أول ما يستوقف المرء في الفنان الراحل أحمد زكي ثلاثة أشياء : لون بشرته السمراء الداكنة، شعره المفلفل الكثيف، وأخيرا تقاطيع وجهه الدقيقة التي توحي بالحزن والذكاء والغضب الداخلي. يبدو الفنان أحمد زكي من خارج الكون السينمائي العربي ... هذا الكون الذي ظلّ يبحث في نجوم السينما عن أشباه وشبيهات لنجوم وفاتنات هوليوود والغرب. وقد تبدو للبعض ملاحظتنا هذه عرضية او حتى سطحية، لكن من يتتبع تاريخ السينما المصرية يدرك مدى اهتمام هذه السينما بالشكل الخارجي وملامح الوسامة والجمال التقليدي في أبطال ونجوم الشاشة البيضاء. حتى الشخصيات "السوداء" البارزة في التاريخ العربي مثل "عنترة" و"بلال الحبشي" كانت تسند الى ممثلين بيض، يطلون وجوههم بدهانات الماكياج. الممثلون والممثلات "السود" في السينما المصرية، احتلوا أدوار الخدم والبوّابين و"الدادات" بامتياز كما في هوليوود بالضبط.

نسوق هذا الكلام فقط لتذكير القراء وشد انتباههم لصعوبة الطريق الذي شقّه الفنان الراحل أحمد زكي في سنوات عمره التي لم تتجاوز الستين. وبين نجوم التمثيل السينمائي في مصر المتميّزين بوسامتهم الملحوظة وأناقتهم الدائمة، يبدو الفنان أحمد زكي وكأنه واحد من "أولاد الشوارع" – عذراً على هذا التشبيه. ان ما كرّس هذا الانطباع الأولي هو دوره المتميز في مسرحية "مدرسة المشاغبين" البرجوازيين، دور اليتيم الفقير الذي يعيّره ناظر المدرسة بفقره المدقع، وفي نفس المسرحية يردد أحمد زكي عبارة "وضعي مختلف" القاسية والواقعية أيضا، ربما في اشارة غير متعمّدة لوضعه الواقعي أيضا. لاحقا، في مسرحية "العيال كبرت"، انتقل الى مرتبة الابن الأكبر العاقل/ المتمرد الذي يعشق سيدة أرملة أكبر منه سنا، وسط أخوة مجانين مدللين، المهم انه أصبح فرداً من العائلة. ان تمكّنه من حرفة التمثيل مبكراً، وملامحه الشكلية المختلفة، قاداه الى أدوار عديدة ومختلفة في السينما والتلفزيون أيضا. وخلال ثلاثين عاما من عمله في حرفة التمثيل، كرّس أحمد زكي ملامح "فحولة" مختلفة، خشنة، محسودة، بوقوفه الى جانب أهم فاتنات السينما المصرية ... كما لو أنه "عطيل" الذي يقود أساطيل مدينة السينما المصرية، ويحظى بأجمل حسناواتها. لكنه بين جيله من نجوم السينما العربية، كان الأكثر عشقا والأكثر إخلاصا للفن وللسينما بالتحديد، ولم يتصوّر لنفسه طريقا آخر في الحياة سوى فن التمثيل.

في سنواته الأخيرة استهوته سينما السيرة الذاتية الى ابعد الحدود وكرّس نفسه لتجسيد شخصيات مهمة ومثيرة للجدل، مثل الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات، وأخيرا الفنان عبد الحليم حافظ. لم يتوقف أحمد زكي او يستكين لشروط مظهره الخارجي في لعب الشخصيات المختلفة، في بعض الأحيان كان يلجا الى التفسير الداخلي للشخصية، في أحيان أخرى اعتمد على التطابق الشكلي الخارجي مع الشخصية، وفي معظم الأحيان كان يلجأ الى تقمّص الشخصية التي يلعبها … لكن من دون ان يستسلم لهذا التقمّص او يسقط في التكرار. في ذهني كنت أطلق عليه أحيانا اسم "أحمد زكي رستم" رابطاً بينه وبين الفنان العظيم "زكي رستم"، أحد عمالقة التقمّص في السينما العربية والعالمية أيضا، لكن أحمد زكي كان أكثر ذكاءاً ....  كان يحاول دائما ان يعطي من روحه وذاته للشخصيات المتنوّعة التي يلعبها على الشاشة. وربما كان أهم ما كان يميّز أداؤه هو الذكاء والحساسية اللتين يفتقر اليهما معظم نجوم السينما العرب في عملهم، وليس في حياتهم الشخصية بالطبع. لقد لعب دور تاجر المخدرات، المصور الفوتوغرافي، مفتش المباحث، بواب العمارة، الصحفي، المعاق بدنيا، الملاكم، المشعوذ الدجال، ابن الصعيد، ابن المدينة، طالب الجامعة الفقير، مجند الأمن المركزي الساذج، الوزير الفاسد، السائق، الطبال، المحامي، الجندي، رئيس الجمهورية، رائد التنوير العربي طه حسين .... كان مهووساً بلعب جميع الأدوار المختلفة، مندمجا في عمله الفني كأنه في رسالة او عبادة.

في مرضه العضال الأخير ضرب مثلاً رائعا في صموده واستمراره في العمل، وكأنه في سباق مع الموت القادم لا محالة هذه المرة. انه يعرف الموت جيدا، التقاه وراوغه سابقا، تحدث عنه كثيرا حتى في وسائل الإعلام. لقد صادفه الموت مبكرا في بداية السبعينات اثر إصابته بمرض عضال، بينما كان في رعاية الشاعر الكبير والرسام "صلاح جاهين" عند بداية مشواره الفني في القاهرة. ان موته، يحيلنا الى موت زوجته السابقة المبكر، الفنانة الرقيقة الجميلة "هالة فؤاد". وعندما كنت أفكر بالتناقض الظاهري الكبير بينه وبينها على مختلف المستويات، هالة بجمالها الرقيق الهادىء ... هو بعنفه وحساسيته المفرطة. تصورت ان الحب سينتصر على كل الاختلافات والتناقضات، لكن هذا الحب، وبالتالي هذا الزواج، لم يستمر طويلاًً. ان موتها المبكر قبل أكثر من عشرة أعوام كان صدمة كبيرة له، شوّشت الكثير من مساراته وخططه ومشاريعه في الحياة والفن.

من مناقب أحمد زكي المهمة، هي احترامه الكبير لنفسه ولفنه ولحياته الشخصية، قد حاول جاهدا ان يبعد حياته الشخصية عن الأضواء والإعلام وتحمّل الكثير من سوء الفهم والنقد الجارح جراء ذلك. بالنسبة له، الفنان إنسان عادي في معظم الأوقات، وما يستحق التغطية الإعلامية والشهرة هي أعمال الفنان وإنجازاته ليس إلاّ. والمدهش انه لم يكن عنيفا حتى في الدفاع عن أعماله وأدواره المختلفة، وكان يتقبّل النقد والملاحظات المختلفة ببساطة وأريحية، وهو المليء بالغضب او العنف الذي كان يتغذّى على جسمه النحيل. بالطبع، ان ابتعاد أحمد زكي المنهجي عن الأضواء وعن وسائل الإعلام، قد أضر بمكانته بين الجماهير أحياناً. وفي استفتاء بسيط أجريته بين نساء العائلة وبعض الصديقات، اكتشفت ان الثلاثي المفضل بين عموم النساء : هم "حسين فهمي، نور الشريف، محمود ياسين"، ثم يعقبه الثنائي "محمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي"، وأخيرا، وخارج هذه التقسيمات، هناك "الزعيم الأوحد" عادل إمام الذي يتربّع على عرش جميع القلوب. إذن، لم يكن أحمد زكي من  بين كل هؤلاء النجوم "المحبوبين" .... وجوده كان استفزازيا، متطلّباً، وهو لم يسعَ لأن يحبه الناس عن طريق الانتشار الفني والإثارة الاعلامية والمسائل الشخصية وتوسّل العواطف المجانية ..... ربما كان يريد ان يقول : لا أريد ان تحبوني، بل ان تحترموني، وتحبوا أعمالي الفنية، وربما كان يحس بالغربة حتى داخل الوسط الفني.

مثل هذه المواقف، ربما أضرّت حتى بفرص عمله في السنوات الأخيرة، سنوات أفلام "الكوميديانات" الشباب والسينما التجارية السهلة.... لكنه في هذه الأوقات بالذات جاهد ليصنع سينماه الخاصة، ونقصد إحياؤه لسيرة شخصيات مهمة في مصر من رؤساء وفنانين. في فلمه قبل الأخير "معالي الوزير"، قدّم أحمد زكي أداءً متنوعاً وذكياً الى أبعد الحدود، عن سياسي فاسد يدخل الوزارة بالصدفة المحضة، لـ "يعشعش" فيها طويلا، ثم تداهمه الكوابيس المؤرقة. اما فلمه الأخير "حليم"، فقد أصبح إشارة الى تصادم التراجيديات الشخصية لفنانين عربيين كبيرين، ونقصد حليم وزكي، اللذين كان القدر بالمرصاد لهما وهما في أوج عظمتهما وعطائهما الفني.

لقد آلمني شخصياً ان لا تلتفت الصحافة والميديا العالمية الى وفاة فناننا الكبير،.بينما كنت أبحث عن الأخبار والأحداث السينمائية البارزة في المواقع الالكترونية المهمة. نحن الذين نكتب في السينما في العالم العربي، قلّما يفوتنا أي حدث سينمائي عالمي بارز. أحمد زكي، لم يكن فنانا مصريا او عربيا فحسب، انه مُلْكٌ للفن السينمائي في العالم أجمع، وعلينا ان نعرّف العالم بهذا الفنان وأعماله وموهبته الفذّة، والظروف الصعبة التي واجهها وهو يشقّ طريقه في السينما العربية. ان ظهوره ونجاحه في السينما المصرية، قد يكون معادلاً لظهور ونجاح الفنان "سيدني بواتييه" في السينما الأمريكية أواسط الخمسينات من القرن الماضي.

بغداد ـ خاص كيكا  ـ leoman572001@yahoo.com

موقع "كيكا" في 16 أبريل 2006

 

حنان شقيقة خالد النفيسي تكشف أسرار حياته الاجتماعية

تزوج في الستينات وانفصل ولم ينجب أطفالا

حوار: نيفين ابولافي 

جوانب عديدة من حياة خالد النفيسي حرصت شقيقته حنان (ام طلال) على كشفها للقبس لاول مرة، واكدت انه فضل الا يحمل أهله عناء مرضه حاملا آلامه إلى الخارج وحده. وتروي الجانب الاخر من حياته منذ ان كان صغيرا حيث تحمل مسؤولية اسرته ومن بعدها الفن والكلمة الصادقة، شاكرة كل من وقف الى جانبه.
وعلى رغم الدموع والعبرات التي تخللت اللقاء معها الا انها استطاعت ان تقدم صورة الاخ والاب عند الراحل خالد النفيسي.

·         كيف كانت علاقة الراحل خالد النفيسي مع اسرته؟

كان خالد مدللا عند والدي رحمه الله الذي توفي وكان خالد في الخامسة عشرة من عمره، فترك خالد المدرسة وهو في المرحلة الثانوية على رغم تفوقه ونجاحه، وقرر العمل وبدأ برعايتنا نحن واخوته. كنت في ذلك الوقت ابلغ العامين ولم اشعر باليتم بعد وفاة والدي، ولكني شعرت به بعد وفاة اخي خالد الذي كان بالنسبة إلي في مقام الاب. وهذا الشعور لا يقتصر علي فقط بل على بنات اختي اللاتي فقدن والدهن، فقام خالد بتربيتهن ومتابعة كل ما يتعلق بحياتهن، ولم نشعر ذات يوم بأننا محتاجون إلى شيء، عشنا بدلال وعز وخير ولم يبخل علينا ابدا بكل ما لديه سواء ماديا او معنويا.

صدمة

·         ما اكبر صدمة في حياة خالد النفيسي؟

بحكم قوة ارتباطه وعلاقته بوالدتي وخصوصا بعد وفاة والدي كان لوفاة امنا اثر بالغ على نفسه وذلك في الثمانينات، فاصبح يشعر بوحشة العيش في البيت، والجلوس فيه وبدأ يكثر السفر ومن هنا اتجه الى المغرب بعد ان كان يفكر في لبنان الا ان ظروف الحرب انذاك منعته من ذلك، عمل في العقارات واشترى مزرعة كبيرة جدا فيها كل شيء حتى مناحل العسل، وقام برعاية واسكان عدد من العائلات الفقيرة ومنهم من كان يعمل في المزرعة، وقد عرف عنه انه خير ودائما يساعد المحتاجين ولا يحب ان يرى احدا محتاجا من دون ان يساعده محبا للمرح والنكتة واجواء الفرح.

زواج

·         هل سبق له الزواج؟

نعم، في الستينات تزوج خالد باحدى الفتيات واستمر معها اربع سنوات ثم انفصل عنها ولم يتزوج بعدها مطلقا.

·         لماذا رفض الزواج بعد انفصاله عن زوجته؟

بسبب سفره الدائم وانشغالاته الفنية لم يرغب في ان يظلم معه اي امرأة لكونه لن يستطيع ان يعطيها حقها الكافي من الاستقرار لذا رفض الزواج.

·         هل انجب من زوجته؟

لا لم ينجب اطفالا ولم يكن له ابناء نهائيا.

·         لكن عرف عنه تبني الكثير من الاطفال؟

لقد كان المرحوم طيب القلب ويحب الاطفال لذا تبنى الكثير من الاولاد والبنات من ووفر لهم كل ما يحتاجونه في حياتهم اليومية والدراسية ومنهم عائلة مكونة من ام وابنتين كانوا دوما معه في المغرب حيث كانوا حريصين على رعايته وتلبية احتياجاته، الى ان تزوجت احدى الفتيات وبقيت الصغرى معه حتى يوم وفاته. وهي الان موجودة معنا في الكويت، وقد خيرناها ما بين البقاء معنا او العودة الى المغرب، واختارت العودة، الا انها لا تزال حتى هذا اليوم هنا. ولا يمكن لنا ان ننكر ما فعلته مع المرحوم وهي بمثابة ابنته ونحن اسرته جميعا نحبها.

·         ما قولك حول ما يتردد من ان المرحوم كان متزوجا في السر ولديه ابناء من دون ان يفصح عن ذلك؟

هذا الكلام غير صحيح جملة وتفصيلا وباختصار لم يكن خالد رحمه الله يحتاج احدا او ليخاف من اي انسان حتى يدفعه ذلك بان يخفي زواجه عنا او عن الناس ولا يوجد اي مبرر لذلك خصوصا انه عرفت عنه قوة الشخصية وجرأته في كل شيء، والاهم من ذلك هو انه رجل ولا ينتظر موافقة احد على سلوكياته، بل كنا نتمنى ان يتزوج من يريد وكنا نطلب منه الزواج وهو يرفض.

عروس

·         هل اخترتم له عروسا بالفعل وتردد في الزواج بها؟

- نعم، فقد اقترحنا عليه ذات مرة احدى فتيات العائلة وكان ميالا لها الا انه تردد كثيرا في الزواج بها حتى رفض كي لا يزعجها بطريقة حياته التي اعتاد فيها على السفر الدائم والانشغال المستمر خصوصا انها من بنات العائلة الامر الذي جعله أيضا يتخوف من ان يكون ذلك سببا في الخلافات العائلية.

حياة

·         كيف كان اسلوب تعاطيه مع مواضيعكم ومشاكلكم وحياتكم اليومية؟

- عرف عنه الهدوء في البيت، ولم يكن يوما عصبي المزاج، ويكره ان يرى احدا منا مهموما ويحاول دائما ان يضفي جوا من المرح والابتسامة في المنزل، وهو مستمع جيد اذا تحدثنا، وديموقراطي لا يفرض اراءه على احد، وعقليته متفتحة إلى أبعد الحدود ولا يحب ان يتحدث بسوء عن اي شخص حتى لو تناوله احد بالنقد كان يفترض فيه حسن النوايا مهما قال.

علاقة

·         كيف هي علاقته بابنائك؟

- علاقة رائعة جدا وابني خالد الذي حمل اسمه قريب منه فيما يتعلق بحدته واسلوب حديثه مما دفع احد اصدقائه ذات مرة الذي لا يعلم بصلة قرابته بخاله خالد النفيسي لسؤاله عن ذلك لكونه بان شبيها له في الاداء إلى حد بعيد. وايضا ابن اختي الكبرى التي احتضنتنا بعد وفاة والدتي، يشبهه كثيرا في كل حركاته واسلوبه وحتى مشيته. وقد رافقه في رحلة علاجه مع والده ابراهيم المعيلي في اميركا.

·         ما احب اعماله التلفزيونية بالنسبة إليك؟

- احببت له مسلسل 'القلب الكبير' وتأثرت به جدا.

مرض

·         كيف كانت بداية اكتشاف مرضه؟

- كان ذلك في رمضان العام الماضي عندما اكتشف وجود حبة تحت لسانه فذهب إلى الطبيب وحوله الى مستشفى حسين مكي جمعة، فاكتشفوا ان هذا الورم السرطاني قد وصل الى الغدد الليمفاوية مما استدعى سفره إلى الخارج لاستئصاله. وبعد ذلك اهمل المرحوم مراجعاته الدورية للطبيب، وكنا نلح عليه دوما بضرورة اهتمامه بهذه المواعيد الى ان أدخل الى المستشفى قبل وفاته بيومين حيث شعر بشيء ما في صدره واصفر لونه وبعدها دخل في غيبوبة. وساعتها أمر صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الصباح بنقله بطائرة خاصة الى لندن الا ان ظروفه الصحية وصعوبة تنفسه حالت دون ذلك وبعدها توفى بسبب انتشار السرطان في الرئة وصدره.

·         هل كنتم على علم بتدهور حالته الصحية؟

- لا، في وعكته الصحية الاخيرة رفض ابلاغنا بها فهو يحرص دائما على عدم ازعاجنا او مضايقتنا ولا يحب ان يرانا مهمومين وذات مرة حدث ورأى احدا منا يبكي يقول لنا 'دموعكم غالية' لذا شدد على عدم معرفتنا بتعبه الأخير.

حديث آخر

من جانبها تحدثت ام خالد ابنة اخته التي قام بتربيتها مع اختها بعد غياب والدهما منذ صغرهما قائلة: 'لقد كان يرافقنا اثناء حفلات الروضة وحتى في المرحلة الابتدائية ويحرص على التواجد بين صفوف اولياء الامور ودائما يتابع مستوانا التعليمي ويسأل المدرسات عنا انا واختي وعلمنا على حرية التعبير عن الرأي ويستمع دوما لاحاديثنا وزرع فينا الكبرياء حتى اذا تحدثت ذات مرة وكنت مطأطئة رأسي إلى الاسفل يطلب مني ان ارفع رأسي وانا اتحدث وينهاني عن ذلك. وعندما مرض شعرت بأن الدنيا قد اختلت فهو الاب والاخ وكل ما في حياتنا. كان حريصا بالا يشركنا معه في همومه راسما الضحكة على وجهه مهما كانت حالته النفسية.

·         هل شعرت بوعكته الصحية قبل ان يسافر إلى المغرب؟

- كانت معالم التعب واضحة على وجهه، وانا اتذكر ان سفره الاخير إلى المغرب لم يكن واردا في اجندته، وقرر ذلك فجأة كأنه يريد ان يتحمل الألم وحده من دون ان يشعر به احد.

·         ما وجبته المفضلة؟

- كان يحب اكل الجبن الابيض والطماطم والخيار والزيتون سواء أكان ذلك فطورا ام عشاء ولا يحب الاكل الدسم ويعشق السمك.

وشكرت ام طلال السفارة الكويتية في المغرب على ما قامت به من جهود ومتابعة حتى وصل جثمان شقيقها الكويت، الا انها عبرت عن حزنها الشديد واسفها لعدم توافر طائرة خاصة لنقل الجثمان الذي استغرق يومين للوصول ما بين الانتظار في المطار والتنقل من مكان الى اخر.

وخصت بالشكر وزير الاعلام د. انس الرشيد الذي اطلقت عليه اسم 'ابو الاعلام' لما قدمه من اهتمام وما قام به من جهود مع الفقيد ومع باقي الفنانين في الكويت.

لقطات من الحديث

اوضحت أم طلال انه احب الفنان الشاب محمود بوشهري وتنبأ له بمستقبل جيد.

اقرب الفنانات إليه سعاد عبدالله وحياة الفهد.

احب مسلسل 'فريج صويلح' و'عديل الروح' و'الشريب بزة'.

اغضبه ايقاف مسرحية 'هذا سيفوه' وحارب الرقابة الفنية وطالب بالغائها.

القبس الكويتية في 16 أبريل 2006

فيلم هالا محمد الوثائقي: اللعب على الزمان والمكان والأعداد

دمشق ـ أحمد عمر

أدب السجون أدب جديد على المكتبة العربية، دخل إليها في النصف الثاني من القرن الفائت، بعد الاستقلالات العربية من الاستعمار الحديث. وإذا كانت الأفلام الدرامية الروائية قد قاربته في بضعة أفلام متفرقة ("إحنا بتوع الأتوبيس"، "أهل القمة"، "القلعة الخامسة"...) فإنه لا يزال جديداً على الأفلام الوثائقية، ولا يخلو أدب سجين من قسوة وعنف وتعذيب سوى ما كتبه المفكر الإسلامي سيد قطب. لكنّ كتابه "معالم في الطريق" سيكون قفيراً "للصخب والعنف" فيما بعد..

تختلف أفلام هالا محمد عن أفلام زملائها مخرجي أفلام أدب السجون العربية (مصرية، مغربية، أردنية) في أمور عدة: أولها أنها توسع الشهادات الوثائقية في كل فيلم إلى ثلاث شهادات (ربما لأن الرقم ثلاثة مقدس، أو تأسيا بألكسندر دوماس الكبير) لتقديم مروحة من الآراء فيما اكتفت أفلام السجون العربية الزميلة بشهادة واحدة (سعيد كفرواي، ادريس بويسف الركاب، هاشم غرايبة، سعود قبيلات)، الأمر الثاني أنها تشحن فيلمها بجرعات وجدانية كبيرة وتبتعد ما استطاعت عن استعرض أنواع التعذيب الجسدي، الموجود سلفا في الخلفية، لتخفيف قسوة الذكريات... وربما يعود الأمر إلى كونها شاعرة، وأنثى، ابتداء. الأمر الثالث، هي أنها تقتحم محظوراً سورياً. فسجون المغرب ومصر والأردن اعتبرت مراحل سابقة، في حين أن الماضي لا يزال مجيدا وخطا احمر في بلدها، اللهم سوى الإشارة إلى "أخطاء" دون تسميتها. الفيلم يكسر الصمت، ويقدم خدمة للسلطات بتشجيعها على مواجهة ماضيها لمداواته ونسيانه. فلا يكفي إغلاق تدمر لإنهاء آلامه، لابد من فتحه وفصد جرحه (ليصير عبرة لمن اعتبر) ويتحول من متحف للألم إلى تعويذة تأليم.

في الجزء الثاني من أدب السجون والذي عنونته بـ"رحلة إلى الذاكرة" تستعرض ثلاث شهادات، لأدباء وكتاب سوريين هم: ياسين الحاج صالح والشاعر فرج بيرقدار والكاتب والمخرج المسرحي غسان الجباعي...

تماثل المخرجة بصريا بين رحلة الزمن إلى الذاكرة البعيدة والسفر المكاني إلى سجن تدمر، وهي وسيلة أسلوبية معروفة في السرد الأدبي والسينمائي، وتستنطق ضيوف كاميرتها، بجمعهم في عربة ذكريات ذاهبة باتجاه الماضي، غير الميت، فيتبادلون لعبة الكراسي غير الموسيقية وسرد الحكايات ورد الأعجاز على الصدور.

تقسم هالا محمد كل "جملة بصرية" من رحلة الذاكرة إلى كيلومترات مسافية، تعمل فيها شاخصات المسافات على الطريق مثل فواصل اللغة وعلامات الترقيم. يحفل الفيلم بالطباقات والجناسات الكلامية مثل مقابلة بين الشاخصات المعبرة عن المكان وبين الأعداد. العدد أكثر العناصر حضوراً في الفيلم: مواليد الأدباء، سنوات سجنهم، المساحة المتاحة الضيقة في السجن (وهي 40 سم مربعاً لرجل طوله خمسة أضعاف ما هو مرسوم له واقعياً) هذا إذا ضربنا صفحاً عن طول قامتهم المعنوية.. طباق بين صحراء تدمر وخوابي الذكريات. العدد حاضر بقوة في الفيلم وتحت سطوره (نحن في الألفية الثالثة) وغائب في الحكم العرفي الطويل اللانهائي والذي يحرم السجين من انتظار الحرية، والتي ستصير مرعبة بسبب طول البعاد، كما أشار الحاج صالح!!

يشير الحاج صالح بمرارة إلى طباق عراقة هذا المكان وجلاله، وارتباطه بأبشع ذكرى... محل العظمة صار مكانا للعار. اسم تدمر والذي يمكن أن يكون قد جاء من مفردة "تتمر" الآرامية أو "تثمر" العربية أو ربما من حسناء اسمها تامارا، كما يشير فاضل الربيعي في كتابه "أبطال بلا تاريخ". من العجيب أن يوحي الاسم الذي جاء من النبات والخضرة والثمر والجمال ليوحي بالدمار كما يوحي السياق، أو توحي الآثار في زمن الفيلم.

في فيلمها الأول تحدث صاحبا السجن على مائدة طعام، لكن الحديث كان موجهاً إلى الكاميرا، لكنهما في الفيلم الثاني تحاورا، أحدهما مع الآخر، وهو أجمل فنيا، ففاتت على المشاهد مفردات من عالم السجن مثل "التعليم" فللسجن مفرداته ولغته.

كما يختلف الجزء الثاني عن الأول في أن الأول جرى تصويره في أماكن مغلقة، وان الثاني اتسم باتساع مكانه ولقطات "الزووم آوت" التي تجعل المشاهد يتنفس الصعداء وهو يسمع ذكريات قاسية.

كان لكل أديب بلاغته التي تناسب جنسه الأدبي: ياسين الحاج صالح في تشخيص الخوف، والأسر، وتسديد المعاني، أو المصطلحات لنفسه ولزميليه أحياناً. وغسان الجباعي وتعبيراته عن العائلة والأبوة والشوق والكرامة و الأنثى (أكثر الاعترافات شجنا هو تعلقه ست سنوات بشعرة زوجته التي وجدها في كتاب "أجمل رجل غريق في العالم"، فتمسك بالشعرة كما تمسك أجمل رجل غريق بالقشة (وبيرقدار في تعبيرات الحرية إلى درجة استعذاب انكر الاصوات "صوت الحمار" كموسيقا في السجن المقيت. واتفق (الشهود، الشهداء) الثلاثة على اعتبار الصمت هو الأكثر إرعاباً في عالم الظلام والأسوار.

رافقت الفيلم موسيقا تصويرية أرمنية ـ يرد ذكر سجين ارمني عرضاً في الفيلم ـ وهو فتح لعب أدبي بارع من المخرجة بإشراك عنصر فني من الموزاييك السوري العريض. وتجدر الإشارة إلى تنديد الكاميرا بالأسوار، كما في الجزء الأول، واللعب على اللافتات والشعارات بسخرية مضمرة.. وهي شعارات ثورية أنتجت كل هذه الذكريات المؤلمة التي سمعناها.

المشهد الأخير في الفيلم، المغمور بالضوء مقارنة بفلمها الأول المعتم، بديع ومؤثر: يصل "الفرسان" الثلاثة على خيول ذكرياتهم إلى موئل الحضارة السورية القديمة ويقفون على الأطلال. ينزل الثلاثة تباعا: يقف الجباعي طويلا مثل أعمدة تدمر، وتمتلئ عيناه بالدموع خجلاً من حاضره أمام عظمة ماضيه. ويرمي بيرقدار الأرض، لأنه قضى ثلث حياته في السجن، بلا خطيئة، بحجر... ثم يمضي أجمل ثلاثة رجال غير غرقى، بلا ظلال، وسط موسيقى حزينة، وظهورهم للمشاهد، للكاميرا، للذكرى المرة (ليخرجوا) من الباب الذي كانت "تدخل" منه يوماً جدتهم... زنوبيا.

المستقبل اللبنانية في 16 أبريل 2006

 

"معسكرات الاغتصاب" وثائقي يدين التلكؤ الأوروبي في البوسنة 

أثبت مهرجان برلين للسينما الوثائقية، هذا العام، أنه نجح في أن يضفي على هذه المناسبة العالمية، بعداً أوروبياً خالصاً. يتمثل هذا الأمر، بالتحديد، في الضجة الكبيرة التي أثيرت حول فيلمين يطرحان قضيتين انسانيتين تتعلقان مباشرة بالتوجهات السياسية الاجتماعية التي تسعى أوروبا الى أن تنفرد بها بمعزل عن الولايات المتحدة الأميركية. أولهما للمخرجة البوسنية ياسميلا زبانيك التي نالت جائزة المهرجان الأولى عن عملها الفذ "معسكرات الاغتصاب"، الذي يعالج بصيغة درامية ذات تقنية عالية ومؤثرة الاعتداءات الهمجية التي تعرضت لها عشرون ألف امرأة من البوسنة على أيدي الصرب أثناء حرب الإبادة التي عصفت بالبوسنة، مطلع التسعينات من القرن الماضي. وتستخدم المخرجة حبكة روائية استقطبت اعجاب النقاد والجمهور في المهرجان، تقوم على مشهد رئيسي، تتولى فيه احدى الضحايا البوسنيات إطلاع ابنتها البالغة من العمر أربعة عشر عاماً على تفاصيل دقيقة عن المجازر التي حصدت مئتي ألف إنسان. أما الوثائقي الثاني، يتناول معالجة انسانية عميقة للانتهاكات المرعبة التي تجري يومياً في سجن غوانتنامو الذي اقامته الولايات المتحدة في كوبا.

كان متوقعاً أن يفوز فيلم "الطريق الى غوانتنامو" بالجائزة الأولى.. ثم حصلت المفاجأة، وحل مكانه "معسكرات الاغتصاب" نظراً الى التفوق الكبير الذي أحرزته المخرجة في معالجة هذه المسألة التي هزت أوروبا والعالم في التسعينات الماضية. بدا واضحاً في سياق هذا الوثائقي، ان المخرجة ضربت على وتر عقدة الذنب التي انتابت الأوروبيين في اعقاب أكثر المجازر وحشية في القرن العشرين. في تلك الاثناء كان الأوروبيون يخشون من أن يكونوا شهود زور على جرائم تقشعر لها الأبدان في البوسنة وهم يتحركون ببطء للحؤول دون هذا القتل المجاني الذي يمارسه النظام الستاليني العرقي في صربيا. الفيلم يتطرق بشفافية استثنائية الى هذه المسألة ليؤكد أمرين هامين: أولهما، ان انسانية الانسان هي الضحية الأولى في الصراع بين اللاعبين الكبار على الساحة الدولية. والثاني ان الهمجية المفرطة وصمة عار على جبين أوروبا التي تحاول، بشتى الطرق، استنهاض القيم الانسانية الكبرى في لعبة تضارب المصالح بين الدول العظمى.

لأجل هذه الاسباب، أخلي الطريق أمام الفيلم البوسني لتتوج مخرجته الأكثر أهمية ونفاذاً الى قلوب الحضور ولجنة الحكام. لا يقلل هذا الفوز من رهبة الفيلم البريطاني "الطريق الى غوانتنامو" الذي ينطوي كذلك على نظرة أوروبية عميقة في فهم أسباب الارهاب ومعالجته. غير أنه يتفوق عليه في تسليط الضوء على ما قد يعتبر إحدى الثغرات الخطيرة في التاريخ الأوروبي الأكثر حداثة.

قد يشير المهرجان الذي اختتمت فاعلياته يوم الأحد الماضي الى ما قد تسفر عنه هذه التظاهرة في سنواتها المقبلة. اعتماد أكبر على الأفلام التي تعالج مفاهيم انسانية وسياسية تخص القارة الأوروبية وحدها دون غيرها. تشجيع المخرجين الأوروبيين على محاولة الخوض في قضايا كهذه دلالة على رغبة أوروبية جادة في طي الصفحات السوداء على مشارف الألفية الثالثة.

المستقبل اللبنانية في 17 أبريل 2006

 

سينماتك

 

يوخنا دانيال يكتب عن ذكرى رحيل الفنان أحمد زكي

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك