حتى لحظة كتابة هذه السطور، كان لا يزال الرقيب اللبناني مُصرّاً على قراره النهائي، القاضي بمنع عرض فيلم <سيريانا> لستيفن غاغان (تمثيل جورج كلووني ومات دايمون وكريس كووبر وكريستوفر بلامر والممثل المصري عمر واكد) في الصالات التجارية اللبنانية. أما الأسباب، فتظلّ رهينة المعنيين المباشرين بالمسألة، أي: جهاز الرقابة التابع للمديرية العامة للأمن العام، والموزّع اللبناني. لا بأس في ذلك. اعتاد المُشاهدون السينمائيون اللبنانيون قرارات رقابية كهذه. اعتادوا المنع والتقطيع ومصادرة حرية المشاهدة، التي تُشكّل جزءاً أساسياً من الحريات العامة والفردية. اعتادوا تصريحاً رسمياً <يدافع> عن ممارسة الرقيب اللبناني <وظيفته>، القاضية بتطبيق القوانين التي تجاوزها الزمن بملايين السنين الضوئية، أو وعوداً بالعمل على تطبيق أسس عصرية في عملية <الإصلاح الإداري> (التي لم تبدأ بعد)، تبقى (الوعود) غالباً معلّقة في الهواء الملوّث الذي يُزنّر المدينة والمجتمع من كل حدب وصوب.

قوانين عصرية

لا بأس إذاً. يريد الرقيب اللبناني أن يتباهى بتطبيقه القوانين التقليدية والباهتة؟ فليكن. يقول مسؤولون رسميون إن هناك لجنة وزارية ما ستعمل على تغيير قوانين متعلّقة بالرقابة؟ هذا حسنٌ. لكن المسألة الخطرة، التي لا يريد أحدٌ من الرسميين التنبّه إليها، كامنة في أن الرقابة على الفنون والآداب لا تزال خاضعة لجهاز أمني. لا يعني هذا نقل الرقابة من المديرية العامة للأمن العام إلى وزارة الثقافة مثلاً. فالسلطة الثقافية تتفوّق، أحياناً، على الأجهزة الأمنية في ممارسة <أخلاقية> مشكوك فيها. لكن تحرير جهاز الرقابة من أي سلطة رسمية أو غير رسمية، مطلبٌ أساسيٌ يستكمل نفسه بالمطالبة بوضع قوانين عصرية تحمي المجتمع من الانزلاق في بؤرة الفساد والفوضى والتمزّق والتخلّف، وتؤدّي تلقائياً إلى رقابة من نوع آخر، تعتمدها المجتمعات الغربية المتطوّرة: المجتمع مؤهّل لحماية نفسه بنفسه، طالما أن هناك حريات عامة وفردية، وقوانين عصرية.

صحيحٌ أن أقلاماً عدّة لم ولن تتغاضى عن هذه المأساة اللبنانية المزمنة، والمُرشّحة إلى الاستمرار في تشويه النتاج الثقافي النقدي والسجالي. لكن، طالما أن أمور القرصنة تسير على خير ما يُرام، وطالما أن المسافات الجغرافية والزمنية متقلّصة في عصر التطوّرات التقنية الهائلة، فإن المُشاهدين السينمائيين قادرون على متابعة كل جديد يُمنع عرضه في لبنان بواسطة أشرطة ال<دي في دي>، المتوافرة بكثرة في السوق المحلية، بطرق شرعية أو مُقرصنة. ليست المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة. ستستمر الكتابة النقدية في تحقيق إحدى وظائفها الثقافية السوية: الدفاع عن الحقّ الشرعي والطبيعي للفرد والجماعة على حدّ سواء، في أن يعيشوا حريتهم الفردية والعامة في كل ما يتعلّق بشؤون الثقافة والإبداع الفني والأدبي والنقدي. لن تتوقّف الأقلام النقدية السوية عن <النضال> الحقيقي من أجل هذه الحريات، خصوصاً في مواجهة آلة المنع والقمع والتقطيع، التي ظنّ بعض اللبنانيين أن الحكومة الجديدة، المنبثقة إلى حدّ ما من إرادة الشعب (!) في نفض غبار الحرب والمنطق الميليشياوي وآثار نظام الوصاية السورية، تنتهج التغيير الجذري. لعلّ هذه الحكومة عاجزة عن إحداث أدنى تغيير ممكن في شؤون السياسة والاقتصاد، بسبب التناحر الفظيع الحاصل في أروقة الحكم. لكن الأخطر من هذا كلّه، أن ترضخ الحكومة الجديدة لابتزاز سلطات سياسية ودينية وثقافية تقليدية ومتحجّرة في شؤون الإبداع كلّه.

خارج الرقابة

يظنّ الرقيب اللبناني أنه قادرٌ على الاستمرار في لعبته السيئة هذه. يظنّ أنه، بحجّة تطبيقه القوانين القديمة جداً، يريح ضميره المهني وينام قرير العين. لا أعرف ما إذا كان السيّد الرقيب يُدرك أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين لا تأبه بقرارات المنع والتقطيع، الخاصّة بالفنون والآداب والإنتاج الثقافي، لأن التطوّرات الحديثة التي شهدتها التكنولوجيا العالمية باتت تسمح للجميع بمتابعة <كل شيء> بسرعة قياسية، ولأن عدم تطبيق جزء من القوانين مختصّ بحماية الملكية الفكرية، يجيز للقرصنة أن تفعل فعلها من دون حسيب أو رقيب (!)، ويؤدّي إلى مشاهدة ما يريده اللبناني من أفلام ممنوعة أو مقطّعة، وإلى قراءة أي كتاب، والاستماع إلى أي أغنية أو مقطوعة موسيقية، أو مشاهدة أية لوحة، إلخ.

ليست المرّة الأولى التي أواجه فيها قراراً رقابياً مرفوضاً. ذلك أن سياسة الرقيب اللبناني الخاصّة بالشأن السينمائي تحديداً تُشكّل عائقاً خطراً أمام عملية تحرير الإنتاج الثقافي النقدي والسجالي من قواعد جاهلية لا تزال تتحكّم بالحركة الإبداعية في لبنان والعالم العربي. كما أن الرقيب اللبناني ليس مجرّد موظّف أمني يعمل في جهاز أمني متسلّط على الثقافة والفنون، إذ إنه خلاصة الرقابات المختلفة، الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية أيضاً، التي تمارس دوراً سلبياً فاضحاً في تجريد المجتمع اللبناني من خصوصيته التعدّدية في مقاربة الحالات والثقافات والأفكار والرؤى، وفي انتزاع حرية الاختيار والتعبير والنقاش من الفرد اللبناني.

إذاً، لا يزال <سيريانا> لستيفن غاغان أسير قرار رقابي لبناني قضى بمنع وصوله إلى الشاشات السينمائية اللبنانية. وإذا لم تُعلن الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى صدور قرار كهذا بشكل رسمي، فإن مُشاهدة الفيلم (بنسخٍ مقرصنة يوزّع جزءٌ كبيرٌ منها في الضاحية الجنوبية الخاضعة لسلطة <حزب الله>) تكشف سبباً واحداً على الأقلّ: هناك لقطات عدّة تدور في فضاء <حزب الله> اللبناني. لكن الرقيب المحلي لم ينتبه إلى ثنائية متناقضة قدّمها الفيلم في هذه اللقطات/المشاهد: أحد رجال الدين العاملين في الحزب المذكور يتصرّف بحكمة وروية ووعي حضاري جدير بالاحترام، في حين أن أحد <الإرهابيين> يلتحف برداء الحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت، لتنفيذ مآربه العنفية. لا شكّ في أن ثنائية كهذه موجودة في معظم الأحزاب والتيارات التي تتعاطى الشأن العام. ثم لماذا يريد الرقيب اللبناني أن يمنع فيلماً يُقدّم، في جزء بسيط جداً منه، صورة معروفة عن حزب لا يزال مادة غنيّة للنقاش والمساءلة، وإن لم يتجرّأ إلاّ عددٌ قليل جداً من المثقفين اللبنانيين على الاشتغال العلمي والموضوعي الجدّي عليها؟ هل يظنّ الرقيب اللبناني أن قراره بمنع عرض الفيلم سيُغيّر الصُوَر المعروفة عن الحزب، وعن ممارساته السياسية والاجتماعية والأمنية والإعلامية في داخل لبنان وخارجه؟ هل يعتقد هذا الرقيب أن فيلماً أميركياً تغلغل في عالم الفساد والعنف والجريمة في داخل الأجهزة الأمنية والسياسية والمالية والاقتصادية الأميركية، فاضحاً إياها، ومقدّماً تفاصيل عدّة عن ممارساتها <الإرهابية> المتنوّعة، قادرٌ (هذا الفيلم الأميركي) على إحداث تغيير ما في النظرة إلى الحزب، أو حتى إلى الشؤون الأخرى التي يعالجها؟ ألا يعرف السيّد الرقيب أن <سيريانا> يكشف بعض الخفايا، مما يساهم في إضاءة جوانب خفية في عالم التجارة النفطية وعلاقاتها الملتبسة برجال الأمن والمال والسلطة السياسية؟ هل خاف الرقيب اللبناني من أن يؤثّر فيلم ستيفن غاغان على علاقات الصداقة والأخوّة التي تربط لبنان بدول الخليج العربي، علماً أن الفيلم نفسه عُرض في عدد من هذه الدول، وإن لم ينجُ كلّياً من مقصّ الرقيب الخليجي؟

لا للرقابة

لأشهر عدّة، أصرّ الرقيب اللبناني نفسه على منع <ميونيخ>، الفيلم الأخير لستيفن سبيلبيرغ، من العرض التجاري، ظنّاً منه أنه <يحمي> اللبنانيين من <سمومه>. لم ينتبه هذا الرقيب إلى أن سبيلبيرغ تعرّض لحملة شرسة من الإسرائيليين أولاً، لأنه حاول أن يمارس نوعاً من الموضوعية في مقاربته موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. طبعاً، لا يحقّ للرقيب أن يمنع أو يقتطع أي عمل فني أو ثقافي أو أدبي. بمعنى آخر، لستُ من المطالبين بعرض <ميونيخ>، مثلاً، لأنه قدّم، إلى حدّ ما، وجهة نظر الجانب الفلسطيني. أطالب بعرض هذا الفيلم (انطلقت عروضه التجارية في الصالات اللبنانية يوم الخميس الفائت)، لأن من حقّ المشاهدين السينمائيين اللبنانيين أن يشاهدوا الأفلام كلّها من دون استثناء، في الصالات المختصّة بالعرض السينمائي، ولأنه لا يجوز لأحد أن يمارس قوانين العصور الظلامية في القرن الواحد والعشرين. أطالب بعرض <جبل بروكباك> لآنغ لي و<حين تكذب الحقيقة> لآتوم إغويان كاملين، كما أطالب بعرض <سيريانا> والأفلام كلّها من دون استثناء، لأن إحدى الميزات السابقة لبيروت (كما تغنّى بها العرب والأجانب قبل اللبنانيين) تكمن في قدرتها على ممارسة الحريات الفردية والعامة بشيء من الوعي الثقافي والنقدي.

إذاً، المسألة بسيطة: على الرقيب اللبناني أن يكفّ عن ممارسة وظيفته هذه، وعلى السلطة الرسمية أن تمارس وظيفتها الأساسية: حماية الفرد والمجتمع وتحصين الحريات العامة والفردية، بإصدارها قوانين عصرية ومتطوّرة، تحرّر المرء من سطوة الجاهلية والأمية والعصبيات المريضة، وتذهب بالجماعة إلى عصر جديد من الأنوار.

السفير اللبنانية في 4 مايو 2006

 

بعد سؤال مور: من يحكم العالم؟

سيريانا.. يكشف خيوط اللعبة

علا الشافعي 

من يحكم العالم سؤال مهم.. أطلقه مايكل مور فى فيلمه فهرنهايت والذى كشف فيه المستور وأزاح النقاب عن العلاقات التى تربط أصحاب المال بالسياسيين وتحديدا فى مجال الطاقة والنفط، والعلاقات الوطيدة بين صانعى القرار فى أمريكا عائلة بوش، وديك تشيني، ورامسفيلد، وأمراء الخليج وكبار العائلات ومنهم عائلة بن لادن.. مايكل مور الذى حاز على جائزة السعفة الذهبية فى كان الدولى مخالفا لوائحه حيث كانت المرة الأولى التى يحصل فيها فيلم تسجيلى على واحدة من أكبر مهرجانات السينما الروائية فى العالم.

جرأة مور فتحت الباب أمام الكثيرين وتحديدا النجم جورج كلونى.. الذى اختار أن يقدم على إنتاج فيلم عن نفس الأزمة.. ولكن فيلما روائيا.. يتاح له العرض على معظم شاشات السينما فى العالم.

سيريانا.. اختلف الكثيرون حوله وحول قيمته كفيلم سينمائى سياسى تناول بكل جرأة الواقع المعاش وطرح تساؤلات حول من يحكم هذا العالم والدور الذى تلعبه الطاقة فى صراع السياسة والمال والسلطة، وقوة النفط وارتباطه السياسى مع الإرهاب الدينى العالمى.

وكلمة سيريانا.. تعد مرادفا لشفرة سياسية معينة كانت متداولة فى المراكز البحثية التابعة للمحافظين الجدد وتتضمن المناخ الفكرى والسياسى والثقافى لهؤلاء وانطلاقهم من ضرورة صياغة وضع جغرافى بشكل سياسى جديد يتلاءم مع المتغيرات الضرورية لمصالحهم الاستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط.

لذلك اعتمد المخرج ستيفن جاجان.. فى صياغة السيناريو على الكتاب المهم الذى أصدره ضابط المخابرات الأمريكى السابق روبرت باير بعنوان النوم مع الشرير والذى تناول فيه بالتحليل معنى كلمة سيريانا.

وجورج كلونى خطا بهذا الفيلم الكاشف للكثير من الحقائق.. خطوات واسعة فى إطار نضجه الفني، ورحلته مع الأعمال المهمة التى تزيح الستار عن مشاكل وأزمات عالمية.. حيث إن الإنسان لا يعنى شيئا فى عالمنا هذا، فالمهم هو النفط والقوة السياسية، وذلك من خلال المقولة التى جاءت على لسان تيم بليك نلسون الذى جسد دوره دانى داكتون وهو يخاطب بينيت هوليداى.. أن الفساد هو ملف من ملفات التدخل الحكومى المباشر تحت سطوة التعليمات.. والفساد والنهب هما الحماية الذاتية للوحوش المتصارعة فلولا النهب المتفق عليه والفساد الذى يربط بينهم لتقاتلوا فى الشوارع حول قطع السجق.. وتحديدا قطعة واحدة منه، فالفساد هو كيف تربح وتربح أكثر، ليس ذلك فقط بل استرسل قائلا: الفساد هو ما يحمينا ويجعلنا نشعر بالدفء والأمان.. وهو ما يجعلنا أنا وأنت نعبث هنا يقصد فى أمريكا بدلا من القتال على قليل من اللحم، فالفساد سبب فوزنا.

وبغض النظر عن غضب البعض من كون العرب إرهابيين، فى حين أن الفيلم أظهر الإرهاب والإرهاب المضاد، فالعرب المتعصبون هم رد فعل للإرهاب العالمى.. المدبر، وأن الحكام العرب عرائس ماريونت كما ورد على لسان مات ديمون أحد أبطال الفيلم فى حواره مع الأمير العربى المستنير ناصر.. إلا أن الفيلم يحمل واقعا مرا نعيشه وندفع ثمنه، وستدفع ثمنه الأجيال القادمة.

ستيفن جاجان.. مخرج الفيلم بذل مجهودا كبيرا وكذلك المونتير، خاصة أن الفيلم الذى تبدأ أحداثه من إمارة خليجية تم تصويره فى أكثر من بلد أمريكا، طهران، لبنان، أسبانيا.

وتعددت شخصياته وتشابكت الأحداث لتصب جميعها فى الحدث الرئيسى.. حيث يتم الإعداد لصفقة كبيرة لإمداد الصين بالنفط، وهذا ما يشكل خطرا كبيرا على إحدى كبريات الشركات الأمريكية، فى تكساس، لذلك تحاول الشركة عقد صفقة مع كازاخستان للتنقيب عن النفط هناك بعد إعلانها الاندماج مع شركة أمريكية أخري، مما يثير الشبهات حول ذلك الاندماج وغاياته.. من هنا تقرر وزارة العدل الأمريكية إجراء تحقيق فى ذلك.. ويكتشف المحققون أن تجار النفط فى تكساس والذين تربطهم علاقات وطيدة.. لصناع القرار فى البيت الأبيض والمخابرات الأمريكية فهم تحديدا منفذو العمليات القذرة.. فهم لا يعنيهم اليسار أو اليمين.. بل ماذا يملك الآخر.. لذلك فتدخلاتهم بلا حدود، والقوة التى يملكونها هى التى تحرك الأشياء، من هنا تصل صلاحيات هذه الشركات إلى وضع كل إمكاناتها طبعا بالتعاون مع المخابرات الأمريكية لخدمة الأمير مشعل الذى يعمل ضد أخيه الأمير ناصر المستنير صاحب العلم.. والذى يحلم ببناء بنية اقتصادية حقيقية لبلده ويحلم بإنشاء صناعات بديلة، ليضمن مستقبل البلاد حتى بعد نضوب البترول، ويفكر فى تعديل أوضاع المرأة، وحق الانتخاب وإرساء ديمقراطية حقيقية ويجد ضالته فى مستشار اقتصادى أمريكى لا يحترم سوى عمله مات ديمون والذى عينه بعد وفاة ابنه فى حمام السباحة الخاص بالملك بمنتجعه فى أسبانيا.. نتيجة لخطأ تقنى أدى إلى كهربة المياه.

والرجل لا تعنيه السياسة بقدر اهتمامه بإنجاز عمله بإخلاص ودأب لذلك الأمير.. الذى لا يتردد فى اغتيال أخيه هو وعائلته الزوجة والولد والابنة ليتفرغ للعرش الذى منحه له والده.. ويتحول إلى عروس ماريونت جديدة فى أيدى طغاة العالم.

وعلى الجانب الآخر وفى عواصم مختلفة من العالم نرى جورج كلونى الذى جسد دور عميل المخابرات الأمريكية المخلص والمؤمن بما يقوم به فى خدمة السلام العالمى.. فهو يجمع المعلومات ويقوم بمهمات، ولكنه يكتشف مع تصاعد الأحداث وتشابكها أنه تم استغلاله.. وتحول هو الآخر لعروس ماريونت مغمضة العينين، عمل طوال الوقت من أجل رجال الأعمال المتحكمين فى شركات الطاقة.. الذين لا هم لهم سوى زيادة أرباحهم وثرواتهم ولدعم التوسع الاستعمارى بتوظيف أدوات ووسائل متعددة لضمان عقد الصفقات مع الحكومات العميلة، سواء بتهريب السلاح أم تصنيع الإرهاب وتصديره، أم غسيل الأموال، وتزوير الانتخابات إنه الفساد الذى يجعلهم يحكمون ويسيطرون.

كلونى.. قدم فى هذا الفيلم دورا من أصعب أدواره.. واضح أنه اضطر إلى زيادة وزنه ليس ذلك فقط.. بل إن مشاهد التعذيب التى جسدها بعد اختطافه فى لبنان أدت إلى إصابته ودخوله المستشفى لفترة من الوقت.

أعطى تصوير الفيلم فى مواقع أحداثه الحقيقية.. وبممثلين من باكستان ومصر.. عمرو واكد، الذى جسد شخصية الشيخ محمد عجيزة المتطرف.. مصداقية وإقناعا للجمهور.

سيريانا هو فيلم أكثر من موضوعى ويحمل نظرة شاملة لواقعنا المعاش.. وألقى الضوء وبعمق شديد على السياسة الأمريكية فى العالم.. وفى هذا الفيلم نقل لنا ستيفن جاجان جذور الأزمة السياسية فى القرن ال 21 وهى أزمة النفط.. وأوضح كيفية تشابك خيوط اللعبة وتداخلها، فعميل المخابرات الأمريكية هو أداة تخدم مصالح رجال الأعمال.. والمستفيدين، وإرهاب المخابرات الأمريكية خلق الإرهاب المضاد له فى العالم الإسلامي، والشيخ عجيزة هو ما يقوم به من عمليات اغتيالات وتفجيرات وغسيل أدمغة يصب فى النهاية لصالح من يمسكون بخيوط اللعبة، ولا وجود للمستنيرين الذين يحاولون القيام بأشياء حقيقية لصالح عالمهم أو العالم المحيط وكذلك الذين يتفهمون الآخر شخصية الأمير ناصر، أو رجل الاقتصاد والمحلل الاقتصادى الذى يعمل بإحدى إمارات الخليج مات ديمون والراغب فى العمل بإخلاص فالأمير اغتيل، والأمريكى الفاهم والواعى بحال الشرق الأوسط عاد إلى بلده مطأطئ الرأس ليتحول إلى أمريكى صالح لا هم له سوى حياته العائلية وعميل المخابرات الأمريكية الذى أزاح العصبة عن عينيه واكتشف استغلاله وتورطه حاول إنقاذ الموقف.. إلا أنه تم اغتياله.. هو الآخر.

سيريانا من أجمل الأفلام التى قدمتها هوليوود فى الفترة الأخيرة ليس فقط لأهمية القضية التى يطرحها، ولكن لأن السيناريو قدم لنا شخصيات حية ليست أحادية.. فأنت شاهدت جميع الشخصيات بعمقها الإنسانى.. وحياتهم الخاصة.. كذلك الحوار الذى جاء صادقا وكاشفا للكثير من الحقائق تحمل فلسفة من يحكم عالمنا.. والفيلم يحتاج المشاهدة لأكثر من مرة.. لأنه فى النهاية فيلم سينمائى عالى الجودة يحترم العقل ويجعلك تدخل فى نقاش مع من حولك ونفسك حول كيفية إدارة العالم.. الذى تديره المخابرات وشركات النفط العملاقة.

العربي في 30 أبريل 2006

 

لعنة سيريانا تطارده

جورج كلوني متهم بالسرقة الأدبية‏!‏

ريم عزمي

لم ننته من الضجة التي أثيرت حول السرقة الأدبية المتعلقة برواية شفرة دافنشي إلا وانضمت إليها سرقة أدبية أخري متعلقة بفيلم سريانا‏,‏ وربما تساعد هذه القضايا في تقديم دعاية مجانية للعملين‏,‏ فمن لم يسمع بهما أو يهتم قبل ذلك سيسعي لمعرفة التفاصيل حتي من باب الفضول‏!‏

رفعت كاتبة السيناريو الفرنسية سيتفاني فرنيو دعوي قضائية ضد مخرج فيلم سريانا‏,‏ الأمريكي ستيفان جاجان‏,‏ ومنتجيه النجم جورج كلوني وشريكه المخرج الشهير ستيفن سودر برج‏,‏ صاحب شركة الأنتاج سيكشن إيت‏,‏ وشركة وانر براذرز‏,‏ وطلبت اللجوء إلي خبير ودفع مبلغ قدره مليوني يورو كدفعة علي الحساب‏,‏ لتحديد ما إذا كان سيناريو فيلم سريانا مأخوذا عن السيناريو الذي كتبته لفيلم مراقبة أم لا؟ وكانت قد كتبت السيناريو الخاص بها عام‏2002‏ وتم تسجيله في جمعية الكتاب والمؤلفين الدراميين في سبتمبر‏2004,‏ قبل أن يتم نسخه في أمريكا في شهر أكتوبر من نفس العام‏,‏ وقالت محاميتها إنها عرضت السيناريو علي شركة كندية علي صلة بشركة وارنر براذرز علي أمل إنتاجه كفيلم‏,‏ وتقول الكاتبة إن العمل مستقي من أبحاث أجرتها خلال عام‏1997,‏ عن علاقة السي‏.‏ آي‏.‏ إيه بشركات البترول في منطقة الشرق الأوسط‏,‏ وأنها متخصصة في طرح أسئلة حول بترول الخليج العربي‏!!‏ وهو عكس ما قيل قبل ذلك من أن القصة مستوحاة من أحداث حقيقية عاشها ضابط الخابرات المركزية الأمريكية سي‏.‏ آي‏.‏ إيه‏,‏ ويحمل اسم روبرت باير الذي ألف كتابه لا أري شرا‏:‏ القصة الحقيقية لجندي مشاه في السي آي إيه في الحرب علي الإرهاب الذي صدر عام‏2003‏ وله العديد من المؤلفات الشائكة مثل النوم مع الشيطان وحرب الأشباح وظهر باير في لقطة من الفيلم في دور يمثل شخصيته الحقيقية كضابط مخابرات‏,‏ وقام المخرج ستيفان جاجان بكتابة السيناريو المأخوذ عن كتابه‏.‏

وربما آثار النجم جورج كلوني الذي سيتم‏45‏ ربيعا في‏6‏ مايو القادم‏,‏ غيرة واستفزاز الكثيرين بفضل تألقه الأخير الذي فاق كل حد‏,‏ فلم ينجح فحسب علي المستوي الفني‏,‏ بل أيضا علي المستوي الإنساني‏,‏ فخاض بكل شجاعة حقول الألغام وكشف النقاب عن مؤامرات مخيفة تورطت فيها بلاده‏,‏ لينضم إلي فريق مواطنه المخرج مايكل مور الذي يهاجم دوما مخططات الرئيس بوش‏,‏ وفاز فيلمه فهرنهايت‏11/9‏ بجائزة أوسكار كأحسن فيلم وثائقي عام‏2004,‏ ويستعد لإنتاج جزء ثان‏!‏ وهو يتناول العلاقة بين عائلتي بوش وبن لادن‏.‏

وبالفعل كنا قد عهدنا جورج كلوني كشاب وسيم يذكرنا بالراحلين كاري جرانت وكلارك جيبل‏,‏ مقدم النوعية الخفيفة من الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية‏,‏ بدءا من مسلسله الشهير حالة الطواريء ونذكر من أشهر أفلامه باتمان وروبين ويوم حلو ومن الأفلام الجادة بدأ بـ الخط الأحمر الرفيع عن الحرب العالمية الثانية عام‏1998,‏ ثم الملوك الثلاثة عام‏1999‏ عن حرب الخليج بين العراق والكويت‏,‏ مع لمحة كوميدية أيضا ولا ننسي سلسلة أفلام المغامرات أوشنز اليفن الذي قدم منها جزءين ويستعد للثالث‏,‏ ومن أفلامه الشائكة التي أثارت ضجة سريانا رغم أنه لم يقدم سوي مشاهد معدودة علي أصابع اليد الواحدة‏,‏ وشارك فيه مات ديمون وكريستوفر بلامر واليكسند صديق وعمرو واكد‏,‏ وفاز كلوني عنه بجائزة‏,‏ أوسكار كأحسن ممثل مساعد هذا العام‏,‏ وفيلم طابت ليلتك وحظ سعيد الذي قام ببطولته وإخراجه وكتابة السيناريو الخاص به ورشح عنه لجائزتي أوسكار كأحسن ممثل وأحسن سيناريو هذا العام أيضا‏,‏ والفيلم من النوعية التي تؤرخ لفترة الخمسينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قطار السلطات الأمريكية الشيوعيين‏,‏ من خلال كواليس الإعلام‏,‏ فهل يتعرض كلوني للمضايقات كفاتورة منطقية للاعتراضات السياسية‏*‏

الأهرام العربي في 29 أبريل 2006

"سيريانا".. فيلم الشيطان والأغبياء

هبة ربيع**  

هل تتم الصفة؟

قد يكون اسم فيلم المخرج "ستيفن جاغان" Stephen Gaghan "سيريانا" Syriana غريبًا على الجمهور العربي والغربي على السواء، وهذا يدفع بداية إلى محاولة معرفة كنه الاسم قبل تشريح الفيلم ذاته، فـ"سيريانا" من وجهة نظر البعض هي مصطلح خاص بعملاء المخابرات المركزية الأمريكية ومهماتهم في دول الشرق الأوسط.

في حين يؤكد بعض الخبراء السياسيين أن المصطلح يدلل على طموحات القوى السياسية والاقتصادية الأمريكية وأطماعها في هذه الدول، وهما معنيان لا يتناقضان من حيث الجوهر، بل يصبّان في نفس الهدف.

وهذا يجعلنا نفهم سريعًا سر العبارة التي تتشكل لدى المشاهد غداة خروجه من مشاهدة الفيلم التي تقول بأن "المال والسياسة وجهان لعملة واحدة" أو سر ترديد عبارة "كل شيء متصل بعضه ببعض" وهي ذات العبارة التي تلتصق بك بعد أن تطالعك في بوستر الفيلم الدعائي.

صراع الحيتان

من هنا يمكن للقارئ أن يتكهن بمضمون هذا الفيلم السياسي المهم الذي يمكن تلخيصه في أنه يتناول تلك اللعبة القذرة و"صراع الحيتان" الذي تتزعمه الشركات الأمريكية العاملة في مجال النفط لانتزاع النفط العربي، مستخدمة في ذلك جميع الحيل والأساليب الملتوية لإشباع نهم الطامعين في النفط، وعلى نفس الخط تدخل الصين محاولة أخذ حظها من ذلك النفط.

ورغم أن الصراع يدور حول النفط وما يُدرّه من عوائد فإن ذلك الصراع يتم عبر حبكة سينمائية تحتاج لكثير من التدقيق فيما يقدمه الفيلم من رسالة واضحة تقول: "عرب أغبياء يستغلهم الأمريكان ويستنزفون ما لديهم من ثروة بإغوائهم بحياة مترفة في أفخم القصور وبأطيب الملذات، بينما ناسهم يغرقون في بحر الإرهاب الذي يعود بدماره على الجميع".

وتبدأ أحداث الفيلم من طهران، حيث عميل المخابرات الأمريكية "بوب بارينز" الذي يتفق على صفقة بيع صاروخين لإحدى الجماعات الإرهابية، ويظهر أن الاتفاق يتم بمعرفة الإدارة الأمريكية، ولكن الأمر يفلت سريعًا من بين أيديها بتدخل الشيخ محمد عجيزة (يقوم بدوره الممثل المصري عمرو واكد) واستيلائه على أحد الصاروخين.

صناعة.. الفساد!!

وعلى الجانب الآخر نتابع أحد أمراء الخليج، يتكلم بلغة عربية صعبة، ويفكر في ابنيه وأيهما يصلح لخلافته؛ الأكبر "الأمير ناصر السباعي" (يؤدي دوره ألكسندر سيديج) أم الأمير مشعل الابن الأصغر (ويؤدي دوره أكبر كرزا)؟.

المخابرات الأمريكية تقرر أن يكون الأصغر هو الوريث وترسل عميلها "بوب" لاغتيال الأمير ناصر، فهو أي ناصر يريد بيع حق استغلال حقول النفط إلى شركة صينية بدلاً من شركتين أمريكيتين، وهو متعلم في جامعات لندن ويرغب بتحقيق مشروع إصلاحي في بلده من خلال ديمقراطية حقيقية، وبرلمان يتم انتخاب أعضائه بمشاركة المرأة. ليكون النقيض "مشعل": صناعة أمريكية بحتة، والنموذج المثالي الذي تروج له وتدعمه، فهو سفيه، أرعن وأقرب للمخنث منه للرجل الطبيعي.

ومن طهران والخليج إلى أقصى الغرب، حيث اندماج شركتي البترول "كونيكس" و"كلين" في أمريكا؛ لتحقق وزارة العدل الأمريكية في تلك عملية لوجود شكوك بأن وراءها الكثير من الرشاوى للأمراء العرب، وأثناء التحقيق يصرخ عميل المخابرات الأمريكية في وجه محامي الادعاء ضد الشركات قائلاً له: "لا تحدثني عن الفساد.. إننا نكسب فقط بسبب الفساد".

لغة المال ولغة الفكر!!

تكتمل الصورة وتتشابك الأحداث بالفتى الباكستاني "وسيم خان" ويقوم بدوره الممثل "مظهر منير" الذي يعمل مع أبيه في حقل النفط، حيث يتم الاستغناء عنهما بالإضافة لعدد كبير من العمال؛ بسبب اندماج شركتي "كونيكس" و"كلين" ليتنقلا في أعمال مهينة تنتهي بالاستغناء عنهما دومًا؛ ليصبح الشاب فريسة سهلة لمجموعة "إرهابية" يقودها الشيخ محمد عجيزة.

أما "بريان وودمان" الخبير الاقتصادي في مجال صناعة البترول فهو أحد مفاتيح الفيلم التي تقودنا للتعرف على غيره من الشخصيات، فهو يعمل في البداية في إحدى الشركات الكبرى في سويسرا، ثم يسافر إلى ماربيلا في أسبانيا لحضور حفل خاص في قصر الأمير "ناصر السباعي" في محاولة لإقناعه لإبرام صفقة مع شركته، ويصطحب الخبير الاقتصادي زوجته وطفليه لحضور الحفل الأسطوري، لكن ابنه الصغير يتعرض للموت صعقًا بالكهرباء في حمام السباحة؛ ليحاول الأمير تعويض الأب عن طريق قبول الصفقة التي سبق أن عرضها عليه برايان ورفضها بمبلغ خيالي. فيسأله برايان ساخرًا: "تدفع 600 مليون دولار لابني الميت؟! كم تدفع نظير ابني الآخر؟"، فيجيبه الأمير ببساطة المعتاد على بعثرة أمواله: "أدفع 100 مليون، ولكن لماذا لا تقول لي شيئًا لا أعرفه؟!"، فيجيبه برايان في حماسة مستخدمًا أصبعه للرسم على الرمال: "ما رأيك في إنشاء خط أنابيب لنقل البترول من بلادكم إلى الشرق، حيث تستخدمونه بدلاً من الفرجة على المراكب التي تنقله حول إفريقيا؟، لقد كنتم من مائة عام فقط مجرد رعاة غنم تعيشون في خيام بالصحراء، وستعودون إليها خلال المائة عام القادمة إذا تركتم البترول ينسحب من بين أيديكم، فالعالم في صراع ضارٍ على منابع البترول وتسعون بالمائة منها موجود هنا في بلادكم!!".

ويعتبر هذا المشهد بمثابة Master scene، أي أحد المشاهد الهامة التي تبلور اختلاف الثقافتين العربية والأوروبية، فالصحراء المترامية الأطراف تضم كلا البطلين أحدهما -الأمير العربي- لا يعرف إلا لغة المال الذي يملك الكثير منه، أما الآخر -الأوروبي- فلديه الأفكار والقدرة على استثمار الثروة، فالأمير كما يقول برايان: "ماكينة سحب نقود قد وضعت أمام منزله فكيف يرفضها؟".

اغتيال الإصلاح

المخابرات الأمريكية لا تمهل الأمير ناصر السباعي لتحقيق أيٍّ من مشاريعه، وتنجح في اغتياله بصاروخ موجَّه بالأقمار الصناعية لموكبه -بعد أن فشل عميلها بوب في اغتياله- فتتحول جثث الجميع إلى أشلاء، ولا يخرج منها حيًّا إلا الخبير الاقتصادي بريان الذي يقرر العودة إلى أمريكا، وبهذه الطريقة تضمن الإدارة الأمريكية أن يظل بترول الخليج أو سيريانا كما كان يُسمى الخليج قديمًا ملكًا لها.

وباغتيال ناصر تحتفل الشركة الأمريكية بافتتاح خط إنتاج البترول في حضور الأمير "مشعل" الذي أصبح ملكًا للبلاد، ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فالشاب الباكستاني الذي عانى كثيرًا مع والده من قلة العمل يفجّر نفسه بزورق مفخخ بصاروخ في إحدى الشاحنات العملاقة للنفط التابعة للشركة الأمريكية.

صور نمطية وغير نمطية

الفيلم من إخراج ستيفن جاغان وهو نفسه كاتب السيناريو، وسبق له الحصول على أوسكار عن سيناريو فيلم ترافيك Traffic الذي قدمه عام 2000 وقصة سيريانا مأخوذة عن كتاب "لا أرى شرًّا" see no evil لروبرت بيير أحد عملاء المخابرات الأمريكية والمسئول عن ملف الشرق الأوسط خلال ثلاثين عامًا، ويدور الكتاب عن عالم المخابرات الأمريكية وعلاقتها بشركات صناعة البترول وبمتابعة خلايا الإرهاب في العالم الإسلامي.

نجح الفيلم في تقديم عدد كبير من الشخصيات المرسومة جيدًا دون الوقوع في فخ التنميط، فالإرهابي الذي يفجر نفسه ليس عربيًّا وإنما لديه من الأسباب ما يكفيه لتفجير نفسه، والأمير العربي الدارس في أوروبا "ناصر" ليس منبهرًا بكل ما هو غربي وأوروبي، بل يحترم ثقافة بلده ويحلم بتحديثها، وحتى عميل المخابرات "بوب" ليس شريرًا وإنما مخلص ومؤمن بما يقوم به خدمة، في نظره، للسلام العالمي، وانتهى به الأمر مشككًا غاضبًا ونادمًا عندما اكتشف أن وجوده لخدمة رجال الأعمال الأمريكيين من أجل زيادة أرباحهم وثرواتهم، وعندما يحاول إنقاذ الأمير الذي كُلّف باغتياله ينتهي به الحال مقتولاً إلى جواره.

كما أن هناك عددًا من الصور النمطية التي تمثلت في المرأة الخليجية، فهي ترتدي العباءة وتمشي خلف الرجل بأمتار خمسة، والرجال يرتدون الجلابيب الرثة. وكذلك الحال في الصورة التي نقلت من بيروت، حيث بدت كأنها نسخة من حال المدينة أثناء الحرب الأهلية، كما أنه كرّس فكرة نظرية المؤامرة وكرسها في الوعي العربي أكثر.

ليس مجرد فيلم

وعلى صعيد آخر يمكننا اعتبار فوز جورج كلوني بجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد عن دوره في الفيلم دليلاً على عدم وجود بطولة مطلقة، وبالتالي فإن كل دور في الفيلم يمكن أن يكون دورًا أولاً، وتستطيع أن تحصي على الأقل أربعة أو خمسة ممثلين في الفيلم قدموا أداءً تمثيليا يدعو للدهشة والانبهار رغم قصر المساحة الزمنية التي يتحركون خلالها.

كما أن المخرج برهن على قدرته الفذة في السير على عشرات الخطوط الدرامية داخل الفيلم دون أن يفقد حالة التوازي التي هي أساس عملية الكشف الفضائحية لكواليس الإدارة الأمريكية، وهو في ذلك استخدم تكنيكات الكتابة بدءًا من اللقطات القصيرة ذات الدلالة المعبرة والإلمام بعناصر الثقافة العربية والإسلامية، حتى الفلاش باك والمشاهد الصامتة التي لا تصاحبها سوى موسيقى داخلية تعبر عن الحزن الإنساني العميق والنابع من مشاهد الحضارة الإنسانية التي تنهار على يد الدولة العظمى.

البترول كلمة السر في صراع الفيلم، وهو ما ظهر واضحًا ليس فقط في أحداثه وعلاقاته المتشابكة، ولكن حتى في أفيش الفيلم الذي يغرق فيه عميل المخابرات الأمريكية "بوب" في البترول فلا يرى أو يتكلم أو يسمع، ويتجاوز الفيلم كونه وسيلة للترفيه أو التعريف بدعوة صناع الفيلم من خلال موقعه على الإنترنت إلى حملة لتقليل الاعتماد على البترول، ويمكن للمتحمسين الانضمام إليها .

**صحفية وناقدة فنية.

إسلام أنلاين في 26 أبريل 2006

 

مستشار رئيسي في «سيريانا» وممثل ثانوي في الفيلم...

بشار عطيات: أردني يرتقي سلالم هوليوود

دبي - إبراهيم توتونجي 

اللقطات القليلة التي يظهر فيها الممثل الأردني - الأميركي بشَّار عطيات في فيلم «سيريانا» الذي يعرض حالياً في دبي، أقل أهمية بكثير من الدور المؤثر الذي لعبه مع آخرين، في تقديم الاستشارات اللوجستية والموضوعية اللازمة لمنفذي الفيلم خلال تصويرهم الجزء الأكبر من مشاهده بين دبي والمغرب. فالمنتجون المنفذون للفيلم، وبتحريض وترحيب من جهات حكومية في الإمارة، اقتنعوا بأن دبي قد تكون المكان الأكثر ملاءمة، من ناحية التكلفة المادية والتسهيلات وعدم وجود عراقيل سياسية، لتصوير مشاهد الصحراء التي كان مقرراً، في البداية، تصويرها في المغرب، كما اعتاد مخرجو هوليوود، وتسويقها على أنها «صحراء خليجية». ثم زادت الإفادة، حين اقتنع المخرج بإمكان تصوير مشهد في أحد فنادق دبي الفخمة، من المفترض انه يدور في قصر لأمير خليجي في اسبانيا. وحده المشهد الذي تدور أحداثه في بيروت، فضل المخرج تصويره في المغرب كونه لم يجد في المنطقة القديمة من دبي مكاناً يشبه شوارع بيروت.

يرتبط عطيات بعلاقة زمالة وصداقة مع المنتجين المنفذين، الأمر الذي أمن له صفة استشارية غير رسمية بداية، ثم محددة بعقد، مع صناع الفيلم: «تخرجت من أكاديمية كيم داوسون في لوس أنجليس (ستوديو 11)، وهي مدرسة تعتمد في تدريسها على أسس ونظريات مذهب الشخصيات التمثيلية العميقة والمركبة، المسماة «أسلوب شخصيات مايكل شيكوف»، التي تؤدي بعينيها وبكثير من الصمت، ومن أتباعها نجوم مثل شين كونري وانتوني هوبكنز».

يصنف الوسطاء العالمون في الصناعة السينمائية الممثلين ضمن درجات «اي، بي، سي، دي». ويعد نجوم الصف الأول مشمولين بالفئة الأولى، وعطيات يصنف في فئة «دي» غير أن ظهوره في «سيريانا» رفعه مرتبة، الأمر الذي سيمكنه من لعب أدوار أهم في أفلام مقبلة. هذا على رغم أن له بطولات في أفلام أميركية متوسطة الموازنة، لم يعرض غالبها في منطقتنا مثل:» الزواج» الذي قام ببطولته واخراجه مع كين هاريسون، و «بيل اير» الذي قام بدور رئيسي فيه مع الممثل فرانك كابولا (شقيق النجم نيكولاس كيج)، اضافة الى فيلم «ويشبون» الذي أخرجه ريك دافيلد. وقام عطيات ببطولة حلقات تلفزيونية أميركية ظهرت على بعض شاشات التلفزة الخليجية، اضافة الى أدوار في مسرحيات كثيرة على خشبة «ستوديو 11». يقول: «درست الفيزياء في الأردن، لكنني غادرت قبل عقدين الى الولايات المتحدة ومعي حلمي بالوصول الى الشهرة والنجومية». يقول إنه استفاد من شكله العربي، وصار مطلوباً في أفلام، بخاصة بعد 11 أيلول (سبتمبر)، وانه يعمل حالياً على كتابة مشروع فيلم يتناول مسألة الصراع الثقافي بين الشخصية الأميركية والشخصية العربية:» كل الأفلام تركز على المعنى السياسي، اريد ان أصنع فيلماً يقدم الفكرة ببساطة، فالعرب والأميركيون متشابهون في مخاوفهم وهواجسهم».

وفي انتظار العثور على المنتج الملائم، يعمل عطيات في دبي، مرتبطاً بجهات عدة تنشط حالياً في ارساء بنية تجهيزية تمكن المدينة الانتاجية من لعب دور مشتهى لأن تكون «مركز السينما في الشرق الأوسط»: «عملت مع شركة أميركية تصور فيلماً في أبو ظبي حالياً، وهناك نقاشات مع ثلاثة ممولين انكليز وهنود يتحضرون لانتاج أفلام من دبي».

دبي لم تظهر «بوضوح» في أحداث الفيلم

عبّر طاقم فيلم «سيريانا» (400 شخص) بمن فيهم نجمه جورج كلوني، عن سعادته بالاقامة في دبي، خلال فترة التصوير، حتى أنه أشاع الحديث، حين عودته الى الولايات المتحدة، عن «المدينة التي بهرتنا بحداثتها»، وهو ما يخالف بعض القصص عن «الضيق الشديد الذي شعر به كلوني خلال أيام التصوير». وعلى رغم وجود اتفاق بين المنتج وبين مسؤولين رسميين في دبي حول عرض الفيلم في صالات المدينة في اليوم ذاته من انطلاق العروض في بريطانيا والولايات المتحدة، الا أن الجهات الرقابية في دبي استمهلت ريثما تعيد «فحص» نسخة العرض النهائية من الفيلم، مع أنها أجازت تصوير مشاهده سابقاً، بناء على ما جاء في الورق. هكذا تأخرت عروض «سيريانا» في الامارة عن عروضه العالمية.

ويروي أحد المقربين من صناع الفيلم أن رسميين في حكومة دبي أبدوا استياء من عدم أخذ مخرج الفيلم ببعض الملاحظات التي اقترحوها، والتعديلات التي طالبوا بها. وكان وعد بأن يأخذ بعضها في الاعتبار. هكذا تفاجأوا، على سبيل المثال، باستمرار الاشارة الى مواقع التصوير التي ظهرت فيها الصحراء بوصفها «الخليج الفارسي» وليس «الخليج العربي». غير أن الفيلم تماشى مع رغبة رسمية بعدم اظهار دبي في الفيلم، من الداخل، أي لقطات تظهر ملامحها في شكل واضح، والاكتفاء بأن تظهر أبراجها (غالباً شارع الشيخ زايد) كخلفية لصورة الصحراء التي كان يتدبر فيها «الارهابيون» خططهم. وفعلاً، لم تظهر دبي «بوضوح» كامل في الفيلم. ويرى بعض المحللين أن السبب هو عدم الرغبة في توريط دبي بموقف سياسي يحسب عليها.

الحياة اللبنانية في 6 مايو 2006

 

سينماتك

 

منع "سيريانا" لستيفن غاغان من دون أسباب مُعلنة رقابة برقابات كثيرة

جورج كلووني في مشهد من "سيريانا" لستيفن غاغان

نديم جرجوره

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك