لم يجد المترجم العربى عنواناً أفضل من الثأر لكى يحمله فيلم حرف فى رمز فيندينا، وقد تختزل هذه الترجمة العربية المعنى وراء العنوان، لكنها تجرده أيضاً من الظلال العديدة التى يحملها العنوان الأجنبى الأصلى الذى يمزج بين الإنجليزية واللاتينية، فحرف في هو الحرف الأول من كلمةفيندينا الإيطالية التى تعنى الانتقام، كما أنه يرمز لعلامة النصر، لكنه قد يعنى الرقمخمسة التى تشير إلى الزنزانة التى عاش فيها البطل لفترة من حياته، وأخيراً فإنه يومئ لتاريخ الخامس من نوفمبر، هذا التاريخ الذى يقول الفيلم إنه سوف يحمل بشائر التغيير عندما ينجح البطل فى تدمير العالم القديم.

أجدنى أمام هذا الفيلم أعيش تلك اللحظات القليلة من الحيرة التى يواجهها الناقد أمام فيلم من هذا النوع، لأنك قد تنتهى إلى الرأى ونقيضه فى كل عناصر الفيلم: هل هو فيلم طموح أم أنه يحتشد بالادعاء؟ هل هو فيلم ثورى أم أنه يجنح إلى الفوضوية الكاملة؟! والغريب أنه كل ذلك معاً فى نفس الوقت، مجموعة من التناقصات التى يمكنك أن تقبلها فى أى عمل فنى أصيل، لكنها الأصالة التى تحتاج إلى مراجعة لفحص إذا ما كانت هذه التناقضات تجعل المتفرج يعيش حالة من الجدل مع الواقع، من أجل فهمه، والأهم من أجل تغييره.

لعل من المفيد فى البداية أن نشير إلى معلومتين مهمتين: الأولى أنه مأخوذ عن سلسلة قصص مصورة كتبها المؤلف البريطانى ألان مور وقام برسم لوحاتها ديفيد لويد، ومثل معظم القصص المصورة التى تحشد بالرسوم بالأبيض والأسود فإن القصة هنا تميل أيضاً إلى تقسيم العالم إلى معسكرين للخير والشر، وفى قلب الحدوتة يوجد بطل عاش تجربة شديدة الإيلام لكنه خرج منها - بالمعنى الحرفى للكلمة - كما تولد العنقاء من جديد عندما تحترق فى النار، ومرة بعد أخرى سوف تظهر وتختفى بسرعة البرق صورة البطل الذى يخرج من وسط اللهيب، وقد اكتسب قوة هائلة تجعله ينتمى إلى عالم الأبطال الخارقين، ولأن التجربة تركت جلده مشوهاً فقد اختار أن يخفى وجهه وراء قناع عليه ابتسامة قاسية ساخرة، ليكرس حياته أو ما تبقى منها لمقاومة الأشرار الذين وضعوه وأمثاله فى هذه التجربة القاسية. ولن تكتمل المعلومة الأولى إلا إذا ذكرنا أن المؤلف ألان مور كتب هذه القصة فى عقد الثمانينات من القرن الماضى، خلال صعود مارجريت تاتشر الى الحكم فى بريطانيا بسياساتها اليمينية المحافظة، لذلك فإنه تصور أن قصته تدور فى بريطانيا فى عالم مستقبلى قاتم، فى ظل حكومية فاشية تسيطر على كل شيء كأنها تعيد كابوس النازية من جديد.

أما المعلومة الثانية فهى أن كتابة السيناريو وإنتاج الفيلم تولاهما الأخوان لارى وآندى واشوفسكى، صاحبا سلسلة ماتريكس الشهيرة المأخوذة بدورها عن سلسلتهما من القصص المصورة، ومثل ماتريكس فإن واشوفسكى يختاران أن يضعا البطل وحده فى مواجهة منظومة كاملة من القمع، وهى فى الحقيقة المنظومة التى تتحكم فى العالم كله حتى أنها تجعله كابوساً حقيقياً، وبينما يستسلم الآخرون جميعاً لهذه الحالة من السبات الطويل فى خضوع وخنوع كاملين، فإن البطل يقرر التمرد ليحطم هذه المنظومة تحطيماً، مثلما يفعل هنا تماماً بطلنا الذى يطلق على نفسه حرف فى.

فلنتأمل معاً بعضاً من أحداث الفيلم، الذى يحكى لك فى البداية كيف اكتسب البطل في اسمه وقناعه، فهما يعودان إلى متمرد كاثوليكى يدعى جاى فوكس، حاول فى بداية القرن السابع عشر فى بريطانيا تدمير مبنى البرلمان يوم الخامس من نوفمبر، سعياً للقضاء على الحكم الملكى البروتستانتى، لكن محاولته انتهت إلى الفشل مما أدى إلى إعدامه شنقاً وسط الجماهير، ومنذ ذلك التاريخ أصبح هذا اليوم احتفالاً شعبياً لحرق دمية تمثل فوكس باعتباره ارهابياً، لذلك يسألك الفيلم حوله سؤالاً محدداً: أليس من يراه البعض إرهابياً قد يراه البعض الآخر مناضلاً من أجل الحرية؟!، وهأنت ترى أنه سؤال جدير بالبحث الجاد عن إجابة، خاصة فى ظل السياسات الأمريكية الراهنة التى لايخفى الفيلم انتقاده المرير لها، عندما تكرر دعاواها بأن كل ماتقترفه من جرائم ليس فى حقيقته إلا حرباً على الإرهاب.

من تلك المقدمة الخاطفة عن فوكس فى بدايات القرن السابع عشر يقفز الفيلم فجأة إلى بريطانيا فى عام 2020، متخيلاً أن الولايات المتحدة قد انتهت إلى الدمار بسبب حروبها المجنونة، وأن بريطانيا قد شهدت صعود حكومة فاشية تتلاعب دائماً بعبارات الوطنية والدين لكى تجعل قبضتها أكثر صرامة، وفى هذا العالم المستقبلى - الذى يذكرك برواية 1984 وفيلم 451 فهرنهايت - يطل عليك الأخ الأكبر رمز الدولة القمعية من شاشات تليفزيونية ضخمة لكى يراقبك ويلقى عليك أوامره. وسوف يحكى الفيلم عن أن هذه السلطة الباطشة قد صعدت فى أعقاب وباء قاتل قامت هى ذاتها بافتعاله لتنشر الرعب فى قلوب الجماهير، حتى يسلموا قيادهم للنظام وكأنها إشارة مباشرة للحديث فى الولايات المتحدة عن ضرورة تخلى الجماهير عن جانب غير قليل من الحرية فى مقابل الحصول على الأمن.

إنه كما ترى أمن غير آمن، يحتشد بالبارانويا المرعبة، وفى وسط هذا العالم يظهر في هوجو ويفينج الذى كان أحد ضحايا تجارب السلطة على فيروس الوباء الفتاك، لكنه استطاع النجاة، وها هو يطالب بالانتقام. وكحيلة درامية مزدوجة لكى يضع الفيلم متفرجه فى قلب الأحداث، فإنه يجعلك على المستوى الذهنى تراقب ما يحدث من خلال وجهة نظر محقق الشرطة فينش ستيفن ريا الذى يتتبع وقائع سلسلة الاغتيالات التى يقوم بها في تجاه بعض رموز الدولة القمعية مثل القس أو المتحدث الإعلامى، لكن الأهم أن الفيلم يجعلك تعيش الأحداث على المستوى العاطفى من خلال عينى البطلة إيفى أو إى في فى محاكاة لاسم في ناتالى بورتمان، التى تبدأ رافضة لسلوك البطل الانتقامى، لكنها تنتهى ومعها المحقق فينش إلى الاقتناع بخطته الرهيبة، التى تقوم بتنفيذها بعد مصرعه، بتفجير مبنى البرلمان البريطانى وكل المبانى حوله، بينما تسمع على شريط الصوت موسيقى افتتاحية تشايكوفكسى 1812 التى تجعلك تقشعر نشوة ورعباً.

النشوة والرعب هو المزيج الذى يقدمه الفيلم على نحو ساحر غامض، حيث يفترض أنك سوف تشعر بالسعادة لمرأى بعض رموز الحضارة الغربية وهى تنفجر وتتداعى، خاصة أنه قد يغازل فيك بعض المشاعر الأكثر عمقاً عندما يجعل الحكومة القمعية تطارد كل من يحمل نسخة من القرآن باعتباره خطراً مؤكداً، ناهيك عن بعض عبارات فخمة مثل: إن تغيير العالم قد يبدأ بتدمير أحد المبانى، لكن أرجو أن تتأمل كيف أن أمريكا تقوم بالفعل بتدمير آثار حضارة العراق تحت زعم تغيير العالم وجلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط، ولتتأمل أيضاً كيف أن الفيلم جعل المسلمين والشواذ جنسياً ضحايا على قدم المساواة أمام قمع السلطة الفاشية، إن هذه الأقوال التى يمكن أن تستخدمها الأطراف المتصارعة وتتصور كل منها أنها بها تملك الحق فى التدمير، كما أن الحديث عن قمع الأقليات فى ظل هذه الدول الشمولية، لا يؤدى فى النهاية إلا لموقف فوضوى لايتبنى أية رؤية سياسية حقيقية، ولا يقدم تصوراً واحداً لما سوف يكون عليه العالم الجديد. وفى محاولة الفيلم الجمع بين الأضداد - على نحو غير جدلى - فإنه لايختلف عن الموقف المشبوه لما يسمى مابعد الحداثة والدور التدميرى الذى لعبته فى تشويه القضايا السياسية، لكن الحديث عن ما بعد الحداثة يحتاج إلى وقفة متأملة طويلة ليس مجالها هنا، وربما يكون فى العمر بقية لكى نلقى الضوء عليها يوماً ما!

العربي المصرية في 14 مايو 2006

 

الحرية لا معنى لها إذا تأسست على الخوف

نبيل عبدالكريم  

فيلم رائع يعرض الآن في سينما الدانة يحمل عنوان «في فور فانديتا».  فالشريط السينمائي يتحدث عن الحرية وانتصارها النهائي. ويتحدث أيضاً عن الانتقام من الاستبداد حين تستغل بعض الفئات الحرية لتخويف الناس ومصادرة حقوقهم.

«نعم للانتقام» هو فكرة الفيلم المركزية. ومخرج الفيلم لجأ إلى المخيلة والفانتازيا باختراع مشكلة تحصل في المستقبل. الشريط السينمائي لا يتحدث عن الماضي ويسقطه على الحاضر، ولا يتحدث عن الحاضر ويسقطه على الماضي وإنما العكس تماماً. فالمخرج استخدم الماضي والحاضر وأسقطهما على المستقبل.

الفكرة مختلقة والسيناريو متخيل والحوادث افتراضية، ولكنها تشكل مجموعة صور تكشف عن احتمالات قد تحصل ولا تحصل في لندن المستقبل في حال استمر التخويف على ما هو عليه الأمر الآن.

المخرج يتحدث عن لندن في العام .2015 وعن رجل مقنع قرر تدمير مؤسسات الدولة وحرقها وتفجيرها. فالمقنع يمتلك من القدرات والحيوية والنشاط ما جعله يتمتع بصفات فردية قادرة على مواجهة دولة «كلية» و«شمولية» قرر مستشارها أن يحولها إلى حصن يسيطر عليه ويدير الناس من خلال سياسات تعتمد تكتيكات «التخويف».

الفيلم ضد الخوف. فالخوف يقتل الحرية ويجرد الإنسان من قدراته العقلية القادرة على التفكير والتحليل والكشف عن الأخطاء. ولذلك قرر المقنع القضاء على مثل هكذا «دولة». فهذه الدولة دولة «خوف». والخوف ظاهرة إنسانية، لكنه حين يتحول إلى نزعة مرضية متورمة ومتضخمة يصبح مشكلة تزيد من بؤس الإنسان. فالخوف شيء والتخويف مسألة أخرى. الأول طبيعي وبشري ويمكن التعامل معه وسط انفعالات لها أسبابها البسيطة والمؤقتة. أما الثاني فهو مصطنع وقد يتحول إلى ظاهرة مرضية تستلب الإنسان وتدفعه نحو الاستسلام والتنازل عن كل مكتسباته وحقوقه من أجل حمايته من أمر مجهول وخطر غير معروف.

القصة إذاً مختلقة لكنها في جوهرها سياسية وآنية. فالمخرج أعاد إنتاج سياسات التخويف التي تعتمدها بريطانيا وأميركا وبعض أوروبا لمحاصرة المعارضة ومصادرة عقل الرأي العام من أجل تحقيق مصالح معينة لأغراض محددة.

الفيلم ينطلق من الحاضر ليحاكم عصابة (مافيا) استولت على السلطة في المستقبل. والسلطة المتخيلة تلك تلاعبت بمشاعر الناس الحقيقية (الخوف الطبيعي) واختلقت لهم مجموعة مخاطر وهمية (أمراض، أوبئة، إرهاب، خطف طائرات، تفجير قطارات، سرقات، نهب وغيرها من مسائل حتى تقضي على حرية التفكير أو البحث عن المعرفة. فالإنسان الخائف دائماً من مجهول لا يستطيع التفكير بحرية بل يتجه نحو الاستكانة وتحميل مصيره لسلطة قررت مصادرة عقل الناس واستعبادهم وقهرهم بذريعة حمايتهم من مجهول يخطط لإرهابهم.

قصة الفيلم تعتمد عناصر فنتازية ساحرة تمرر فكرة مركزية: حق الانتقام من كل طرف يريد مصادرة الحرية باسم الخوف. المقنع الذي قرر بمفرده تغيير السلطة يردد دائماً «إن الحرية ممارسة وليست مجرد فكرة». و«إن الحرية فكرة وليست مبنى». فما قيمة المبنى إذا كانت وظيفته مصادرة فكرة الحرية وزرع الخوف في قلب الإنسان؟

هذا المقنع قرر تفجير البرلمان البريطاني لأنه تحول إلى مبنى لا معنى له. ومخرج الفيلم يستخدم الماضي لتوضيح القصد من فكرته. في الماضي حاول فوكس في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 1605 حرق البرلمان وفشل. المخرج يراجع الفكرة ويرجع إليها. لماذا حاول فوكس حرق البرلمان؟ ولماذا تحولت المناسبة إلى طقس سنوي يحتفل البريطانيون ويُقدمون في كل المناطق على حرق مجسمات لفوكس؟ وأخيراً وهذا هو الهدف من التذكير بتلك المناسبة: لماذا لا تتكرر المحاولة في 5 نوفمبر من العام 2015؟

السؤال هو مجرى السيناريو الذي أسس عليه المخرج فكرته على أساس الانتقام من الخوف ورفض مصادرة الحرية بذريعة الدفاع عنها. فالحرية فكرة والموقف كلمة ومن يملك الكلمة ويتمسك بالفكرة يسقط عنه الخوف ويصبح عنده الاستعداد لمقاومة الاستبداد والتسلط.

الفيلم رائع في تصويره للمشاهد. فالمخرج تجنب الخوض في مجادلات ايديولوجية مملة. كذلك لجأ إلى الحاضر لتقريب الفكرة إلى مخيلة المشاهد. فالشريط السينمائي يتحدث عن مستقبل متخيل لكنه يستند إلى حاضر بدأ يشق طريقه إلى الاستبداد في عصر الديمقراطيات الأوروبية. والرسالة التي أراد المخرج تمريرها إلى المشاهد وسلطة بلاده هي باختصار: أوقفوا هذه المهزلة. مهزلة تجييش العداء ضد الإسلام. وتحريض الشارع ضد المسلمين أو ضد إرهابيين أو لمكافحة «أمراض» مختلقة أنتجتها مختبرات بيولوجية وكيماوية.

هذا هو حاضر الرسالة. أما مستقبلها فهو يقول: إذا استمرت دولنا (أوروبا وأميركا) في سياسة التحريض هذه ستنتهي إلى سلطات مستبدة تمارس مهنة التخويف لانتزاع حرية الإنسان وحقه في معرفة الحقيقة.

رسالة المخرج مزدوجة، فهناك جانب منها يشكك في كل تلك القصص والروايات التي تخترعها الحكومات الراهنة في حاضرنا. وهناك جانب منها يحذر من المستقبل المظلم في حال استمرت السياسات التي تمارسها الحكومات.

هذا النوع من الممارسة (القمعية) يزرع الخوف وينزع الحرية ويحول الكلمة إلى مجرد مبنى لا مانع من تفجيره أو حرقه (كما حاول فوكس قبل 400 سنة أن يفعل) إذا تحول إلى هياكل مجردة من المعنى أو الحياة.

فيلم «ض» يستحق المشاهدة نظراً إلى ذكاء المخرج وقدرته على تطويع مشكلة راهنة وإعادة دمجها بالماضي لتصوير وقائع قد تحصل في المستقبل إذا استمرت دولة الحاضر في اختراع أكاذيب وتلفيق اتهامات وتخويف الناس. فالاستبداد برأي المخرج يولد العنف ومصادرة الحرية تنتج هذا المقنع للدفاع عنها باسم العنف أيضاً. هذا الفيلم ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير. فالغرب الآن يشهد نهضة سينمائية نقدية تشكك في كل تلك الاختلاقات التي تنسجها المؤسسات عن الإسلام والمسلمين بقصد تخويف الناس من خطر يشكل ذريعة لمصادرة حريتهم ويعطي السلطة صلاحيات استثنائية لممارسة تحكمها بالقبض على المشاعر ومنع البشر من القدرة على التفكير.

فيلم «ض» هو حلقة من سلسلة يتوقع أن تشهدها استوديوهات أوروبا وأميركا في السنوات المقبلة بعد أن أخذت الكثير من خيوط «المؤامرة» تنكشف أمام النخبة التي تقرأ السطور وما بينها.

الوسط البحرينية في 3 مايو 2006

 

عن الفيلم الإيراني "رجال يعملون": مصاعب الحوار السينمائي هل تحلها الرمزية الفكاهية؟

كتب جاسم المطير: 

من الظن السهل: أن شيئا عصيا رؤية أفلام إيرانية في مهرجانات سينمائية دولية أو إقليمية لسبب بسيط هو أن العمران السينمائي قد لا ينمو في جمهورية إسلامية كإيران، غير أن هذه الفكرة قابلة للتصالح والقبول بالواقع العملي، حين يصر المخرجون الإيرانيون الشباب، داخل وطنهم أو خارجه، على اعتبار واجبهم الفني، والسينمائي بوجه خاص، هو واجب شرعي.

من هذا المنطلق ذاته يمكن رؤية العديد من الأفلام الإيرانية تعرض هنا وهناك خارج إيران، في لايبزك وبرلين وباريس ونيويورك، ومنها من يأخذ طريقه الفسيح أحيانا والصعب في أحيان أخرى، إلى المهرجانات العالمية سواء مهرجانات المسابقات أو العروض الخاصة والعامة التي يريد مقيموها التعرف على مستجدات الفن السينمائي في كل مكان.

في أواخر نيسان 2006 عرض فيلم إيراني في مهرجان 'تربيكا' في نيويورك. هذا المهرجان حدود تأثيراته الفنية والجماهيرية محدودة لكنه مهرجان يتميز سنويا بالحركة وبمنزلة عرض المواهب السينمائية الأجنبية والشبابية. ولابد من القول أن ليس بإمكان كل فيلم أن يصل إلى قاعة هذا المهرجان الذي له قواعده وشروطه.

الفيلم الإيراني الذي عرض هو من نوع الفكاهة السريعة.. يقدم فكرة بسيطة عن استحضار أمثلة إنسانية معينة في تاريخ الناس والشعوب والبلدان.

الفيلم من إخراج رجل يعيش في طهران اسمه ماني حقيقي. وهو من نوع مخرجين نشيطين يبحثون عن قصة فيلم تقدم إمتاعا للمشاهدين وقد لا يحمل الفيلم اي رسالة معينة خاصة من نوع الرسائل السياسية.

قامت فكرة الفيلم الأساسية على قصة ذات هاجس جمعي كيف يمكن ان تتكاتف الجماعة لإزالة عثرة من عثرات الطريق.. كيف يمكن رؤية تفاعل المجموعة بعضها مع البعض الآخر في إزاحة صعوبة ما من طريق بعض الناس المحدودين في عددهم ومهمتهم..؟ فجاء الفصل الأدبي الفكاهي للفيلم الذي عنوانه 'رجال يعملون' قائما على حادثة أو واقعة ذات منطق غاية في البساطة والفكاهة.

رجال عددهم أربعة، من فئة متوسطي العمر، يمارسون رياضة التزلج فوجدوا أنفسهم أمام 'صخرة' تأخذ أمامهم حيزا صعبا من مكان ما على ضفة بحيرة ليجدوا ان لاحظ لهم بالتقدم غير إزاحة الصخرة. كان من المستحيل على أي واحد منهم القيام بهذه المهمة متصورين أن بإمكانهم إزاحتها إذا اجتمعت طاقاتهم كلها بممارسة إجرائية واحدة. وهنا تبدأ فكاهة القرار والممارسة الرياضية بين الرجال الأربعة، ثم يحققون هدفهم بالانتصار على الصخرة.

هل لهذا الانتصار معنى..؟

بعض النقاد الأميركان والبعض من مشاهدي الفيلم كانوا يمنحون الانتصار على الصخرة معنى سياسيا بينما المخرج ينفي ذلك بقوله: لقد انتصرنا على الصخرة وليس غير..!

هذا الرأي هو الأقرب إلى الصواب فمن الصعب جدا أن تمر الأفكار السياسية على الرقابة الإيرانية من خلال فيلم غير سياسي، وربما يصعب مرورها على كثير من الأفلام الأخرى في معظم دول العالم الثالث.. وقد امتنع مخرج الفيلم عن الإجابة عن أسئلة بشأن 'رسالة الفيلم' من وجهة نظره.

وقال المخرج 'حقيقي' للصحافة الأميركية ان من السمات الثقافية للإيرانيين الحديث بطريق غير مباشر باستخدام لغة شعرية حمالة لأكثر من معنى. وأضاف: إن الطبيعة الغامضة للغة الفارسية كانت دائما تمتزج برغبة الفنانين في عدم التعرض للرقابة التي كانت عاملا ملازما للسينما الإيرانية منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى قبل ذلك.

حتى كقصة مباشرة يقدم الفيلم جانبا من الحياة الإيرانية يختلف كثيرا عن الصور النمطية الشائعة عن إيران التي غالبا ما نراها في وسائل الإعلام الغربية والتي تصور نساء محجبات أو أطفال فقراء أو رجال دين يدعون إلى تدمير أميركا.

أما بيتر سكارليت المدير التنفيذي للمهرجان فقد صرح للصحافة بقوله: انه اختار أفلاما عديدة تظهر الجوانب غير المتوقعة للحياة في إيران لتساعد الأميركيين على فهم أعمق للبلد الذي وصفه الرئيس الأميركي جورج بوش بأنه جزء من 'محور الشر'.

أضاف سكارليت: إن فيلم 'رجال يعملون' يقدم صورة عن الطبقة المتوسطة في إيران التي لا تقدم في معظم الأفلام الإيرانية.

هذا الفيلم الذي شاهدت بعض لقطاته كان يقف عند حدود الإمكانات الفنية الأولية لكنه بكل الأحوال يجسد محاولة فنية شجاعة للخروج عن نمط السينما الكلاسيكية التي يتوهم البعض أن الالتزام بها قد يعطي قوة للفيلم المنتج. غير أن هذا الفيلم من الناحية الأخرى كان شجاعا في الربط بين فكرة الفيلم ومحاولة الوصول إلى عقل المشاهد، بوسائل متجددة اعتمادا على الفكاهة، في بلد يصعب فيه على الفنان السينمائي أن يحصل على مشروعية الحوار بين فكرين متباينين، بين المفكر السلطوي ومقابله المفكر الشفاف المنفتح على معطيات الحياة الإنسانية الجدية.

إن الاختلاف الشامل بين الطرفين يعد مبررا كافيا للفنانين والمثقفين والأدباء التخلي عن الحوار المباشر والتوجه نحو أعمال سينمائية لا تستطيع مقارنة الشيء بالآخر ولا حتى بشبيهه، بل تعتمد على منهج الرمزية حتى في السينما الواقعية وهذا ما فعله مخرج فيلم 'رجال يعملون'.

القبس الكويتية في 16 مايو 2006

V for Venditta بين الدعوة إلى الإرهاب والدفاع عن مثليي الجنس

عرض وتحليل: عماد النويري

أصاب فيروس قاتل الكرة الأرضية، وقضى على الاميركيين وبات البريطانيون يحكمون العالم بقيادة ديكتاتور فاشي يدعى ساتلر (جون هارت).

في دولة ساتلر الدين والفن ممنوعان، ومن يتمسك بالعبادات عليه مواجهة مصير اسود يصل الى حد الإعدام، أما مثليو الجنس فمصيرهم معسكرات الاعتقال الشبيهة بمعسكرات اعتقال النازية. وكل هذه الأحداث تدور في عام 2020.

في هذه الدولة المستقبلية البوليس والشرطة والمخابرات يحكمون الناس بقبضة من حديد ويروجون للأمن وأفكار النظام عن طريق شاشات مكبرة تبث بشكل متواصل أحاديث ساتلر المتشنجة في أرجاء المدينة المزروعة بالخوف والرهبة.

فجأة، وفي ليلة مقمرة يظهر 'في'V الذي يأخذ على عاتقه محاربة الديكتاتورية. و'في' هذا رجل مقنع يتمتع بقوى خارقة، يتنقل بخفة الأشباح، ويرتدي قناعا يعود إلى شخصية تاريخية تدعى غاي فوكس، حاول في الخامس من نوفمبر 1605 تفجير مبنى البرلمان، وباتت ليلة الخامس من نوفمبر من كل عام تعرف بيوم غاي فوكس، ويقام تقليد سنوي تشعل فيه مدارس الأطفال في أنحاء البلاد نارا كبيرة لحرق مجسمات تمثل غاي.

تخطيط ومحاور

في الخامس من نوفمبر في العام 2020 وفي دكتاتورية ساتلر ينقذ 'في' فتاة شابة تدعى ايفي (نتالي بورتمان) تعمل مراسلة تلفزيونية، وجدت نفسها بعد موعد حظر التجول محاصرة من قبل مجموعة من رجال الشرطة.

بعد إنقاذها تنضم ايفي الىV الذي يقوم بدوره بتفجير قاعات محكمة اولد بيلي. تتكتم السلطات على الأسباب الحقيقية للانفجار، وتصرح بأسباب مختلفة لاتمت إلى الواقع بصلة. ويسعى V لاجبار الأعلام على التحدث عنه وعما فعله في محاولة منه للوصول الى الناس.

تتوالى الأحداث على مدى 12 شهرا حتى تأتي الليلة التي خطط لهاV حيث سيوجه ضربة قاتلة للدكتاتورية كجزء من معركته في سبيل الحرية.

الفيلم مستوحى من قصة للكاتب آلان مور نشرت عام 1982 والسيناريو للاخوة وانشوسكي الذين قدموا من قبل سلسلة أفلام 'ماتركس'. ويمكن التوقف عند بعض المحاور الأساسية في القصة والسيناريو، أولها ان الإرهاب ليس بالضرورة من صناعة الأفراد ولكن من الممكن ان يكون من صناعة الحكومات لحماية مصالحها ولوضع الشعوب في حالة خطر دائم حتى تتمسك بحكوماتها لتوفير الأمن لها. ويظهر ذلك في الفيلم من خلال تحالف ساتلر مع المستشار كريدي وضلوعهما سويا في العديد من المؤامرات، وكأن الفيلم يلقي بظلاله على ما يحدث في العالم الآن من أحداث.

والمحور الثاني هو ضرورة قيام الناس بالحفاظ على الحرية مهما كانت أشكال هذه الحرية التي تصل الى الدعوة الصريحة لحماية حرية مثليي الجنس، وقد ظهر ذلك من خلال العلاقة المفترضة بين ايفي والممثلة التي راسلتها في السجن الوهمي الذي صنعه لها V عندما اراد تحريرها من الخوف.

والمحور الثالث الذي يركز عليه السيناريو هو ضرورة الحفاظ على الفن بكل أشكاله، لأنه احدى الوسائل لارتقاء الإنسان بإنسانيته.

وكما يبدو فان الفيلم فيه الكثير من العسل، وايضا الكثير من السموم.

الإرهاب والأسطورة

القصة والسيناريو لم يوضحا بشكل واضح ومفهوم الإرهاب ومن الإرهابي، فلا يمكن اعتبار V بطلا نبيلا يعمل من اجل حرية الشعب، وهو عبارة عن مزيج من الخيال والواقعية وخليط من الحقيقة والأسطورة، وهو شبح اكثر من كونه بشرا ينتمي بجذوره الى شريحة من الناس او طبقة من المجتمع.

يفترض دائما في قيا م الثورات وجود بطل واقعي من لحم ودم يحمل آلام شعبه ويحارب ضد القهر والظلم، ولم يكن V كذلك. فإذا تجاوزنا الواقع قليلا، واعتبرناV بطلا أسطوريا خرافيا رمزيا، وللأبطال ان يكونوا كذلك في بعض الأحيان، فان هذا البطل في واقع الأمر يستخدم الأساليب نفسها التي يستخدمها ساتر ويريق الدماء في كل مكان، ويقوم بتفجير المباني، وعلى استعداد لأن يدمر المدينة بأكملها، وهو مملوء بالنوايا الشريرة وبقايا الانتقام بسبب اعتقاله وتعذيبه. على رغم رومانسيته الشديدة عندما خيل الينا انه وقع في حب ايفي.

والجرعة الثانية من السم هي دفاع القصة والسيناريو والفيلم عن مثليي الجنس وحقوقهم الشرعية في ممارسة حريتهم ورغباتهم ومن المعروف ان المجتمعات الاوروبية تحرم هذه العلاقات ولم يحسم هذا الأمر بعد في المجتمعات العربية ويدخل ضمن الأفكار التي تدعو إليها العولمة والموضوع مازال يحتاج الى الكثير من الجدل والنقاش من المنظور الأخلاقي ومن المنظور الديني أيضا. وأتمنى ألا يكون وجود الممثلة الاسرائيلية ناتالي بورتمان له دخل بهذا الموضوع!

محطات تميز ورسالة

وكما يبدو فان احدى مشكلات السيناريو هي محاولة الدخول بالمعاني البسيطة الى دائرة متشابكة ومعقدة ومحاولة خلط الخيال بالحقيقة إلى درجة التشويش على الفكرة الرئيسية ثم محاولة تقديم كل شيء في بوتقة واحدة: الخيال العلمي والاكشن والواقعية. طبعا كل ذلك مسموح في الفن لكن يبقى في النهاية قدرة الكاتب وقدرة المبدع على اقتناص المعنى في قفص الشكل، وفي الفيلم تاهت المعاني الى حد كبير.

في الفيلم 'الفن' يمكن التوقف عند محطات تميز كثيرة لعل اولها هو الاداء الراقي لنتالي بورتمان في دور ايفي وجون هرت في دور ساتلر، وستيفن راي في دور فينش، وتيم بيجوت سميث في دور كريدي، ويمكن التوقف ايضا عند التصوير والموسيقى التصويرية والمؤثرات الخاصة البصرية والسمعية والمونتاج.

وكل هذه العناصر مجتمعة تقدم لك توليفة فنية جميلة تقدم لك متعة بصرية وتجعلك مشدودا الى كرسيك طوال فترة عرض الفيلم. لكن من المهم ان يدعم الجمال الفني برسالة واضحة وصريحة من دون الدخول في متاهات التنظير ومن دون وضع السم في العسل.

القبس الكويتية في 16 مايو 2006

 

هل بدأ التطبيع سينمائيا مع اسرائيل؟

ماذا يعني عرض فيلمي 'ميونخ' وV For Vendetta للاسرائيلية بورتمان في الكويت؟

عواطف الزين 

يبدو اننا دخلنا دائرة السيطرة السينمائية الاميركية ـ الاسرائيلية من خلال عرض افلام تتحدث عن العرب من وجهة نظر اسرائيل مثل فيلم munich او افلام اخرى لنجوم اسرائيليين كما يحدث الان حيث يعرض في الكويت فيلم V For Vendetta بطولة الاسرائيلية ناتالي بورتمان.

هل يعني ان شركة السينما الكويتية رفعت الحظر الذي كان مفروضا على الافلام الاسرائيلية او التي تتحدث عن اليهود بشكل عام وكذلك عن 'النجوم' الاسرائيليين؟ ماذا يعني عرض الافلام التي تحمل افكارا اسرائيلية مسمومة مثل الفيلم الاول والدعوة الى الارهاب والتدمير وتوظيف القيم الجميلة لخدمة الارهاب ضد الدين والمجتمع وغيرها من الافكار التي تتعلق بالعلاقات الجنسية المثلية في الفيلم الثاني.

هل تنطلق شركة السينما في اختياراتها لافلامها من منظور تجاري فقط من دون النظر الى ما تحمله تلك الافلام من مواضيع لا علاقة لها ابدا بمجتمعاتنا العربية وهل يكفي ان يحقق هذا الفيلم او ذاك ارباحا كبيرة في شباك التذاكر في الخارج وفي اميركا تحديدا ليوضع على قائمة العرض عندنا؟ ثم اين دور الرقابة هنا؟ هل تكتفي بقص القبلات في هذا الفيلم اوذاك او اي حديث هامس بين مراهقين عن امور جنسية كما حدث في فيلم 'بيروت الغربية' ليمنع ولا تلتفت للمضمون التدميري وللممثلة الاسرائيلية في الفيلمين المذكورين مما يدفعنا الى طرح سؤال بريء هل بدأت شركة السينما من جانبها التطبيع مع اسرائيل؟ ورفع الحظر عن كل ما هو سينمائي اسرائيلي او يخدم 'الفكرة' الصهيونية بطريقة غير مباشرة؟

مضمون تدميري

ولتأكيد الطرح التدميري لفكرة فيلم V For Vendetta الذي تقوم ببطولته ناتالي بورتمان مع عدد من الممثلين الاخرين نقول ان الفيلم ينطلق من الرغبة في الانتقام ويعطي مشروعية للقتل لكل من يخالفنا في الرأي وفي النظرة الى الحياة عموما وفي ادق تفاصيلها فالبطل الذي يظهر امامنا فجأة بقناعه الكريه وملابسه الغريبة قريبة الشبه من ملابس 'زورو' ولكنه مختلف عنه في المضمون فهو يوزع سكاكينه على جانبي جسمه ويطرح مجموعة من الافكار التي تبدو سوية ولكنها كمن يدس السم في الدسم ظاهرها براق ومضمونها شرير فهو (اي البطل المقنع) يتبنى في رحلته الطويلة مع القتل والتدمير والانتقام، النظرية الميكافيلية 'الغاية تبرر الوسيلة' وخلال تنقلاته من مكان الى اخر يلتقي ايفي او ينقذها من الشرطة الذين وجدوا فيها ضالتهم كأنثى في لحظة منع تجول في المدينة فيقضي عليهم وتصبح ايفي بعد عمليات غسل نفسي وعقلي مؤمنة بالمقنع وبكل اطروحاته وتتبنى وجهة نظره وتصدقه وتقع في غرامه وتحاول ان تكشف وجهه الحققي لكنها تفشل في ذلك ويظل البطل الذي هو نصف حقيقة ونصف خيال مجهولا او كأنه جاء من معجزة او من اسطورة.

إرهاب مزدوج

يواجه البطل المقنع بمفرده وبقوته الخارقة حكومات وافرادا ويزرع الموت والدمار في كل مكان يصل اليه وبعد ان ينتهي من كل عملية قتل بشعة يضع وردة حمراء على جثث القتلى كأنه يوجه رسالة ما تعلن عن وجوده فيصبح مثل اللغز المحير الذي يصعب الوصول اليه وتستنفر شرطة مدينة لندن كل قوتها ولكن من دون فائدة فتزداد عمليات القتل في كل مكان في الوقت الذي يتحدث فيه المقنع عن الموسيقى والفن، ويبدو منزله مليئا بالتحف الى جانب شعار النازية وشعارات اخرى مختلفة، والملاحظ ان المقنع يرتكب جرائمه على انغام سيمفونية لشايكوفسكي، ويتحدث كثيرا عن الحرية والقيم ويذكر إيفي بما تعرض له ابواها من اعتقال وقتل ويردد مقولة ان القوة في الاتحاد والاتحاد في الايمان، كما انه يدافع عن العلاقات الجنسية المثلية وان كان هذا الجانب غير واضح في الفيلم كثيرا فقد يكون قد تعرض للقطع من قبل الرقابة.

التغيير والانتقام

السؤال الرئيسي الذي يمكن طرحه كيف يمكن لهذه الشخصية بكل مقوماتها الخارقة وبكل مقولاتها الميكافيلية ان تكون نموذجا للتغيير من خلال الارهاب الفردي ضد ارهاب الحكومات والدول؟ وهل يمتلك الفرد تلك القوى الخارقة للطبيعة ليغير؟ وهل يحتاج التغيير الى هذه الاساليب الهمجية؟ ثم هل يعني التغيير ان نقود العالم الى الدمار من اجل فكرة فردية قائمة على الانتقام؟ اعتقد ان وجود الممثلة الاسرائيلية في الفيلم يعني هذا المضمون تماما ووجودها موظف لهذه الغاية؟

أفكار جهنمية

الفيلم مزيج من الافكار الخيالية وغير المنطقية تفرض على الواقع من وجهة نظر سينمائية تجارية حيث يقدم الفيلم كل ما يرغب الجمهور بمشاهدته في افلام الاكشن وفي الوقت نفسه يحمل تلك المشاهد المبهرة افكاره المسمومة. ويبدو ان المخرج حرص كل الحرص على شباك التذاكرلذلك يبرز الجهد في جعل شخصية البطل محببة من خلال نبرات صوته الواثق والدافئ التي يمكن ان توحي بانه صاحب شخصية آسرة عالمة بالامور وتمتلك خبرة وفلسفة في الحياة لكن كل ذلك يتبدد حين ننظر الى قناعه الكريه الذي يعود الى غاي فوكس الذي يحتفظ له الناس بذكرى سيئة حيث حاول تدمير مبنى البرلمان قبل عدة قرون وتحديدا في الخامس من نوفمبر عام 1605 وقد يكون فوكس هو العائد من التاريخ للانتقام، ففي احد المشاهد نرى ايفي خائفة من المنظر المقزز ليدي المقنع فيسارع في اخفائهما بقفازين.

السيطرة الاسرائيلية

يبدو ان السينما الاميركية ليس لديها ما يشغلها الان سوى صناعة الافلام في الواقع وعلى الشاشة لتروج وتسوق الافكار الصهيونية والاسرائيلية واليهودية التي تؤمن بها وتتبناها وتفرضها على السوق العالمية كافة والعربية بشكل خاص وتحديدا في السنوات العشر الاخيرة حيث ازدادت نسبة هذه الافلام التي تتحدث عن اسرائيل واليهود عموما وتطرح افكارهم الشيطانية ورؤاهم القائمة على انهم شعب الله المختار وما يحق لهم لايحق لغيرهم، فكما هو معروف ان اكبر شركات الانتاج الاميركية اصحابها من اليهود الذين يفرضون سيطرتهم على نوعية الافلام التي تنتج وبالتالي على سوق الافلام عموما علما بان هذا الامر لم يكن قائما بالصورة التي هي عليها الان في السبعينات او الثمانينات وحتى التسعينات، وهي الفترة التي كانت لاتزال فيها اسرائيل تحت سيطرة اميركا (نسبيا) تسمع كلمتها ولا تعاندها كثيرا او تتمرد على اوامرها ونتج من هذا الوضع العديد من الافلام التي تطرح 'قضايا' اسرائيل ولكن باساليب مختلفة تتراوح بين الرمز والمباشرة في الوقت الذي كانت فيه السوق العربية 'تحرم' دخول الافلام او النجوم الموضوعين على اللائحة السوداء، وكان مجرد التعامل مع فيلم ما او نجم ما من اليهود او انصارهم يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، وتدخل ضمن الخيانات العظمى وليس كما يحدث الان حيث انقلبت المقاييس واصبحت اميركا تابعة لاسرائيل تجرجرها وراءها الى موقف لا تحسد عليه، وتتحكم في اختيار رئيسها وايضا في اقتصادها واعلامها وتفاصيل اخرى كثيرة يصعب حصرها وبالتالي اصبح معظم العرب اصدقاء مخلصين لاميركا واسرائيل واختفت على ما يبدو اللائحة السوداء وحلت مكانها لائحة بيضاء مضيئة بنجوم وافلام ومخرجين اسرائيليين ويهود او اميركيين من اصل يهودي مثل المخرج الشهير ستيفن سبيلبيرغ الذي استطاع الحصول على اوسكار احسن فيلم في فيلمه 'قائمة شندلر' وهو يتناول القصة المزعومة للمحرقة النازية ضد اليهود، وبعد ذلك بعد سنوات قدم لنا فيلم 'ميونخ' الذي يتبنى من خلاله وجهة النظر الاسرائيلية تجاه 'الارهابيين' الفلسطينيين بعد ان اقتصرت اللائحة السوداء العربية على 'الارهابيين' العرب او الذين يفترض انهم كذلك بعد ان رفعنا الاسرائيليين الى مرتبة الاصدقاء حتى لا اقول الاشقاء.

في انتظار معجزة

هذا الوضع المأساوي الذي نمر فيه الان يؤكد ان لا حول لنا ولا قوة تجاه ما يحدث وما علينا سوى انتظار معجزة من السماء تخلصنا مما نتخبط فيه منذ عشرات السنين على الا تكون المعجزة شبيهة بما يحدث في فيلم V For Vendetta. يبقى ان نشير إلى ان البطل المقنع قال في احد حواراته ردا على سؤال من ايفي كيف انه تلقى مئات الرصاصات لكنه لم يمت فقال انه فكرة وليس انسانا والفكرة لا تموت علما بأن الفكرة ماتت في نهاية الفيلم ووضع على جثة المقنع في معركته الاخيرة الخاسرة الورود الحمراء لتكمل ايفي مسيرة القطار الذي هيأه لها المقنع وطلب منها ان تطلقه في الوقت المناسب. تناقض غريب وخلطة سرية وغيرمنطقية يحفل بها هذا الفيلم كغيره من الافلام المعادية.

القبس الكويتية في 25 مايو 2006

 

سينماتك

 

النشوة والرعب معا فى فيلم -الثأر

نهاية أمريكا عام 2030 وصعود الفاشية فى بريطانيا

نقد سينمائي: أحمد يوسف

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك