* «امبارح راح فين» لـ «تغريد العصفوري» يدل علي موهبة طاغية تسير بثقة في غابة الشوك السينمائية الحالية

* «الرومانسي البنفسجي» لـ «زكي فطين عبدالوهاب» ينسف كل تقاليدنا السينمائية ويفتح الباب أمام سينما جديدة  

تقول بعض الحكايا القديمة: إن هناك دائما حبلا من السماء يهبط من حيث لا يتوقع أحد لينقذ هؤلاء الذين سقطوا إلي قاع البئر.. واستبد بهم اليأس من النجاة.

أي أن هناك دائما أملا يأتي من حيث لا ينتظره أحد.. وربما هذه كانت حالتي بالضبط.. وأنا أشهد تدهور السينما التي أحببتها.. وهي تهبط درجة وراء درجة إلي مستقبل مجهول.. حيث ينتظرها تنين هائل يأكل من جسدها قطعة وراء قطعة.. ولكن عملي في شركة كبيرة للإنتاج والذي يستدعي مني قراءة السيناريوهات الجديدة المقدمة لها.. فتح أمامي فجأة بابا كبيرا رحبا يكشف سماء لا متناهية من الصفاء والعمق.

سيناريوهات كتبها شباب متحمس.. عبر بها عن آماله وأحلامه وإحباطاته.. والتناقض الصارخ الذي يعيش فيه.. بأسلوب سينمائي متجدد.. وإيقاع لاهث.. ونظرة مليئة بالعمق لما يحيط به.. والتيارات التي تتجاذبه وتقذف به مرة إلي عنان السماء.. وأخري إلي أعماق الهاوية. مواضيع جديدة في فكرتها.. جديدة في أسلوبها جديدة في نظرتها السينمائية وتناولها.. جديدة في أحاسيسها مليئة بالجرأة والطموح والرغبة الحقيقية بالتعبير عن الذات.. والخروج من قاع الزجاجة.. التي رمت بها شركات الإنتاج الحالية.. كل طموحاتنا السينمائية المشروعة.

إنها دقات قلب.. تضخ عروقنا البائسة بدماء الحياة والأمل.

والرائع في هذه السيناريوهات.. ان أغلبها كتبه شباب مازال في أول الطريق عن التعبير عن نفسه.. ولكنه وجد القوة ليضع علي الورق خلجات روحه.. ونظرته النضرة للعالم وكل الأزمات التي تحيط به.. نظرة شفافة مليئة بالحساسية والفهم والتساؤل. تغريد العصفوري.. انطلقت في السيناريو الذي كتبته تحت عنوان «امبارح راح فين» من قصة إنسانية شفافة.. عن رجل كهل متزوج وله ابنتان.. يتزوج من فلاحة فقيرة شابة أحبها وملكت فؤاده.. ولكن هذه الفتاة المسكينة سرعان ما تموت تاركة له طفلا صغيرا معوقا ذهنيا.

عرفت كيف ترعاه في سنواته الأولي.. وكيف تمنحه حنانا مضاعفا.. وحرارة في القلب لا تملكها إلا الأمهات تجاه هؤلاء الذين قست الدنيا والأقدار عليهم.

ويضطر الأب بعد وفاة زوجته الشابة.. إلي أن يجلب الابن الصغير المعاق إلي منزل زوجته الأولي كي يريي مع بناته.. ورغم تأفف الزوجة الأولي.. من هذا «الدخيل» الذي تري فيه رمزا لخيانة زوجها لها فإنها تضطر لاستقباله.. وتعامله معاملة خشنة.

يتحملها الطفل الذي لا يجيد الكلام.. ولا يجيد التعبير عن نفسه.. إنه ملاك هائم ضل طريقه في السماء.. وجاء إلي الأرض ليتحمل خطايا البشر.. ولكن هناك الأخت الكبري التي تحاول أن تعوضه عن القسوة التي ملأت عليه حياته في هذا البيت الجديد.. والذي يجعله يحلم دائما بحضن أمه الدافئ وابتسامتها الحانية التي فقدها إلي الأبد.

وتبدأ مأساة الفيلم.. عندما يموت الأب.. وتغتنمها زوجة الأب الظالمة فرصة لكي تطرد الطفل من البيت.. رغم اعتراض ابنتها الكبري.

ويجد الملاك الصغير نفسه وحيدا في عالم مجهول لا يعرف عنه شيئا.. ولا يستطيع التعامل معه أو الاتصال بأية طريقة.. فهو لا يعرف إلا كلمات بسيطة يتعامل بها ويعيش دائما في ذكريات حنان أمه الدافق.. الذي رحل ولن يعود.

طفل معاق.. في طرقات القاهرة الظالمة.. ويسير السيناريو جليلا.. هادئا.. شجيا ليرسم لنا أبعاد مسيرة نحو المجهول.. تتخللها شخصيات مختلفة تمر في طريق الطفل الملاك أسرة أوته أياما.. قبل أن ترحل نهائيا عن مصر.. عاهرة تعيش تناقض حياتها.. بواب طيب.. يري في الطفل.. رسالة من السماء.

ويمر الطفل بمراحل يغلفها الشجن والحنان والقسوة والتساؤل.. إنها الحياة بمرارتها.. وجمالها.. إنسانيتها وتوحشها.

ورغم النهاية الحزينة.. التي تدفع الدمع إلي العيون.. فإن الفيلم يحمل طاقة من الأمل وإيمانا بالإنسان ينبثق من كل مشاهد هذا السيناريو الإنساني البديع الذي كتبته مخرجة وكاتبة شابة تريد أن تشق لنفسها طريقا مرصعا في غابة الشوك التي تعيشها سينمانا الآن. السيناريو الثاني الذي يرفعك مرة واحدة إلي آفاق سينمائية لا عهد لك بها.. ويضعك في أتون النار المتقدة.. ويجردك من كل الأقنعة التي تضعها علي وجهك وتواجه بها في زيف مرسوم قضاياك.. وأهواءك وطموحاتك.

إنه «الرومانسي البنفسجي» الذي كتبه المخرج الموهوب زكي فطين عبدالوهاب الذي رأينا له قبل سنوات فيلما مدهشا لم يكمله.. وعرض ناقصا ومع ذلك أثار من الاهتمام والفضول أضعاف ما تثيره أفلام عرضت معه في موسم واحد.

«الرومانسي البنفسجي».. يقدم لنا زكي فطين نماذج لثلاثة رجال (ولا أقول شباب).. بين الثلاثين والأربعين من العمر.. رجال خبروا الحياة.. ووصمتهم الحياة ببصمتها المميزة.. ولكنهم مازالوا يحملون قلب طفل.. وأحلام مراهق.. وآمال الرجال.

رجل هاجر إلي السويد.. حيث اختار أن يعيش هناك.. تزوج وأنجب ويعاني من تجربة فاشلة.. لا نراه إلا من خلال أحاديثه التليفونية مع رفيقيه.

ومن خلال هذه الأحاديث.. نكشف ضياع وغربة هؤلاء الذين اختاروا الهجرة سبيلا وأملا في تغيير حياتهم.. ولكنهم يجدون أنفسهم مهما داروا. ومهما ابتعدوا.. أمام أبواب نفوسهم الموصدة.. التي لا تترك لهم نافذة صغيرة.. يأتيهم منها نسيم الأمل.

أما الثاني فهو موظف محترم.. تزوج من زميلته وأنجب منها.. يعيش حياة روتينية مملة لا تضيئها إلا ذكرياته القديمة السعيدة.. وعلاقته ببطل السيناريو الأول.. الشاب المتمرد والثائر.. الذي يريد أن يصعد السلم بموهبته وطموحه وآماله التي لا تنتهي.

هذا النموذج الرائع الذي يرسمه السيناريو هو مركز الأحداث كلها ونقطة انطلاقها.

إنه يعيش حياة شاب من عصرنا.. في أهوائه الجنسية وعلاقاته العابرة.. في تحرره الفكري والأخلاقي في براءة قلبه رغم كل الحريات والتابوهات التي يخرقها بعفوية وعذرية وبراءة.

إنه يحلم بأن يكون ثريا كالأثرياء.. يعيش حياة كالأحلام.. يركب عربيات فارهة.. ويعيش في أفخم الفنادق التي يبلغ أجر السويت فيها ألف دولار لليلة الواحدة.. يحيط به احترام الناس والخدم.. وتجري وراءه النساء.

لذلك.. فهو يتنقل بين مهن متعددة.. يعمل «كاشيه» في فندق كبير قبل أن ينتقل إلي كازينو للقمار.. يعمل فيه علي إحدي موائد الروليت.. وهناك يتعرف علي ثري.. يعجب به.. ويتعاقد معه علي أن يعمل بالبورصة لحسابه.. وفي البورصة يري بطلنا.. كيف تتحول الأرقام الصغيرة إلي أرقام كبري.. يري صعود وهبوط الأسهم.. ويدرك أن الذكي هو وحده الذي يعرف كيف ينسجم مع هذه الحركة التي تشبه المد والجزر.. وعليه أن يجيد السباحة فيها كي يخرج سليما.. معافي.. كبير الثراء.

لذلك فإنه سرعان ما يشتغل بنفسه.. ويضع صديقه الموظف الذي ابتدأت رتابة الحياة ومللها.. تصيبه بالقهقهة.. بالمغامرة معه.. والقذف بكل ما يملكه.. وكل ما ادخره للأيام القادمة في مغامرة مالية محسوبة.. تأتيه بالثراء غير المتوقع.. ولكن خطأ في الحسابات يرميه أرضا.. وقد تجرد هو وصديقه من كل ما يملكانه.. وأصبحا كما يقول المثل الشعبي «علي الحديدة» تماما.

هذا السير الثعباني.. عرف زكي فطين عبدالوهاب كيف يرسمه وكيف يخطط له ببراعة مهندس وشفافية رسام.. وعمق شاعر.

عرف كيف يرسم أجواء القاهرة التي لا نعرفها بمطاعمها الصغيرة بباراتها.. بجلساتها الهادئة.. بصالات القمار.. بقاعات رجال الأعمال.. بهمجية جو البورصة وجنونها.

لقد رسم زكي فطين ببراعة قاهرة لا نعرفها رغم أننا نعيش فيها.. من خلال اختيار أمكنة وأجواء لها سحرها ولها سمومها.

يضاف إلي ذلك براعة منقطعة النظير في رسم شخصيات نسائية تظهر وتختفي تاركة وراءها سحابة ممطرة.. أو غيمة دخان.

نساء يعشن جنون أجسادهن.. تتحرك الرغبة في نفوسهن.. كما يتحرك الدم في العروق.. من خلال مواقف عابرة.. أو علاقات تشبه الجرح في القلب.. يتكلمن بلغة وحوار لم نعتد سماعه في الأفلام المصرية.. ويعيدنا إلي شاعرية الواقع وجموحه وجنونه وجماله.. ربما ينتهي الفيلم بصرخة يأس صادرة من الأعماق.

يأس.. تبدو معه مع ذلك بارقة أمل حقيقي.. كشعاع وراء الغيم الكثيف.. شعاع يقول: إن الشباب لا يقهر.. وأنه مازال قادرا علي أن يقف بشموخ وكبرياء أمام السدود الهائلة التي تقف في وجهه.. مؤمنا أن الصوت البشري يمكن أن يحطم السدود مهما بلغت قوتها كما تقول كتب التوراة. سيناريو ينسف كل تقاليدنا السينمائية ويفتح الأبواب واسعة أمام سينما جديدة وتعبير جديد.. نترقبه جميعا.. بأمل جميل بدأ يتحول شيئا فشيئا إلي يأس حزين.

سيناريوهان.. كل منهما يعزف علي وتر مختلف.. ولكنها أوتار جديدة في قيثارة السينما الحديثة تقول بطرق مبتكرة.. ما كنا نحلم دوما بسماعه.

ولكن هذا لا يمنع واحداً من كبار مخرجينا أن يقدم لنا سيناريو عمله الجديد الذي أعتقد أنه لو تحقق فسيكون نقطة انطلاق كبري لسينمانا.. تذكرنا.. بما فعل «الطوق والأسورة» قبل عشرين عاما.. وما فعله «البوسطجي» و«باب الحديد» قبل ذلك بسنوات وما فعله «المومياء» و«الحرام».

ولكن الحديث عن هذا الحدث السينمائي الخارق للعادة.. يحتاج منا إلي وقفة أطول وإلي تأمل أكثر.. وإلي شرح أكثر إسهابا.

نعم.. هذا السيناريو الجديد للمخرج الكبير.. هو حبل السماء الذي أشرت إليه في بدء حديثي.. والذي يمكننا لو أمسكنا به جيدا أن يخرجنا من القاع السحيقة التي هوينا إليها.

جريدة القاهرة في 18 أبريل 2006

 

20 مليون يورو ميزانية " كان "

عالم السينما يتطلع إلي باريس.. شفره دافنشي في الافتتاح

سمير فريد 

غدا يعلن برنامج مهرجان كان أكبر مهرجانات الفنون في فرنسا وأكبر مهرجانات السينما الدولية في العالم.. يتطلع عالم السينما الي باريس غدا حيث يعقد رئيس المهرجان جيل جاكوب ومديره انفي تيري فيرمو ومديرته الجديدة كاترين ديمير المؤتمر الصحفي المرتقب لاعلان القائمة الثانية لأهم أفلام العالم هذا العام بعد قائمة مهرجان برلين في فبراير.

مالم يتم اعداده في الموعد المناسب. وما لن يعرض في مهرجان كان لسبب أو آخر من الأفلام المنتظرة. سوف يكون في القائمة الثالثة والأخيرة: قائمة أفلام مهرجان فينسيا في أغسطس.

أعلن مهرجان كان حتي اليوم عن عرض فيلمين فقط من أفلامه. وهما فيلم الافتتاح الأمريكي "شيفرة دافنشي" اخراج رون هوارد وتمثيل توم هانكس وأودري تاتو وجاب رينو عن رواية دان براون. وفيلم افتتاح برنامج نظرة خاصة من برامج المهرجان الفرنسي "في حب باريس" الذي يتضمن 20 فيلما قصيرا ل 20 مخرجا من مختلف دول العالم منهم جوس فان سانت والكسندر بايني وجويل واتيان كوين من أمريكا. ووالتر سالس من البرازيل. ويشترك فيه من فرنسا جان لوك جودار والنجم الفرنسي العالمي جيرار ديبارديو كمخرج. ومن المتوقع أن يثير "شيفرة دافنشي" ضحة كبيرة مثل رواية براون حيث يتناول ما يقال عن سلالة خفية للمسيح عليه السلام في فرنسا.

السينما العربية

كما أعلن المهرجان رسميا ان من ضيوف برنامج "كل سينما العالم" الذي بدأ العام الماضي السينما التونسية حيث يتم عرض فيلمين "حزمه" اخراج الجيلاني السعدي عن شاب يحب عبدالحليم حافظ ويردد أغانيه. و"زهرة النسيان" اخراج سلمي بكار في عرضه العالمي الأول. ولا توجد توقعات بعرض أفلام عربية في المهرجان. أو برنامج نصف شهر المخرجين الذي تنظمه نقابة المخرجين ويعلن في 2 مايو. أو برنامج اسبوع النقاد الذي تنظمه نقابة نقاد السينما.

وفي برنامج خاص بمناسبة مرور 20 سنة علي فيلم اوليفر ستون "فصيلة الجنود" عن حرب فيتنام. وعرض نسخة جديدة مدمجة من الفيلم. يعرض المهرجان 20 دقيقة من فيلم ستون الجديد "مركز التجارة العالمي" عن أحداث 11 سبتمبر 2001

حقائق وأرقام مهرجان كان

تم اختيار الأفلام التي تعلن غدا من بين أكثر من ألف فيلم للعرض في المهرجان الذي تبلغ ميزانيته 20 مليون يورو "حوالي 24 مليون دولار أمريكي". ويقام في عدد من دور العرض يزيد مجموع عدد مقاعدها علي أربعة آلاف مقعد. ويحضره نحو 30 ألف زائر منهم 5 آلاف صحفي وعشرة آلاف مشترك في السوق.

متوسط سعر الاقامة في فنادق كان الكبري أثناء المهرجان ألف يورو في الليلة. وايجار السيارة 500 يورو في اليوم. والعرض الواحد في السوق ألف يورو. ومتوسط الاعلان عن فيلم في الشارع 20 ألف يورو. وأجر الملحق الصحفي لفيلم عشرة آلاف يورو. وماكياج النجوم 8 آلاف يورو والكوافير ألف يورو. وتكلفة الفرد في حفلة كوكتيل 200 يورو. واجمالي ميزانية الاشتراك بفيلم كبير 750 ألف يورو. والفيلم المتوسط 100 ألف يورو. ولعمل ملصق فرنسي خاص لفيلم أجنبي عشرة آلاف يورو.

ومع الاحتفال بالدورة ال 60 لمهرجان كان العام القادم يتم ا لعمل في امتداد قصر المهرجانات لانشاء قاعة جديدة "500 مقعد" بميزانية 50 مليون يورو.

الأفلام المتوقعة

من المتوقع أن يتضمن برنامج مهرجان كان هذا العام الأفلام التالية:

* ماري انطوانيت اخراج صوفيا كوبولا

* الألماني الطيب اخراج ستيفن سودربرج

* عودة اخراج بيدرو آلمودوفار

* أضواء علي حافة المدينة اخراج اكي كيور سماكي

* الريح التي تهز الشعير اخراج كين لوش

* الحريف اخراج ناني موريتي

* مخرج الزفاف اخراج ماركو بيلوكيو

* أجواء اخراج نوري بلجي سيلان

* سيلون شارلي اخراج نيكول جارسيا

* الأضعف دائما علي حق اخراج لوكاس بيلفو

* هانا اخراج هيرو كازو كوري ايدا

* النبع اخراج دارين أرونوفسكي

* عشر زوارق اخراج رولف دي هير

* أيام المجد اخراج رشيد بوشارب

* شورتبس اخراج كاميرون ميتشل

* بابل اخراج اليخاندرو جونزاليس

* الفيولين اخراج فرانشيسكو فارجاس

* أمة الطعام السريع اخراج ريتشارد لينكلاتر

* متاهة بان اخراج جوليرمو ديل تورو

* صرخة النمل اخراج محسن هاخمالباف

* البطلة اخراج فولكر شوليندورف.

الجمهورية المصرية في 18 أبريل 2006

الناقد السينمائي وعولمة الصورة

طاهر عبد مسلم 

-1-

ربما كان مواصلة الحديث عن وظيفة النقد السينمائي هو تواصل مع المشهد السينمائي ذاته.. فالثقافة السينمائية التي يراد لها ان تتواشج مع مفردات ومكونات المشهد الثقافي العربي كانت واقعيا (ثقافة مستوردة) متزامنة مع (استيراد) الفيلم، وكونه صناعة غير عربية.. وعلى هذا وفدت الى بلادنا العربية مع تلك السينما التي مازالت محضورة حتى الساعة في بعض تلك البلدان.

ويشكل هذا (الاستيراد) للالة والفكر معاً، موضوعا طويلا لجدل.. كان قد اخذ مساحته الواسعة ابان بروز ظاهرة استيراد التكنولوجيا الغربية والتي تفجرت مع ماسمي اقتصاديا بـ (الوفرة النفطية) في اواخر عقد السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي..

- وكان السؤال يتلخص في هل اننا نبقى اسيري وظيفة المستهلك وانى للامة ان تنهض بوظيفة من يقوم بـ (تعريب هذه التكنولوجيا) او (توطينها).. وقيل في ذلك الكثير وامتد الامر الى (توطين وتعريب) المصطلحات حتى صار اسم السينما (سيما) وصار اسم فن الفيلم (الفن المرئي) وصار اسم المونتاج (التوليف) وصار اسم الملاك (الموظفين والاداريين) بينما المقصود هو الـ (Frame) والـ (Cadre) باللغة الفرنسية والمقصود به الشريحة الفيليمية للصورة الواحدة. على هذا بدت مهمة الناقد اكثر من شاقة وهو يسعى ان يجد لنفسه موطيء قدم وسط هذه المعمعة، فالتكنولوجيا المستوردة تقابلها غزارة مشهودة للانتاج السينمائي الغربي فيما يتراجع الانتاج السينمائي العربي واذا كانت مؤسسات الدولة قد تدخلت ودعمت الانتاج كما هي الحال في العراق ومصر والجزائر وسوريا وغيرها.. فانها لم تفلح واقعياً في تحقيق شعارها بـ (توطين السينما).

-11-

من هنا كان على الناقد ان يخرج بتوصيفة ما، فهو وسط دوامة تراجع وظيفة ودور الدولة في الانتاج السينمائي وهي التي مضت في هذه المهمة لتقلد دول ما كان يعرف يوما بـ (المعسكر الاشتراكي) وهو ايضا غير مؤهل ولامطلوب منه ان ينصح تنمية (القطاع الخاص) وشركات الانتاج الخاصة في اطار تعزيز مصادر التنمية الثقافية.. وهو غير مطلوب منه ان يؤشر مكامن الخلل.. اين هي؟ وما اسبابها؟ لان ذلك يحرج مؤسسة الدولة المعنية بانتاج الفيلم ويعرقل مسيرة (النهوض والبناء والتقدم) الذي تضطلع به بحسب الديباجات الرسمية. وهو غير مطالب ولامسموح له ان يثبت (فشل) مؤسسة الدولة.. وهي تقبع تحت وطأة البيروقراطية وسوء استخدام الموارد المالية والبشرية والاهم تحت وطأة البروباكاندا الرسمية التي تريد للسينما ان تكون الوجه الاخر للصحيفة الرسمية والتلفاز الرسمي والاذاعة الرسمية.

هنا وجدنا ان الناقد السينمائي في العديد من البقاع العربية مبتلى بالمشكل نفسه.. وربما استثنينا حالات بعينها لايجد الناقد لنفسه مايعمله.. لان لا انتاج ولاسيما ولامعاهد للسينما ولاصالات للعرض اصلا في بلاده.

هنا وجدنا توصيفا اخر للناقد وهو الناقد المعطل والذي ترك مقعده شاغرا ليشغل بوظائف اخرى.. وهو تأكيد واضح على هامشية هذا الدور وعدم النظر اليه اصلا على انه موجود.

-111-

لعل هذا الجدل المتعلق بوظيفة الناقد السينمائي سيمضي قدما الى فرضية تأسيس (وظيفة ما للسينما) و(فن الفيلم).. هذا التأسيس الذي يتفاوت عربيا بين التأجيل والتعويم وبين الالغاء.. والتهميش.. هو الذي اسهم في تعميق ظواهر من (الامية) البصرية - السمعية.. امية المشاهد الذي ترك في مهب العواصف.. العواصف الفيلميه وعواصف انتاج العولمة.. وعواصف الابطال الغربيين الذين صاروا احيانا مثل فرد من افراد العائلة العربية.. لهم ملصقات كبيرة في حجرات الاولاد.. والاولاد يتزيون احيانا بازياء مشابهة لازيائهم ويعملون قصات للشعر مشابهة لاولئك الابطال..

من هنا وجدنا ان الكلام الكثير والشكوى مما هو مقبل من نتائج التدفق غير المحدود للصورة العابرة للقارات والمتواشجة مع نتاج العولمة هو محض كلام وشكوى لاتصمد امام المد الهائل للصور.. الذي يقابله المضي في تهميش ثقافة الصورة ومن يثقف عامة الناس بثقافة الصورة او في الاقل يسهم في لفت انظارهم الى وقائع وقيم ومعطيات وتفاصيل يجهلونها..

ثم ان وظيفة الناقد السينمائي او ناقد الصورة.. المؤجلة والهامشية المنسجمة مع الامية المتفشية وسوء التخطيط ستصبح بكل تأكيد اكثر هامشية ولاجدوى في ظل الحيرة والقلق في رسم مسار الثقافة بصفة عامة.. بين الاندماج في امواج مابعد الحداثة وليبرالية القيم الغربية.. وبين الانكماش والخوف مما هو آت .. وفي كل الحالات هنالك تعطيل غير مسوغ لادوات عدة ومنها ادوات الناقد السينمائي في قول كلمته بصدد ما كان وسيكون فيما يتعلق بثقافة الصورة التي صارت هي الاداة الفاعلة في مخاطبة المجتمعات والتأثير فيها.

موقع "ألف ياء" في 18 أبريل 2006

 

الناقد السينمائي في وظيفة شارح الصورة

طاهر عبد مسلم/ بغداد  

تبدو مهمة (الشارح للصورة) هي اولى مهمات الناقد الذي اعتاد وعوّد معه قراءه على هذه المهمة او هذه الوظيفة.

 والشارح للصورة هو هذا المعلق المحايد او غير المحايد الذي يساعد على الدفع  بالصورة الى حيز التداول..

 الصورة قبل مهمة الشارح هي كينونة مستقلة.. انتهت صلتها بصانعها، او صانعيها... ليس غير قائمة الاسماء التي ترافق افتتاح الصورة او اختتامها، المقصود اسماء المشاركين في صناعة / انتاج الصورة.. وما بين الافتتاح- الختام ثمة كينونة متدفقة قوامها الصور/ الاصوات/ الحركة..

 الصوري/ الصوتي/ الحركي هو المكون الثلاثـي الذي يرتكز عليه (شارح الصورة)..

فضالته الاولى هي ما يرى ثم ما يسمع .. وخلال ذلك يجري توظيف الحركة.. انها البنية السيميائية الافتراظية من العلامات التي تستند اليها المكونات الثلاثة.

 ولعل وظيفــــة الشارح هنا هي الوظيفة المؤجلة، انها وظيفة بعد صورية اي انها وظيفة متولدة من انتهاء العرض وانتهاء عملية التلقي.

شارح الصورة واقعيا ليس معنيا كثيرا بوظيفة التلقي ولا العمليات التلقائية او غير التلقائية المواكبة للعرض المرئي.

 انه من اجل المضي في وظيفة الشارح يتحاشى المقتربات التي يرى انها (تعقد) وظيفـــــــته او تضيف اليها بعدا نظريا وذهنيا.

II

ان الوظيفة المؤجلة لشارح الصورة هنا ينظر اليها احيانا على انها وظيفة تابعة وبعدية كما قلنا.. فهي ليست وظيفة صانعة وعلى هذا تم نقل وظيفة الناقد الى مهمة (مؤقتة) وليست ملزمة لكينونة الفيلم.

 ولكي يؤسس الناقد لنفسه موقعا في العملية فانه يلجأ الى ايسر واقصر الطرق واقلها خسارة في مهمتــه واكثر قبولا لدى جمهور فن الفيلم من جهة ولدى من ينتج الخطاب الفيلمي.. انها مهمة من يمضي مع الفيلم في كونـه متنا حكائيا.. او قصصيا يستوجــب الامر ان توضح ملابساته وتركيبه.

 لكن هذا المقترب الى (المتن الحكائي) والى (البناء القصصي) يبدو ظاهريا مفصولا فصلا قسريا عن نظرية السرد وطرائق واساليب السرد، وهي نظرية وطرائق متكاملة وتخصصية فيمـــا يجري التعامل معها من اجل خدمة وظيفة الناقد كشارح للصورة.

III

شارح الصورة.. ان كان ناقدا في هذا النقاش فانه قد اصبح في امس الحاجة الى ادواته.. التي تؤهله وتساعده للمضي في وظيفته.

 وعلى هذا.. كان لزاما عليه ان يحلل ثم يفكك البنية الفيلمية..

ولانها مهمة مركبة ومتداخلة يلجا شارح الصورة الى طريقة انتقائية تامة.. اذ ينتقي من بنية الفيلم او ماعرف  بـ(اللغة السينمائية) ما يساعده للمضي في وظيفته.. لان التوقف عند البنية وكينونة اللغة سيغرق شارح الصورة في وظيفة مزدوجة وربما ذات منحى نظري/ تنظيري قد لا يساعد في الوصول الى الهدف..

 وما بين وظيفة شارح الصورة الانتقائي وبين وظيفـة الناقــد ثمة كينونة فيلمية.. هي ما اسميه بـ (البنية العميقة للخطاب الفيلمي)..

 هذا التركيب الاصطلاحي.. اجده اقرب الى ما انا ماض فيه في عرض مقاربات نقدية واعادة نظر وقراءة لوظيفة النقد السينمائي وقبل ذلك لوظيفة الناقد السينمائي.

 البنية العميقة للخطاب الفيلمي كنت قد طرحتها تمهيديا في كتابي:

 (الخطاب السينمائي من الكلمة الى الصورة).. وكانـت ذات امتداد سردي مرتبط بوظائف الكاتب والمخرج.. اي بين النص والخطاب المكتوب والنص والخطاب المرئي.

ما بين ثنائية المكتوب/ المرئي سيولد مفصل اخر يشكل معضلة امام (شارح الصورة).. فهو غير مهيئ للانتقال من البنية العميقـة للخطاب الفيلمي الى ثنائية المكتوب والمرئي.. البنية والثنائية تشكلان معضلة حقيقية امام شارح الصورة المكتفي بوظيفته التابعة وربما.. الهامشية.

موقع "ألف ياء" في 18 أبريل 2006

 

الناقد السينمائي باحث عن دوره المفقود

د.طاهر عبد مسلم علوان 

تثير وظيفة النقد بصفة عامة اشكاليات منهجية عدة على صعيد الثقافة العربية عامة وعلى صعيد الثقافة السينمائية بشكل خاص. فاذا كانت (المدرسة النقدية العربية) مازالت بحاجة الى مزيد من التوصيف والترسيخ لجهة صلتها بمدارس النقد القديم والحديث في العالم، فأن معضلة النقد السينمائي العربي تبدو اشد اثارة للجدل. فأين هو هذا النقد؟ وما دوره؟ وظائفه؟ ، هل هو تابع للفيلم والانتاج الفيلمي ام هو سابق لهذا الانتاج؟ على اساس انه يقوم بتوصيف المشهد الذي يتحرك او يعوم في فضائه هذا الانتاج ، وعلى اساس انه يضع (اسسا) نظرية وتنظيرية بحاجة الى ان تنقل عمليا الى الواقع؟

وبموازاة ذلك تبرز اشكالية اخرى تتعلق بتعريف من هو هذا الناقد يا ترى؟ ما مواصفاته وما مكونه النظري وحصيلته الاكاديمية؟ أتراه ذاك الذي يشاهد الفيلم كغيره ويخبرنا القصة ويصف لنا الصورة واداء الشخصيات ومعلومات ارشيفية عن صانعي الفيلم؟

ومن المؤكد ان اي (متعاطف) مع فن الفيلم بامكانه ان يقوم بهذه المهام مجتمعة بصرف النظر عن محصلاته الاكاديمية والسينمائية.

وربما كانت هذه هي الشكوى نفسها التي يرددها من يتعاطى الادب (قصة وشعرا ورواية وادبا مسرحيا..) فهؤلاء القوم يشكون منذ زمن من (المارقين) على مهنة ووظيفة النقد، من الطارئين الذين يدبجون المقالات بحسب الطلب .. لا بحسب الاهمية والجدارة.

من هنا ورث النقد السينمائي ظواهر غير مؤسسة ولا راسخة ولا واضحة فهو نقد لا يتجاوز عمره بضعة عقود. ونقاد الفيلم اليوم من المحيط الى الخليج لا يتجاوز عددهم اصابع اليدين او اقل من ذلك. وربما كانت هي مهنة تبيع بضاعة كاسدة.. لأن الناقد لا سوق لنتاجه ولا كثير اهتمام بمنجزه.. لانه جزء من تردي الواقع السينمائي العربي، انتاجا وتقاليد عمل.. ولهذا صار الناقد يدفع ثمن كل هذا دونما تقصير منه في اداء وظيفته. ولقد ترتب على ذلك تراجع دور ووظيفة الناقد، وصار من اهم مهماته هي ان يؤدي دور موظف العلاقات العامة الذي يروج للبضاعة الفيلمية، ويكتب عن صانعي الفيلم ما يشتهون ويرغّب جمهور المشاهدين بهذه البضاعة حتى لو كانت بضاعة رديئة.

ويجد هذا المشهد مناخه وارضه الخصبة في ظل تسطيح مشهود صار يغطي ويطغى على الواقع السينمائي العربي ، اسهمت فيه الى حد كبير ما سمي على صعيد الانتاج المصري بـ(افلام المقاولات)، وهي افلام اقرب الى (فيديو كلب) زمنه ساعة او أزيد.. كما اسهم (الطوفان) الذي شكلته الفضائيات التي تتكاثر وتتكاثر في كل يوم.. هذه الوسائل الحضارية الرفيعة تتخبط اليوم تخبطا مزريا على صعيد حياتنا العربية بصفة عامة ما بين فضائيات الدولة التي تلهج ليل نهار بعبقرية الزعيم والحاكم وتلمع صورته وتسلط الضوء على عبقريته.. وبين فضائيات تقطع اوصال الفيلم تقطيعا بشعا بالاعلانات الهابطة واشرطة (سبتايتل) التي تفيض بالممجوج من الغزل الرث بين مشاهد ومشاهدة مكبوتين .. وفضائيات اخرى مملوكة لتجار (شنطة) وسياسيين واصحاب اموال وعلاقاتٍ وسط هذا سنتساءل عن دور الناقد ووظيفته..

وقبل ان نمضي في هذا .. اتوقف عند ما جرى في ختام مهرجان مسقط السينمائي الدولي في دورته الاخيرة .. يوم اصدر المخرجون المشاركون في المهرجان بيانا يتضمن مطالب لهم ومقترحات عملية للنهوض بالانتاج السينمائي العربي... ولم تفلح جهود بعض الزملاء النقاد في ان يكونوا طرفا في وضع مقررات ذاك البيان .. وبذلك تأكدت نظرة جيل آخر من صانعي الفيلم لادوار النقاد السينمائيين مع حضور نقاد مرموقين في المهرجان من وزن محمد رضا وصلاح سرميني وغيرهما .. نظرة تعمق المأزق والحقيقة التي تؤكد ان الانتاج السينمائي العربي سيبقى اسير نظرة تجزيئية، وليس نظرة كلية تتكامل فيها ادوار الانتاج والاخراج والتأليف والتقنيات والاداء وصولا الى النقد .. هذه التكاملية هي التي منحت نقادا كبارا في تاريخ السينما ادوارهم ورسخت دور ووظيفة الانتاج السينمائي شرقا وغربا..

تبقى هنا مسألة تبدو مفيدة في هذا الوقت وهي اطلاق جمعية تجمع نقاد السينما العربية على غرار العديد من الجمعيات العربية المهنية .. وربما كان في جمعية كهذه فائدة في ارشاد القوم لوظيفة النقد السينمائي والناقد وادواره في مواكبة المنجز السينمائي من الكلمة الى الصورة.

موقع "القصة العراقية" في 18 أبريل 2006

 

سينماتك

 

د. رفيق الصبان يكتب:

سيناريوهان جديدان رائعان.. يمكنهما أن يعيدا مجد «البوسطجي» و«المومياء»

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك