إلى ماجد احمد عبد الكريم وحسن الأخرس وحسن بلاسم

هل تعرفون متعة إطفاء الضوء وتسلل ذلك الشعاع الذهبي إلى تلك قطعة القماش البيضاء حيث عوالم وكائنات حية تمتليء نشاطا فوق ذلك المستطيل الأبيض، صور، ألوان، موسيقى، فرح ، دموع، أحلام حلوة، حكايات وحكايات، ماذا سنقص من قصص إلى أبنائنا، قصص عن عالم جميل اختفى واندثر اسمه( سينما)، فهم لن يعرفوا أبدا شيء عن متعة الذهاب إلى السينما.

1- السبعينات...سنوات الوعي.

السنوات الحلوة التي تعلمنا فيها حب ألمدينه، بشوارعها ألفرحه، بأزقتها، بأناسها الطيبين ، بأنوارها وشبابها، باستعراض الجيش في عيده وأصوات الموسيقى العسكرية وألوان الفرح الجميلة، ألمدينه أعوام تألق كزار حنتوش وصاحب الضويري وعبد السادة الاطرقجي وحتى أيام العبدو وقجوم وكون أبو سمره، وأنا صغير أراقب كل هذا بحب وحذر، أيام المكتبات وغزو الكتب والثقافة ماركس وانجلز وسارتر وكامو، المجلات بأنواعها، أيام المدرسة الابتدائية الجميلة حيث تعلمنا ( إلى متى يبقى البعير على التل) و(أيزار أمي ازرق)فيها تعلمنا أن نحب الوطن ورحنا ندندن مع صوت عائد نجم( موطني موطني) ورسمنا الطبيعة بأجمل الألوان مع روحية وشفافية عبد الأمير فاضل بعصافيرها وأشجارها وأنهارها، سنوات أغاني حسين نعمه العذبة من المذياع في الشوارع والمقاهي، وأنا اكبر مع نقاش الأهالي واستكان الشاي في مقهى ناجي عفلوك( اللواء)، أيام شارع العلاوي الهادي ورقة الأضواء والحمامات الشعبية وأزقة الجديدة، أيام تألق وافتتاح دور السينما.

سينما الثورة( تقع في صوب الشامية ألان) تحولت من سينما صيفي إلى سينما شتوي وبدأت بتقديم شهريات الأفلام لشركة فوكس القرن العشرين فيما تخصصت سينما الحمراء (الواقعة على ضفاف شط الديوانية) بشهريات شركة مترو غولدن ماير فقد عرضت من هذه الشهريات الفيلم الحدث( ذهب مع الريح)الخالد بقصة حبه تحت نيران الحرب الأهلية الأمريكية، هناك أيضا سينما الجمهورية الصيفي( واقعة على الضفة الأخرى من النهر مقابل سينما الحمراء) والتي شهدت في منتصف السبعينات حادثة طريفة عندما كانت تعرض فيلما عربيا وفي منتصف الفيلم وبأحد المشاهد كان هنالك مشهد حريق كبير صاحبه أصوات من الجمهور وصياح ، فما كان من بعض الأهالي إلا أن تسلقوا سطوحهم وشاهدو الحريق وصياح الجمهور فاتصلوا بالمطافيء التي أتت مسرعة لتطفي نار الفيلم، يا لطيبة أهلنا، أما سينما الجمهورية الشتوي فقد كان يعرض فيلم الفاتح العظيم(لجوان واين) وقد كان اسمها القديم زهرة الفرات وهي تقع في منطقة الجديدة بينما كانت سينما الخيام تعرض فيلم رجل وراء الباب لالان ديلون وشارلز برونسون( وهي تقع في نفس مكانها القديم في منطقة الجديدة أيضا) أما اكبر إقبال جماهيري شهدته هذه السينما فهي عندما عرضت فيلم السندرلا سعاد حسني ( خلي بالك من زوزو ) فيما كانت سينما غرناطة الصيفي (التي تقع في شارع الجمعية) تعرض أفلاما لاسماعيل يس...سينما الجمهورية هي الأخرى دخلت المنافسة وعرضت أهم وابرز فيلم في ذلك الوقت( ألقيامه الآن) للمخرج فرانسيس كوبولا والبطولة للنجم الظاهر ه( مارلون براندو) كنت اشاهد هذا الفيلم بشغف وأعجب لمشهد البداية الأخاذ حين يتخيل البطل المروحة السقفية في غرفته كمروحة الهليكوبتر وهي تحصد رؤوس الفيتناميين.

في تلك الفترة كانت السينما تعرض أفلامها ب3 ادوار هي (4) مساءا و(7,30) مساءا و(9,30) ليلا يضاف إليها عرض رابع هو يوم الجمعة في العاشرة صباحا. كانت العوائل تدخل السينما بعد حجز مسبق للفيلم الذي تختاره وتجلب معها السندويجات والكرزات كانت رحلة السينما أشبه بالذهاب في نزهة. ومن أجمل الذكريات عن السينما في ذلك العقد هو تلك الموسيقى والأغاني الجميلة التي كانت تصاحب الجمهور الداخل الى العرض قبل بدءه وكذلك شيء بدنا نفقده هو الفيلم التسجيلي القصير الذي يعرض قبل بدء الفيلم مع مقاطع للأفلام التي ستعرضها دار العرض لاحقا.

2- الثمانينات... سنوات الحب والحرب.

ودخلنا في الثمانينات أو هي التي جلبت الحرب ودخلت فينا، العمر بدء بالركض ونحن نركض خلفه لاهثين وفي النهاية نجد إن كشف الحساب هو التعب والآمال الخائبة والحب الضائع والمتع المفقود والأصدقاء الذين مضوا للحرب ولم ولن يعدوا لقد كان الحزن هو الصديق، سنوات حفظ الشعر للتباهي أمام ألحبيبه وشرب السكائر سرا أثباتا للرجولة والتعصب لحب الوطن في كرة القدم.

كنا شبابا يكتشف الثقافة تدريجيا وكان الكتاب والسينما من ابرز سمات ثقافة ذلك العصر... اختفت السينمات الصيفية وبقينا بلا دار عرض على الهواء الطلق كيف كنا نقضي الاماسي في جو آب اللهاب، أكثر السينمات أغلقت بحجج كثيرة ولم يبق سوى أربع سينمات شتوية هي الثورة والخيام والجمهورية والحمراء التي أغلقت بابها المقابل للشط ولتفتح بابا جديدا مقابل سينما الخيام والجمهورية لتصبح 3 سينمات في شارع واحد. في هذه السنوات بدء الانتعاش للسينما العربية وغزت افلامها اغلب دور العرض بنجومها المتميزين، وضربت سينما ألثوره ضربتها عندما عرضت فلمين متتاليين لسيدة الشاشة فاتن حمامه الأول ( لا عزاء للسيدات) ثم عرضت ( أريد حلا) فيما عرضت سينما الخيام وبإقبال جماهيري شديد فيلم العندليب عبد الحليم حافظ( أبي فوق الشجرة) لكن الجماهير كانت تعشق الفرح والألوان والرقص رغم الحزن الذي كنا نعيشه مع بيانات الحروب والدمار ونعش الشهيد الذي يمر بين يوم وآخر وهو يودع إلى مثواه الأخير بتشيع مهيب، ونعود للحياة ونحاول أن ننسى من فقدناه ولكن هيهات فالذاكرة تأبى ذلك، لذلك كان العشق للسينما الهندية بكل ماسيها وأحزانها وأغانيها الجميلة وألوان الساري وموسيقى الفرح المخفي، سينما الجمهورية عرضت فيلم( سنكام) الذي حقق نجاحا كبيرا فيما بقيت سينما الحمراء تعرض أفلام الكاوبوي فعرضت فيلم الشمس الحمراء من الان ديلون وشارلز برونسون وهو ثالث فيلم للثنائي بعد الصديقان القذران ورجل وراء الباب ، ثم تبعته بفيلم (كيوما) لفرانكو نيرو، في النصف الثاني من الثمانينات ومع اشتداد الحرب كثر الإقبال على السينما الهندية فكانت أفلام نجمها الأول اميتاب في كل مكان الثورة تعرض له فيلم ( وعد) بينما الخيام تعرض الفيلم الضجة في ذلك الوقت( الشعلة) والذي استمر عرضه شهورا، بينما الجمهورية تحاول تحقق بعض النجاح بعرضها فيلم ( ميلا) .

هكذا كانت السينما هي الملاذ الذي نلجأ إليه هربا من الدراسة والحرب وخصام ألحبيبه،عشقنا الدروب والجلوس على ضفاف نهر الديوانية، وشربنا الاركيله سرا في مقهى سلمان الاعسم( الفرات) لأنها وسط سوق ألمدينه فكنا نراقب الرايح والآتي ونعرف من يلاحق من ومن يحب من، يا للمراهقة التي ماتت مع صوت القذائف، هل عشنا كالآخرين، هل كان فرحنا الذي نسرقه فرحا حقيقيا.

3- التسعينات ... سنوات الحصار ونهاية الحلم.

في بدايتها كانت أجمل السنوات فالحرب قد انتهت، نضجنا أكثر، وأحببنا بصدق، ولفتنا الدروب خيبة من العواذل،وبنينا أمال جديدة،والأحلام تحله ولكن يا للفرحة التي لم تكتمل ، جاءت الحرب الثانية بكل هزائمها وانتفاضتها المقموعة ثم حصارها المر وتغير في الحياة ما تغير وهدمت منطقة الجديدة روح المدينة بداعي الحداثة والسبب معروف إذ منها انبثقت الانتفاضة ضد الدكتاتور، وامتلأ شارع العلاوي بالباعة المتجولين ليتسع أكثر سوق الهرج بسكرابه، وتقلصت دور العرض الأربع بعد هدم سينما الجمهورية لتتحول إلى ارض جرداء مجرد ارض فارغة للازال هكذا وبكل بساطة نهدم تاريخ وذاكرة بجرة قلم وننسى ان دار عرض واحدة هي أفضل من بناية شاهقة ميتة.

ويستمر الخراب وتغزونا الأفلام التجارية الهندية والتركية والتايوانية وغيرها وتعرض السينمات 3 أفلام دفعة واحدة وتعرض لافته كتب عليها( العرض مستمر) ولا نعرف الى أي مدى مستمر، هكذا هجرنا ألحبيبه السينما هجرا طويلا، فالقذارة في كل مكان، والتعليقات السخيفة ترافقك على طول عرض الفيلم، وأصبح التلفاز بديلا ببرامجه ألمميزه مثل ( نادي السينما) و( من أرشيف السينما) وقبله كان ( السينما والناس) وكذلك توفر أشرطة الفيديو الذي فيه الكثير من روائع السينما العربية والأجنبية، وهكذا أصبحت سينما عريقة مثل الثورة سينما درجة ثانية تعرض أفلاما مبتذلة، فنوعية الأفلام الناجحة جماهيريا أصبحت مختلفة تماما، وأصبح الجمهور الجديد وأكثرهم من الجنود يتمتعون بأجازات ما بعد الظهيرة تحت برودة مكيفات الهواء في السينما جمهورا من نوع خاص، لقد دب العجز والشيخوخة إلى مفاصل دور العرض وماتت ألابتسامه الحلوة فوق شفاه ألحبيبه إلى الأبد وهكذا أصبح معدل دخول السينما للأفلام الوضيعة كبير جدا يقابلها مردود مالي اكبر.

4- الألفية الجديدة... موت الحلم للأبد.

ما أن جاءت الألفية الجديدة ومعها تحرير العراق من الدكتاتورية حتى استبشرنا خيرا وحلمنا ليس بعودة كل شيء كما كان بل طمعنا بالمزيد بالأفضل ولكن كل شيء سار عكس التيار فالقادمون الجدد ليسوا أفضل ممن فات وبقيت الحياة الثقافية في الوطن مهمشة واندثرت مناطق تراثية وهدمت أخرى مثلما هدمت مقهى الفرات التراثية ومثلما رحل الأصحاب عن الوطن أو رحلوا إلى مثواهم برصاص طائش وأغلقت دور العرض السينمائي للأبد فما ذنب الناس والعاملين في هذه السينمات إذ كل يوم يدشنون بقنابل وتهديدات ووعود بالقتل إن لم يغلقوا سينماتهم ، بل وصل الأمر إلى بعض الأحزاب بان تفاوض أصحاب دور العرض على مناصفة مردود هم المالي مقابل إبقاء السينما مفتوحة، فهل اختلفوا كثيرا عن الرفاق اللذين كانوا يناصفون أصحاب دور العرض على مواردهم وان اختلف السبب . لقد تحولت سينما الحمراء إلى مرتع للكلاب السائبه والقطط الضالة أما أصحاب سينما الخيام والثورة فقد كان حالهم أفضل إذ حولت السينمات إلى محال ومخازن تجارية وهذا أفضل من إقفالها وتركها مزبلة للكلاب .

ما كنا نتمناه فقط هو الحفاظ على دور السينما القديمة ومنع هدمها باعتبارها إرثا ديوانيا ودليلا على حضارة المدينة وثقافتها، ولم نحلم ببناء دور عرض جديدة أوسع وأكثر تقنية لان الحلم هنا من المستحيل، لم نعد نحلم بعودة الحياة الحلوة والتقاليد التي نشئنا عليها وكنا نتمنى أن ننشأ أولادنا عليها من حب الخير والناس والأرض، سقطت السينما وسقط الكتاب وسقط الحب ورومانسية عبد الحليم حافظ وعاشت ألاغاني الهابطة . قل لي كيف سنربي أولادنا وهل ما سنحكيه لهم عن عالم سحري انتهى هو من نسيج الأساطير؟؟  

-----------------------------------
ماجد احمد عبد الكريم: مدرس لغة إنكليزية عاشق للسينما لديه أرشيف سينمائي كبير عن الممثلين والأفلام

حسن الأخرس: عامل ومشغل الة العرض السينمائي في سينما الخيام مجنون سينما رغم انه اخرس

حسن بلاسم: صديقي المقيم خارج العراق، سيناريست ومخرج رائع

كزار حنتوش: شاعر عراقي مبدع وصوت متفرد في القصيدة العراقية والديوانية

صاحب الضويري: شاعر شعبي راحل من أهم الأصوات الشعرية الشعبية في العراق والديوانية

عبد السادة الاطرقجي: مخرج مسرحي ديواني راحل نستطيع القول انه أول من أسس مسرح ديواني حقيقي قائم على أسس علميه

العبدو، قجوم، كون أبو سمره: شخصيات شعبية ديوانيه شهيرة

عائد نجم: موسيقي وملحن كبير ترك ألشهره لأهلها وفضل مدينته كان معلمي الموسيقي في المدرسة الابتدائية

عبد الأمير فاضل: فنان تشكيلي ومدرسي في المدرسة الابتدائية منه تعلمت الرسم ومعنى اللون

ناجي عفلوك: صاحب مقهى اللواء في الديوانية وهي مقهى للمدرسين والشيوعيين يكثر فيها مساء كل يوم نقاشات ومشاجرات أدبية

سلمان الاعسم : صاحب مقهى الفرات أقدم مقهى اثري في الديوانية

القصة العراقية في 1 يونيو 2006

 

أربع نخلات من الجنوب: فوتوغرافيا سينمائية لواقع نسائي خشن!

القاهرة ـ من كمال القاضي:  

التجارب التي ناقشت واقع المرأة الجنوبية في السينما الروائية القصيرة والتسجيلية قليلة جدا لعدة اعتبارات من بينها أن كتاب السيناريو ينتمي معظمهم الي منطقة الشمال ولا يعرفون عن المرأة الجنوبية او الصعيدية إلا الملامح التي يرسمها الأدب ويتداخل فيها الخيال بالواقع، وهي كتابات ربما تناسب السينما الروائية اكثر ما تناسب السينما التسجيلية التي تقوم علي رصد الواقع كما هو ولا مجال فيها للمبالغة أو الفنيات الدرامية هذا بالاضافة الي ان المهتمين بالسينما التسجيلية يغتربون في الأجواء الجنوبية ولا يرون مبررا لتعرية المجتمع علي هذا النحو المؤلم فقسوة الحياة وجفاف المعيشة لا يشجع علي المتعة البصرية المعهودة في الافلام التسجيلية، وهي نظرة قاصرة ومغلوطة لأن دور السينما التسجيلية بالتحديد هو نقل الصورة الواقعية كما هي دون تزييف بغض النظر عن قسوتها او رقتها غير ان للصعيد وسكانه أوجه اخري تتميز كثيرا عن العاصمة ولكن العبرة بما تنقله لنا الكاميرا وما يركز عليه السيناريست والمخرج.

في تجربة تعد فريدة من نوعها قدمت لنا المخرجة ايمان الشريف فيلما عن صورة المرأة في صعيــد مصر وبالتحديد محافظـــــة اسوان الواقعة في أقصي الجنوب، والفيلم من انتاج المركز القومي للسينما ويحمل عنوان أربع نخلات من الجنوب والنخلات الأربع هنا كناية عن حيوية الحياة والعطاء ورمزا لأربع سيدات أميات يعشن معاناة مختلفة حســـــب ظروفهن وتفاوت درجات الوعي بينــــهن ولكنهن شريكات في المسئولية تجاه الأسرة والأولاد، حيــث لا يوجد لديهن عائل، فالرجل في الفيلم غائب بالضرورة اما بالموت او بالطلاق أو بالهجر، وهذه هي القضية الاساسية التي يطرحها الفيلم أو بالأحري تشغل بال السيناريست والمخرجة ايمان الشريف، كأنها تضع سؤالا مهماً ماذا لو غاب الرجل من حياة المرأة، ومن منهما العنصر الأقوي في بنيان الاسرة؟

السؤال تجيب عنه الأحداث التسجيلية التي أوردتها ايمان علي لسان بطلاتها الأربعة اثناء سردهن لتفاصيل حياتهن اليومية وكيفية تغلبهن علي المشاكل الخاصة بالرزق والسعي ومحو الامية بشكل ايجابي يضع المرأة في مكانتها الصحيحة وينفي عن المجتمع الجنوبي تعصبه للرجل وعنصريته ضد المرة، لا سيما وأن النماذج التي يتعرض لها الفيلم شخصيات سوية استطاعت ان تنتزع حريتها وتنزل الي ميدان العمل وتمتهن اعمال كانت حتي وقت قريب قاصرة علي الرجل وحده، فهي علي سبيل المثال تقف في بازار سياحي تبيع وتشتري وتتعامل مع أجانب من جنسيات مختلفة دون أي مآخذ اجتماعية سواء من الاسرة أو من المجتمع المحيط بها، الامر الذي يمثل متغيرا حضاريا فرض نفسه أو فرضته الظروف في النظرة الجديدة للمرأة الجنوبية التي كانت في عهود سابقة تخاطب الناس من وراء حجاب وغير مسموح لها بالنزول الي الأسواق أو زيارة اهلها وجيرانها دون محرم، فضلا عن السيدات الثلاث الاخريات يتمتعن بنفس الحرية في الذهاب والاياب والتزاور وممارسة أعمالهن بمحض إرادتهن ما بين التسوق والتردد علي فصول محو الأمية أو ممارسة فن التريكو والنسيج في المصانع المحلية المنشأة بالجهود الذاتية تحت سمع وبصر اهل القرية فيما يشبه الموافقة الضمنية علي اطلاق صراح المرأة ومنحها كامل حقوقها في التعامل مع المجتمع وفق تقديراتها ومعاييرها بعيدا عن وصاية الرجل أو سجن العادات والتقاليد التي ظلت تحكم سياج الحصار عليها لسنوات طويلة قبل أن يدرك المجتمع قيمتها الحقيقية ويخرجها عن وظيفتها الرسمية الوحيدة المقننة في تربية الأولاد ورعاية الاسرة وتلبية حاجة الزوج.

تلك المضامين اختزلتها المخرجة الواعدة في تركيزها علي فاعلية السيدات الأربعة وإصرارهن علي اقتحام الواقع وتحدي قسوته بالاضافة الي دلالة عنوان الفيلم أربع نخلات والذي يشي بانحياز ايمان الشريف مسبقا للمرأة واحترامها لكفاحها وهو ما يعكس اتساق المخرجة مع ذاتها الانثوية النازعة الي تبني قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها وحريتها وهو الشيء الذي لا يمكن ان يؤخذ عليها او يضعها في دائرة اتهام الرجل والتجني عليه، حيث انها من حيث لا تحتسب قدمت فيما بين السطور فكرة تسامح المجتمع الذكوري مع المرأة واحترامه لرسالتها إذ أن هناك من بين الرجال آباء وأشقاء وأعمام وأخوال لم نري واحد منهم يعترض مسرة السيدات الأربعة أو يحتج مجرد الاحتجاج علي نزولهن لميدان العمل.

وإذا كانت المخرجة لم تقصد في فيلمها التعرض لقضية المفاضلة بين الذكر والأنثي في المجتمع الجنوبي وأنها أرادت فقط ان تبرز قيمة المرأة وكفاحها بمعزل عن مقارنتها بالرجل فان شيئا من ذلك حدث بالضرورة وبمقتضي الرصد الواقعي للحياة في الجنوب الصعيد إذ لا يمكن فصل الرؤية عن المضمون فالاثنان متلازمان لا يٌقرأ أحدهما دون الآخر فالمعاني تكتمل من مفردات الكلام والكلمة تتكون من مجموعة حروف.

الفيلم في مجمله وعلي قدر تكثيفه يقدم بانوراما مشرفة عن حياة المرأة ويدين الرجل الزوج إدانة غير صريحة ويطرح كذلك رؤية عصرية لتطور المفاهيم الشرقية فيما يتعلق بدور المرأة وحياتها الخاصة وقدرتها علي التجاوب السريع مع متطلبات الحاضر وتكيفها مع الظرف الراهن أياً كانت قسوته.

منهج سينمائي مختلف تتبعه ايمان الشريف بعيدا عن التشنجات ونوبات التعصب الأهوج أفلحت لو استمرت فيه وسارت علي هديه.

القدس العربي في 30 مايو 2006

الفيلم الوثائقي " الطريق الى بغداد".. غياب الفيلم كشخصية

علي البزاز

الجزء الاول: مغرب الارض

عرضت أحدى القنوات ألفضائية العربية فيلماَ وثائقياً عن العراق بعنوان "ألطريق ألى بغداد" عن عمليات تجنيد الانتحاريين الارهابيين وأرسالهم للعراق. سنتطرق الى الانتحارية البلجيكية "موريل ديغول"( لانها من بيئة غير عربية ) والتي فجرت نفسها في رتل امريكي في بغداد.

" بلجيكية، كاثولكية تعيش في مجتمع علماني يتضاءل أثر الدين فية وهي اكثر غرابة من زوجها إرهاباَ وبطولة"، هكذا جاء تقديمها في الفيلم وفي مشهد اخر عُرضت صور الانتحاريات الشيشانيات اللواتي احتجزن الرهائن في مسرح موسكو. موريل هي الوحيدة التي فجرت نفسها بينما الشيشانيات قضين بالغاز.

ما الذي يدعو الانسان ان يفجر نفسه ويقتل ابرياء أوجنوداً ؟هل هذا بدافع ألمقاومة أم إخلاص لللافكار اليسارية ام هو الانتصار على الضياع الذاتي وألياس ألاجتماعي ُيتوج بألقصاص من المجتمع ألمسبب للنكوص وانهيار الشخصية؟. يلاحظ هنا ان الانتحاريين يفجرون انفسهم بين الناس ويقتلونهم اي (ألمجتمع) ولا يفجرون انفسهم في جسر مثلا اوبناية خالية من الناس!! اذا عداوتهم للمجتمع وللحياة
لا يمكن ان نعزو التفجير الانتحاري الى المقاومة، فبأمكان المرء ان يحمل السلاح دون قتل نفسة. ووسائل المقاومة كثيرة أبعدها تفجير الذات، فعلى سبيل المثال واثناء المقاومه الفرنسية للمحتل الالماني صدرت رواية "صمت ألبحر لفركور، وهو أسم مستعار، ويُعتقد ان كاتبها سارتر"اصبحت الرواية جزءا من ادبيات المقاومة الفرنسية التي طبعتها ونشرتها، تتحدث الرواية عن امراة فرنسية تعشق ضابط ألماني يقاسمها وابيها شقتهما بالاكراه .،هي ترفض التصريح بحبها له لانه محتل وتقاوم عواطفها الامر الذي يجعل الضابط الالماني الذي يبادلها الحب - وهو رسام - ان يتساءل لماذا هذا الرفض فيعرف ان سببه الاحتلال وفي النهاية يغير افكاره عن هتلر. هذا الرقي الانساني لمقاومة الاحتلال -المقاومة حباً-

لقد وصف ج. بيكر الانتحاريين الالمان الذين كانوا ينتمون الى جماعة بادر- ماينهوف كأنهم ( اولاد بلا آباء ) القاسم المشترك الذي يربط هؤلاء النسوه ( الشيشانيات وموريل)هو غياب ازواجهن الذين قتلوا في حرب الشيشان. الحياة الاسرية ، استقرار عاطفي يتبعة في أغلب الاحيان استقرار فكري في الزواج الناجح عائليا وما عداه يعاني المرء من حالة تشرذم نفسي واختلالا عاطفيا ينجم عنه في كثير من الاحيان عدم توازن فكري – تشوش – خصوصا في الشخصية الضعيفة. الثشرد العائلي خلاف الاستقرار هذا التشرد العائلي جلي في حالة البلجيكية موريل، فقد تزوجت غير مرة وفشلت عائليا. المرة الاولى من تركي ثم جزائري واخيرا من مغربي الذي جندها للموت. ثم أسلمت ولكنها احتفظت بعد اسلامها باسم مسيحي (مريم)

إن التعصب الفكري قناة تؤدي للارهاب حيث يعتقد المتعصب ان لا فكرة صحيحة غير فكرته وهي مطلقة ولذا يحاول ان يجعل موته مطلقا ايضا يتماشى مع افكاره،فالتفحير يتم بلحظة واحدة غير تدريجي اي دفعة واحدة لا تسمح بالنقاش هل يتراجع ام لا. مطلق ومحسوم، بمعنى اخر مثل افكار المتعصب مطلقة لا تناقش. والتفجير غير الموت، الذي يسبقه في احاين كثيرة (فترة احتضار ) أي غير دفعي.ان التعصب لايأتي عن تبنٍ مدروس للافكار او جهد فردي محض دون تاثير الاخرين انما تلقين مشوب بتشويش (في حالة موريل جاء اسلامها وتجنيدها عن طريق زوجها، وفي حالات اخرى عن طريق شبكات تجنيد الانتحاريين التي يستعرضها الفيلم ) مما يعزز لدى المتعصب فكرة اضمحلال الشخصية فيعوضها بالتعصب والنرجسية.

يسمي – فرويد – احدى صفات التعصب وهي ألنرجسية جاء في الفيلم " ان المخابرات الامريكية أبرقت الى بلجيكا - لقد تناثر جسد موريل اشلاءَ ووجد جوازها بالقرب من الحادثة-" لماذا الاحتفاظ بألجواز؟ الجواز اثبات للشخصية و الان جاء الدور للاعلان عن الذات المقموعة التي قضت كل وقتها مصادرة، ولو افترضنا انها تقوم بعمل جهادي ابتغاءَ لمرضاة الله فما جدوى الاشهار أذا عن الانا؟ النرجسية هي الدافع.

اللافت للانتباه ان الانتحاريين يسجلون وصاياهم على شكل فيلم فيدو ويتحاشون تسجيلها على شكل رسالة، لان الرسالة تدون بشكل فردي ولاتحتاج ان تظهر على الملاْ اثناء تدوينها بينما الفيديو يحتاج في اقل تقدير مصورواحد أوطاقم ثم تبث ألوصية بواسطة الفضائيات ويشاهدها الناس فيتحقق حب ألظهور حياتياً وبعد الممات للذات المهزومة وهذا تجلِ اخر للنرجسية.

الملاحظ ان مفردات التشرد العائلي واضحة الحضور في وقائع العلاقة العائلية بين البلجيكية موريل من جهة وزوجها المغربي من جهة أخرى على اعتبار ( ان كلمة الهروب مرادفة للتشرد ) نلخصها هكذا:

في حالة موريل:

1.تعدد الزيجات هروب من حالة الى اخرى بغية الاستقرار العائلي

2. إعتناقها الاسلام هروبا ًمن المسيحية.

وتغيير الاسم كذلك، ما هو الا هروبا من الاسم القديم وان احتفاضها باسم له دلالة مسيحية (مريم) يوضح حجم التشوش الفكري الذي تعانيه فهي لم تقطع جذورها مع المسيحة تماما وتختار اسم له دلالة اسلامية

3.تعاطيها المخدرات: هروب من سلطة العقل الصارم والمراقب

أما على صعيد الزوج:

من ام مغربية واب بلجيكي ثري فهو

1. بحث عن اصل هوية شاردة وهنا يتكرر مفهوم التشوش ايضا بمعنى عدم تجانس الهوية

2.بعد عودة الزوج من المغرب هجر الحياة الاوربية وتشدد في اسلامه -هروب من النمط الحياتي القديم –

اما الزوجان فقد رحلا الى المغرب وعادا الى بلجيكا ثم استاجرا بيتا في الريف شاردين من المدينة. تتكرر في هذا الوقائع عبارة الهروب وبعد عودتهما ارتدت موريل الحجاب والقفازات (هروب من الزي القديم ) يستعرض الفيلم منزلهما في الريف: بيت خالٍ من الاثاث وقيد الانشاء (تقشف )و دون اطفال !! هنا شيء اخر وهو الهروب من القانون الطبيعي للعائلة (تكوين اسرة من اطفال) ومعيار ثانٍ: رغبة بالتقشف بعدد افراد العائلة اي الميول للرهبنة رغم زواجهما

يقول الارهابي ميخائيل بومان" أنني اعيش في عزلة اجتماعية تامة، ماعندي شيء، لاعمل، لاعائلة، لابيت لاأدفع أجرة منزل" إنحباس في حياة الرهبنة أ ومع تجمعات القرون المسيحية الاولى. إلاسقاط نفسة للعالم المعيوش كعالم رديء – كتاب سيكولوجية التعصب منشورات دار الساقي - هذة الوقائع الحياتية نراها في حياة الزوجين ويضيف بومان "ان الحنين الى الموت، رغبة الموت امر واقع " - المصدر نفسه - اما الفوضوي الروسي فويناروفسكي الذي لقي مصرعه وهو يرمي قنبلة على الاميرال دوباسوف فكتب" سوف اصعد الى المشنقة دون ان تنقبض عضلة من عضلات وجهي، ودون ان اتفوه ببنت شفة.. ولن يكون موتي عنفاً يمارسه أحدهم بحقي بل المآل الطبيعي لحياتي كلها" -كماورد في كتاب البير كامو:المتمرد –
تعصب للموت يشتد ولا يهدا الى ان يصبح غاية طبيعية وعليه فالموت حاضر سلفا في اذهان الانتحاريين يفرضونه على الحياة ليس بشروطها وانما وفق شروطهم فلا عجب ان تاتي دعوات قتل الادباء من المتعصبين !! ولقد وجدوا في أ لخلاف مع الاخريين وفي الاحتلال ذريعة ليزينوا حبهم للموت برداء دينى بدلا من يموتوا سدىً ابو اسامة المغربي الذي فجر مبنى الامم المتحدة بساكنيه (صاحب مطعم في المغرب ) حين ُكلف بمهمة التفجير وزُف لة خبر مولوده الجديد قال: ان الاولى أي الموت احب لي من الثانية اي الولادة. ان النظرية القديمة التي تقول ان الفقر اساس المشاكل بنبغي ان تُراجع فأبو اسامة صاحب مطعم ويحقق ارباحاَ جيدة.

ان للارهاب سايكلوجية اخرى غير الفقر والظلم، التعصب هو احد قنوات الارهاب جاء في الفيلم ان شبكات تجنيد الارهابين تنشط في مدينة طنجة المغربية حيث الجمعية السلفية، وطنجة واقعة قبالة الاندلس.فالشباب يتذكر مجدا عربيا ضائعاً. الاندلس ارض احتلها العرب ( تماما مثل الامريكين في العراق) بغض النظر عما انجزه العرب في الاندلس. والسؤال لماذا نحن العرب مرتبطون في الماضي الذي نحن كجيل يعيش في الحاضر لم نساهم بصناعتة بينما نتغافل عن حاضرنا حيث يمكن ان نساهم فيه.

ان الفيلم تعرض الى مشاكل شائكة ومعقدة وخلط وقائع مختلفة مع بعضها، من تجنيد الارهابين الى محاكمة المشتبه بتورطهمم والذين أُ فرج عنهم لبراءتهم، مرورا بأفغانستان مما اثقل على حبكة الدراما في الفيلم ناهيك عن عدم اعطائة اجوبة شافية عن موقفه من الاحداث كما ان عقلية الفيلم ظلت غامضة !!

.اعتقد ان التعرض لهكذا مشاكل حاسمة وخطيرة ينبغي منا اعطاء موقفاً واضحاً والا وقعنا في هاوية التشويش الذي يقود للتعصب.

لا اعتقد ان الحياد موجود بل ان هناك انحيازاً عادلاً وانحيازاً غير عادل، فحتى القاضي منحاز أصلا للعدالة اما ماهو معيار العدالة فهذا بحث أخر
مثال اخر على خلط المفاهيم والتشويش على المادة الفلمية، عرض الفيلم مقابلة مع احد الاشخاص من مدينة طنجة مستذكراً الماضي اليساري للمدينة فيسمي المناضلين مهدي بن بركة وجيفارا ولا ادري ماالمقود بهذا الحشر؟ ان جيفارا ثائر حياة وليس داعية موت.

يقول جيفارا في رسالة الى والديه "ان إرادة صقلتها بمتعة فنان سوف تسند فخذيّ الهزيلتين ورئتي المنهكتين واني لفاعل " هنا متعة أي حياة وليس افتراضاً مسبقا للموت على طريقة الانتحاريين. فالفنان وحتى في انتحاره الشخصي يدعو الى حياة اجمل وما انتحار الشاعر خليل حاوي الا احتجاجاً على الاجتياح الاسرائيلي لبيروت
يقول جون برجر" لم يعد الموت الذي واجهه جيفارا معياراً لولاء الخادم لسيده ولاالنهاية المحتومة لتراجيديا بطولية " -وجهات في النظر ترجمة فواز طرابيشي- هذا منطق مختلف تماما عن منطق الانتحاريين

ومثال ثانٍ: حين يقول محامي الشبكة التي جندت موريل "ان موريل تحتاج الى 500 دولار لتصل الى العراق ولديها جواز سفر بلجيكي والحدود مفتوحة فلا تحتاج الى شبكة لتجنيدها –يقصد براءة موكليه – متناسياً انهم قاموا بأعدادها فكريا عن طريق التربية المغلوطة وتسهيل فكرة الارهاب وتلك جريرتهم.

والذي يشفع للفيلم عبارته الاخيرة وان قيلت متاخرة وفيها لبس و تشويش ( راجع توصيف التشويش في بداية المقال )

"ان الامريكان يقاتلون الارهابين، والارهابين يقاتلون الامريكين بوصفهم محتلين والعراقين يساعدونهم بوصفهم محررين " جزئياً يصح هذا القول، اما بصورة عامة ( فلا ) وان ساعد بعض العراقيين الارهابيين فهم تحت طائلة التهدييد وغياب حماية الدولة لهم اما من الناحية الفنية: اعتقد ان أول سؤال يطرحه المخرج على نفسة حين يريد ان يصنع فيلما وثائقيا هو: هل اريد فيلما ام برنامجاً اذاعيا؟ فاذا كان الجواب فيلما اي بمعنى أختيار الصورة السينمائية

لقد اشرت في مقالتي (الحرق اسهل حلول الضعيف وهي قراءة في الفيلم الوثائقي - صناعة جندي – )على اهمية التعليق، ان التعليق المطوّل في الفيلم -الطريق الى بغداد - قد خلخل البناء الدرامي الذي كان –في الاصل - مهلهلا واعطى انطباعا ان التعليق موجود سلفاً في متن السيناريو وما مشاهد الفيلم الا ثانوية اوقل تابعة للتعليق والعكس غير صحيح الامر الذي حوّل الفيلم الى ريبورتاج اذاعي وهكذا غابت شخصية الفيلم رغم جمالية الكاميرا وحيويتها ..

ali@ali-albazzaz.com

القصة العراقية في 1 يونيو 2006

 

سينماتك

 

من اوراق عاشق في القرن الماضي:

دور السينما في الديوانية

فراس الشاروط

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك