حصار اقتصادي، أزمات اجتماعية ومضايقات سياسية، وضع لا يحسد عليه المجتمع الفلسطيني الذي يعاني عدة مشاكل أرهقته وما زالت حتى أصبحت الانفجارات والمدافع الاسرائيلية و العمليات الانتحارية مشاهد يومية في حياة الشعب العربي الفلسطيني المناضل من أجل الحرية والاستقلال.

كل مواطن ينتمي إلى هذه الأرض يناضل بالأسلوب الذي يراه ناجعا للانفلات من قبضة المحتل وتعنته، من بين الأساليب التي يحاربون بها سلاح الحضارة الذي لا توقفه بنادق الجنود وهو السينما، فالسينما الفلسطينية أخذت على عاتقها مسؤولية تعرية الوضع السائد حتى تصبح القضية الفلسطينية في قلب الحدث، وموضوعا رئيسيا يصدره السينمائيون من أبناء البلد داخل أو خارج الحدود عبر المهرجانات الدولية.

والعديد من الفنانين الفلسطينيين يعملون في هذا الاتجاه وضمنهم المنتج والمخرج عبد السلام شحادة الذي يدير وكالة رامتان للأنباء التي تسعى إلى توفير أفلام وثائقية وتعليمية وبرامج تلفزيونية، أعمال تطرح قضايا تهم القاعدة الشعبية في الداخل وتعالج مواضيع لها علاقة بكل الروافد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

عن كل هذه الجوانب الحياتية تحدثنا مع عبد السلام شحادة :

٭ هل جاءت مؤسسة رامتان لدعم مشاريع السمعي ـ البصري في المنطقة وهل تساهم في عملية تراكم الأفلام الفلسطينية بهدف تكوين رصيد محلي؟

ـ بدأت رامتان كفكرة فلسطينية لها بعدها العربي والقومي في تكريس معاني الحقوق الفلسطينية التي تم تشويهها من قبل الاحتلال على مدار سنوات طويلة ولكي تكون العين الصادقة في رصد تفاصيل الحياة اليومية تحت جبروت الاحتلال، ولتساهم في خلق وعي جديد لمعاني الصورة من خلال عيون فلسطينية تعيش نفس الهم والوجع اليومي، فهي من الناس وبينهم، وقد نجحت رامتان في إنتاج العديد من الأفلام التي حازت إعجاب الكثيرين محليا وعربيا ودوليا.

٭ من هم المبدعون الذين يستفيدون من امكانيات الوكالة وهل الهدف منها هو التخفيف من أزمة الإنتاج؟

ـ تفتح رامتان أبوابها لجميع المبدعين الذين يحملون الوعي والفكرة في تنفيذ مشاريعهم المتعددة من اجل توفير الامكانيات السمعية والبصرية من كاميرات واجهزة مونتاج تليق بالتطور التكنولوجي بهذا المجال.

٭ كل الأفلام التي تحمل امضاءك كمخرج لها طابع اجتماعي بالدرجة الأولى ، مواضيع عن المرأة ، عن عمالة الأطفال، هدم البيوت الفلسطينية فهل نصنفها بالأفلام الواقعية باعتبارها مستمدة من الحياة اليومية للشعب الفلسطيني؟

ـ نعم نستطيع أن نسمي معظم الأفلام التي قمت باخراجها هي مواضيع اجتماعية لها بعد سياسي وتبين ان المشاكل الاجتماعية الموجودة في المجتمع التي إما ظهرت او تفشت بسبب وجود الاحتلال أو المشاكل التي نشأت في المجتمع بسبب عدم الوعي الكامل في التعامل مع تلك القضايا.

٭ ماذا يمكن أن يضيف الفيلم الوثائقي للسينما الفلسطينية و هل وظف في الاتجاه الإيجابي لخدمة القضية أم هو مجرد عمل لتوثيق أحداث معينة في السجل العام للتاريخ الفلسطيني؟

ـ أعتقد أن الفيلم الوثائقي الفلسطيني وضع نفسه بتواضع في دائرة الضوء واستطاع جذب الكثير من المهتمين بالقضية الفلسطينية، وأعتقد أنه نجح في توثيق المعاناة الفلسطينية، والظلم الواقع عليهم كبشر من الاحتلال الذي تدخل بشكل استفزازي بجميع نواحي الحياة .

كذلك استطاع الفيلم الفلسطيني أن يوثق الأحداث الجارية للتاريخ، حيث الأحداث متسارعة وكان النسيان من أهداف الاحتلال وتغيير وتشويه الهوية، فأصبح الفيلم الفلسطيني بواقعيته يعتبر وثيقة ومرجعا للأحداث وتواريخ مهمة لنؤكد على مدى الظلم وغياب العدالة.

٭ أصبحت السينما الفلسطينية حاضرة في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية فماذا تضيفه هذه اللقاءات لدعم القضية سياسيا؟

ـ مشاركة السينما الفلسطينية في العديد من المهرجانات هو ايجابي لحد كبير، حيث استطاعت السينما الفلسطينية أن تفعل مالم يستطع فعله السياسيون، وأصبح أداة تربية وتعليم وتثقيف وتعريف بكل نواحي الحياة الفلسطينية، ففي معظم المهرجانات العربية والدولية يشارك الفيلم الفلسطيني وينجح في بعض الأحيان.

وأعتقد أن صورة الفلسطيني تغيرت بشكل إيجابي إلى حد كبير في عقول وعيون المشاهد الأجنبي وأصبح هناك عطش لمعرفة تفاصيل الفلسطينيين، حيث جرى تشويه هذه المعرفة لعقود سابقة بشكل مدروس ومنظم من قبل اللوبي الصهيوني، ولكن الصورة الفلسطينية انتصرت على البندقية والمدفع والاباتشي والاف 19 التي كانت ومازالت أدوات إرهاب للفلسطينيين.

٭ ما هي الرسالة التي تريد أن توصلها للمشاهد عبر شريط "قوس قزح"و"ردم"؟

ـ الرسائل التي أحاول التعبير عنها وايصالها للمشاهد هي قضيتي كلاجيء فلسطيني عاش النكبة والتشرد من خلال قصص الوالد والوالدة والرجوع بالذاكرة للمشاهد للفترات السابقة حتى لا تضيع الاحداث وحتى لا نصل إلى ما يريده الآخرون بالمنطق الجديد وهي (الواقع الجديد)هذا الواقع الجديد الذي بني بظلم علي حساب شعب أعزل له ثقافته وتربيته وعراقته بين الأمم، ومن أن نذكر ونمزج الماضي مع الحاضر واستمرارية الاحتلال غير الشرعي.

٭ الحقيقة أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي قضية عربية، وهم عربي موحد استطاعت السينما العربية أن تلامس عمقها فماذا قدمت في هذا الشأن؟

ـ بصراحة ورغم قلة الإنتاج بخصوص القضايا العربية والفلسطينية بالتحديد الا ان السينما استطاعت ان تغير وبتواضع الكثير من المفاهيم التي رسختها الصهيونية العالمية، والتي انتهت من زمن إلى الفن السابع، وأنتجت العديد من الأفلام التي استطاعت أن تثقل وتعطي الاحتلال شرعية، والتقدم البطيء للأفلام العربية والفلسطينية له أثره في وضع طوبة فوق طوبة لنصل قريبا إلى واقع جديد تستطيع فيه السينما أن تكون أداة تغيير للأفضل ولحياة عربية زخرت بكل ألوان الفنون من رسم ونقش وهندسة راقية في العمارة وخطوط ما زالت تزخر بها متاحف العالم.

٭ أين السينمائي عبد السلام شحادة من الفيلم الروائي الطويل؟

ـ عبد السلام شحادة ليس بعيدا عن الفيلم الروائي إن كان بالفكرة أو بكتابة السيناريو، وأنا الآن أقوم بكتابة سيناريو لفيلم روائي طويل أتمنى إنجازه خلال السنتين المقبلتين، ولكن ومازلت، دعيني اقول وأعترف أنني أقرب إلى الفيلم الوثائقي كثيرا، وأن الواقع هو فانتازيا عالية لا يستطيع اي فيلم روائي التعبير عن تلك الحالة، فعلى سبيل المثال من أنا وهل عندي القدرة كمخرج لأعبر عن مشاعر أم استشهد ابنها وهو يلعب أمام البيت أو ابن فقد أمه وهي تعد له الطعام.

ولكن هذا لا يعني أن الفيلم الروائي هو حاجة ماسة وأداة تعبيرية ولغة عالمية تلامس كل الأحاسيس وتخلق نوعا من اللغة التي يفهمها الجميع بتعدد ثقافتهم ولغاتهم .

٭ هل اهتمامك بالفيلم الوثائقي نابع من كونه أكثر مصداقية في نقل الأحداث وأسلوب فني يعتمد على وقائع حية؟

ـ اهتمامي بالفيلم الوثائقي وهو نابع من مسؤوليتي كفلسطيني ومخرج لكي أرصد الاحتلال وأوثق إجرامه حتى لا تضيع الحقيقة كما ضاعت واحتلت الأرض، وإصرار الاحتلال على خلق واقع جديد للأجيال الجديدة، ولكن أعتقد أن علينا دائما الرجوع بالذاكرة إلى الخلف لتكريس معاني العدالة مرة أخرى.

الصحراء المغربية في 7 مايو 2006

 

ضوء ... دروس في السينما  

عدنان مدانات

يتوزع عالم الإنتاج الأدبي والفني على فئتين بشكل عام: فئة من ينتجون الأدب والفن وفئة النقاد والباحثين. النقاد والباحثون  عموما  يكتبون عن الأدب والفن من خارج سيرورة إنتاجه أو إبداعه، أي أنهم يبحثون في المنتج الجاهز ويحللونه من وجهة نظرهم. يحيط النقاد والباحثون بالإبداع من خلال نظرة شمولية تحلل وتعيد تركيب مختلف التجارب، مع ذلك تبقى ثمة أهمية كبرى لما يكتبه المبدعون عن تجاربهم.

هناك بالمقابل، بعض المنتجين الإبداعيين ممن لا يتوانون عن تقديم خبراتهم العملية في إطار نظري، أي أنهم يقومون بتحليلها، فيكملون بذلك عمل النقاد والباحثين ويعوضون نواحي النقص في ممارسة النقاد إذ يكشفون اللعبة من داخلها، أي يكشفون أسرار مختبرهم الإبداعي. لكن ما يكتبه المنتجون المبدعون، كل عن مجال اختصاصه، قد يشوش القارئ أحيانا  نتيجة اختلاف الخبرة التي اكتسبها كلّ صانع أفلام وتفاوت القدرة على استيعابها نظرياً، وبالتالي، تفاوت عمق وصحة الاستنتاجات.

تحتاج دراسة وتعلم أصول السينما خاصة إلى الاطلاع على ما يكتبه صانعو الأفلام عن فنهم، على اختلاف الوظائف التي يؤدونها في الفيلم، وذلك بسبب تعدد وتعقيد التقنيات المستخدمة فيها.

وهذا ما نجده في كتاب “دروس في السينما” الصادر حديثاً عن منشورات مسابقة أفلام الإمارات لعام ،2006 ترجمة ناديا عمر صبري، الذي يعلّم ويشوش في آن، يعلّم لأنه يقدم خبرات مهمة في مجال صناعة الأفلام، ويشوش لأن هذه الخبرات تنتمي إلى عصر حاضر لكنه سيصبح من الماضي بالنسبة للجيل الجديد.

يضم الكتاب  بين طياته  مجموعة مقالات كتبها مديرو تصوير ومخرجون من أوروبا وأمريكا من ذوي الخبرة الكبيرة وكلّ منهم يلقي الضوء على تجربته الخاصة في مجال مهنته الخاصة وتفاعلاتها مع باقي جوانب عملية صناعة الفيلم السينمائي.

غالبية المشاركين في هذا الكتاب هم من مديري التصوير السينمائيين. وهم يقدمون خبراتهم ويحللون تجاربهم ويقدمون معارف ومعلومات وافية شديدة الدقة عن تقنياتهم وإبداعاتهم من خلال الكاميرا السينمائية، وتحديداً من مقاس 35 ملم.

نعرف من خلال شهادات مديري التصوير كم هو كبير الجهد الذي يقومون به من أجل الحصول على صور معبرة وكاملة تقنياً، وهو جهد يرتبط بدراسة العدسات ومرشحات الضوء وحساسيات الأشرطة الخاصة وأنواع الإضاءة وطرق التحميض وتصحيح الألوان، حيث يحتاج كل فيلم جديد إلى خبرات جديدة وجهود جديدة بسبب اختلاف مواضيع الأفلام وتوجهاتها واختلاف أساليب وطرق عمل المخرجين ورؤاهم الإبداعية.

غير أن مشكلة هذه الشهادات  على ما تتضمنها من معارف مهمة ودروس لا يمكن نكران فائدتها الجمة لمن يريد أن يصنع أفلاما جيدة  تكمن في أن أصحابها يقدمون معلومات عن تقنية تصوير سينمائية قامت عليها نهضة صناعة السينما في العالم وسحرت الملايين من المشاهدين عبر عشرات السنين، ولكنها تقنية باتت الآن معرضة للفناء بسبب التطورات الحاصلة في مجال تصوير الأفلام بواسطة الكاميرا الرقمية التي ستلغي  في زمن لاحق  الكاميرا السينمائية التقليدية وخبراتها التقنية.

لا يحتاج مستخدمو التقنيات الرقمية إلى المعاناة ومكابدة مشقات التعامل مع كثير من الجوانب التقنية التي يتعامل معها سينمائيو الكاميرا التقليدية، مع أنهم بحاجة لأن يتعلموا من أسلافهم الدرس الأهم وهو التعامل مع عملهم بكل جدية وإخلاص.

يجيء تقديم هذا الكتاب في ترجمته العربية إلى القراء العرب المهتمين في وقت يزداد فيه عدد السينمائيين المحترفين الذين بدأوا يتخلون عن تقنيات السينما التقليدية ليذكرهم بأن لفن السينما أصولاً وأن للإبداع استحقاقاته ومن أهمها الاهتمام بعناصر تكوين الصورة وجعل التقنيات الجديدة تتعامل مع الصورة بذات الجودة التي كانت عليها عندما كانت نتيجة الكاميرا التقليدية.

كما يفيد هذا الكتاب الهواة غير المحترفين أبناء عصر التقنيات الرقمية، ممن لا يتمتعون بثقافة سينمائية، والذين صاروا يستسهلون عملية صناعة الأفلام بواسطة التقنيات الرقمية ويمارس معظمهم مفردين جل المهام الخاصة بعملية إنتاج الفيلم، يكتبون ويصورون ويخرجون ويؤلفون وينتجون أفلاماً قصيرة في معظمها، وهم يفعلون ذلك بسرعة وسهولة مستفيدين من التسهيلات الرقمية التي تتيح لكل هاوٍ أن يحمل الكاميرا ليصور فتقوم الكاميرا وحدها بالتعامل مع عناصر الضوء والبعد البؤري، ولا يبالي معظمهم بالتكامل الفني للعناصر التي يتضمنها الفيلم، لا يعانون في البحث عن الإضاءة المناسبة، أو العدسة الملائمة لكل لقطة، يتجاهلون أصول المونتاج ويمارسون ألعاب المؤثرات الجاهزة في برامج المونتاج الرقمية، يخرقون القواعد بحجة التجريب والحداثة، وهم في النتيجة يعلنون عن أنفسهم كجيل جديد لسينمائيين مستقلين.

على الرغم من تفاوت الاستنتاجات التي يقدمها المشاركون في هذا الكتاب، إلا أنه يمكن العثور على قاسم مشترك بينها يرتبط بالموقف من علاقتهم بالسينما عموما ومجال اختصاص كل واحد منهم خصوصا، وهو موقف يتسم بالجدية الكاملة والإخلاص المهني والطموح الإبداعي والقدرة على المكابدة وتحمل المعاناة في سبيل الوصول إلى النتيجة المرضية.

وأخيراً: ونظرا لصعوبة تقديم ما يتضمنه الكتاب من أفكار متنوعة ومتعددة نكتفي هنا بإيراد مقتطفات من بعض الشهادات الواردة في الكتاب تعكس القواسم المشتركة العامة فيما بينهم فيما يخص الموقف من فن صناعة الأفلام، وهنا نماذج منها:

“علمني هؤلاء الأساتذة دراسة الضوء فأصبح ذلك عادة دائمة. حلّلت كيف يسقط الضوء أينما ذهبت، في الغرف والحافلات والقطارات، راقبت الحيل البارعة التي يقوم بها الضوء وكيف تشكل الإضاءة وجوه الناس بطرق شتى”.

“إذا سأل شخص: ما رأيك في التصوير؟” وكانت الإجابة “لا أعرف فلم ألاحظها”، عندها أشعر بأني نجحت. يزعجني الشعور بحركة الكاميرا مثل مجنون يعمل يائسا لجلب انتباه المشاهد.

“أقول لكل راغب في العمل كمدير تصوير أن يتعلم القوانين قبل أن يحاول تطويعها وكسرها. المفزع في من يدعي الفن اليوم أن لا أحد يتعلم الرسم”.

“في رأيي من الأفضل لفيلم أن يكون أخرق لكن مخلصا على أن يكون ممتازاً تقنياً ولكن خاوٍ”.

“كل المخرجين المبتدئين يكتبون أفلامهم بأنفسهم، وعندما أشاهد أفلامهم يتولد لدي انطباع بأنني أرى أخطاء إملائية على الشاشة”.

“إن الإخراج بالنسبة لأغلبية محبي السينما المزيفين يختصر في تحريك الكاميرا في كل الاتجاهات بأكبر قدر ممكن”.

وأخيراً، كتاب “دروس في السينما” هو الجزء الثاني من كتاب أسبق. وهو يحمل الرقم 25 من سلسلة “كراسات السينما” الصادرة عن مسابقة أفلام الإمارات.

الخليج الإماراتية في 8 مايو 2006

يرجع تاريخها إلى عصر السينما الصامتة

أفلام أمريكية تسخر من جورج بوش

محمد رضا 

المشهد الشهير من فيلم مايكل مور التسجيلي الذي عرف نجاحاً كبيراً وصيتاً أكبر “فهرنهايت 11/9” والذي صوّره مصوّر المراسم في البيت الأبيض للرئيس جورج بوش وهو جالس على كرسي عادي يستمع الى أطفال الصف في زيارة مرتّبة. المناسبة كانت دعائية ما يفسّر سبب وجود الكاميرا مُسلّطة على الرئيس الذي حمل كتاب أطفال يتابع فيه القصة المروية او المنشودة. فجأة يدخل عليه معاون ويهمس في أذنه.

طبعاً مصوّر البيت الأبيض لم يعرف ما الذي يدور ولم يجد داعياً لقطع التصوير. إذ انصرف المعاون بدا على الرئيس السهو بعيداً عما يدور. ضاقت حدقة عيناه قليلاً وشفتاه أطبقتا ثم إتسعتا بمقدار أنملة. لكن الرئيس لم يشأ مغادرة مكتبه. سبع دقائق تقريباً بعد أن همس المعاون في أذنه والرئيس يتظاهر بأن كل شيء على ما يرام.

ما همس به المعاون هو أن أمريكا تحت الهجوم. طائرتان ضربتا ناطحتي مبنى التجارة العالمي وأخرى هوت في البنتاجون. وحصل مايكل مور على المادة الوثائقية واستخدمها ليقول إن الرئيس لم يستوعب ما كان يحدث. لم يتحرّك سريعاً أو يتصرّف كما على رئيس دولة يصله خبر مفجع كهذا أن يتصرّف الفيلم الجديد “فيلم مخيف 4” يستخدم مشهداً منقولاً عن تلك الوثيقة. لسلي نيلسون، الممثل الكوميدي الذي لعب عدّة أفلام شارك في إخراجها ديفيد زوكر، مخرج هذا الفيلم، يؤدي شخصية الرئيس الذي كان يحضر ساعة مدرسية حين يأتيه خبر هجوم إرهابي. على نحو كاريكاتوري مباشر يتصرّف الرئيس في ذلك الفيلم بما يُفيد رأي الفيلم بتصرّف الرئيس بوش: غياب تام عن تقدير الموقف يصل الى حد البلاهة.

الرئيس صغير وكبير

ثلاثة أفلام أمريكية معروضة حالياً حول العالم وكل واحد منها يقدّم تعليقه على الرئيس الأمريكي. اثنان منها على الرئيس الأمريكي جورج بوش. الثالث على رئيس أمريكي غير محدّد، لكن ما يحدث معه يشكّل -على أي حال- نظرة الفيلم الى ما يمكن أن يقع ولو إفتراضاً.

وجانب الفيلم الساخر “فيلم مخيف 4” هناك “الحارس” الجاد (أكثر من اللزوم ربما) وهذا من إخراج كلارك جونسون والفيلم الساخر أيضاً “أحلام أمريكية” للمخرج بول وايتز. الرئيس في “فيلم مخيف 4” موجود في مشاهد محدودة، وفي “الحارس” هو لب الموضوع لكن مشاهده أيضاً محدودة، أما في “أحلام أمريكية” فهو نصف الحدث ونصف الظهور تقريباً. وهو أكثر هذه الأفلام مدعاة للحديث عن وجهة سياسية مرتبطة بموضوعه وبالصورة التي يقدّمها للرئيس.طبعاً أفلام الرئاسة تعود الى عهد السينما الصامتة. “مولد أمّة” (لدافيد وورك غريفيث- 1924) حوى مشاهد للرئيس إبراهام لينكولن (مثّله جوزف هينابيري) وهو يوصي بتحرير العبيد. فيلم صاغه الفيلم على أساس أنه تسبب في المآسي التي وقعت خلال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. من وجهة نظر الفيلم، قرار الرئيس أدّى الى تحرير عبيد سود كان الأجدر بهم البقاء تحت السيادة البيضاء. السود في ذلك الفيلم أشرار ومهووسو سلطة مملوئين حقداً وكرهاً ويشكّلون خطراً وتهديداً للحياة البيضاء النظيفة والمتشرّبة بثقافة وتراث وتقاليد عريقة.

الرئيس في كل فيلم أمريكي تناوله خيالاً او عن واقع جاء نتيجة رأي الفيلم به وبمرحلته. وحين لم يكن الفيلم يرغب في التعليق، كما الحال في فيلم كلارك جونسون الجديد “الحارس” فإن ما يطرحه هو الذي يشكّل الموقف.

“الحارس” فيلم تشويقي حول واحد من  رجال الأمن الخاص بالبيت الأبيض اسمه بيت جاريسون (كما يؤديه مايكل دوجلاس). في مشهد مأخوذ بدوره عن وثيقة تصوّر محاولة الإعتداء على حياة الرئيس الأسبق رونالد ريجان، نرى حارس الأمن الذي تصدّى للرصاصة التي كادت تصيب الرئيس. ذلك الحارس هو من يبني عليه الفيلم شخصية الحارس بذلك ينتقل من الواقع الى الخيال على نحو ما كان المخرج وولفجانج بيترسون أنجزه، ببراعة كلّية أفضل، حين أخرج “في خط النار” (من بطولة كلينت ايستوود في دور الحارس).

في الفيلم الجديد هناك مؤامرة لقتل الرئيس وكل ما يعرفه الأمن ومخابراته (متمثّلة بشخصية يؤديها كيفر سذرلاند) هو أن هناك عميلاً داخل البيت الأبيض يتعاون مع إرهابيين غير معروفي الإنتماء. سريعاً ما تحوم الشكوك حول بيت لأن هذا يتصرّف على نحو مريب. السبب في أنه يتصرّف هكذا، يعود الى أن بيت إستلم صوراً ملتقطة سرّاً تظهره وهو يقبّل إمرأة في البيت الأبيض. المرأة (كيم بايسنجر) هي زوجة الرئيس الأمريكي. هذا ما يضع الرئيس في صورة المخدوع عاطفياً. فالعلاقة بين بيت وزوجة الرئيس ليست في مستهلها وليست وقفاً على القبلة، بل هناك علاقة عاطفية وطيدة. بيت لا يعرف كيف يتصرّف، لكنه يعرف كيف يهرب حين يصدر أمر بإلقاء القبض عليه. باقي الفيلم هو مطاردة، ثم كشف للحقيقة ومن بعد، قيام بطلا الفيلم، دوجلاس وسذرلاند، بالتعاون لحماية الرئيس الأمريكي من خطّة الإغتيال التي أعدّت لقتله في تورنتو.

الرئيس وستديو النجوم

في هذا الفيلم المتجهّم، كحالة بطله، تغيب السياسة وتحل الإثارة. والحقيقة إن الفيلم مُنفّذ جيّداً. هناك تشويق فاعل يلبّي حاجة الجمهور. لكن ذلك على حساب كل ما له علاقة بالواقع او الحقيقة. والسياسة هي جانب من هذا الواقع. الفيلم يذكر، على سبيل المثال، فلسطين و”إسرائيل” لكن بكلمتين. يذكر القاعدة بكلمة. الإرهابيون ليسوا عرباً وليسوا غير عرب... المؤامرة ستقع من دون معرفة لصالح من. الرئيس شخص ضعيف بلا حماية. شخصية طيّبة يقصد الخير، لكن الصفة الغالبة هي أنه مخدوع كأي زوج تخدعه زوجته.

في “أحلام أمريكية” لبول وايتز النظرة الملقاة على الرئيس أكثر قسوة. إنه في مكان متوسط ما بين المثير للشفقة والأبله الذي لا يعرف كيف يدير نفسه والبلاد. دنيس كوايد يؤدي الدور وأول مشهد له في الفيلم يكشف عن الكثير. حيث قرر بعد نجاحه في الانتخابات وتسلّمه المنصب لأربع سنوات أخرى، الاستغناء عن التلخيص الرسمي الذي يتم نقله اليه رسمياً وإلغاء المؤتمرات الصحافية والبقاء في السرير ليفعل شيئا واحداً: القراءة. نائبه (ويليم دافو) يحاول ثنيه عن ذلك وإعادته الى حظيرة العادة المتّبعة، لكن الرئيس يريد أن يعرف الحقيقة ويريد معرفتها من الكتب ومن الصحف اليومية.

حين يضطر للاستسلام لنائبه ووصاياه يبدو مضطرباً بين ما يُقال له وبين ما بات يسمعه. بين الرأي الممنوح إليه وبين الرأي الذي بدأ يكوّنه عن الناس وعن أمريكا وعن السياسة الدولية.

في مكان آخر هناك ذلك العربي عمر(سام كولزاري) الذي نتعرّف إليه في مكان ما من باكستان يتدرّب على مهام قتالية. قلب عمر ليس في السياسة ولا في الإرهاب بل في الموسيقا والغناء، وحين يثبت فشله فيما يفعله هناك يتم الإستغناء عنه وإرساله الى بعض أقربائه في أمريكا. هناك يعلق ببرنامج شبيه ب “ستديو النجوم” او”ستار أكاديمي”. يريد أن يصبح نجماً ويحقق هذا الحلم الأمريكي. والحظ معه، سريعاً ما يجد نفسه أحد المرشّحين للمسابقة جنباً الى جنب بطلة الفيلم (ماندي مور) ومتديّن يهودي.

الفكرة بعد ذلك هي جلب الرئيس الأمريكي ليكون أحد الحكّام. في باكستان يدرك الإرهابيون أن هذه هي الفرصة الرائعة لإعادة توظيف عمر لكي يفجّر نفسه والرئيس في الإستديو.

الأحداث كثيرة ومتشعبة بتشعّب شخصياتها، لكن عمر ينجح من حلقة الى أخرى متغلّباً على منافسه اليهودي. اللحظة الحاسمة تصل. عليه أن يرتدي الحزام الناسف ويفجّر نفسه والرئيس عند مصافحته. لكن عمر لا يستطيع أن يفعل ذلك. هذا ليس ما يريده. عمر يهرع الى الحمّام ويرمي الحزام الناسف وينشد أغنية يصفّق لها الرئيس تعلن حبه لإختياراته وللسلام وللحياة (أغنية فرانك سيناترا I did it my way)

الإنفجار يقع لكن العربي بريء منه، الرئيس لا يُصاب. الإرهابي العاشق اكتشف خيانة المغنية (ماندي مور) مع منتج البرنامج (هيو جرانت) ويكتشف وجود الحزام الناسف. يرتديه ويفجر نفسه والمنتج.

 عمر يبرهن على حبه لأمريكا مانحة الفرص ومحققة الأحلام (رغم إنه لا يحقق المركز الأول لأن البرنامج انتهى قبل النتيجة النهائية)، لكنه على الأقل تغلّب على اليهودي وربح قلوب الأمريكيين.

بهذه النهاية يحيط الفيلم رؤيته الشاملة للحالة السياسية الراهنة. الرئيس الذي يقدّمه الفيلم اسمه ستاتون، لكن دنيس كويد يؤديه قريب الشبه والحركة من الرئيس بوش. ويليام دافو قريب الشبه والموقف من ديك تشيني. المفاد هو أن الرئيس الحالي لا يعرف شيئاً عن العالم وواقع تحت سطوة ديك تشيني ... شرير الفيلم الحقيقي.

الخليج الإماراتية في 7 مايو 2006

 

المفكرة ... كارييه يتحدث عن بونويل

مؤخراً شاهدت فيلم المخرج الأسباني لوي بونويل المحتفى به “حسناء النهار” بطولة كاثرين دينوف حين كانت صبيّة في عز جمالها قبل 39 سنة. أما الآن فقد شاخت وكذلك الفيلم. ليس من حيث الحس الجمالي أو أسلوب عمل بونويل، بل فيما يثيره من قضية: المرأة البرجوازية التي ملّت حياة الإحباط العاطفي وفانتازيا تخيّل نفسها بين أحضان رجال آخرين فتقدم على العمل عند “مدام” لديها “عاملتان” أخريان والكثير من الزبائن. مسعى بطلة الفيلم ليس التحوّل الى امرأة سيئة، بل العيش في جو آخر. مسعى المخرج هو تصوير انحلال الطبقة من خلالها.

وكاتب سيناريو هذا الفيلم هو جان-كلود كارييه الذي حضر مهرجان سان فرانسيسكو الذي منحه جائزة خاصة عن أعماله. في ندوة أقيمت تحدّث كارييه عن كيف كان يعمل مع لوي بونويل، إذ كتبا معاً عدة أعمال مشتركة:

“حين تكون في الخامسة والثلاثين او في الأربعين من العمر وتعمل مع بونويل، تجد نفسك في سجن. لا نساء ولا أصدقاء ولا زوجات.. العمل يستمر لخمسة او ستة او سبعة أسابيع في كل مرة”. طبعاً لم يستوجب ذلك أي تعاطف، بل ربما حسده الحاضرون كون بونويل واحداً من أكثر المخرجين مدعاة للاحترام حتى اليوم.

لكن كاتب السيناريو الفرنسي كارييه لا يقل عنه أهمية في مجاله. فهو واحد من أمهر الكتّاب وأشهرهم الى اليوم. بجانب بونويل صوّر الياباني ناجيزا أوشيما والألماني فولكر والفرنسي جان-لوك جودار والأمريكي (التشيكي الأصل) ميلوش فورمان أفلاماً عن سيناريوهاته. وآخر المنضمّين الى قائمة المخرجين الذين تعاملوا معه هو المخرج السعودي عبد الله المحيسن الذي أنجز الآن فيلمه الروائي الطويل الأول “ظلال الصمت”. ليس عن سيناريو كتبه كارييه، بل عن سيناريو كتبه هذا الناقد قبله ثم أعطاه المخرج لكارييه ليقرأه ويبدي رأيه فيه. بعد ذلك طلب منه أن يكتب نسخة جديدة وبسؤال المخرج أي نسخة صوّر قال: “تمّت كتابة نسخ كثيرة لأصل الى الفيلم المطلوب. أنت تعرف كم أنا دقيق جداً في العمل وأردت الوصول بالسيناريو الى تجسيد الفكرة كاملة”.

العديد من كتّاب السيناريو اليوم يقدمون على العمل بخلفية لا تتجاوز دراسة سريعة ومشاهدة بضعة أفلام في السنة. عندنا في العالم العربي هناك من لا يكف عن الكتابة لأنه يبيع معظم ما يكتبه ومن لا يكف عن الكتابة لأنه لا يبيع مطلقاً ويريد أن يدخل الحلقة بأي ثمن. أعرف كاتباً لامعاً اليوم لا يكف عن الكتابة لأنه يبيع معظم ما يكتبه. لكن تعال راجع ما يكتبه تجده مستنسخاً عن أفلام أجنبية ما يعني أن السبب الوحيد الذي من أجله يشاهد الأفلام (في راحة بيته) هو النقل عنها.

ويتحدّثون عن مخرج يحضر الديسك الى مكان التصوير لينقل اللقطات من الفيلم الأجنبي لقطة لقطة. كدت لا أصدّق لكن السينمائية التي كنت أتحدّث معها قبل أسابيع ليست بعيدة أكدت لي وأخبرتني اسمه.وسواء أكانوا كتّاباً أو مخرجين فإن العديد من الذين واصلوا العمل في السنوات العشرين الأخيرة اعتبروا أنفسهم مخرجين او كتّاباً من عمل كل منهم الأول.

 في الحقيقة هناك هذه المخرجة التي أنجزت فيلمين قصيرين الأول تقنياً جيّد، والثاني فيلم تمنيّات معتدل، لتعتبر نفسها على الفور مخرجة تفهم أكثر من كل المخرجين.

والحق في هذا على الصحافة الفنية التي هي مستعدة لتتويج كل الناس بلا فرق. المهم هو أن يتم إيجاد اللقب الذي يمكن أن يتم استيحاء قصة صحافية منه. فهذا “سيناريست الجيل الشاب” وذلك “مخرج أفلام الصيف” وتلك “المخرجة الأولى في بلادها” وهكذا.

م.ر

merci4404@earthlink.net

الخليج الإماراتية في 7 مايو 2006

 

سينماتك

 

عبد السلام شحادة:

السينما الفلسطينية عين صادقة في رصد تفاصيل الحياة اليومية

الرباط : أمينة بركات | المغربية

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك