهم جاء الى لندن يحمل فيلمه الاول ! لم أكد أنجز المراحل الاولى من المونتاج بعد عودتي من العراق حتى حصد عمار سعد الجائزة الاولى في مهرجان العراق الدولي للفيلم القصير، وعدي صالح الذي رافقنا كمساعد إنتاج يشارك الان بفلمه الاول وعنوانه (فيلم عن السيلمة ) ويحمل في كمبيوتره النقال الذي يرافقه كظلّه مشاهد فيلم آخر تحت الانتاج، أما سعد إبراهيم فعمل معنا كمساعد مصور وإداري جاء مع (هل هذا جهاد ) وهو فيلم تسجيلي متوسط أنجزه للتو ويعد الان لفيلم روائي قصير.. إنهم جيل من الشباب متعطش للعمل وللتعويض عن حرمان وغياب سينمائي دام طويلا وهو متعجل من أمرهم ويعمل أسرع من الطلقات الغادرة التي تلاحقه في كل مكان و تحصد شباب العراق تحت راية الاسلام والجهاد. يتحدث عمار سعد في فيلمه (علكة ملعونة) عن محنة الصحفيين في العراق وكيف أصبحت الكاميرا العدو رقم واحد للجميع ( أمريكيون، سلطة، أرهابيون، قطاع طرق..) لذلك دفع الكثير حياتهم وما زال الموت يحصد الاخرين، أحد الصحفيين الذي تحدث في الفيلم قتل لاحقا، وقد إستطاع المخرج الشاب الامساك بموضوعة الفيلم وكان موفقا في معالجته الدرامية ومتماسكا، وكنت أتمنى أن لا ينجر الى الحذلقة في المونتاج والتقطيع السريع مما أفقد التواصل مع الاحداث في بعض الاحيان. يتابع سعد إبراهيم في فيلمه ( هل هذا جهاد) الحياة اليومية في شارع حصدت سيارة مفخخة أرواح ألاطفال الذين كانوا يلعبون كرة القدم وتحول المكان اليوم الى شارع أشباح فقد قتل أكثر من عشرين صبيا فقد بعضهم ساقه وتبحث طفلة لا يتجاوز عمرها الثلاث سنوات عن أخيها الذي كان يشتري لها الموطة ( البوظة) كل يوم، وتبكي اليوم فقدان أخيها الطيب ولا تعرف السبب. الفيلم كان يمكن أن يكون مرثية لهؤلاء الابرياء الذي قضوا في التفجير الارهابي وهو إدانة صارخة بوجه القتلة المتأسلمين ولكن الحوارات مع الشخصيات السياسية والدينية أضعفت من القيمة الجمالية للفيلم ويبقى المشهد الاخير للطفلة وهي تبكي أخيها الشهيد من أكثر المشاهد المؤثرة وقد أراد المخرج أن يصرخ بصوت أقوى من الصورة نفسها وكأنه يريد أن يضيف بعدا رابعا للصورة. أما فيلم حيدر موسى (أحلام العصافير ) وهو فيلم طويل 80 دقيقة أراد أن ينقل الحياة اليومية في بغداد محاورا أصدقاءه ومعارفة وتمتد أحداث الفيلم الى مراحل زمنية طويلة نسبيا منذ سقوط الصنم، والفيلم عبارة عن تجميع لمشاهدات وأحداث يومية بحاجة الى تشذيب وتركيب يعطي لها مسحات فنية وجمالية بدلا من تجميع أحداث متفرقة وأعتقد أن ظهورالمخرج الشاب المستمر معلقا على الوقائع كان غير مبرر وهذا فخ وقع فيه كثير من المخرجين العراقيين الذين صوروا عودتهم الى الوطن بعد غياب طويل وسقطوا في التبسيط وتحولت أغلب أفلامهم الى ( هوم فيديو) أفلام عائلية. الجميع يريد أن يصرخ وأن يقول شيئا بحجم المأساة ولكن لا يصنع المشهد اليومي مهما زادت دمويته سينما مبدعة، وهنالك شيئ آخر يسمى في الادب ما بعد النص حيث تطغي لغة الايحاء على الظاهر من النص أو الصورة. يلاحظ أن المشهد العراقي في أفلام هؤلاء السينمائيين متشابه فالحدث اليومي يأخذ أغلب مساحة الصورة والجثث المتفحمة تخرج من إطار الصورة وتصرخ بعنف والكاميرا قلقة ومتوترة تفقد المشهد جماليته أما المونتاج فعبارة عن ربط للمشاهد لا غير لكن الصورة تبقى صادقة ومباشرة بدون رتوش. خرجت هذه الافلام من مشكلة كانت ترافق السينما العراقية التسجيلية لعقود كثيرة وهي التعليق الخالي من الدلالات والممل والذي يفرض سلطته على الصورة وهذا إنجاز يسجل لهم. وعلى العموم عند متابعة هذه الافلام يصعب علينا الخوض أكثر في اللغة االسينمائية والوعي السينمائي للفيلم التسجيلي، هذه المفردات ستدخل القاموس السينمائي العراقي ربما قريبا، ولكن المؤكد أن السينمائيين العراقيين من جيل الشباب الذي بدأ يتعلم مفردات السينما لوحده بعيدا عن الدولة وعن تأثير جيل السينمائيين الرواد والموزع في المنافي بدأ يضع اللبنات الاولى لسينما جديدة لها الكثير مما ستقوله في مهرجانات أخرى، سينما خرجت من أكوام الجثث والسيارات المفخخة أو قل المجتمع المفخخ، سينما تريد أن تقول الكثير مع أبسط الادواد وتحت رحمة الارهاب واهمال الدولة وهي سينما تسير بسرعة الريح ولن تهدأ إلا بعد الوصول الى الضفة الاخرى. أما جمهور مهرجان لندن للفيلم العراقي فقد كان أغلبه من جيل ولد في المنافي ولم ير بلدهم أبدا. حضر عدد كبير منهم لمشاهدة هذه الافلام حاملين معهم قصصا جميلة ومدهشة عن عراق ألف ليلة وليلة، سمعوا عنه في حكايات ذويهم وقد صدمتهم الصور المرعبة والخراب القادم في علب هؤلاء السينمائيين الشباب، ولا أعتقد أنهم شاهدوا في حياتهم هذا الكم الهائل من صور الدمار والموت التي جاءتهم من بلد كان يوما حلمهم الجميل وربما تساءل بعضهم هل هذا هو العراق الذي ملأ أذهاننا وهل صدق أهلنا في حكاياتهم الجميلة عنه؟ سينمائي عراقي / kadhom57@yahoo.fr القصة العراقية في 7 يونيو 2006
|
د. رفيق الصبان يكتب عن إيتاكي:
|