رسالة قصيرة كنت أطمئن من خلالها علي الزعيم‏,‏ وبعدها تم الاتفاق علي اللقاء‏,‏ والذي استمر لأكثر من ساعتين‏,‏ لم أشعر خلالهما سوي بالبهجة‏,‏ بدءا من لحظة اللقاء وحميمية النجم الكبير الذي كان يجلس في مكتبه بالمهندسين في موعده تماما‏,‏ محاطا بجوائزه وشهادات التقدير التي حصل عليها وصور من الشخصيات التي أمتعنا بها طوال مشواره الفني‏,‏ والحوار مع نجم بحجم عادل إمام يحمل متعة خاصة‏,‏ فهو يناورك ويباغتك بردود مفاجئة‏,‏ وبذكائه يعرف كيف يأخذك لأرضيته وأنت راض تماما‏,‏ ولن تملك نفسك من الضحك من قفشاته‏,‏ ومشاكسته‏,‏ وهذا طبيعي‏,‏ فأنت تجلس في حضرة سجل طويل من الكوميديا‏,‏ لذلك سيظل عادل إمام هو الحالة الأكثر تفردا في السينما المصرية من خلال مشوار يمتد لأربعين عاما‏,‏ لم يتوقف خلالها عن العمل والعطاء والتوهج‏,‏ حتي صار أغلي نجم في مصر والعالم العربي‏,‏ وهو لا ينكر ذلك‏,‏ بل يقول وعلي الملأ نعم عندي أموال كثيرة‏,‏ وأنا أغلي نجم‏,‏ لكن جمهوري هو من أعطاني‏,‏ لذلك فأنا مدين له بعمري الفني‏.‏

وشهر مايو يعتبر شهرا خاصا للنجم الكبير‏,‏ فهو الذي شهد مولده وعيد زواجه‏,‏ وسفره إلي كبريات المهرجانات مع فيلمه عمارة يعقوبيان الذي يمثل له الفرحة الكبري‏,‏ الأهرام العربي حاورت عادل إمام في السياسة والفن‏.‏

‏**‏ في البداية ماذا عن الحادث الأخير الذي تعرضت له والتهديد بتشويه وجهك والاعتداء عليك؟

بالنسبة لي الحادث بسيط جدا ولم يخرج عن إطار شاب مهزوز‏,‏ والمسألة لم تكن تستحق كل هذه الضجة التي أثيرت حولها‏,‏ وعن نفسي لم أقم بعمل ضجة حول هذه القضية‏,‏ بل هناك آخرون قاموا بذلك‏,‏ والمهم أن الداخلية اهتمت بالمسألة وتقوم بمتابعة الموقف وتقصي الحقائق‏.‏

‏**‏ منذ فترة طويلة واسمك مدرج علي قوائم الاغتيالات‏..‏ ألم تخش مما قاله الشاب وشرحه عن تفاصيل جريمة الاعتداء عليك أم أنك أصبحت تعتاد علي مثل هذه الحوادث؟

بالفعل أصبحت معتادا علي مثل هذه التهديدات‏,‏ وبصراحة مافيش حد عايز يقتل واحد يروح يقوله‏,‏ والذي كان فارقا معي في هذا الحادث هو رد فعل زوجتي وابنتي سارة اللتان اهتزتا بشدة خاصة بعد ما نشر في الصحف وتناقلته الفضائيات‏.‏

‏**‏ في قضيتك خرج علينا تصريح يقول إن الشاب مضطرب نفسيا‏,‏ كيف يري الفنان عادل إمام كلمة المختل عقليا التي أصبحت مخرجا للكثير من القضايا السياسية والاجتماعية؟

يضحك قائلا‏:‏ أعتقد أن هناك حزبا جديدا أصبح يسمي حزب المختل عقليا‏,‏ أظن أن الضغوط الاجتماعية والحياتية زادت من نسبة المرض النفسي‏,‏ وإذا كان الطب عندنا بشكل عام يحتاج لإعادة نظر فيما يتعلق بظروف التأمين الصحي وحال المستشفيات‏,‏ فهناك الكثيرون ممن لا يجدون الرعاية‏,‏ ولا يقدرون علي تكاليف العلاج‏,‏ في حين نشهد محاولات علمية للتقدم في مجال الأمراض الخطيرة مثل الكلي والسرطان والقلب إلا أن المرض النفسي لا يلاقي نفس الاهتمام‏,‏ ليس ذلك فقط‏,‏ فالمرضي النفسيين لا يحظون بفرص علاج حقيقية‏,‏ كما أن هناك عائلات تحرج وترفض التصريح أو البوح بوجود مريض نفسي بين أبنائها‏.‏

فجأة يخرج عن جديته وبطريقته‏,‏ يعلن لذلك بدأ هؤلاء المرضي يأخذون دورهم في الحياة وعلي أكمل وجه‏.‏

‏**‏ ما تعليقك علي حادث الصعيد والقول بأن مرتكب الجريمة مختل عقليا ثم التراجع عن ذلك والتأكيد علي سلامة قواه العقلية؟

في تقديري هو مريض نفسي بغض النظر عن التصريح بسلامته‏,‏ وأعتقد أنه من مرضي الفصام الذي هو من أخطر الأمراض النفسية‏,‏ فالمخ في مثل هذه الحالات يفرز مادة تدعو صاحبها للقتل فورا‏,‏ وهو هادئ الأعصاب‏,‏ وأغلبنا مازال يذكر الحادث الشهير للطبيب الذي قتل خاله في شبرا‏.‏

‏**‏ ماذا عن حادث الإسكندرية والذي تبعه نشر دراسة تؤكد أن هناك‏100‏ ألف مريض نفسي في الإسكندرية؟

يصمت معلقا‏,‏ أسوأ حاجة تصيب مصر هي اختلال الوحدة الوطنية‏,‏ من الطبيعي أن نري ناسا تقتل وتسرق وكذلك موجات من الإرهاب تشهد حالات تنامي وكمون‏,‏ وهذا طبيعي جدا‏,‏ وطبقا لقراءاتي التاريخية سيأتي وقت وتنتهي هذه الموجات كما حدث مع الحشاشين والقرامطة‏.‏

‏**‏ في تقديرك لماذا صرنا أكثر تطرفا وهناك حالة من التشنج والتربص من الطرفين؟

أرجع كل ما يحدث إلي الخطاب الديني المتطرف‏,‏ والذي يشهد تدهورا‏,‏ لذلك لابد من مراجعته وبالتوازي يجب أن نهتم بتطوير التعليم‏,‏ وهذا الكلام ليس أرشيفيا ولا أردده للاستهلاك‏,‏ بل علينا أن نعمل عليه حتي نبعد أشباح تلك الكارثة عن المجتمع وعن الأجيال القادمة‏,‏ كذلك من الضروري أن يتنامي دور المثقف والمثقفين من جديد فهم ضمير الأمة‏.‏ والغريب أنني كعادل إمام أصبحت أفتقد شكل رجل الدين الذي نشأنا وتربينا عليه‏,‏ أين هذه النماذج وأتساءل أين الأزهر؟

كل ما أراه حاليا هم رجال دين بالبدلة والكرافت أو كاجوال‏,‏ بيعيط ويضحك‏,‏ وللأسف يأخذوننا للوراء‏,‏ وما يحدث منهم في ظني لا يخرج عن كونه بيزنس؟

بانفعال يواصل الفنان الكبير واصفا الحالة‏,‏ جميعنا قرأنا وعرفنا أن الرسول صلي الله عليه وسلم حين خرج من مكة بكي وقال‏:‏ والله إنك لأحب بلاد الله إلي الله‏,‏ وإنك لأحب بلاد الله إلي‏,‏ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ماخرجت‏,‏ ذهب إلي المدينة يؤدي رسالته وعينه وقلبه علي مكة‏,‏ لذلك يجب أن يكون الخطاب الديني خطابا وطنيا‏,‏ وبوضوح أطالب بأن يكون هناك قانون للوحدة الوطنية‏.‏

‏**‏ أصبحنا نعاني أزمة توصال مع الآخر‏,‏ أيا كان الآخر‏,‏ ألا تري أن خروجنا من هذا المأزق يكمن في فصل الدين عن الدولة وإعطاء حق المواطنة؟

يصمت للحظات‏,‏ للأسف نحن عندنا حساسية من الحديث في الدين‏,‏ وأبسط مثال لو أن شخصا فكر في انتقاد أحد الدعاة الجدد يتهم بالكفر‏,‏ تخيلوا ما وصلنا إليه؟ الاتهام بالتكفير أصبح من أسهل ما يمكن‏,‏ وهذا خطأ قاتل‏.‏

أما عن مسألة إحساسنا بالآخر فنحن في الحقيقة أصبحنا أكثر عزلة وتقوقع علي أنفسنا‏,‏ وإذا عدنا إلي الوراء سنري كيف كانت القاهرة حاضنة لكل الجنسيات والأديان‏,‏ وكيف كان المجتمع متآلفا ومتجانسا‏,‏ وستشاهدون ذلك في عمارة يعقوبيان‏.‏

وأتساءل بصوت عال معكم لماذا ظهرت النعرات الفردية في هذا الوقت أقباط المهجر‏,‏ والنبيون‏,‏ لماذا في هذا التوقيت بالذات تتصاعد الأمور؟

‏**‏ في تقديرك ماذا عن البدو؟

التمييز خطأ قاتل‏,‏ والبدو هم مصريون‏,‏ وقاموا بدور وطني مهم ولا يستطيع أحد نكران ذلك‏,‏ ويجب علينا أن نستوعبهم بعيدا عن النعرات الغريبة التي تظهر لنا حاليا ياجماعة طول عمرنا عايشين في سلام‏.‏

‏**‏ الفنان الكبير عادل إمام من أوائل من قدم أعمالا عن ظاهرة الإرهاب واتخذ مواقف سياسية ضد الظاهرة‏,‏ وعلي الرغم من ذلك مازلنا نشاهد حوادث إرهابية‏..‏ ألم تؤثر الدراما؟

قدمت ومعي مجموعة من زملائي الكتاب والمخرجين وحيد حامد ولينين الرملي وشريف عرفة‏,‏ ونادر جلال‏,‏ جملة من الأعمال وقمنا بخطوة في هذا الطريق‏,‏ وتبعنا الكثيرون‏,‏ لكن أرجو أن ألفت انتباهك إلي أن هناك تيارات تعمل ضدنا وتقوم بتحريم الفن‏,‏ ثم إنني أواجه جميع أنواع الرقابة في العالم‏,‏ سواء الرقابة من الدولة أم الأمن أم المجتمع‏.‏

‏**‏ رقابة‏..‏ عادل إمام يواجه رقابة كيف ؟ ألست فنان الحكومة كما يتردد؟

يضحك بصوت عال‏,‏ حكومة إيه؟ أنا لا عايز أكون وزير ولا رئيس تحرير‏,‏ أنا عايز الحكومة تبعد عني‏.‏

صدقوني كل فيلم أقوم بتقديمه يتسبب لي في مشكلة ويكون هناك حالة استنفار بحجة أنني فنان كبير وجمهوري عريض‏,‏ لذلك فهم يدققون معي بشدة‏,‏ مثلا في فيلم عريس من جهة أمنية الرقابة خشيت من تفاصيل في الفيلم‏,‏ ووصلت الأمور لمشادات بيني وبين بعض القيادات الأمنية‏,‏ وكذلك السفارة في العمارة‏,‏ والمفارقة أن فيلم عريس من جهة أمنية أخذته الوزارة بعد ذلك وعرضته علي الضباط عندها‏,‏ ياجماعة أنا فنان الشعب ولست فنان الحكومة‏.‏

‏**‏ هل تتفق مع الطرح الذي يقول إن هناك حالة فوضي في المجتمع المصري حاليا؟

إطلاقا‏..‏ لا أتفق مع هذا الطرح‏,‏ فالدولة لاتزال قوية‏,‏ وكل الذي أراه فوضي صحفية‏,‏ هناك شتيمة من كل طرف للآخر‏,‏ وكمان الصحفيين بيشتموا بعض‏.‏

يواصل‏:‏ الديمقراطية لا تعني حرية تبادل الشتائم‏,‏ بل تعني تداول السلطة ووجود أحزاب قوية قادرة علي منافسة الحزب الوطني‏.‏

‏**‏ من وجهة نظرك كفنان مثقف ويملك الوعي والجماهيرية‏..‏ كيف تري أزمة القضاء والتعامل الأمني مع القضية؟

القضاء سلطة مستقلة لها احترامها وتقديرها‏,‏ وهم قاموا بواجبهم وحضروا لمراقبة الانتخابات وأعلنوا عن وجود تجاوزات‏,‏ لذلك كان من المفترض أن يتم الاهتمام بالسلبيات التي وردت في تقاريرهم ويتم التحقيق فيها‏,‏ لكن ذلك لم يحدث‏,‏ وعلي الجانب الآخر أري أنه لا يصح أن يتدخل القاضي في السياسة‏,‏ فهناك ضرورة للفصل بين الاثنين‏,‏ والقاضي تابع للمجتمع وحام له‏.‏

في تقديري أن الإشكالية التي حدثت وجعلت الأمور تتصاعد هو التعامل مع القضاة بمنطق أمني وليس بفكر أمني‏.‏

‏**‏ ماذا تقصد بالفكر الأمني؟

الأمن في كل مكان هو سلطة تنفيذية تتبع الدولة ومهمته حفظ النظام‏,‏ وفي أي مكان في العالم‏,‏ مادامت هناك مظاهرات ستكون هناك تجاوزات‏,‏ لكن التعامل مع قضية القضاة كان يجب أن يتم بشكل مختلف‏,‏ حتي لا تحدث فوضي‏.‏

‏**‏ إذن هناك تخوف من أن تعم حالة فوضي؟

مازلت أصر علي أن الدولة قوية‏,‏ والمظاهرات التي شهدناها قام بها النخبة والمثقفون‏,‏ ولم يشارك فيها رجل الشارع‏,‏ والحالة الوحيدة التي شارك فيها رجل الشارع هي مظاهرات يناير التي أطلق عليها الرئيس السادات انتفاضة الحرامية‏,‏ حيث قامت المظاهرات من أسوان إلي دمياط‏,‏ وفي وقت واحد‏,‏ بسبب ارتفاع الأسعار‏.‏

إلا أنني أتفق معك أن الحكومة قد يغيب عنها أشياء‏,‏ لكن بدلا من سبها علي المعارضين أن يقدموا لها برنامج عمل‏,‏ وأعدكم لو أن هناك برنامجا يرضي طموحي كمواطن سأحمل لافتة وأنضم إليهم‏.‏

فجأة قاطعني‏..‏ مش كفاية سياسة أنا فنان نتكلم في الفن‏.‏

قاطعته‏..‏ لكنك عادل إمام صاحب المواقف الوطنية المحددة وسفير اللاجئين‏,‏ لذلك فلست بالفنان العادي‏,‏ ضحك معلقا هنتكلم في الفن‏.‏

‏**‏ مع عمارة يعقوبيان سافرت إلي العديد من المهرجانات‏,‏ برلين‏,‏ تريبكا‏,‏ وكان الدولي؟ ما الفرق بين تجربة سفرك الأولي مع أفلام مثل‏:‏ الحريف‏,‏ الإرهاب والكباب‏,‏ اللعب مع الكبار‏,‏ ويعقوبيان؟

هل تصدقينني إذا قلت إنها المرة الأولي التي أسافر فيها مع فيلم لي‏,‏ حدث فقط أن سافرت إلي تونس مرتين‏,‏ الأولي لأكتشف حجم شعبية عادل إمام‏,‏ وقدمت عرضا مسرحيا‏,‏ بناء علي آلاف الخطابات التي جاءت لي من المعجبين هناك‏,‏ وسافرت إلي دبي عندما كان يكرمني المهرجان‏.‏

‏**‏ لماذا لم تسافر مع أي فيلم لك؟

عادة حكاية المهرجانات لا أضعها في خطتي‏,‏ وكذلك مسألة الجوائز‏,‏ فليس عندي أياد ولا مريدين في اللجان‏,‏ علي العكس هناك أناس كثيرون مغتاظون مني ومن نجاحي‏,‏ ولا أعرف هل النجاح يغيظ الناس؟

‏**‏ البعض يري ابتعادك عن المهرجانات تعاليا؟

ليس تعاليا‏,‏ وأخيرا ذهبت لاستلام جائزة من جمعية الفيلم‏,‏ بصراحة أقدر الجمعيات والمنظمات المدنية‏,‏ وأذهب إليها مباشرة ودون تردد‏,‏ وهي ليست المرة الأولي التي أذهب فيها إلي جمعية الفيلم‏,‏ فكيف لي أن أرفض جائزة من لجنة كان رئيسها أحمد الحضري أو صلاح أبوسيف‏,‏ أو علي بدرخان‏,‏ مثلما حدث في الجائزة الأخيرة‏,‏ لأنني أراه تقديرا حقيقيا‏,‏ وكذلك أحرص علي الذهاب إلي كلية الزراعة‏,‏ حيث درست‏,‏ وأسعد عندما أري أصدقائي‏,‏ يضحك معلقا مع أن أغلبهم اتحجب وتخن‏.‏

أما الوضع مع عمارة يعقوبيان فكان مختلفا‏,‏ فكل شئ يتم بشكل راق ومتحضر‏,‏ وفي برلين تم الاحتفاء بنا‏,‏ وكذلك في نيويورك‏.‏

‏**‏ مجلة فارايتي كتبت تشيد بدورك في الفيلم ووصفته بمثابة النقلة في حياتك ورغم ذلك كنت تخشي من الدور؟

صحيح احتفت بي المحررة الثقافية لمجلة فارايتي وهي متخصصة في سينما الشرق الأوسط‏,‏ و قالت لي عندما صادفتها إنني في هذا الدور قدمت نقلة مهمة في حياتي الفنية‏,‏ طبعا لا أخفي ترددي في البداية‏,‏ وخوفي من تقديم شخصية زكي بيه الدسوقي‏,‏ لأن أدواري دائما كانت تدافع عن البسطاء والمهمشين‏,‏ أما شخصية زكي فهي شديدة السلبية‏,‏ لكن ترددي حسمه السيناريو وجلستي مع مروان وحيد حامد‏.‏

‏**‏ بصراحة هل إحساسك بالفرحة في فيلم يعقوبيان أكثر من أي فيلم لوجود ابنك محمد معك وتقديمه لدور مهم؟

لا أستطيع أن أنفي أن فرحتي بالفيلم فرحتان‏,‏ لخاطر محمد‏,‏ وأذكر أنه عندما جاء لي وقال إنه يرغب في التمثيل‏,‏ قلت له ليس لي علاقة‏,‏ لأنني عندما بدأت مشواري الفني لم أبحث عن وساطة‏,‏ بل قدمت نفسي وسعيت وتعبت في مشواري‏,‏ وهذا ما ربيت أولادي عليه‏,‏ حرية الاختيار والقدرة علي تحمل المسئولية‏,‏ مثلما حدث مع رامي ابني الذي كان يدرس الهندسة‏,‏ ثم انتقل إلي دراسة‏art,‏ وأذكر أن محمد منذ بداياته وهو يختار أدواره‏,‏ وأول ورق عرض عليه رفضه‏,‏ وهذا أسعدني كثيرا‏,‏ إنه يمتلك حرية الرفض‏.‏ ثم بعد ذلك قدم دورا في كناريا وشركاه أثبت من خلاله أن عنده حضور وطلة‏.‏

‏**‏ في تصوير يعقوبيان ألم تقم بتوجيه النصح له خصوصا أنك سبق وقدمت دور المتطرف في الإرهابي‏,‏ وهي شخصية تتاشبه مع شخصية طه المحبط الذي تحوله الظروف لإرهابي؟

لم أقابله في التصوير ولا مرة واحدة ومواعيدنا كانت مختلفة‏,‏ لذلك فهو كان مفاجأة بالنسبة لي عند مشاهدتي له علي الشاشة في العرض الخاص الذي نظمته الشركة المنتجة‏,‏ وأذكر أنني فقط لفت نظر والدته بأن هناك مشهدا صعبا مشهد قتله واغتياله بالرصاص‏,‏ وعلي الرغم من ذلك ونظرا لإجادته لم تتمالك نفسها وانهارت من البكاء‏,‏ وغابت عن الوعي‏,‏ إلي أن شاهدت محمد أمامها بعد انتهاء العرض واحتضنته‏.‏

‏**‏ بخبرتك السينمائية كيف تري الوضع السينمائي حاليا؟

في هذه الأيام تشهد السينما انتعاشة كبيرة‏,‏ وهناك طفرات في الصناعة وشركات كثيرة تعمل‏,‏ وزادت الأجور‏,‏ وأصبح لدينا موسمين كبيران‏,‏ الصيف‏,‏ وموسم العيد‏,‏ كما أن الأفلام أصبحت تشهد تنوعا‏,‏ وليس بالضرورة أن يكون كل فيلم نشيدا وطنيا‏,‏ أو يقدم لي خرابات‏,‏ وحياة صعبة‏,‏ فالسينما في جزء كبير منها تقدم التسلية وليس عيبا أن يقول فنانون إنهم كوميديانات وبس‏.‏

‏**‏ أفهم من ذلك أنك لا تميل حاليا إلي الأفلام التي تناقش قضايا البسطاء والمهمشين؟

لم أقصد ذلك إطلاقا‏,‏ فأنا طوال عمري بطل البسطاء ومنهم وأنتصر لهم‏,‏ لكن هناك أفلام تقدم بشكل إنساني راق بعيدا عن المزايدات‏.‏

سأشرح لك‏,‏ في عهد عبدالناصر المهمش كان لهم دور في السياسة‏,‏ وفي الفن هل تذكرين فيلم دايما معاك لفاتن حمامة ومحمد فوزي‏.‏

في هذا الفيلم كان محمد فوزي يعمل عطشجيا‏,‏ وعبدالوارث عسر صديقه‏,‏ عربجي حنطور‏,‏ وسعيد أبوبكر بائع جرائد‏,‏ في هذا الوقت كان كل ذلك عاديا وطبيعيا ويسهل تقبله‏,‏ لكن حاليا الكل راح شرم الشيخ‏,‏ ولبس الـ‏hotshort,‏ لكن أيضا لا يجب أن تكون كل الأفلام كذلك‏,‏ وأيضا لا يصح أن أري البسطاء من خلال الزبالة فقط‏.‏ خاصة أنه بعد وفاة عبدالناصر أجهض مشروعه التنموي‏,‏ وكذلك الحروب التي وقعت‏,‏ وطرح الدين كبديل عن المشروعات التنموية‏,‏ كل ذلك جعل المجتمع يختلف وبالضرورة السينما‏,‏ فالدين أصبح له زي‏,‏ وهنا تكمن المفارقة‏,‏ الآن بشوف بنات محجبات ومنقبات علي الكوبري مع أصدقائهم مقطعين بعض‏,‏ يضحك معلقا‏,‏ المجتمع والحياة اختلفا كثيرا‏.‏

‏**‏ دائما تردد أنك تعشق المنزل‏,‏ ولا تحب الصخب‏..‏ فماذا تفعل لو لم تكن مرتبطا بفيلم أو مسرحية؟

في الحالة التي أكون فيها غير مرتبط بعمل فني أجلس في المنزل وسط أبنائي وأحفادي نلعب‏,‏ نقرأ‏,‏ يصمت‏,‏ وبتنهيده يقول‏:‏ أنا خلصت الشارع‏.‏

‏**‏ ماذا تقصد بتلك العبارة؟

من بداية حياتي وعمري الفني وأنا لم أتوقف عن العمل والحركة‏,‏ أيام زمان سكنت في السيدة عائشة والحلمية والجيزة‏,‏ وبعدين المهندسين وحاليا المنصورية‏,‏ تنقل وأفلام‏,‏ وفي أحيان كنت أقدم أربعة أفلام في السنة‏,‏ الفنان فعلا حياته صعبة‏,‏ وهالة زوجتي حملت عني الكثير‏,‏ ولو عادت بي الأيام سأتزوج نفس المرأة وسأرغب في أن أحيا نفس الحياة‏.‏

لذلك في هذه الفترة أستغل كل لحظة في التواصل مع أولادي وأحفادي عادل وعزالدين‏,‏ وأمنية‏.‏

‏**‏ نظراتك للمرأة شديدة الإيجابية ودائما ما تعلن عن احترامك وتقديرك لها‏..‏ ما تعليقك علي وجهة النظر التي طرحتها الكاتبة د‏.‏ نوال السعداوي وابنتها مني حلمي بنسب الأبناء لأمهاتهن؟

صمت للحظة وعلق تخيلي‏:‏ لو أنا أصبح اسمي عادل‏......‏؟ ونطق اسم والدته ثم انفجر في الضحك‏,‏ خلاص كل مشاكلنا خلصت‏,‏ ولا أفهم ما الشئ الملح في ذلك‏,‏ ياجماعة المرأة هي أصل الحياة‏,‏ وهي التي تنجب الرجل وتمتعه جنسيا‏,‏ وتتحمل مسئوليته وتطعمه‏,‏ في أكثر من كده إيه؟

أمي علي الرغم من أنها كانت أمية لا تقرأ‏,‏ لكنها كانت تملك الوعي والشخصية وصاحبة رأي سديد‏,‏ وكانت لديها قدرة عجيبة علي الإقناع‏.‏

‏**‏ من كان الأكثر خفة وقدرة علي الاضحاك والدك أم والدتك؟

أبي‏..‏ كان أكثر قدرة علي الاضحاك‏,‏ إلا أنه لم يكن يبتسم أبدا‏,‏ ويقال إن جدي كان كذلك‏,‏ وكان يملك محل بقالة بجوار أرضه‏,‏ ويجمع حوله الناس‏,‏ يعني بيحول المكان لمنتدي‏,‏ وفجأة بعد ضحك وتبادل الأحاديث معهم يطالبهم فجأة بالمغادرة‏,‏ أما والدي فمع خفة دمه كان يحفظ الشعر‏,‏ وشديد الحسم والحنان في آن واحد‏,‏ وأذكر أنه كان آخر من علم بأنني أصبحت ممثلا‏,‏ فهمه كان المذاكرة وأن أنهي دراستي‏.‏

‏**‏ بصراحة وبعيدا عن أنك الزعيم هل هناك علقة ساخنة نلتها ولم تنسها؟

يضحك بصوت عال طبعا‏,‏ زمان وعندما كنت في الثانوي والجامعة اشتركت في الحزب الشيوعي وقمت بتوزيع المنشورات‏,‏ ووقتها ألقي القبض علي الكثير من الشيوعيين‏,‏ وأذكر أن أبي عندما علم بذلك قام بالتفتيش في مكتبتي ووجد ماركس ولينين‏...‏ وإلخ‏,‏ يومها أكلني علقة لم أنسها طوال حياتي‏.‏

نحن جيل عاش مراحل تاريخية مرعبة‏,‏ لكن حتي هذه اللحظة أنا أعتز بعروبتي وقوميتي‏,‏ تحسبيها اقتصاديا‏,‏ لكن أنا قومي عربي‏,‏ وابن ثورة يوليو بكل انتصاراتها وانكساراتها‏,‏ وحجرتي كانت تضم صور كل قيادات الثورة‏,‏ ومازلت أعتز بصداقتي للقيادي خالد محيي الدين‏.‏

‏**‏ في ظل الظروف الصعبة والتطورات التي تشهدها المنطقة وعملك من خلال الأمم المتحدة‏,‏ الذي جعلك تشاهد الظروف القاسية للاجئين في إفريقيا ألم يصبك الإحباط؟

أنا متفائل‏,‏ والإحباط لا يصيبني من قريب أو بعيد‏,‏ وأحلامي كبيرة للعالم كله‏,‏ وطوال مشواري الشخصي أقابل زملائي بالابتسامة‏,‏ وكذلك الإساءة لي‏,‏ أنا أكثر واحد أتشتم في مصر‏,‏ بالابتسامة والتعالي علي تلك التفاصيل‏.‏ فالشتائم لم تعن لي شيئا‏,‏ فالمهم فني وجمهوري‏*‏

الأهرام العربي في 27 مايو 2006

المخرج الإماراتي عبدالله حسن أحمد

الفيلم القصير "تمرين للعضلات" نحو إخراج الفيلم الطويل

حوار / أمينة بركات 

عبد الله حسن أحمد مخرج سينمائي ومسرحي، عضو مؤسس في مجموعة فراديس ومجموعة انعكاس الفنية، عنصر فعال في الساحة الفنية المحلي والاقليمية يشغل حاليا منصب مخرج في قناة سما من بين أعماله السينمائية الشريط القصير "سمو الفعل" الذي فاز عنه بجائزة الفيلم التسجيلي القصير سنة 2005.

كما حصل على جائزة الفيلم الروائي القصير عن شريطه "الفستان" نفس السنة وسبق له أن توج فيلمه "الميرحانه" بشهادة تقدير سنة 2003 وتوج جهده بجائزة الفيلم الروائي القصير في المسابقة الخليجية في دورتها الخامسة عن فيلم "سماء صغيرة".

ويعتبر عبد الله أفضل مخرج سينمائي شاب خصته به مجلة دجيتال استوديو سنة 2005، وبما أنه يبدع في كل أجناس المواد السمعية البصرية فقد فاز أيضا بجائزة فزاع للإبداع الرياضي عن فيلم مشجع كليب السنة الماضية بالإضافة إلى الجائزة الذهبية عن الإعلان التلفزيوني في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون سنة 2005.

شارك فيلمه القصير "آمين" في مهرجان دبي السينمائي و مهرجان شورت-شورت باليابان في حين تمت مشاركة شريطه "الفستان" في مهرجان الفيلم العربي بروتردام الهولندي، يدرس المخرج حاليا بعض السيناريوهات التي يتمنى أن تساهم في الرقي بذوق المشاهد، وللمزيد من التعرف عليه وعلى البعض من نشاطاته وآرائه كان لنا معه هذا اللقاء:

ـ أسدل الستار على مهرجان الإمارات وفزت بجائزة أفضل فيلم روائي قصير، فماذا تمثل لك هذه الجائزة؟

"سماء صغيرة" دليل على استمراريتي في مجال الإخراج ودليل أن مستواي مازال في خط آمن وفي تطور مستمر إلى الأفضل بإذن الله.

ـ موضوع الشريط أثارني لأنه يعالج اضطهاد المرأة في الخليج فهل هي بداية لرفع الستار عما هو معروف عنه في بلداننا العربية بالطابو أو الممنوعات؟

سمعت آراء جانبيه كثيرة حول الفيلم والفتيات مازلن يخجلن من مناقشة قضاياهن المصيرية، وأتمنى الحصول على ردود فعل أكبر خلال جولاتنا المعتادة على الكليات والجامعات.

ـ ما هي أهم المشاكل التي اعترضتك في عملك؟ وهل الفيلم القصير بالنسبة لك تأشيرة المرور للفيلم الطويل؟

الإنتاج هو العائق الوحيد الذي يعترض طريقنا في عمل أي فيلم، فكما تعلمين يحتاج الفيلم إلى تطوير في الأساليب المستخدمة للإخراج، والإنتاج الجيد يساعد على الإخراج الجيد، في النهاية جميع إنتاجاتنا من تمويلنا الخاص وهو عائق كبير أمام صناعة السينما في الإمارات، أما عن الفيلم القصير فهو تمرين العضلات لإخراج الفيلم الطويل وهي فترة إعداد لصناعة السينما الإماراتية ولكن ما نقدمه الآن ليس بسينما وإنما أفلام إماراتية فقط.

ـ ما هي الإضافات التي يمكن أن يسجلها مهرجان السينما بالإمارات على مستوى الخليج؟ انطلاقا من أن حمى المهرجانات اجتاحت البلدان العربية وهي ظاهرة قد تكون ايجابية لو اتخذت على عاتقها تنمية الفن السابع في المنطقة؟

هي بداية تشكيل نواة سينمائية للمخرجين الاماراتيين والسينمائيين على أمل صناعة سينما إماراتية واهتمام البلدان العربية بهذه المهرجانات ظاهرة صحيه جيدة نحتاج إليها في ظل التغيرات، فالسينما سلاح إعلامي وترفيهي مميز وجذاب على أن لا تخرج إلى نطاق آخر وهو التجاري الرخيص.

 

ـ هل هناك إمكانية إنتاج مشترك بين دول الخليج وبوادر تشجيع هذا الأسلوب لتجاوز مشكل التمويل الذي يعاني منه معظم المخرجين؟

أرجو ذلك فلا يوجد هناك إنتاج لأفلام إماراتية بالأصل حتى نوحد إنتاجنا مع دول الخليج وهذا يدل للأسف على عدم اهتمام أو بوادر اهتمام بالمجال السينمائي.

ـ هل تعتقد أن السينما من الوسائل التي يمكن أن تساهم في تغيير العقليات المتحجرة التي تناهض تقدم الأمم؟

بالتأكيد لها دور كبير جدا في نشر الثقافة والفن الراقي للمجتمع وهي من وسائل الإعلام الممتعة والجذابة أيضا، وهناك العديد من الدول الخليجية تخشى من السينما خوفا من مغبة التغيير التي قد تجتاحها.

ـ اهتمامك بقضية المرأة في فيلم "سماء صغيرة" يحسب لك لأنها مسألة ايجابية فهل هناك إقبال للمرأة على مستوى الإخراج علما أنها حققت حضورا واضحا أمام الكاميرا؟

لا أنفي وجود بعض النماذج الخليجية مثل هيفاء منصور والتي تقدم رؤى مختلفة من خلال أفلامها والتي تناقش قضايا مجتمعها السعودي وأتمنى رؤية الفتيات الإماراتيات في هذا المجال دون توقف.

 عن جريدة الصحراء المغربية ـ  9 مايو 2006

فراديس في 26 مايو 2006

 

المخرجة نبيهة لطفي: أحياناً نعثر على الطريق الصحيح بدون أن نخطّط له

لبنان يكرّمها تقديراً لإبداعها السينمائي التسجيلي

بيروت ـ نديم جرجورة: 

قبل أيام منح الرئيس اللبناني إميل لحود المخرجة الوثائقية المصرية ـ اللبنانية الأصل ـ نبيهة لطفي «وسام الأرز الوطني من رتبة فارس» وذلك خلال حفل التكريم الذي أقامته لها بلدية مدينة صيدا مسقط رأس لطفي، «تقديراً لإبداعها في مجال السينما التسجيلية».

أمضت نبيهة لطفي أعواماً طويلة وهي تصنع صورة ما عن الواقع الإنساني المصري والعربي، في مرحلة تاريخية غنيّة بالتحوّلات والمآزق والخيبات والموت والخراب.

بدأت حياتها السينمائية في نهاية الستينات وبعد أعوام قليلة على تخرّجها من «المعهد العالي للسينما» في القاهرة، عملت في الصحافة ودرست العلوم السياسية والأدب العربي قبل أن تكتشف السينما وتتخلّى عن أشياء كثيرة من أجلها: «أحياناً، تعثر على الطريق الصحيح من دون أن تخطّط لذلك من قبل» كما قالت لطفي.

عملت إثر تخرّجها من الجامعة ك«مساعدة مخرج» في أفلام روائية متنوّعة مع المخرجين سعد عرفة وخليل شوقي وفطين عبد الوهاب وغيرهم، لكنها فضّلت العمل مع خليل شوقي الذي كان مقلاًّ في العمل:

«رفضت عروضاً كثيرة، لأني لم أكن أحبّ الوسط السينمائي بوجه عام، واهتمّيت بصناعة أفلام روائية، لكن السبب الذي دفعني إلى التخلّي عن هذا النمط الفني له علاقة بأجواء (اجتماعية) عامة تسيطر على السينما الروائية.

يبقى العنصر المساعد والأساسي في تحديد مساري المهني وهو المخرج الكبير شادي عبدالسلام الذي شجّعني على خوض التجربة الوثائقية، والذي كان سنداً لي، لم يكن شادي بالنسبة لي صديقاً أو زميلاً أو أستاذاً، بل هذه الأمور كلّها مجتمعة في شخصه وتعلّمت منه أشياء كثيرة».

شادي عبد السلام أسّس في العام 1969، «المركز التجريبي»، في محاولة جادّة لتحقيق أعمال تجريبية، لعلّ أبرزها مشروع «ألفية القاهرة»، وهو شريط يحتفل بمرور ألف عام على تشييد هذه المدينة الإسلامية.

وتعتبر نبيهة لطفي أن «ألفية القاهرة» نقطة تحوّل بالنسبة لها، إذ دفعها هذا المشروع إلى اكتشاف أهمية السينما الوثائقية، التي أنجزت فيها سلسلة أفلام مختلفة المواضيع والهواجس، قبل أن تنحاز إلى المرأة، وتهتمّ بها: «لم أكن أرتاح إلى النقاشات الصاخبة حول موضوع المرأة، الذي كنت أنظر إليه كمادة مفتعلة.

لا أعني أن الموضوع بحدّ ذاته مفتعل، بل كنت أشعر أنا شخصياً بذلك. شيئاً فشيئاً، اكتشفت أموراً جعلتني أتنبّه إلى هذا الكمّ الهائل من المشاكل التي تعانيها المرأة، وهي مشاكل كنت أعرفها سابقاً». ومن المعروف عن نبيهة أنها رفضت المشاركة في حركات نسائية، «لأني كنت أشعر أن هناك جزءاً مفتعلاً في قضية المرأة ، عشتُ فترة طويلة طغت عليها هموماً وطنية وقومية اعتبرتها هواجسي الأصلية».

التركيز على قضية المرأة بدا، يومها، انحرافاً عن الموضوع الأساسي. في العام 1990، تبدّلت نظرتي بعض الشيء، حقّقت الجزء المصري من فيلم عربي اسمه «ليلى العامرية» (كيف يرى قيس ليلى، لو عاد الآن؟) .

واضطررت إلى الذهاب إلى منطقة ريفية تدعى منوف في الريف المصري الذي يُدهشك بجماله وبخاصيته المتميّزة،وتعرّفت على تلك المنطقة التي جذبتني أكثر من مرة فأنجزت فيها «لعب عيال» (1991)، عن الأولاد الذين يصنعون ألعاباً لهم من مختلف الأدوات المتوافرة».

أنجزت لطفي فيلمها الأول بعنوان «ألفية القاهرة» (1969) كمدينة وتفاصيل وأحداث جرت فيها في خلال ألف عام ، ثم «صلاة من وحي مصر العتيقة» (1971) عن منطقة السرجة في مصر القديمة التي يُقال إنها استقبلت السيد المسيح وأمه مريم عند هروبهما من فلسطين، وفي أجواء المناخ العابق بالتاريخ الإنساني حقّقت «دير القديسة كاترينا» (1980) أيضاً.

وهكذا، تنوّعت اهتماماتها الإنسانية، وظلّت تقدّم أفلاماً مختلفة الأشكال والأساليب، علماً أن آخر فيلم لها أنجزته في العام 2005 بعنوان «صناعة العود».

في مسيرتها المهنية، استعادت نبيهة لطفي بعض الماضي، كي تعكس مشاهد حيّة عن معنى الذاكرة المندثرة، والتقطت شيئاً من تفاصيل الآنيّ، كي تصنع بها عنواناً نابضاً بالحكايات والأزمات، وفي هذا كلّه أفردت لطفي حيّزاً كبيراً للفرد في علاقته بنفسه وبالآخر ولموقعه في قلب الجماعة، وللتأثيرات المتبادلة بينه وبين مجتمعه وبيئته وثقافته وهواجسه وانفعالاته.

في فيلمي «نساء متحرّكات في المنيا» (1996) و«إنها تزرع الأرض وترويها» (1998)، مثلاً، بدت نبيهة وكأنها تسبر أغوار الحياة الاجتماعية واليومية للمرأة الريفية المصرية على خلفية البحث في مشاكلها وهمومها وتداعيات الأزمات المتنوّعة التي لا يزال المجتمع العربي غارقاً فيها.

في الفيلم الأول كشفت الرغبات العميقة للنساء الريفيات (أو لبعضهنّ، على الأقلّ) في تحسين أوضاعهنّ الحياتية وفي تطوير شروط حضورهنّ في المجتمع الزراعي، فإذا بهنّ يُنشئن جمعيات تُعنى بمثل هذه الأمور، كمحو الأمية، والتوعية في مجالات التربية والصحة الإنجابية والعمل الزراعي وغيرها.

وفي الفيلم الثاني حافظت على التزامها الثقافي والفني لقضية المرأة، فإذا بها تعكس مناخاً يسود المنطق الذكوري المتوارث، بخصوص أساليب الزرع والريّ، وبعضها يُمنع على المرأة ممارسته:

«أكره الصورة غير الحقيقية عن المرأة المصرية بوصفها ساكنة لا تقاوم، هذا غير صحيح، فالمرأة المصرية مقاوِمة حقيقية بحسب مفهومها الخاصّ لفعل المقاومة، قدّمتُ هذه الصورة في فيلمي «نساء في مفترق الطريق» (1996)، الذي جاء مندفعاً جداً إلى حدّ اعتقد البعض معه أن الصورة مركّبة لكن الوضع هو هكذا تماماً، وكان الواجب عليّ أن أُظهر سبل مقاومة هذه المرأة المصرية وليس معاناتها فقط».

في «تل الزعتر لأن الجذور لن تموت» (1975-1977)، غاصت في تشعّبات الحالة الفلسطينية في لبنان، وأضاءت جوانب عدّة من الحياة الإنسانية للفلسطينيين المهجّرين والقابعين في مخيمات البؤس والقلق، وفي «شارع محمد علي» (2003)، غاصت في جزء من الذاكرة الفنية للقاهرة، بحسب ما اشتهر به هذا الشارع، كي تضع الحاضر والماضي في مواجهة تاريخية واجتماعية وإنسانية.

لم تُنجز نبيهة لطفي، حتى اليوم أي فيلم يتناول سيرتها الحياتية أو مقتطفات منها خصوصاً في وطنها الأم لبنان: «هناك أمور كثيرة في لبنان وفي ذكرياتي في صيدا تشدّني إلى تحقيق فيلم عنها، غير أن السينما تختلف عن الكتابة، وتحتاج إلى مال وخطط إنتاجية».

البيان الإماراتية في 28 مايو 2006

 

غداً تكرم عاصمة الجنوب اللبناني المخرجة نبيهة لطفي...

الوطن يعترف بابنة صيدا والهوى المصري 

الحياة: «تقابلت معها عام 1973، أثناء حرب أكتوبر في مستشفى القصر العيني حيث كنا نساهم في الأعمال التطوعية. ومنذ تلك اللحظة نشأت الصداقة بيننا. وعندما اشتركنا سوية في فيلم «سانت كاترين» ارتبطنا بعمق وصدقية التجربة. وعندما سافرت الى لبنان أثناء الاجتياح والعدوان الاسرائيلي، اعتبرت ذلك جزءاً من التاريخ الذي يجمعني بنبيهة. وهي نفسها حضرت الاعتداء على مصر...». قائلة هذا الكلام هي الفنانة ناديا لطفي، أما السيدة التي تتحدث عنها فيه، فهي سميّتها، المخرجة اللبنانية نبيهة لطفي. ونقول «لبنانية» هنا تجاوزاً، ذلك ان نبيهة تعتبر عادة، نقطة التقاء وتقاطع بين لبنان (وطنها الأصلي) ومصر (وطنها بالتبني)، اذ تنتمي الى تلك الفئة التي تتضاءل عدداً، من أناس اختاروا أن يمضوا حياتهم بين البلدين. قلب نبيهة لطفي في البلدين معاً. ويحزنها الآن حال البلدين. واذا كان لبنان قرر أخيراً أن «يعترف» بوجودها ويكرمها، فإن هذا لا يخفف من حزنها على «الوطن الذي نفقده بسرعة» كما تقول عادة.

نبيهة لطفي التي ولدت في صيدا قبل ما يقل قليلاً عن السبعين عاماً، هي المخرجة التسجيلية والكاتبة المعروفة التي تحمل قائمة أفلامها أكثر من 25 فيلماً حققتها خلال ما يقرب من ثلث قرن (كان أول أفلامها «ألفية القاهرة» في العام 1969، علماً أن أحدثها «صناعة العود» الذي حققته العام الفائت). ونبيهة لطفي معروفة بأنها كتلة من نشاط، على رغم آلامها... تمسك عصاها وتدور من مهرجان الى مهرجان، ومن بلد الى آخر، ومن تظاهرة الى أخرى. ثم تترك العصا لتمسك الكاميرا وتصور، أو تمسك القلم وتكتب. بدأت حياتها صحافية بعدما درست العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم خاضت السينما الروائية مساعدة اخراج قبل أن تتجه في شكل شبه نهائي الى الفيلم التسجيلي... مع إطلالة على السينما الروائية والقصيرة بين الحين والآخر. تعمل نبيهة لطفي في صمت ولا تسعى الى أن تثير الصخب من حولها. تترك أفلامها تتحدث عنها وعن عملها، وغالباً عن نظرتها التقدمية – الانسانية الى الحياة. أما هي فإنها حين تتكلم، تخوض في القضايا، في النضالات، من أجل المرأة، من أجل الفن، من أجل التقدم «من أجل الحياة... والإنسان» تقول باختصار، من دون أن يبدو عليها أن الهزائم والانكسارات تهبط بمعنوياتها. تحزن أجل، تقلق أجل... لكنها لا تعترف بأن الهزيمة نهائية.

غداً، في صيدا، عاصمة الجنوب ومسقط رأسها ورأس أخواتها اللواتي خضن العمل الثقافي مثلها (مها مربية ومترجمة وكاتبة، وعرب مخرجة تسجيلية)، حين يكرم لبنان نبيهة لطفي، عبر برنامج يستمر يومين ويتخلله ندوة عن أعمالها (تشارك هي فيها الى جانب جان شمعون ووائل عبدالفتاح)، وتقليدها وساماً، على يد وزير الثقافة طارق متري، وحين سيتحدث الخطباء عنها وعن هواها المصري العروبي الأصيل، لا شك في أن نبيهة لطفي ستبتعد الى عالم ذكرياتها، الى طفولتها ومسيرتها الطويلة، وستتذكر والدها المحامي شفيق لطفي، وربما تخاطب روحه قائلة: «انظر يا شفيق... ها انذا حققت ما كنت وعدتك به».

الحياة في 12 مايو 2006

 

سينماتك

 

فنان الشعب عادل إمام لا يصيبه الإحباط

أنا قومي عربي وابن ثورة يوليو

أجرت الحديث‏-‏ علا الشافعي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك