تستدعي الأزمات والتحولات، كما المناسبات والافراح، شيئاً من الحفظ والتدوين. كثيراً ما سمعنا عن نزعة لدى الذين عاشوا الحرب الى التقاط الصور الفوتوغرافية او الفيديو او كتابة ما يشبه اليوميات. أحد المخرجين اللبنانيين يحتفظ من الحرب وحتى اليوم بعادة تصوير الطائرات كلما سمع صوتها تخترق السماء. ويمكننا ان نتخيل مئات الصور المتحركة والثابتة من ذاكرة الحرب اللبنانية كامنة في كاميرات أصحابها في عتمة الخزانة او العلية، لا يدرون ما اذا كانت صالحة ام تالفة. المهم انها موجودة هناك، مدونة على نيجاتيف وقد تمر أزمان قبل ان تخرج الى النور او ربما لا تفعل ابداً.

قليلة تلك "المدونات" البصرية التي شاهدناها في أعمال سينمائيين لبنانيين. يمكن استعادة مشاهد "سوبر 8" لمقاتلين شباب في شريط محمد سويد الوثائقي "حرب أهلية" وان لم يكن هو من صورها وقتذاك. وفي فيلم أكرم الزعتري الطويل "اليوم" توظيف لمدوناته وبعض الصور التي التقطها خلال الحرب، ظلت اسيرة ارشيفه سنوات طويلة قبل ان يشعر بالحاجة الى إخراجها ونشرها. أنى تكون تلك الصور اليوم، فإنها عبرت في وقتها عن رغبة أصحابها في تدوين حدث او حفظ لحظات عنت لهم شيئاً او ربما كانت وسيلة تسليتهم عندما تحول الوضع الاستثنائي يوميات روتينية طويلة.

لعل أحداً لم يحس بدافع الى التقاط الكاميرا من جديد والنزول الى الشارع بإحساس ان ثمة حدثاً غير عادي ومرحلة تستحق التدوين حتى الرابع عشر من شباط 2005 عند وقوع حادثة اغتيال رفيق الحريري وما تلاها من أحداث وتحولات. اشتعلت الساحة اللبنانية من جديد واختلطت فيها كاميرات الصحافة والكاميرات الخاصة التي غدت خلال العقد الاخير متوفرة لمن يرغب. ساد إحساس اولي بين المخرجين اللبنانيين بضرورة توثيق المرحلة بالصورة لخطوة اولى. ومن كان يسأل او يتابع حركة اولئك كان يلقى جواباً مشابهاً "أحضر لشيء عن 14 آذار". جواب يوحي بأن ذلك أمر طبيعي ومسلم به ولكنه ايضاً محاط بالحذر. خلال سنوات الحرب، لم يكن المخرجون لاسيما الوثائقيين يفكرون بصنع فيلم عن الحرب ويومياتها بل كان الفيلم يُصنع لحظة تصويره. كان الهدف الاساسي نقل هذا الواقع اليومي بما كا يُظن انه تقديم شهادة للعالم عن الفظائع والويلات اليومية. تشهد على ذلك افلام جيل كامل من السينمائيين الذين طلعوا مع الحرب وتطابقت بداياتهم مع نقل صورها مثل جوسلين صعب ورندا الشهال ومارون بغدادي وجان شمعون ومي المصري... اليوم ثمة إجماع على ان تلك الموجة من الافلام اللحظوية والمباشرة والمرتبطة بتوثيق الحدث ولّت لاسيما ان السنوات التي تلي الحروب والأزمات تتيح لانواع أخرى من الفنون ان تطفو على السطح أي تلك التي تتأمل وتستعيد وتحلل بتأنٍّ وعمق ذهني وفني وجمالي. بهذا المعنى، لم يرد أحد من المخرجين ان يصنع فيلماً فورياً. فالتاريخ علمهم الدرس عن الصورة التي لا تستطيع مقاومة الزمن بسبب آنيتها فتسقط في غياهبه. الصورة الاخبارية اليوم تتكفل ذلك الجانب التسجيلي البحت، اما الافلام فمهمتها أبعد ودورها أعمق. لقد صور هؤلاء ما وقع بين ايديهم وما مرت عليه عدسة الكاميرا ولكنها صور خام تنتظر ان تتخمر في رؤوس مخرجيها وان تنضج على نار هادئة او باختصار ان تبتعد مقدار مسافة ما عن الحدث لتتمكن من قول شيء عنه.

افلام 14 آذار

على الرغم من تلك الهواجس التي سكنت كثيرين حول كيفية تدوين الأحداث الآنية في افلام تستطيع ان تحتفظ بقيمة ما مع مرور الزمن، قام بعض المخرجين بإنجاز أفلام لم تفصلها مسافة كبيرة عن 14 شباط وتداعياته، عُرض بعضها في الدورة السابقة لمهرجان الفيلم اللبناني "نما في بيروت" في آب/أغسطس الماضي أي بفاصل خمسة أشهر عن 14 آذار. أربعة افلام تناولت المرحلة في محاولة سريعة لتسجيل تلك الصورة الجديدة. في "اوتو" لاماندين بريناس توليف شهادات سياسيين تعود الى السبعينات من القرن الماضي (بشير الجميل ووليد جنبلاط وآخرين) يتحدثون فيها عن خسارة كبرى بموت احدهم من دون ذكر الاسم. الكلمات والمواقف تبدو مسموعة وحاضرة اليوم بشدة ولكن الزمن هو الابيض والاسود لنكتشف لاحقاً ان المقصود هو لويس دو لامار السفير الفرنسي الذي اغتيل في السبعينات. الكلام عينه يتردد في اغتيال الحريري كأن المخرجة تشير الى ان التاريخ يعيد نفسه او ان فهم الحاضر لا يكون الا من خلال الماضي. فيلم آخر لزياد ابي اللمع "لماذا لا تتوقف عن الموت" حاول تجاوز الواقع بقراءة تجريبية لفكرة الشهادة ولأسطرة الشهداء وعلاقة ذلك بالحرب وبفهم الناس لها. اما "مشوار"، الجهد المشترك للفرنسي مارك كازال ليوتييه واللبناني زياد عنتر، فانطلق ايضاً من الأحداث الاخيرة ليتوغل في ذاكرة الحرب. فبين الاحتفالات المرافقة لانسحاب الجيوش السورية في بعض المناطق والكلام الذي بات ممجوجاً عن الحرية والاستقلال، هناك من استفاقت في داخله سنوات الحرب خلال الفترة الماضية مثل "هادي" الذي يبحث عن جثة اخيه الذي اختفى اثناء الحرب و"الكينغ" الذي يهوى جمع أرشيف الصحف خلال سنوات الحرب ويتحدث عن شخصيات سياسية وبعض ما جرى خلال الحرب.

وفي محاولة أكثر ارتباطاً بالحدث، قدم روبير عيد "ربيع بيروت: اسطورة ام واقع؟" مولفاً صوره عن التظاهرات وخيمة الحرية و14 آذار في محاولة تتوخى الاحاطة بما يدور. لعل هذا الشريط بتعاطيه المباشر مع الحدث ­والى حد ما "مشوار" بشقه المتعلق بانسحاب الجيش السوري­ يطرح اشكالية تعبير الصورة عن الحدث اليومي من دون الوقوع في ذهنية التسجيل والريبورتاج. ولا يغيب السؤال عن قيمة هذه الصور الخام بعد مرور هذا الوقت. أية مسافة تأخذها رؤية الفيلم من الحدث؟ واية قراءة يطرحها؟ انها اسئلة اساسية بعد مرور زمن ولو قصير.

ترمينايتر

كاتيا جرجورة كانت واحدة من المخرجين الذين حملوا الكاميرا ونزلوا الساحات مشدودين الى ذلك الغليان الذي أقنع كثيرين بأنه سيؤسس لمرحلة جديدة. ان ترمي بنفسها وبكاميراها وسط الحدث وتداعياته أمر اختبرته في أفلامها السابقة: "بين ضفتين" الذي عرض لمشكلة المتعاملين مع جيش لحد ابان الاحتلال الاسرائيلي للقرى الجنوبية بعيد تحررها و"الطريق الى كربلاء" الذي ذهب الى رصد طقوس الشيعة في العراق أكثر البلدان العربية غلياناً في هذه المرحلة. من تينك التجربتين، خرجت جرجورة أقوى حتماً لجهة ثقتها بقدرتها على توليف فيلم في قلب الأحداث والتحولات، تساعدها على ذلك خلفيتها في العمل الصحافي الميداني. بهذا المعنى كانت مرحلة 14 آذار محطتها التالية التي أثمرت فيلمها الأخير "المدمر: المعركة الأخيرة" Terminator: The Last Battle. كما في فيلمها الاول، تتحرك المخرجة بواعز الشرح والتبسيط للجمهور الأجنبي، فتقدم ملخصاً بالكلمة والصورة عن تاريخ الحرب اللبنانية متوقفة عند أربعة تواريخ تلخص ماهية الصراع من 1975 تاريخ اندلاع الحرب وحتى 1990 تاريخ نفي ميشال عون مروراً بـ 1989 تاريخ الحرب بين عون والقوات اللبنانية. بعدها يقفز الفيلم الى 14 شباط 2005 يوم اغتيال الحريري. انطلاقة متوقعة لفيلم من هذا النوع، يجمع بين هواجس مخرجته في التعبير عن مرحلة جديدة وربطها بالحرب بمحاولة مستمرة لفهم الأشياء لاسيما انها اقامت لفترة طويلة خارج لبنان. "لبنان معقد بالنسبة الى الجمهور الأجنبي" تقول في رد على سؤال حول تلك التوضيحات الكثيرة التي تقدمها في الفيلم بشكل نص مكتوب على الشاشة. "التوجهات والتيارات السياسية غير مفهومة بالنسبة الى الجمهور الغربي ولكن الشخصيات قادرة على ان تتواصل مع اي جمهور" تؤكد استناداً الى تجربتها الأخيرة بعرض الفيلم في مهرجان "نيو" بسويسرا الاسبوع الفائت. ربما لذلك اختارت جرجورة لفيلمها خطين سرديين أحدهما يحتوي الآخر او يكمله أحياناً: يتمثل الأول بخيمة الحرية التي نُصبت في ساحة الشهداء لأشهر ويتابع الثاني يوميات شاب لبناني في واحدة من تلك الخيم. كانت تلك محاولة الفيلم الأولى لكسر النمط التسجيلي البحت اي الذهاب أبعد من الحدث بالارتكاز على شخصية تختزل ذلك الحدث او تعكسه وتسبغ عليه انسانيتها وخصوصيتها. "ترمينايتر" هو اسم الشاب الذي صدف انه "عوني" بحسب المخرجة: "التقيت terminator ولم يكن يهمني ما اذا كان عونياً او قواتياً او اشتراكياً.. المهم بالنسبة الي انه شخص لم ينهِ حربه بعد، شخص يعيش في الحرب وذلك ما جذبني اليه."

تنساق كاميرا جرجورة خلف "ترمينايتر"، تلاحقه كما لو كان شخصية مشهورة كما يوحي هو من تصرفاته وادائه العلني المنفتح على كل اشكال التباهي والمفاخرة والاعتداد بالنفس. انه يرى نفسه "نجماً" ويمارس سطوته على من حوله ويوحي لملتقيه انه صاحب الامر والنهي في محيطه. من المشهد العام لخيم الحرية والتظاهرات والشعارات، تنسل الكاميرا الى داخل الخيم الى حيث الجو العابق بالذكورة وبرائحة البارود التي لم تتلاشَ بعد من خطاب الشباب ولاسيما الـterminator : "هو يردد باستمرار انه لا يريد الحرب ويتحدث عن شعب واحد ولكن في داخله سلوك عسكري وتوق الى أجواء الحرب التي خبرها منذ كان في السادسة عشرة.. هذا يلخص برأيي وضع البلد والمفارقة التي يعيشها بين محاولته التحرر من الماضي وفي الوقت عينه العيش فيه.. هذا بلد يحاول التغلب على حربه ولكنه ينادي بعودة الذين حكموه في حربه."

ينتظر المشاهد ان تتنقل الكاميرا بين خيم الأحزاب الأخرى، ان تمعن في رصد تلك المفارقات وعلى صعيد مجموعات ثانية. ولكنها، اي الكاميرا، تبدو اكثر التصاقاً بـterminator، ترافقه من الخيمة الى مقر سكنه في فندق ما بجونيه حيث يقضي سهرته وصباحاته على "تيراس" مطل على البحر. بعد مرور وقت قصير، يبدو الفيلم عاجزاً عن ملء الفراغ الذي يخلفه الشاب بكلامه الممجوج وبزوال الدهشة الاولى من تلك الشخصية الغريبة وبعدم قدرة المخرجة على أخذ نقاشاتهما أبعد: "شخصية terminator من الصعب ان تتطور ويعاني من مشكلة عدم قدرته على الانفتاح فما بالك اذا كان محاوره إمرأة! رافقته نحو أربعة شهور ولكن بالنسبة الي ان يأخذني الى شقته وان يعرفني بأمه ويحكي عن حبيبته هي بحد ذاتها انجازات على صعيد كشفه عن خصوصياته..." يبقى الشق الآخر من الفيلم الذي يتابع حركة خيم الحرية غير متوازن. فهو في بعض الأحيان حاضر لأنه المحيط الذي يبرز terminator فيه شخصيته وأداءه ولكنه في أحيان أخرى يبدو "شخصية" منفصلة عن الشاب، حاضر من خلال شخوص آخرين مثل الشاب القواتي والآخر الدرزي: "الفيلم هو عن قصة terminator انما في مرحلة انتقالية معينة... ولكنه لا يسعى الى الكشف عن شخصيته بل عن معركته.. الفكرة الأساسية في الفيلم هي ان حياته لم تتغير بعد ما ظن انه ثورة.. بعد نزع الخيم وعودة عون ينتهي امام شاشة التلفاز وحيداً.. هذا تماماً نموذج الشاب الذي حمل سلاحاً في السادسة عشرة وخاض الحرب.. انتهت الحرب ولكنه بقي حيث هو.. هناك في الحرب."

يحاول الفيلم ان يلتقط في كل لفتة آثار الحرب الباقية في النفوس والسهولة التي تتغذى بها في عقول الشباب. فالمشادة التي تحدث في الخيمة بين القواتيين والعونيين تستمد جذورها من صراعهما القديم الذي يتجسد من جديد بمجرد ان ينتهي استعراض الوحدة الوطنية والتكاتف. داخل الخيم، نسمع كلاماً آخر ونشهد أشكال التعصب في السلوك والكلام. ولعل الفيلم في هذه الناحية يتخطى الصورة العامة المطبوعة في أذهان اللبنانيين عن مخيم الحرية كما شاهدناه في نشرات الاخبار والريبورتاجات.

يقع الفيلم في ساعة ونصف الساعة، يفيض في بعض المشاهد عن الحاجة ويكرر في أخرى استعراض "ترمينايتر" الكلامي وتعليقاته التي لا تقود الى مكان بما يفرض أسئلة عدة: هل وقعت المخرجة في فخ اللحاق بشخصية واحدة فرضت سيطرتها على الفيلم على الرغم من محاولتها التهكمية في العنوان؟ اين هو دورها في تقطير المادة وتجميعها في سياق فيلمي أكثر تماسكاً وأفضل توليفاً؟

"هذا ليس فيلماً وثائقياً نموذجياً يُكتب، بل هو يصنع نفسه بنفسه خلال حدوث القصة. لم أخترع أي شيء؛ كنت أعيش يوماً بيوم وأكتشف مع المشاهد الحقائق. لا أنكر ان سيطرتي على الفيلم لم تكن كاملة كانت بنسبة 50% ربما من خلال الأسئلة وزوايا الكاميرا. وأحياناً تبادلت الادوار مع الشخصية الاساسية فأصبح هو صانع الفيلم. انا ارى الضعف الموجود في الفيلم ولكنني ارى ايضاً قوته في الكشف عن الاشياء كما حدثت بدون تركيب او اختراع وهذا يعبر تماماً بالنسبة الي عن لبنان في تلك المرحلة. الواقع ليس مثالياً ولهذا لا يمكن لفيلم من هذا النوع ينقل الواقع ان يكون مصنوعاً بشكل مشذب."

تستخدم المخرجة تعابير مثل العفوي والتلقائي والواقعي لوصف فيلمها وربما لتبرير خياراته الفنية المتواضعة. فالصورة والمونتاج نقطتا ضعف اساسيتان لاسيما ان الفيلم صور على مدى أربعة أشهر اي انه ليس وليد ساعات او ايام. يشعر المشاهد في اماكن كثيرة بضرورة التقصير والتكثيف وربما اختيار توليف زمني مختلف. فالفيلم يحاول أخذ مسافة من الحدث من خلال البورتريه الذي يرسمه لشخصيته ولكنه في الوقت عينه يلتزم تسلسلاً زمنياً واقعياً كأن هدفه هو نقل الحدث فقط. "هو فيلم خام مثل ترمينايتر ومثل تلك المرحلة التي يتحدث عنها ومثل لبنان في اوجه كثيرة وهذا أحبه في الفيلم. هناك إحساس بحقيقة الاشياء وبالكلوستروفوبيا وبأنك عالق في مكان ما وهذا يعكس احساسي في لبنان. أردت للمشاهد الطويلة ان تبقى على حالها لأقحم المشاهد في عنفها وتوترها. هذا فيلم عنيف وليس مريحاً. هذا النوع من الوثائقي بدأنا نفقده لحساب الصورة الجمالية. لا ضير في الأخيرة ولكن الوثائقي الواقعي يملك قوته ايضاً وتماسه مع اليومي."

تعترف المخرجة بأن هاجس أخذ مسافة من الحدث شغلها لبعض الوقت: "لم أفكر في البداية؛ صورت كثيراً وأجريت مقابلات عدة وكانت هناك احتمالات لأكثر من فيلم. أدركت منذ البداية ان ما اقوم به يعاني من ضعف اساسي هو انني لا املك مسافة من الحدث. ما يقع لا يتكرر ولا يمكن استعادته والخطر ان يتحول كل شيء ماضياً بعد اشهر. ولكن القراءة الثانية للفيلم غير ذلك. انه عن جيل كامل خاض الحرب صغيراً وعن فشل الثورة وعن فشله في تخطي الماضي.. لكل مشهد معنيان وترميانايتر يجسد ذلك الى حد بعيد. فهو تجسيد لجيل كامل ولكنه من الخارج شخصية بلا عمق، تتكلم بدون ان تفكر. كل افعالها هي ردود فعل اولى بدون روتوش."

شريط كاتيا جرجورة هو واحد من مجموعة افلام منتظرة، تتحضر في أذهان صانعيها ووسط هواجسهم بصنع صورة عن حاضر متبدل لا تتحول ماضياً. محاولة جرجورة تملك الوجهان: القوة والضعف. يصح عنها القول انها محاولة ذات قدرات جيدة لم تستثمر بأفضل صورة. ولكنها تبقى صادقة بانتمائها الى خصوصية تعبيرية مفتوحة على النقاش.

المستقبل اللبنانية في 5 مايو 2006

 

النمسا تحتفل بفرويد بتقديم أفلام مستوحاة من فكره 

بمناسبة مرور 150 عاماً على ولادة سيغموند فرويد تحتفل النمسا بالحدث من خلال مهرجان افلام مستوحاة من فكره، على الرغم من ان فرويد واضع أسس التحليل النفسي كان ينفر من عالم السينما ولا يتعاطف كثيراً معه. وقد اختارت "مؤسسة المحفوظات السينمائية" في فيينا 28 فيلماً يتمحور حول المواضيع النفسية وقد بدأ عرضها في الاسبوع الثاني من نيسان على ان تتواصل طوال شهر أيار ايضا، يتضمن البرنامج افلاما كلاسيكية مثل "عيادة الدكتور كاليغاري" للمخرج روبرت فيني، تم تصويره في المانيا عام 1920، كذلك هناك عروض لأفلام سوريالية مثل "كلب اندلسي" للمخرج لويس بونويل تم تصويره في فرنسا عام 1929، وانتاجات اميركية اكثر حداثة كأفلام ديفيد لينش مثل "الطريق السريع الضائع"، 1997 او فيلم "ايز وايد شوت" لستانلي كوبريك، 1999، كذلك يعرض المهرجان افلام تشويق ورعب لألفريد هيتشكوك مثل "الدوار" او "فيرتيغو"، وهو من انتاج 1958 و"بسايكو" 1960، وفيلم "كائن فضائي" لريدلي سكوت انتاج 1979، و"صمت الحملان" لجوناثن ديم، من انتاج 1991.
أما على صعيد الكوميديا، فسيعرض خلال المهرجان فيلم "مافيا بلوز" لهارولد ريميس (1999) مع الممثل روبرت دونيرو، اضافة الى اكثر من فيلم للمخرج والممثل وودي آلن الذي يعتبر من اكثر السينمائيين المؤمنين بعلم النفس وبمعالجة الامراض النفسية. كما هناك الافلام المستوحاة عن شخصية فرويد او تناولت سيرة حياته فيلم "فرويد" للمخرج جون هاستن من انتاج عام 1926.

فكرة المهرجان وضعها الكاتب توماس بولهوسن الذي ساهم في كتاب صدر حديثاً عنوانه "المواضيع النفسية في السينما". وهو يعتبر ان التحليل النفسي الذي يشكل طريقة بحث نفسية قائمة على المعنى اللاشعوري لتصرفات الانسان، مرتبط بشكل وثيق بالحياة الخاصة بالناس تماماً كالسينما. وهو انطلق من فكرته هذه ليؤكد انه يمكن للسينما ان تجعل الاحلام مرئية لتبدأ اللعبة المشوقة بين الوعي واللاوعي التي كان فرويد يسعى الى شرحها.

المستقبل اللبنانية في 5 مايو 2006

الاختصاصية النفسية والنجمة الهوليوودية لا تزال «طفلة» في أعماقها...

ناتالي بورتمان: كل اغراءات السينما لا توازي وقفة على مسرح

لندن - نبيل مسعد

إكتشف الجمهور العريض ناتالي بورتمان في فيلم «ليون» إلى جوار النجم جان رينو ومن إخراج الفرنسي لوك بيسون. كان ذلك في 1994 عندما كان عمر ناتالي 12 سنة. وصُور الفيلم بالإنكليزية بهدف التوزيع العالمي ما يفسر اختيار المخرج فنانة أميركية شابة تتقاسم البطولة مع النجم الفرنسي. وقبل أن تمتهن ناتالي السينما كانت مجرد تلميذة في إحدى مدارس منطقة لونغ أيلاند المجاورة لمدينة نيويورك، إلا أنها كانت تضيف إلى منهجها التعليمي التقليدي دروس الموسيقى، من نوع الجاز، وحصص الرقص الكلاسيكي الباليه ولكن أيضاً الرقص الحديث من نوع الكلاكيت، ثم رياضة التزلج. وعندما التقاها، بالصدفة، أحد أصحاب القرار لدى دار «ريفلون» الكبيرة المتخصصة في مبتكرات التجميل وعرض عليها الوقوف أمام عدسات التصوير كسفيرة للماركة بفضل وجهها الطفولي البريء والناعم، رفضت مدعية أن كسب المال عن طريق جمالها أمر لا يجذبها بتاتاً لأنها فنانة أصيلة ولأن الفن في رأيها ينبع من قرارة النفس وليس من المظهر.

بعد فيلم «ليون» استمرت ناتالي في الجمع بين تعليمها المتعدد الاتجاهات والأدوار في السينما والمسرح، فهي مثلت تحت إدارة وودي آلن في الفيلم الفكاهي الرومانسي «الكل يقول أحبك»، ثم في «في أي مكان ما عدا هنا» و «موقع القلب» و«حرارة» مع روبرت دي نيرو، و «كوكب المريخ يهاجم» حيث كانت ابنة جاك نيكولسون الذي مثل في هذا الفيلم شخصية رئيس الولايات المتحدة. ورفضت بورتمان دور المراهقة التي يقع الخمسيني جيريمي أيرونز في حبها في فيلم «لوليتا» بسبب كثرة المواقف الجريئة التي تضمنها السيناريو، كما فاتتها فرصة أداء شخصية جولييت في فيلم «روميو وجولييت» إلى جوار ليوناردو دي كابريو لأن المخرج باز لورمان اعتبرها صغيرة جداً على الدور في حينه، فذهب الدور إلى الممثلة كلير دينز. وكان في إمكان بورتمان أن تمثل إلى جوار روبرت ريدفورد في فيلم «الرجل الذي يهمس في أذان الخيول» إلا أن انشغالها في المسرح في الوقت نفسه أضاع عليها هذه المناسبة الجميلة (فازت بالدور سكارليت جوهانسون التي صارت نجمة كبيرة جداً لاحقاً) مثلما كاد أن يحرمها من بطولة الأجزاء الثلاثة من «حرب الكواكب»، لكن المخرج جورج لوكاس صمد وفضل تغيير جدول التصوير بدلاً من أن يستغني عن بطلته الشابة. وهكذا أصبحت ناتالي بورتمان الملكة أميدالا بادما في الثلاثية الأسطورية الأمر الذي لم يمنعها في الوقت نفسه من متابعة دروسها في جامعة هارفارد العريقة حيث تخرجت في العام 2003 حاملة شهادة في علم النفس. وظهرت بورتمان عام 2005 في «أقرب» للسينمائي مايك نيكولز إلى جانب جوليا روبرتس وجود لو ثم في «منطقة حرة» لأموس غيتاي إلى جوار كل من الفلسطينية هيام عباس والإسرائيلية هانا لازلو، وهو الفيلم الذي جلب للأخيرة جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «كان» العام الماضي.

وفي لندن حيث جاءت ناتالي لتروج لفيلمها الجديد «في فور فنديتا» التقتها «الحياة» في أحد صالونات فندق «دورشستر» الأنيق وحاورتها.

·         حدثينا عن فيلم «في فور فنديتا» ذي الأحداث المستقبلية؟

- حبكة الفيلم مأخوذة مباشرة من كتاب أميركي من نوع «كوميكس» (حكايات مرسومة) وهو عمل ناجح بيعت ملايين النسخ منه في العالم كله ويروي قصة انتقام رجل مشوه ومرغم بالتالي على ارتداء قناع لتغطية وجهه، ثم حكايته مع فتاة فقيرة ينقذها من الموت في شوارع لندن ثم يخطفها الى منزله ويحاول تسخيرها لخدمة أهدافه الجهنمية.

·     تقضين أكثر من نصف الشريط حليقة شعر الرأس كلياً، و أتذكرك صلعاء تماماً في مهرجان «كان» 2005 حيث حضرت افتتاح فيلم «حرب الكواكب 3» وأيضاً لتقديم «منطقة حرة»، فكيف عشت هذه التجربة الغريبة بالنسبة إلى امرأة؟

- كنت حينذاك في عز تصوير «في فور فنديتا» وقضيت ثلاثة أيام في كان من أجل أن أروج للفيلمين المذكورين قبل أن أطير ثانية إلى لندن وأستعيد دوري، وقد شعرت بنوع من الفخر تجاه حكاية التخلص من شعري، لذا رفضت اللجوء إلى أي خدعة سينمائية وأردت أن أعيش الدور بطريقة حقيقية كاملة. فلماذا تحرم المرأة من حق التزين برأس صلعاء بينما يبدو الأمر نفسه عند الرجل أكثر من طبيعي؟ إنني أميل إلى خوض التجارب الجديدة ولا أدرك ضرورة الخضوع لقوانين تفرض علينا معنى الجمال والأنوثة والجاذبية.

بين السطور

·         وهل تتخيلين بريطانيا وقد تحولت إلى ديكتاتورية أيضا مثلما يقال في الحبكة؟

- لا أعرف ما الذي سيحدث في المستقبل، لكن مؤلف القصة أراد بلا شك أن يشير إلى السياسة الخارجية التي تمارسها الدول الغربية لا سيما الولايات المتحدة وهو اختار أن يفعل ذلك من خلال حكاية خيالية تحولت فيها إنكلترا إلى ديكتاتورية فاحشة ولا بد للمتفرج في هذا الفيلم من أن يقرأ بين السطور.

·         لماذا تركت شعرك يطول مرة ثانية إذاً؟

- أنا قلت إنني أحببت خوض التجربة ولا يعني كلامي إنني أرغب في البقاء صلعاء طوال حياتي، ثم أن التزاماتي السينمائية تفرض علي بعض الأمور وبينها التمتع برأس يزينه الشعر.

·         لماذا اختيرت ممثلة أميركية لهذا الدور الإنكليزي البحت إذاً؟

- لأن للفيلم هوية أميركية، فهو إنتاج هوليوودي وكتب السيناريو الخاص به أندي ولاري واشاوسكي (مخرجا سلسلة أفلام «ماتريكس» الهوليوودية) لكن دور الديكتاتور الطاغي راح على رغم كل شيء الى الفنان البريطاني الكبير جون هورت.

سقوط الفيلم

·     لنعد إلى الوراء بعض الشيء في حياتك المهنية، كيف كان عملك مع الممثل جان رينو في فيلم «ليون» علماً أنه من ألمع نجوم السينما العالمية، وقد فتح أمامك باب الشهرة على أثر ظهورك في هذا الفيلم إلى جواره؟

- كنت متأثرة أساساً لمجرد فكرة الظهور في لقطات واحدة معه، خصوصاً أن رينو من نجومي المفضلين منذ طفولتي. لم أكن أعرف حينذاك أن دوري في هذا العمل كان سيجلب لي الشهرة والجوائز ولم أفكر في ذلك بل فقط في إمكان التمثيل على مستواه بحيث لا يتميز الفيلم بعيب واضح في تركيبته الفنية. والطريف إنني كنت أفكر في هذه الأمور كافة وأنا بعد مراهقة في الثانية عشرة من عمري فلم أرغب في أن يقال أن «المراهقة ناتالي بورتمان تسببت في سقوط الفيلم على رغم وجود جان رينو فيه»، وإتضح لي أن جان رينو على عكس ما كنت سمعته سابقاً لا سيما من قبل بعض المتوغلين في الوسط السينمائي الفرنسي، يتمتع بروح مهنية متفوقة جداً ويضع مصلحة العمل فوق أي اعتبارات أخرى فيترك نجوميته على باب الأستوديو في بداية كل يوم من أيام العمل ولا يستعيدها إلا وهو خارج في أخر النهار وأعني بذلك أنه يعامل غيره، سواء من الممثلين أو التقنيين، ببساطة كبيرة ويحاول مساعدتهم في حسن إنجاز مهامهم من طريق التزام الموقف المهني المثالي في كل الحالات. وهل تعلم أنه من أصل أسباني مغربي مختلط؟

مغريات

·         حدثينا عن ثلاثية «حرب الكواكب» وكيف حصلت على البطولة النسائية فيها؟

- كنت أمثل فوق خشبة أحد مسارح برودواي في نيويورك قبل ثلاث سنوات عندما شاهدني جورج لوكاس مخرج «حرب الكواكب» وفكر في منحي دور الملكة «أميدالا بادما» بطلة الأجزاء الثلاثة التي كان يستعد لتصويرها على مدى خمس سنوات متتالية. وأصر لوكاس على منحي الدور لكن جدول أعمالي بسبب المسرحية لم يكن يسمح لي بتاتاً بمغادرة نيويورك للمشاركة في التصوير الذي كان من المقرر أن يتم في كاليفورنيا على الساحل الغربي من الولايات المتحدة ثم في بلدان أوروبية متوسطية وتونس والمغرب. ومن شدة رغبته في أن أكون أنا بطلته، عدل جورج لوكاس في مشروعه وأجَّل التصوير إلى حين انتهائي من عملي المسرحي، وأنا مقتنعة بأنه أعجب بروحي المهنية وحسي الفني عندما فضلت رفض عرضه بدلاً من التوقف عن العمل في المسرح كي ألتحق بفيلمه. أنا أعشق المسرح ولا أتخيل نفسي أغادره، أو أتخلى عن وقفة عليه مهما قدمت لي السينما من مغريات، وأنا بالتالي مثلت دور الملكة في الثلاثية وهذا شيء يسعدني على رغم أنني لا أرغب في أن تحبسني هوليوود في نوع محدد من الشخصيات الخيالية، لذلك تسرعت ووافقت على المشاركة إلى جانب جوليا روبرتس في الفيلم الجريء «أقرب» من إخراج مايك نيكولز، ثم في فيلم «منطقة حرة» لأموس غيتاي مع ممثلتين إحداهما فلسطينية والثانية إسرائيلية، ومن بعدهما في «في فور فنديتا»، ولا علاقة بين مثل هذه الأفلام و «حرب الكواكب».

·         ما هو مشروعك الفني الآني؟

- المشاركة في عمل مسرحي كلاسيكي ضخم يخرجه مايك نيكولز في حدائق «سنترال بارك» في نيويورك خلال الصيف المقبل إلى جوار ميريل ستريب التي أعتبرها أكبر ممثلة على الاطلاق.

·         أنتِ إذاً مرتبكة أمام فكرة العمل معها أم أن نجوميتك الحالية والضخمة بدأت تساعدك في التغلب على مثل هذا الشعور؟

- أن نجوميتي لا تساعدني إطلاقاً في شيء من هذا النوع، وأنا دائماً مرتبكة أمام أي مشروع يجمعني بفنانين أحترمهم وأقدر عملهم منذ صباي، فأنا لا أزال طفلة في قرارة نفسي.

·         وماذا عن الشهادة الجامعية التي تحملينها في علم النفس؟

- أنها تساعدني في تحمل مشقات مهنة التمثيل وتجلب لي الاطمئنان، وأقصد بكلامي إنني أستطيع مغادرة الفن في أي لحظة من دون أن أخاف على مستقبلي، وهذا الشيء يجعلني أختار أدواري بحرية تامة وأرفض كل ما لا يعجبني.

الحياة اللبنانية في 5 مايو 2006

 

سينماتك

 

أفلام 14 آذار بين هاجس التسجيل ومحاولة الخروج من آنية الحدث

"ترمينايتر: المعركة الأخيرة" نظرة كاتيا جرجورة الى واقع خام وعنيف يكرر نفسه

ريما المسمار

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك