بعد موجة قنوات الأغاني والفيديو كليب، وقنوات الأفلام – غير المشفّرة – من روتانا وميلودي. ظهرت منذ أشهر قلائل قناة فضائية جديدة تبثّ تجريبياً تحت اسم "فنون". ومن مراقبة بثها التجريبي لمسرحيات ومسلسلات كوميدية كويتية عرفنا جنسية هذه الفضائية. وبالنظر لغلبة المواد التي يقوم ببطولتها نجم الكوميديا الكويتية، الفنان عبد الحسين عبد الرضا، خمّنا انه على صلة وثيقة بهذه القناة. وبالفعل، فقد وجّه العديد من الفنانين الكويتيين والعرب التحية والتهنئة لاحقاً للفنان القدير عبد الحسين عبد الرضا، بمناسبة افتتاح هذه القناة الأولى من نوعها في العالم العربي، المتخصصة بالكوميديا الخليجية والعربية عموماً من مسلسلات ومسرحيات وأفلام. هذه القناة جاءت لتسدّ فراغاً كبيراً في حياتنا "التلفزيونية"، وخصوصاً انها مجانية ومفتوحة على الهواء.

ويلاحظ في حياتنا العربية اليومية سيادة العبوس والتجهّم والكآبة، كأننا أمة خُلقت للأحزان والنكد الأزلي ... وهذا أمر له تاريخ قديم عندنا، حزناً وغمّاً على قتل الأنبياء والأئمة والمتصوفين والمعارضين السياسيين والمفكرين الأحرار ... إرجعوا الى "الكتاب" لأدونيس – بجزأيه – للمزيد من الإطّلاع والتوثّق.

ان الضحك كما يقول أنسي الحاج – ربما نقلاً عن أمبرتو إيكو – شكّل نوعاً من التحدي الأولي للقدر والآلهة، صيحة انسانية ضد القيود والإملاءات الغيبية. وربما اعتبر المتطرّفون الاسلاميون – في العالم العربي – الضحك عورة او فاحشة ... وينهون الناس عن ارتكابه – كما حصل في أوروبا في القرون الوسطى المظلمة!

أبو نوّاس – وغيره من الشعراء "الخليعين" – كان يعجبهم ان يسخروا من الجدّية والرصانة العربية المتوارثة من أيام الجاهلية، والمتمثلة في الوقوف والبكاء على الأطلال والدمن المندرسة .... هذه الرصانة – لاحقاً – تمّ تكريسها دينياً وسلطوياً كسلوك حياتي وأخلاقي يومي. لكنْ، هل نتصور بلاط خليفة او حاكم او أمير كان يخلو من اللهو والشعر والرقص والغناء والمنادمة ... كلا، بالتأكيد. وربما كانت هذه الأشياء ممنوعة على عامة الناس، وعلى الفقراء الذين كُتب عليهم ان يعيشوا حياتهم هذه كمحطة ترانزيت للعبور الى العالم الآخر. وربما هذا ما يريدونه منا الآن؛ القادة والسياسيون ورجال الدين والارهابيون والمتطرفون .... ان نعيش "ترانزيت" لحين الرحيل الى العالم الآخر ... عالم القبور الأبدي.

واحدة من المشاكل الكبرى والمهمة في حياتنا الفنية و"الابداعية" ... هي تراجع الانتاج الكوميدي في المحطات التلفزيونية العربية، أما في السينما فان الكوميديا سمجة وثقيلة ومهينة ومليئة بالاسقاطات السياسية السخيفة والغبية. كما يطلق عندنا على المسرح الكوميدي تسمية "المسرح التجاري" بشكل عام ... وان كان سياسياً أيضا يطلق عليه اسم "الكباريه السياسي" ... في تكريس واضح لنظرة استعلائية وتحقيرية للكوميديا بشكل عام. وربما يعود أصل المشكلة الى الماضي العتيق، إذ عرف العرب الكثير من فنون وآداب وعلوم الاغريق ... لكنهم تجاهلوا عمداً الكوميديا لأنها تزيل الوقار ... وبالتالي هي رجس من عمل الشيطان.

المحطات الاعلامية الاخبارية مثل الجزيرة والعربية والمحطات الحكومية وحتى الأهلية تزيد من كآبة وحزن الواقع أضعافاً مضاعفة .... أين هو المتنفّس الكوميدي إذن؟ يجب ان نبحث عنه، أن نخلقه، يجب ان نواصل الضحك، يجب ان نواصل السخرية من أولياء الأمور والمربين والمتحكمين برقابنا .... وإلا متنا غيظاً ... هذا كان سلاحنا الوحيد أيام الطاغية المنصور .... النكات وفقط النكات ... حتى وصلت الى أذنيه الدكتاتوريتين. اليوم يقولون ان العراق حرّ ... لكنه خالي من النكتة والسخرية وكل أشكال الكوميديا ... ربما نحتاج الى دكتاتور!

في هذه القناة نتذكر ونستعيد أبطال الكوميديا الذين تربينا على نتاجاتهم منذ الصغر ... اسماعيل ياسين، عبد السلام النابلسي، فؤاد المهندس، ثريا حلمي، زينات صدقي، ثلاثي أضواء المسرح، شكوكو، عبد المنعم مدبولي، أمين الهنيدي، أبو بكر عزت، عادل إمام، شوشو، فيلمون وهبي، دريد لحام، نهاد قلعي، سليم البصري، حمودي الحارثي، أمل طه، خليل الرفاعي، محمد حسين عبد الرحيم، سعاد عبدالله، عبد الحسين عبد الرضا، داود حسين، خالد النفيسي وآخرين .... وخصوصاً، ان أغلب نجوم الكوميديا الحاليين، في السينما او المسرح ... مقرفون!  

واحدة من الأشياء التي تؤرقني حول محطة فنون هي عبارة "بثّ تجريبي" التي تحملها المحطة منذ بدء عملها قبل حوالي ثلاثة اشهر. ترى ما الذي ينتظره القائمون عليها، ماهي المفاجأة التي يخبؤنهاللمشاهدين الذين أحبوها وتعلّقوا بها طوال هذه الأشهر؟

أخشى ان تنضم المحطة الى شبكة من الشبكات التلفزيونية المدفوعة الثمن مثل الأوربت او الأرت او حتى الشوتايم، وخصوصا ان الأخيرة تابعة لشركة شوتايم أرابيا الكويتية/الأمريكية. وبالفعل هناك تساؤلات حول كيفية تمويل المحطة لنفسها، كيف تسدد رسوم المواد التي تعرضها من أفلام ومسلسلات عربية؟ أتمنى ان لا يكون المشاهد الفقير او البسيط ضحية لهذه الحسابات المعقدة ... هل تدعمها إحدى الجهات "الانسانية" خدمة للسلامة النفسية للمواطن العربي "المشدود الأعصاب" دوماً ... على العراق وفلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان وايران وعموم الأمة الإسلامية! 

نحن في العراق نشعر بالحنين الى الكثير من الانتاجات الكوميدية العراقية القديمة، التي لا نعرف أين نشاهدها بعد ان تكاثرت المحطات التلفزيونية العراقية، الأرضية والفضائية منها، بشكل سرطاني مدهش. نحنّ الى أعمال عادل إمام القديمة مع سمير غانم وسعيد صالح وحسن يوسف وآخرين ... تلك التي أطلق عليها النقّاد العرب "الكئيبون" في السبعينات تسمية أفلام المقاولات وجعلونا نحتقرها. اليوم عندما نشاهدها "نموت" من الضحك، عليها وعلى أنفسنا ايضا ... لأننا تصورنا اننا نسير الى الأمام، نحو الأفضل، والغد سيكون أفضل من الأمس على حدّ قول الأغنية الشعبية العراقية التي كان الشيوعيون في العراق يرددونها دوماً ... حتى انهار كل شيء، ولم تبقَ إلا الأحلام وصدى الضحكات القديمة وسذاجة الأيام الخوالي.  

ناقد عراقي، بغداد

leoman572001@yahoo.com

موقع "كيكا" في 3 مايو 2006

 

يعرض الآن على شاشات الكويت

في فيلم 'فاير وول' ليس مهما ماذا تقول ولكن كيف تقول؟

عرض وتحليل: عماد النويري  

ليس مهما ماذا تقول ولكن المهم هو كيف تقول!.

هذا ما شعرت به بعد مشاهدة هاريسون فورد وهو جاد ومكتئب وممتعض ومشحون بالتوتر والقلق على نفسه وعلى زوجته وابنائه.

والحدوتة الاكشنية بسيطة وخيوطها ومحاورها معروفة وتقليدية وربما شاهدتها في مئات الأفلام.

الأب طبيب او مهندس او صحافي يحتل موقعا مرموقا ويمتلك أموالا او معلومات او حقائق تهم اناسا آخرين وهذه الأموال مسيلة للعاب اللصوص والمعلومات مسيلة لشغف عصابات التجارة والصناعة والحقائق ربما تكشف عن تجاوزات الحكومة او المؤسسة او الشركة ولابد من اخفائها.

طرفي الصراع الآن في منتهى الوضوح الأب في مواجهة العصابة لكن كيف سيخضح الاب وكيف ستلوى يده لكي يتنازل عن الأموال او المعلومات او الحقائق. التوليفة الاكشنية تقدم اكثر من حل بهذا الخصوص.

يمكن مثلا اخذ الزوجة كرهينة ويمكن أيضا اعتقال الأبناء للضغط على الاب وفي حالة عدم وجود زوجة او أبناء يمكن في هذه الحالة اعتقال الحبيبة وهذا ما حدث في فيلم هاريسون فورد 'فاير وول'.

مغامرات ومطاردات

الأب المحترم جاك مانسفيلد يحتل وظيفة مرموقة كمدير لبنك أي تقع تحت يده أموال طائلة يسيل لها لعاب كل عصابات الأموال يقع ضحية لبيل كوكس الذى يجسده الممثل بول بيتني ويرغم على تحويل مائة مليون دولار من حسابات البنك تحت ضغط اعتقال زوجته وابنته وابنه الصغير. جاك لا يستسلم ويحاول جاهدا ان يسترد الأموال ويسترد عائلته المخطوفة وينجح في ذلك، على رغم انه يخوض في مغامرات ومطاردات شيقة ومثيرة تكاد تودي بحياته وبحياة عائلته ولأنه ذكي وشجاع يستطيع ان يخرج من تلك الأزمة من دون ان يصاب بمكروه سوى بعض الرضوض والخدوش التي انتشرت على وجهه وذراعه. وعلى الجانب الآخر فقد جرى تلقين بيل كوكس درسا لن ينساه حتى الموت هو وافراد عصابته.

إبهار وتشويق

ليس مهما ان تشعر لوهلة انك شاهدت هذه الأحداث في مئات الأفلام من قبل لكن ستلاحظ انك مشدود الى مقعدك حتى اللحظة الأخيرة وهنا يكمن نجاح المخرج في صنع الابهار وصنع التشويق وصنع كل ما يجذب المشاهد المغلوب على امره.

الفيلم 'الفن' يقدم اضاءة معبرة وموسيقى تصويرية مناسبة وإيقاع مونتاجي يدفع بالأحداث الى الأمام من دون رتابة او ملل. لا نستطيع التوقف امام محطات تميز جمالية كثيرة في الفيلم، لكن يمكن الإشارة إلى اهتمام المخرج الأكبر بأداء الممثل فإلى حد كبير نجح هاريسون فورد في تجسيد شخصية جاك مانسفيلد على رغم ان تعبيراته منذ بداية الفيلم كانت جامدة. كان من المفترض ان يصلنا الإحساس الكافي بأن الشخصية مختلفة قبل الحدث الرئيسي ومنذ البداية كان يبدو ان جاك يعرف ما سوف يقع له وكأنه يمهد لنا بجديته وعبوسه ما سوف يحدث. ونجح بول بيتني في تجسيد شخصية بيل كوكس، واستطاع ان يكون نموذجا يحتذى به في تأدية شخصية رئيس العصابة الهادئ الوقور الثائر اذا لزم الامر. ولعبت فرجينيا مادسن دورا يحسب لها عندما جسدت شخصية الزوجة بث.

ليس مهما ماذا تقول ولكن المهم هو كيف تقول! هذا هو الشعار الذي ترفعه الشركات المنتجه التي تحرص على تقديم مجرد افلام تسلي ولا تقول شيئا ولا تحزن كثيرا عندما تكتشف بعد الفيلم انك قضيت وقتا مسليا من دون فائدة تذكر.

القبس الكويتية في 2 مايو 2006

 

نادي القطن...التقنيات تقضي على الجاز والمافيا

فراس الشاروط 

صنع المخرج فرانسيس فورد كوبولا فيلمه نادي القطن عام 1985 وهويقع بالمنتصف بين فيلمه الأشهر العراب وهو عن عالم عصابات المافيا وقد حصل على ست جوائز اوسكار وبين فيلمه واحد من القلب وهو فيلم عن عالم الموسيقى والحب وضع فيه كوبولا كل ما لديه من أموال وكل سبل ألتقنيه الحديثة - في ذلك الوقت- وحصل مقابله على خراب وخسارة شركته ( زيتروب).

بنى كوبولا فيلمه هذا على ثنائية الموسيقى والقتل، مافيا وجاز، ابيض واسود، المجد والانحطاط، وهو عن عالم أمريكا العشرينات محاولا إحياء تلك الفترة من خلال( نادي القطن) وهو ناد صغير كان ملتقى لرجال العصابات وممثلي السينما والنساء الجميلات الطامعات بالشهرة حيث تصدح فيه موسيقى الجاز،وحيث النساء والحب والغدر والخيانات والرصاص المتطاير....ومن خلال الثنائيات التي عرضناها حاول كوبولا أن يمزج بين خطين أساسيين لفيلمه هما:

- خط الواقعية: فهناك الكثير من الشخصيات الحقيقية التي عاشت في هذه الفترة( العشرينيات) وتحديدا كان تواجدها في هذا النادي نادي القطن مثل الموسيقي الكبير(الينتون ديوك) و رجل العصابات(شولتز) والممثل الكبير (شارلي تشابلن)

- أما الخط الثاني فهو خط التاريخ أو الأصح الميثيولوجيا على اعتبار إن التاريخ الأمريكي في حقيقته هو مافيا وموسيقى جاز، وهما أساس وجوهها ووجودها.

تبدأ أحداث الفيلم عندما نتعرف على البطلين الشابين( أحدهم زنجي والآخر أبيض أدى دوره ريتشارد غير) وهما يحاولان تحقيق طموحاتهما من خلال دخولهم إلى نادي القطن، فالأول الزنجي يتحول إلى راقص مشهور في ذلك النادي الذي انطلقت منه موسيقى الجاز لتغزو العالم ، والأخر يحاول تحقيق حلمه بان يصبح نجما سينمائيا مشهورا.

يصور كوبولا بشغف مثل فيلمه السابق العراب العائلة الامريكيه وهمومها موحيا لنا بأن أمريكا أشبه بالغابة الوحشية وعليك القتال كي تبقى حيا والنضال كي تحقق طموحاتك بالبقاء والنجاح، ولمن يريد النجاح عليه الانضمام تحت لواء العائلة الكبيرة ( المافيا) هذه العائلة هي الحضن الحنون الذي يحمي كل خارج عن سلطة العائلة الصغيرة مثل البطل ريتشارد غير وأخيه نيكولاس كيج ، فالعائلة الكبيرة سلطوية وعلى الجميع أن يقدموا فروض الطاعة والولاء لها، الصغار الذين لا يتقنون اللعبة يتمردون فيدفعون حياتهم ثمنا لتمردهم وتطاولهم على السادة كما يحدث (لكيج) جعل كوبولا من نادي القطن أمريكا مصغرة فنرى هناك مجموعة من الأقليات التي تحاول العيش على حساب أقليات أخرى في ظل سلطة الرجل الأبيض وكل أقلية هي ( عائلة صغيرة) تدافع عن أبناءها ومصالحها فيشتد الصراع بين الأقليات .

أنها صورة أخرى من صور نضال السود ضد عنصرية البيض الذين يمنعونهم من دخول نادي القطن ، فالأسود الذي يدخل النادي هو من يعزف أو محكوم عليه بالرقص أمام الرجل الأبيض ....البيض أيضا منقسمون إلى أقليات تتصارع من اجل المصالح والسيطرة فيصفون بعضهم البعض بشكل دموي مقزز( مثل مشهد التصفية بين المافيا الإيطالية والمافيا الايرلندية )

جعل كوبولا موسيقى الجاز هي البطل الرئيس في الفيلم واهم عنصر من عناصره حيث تجري معظم المشاهد وسط ذلك النادي الذي كان يوما ما معبدا لكل عشاق الجاز ولكن المخرج وقع في إشكالية استخدامه المفرط لهذه الموسيقى ، فرغم أهميتها التاريخية وجمالها ظل استخدامها في بعض المشاهد مجرد حشو باهت مثلما بقي أبطاله مهمشين في تلك الحياة ( وفي السيناريو أيضا) حيث أن بناء الشخصيات لم يكن بالعمق الكافي فكانت أشبه بالأشباح التي تتحرك دون أن تترك أثرا بروحها أو إحساسها بان لها جسدا، وأظن السبب يعود إلى تصوير كوبولا لشخصياته بأسلوب التبسيط ضمن دائرة محيطه الاجتماعي، ملأ كوبولا شريطه الصوتي والصوري بالكثير من الأحداث فقام بمزج أكثر من حدث وصورة في آن واحد وهذا المزج هو أحد تقنيات المخرج وولعه بالالكترونيات التي أدت فيما بعد إلى خرابه وإفلاسه وبيعه لشركته(زيتروب) مثلما كانت السبب في خراب وفشل فيلمه هذا، فرغم جمالية هذه التقنيات إلا إنها في بعض الأحيان نجحت في بناء مشاهد ذكية ورائعة مثل مشهد المزج المتناوب بين أرجل الراقص على أنغام الكلارنيت وأرجل رجل المافيا الهارب من مطاردة العصابة له، وكلما اشتدت الموسيقى وتسرع الرقصات تسرع الرجل بالركض ويسرع الراقص أكثر وتسرع الرصاصات في نخر جسم رجل المافيا فتبدو ساقاه وهما تهتزان رقصا أو تشبه الرقص.

أعتمد فرنسيس فورد كوبولا على التقنية الحديثة في السينما أما السيناريو فكان باهتا والشخصيات غير ناضجة رغم المجهود الكبير الذي بذله ريتشارد غير ونيكولاس كيج وديانا لاين، فمات الجاز وقتلت المافيا تحت انبهار المخرج بتقنيته، نادي القطن أنتج عام 1985 وهو يقع بين فيلم العراب الشهير بجزئه الثاني عن عالم المافيا وبين فيلم واحد من القلب وهو قصة حب في عالم موسيقي وضع فيه كوبولا كل ما لديه من أموال وكل سبل التقنية الحديثة وحصل مقابله على خراب وخسارة شركته.

أخيرا فرنسيس كوبولا هو واحد من ثمان مخرجين أطلق عليهم اسم( الأولاد السحرة) حيث بدأوا مشاويرهم الإخراجية بداية السبعينات ليتربعوا على عرش السينما العالمية ويجمع بينهم- رغم الاختلافات- حب السينما والسبعة الآخرون هم: مارتن سكورسيزي ، براين دي بالما ، بول شرا يدر، جورج لو كاس، ستيفن سبيلبرغ، وليم فريدكين،و بيتر بوغدانوفيتش.

القبس الكويتية في 2 مايو 2006

 

سواديس sedawS... يمكنك أن تصنع أي شيء من النجوم

الوسط - ندى الوادي  

«سواديس» هو عنوان هذا الفيلم الذي قام ببطولته ببراعة الممثل الهندي «شاه روخان» في العام2004  .

والفيلم الذي يعني عنوانه بالعربية «نحن... الشعب»، يحمل ضمن ثناياه معاني وطنية، إنسانية، وشعبية كبيرة وقيمة، ساقها مخرج العمل أشوتوش غواريكر بشكل درامي متميز وممتع جداً، متحديا بذلك كل من يتهم الأفلام الهندية بالسخافة وسطحية المحتوى.

يبدأ الفيلم بعرض لشخصية «موهان باغارف» الهندي الأصل، والذي يعمل في وكالة «ناسا» الفضائية في العاصمة الأميركية (واشنطن). وربما اعتبرت هذه الجزئية مبالغاً فيها قليلاً، إذ كيف وصل هذا «الهندي» لوكالة ناسا، ليصبح أحد المهندسين المسئولين عن أحد أكبر المشروعات التي تقوم بها الوكالة، لتصميم مركبة فضائية يشرف عليها ويديرها لتقوم بمسح للكرة الأرضية من الفضاء لقياس كمية المطر. موهان «ويؤدي دوره شاه روخان طبعاً» شخصية ذات كفاءة عالية في المؤتمر الصحافي الذي تعقده الوكالة، مركزاً على أهمية المشروع وخصوصا مع وجود مشكلة المياه التي تواجه مناطق عدة من العالم، ومنها الهند، (بلده الأصلي).

غير أن موهان، يقرر العودة إلى الهند في رحلة للبحث عن «الأم كافيري»، المربية التي قامت على تنشئته وهو صغير، وفقد الاتصال بها منذ سنوات، ليحضرها معه إلى أميركا. ويسافر فعلاً إلى الهند، مستفيدا من انتهاء المرحلة الأولى من مشروعه في «ناسا»، غير أن البحث عن الأم كافيري في الهند لم يكن سهلاً، فقد تركت ملجأ المسنين الذي كانت تعيش فيه، ولم يكن موهان ليعرف مكانها لولا تعرفه مصادفة على نزيل عجوز في الملجأ يعرف أنها من قرية «جرانبور» البعيدة عن العاصمة.

بمجرد أن نزل موهان إلى مطار الهند، بدأت كاميرا المخرج تصور مشاهد أخرى لم نتعودها في هذا الفيلم، أو في غيره من الأفلام الهندية التي تهدف إلى جذب المشاهد وإمتاعه. من الواضح أن المخرج حرص على أن يصور الهند «الحقيقية» من دون رتوش، أو تعديلات، أو رقص وألوان. فالشوارع باهتة، والأشخاص عاديون جداً، بملابسهم التقليدية الهندية، الفتيات لسن ملكات جمال والرجال ليسوا مفرطي الأناقة.

وتظهر هذه الصور واضحة في رحلة موهان إلى قرية «جرانبور» التي سافر إليها في سيارة كبيرة «بيت متنقل». وتنقل الكاميرا أثناء تلك الرحلة لقطات واقعية جداً من طبيعة الهند، وعفوية البسطاء فيها.

وبمجرد وصوله إلى القرية، تبدو الرسالة التي يريد مخرج الفيلم أن يوصلها إلينا كمشاهدين جلية واضحة، وهي نقل واقعي لما يعانيه الأهالي في قرى الهند المنسية، والمهملة، والبعيدة بشكل كبير عن وسائل الحياة الحديثة. وتشكل زيارة موهان مفارقة كبرى في الفيلم، فكيف سيعيش مهندس في وكالة ناسا الفضائية الأميركية، في قرية على هذا المستوى من الإهمال. يبدأ موهان تأقلمه مع الحياة في القرية بإصراره على المبيت في منزله المتنقل «سيارته»، التي أثارت اهتمام أطفال القرية الذين لم يشاهدوا طبعاً شيئاً كهذا من قبل، وجعلتهم يتقافزون حولها وفوقها، وحوله هو أيضاً، لأنه لايزال بالنسبة إليهم مخلوقاً غريباً.

ومنذ البداية، نكتشف كمشاهدين مع موهان المشكلات التي تعاني منها القرية، فلا توجد خدمات متطورة للاتصالات من بريد أو انترنت، علاوة على الانقطاعات المتكررة للكهرباء. وفي مجلس لوجهاء القرية يحضره موهان، تسلط الضوء على مشكلات أخرى اجتماعية منها مدرسة القرية ذات المبنى الصغير التي تفتقر لأبسط التجهيزات، التي يعزف الأهالي عن إرسال أطفالهم إليها، والمشكلات «الطائفية» بين أهالي القرية الذين ينتمون إلى طائفتين مختلفتين.

ولم يخلو الفيلم من مشاهد كوميدية، وخصوصاً في نقله لواقع أهل القرية وحياتهم، و من أكثر هذه المشاهد إتقاناً الحوار الذي دار بين موهان ورجالات القرية (الوجهاء)، وهو يشرح لهم طبيعة عمله في أميركا، ولأنهم لا يعرفون ما هي «ناسا» بالضبط، اكتفى بشرح عمله كمهندس بشكل مبسط لرجال لا يعرفون ماذا تعني كلمة مركبة فضائية، وبعد الشرح المبسط أعلن «الوجهاء» بفخر أن عمله لا يعدو أن يكون مشابهاً لعمل أحد فتيان القرية الذي يتنبأ بالطقس بوقوفه على برج «عال» من أبراج القرية «بمقاييسهم طبعاً».

في كل موقف أو مشهد يكتشف فيه موهان جانباً من جوانب الحياة في القرية، يسلط المخرج الضوء ببراعة على جانب من المفارقة بين تلك الحياة وحياة موهان في أميركا، وهو أمر يثير طبعاً أحلاماً للطامحين في القرية، لتغيير هذه الحياة، فساعي البريد يحلم بعد أن شرح له موهان ما هو البريد الالكتروني، بتوصيل شبكة الانترنت في مكتبه المتواضع «والمتخلف نوعاً ما» لأهالي القرية، وطباخ القرية يحلم بالسفر إلى أميركا لإقامة مطعم شعبي على جانب الطرق السريعة الأميركية.

جانب آخر يعرض الفيلم في أثناء محاولة موهان للبحث عن أطفال لتسجيلهم في المدرسة التي هددت بالإغلاق إن لم تستقبل طلبة جدداً، نكتشف مع موهان عوالم تسيطر عليها ظواهر كتزويج الأطفال الصغار، أو إجبارهم على العمل لإعالة عوائلهم. وهي جميعها ظواهر لا يتمكن موهان من مواجهتها، حتى بعد أن شرح لصانعي الفخار في القرية أن مصنوعاتهم تباع في العاصمة بضعفي السعر الذي يبيعونها به، وأن استغفالهم هذا يعود إلى كونهم غير متعلمين، وأن تعليم أطفالهم بالتالي قد يغير واقعهم.

وتصل ذروة الرسالة التي يريد الفيلم أن يوجهها، في الليلة التي يقرر فيها مجلس القرية أن يعرض فيلماً سينمائياً للأهالي، فيتجمعون في ساحة كبيرة، تتوسطها قطعة قماشية كبيرة معلقة بالحبال، يجلس الأطفال والكبار معاً القرفصاء على جانبيها، شاخصين بأبصارهم عرض فيلم هندي شهير «في الهواء الطلق»، غير أن انقطاع آخر للكهرباء يعكر صفو مشاهدتهم. وفي الوقت الذي ينتظر فيه المجتمعون عودة الكهرباء ومواصلة الفيلم، ينهض موهان ليغني مع الأطفال كلمات شكلت رسالة الفيلم، ففي تلك الليلة المظلمة التي تجمع الأهالي فيها في العراء، كان موهان يقول: «تطلع للسماء، للنجوم... نجمة، نجمتين، يمكننا أن نصنع أي شيء من النجوم اللامعة».

الأغنية تحمل بين طياتها مغزى الفيلم كله، وخصوصاً عندما وقف الأطفال صفاً واحداً يرددون تلك الكلمات، فكل منهم نجمة، لو اتحدت مع الأخرى، يمكن أن تغير أي واقع، مهما كان مؤلماً.

تنحرف الأحداث بعدها بموهان ليحاول أن يغير واقع تلك القرية البائسة مستخدماً علمه، فيوحد جهود أهل القرية البسطاء، رجالاً ونساء وأطفالاً، لبناء وتوصيل خراطيم كبيرة للمياه عبر الجبال، مستفيداً من اندفاع المياه فيها في توليد الطاقة الكهربائية للقرية بأسرها، بعد أن يئس أهلها من استجابة المسئولين لطلباتهم.

ربما كانت فكرة سواديس مقتبسة من فيلم أجنبي آخر، إلا أنها نفذت بحرفية ورؤية عاليتين، ونقلت واقعاً حقيقياً تكاد تلمسه وأنت تشاهد الفيلم، لتشعر بأنك تعيش هناك، في تلك القرى النائية من قرى الهند.

الوسط البحرينية في 3 مايو 2006

"ميونخ" فيلم إسرائيلي بامتياز

كيف يمكن لفيلم مبني على الاغتيال والقتل أن يدعو الى الحوار؟

كتبت عواطف الزين: 

في مقالته النقدية التي نشرت يوم الثلاثاء الماضي 25 أبريل، وعرض فيها جانبا من ردود الأفعال العربية والإسرائيلية على فيلم 'ميونخ' لستيفن سبيلبيرغ طرح الزميل الناقد السينمائي عماد النويري سؤالا يقول فيه: ألم يحن الوقت بعد لكي نقوم بالتمحيص في شكل تعاطينا مع النتاج السينمائي الغربي الذي يتناول قضايانا؟وهو يقصد من خلال طرح هذا السؤال ضرورة التعامل بصورة ايجابية مع ما يطرح في السينما الاميركية حتى ولو كان في اكثريته يتبنى وجهة النظر الإسرائيلية لأن التعامل مع مختلف وجهات النظر ومناقشتها او الرد عليها من شأنه ان يوضح مواقفنا ويعمم وجهة نظرنا، لأن المواقف السلبية او الامتناع عن مشاهدة هذه النوعية من الافلام سوف يزيد الامور تعقيدا وسوف تظل الصورة المشوهة للانسان العربي تراوح مكانها في اذهان وفي عيون الغربيين. عموما هذا ما استنتجته من سؤال الزميل عماد.

اما الدعوة الى النقاش والحوار فأنا اشاركه الرأي في ضرورة مناقشة ما يطرح من امور تتناول قضايانا المصيرية، وهذا ما دفعني الى كتابة هذا الرأي بعد مشاهدة الفيلم حيث يعرض في الكويت حاليا. وعدت نفسي قبل ان اصل الى دار العرض بأنني سأشاهد فيلما ينصف العرب او على الأقل يعرض وجهة نظرهم او يتبنى الحيادية في طرح قضية شائكة وحساسة مثل قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي سابقا والإسرائيلي ـ الفلسطيني حاليا، او يدعو الى الحوار من خلال طرح فكري او تاريخي عميق لهذه القضية، لكنني اصبت بالاحباط منذ المشهد الاول للفيلم وحتى المشهد الاخير، حيث تبنى الفيلم وجهة النظر الإسرائيلية بكل طروحاتها من خلال التركيز على ان 'الارهابيين' العرب الفلسطينيين هم السبب في كل ما تقوم به اسرائيل من جرائم واغتيالات ومذابح لتنقلب الصورة وتصبح اسرائيل هي المعتدى عليها، والعرب هم المعتدون، ولتأكيد تلك المقولة الظالمة ابتدعت السينما الاميركية شخصية نمطية للانسان العربي تقدمها لنا وللعالم اجمع عبر افلامها منذ سنوات طويلة وبكل ثقة ووضوح، فالعربي في نظر السينمائيين الاميركيين، اكثرهم وليس كلهم، مخلوق قبيح وثري ومسرف ومبذر وباحث عن الملذات الجسدية 'او خائن يباع ويشترى مثل العبيد' او تابع لجهة او فئة او عصابة ينساق لتنفيذ ما يطلب منه بلا وعي، او متخلف قذر، لا موقف له ولا رأي، لا يستخدم عقله ابدا سواء استخدم سلاحه او عضلاته هذا اذا كان لديه عقل، او كانت لديه عضلات!

العربي الإرهابي

وفي السنوات الاخيرة ازدادت صورة الانسان العربي عموما، والمسلم خصوصا سوءا على سوء واصبح شكلا ومضمونا مرادفا للارهاب بكل صوره واشكاله وهذا التجني على الشخصية العربية في السينما لا يشكل أي تهديد للعلاقات بين اميركا والدول العربية ويبدو انه اصبح من ضمن المسلمات الكثيرة التي لا يملك فيها العرب زمام المبادرة.

عملية ميونخ

ينطلق الفيلم في طرحه لوجهة النظر الإسرائيلية من عملية ميونخ الشهيرة التي نفذتها مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين في عام 1972 والتي احتجز فيها الفريق الرياضي الإسرائيلي المشارك في اولمبياد ميونخ في المانيا ومطالبة اسرائيل بالافراج عن مائتي اسير فلسطيني مقابل الافراج عنهم. لكن رئيسة وزراء اسرائيل آنذاك غولدا مائير امرت بإنهاء العملية مهما كان الثمن فمن العار ان تقبل اسرائيل ـ على حد قولها ـ بمطالب حفنة من المخربين، وهذا هو الاسم القديم للفدائيين، فتقوم فرقة من الكوماندوس الإسرائيلي بمساعدة البوليس الالماني بقتل الرياضيين ويقبض على الناجين من الفدائيين أي ان اسرائيل هي التي اقدمت على قتل ابنائها وليس الفدائيين، ومع ذلك يتبنى الفيلم من خلال المشهد الاول فيه تلك العملية بصورة مغايرة للواقع ومزيفة للحقيقة، كما انه يبالغ في تصوير الوحشية التي تمت فيها عمليات القتل على اعتبار ان 'االفدائيين' العرب هم الذين ارتكبوا عمليات القتل وحتى لا ينسى المتفرج هذا المشهد الدموي يقوم المخرج بتذكيرنا به بين كل مشهد وآخر قبل ان تبدأ عمليات الرد المنظمة لفريق إسرائيلي يسعى الى اغتيال كل من شارك وخطط وسعى الى تنفيذ تلك العملية بناء على طلب غولدا مائير التي تعتبر ان عملية ميونخ جلبت العار لدولة اسرائيل.

أين الحوار؟

كنت ابحث طوال الفيلم وعلى مدى ساعتين ونصف الساعة في كل مشهد من مشاهده وفي كل كلمة على لسان هذا الممثل او ذاك عن لغة حوار تطرح عن فكرة تقال عن مضمون يصلح للنقاش عن رؤية تأخذ في الاعتبار وجهة النظر الاخرى، لكنني ما وجدت سوى عمليات الاغتيال المنظمة بهدوء والتي كان يخطط لها حول موائد الطعام الشهية. ولا ادري ما الهدف من ربط التخطيط لكل عملية اغتيال بالمطبخ 'شو دخل المطابخ بالموضوع' وفي كل جلسة عشاء او غداء او حتى فطور كان يزف الينا المخرج اسم احد القادة الفلسطينيين الذي سيقع عليه حكم الاعدام في اشارة الى ان عمليات الاغتيال مشروعة ويعد لها بهدوء واسترخاء وليس هناك ما يدعو الى التوتر او الخوف، وهذه الاشارات القليلة في اعتقادي كافية لتؤكد ان الفيلم موجه إلى الإسرائيليين والمتعاطفين معهم وليس إلى العرب، وللدلالة اكثر على هذا المعنى نقرأ على الشاشة في نهاية الفيلم اسم علي حسن سلامة الذي استعصى على الفريق الإسرائيلي اغتياله وتأجل ذلك لمدة سبعة اعوام أي في عام 1979 وكأنه يقول للمشاهد الإسرائيلي سوف لن تخرج من الفيلم قبل ان اقضي لك على كل المطلوبين.

وجهة نظر إسرائيلية

مخطئ من يعتقد ان فيلم 'ميونخ' يطرح قضية للحوار او موقفا من السلام مع اسرائيل، فالفيلم عرض لوجهة نظر إسرائيلية تعطيها كامل الحق في القتل والاغتيال في أي مكان واي زمان، اما المشهد الوحيد الذي دار فيه حوار مباشر بين افنيير الإسرائيلي وعلي العربي فقد عرض فيه علي رغبته في محاربة اسرائيل حتى استرجاع الارض. لكن علي قتل على يد افنيير في المشهد التالي لأن اسرائيل لا تفهم سوى لغة القتل ثم ان الإسرائيلي عبر عن رغبته في ان يتخلى علي عن حلمه لأن العرب يملكون اراضي كثيرة ومن حق اسر ائيل ان تمتلك وطنا على الارض على حد تعبيره.

كذب مكشوف

تفاصيل كثيرة يمكن ان تقال ولكن جميعها تدور في فلك اضفاء هالة من الانسانية والحضارية على السلوك الإسرائيلي سأكتفي بعرض نموذجين منها النموذج الاول تعطيل محاولة اغتيال الفلسطيني محمود الهمشري في باريس لتواجد ابنته الصغيرة معه لحظة استهدافه لتتم العملية بعد خروجها من المنزل بقليل 'شوفوا الحرص الإسرائيلي على الأطفال'.

هذا الطرح لا علاقة له بالواقع ابدا وهو يفقد الفيلم ادنى مصداقية له لأنه يتجاهل الواقع المأساوي للشعب الفلسطيني الذي يتعرض للارهاب الإسرائيلي منذ عام 48 وحتى هذه اللحظة. وقد تجاوز بمراحل هذا الطرح الكاذب، خصوصا ان قتل الأطفال اصبح هواية يومية يتسلى بها جنود الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية.

اما النموذج الثاني فيتعلق بحياة افنيير الاسرية التي تظهره عطوفا وحنونا للغاية على كل من زوجته وابنته، ومن ثم يهبط عليه فجأة احساس ثقيل بالذنب يمنعه من النوم، يحدث ذلك بعد انتهاء مهمته والغريب ان هذا الاحساس المتأخر للاحساس بالذنب جاء بعد ان قضى افنيير على الاخضر واليابس وقتل من قتل من ابرياء وجدوا مع الضحايا في هذه المدينة او تلك في محاولة من المخرج لاقناعنا بإنسانية افنيير وشفافيته هل يمكن ان تتصوروا قاتلا بهذه الشفافية؟

تزييف بيروت

اما بالنسبة إلى تنفيذ عمليات الاغتيال فقد جرت جميعها في أماكنها الحقيقية في أثينا وباريس وروما ولندن وقبرص واسبانيا الا ان هذا لم يحدث بالنسبة إلى بيروت وهذا ما دفع المخرج الى تصوير مشهد اغتيال كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف في منطقة كريهة ومشوهة ولا علاقة لها ببيروت لا من قريب ولا من بعيد علما بأن الاغتيال قد حدث في أرقى وأجمل مناطق بيروت على الاطلاق منطقة الروشة. لكن دائرة الزيف التي وقع فيها الفيلم حولت الجمال الى بشاعة والروشة الى منطقة لا تمت اليها بصلة ومن خلال مشهد مشوه للواقع لا يستحق الذكر.

قتل الفلسطينيين أولا

ليس هذا كل ما يمكن ان يقال عن فيلم سبيلبيرغ اليهودي الاميركي الذي يبدو انه لا يعرف ما يجري حوله في أنحاء العالم ويبدو انه قد اكتفى بما يعرفه من وجهة نظر إسرائيلية حديثة وصهيونية قديمة تقول علينا ان نقتل الفلسطينيين الآن حتى لا يقتلوننا في المستقبل، وهذا ما يؤكده من خلال فيلمه الذي يصف العرب بالارهابيين والدول العربية بالدول البشعة، وربما من اجل ذلك لم يجرؤ على الاستعانة بممثلين عرب لتمرير مقولته المزيفة فاستعان على ما يبدو بوجوه بشعة لممثلين غير محترفين ربما كانوا من الاسبان أو اليونانيين ولم اشاهد وجها عربيا حقيقيا واحدا، وكل الذين شاركوا في هذا الفيلم هم ممثلون غير معروفين. كذلك بالنسبة إلى الذين قاموا بأدوار إسرائيلية اذ يبدو ان سبيلبيرغ اراد ان يمرر الفيلم بأي شكل وبأي صورة ولن اتعرض هنا لمساوئ الاخراج لأن ما يهمني هنا هو المضمون لأن القضية المطروحة هي البطل الحقيقي للفيلم وهي التي يمكن ان تعطي للفيلم قيمة او تنتزعها منه.

الشيء الوحيد الجميل في هذا الفيلم هو الموسيقى التصويرية، واعتقد انها موظفة ايضا لخدمة الفكرة الإسرائيلية.

الوجه الحقيقي للمخرج

فيلم 'ميونخ' جعلني اكتشف الوجه الحقيقي للمخرج ستيفن سبيلبيرغ الذي على ما يبدو لا يرى سوى الوجه البشع للعرب، وهذا ايضا ما تأكد في كل مشاهد الاغتيال حيث يحاول المخرج ان يقنع المتفرج بالصورة والموقف بأن هذا الانسان غير جدير بالحياة وما هو سوى غبي لا يعرف كيف يعبر عن نفسه ولا يمتلك القدرة على اتخاذ القرار، علما بأن احد الذين جرى اغتيالهم في ايطاليا وهو وائل زعيتر يجيد اللغة الايطالية وقد ترجم الى الايطالية قصص ألف ليلة وليلة ومع ذلك تعرض للتهكم والسخرية بسبب اسلوبه في نطق اللغة وكل الذين جرى اغتيالهم تعرضوا بشكل أو بآخر الى نوع من التهكم او السخرية او الايحاء بالغباء.

بينما اظهر في المقابل براعة الإسرائيليين ومهارتهم والقدرة على اصطياد ضحاياهم والحرفية العالية في التنفيذ.

اعرف عدوك

وأخيرا اقول اذا كانت لغة الحوار غير متوافرة على مستوى هذا الفيلم فيمكن ان تتوافر لغة الرد، ليس فقط عن طريق الاعلام او الصحافة انما من خلال اخذ هذه القضية على محمل الجد ومواجهتها بأفلام عربية حتى ان كانت افلاما وثائقية تشرف عليها مؤسسات حكومية تعرف قيمة الاعلام واهمية السينما وتأثيرها في توصيل وجهة نظرنا حول قضايانا الاساسية التي تتعرض للتزييف والتزوير بدل ان نظل هكذا في حالة استسلام او رفض سلبي غير فاعل لما يعرض علينا.

وكل الشكر لشركة السينما الكويتية التي اتاحت لنا مشاهدة هذا الفيلم على الاقل من باب 'اعرف عدوك'!

القبس الكويتية في 2 مايو 2006

 

فيلم عن فريق لكرة القدم يروي قصة صراع العرب مع اسرائيل

سليم أبو جبل * 

لم تكن سهي عراف مخرجة فيلم واحدة في الإجر وواحدة في القلب تعرف شيئا عن كرة القدم قبل أخذ القرار بتصوير الفيلم، ولكنّها كانت تعرف أنَّ قصة فريق أبناء سخنين هي أكبر من كونها لعبة كرة قدم، إنها قصة البحث عن متنفس يقول فيه العرب لأنفسهم ها نحن أفضل من اليهود؟ وينسون بعد ذلك طرح السؤال: لماذا خسرنا المعركة علي الأرض؟ لتتأكد النتيجة بعد ذلك علي أن هذا الفوز ما هو إلا وهْم، يريد أصحابه الاستمتاع فيه حتي النخاع، وكأنه المعركة الأولي والأخيرة.

أرادت عرَّاف أن تصنع فيلمًا عما يخصّ الأقلية العربية ـ كما تدرج التسمية ـ عبر الدخول إلي العالم الشخصي للشخصيات الرئيسية التي اختارتها لتحكي مجريات الأحداث، بأسلوب سينمائي أقرب إلي الروائي فهو ليس فيلما تسجيليا فقط كونه يروي بطريقته قصة العرب الفلسطينيين في إسرائيل، وصراعهم المستميت ضد المؤسسات الصهيونية، التي لا تري العرب وتكاد لا تسمع عنهم.

شجعوا الفريق أولا

قنبل هو مشجع دائم للفريق، يتحلي بروح نكتة وسرعة خاطر كقوله بعد إحدي المباريات: لو خسرنا كنا سنزرع الملعب بامية . وتبدو جميع شخوص الفيلم ذات نكهة خاصة، كما هي قصة فريق أبناء سخنين، الفريق المحسوب علي عرب إسرائيل ، القادر علي اختراق جدار اليهودية، صفة الدولة التي يعيش فيها العرب الخاسرون في لعبة الديموقراطية الإسرائيلية، الفائزون هنا وهناك في العاب ثانوية علي ملاعب الرياضة والفنون والإستعراض.

هذا هو الفوز الثاني المهم للعرب بعد فوز صلاح الدين الأيوبي علي الصليبيين هكذا تعبر إحدي شخصيات الفيلم عن فرحتها بفوز فريق البلدة. وبقدر ما تثير هذه المقولة الضحك، بقدر ما تؤكد افتقار القدرة علي تحقيق الوجود في ظل غياب معالم الهوية الفلسطينية، بفعل التشويه الصهيوني المتعمّد. وبقدر ما يريد الكثيرون تحقيق الوجود الفلسطيني، يريد آخرون تحقيق الاندماج في انتصاراتهم الشخصية ذات الطعم الإسرائيلي!

فهل يمثل فريق أبناء سخنين العرب في إسرائيل مقابل اليهود في الدوري الإسرائيلي، أم يمثل إسرائيل في العالم، كحامل لكأس الدولة؟ والسؤال الأهم ماذا يريد مشجعو سخنين أن يمثلوا، هل حقًا يريدون تمثيل إسرائيل وتحقيق إنجازات إسرائيلية، أم يريدون تمثيل انفسهم فقط؟

فمن يشجع العرب حين ينافس منتخب إسرائيل فريقا أوروبيا؟ الفريق الإسرائيلي أم الفريق الخصم؟ هل يقابل العرب العنصرية والتمييز بالوقوف ضد رموز الدولة الصهيونية؟ هل يختلف إحياء ذكري يوم الأرض عن الاحتفال بالفوز ببطولة إسرائيل بكرة القدم؟ هذا جزء من الأسئلة التي يحاول فيلم سهي عراف الإجابة عليها، وهو ليس بالأمر السهل خصوصا وأن هذه الأسئلة لا ترتبط بأجوبتها، بل بأسئلة أخري كثيرة!

الموت للعرب

لم تتلق عراف دعما من صناديق دعم السينما الإسرائيلية، ولكن لو حصل، فلن يغير هذا في تعريف عراف لفيلمها علي أنه فلسطيني، حتي لو أنه أنتج بدعم من صناديق السينما الإسرائيلية. فقد أرادت عراف ان تصنع فيلما وفي ذهنها أن ملعب كرة القدم بات حلبة الصراع بين العرب واليهود، فلم تكن تعنيها لعبة كرة القدم بقدر ما كان يعنيها الجمهور أو هذا الكم الكبير من الناس الذين يتواجدون في مكان واحد فيهتف جمهور فريق بيتار القدس الموت للعرب ويرد العرب: بيتار عاهرة وهكذا تتردد الشعارات وتنحدر إلي لغة بذيئة استعدادا للحرب علي أرض الملعب علي خلفية موسيقي هتكفاه ، النشيد الوطني الإسرائيلي، وفي مشاهد أخري تستعمل عرّاف موسيقي ذات إيقاع حربي كما في لعبة سخنين في بئر السبع، وحين تبدأ اللعبة لا تصوّر عراف اللعبة وإنما العنف الذي يرافق صراع العرب لأجل البقاء.

يتميز الفيلم بإيقاعه الخاص بسبب كونه عن كرة القدم، اللعبة السريعة، وهو أمر أدركته مخرجة الفيلم ومنفذة المونتاج ندي اليسير عن وعي، ولكنه كان اختيارا صحيحا، ليس فقط بسبب كونه فيلما عن كرة القدم وما حولها ولكن بسبب السينما الجديدة التي تمر بمرحلة المخاض، فتولد قادرة علي التعبير عن هموم ومشاكل العرب الفلسطينيين الباقين في ارضهم.

عرب الدولة أم عرب أنفسهم؟

يمشي الفيلم منذ البداية علي مسار الخارطة التي تتداخل في مشاهد الفيلم في انتقالها من بلدة عربية إلي أخري لتؤكد أن الحكاية ليست حكاية سخنين فقط وإنما كلّ العرب. وفي مشهد صعب ومؤثر يحمل والد أحد الشهداء صورة ابنه في ذكري أحداث تشرين الاول (أكتوبر) ولكنه يقول انه ذاهب لمشاهدة اللعبة بعد ذلك، فهذه لعبة مصيرية اما حياة وإما موت.

فهل تقارن عراف بين مشجعي فريق سخنين والمشاركين في إحياء يوم الأرض، والمحتفلين في يوم الزفاف؟ يبدو أن الفيلم يبرز إلي اي درجة يعاني العرب من هوس النجاح وتحقيق الذات، لذلك فإنها لا تجد صعوبة بالغة في إيصال المقولة التي تراها ضرورية أكثر من غيرها؛ حالة التشوية والفوضي والبلبلة والرغبة والحاجة إلي إيجاد حلول لمظاهر التمييز والعنصرية والتقتير والظلم التي يعاني منها أبطال فيلمها.

في شرك الإعلام الإسرائيلي

وبعد، فإن إقتراب الفريق من نهاية مشواره يفتح الطريق إلي طرح التساؤلات حول شرعية تمثيل كرة القدم أو عارضات الأزياء ومن لفّ لفيفهم للعرب في إسرائيل، وحول محاولة المؤسسة الإسرائيلية إرضاء العرب بنصر خفيف علي الطريقة الإسرائيلية، فيحققون النصر والمساواة! ويحققون وهْم وجودهم بمجرد إفساح وسائل الإعلام مساحة، تزداد في الآونة الأخيرة بسبب رغبة أصحاب الأموال من مالكي شركات الانتاج والقنوات جذب أكبر عدد من المشاهدين والمُعلنين، فالعربي الذي كان لفترة طويلة في الظل بات السلعة الرابحة الجديدة، وكأنه ـ تخيلوا ـ كائن غريب اصطاده الإسرائيلي من أدغال الشرق وقال: تعالوا، إدفعوا وتفرجوا!


* كاتب من فلسطين

القدس العربي في 29 أبريل 2006

 

سينماتك

 

الحاجة الى الكوميديا والضحك

يوخنا دانيال

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك