طرقات تحول النحاس الى شرائح رقيقة، تقطع، تلف، تسد من أسفل وتعبأ بالبارود ثم تغطى بالرأس المقذوف لتصبح طلقة رصاص، تعبأ فى صناديق تنقل من المصنع بسيارات ثم عبر الطائرات وتعود لعربات ثم تشحن فى سفن وتتحرك حتى تصل ليد صبى صغير يضعها فى سلاحه وتنطلق عبر ذلك السلاح لتستقر فى رأس انسان اعزل يسقط ميتا.

هكذا تبدأ تترات فيلم سيد الحرب حاملة لنا قصة حياة طلقة من المهد الى اللحد صنعها ببراعة وعبقرية فنان الجرافيك ديفيد اوراسل ليؤكد منذ اللحظة الاولى المعنى الذى هدف إليه مؤلف ومخرج الفيلم اندرو نيكول فهو لا يقدم فيلما عن حياة احد تجار السلاح ولكنه وبشكل مباشر يعرض تجارة السلاح ولا يتعدى دور التاجر فى الفيلم كونه وسيطا يتحرك كاشفا الكثير من الخبايا فى ذلك العالم وموضحا اسباب تطور الصراع فيه.

تدور الأحداث حول شخصية يورى اورلوف الشاب الامريكى الاوكرانى الاصل وهو ابن لصاحب مطعم صغير فى حى بروكلين الذى يغلب على ساكنيه الديانة اليهودية مما يدعو الاب الى ادعاء اليهودية لكسب تعاطف وزبائن الحى ولكنه بمرور الوقت يصدق ذلك الادعاء بينما ينشغل يورى فى البحث عن مصدر رزق حتى يجد ان تجارة السلاح مصدر مربح رغم اقتناعه بحقارتها كمهنة ومع ازدياد العمل يضم شقيقه الاصغر فيتالى اليه وتقبل الثروة عليهما مع سقوط سور برلين لينتقل من المحلية الى العالمية حتى يصبح الاهم بين تجار السلاح فى العالم باستغلاله لسقوط المعسكر الاشتراكى ولا يغفل الفيلم صراع تلك التجارة فهناك المنافس تاجر السلاح الكبير وهناك دائما الشرطى الذى يطارده محاولا اثبات شيء ضده حتى يتمكن من ذلك فى النهاية التى تفجر وتكشف عن مغزى الفيلم حين يعلن ان تاجر السلاح الاكبر فى العالم ما هو الا الرئيس الامريكى كما يتعرض الفيلم لنموذج لحاكم دكتاتورى فى العالم الثالث موضحا الصراعات العرقية والاساليب السادية فى الحكم.

وبالطبع كان من العجيب ان تقدم احدى الشركات الامريكية على تقديم فيلم يدين أمريكا ويتهمها بالتسبب فى مصائب العالم وبالتالى فقد تم رفضه من جميع شركات الإنتاج الهوليوودية وبعد اربع سنوات من البحث يتصدى لانتاجه المنتج الفرنسى فيليب روسيليه ومن هنا ايضا كان رفض نيكولاس كيدج لأداء الدور فى البداية ثم كان قبوله رغم رفض مدير اعماله ومستشاريه الخاصين وذلك بعد جلسة خاصة مع المخرج وبحوزته حقيبة بها مدفع كلاشينكوف.

ورغم ابتعاد الفيلم عن شركات الانتاج الضخمة الا انه لم يأت بعيدا عنها كمستوى فنى وإنتاجى فجاءت مشاهد مخازن السلاح ومشاهد نقله على المراكب الاكثر ابهارا فهذا الكم من الاسلحة والبارجات والدبابات الحربية يندر الحصول عليه بعيدا عن هوليوود ولكن ما يسر ذلك هو الاستعانة بتاجر سلاح حقيقى سمح لهم بتصوير أسلحته فى مخازنه الخاصة واثناء نقلها الى زبائنه، وقد تم تصوير اغلب المشاهد ما بين دول التشيك وليبيا وجنوب افريقيا.

وقد تمكن نيكولاس كيدج من تقديم شخصية عبر مدخلين أساسيين الأول وهو الذكاء الذى فرضه على الشخصية منذ اللحظات الاولي، فهو دائما يفكر ويتخذ القرارات بلمحات من عينيه او ردة فعل من عضلات وجهه تسبق اعلانه بالكلام، والمدخل الثانى وهو التجرد من القيم فهو لا يملك ديانة فقد مسيحيته ولم يعتنق اليهودية التى فرضتها ظروف الحياة علية فاصبح من السهل عليه التجرد مما بقى من قيم واخلاقيات وساعده على ذلك الحوار الجيد فنجده على مدار احداث الفيلم يكرر لاكثر من عشر مرات جملة انها ليست حربى ليخرج نفسه من الإحساس بالذنب تجاه أى موت أو قتل يحدث بسبب اسلحته ورغم صعوبة المواقف داخل السيناريو الا انه يحتفظ دائما بهدوئه ملتقطا ذلك من جملة عبر الاحداث: إنها مهنة حقيرة لكنها مربحة وانا اجيدها، فيبدو دائما مقنعا بها للغاية مدافعا عنها، ليؤكد ذلك فى واحد من أجمل مشاهد الفيلم حين يتحدث عن مدفع الكلاشينكوف وأهميته للمقاتل، انه عاشق يصف معشوقته بلمعة عينيه ويده التى تتحسس المدفع اثناء الحديث.

انه شخص لا يرى فى صوت طلقات الرصاص دماء ولكنها عملات تتساقط فى جيوبه، الثروة والبهجة وفى النهاية يعلن بثقة شديدة عند سقوطه للضابط الذى ادى دوره ببراعة النجم ايتان هوك الذى يواجهه يورى بعد طول المطاردة بصدمة كبرى حين قال له: اننى لن اسجن لاننى جزء من منظومة كبرى لتجارة السلاح يقودها رئيس دولتك يقصد أمريكا الذى يبيع فى اليوم الواحد قدر ما ابيعه فى عام كامل وهو يعلم ويتركنى لان هناك سلاحا لابد ان يصل إلى اناس ويخاف ان يحمل بصمة اصابعه فيترك امثالى ليضعوا بصمتهم.

فيلم سيد الحرب يحمل داخله عملية توثيق لأسباب تطور الصراع العسكرى فى نهاية القرن الماضى موضحا دور سقوط سور برلين وانهيار المعسكر الاشتراكى واستفحال دور الإمبريالية، وقد جاء الإخراج هوليوودى النزعة فى اغلب الاحوال، تماما مثل السيناريو، وإن كان حرص على أن يراعى فيه عدة نقاط هامة منها ابعاد الشبهة عن اليهود فهو يهودى اسما وليس فعلا وكذلك اضافة الجانب الانسانى فى حياة البطل عبر قصة حب بفتاة يتزوجها قامت باداء الدور النجمة بردجيت مونيهان وكذلك عبر الصراع التقليدى مع التاجر المنافس ايان هولم وتأتى اللمحة الهوليوودية الكبرى فى شخصية الشقيق المعقدة والتى تحمل داخلها النموذج الاخلاقى الامريكى الذى يكره القتل ولا يفيق من المخدرات والنساء والخمر ورغم ذلك لا تنكر براعة الممثل جاريد ليتو فى أداء الدور خاصة فى المشهد الذى يموت فيه دفاعا عن اخلاقياته، وكذلك تأتى النهاية فى دفاع عن المجتمع الامريكى حين يتخلى الاب والام والزوجة عن يوري، إنها حالة من رفض المجتمع المدنى الامريكى والتى يتم ترويجها اعلاميا بأكثر من شكل.

العربي المصرية في 16 أبريل 2006

 

مهرجان للافلام العربية فـي نيويورك يسعـــى لاستقطــاب الجماهـير 

نيويورك - رويترز - يعرض اكثر من 30 فيلما من العالم العربي والاسلامي ضمن فعاليات مهرجان سينمائي يستمر اسبوعا في نيويورك لكن هل سيحضر احد للمشاهدة..ويجمع مهرجان الوطن السينمائي الذي اسسته منظمة لا تهدف الربح في مدينة مانهاتن اسماء بارزة في عالم الاخراج في الشرق الاوسط. وتعالج الافلام المعروضة مجموعة من القضايا مثل الحرب في العراق والصراع الاسرائيلي الفلسطيني وافغانستان.

وفي ظل انتشار القوات الامريكية في العراق وافغانستان وحقيقة أن علاقات الغرب مع العالم الاسلامي هي التحدي الاكثر وضوحا خلال هذا العقد فان القائمين على المهرجان حريصون على مساعدة الشعب الامريكي في معرفة طبيعة «العالم الاسلامي».

وقال المخرج البريطاني من اصل يمني بدر بن حرسي «من المهم للغاية أن يحضر الامريكيون من مختلف الثقافات لمشاهدة الافلام خاصة في ظل مرور خمس سنوات على وقوع هجمات 11 ايلول».

وافتتح فيلم لحرسي المهرجان أمس الجمعة.

لكن الافلام تعرض في ثلاث دور عرض فقط في القسم السفلي من مدينة مانهاتن كما أن المهرجان لم يحظ سوى بقسط يسير من الاهتمام الاعلامي لانه يأتي قبل مهرجان تريبيكا السينمائي الاكبر والذي يضم في فعالياته ايضا عددا من الافلام من العالم الاسلامي.

وعبر حرسي عن امله في أن يجتذب المهرجان الجماهير من مختلف الثقافات. وقال «سيكون هذا امرا لطيفا.. لكني لا اعتقد ان هذا سيحدث. اعتقد أن من سيحضرون سيكونون على الارجح عربا امريكيين أو مستعربين».

ورغم أن الكثير من افلام المهرجان تعالج القضايا التي تشغل بال الناس في الوقت الحالي يقول حرسي ان فيلمه هو كوميديا رومانسية يتناول قصة شاب غني على وشك الزواج بامرأة لا يعرفها ولكنه يقع في حب امرأة أخرى.

واشار حرسي الى أن فيلمه الذي يحمل عنوان «يوم جديد في صنعاء القديمة'' هو اول فيلم روائي طويل ينتج في اليمن. وتحدث حرسي عن الصعوبات التي واجهته اثناء تصوير الفيلم بسبب البيروقراطية ومشاكل التمويل وسوء الفهم والشك التي تسود المجتمع اليمني والتي افضت الى طعن احد الممثلين.

وقال «اعتقدت أن الجزء الشاق انتهى لكن ما لا افهمه فعلا هو ان الفيلم لاقى استحسان النقاد واعجب الجمهور. لكن وكلاء المبيعات والموزعين لا يفهمونه ولا يصدقونه.. هم فقط لا يعرفون ماذا يصنعون به.. فهو ليس من /عينة الافلام/ التي يتوقعونها من العالم الاسلامي».

من بين الافلام التي ستعرض خلال المهرجان فيلم «زمان..رجل القصب'' للعراقي عامر علوان والذي يروي رحلة اب من الاهوار الى بغداد للبحث عن دواء لعلاج ابنه بالتبني.

ويدور فيلم عراقي اخر يحمل عنوان «احلام'' للمخرج محمد الدراجي حول الايام التي سبقت واعقبت سقوط بغداد ويروي قصة فتاة احتجزت في مصحة عقلية بعد اعتقال زوجها في عهد صدام حسين. ويطلق سراح الفتاة عنما تدمر المستشفى في قصف وتهيم في الشوارع في ظل الفوضى التي اعقبت سقوط المدينة في نيسان عام .2003

ومن باكستان تتجول المخرجة والصحفية شرمين عبيد في جميع انحاء موطنها لتسأل المواطنين العاديين عن ارائهم في تحالف حكومتهم مع الولايات المتحدة ودعمها لحرب الارهاب في الفيلم الوثائقي «لعبة باكستان المزدوجة».

ومن مصر يعرض فيلم «حالة حب'' للمخرج سعد هنداوي الذي حقق مبيعات هائلة في شباك التذاكر المصرية والذي يلقي نظرة على حال العرب الذين يعيشون في الغرب.

اما الفيلم الايراني «الجنس والفلسفة'' للمخرج محسن مخملباف فيتطرق لقصة رجل يقرر أن يقدم عشيقاته لبعضهن بعضا. وقال حرسي ان ميزانية فيلمه بلغت 4ر1 مليون دولار.

وتخصص ميزانيات ضئيلة لهذه الافلام مقارنة بالطبع مع افلام هوليوود ذات الميزانيات الضخمة.

ويرى شريف صادق وهو احد القائمين على المهرجان ان انتشار الاعلام والثقافة الامريكية في جميع بقاع الارض يعني أن الناس في الشرق الاوسط على دراية اكبر بأمريكا وليس العكس. واضاف «يبدو أن هذا طريق من اتجاه واحد يرسل عبره الامريكيون المعلومات لكنهم لا يتلقون معلومات لذا نأمل أن نتمكن من طرح وجهة نظر مختلفة عن الاخطاء المعروضة والصور التي تبث يوميا على شاشات التلفزيون».

الرأي الأردنية في 16 أبريل 2006

 

ماتيجي نرقص يعيد يسرا لإيناس الدغيدي

القاهرة ـ جميل حسن 

أوشكت المخرجة ايناس الدغيدي على الإنتهاء من تصوير فيلمها الجديد ''ماتيجي نرقص'' الذي بدأت تصويره قبل أربعة أشهر، وكتب قصته أسامة عبدالظاهر ووضع المعالجة السينمائية رفيق الصبان، وتشارك في بطولته يسرا وهالة صدقي· الفيلم يمثل عودة للتعاون الفني بين ايناس الدغيدي ويسرا بعد أن قدمتا معا أفلام ''الوردة الحمراء'' و''امرأة واحدة لا تكفي'' و''كلام الليل'' و''دانتيلا''· كما يمثل عودة للممثلة هالة صدقي التي انقطعت عن السينما طوال السنوات الأربع الماضية·

وتدور أحداث الفيلم حول فكرة الخروج من الرتابة والملل بالرقص من خلال محامية تتعرض لأزمات كثيرة وتعاني حالة نفسية سيئة، فينصحها المقربون منها بالرقص لأنه يخرجها من أزمتها النفسية· الفكرة جديدة لم يسبق للسينما المصرية التطرق اليها، وهو ما أغرى يسرا بالمشاركة فيها· ويسرا أكثر سعادة بالعودة إلى كاميرا ايناس الدغيدي التي تقول عنها انها الأقرب لقضايا المرأة وتناقشها بجرأة وتتحمل تبعات هذه الجرأة·

وترى يسرا أن السينما المصرية في السنوات الثلاث الأخيرة اهتمت بتقديم ألوان مختلفة كان الجمهور في حاجة إليها، ورغم أن الفيلم بسيط في فكرته فهو يغوص داخل النفس البشرية·

أما هالة صدقي فتجسد شخصية مدربة رقص، وهي شخصية جديدة عليها لذلك اضطرت إلى انقاص وزنها وفقا لتعليمات ايناس الدغيدي، وتضيف هالة: مدربة الرقص التي أجسدها تعمل في مدرسة للرقص، وتلتقي المحامية التي تجسدها يسرا وتفضفض كلاهما للأخرى· تكتشف المحامية أن بداخل المدربة التي لا تكف عن الضحك العديد من المشاكل التي تحاول التغلب عليها بالرقص·

ويجسد طلعت زين شخصية محام في مكتب المحامية ''رانيا'' وهو الأقرب اليها ونصحها بالتغلب على أحزانها، وعندما يعرف أنها اتجهت إلى الرقص يذهب إليها ويساعدها في تعلم بعض الرقصات لتكتشف أنه محترف رقص، ويتغلب هو الآخر على مشاكله بالرقص· ويرى طلعت زين أن الفيلم رومانسي اجتماعي، يناقش قضايا جادة·

تامر هجرس يجسد في الفيلم شخصية مدرب رقص، ويتولى تدريب المحامية الشهيرة ويتعاطف معها، ويشعر بأن شيئا يجذبه إليها، وتشعر المحامية براحة نفسية كلما جلست معه·

وتجسد راندا البحيري شخصية فتاة فقيرة ترتدي الحجاب وتعاني نفسيا بسبب سطوة شقيقها المتطرف عليها، وتضيق بها الحياة وتوشك على الانتحار إلا أنها تجد مدرسة الرقص في طريقها أثناء عودتها من المدرسة، هناك تلتقي المحامية وتشاركها الرقص· وتجسد ليلى شعير شخصية ''لولا'' صاحبة مدرسة الرقص، وتسعى دائما لمعرفة أسرار رواد المدرسة وعندما تلتقي المحامية تنشأ بينهما صداقة سرعان ما تنقلب إلى عداء·

ايناس الدغيدي أكدت أن الفيلم سيكون جاهزا للعرض في يونيو المقبل، وأن مشاهد كثيرة منه تم تصويرها بين برلين وباريس· ونفت أن فيلمها يتضمن مشاهد جنسية صارخة كما أشيع، مشيرة إلى أن الرقابة أجازت السيناريو بلا حذف أي مشهد·

المخرج اللبناني وليد عوني، تولى تدريب يسرا وأبطال الفيلم على الرقص، واستغرق ذلك شهرا كاملا قبل بدء تصوير الفيلم·

الإتحاد الإماراتية في 16 أبريل 2006

سينماتك

 

سيد الحرب يعلن: أمريكا تدمر العالم.. وبوش أكبر تاجر سلاح

منى الغازي

 

 

 

 

سينماتك

 

شارون ستون غريزة الجسد وخيال الجريمة العودة الخائبة

محمد سويد

رغماً عن محبّيها، مثلت شارون ستون جزءاً ثانياً من "غريزة أساسية". بدت وكأنها مسكونة برغبة أن تثبت امتلاك ما امتلكته قبل أربعة عشر عاماً من جرأة وغواية. انتهت إلى ما كان يفترض أن يكون بداية، فلم يسبق لنجمة سينمائية أن استأنفت دوراً مضى عليه الزمن وكان قبوله مبرراً للانتقال من الظلمة إلى الضوء. يمكن تبرير رجوع شارون ستون إلى شخصية الروائية كاثرين ترامل بأي شيء إلاّ حنينها إلى ذاك الدور.

امتلأت المحال الفرنسية بصور شارون ستون مبتسمةً في إعلان ترويجي لشركة كريستيان ديور. من المفترض أن النجمة الأميركية تلقت مبلغاً محترماً لقاء استغلال اسمها العالمي في أحدث حملة دعائية تطلقها الشركة الفرنسية العريقة في إنتاج مستحضرات التجميل. أعادني ذلك إلى حملات مماثلة أضحت تقليداً يستهدف جذب الزبائن وتشجيعهم على الشراء من طريق توظيف نجوم الفن وشحذ ثقة المعجبين بنمط حياتهم ورفعة أذواقهم في اقتناء السلع المعلن عنها. تحول هذا التقليد عرفاً استقطب طوال العقدين الفائتين وجوهاً سينمائية بارزة، ولئن حلت الممثلة الفرنسية كاترين دونوف ضيفة موسمية في إعلانات "لوريال" و"شانيل"، كاد النسيان يطوي الأميركية آندي ماكدويل منذ حسرت حضورها في الأفلام الكبيرة وصارت الممثلة الحصرية لإعلانات "لوريال". تحضرني الآن دراما "سانسيت بوليفار". حين أخرج بيلي وايلدر هذه الدرة السينمائية، أشاح عن خوف كل نجمة خارقة الجمال والإغراء من فناء بهائها. توافق هاجس الشيخوخة وشعارات شركات مستحضرات التجميل في أنها تمتلك سر الأنوثة وخلودها وديمومة جمال المرأة. في الإعلانات الأجنبية المعرّبة، تطالعنا بين الحين والآخر كلمة "بلسم". وما إعلان مواد التجميل إلا البلسم الشافي للمرأة المسنّة واللواتي يخشين انطفاء جذوة الشباب من رموز السينما وأيقوناتها. في ذلك ما يفسر عزوف شركات التجميل في حملاتها الإعلانية الضخمة عن التعاقد مع نجمات في مقتبل العمر واستحسانها التعامل مع ممثلات تجاوزن اختبار النجومية وسن الخامسة والثلاثين وما فوق.

على عتبة الخمسين، قبلت شارون ستون التحدي ووضعت جاذبيتها وأنوثتها الصارخة في تصرف المُعلِن ديور. لم تكن في حاجة إلى أكثر من إظهار وجهها والابتسام أمام عدسة المصور الفوتوغرافي. من دون مصادفة، جاء إعلان ديور متزامناً والحملة الترويجية لآخر أفلام النجمة الأميركية، "غريزة أساسية 2". سبق تدشين أول العروض التجارية للفيلم، في التاسع والعشرين من الشهر الفائت، إنتشار إعلان شارون - ديور في كثافة على واجهات المراكز التجارية. بدا لي إعلاناً لشارون ستون أكثر منه لكريستيان ديور، ومصمَّماً لتجديد الثقة في الممثلة الجميلة ومقدرتها على الإغراء بعد مرور أربعة عشر عاماً على صعود شعبيتها في "غريزة أساسية". حمل إعلانا ديور والفيلم العبارات نفسها تقريباً. كلاهما ركّز على أن جمال نجمته لم يتغير طوال الزمن. لدى ديور، تحدد الزمن بعشرين عاماً. ولدى منتجي الفيلم، تجاوز الزمن الأربعة عشر عاماً في إشارة إلى تاريخ عرض النسخة الأولى من "غريزة أساسيّة". شاهدت هذه النسخة في "مهرجان كان" السينمائي في أيار 1992. عامذاك، استقبلت شارون ستون استقبال كبار المشاهير واعتبرت قنبلة جنسية صفّق لها الأوروبيون بعدما نزل فيلمها منزلة الفضيحة في الولايات المتحدة وحاول المحافظون في صناعة السينما الأميركية تحجيم انتشاره وتقييده رقابياً بعلامة X مما يعني إبعاده من دور العرض الكبرى ونبذه إلى الصالات المخصصة للأشرطة الإباحية.

المخرز والحزام

في رعاية المنتج اللبناني ماريو قصار وشركته المستقلة "كارولكو"، حقق السيناريست جون إسترهاز والمخرج الهولندي الأصل بول فرهوفن ظاهرة "غريزة أساسيّة". نجح فرهوفن في تجريد الفيلم الهوليوودي من حشمته وفيما ضرب السيناريست إسترهاز الثراء وصار أجره يناهز المليون دولار، انتعشت آمال المنتج اللبناني ماريو قصار واستجمع قواه المنهارة. بعد النجاح المنقطع النظير، حاول فرهوفن وإسترهاز تكرار الحدث الإيروتيكي في فيلمهما التالي، "فتيات الاستعراض". باءت محاولتهما بالفشل تجارياً ونقدياً. بين تجربة وأخرى، لم يعد فرهوفن أكثر من مخرج يسير عكس ماضيه، وإذا استمر إسترهاز في تقاضي مبالغ طائلة عن سيناريوهات ظلت واعدة على الورق وأفضل من نتيجتها على الشاشة، فلم يستطع المنتج اللبناني إطلاق ساقيه للريح وبدلاً من أن يواصل روح المجازفة والمغامرة خارج أسوار هوليوود، مال إلى التأني في اختيار أعماله مؤثراً الإحجام على الإقدام. كان مصير شارون ستون مختلفاً. واصلت تألقها ولم تكن فعلاً في حاجة إلى أفلام كبيرة كي يتأكد وجودها. حسبها أنها مثيرة وأنها مثّلت القليل من الأدوار المهمة والكثير من الأدوار العابرة. بين ذاك القليل، أعادت تمثيل أدوار مقتبسة من التحف الصغيرة في السينما الفرنسية وكلاسيكياتها الحديثة: في عام 1994، أدارها المخرج مارك رايدل وأحيت مع إيزابيل أدجاني شخصيتي سيمون سينيوريه وفيرا كلوزو في "الشيطانيون" لهنري جورج كلوزو. في عام 1996، شاركت ريتشارد غير بطولة النسخة الأميركية من "أشياء الحياة" لكلود سوتيه وحملت النسخة عنوان "تقاطع" وتوقيع المخرج جيريمايا شيشيك. ثم وقفت عام 1999 أمام كاميرا المخرج المخضرم سيدني لوميت وأعادت تمثيل دور جينا رولاندز في "غلوريا" للراحل جون كاسافيتيس. قد يكون عملها في إدارة مارتن سكورسيزي ووقوفها جنباً إلى جنب مع روبرت دو نيرو في بطولة "كازينو"، التجربة الاستثنائية الوحيدة لممثلة جديرة بالتقدير. عدا ذلك، كان في وسعها، لو شاءت، أن تعلن اعتزالها وتنصرف إلى نشاطاتها الخيرية وجولاتها السياسية في مناطق الأزمات وتثبت أمام كاميرات الصحافيين، مثلما برهنت في أفلامها الجادة، أنها مطلعة على مشكلات العالم وتتعاطف مع الفقير والمظلوم والمقهور ولها مواقفها الصريحة في السياسة. بالطبع، أبت التوقف وواصلت التمثيل. لعله لا يمكن النظر إلى قبولها القيام ببطولة جزء ثان من "غريزة أساسية" إلا من زاوية رغبتها في التأكد من استمرار سحرها. في إعلان "ديور"، زُيّن ظهورها بكلمات تمتدح نضارتها وحفاظها على جمالها مثلما كان قبل عشرين عاماً. على المنوال نفسه، يدعونا الجزء الثاني من "غريزة أساسية" إلى رؤيتها في أنوثتها القاتلة بعد مرور أربعة عشر عاماً على فوران حمم بركانها الجنسي. للتذكير، دارت النسخة الأصلية من "غريزة أساسية" حول شخصية كاثرين ترامل، كاتبة الروايات الحافلة بالجرائم العاطفية والانحرافات الجنسية، غير أن قصصها ودسائسها تأخذ مكانها في عالمها وتثير الشبهات حول ضلوعها في قتل عشاقها بمخرز حاد لتقطيع الثلج. الكل يشك في أفعالها ولا أحد ينجح في زجها داخل السجن. في الجزء الأول من "غريزة أساسية"، يقع الشرطي المكلف ملاحقتها (مايكل دوغلاس) في حبائلها وينتهي الفيلم بمشهد مضاجعة يذكّر ببدايته تاركاً علامة ارتياب بوجود مخرز الثلج في فراش كاثرين ترامل مما يوحي بمواجهة الشرطي مصير القتلى السابقين. أخذ "غريزة أساسية" قسطه الوافر من الرواج وقلّده العديدون. حتى أن فيفي عبده استعارت دور شارون ستون في نسخة ممصّرة ومنقحة ومهذبة أخرجتها إيناس الدغيدي باسم "القاتلة". لم تتضمن النسخة المصرية ما أوردته النسخة الأميركية من مشاهد ساخنة أشهرها وأكثرها التصاقاً بذاكرة المُشاهد جلوس شارون ستون أمام المحققين وتحطيم رجولتهم ومناعتهم حين رفعت ساقها ووضعتها على رجلها الأخرى كاشفة عن فرجها. منذ بضعة أشهر، ظهرت شارون ستون في إعلان تلفزيوني لمشروب ويسكي، حيث جلست في حضرة شاب ارتدى تنورة وأعاد تمثيل حركتها أمام المحققين. ما كان منها إلاّ أن ضحكت ملء قلبها. تراءت في ضحكتها كأنها تسخر من شيء فعلته في الماضي ولن تعاوده. لكن هذا الإنطباع تبدد مع تواتر الأنباء عن إنتاج جزء ثان من "غريزة أساسية" وخرج الجزء المذكور أخيراً إلى الصالات. في "غريزة أساسية 2"، حل مكان مخرز الثلج حزام جلدي يستعمل لشنق الضحايا بعد ممارسة الجنس، وأخذ محلل نفسي يدعى مايكل غلاس (ديفيد موريسي) دور الشرطي، تقصده كاثرين لمعالجتها من عقدها النفسية المزمنة بعدما رافع في المحكمة عن عوارضها النفسية ومعاناتها مرض إدمان المخاطرة والرغبة في السيطرة على الآخرين ولو اقتضى الأمر إلحاق الأذى بهم والتسبب بقتلهم. من جديد، لا ينجو الطبيب النفسي من إغراءات مريضته. لا بل أنها تسخّره لارتكاب الجرائم عوضاً عنها، تعذبه بإثارة رغباته، تؤلّب مستشارته النفسية عليه، تستميلها، تنام مع زوجته المطلقة وعشيقها الصحافي، تستغل غيرته وذلّه من خيانة زوجته، تدفعه إلى قتل عشيقها وقتلها وتخلص إلى تحريضه على الشرطي المتحرق لإدانتها فيجهز عليه ويجنّ ويسدل ستار الشاشة عليه نزيلاً في مصح الأمراض العقلية.

إباحية السمع

باستثناء شارون ستون والمنتجين ماريو قصار وأندرو فاجنا، يغيب المخرج بول فرهوفن والسيناريست جون إسترهاز. تنتقل أحداث الجزء الثاني إلى لندن ويتكوّن الفريق الرئيسي من طاقم بريطاني يقوده المخرج مايكل كايتون جونز. النتيجة مخيبة. ليس لعيب في الإداء الفني، وليس لبرود لندن والتشويق الإنكليزي، بل لاستحالة تكرار المعادلة القديمة. فشارون ستون ممثلة قديرة ومايكل كايتون جونز مخرج متمكن، لكن الفيلم أبعد ما يكون عما وسم الجزء الأول من قوة الاستفزاز والإبهار. كانت هذه القوّة كامنة في الصراحة البصرية وليس الفصاحة اللغوية المميزة للجزء الثاني. واضح أن الزمن لم يعد يسمح للكاميرا أن تقترب من مفاتن شارون ستون على غرار ما حصل قبل أربعة عشر عاماً. ثمة مشهد يرافق نزول العناوين في بداية العرض ترتقي به نجمة الفيلم إلى أعلى درجات الإثارة حيث تسعى إلى بلوغ ذرى النشوة أثناء قيادة سيارتها. لكن دراسة متأنية لكمية الظلمة والظلال المستخدمة في تصوير هذا المشهد ومشهدين آخرين، تفضي إلى تحسس مقدار الحيطة المعتمدة لإثارة الإحساس بهالتها الجنسية أكثر من حضورها الجسدي. يمكن عيناً فضولية أن تختلس النظر إلى تعرّي شارون ستون في حوض الاستحمام حتى تتبين تراخي البشرة عند مستوى الركبة. تراخ طفيف إلاّ أنه علامة من علامات الزمن الماضي في انصرامه. الحال أن مشاهدة الفيلم من منطلق التمني بانتصار شارون ستون على صورتها وتفوقها على سفورها في الجزء الأول، يترك العين في حال من الكسل والخور. في الجزء الأول، تجلى السفور في التلقي البصري المباشر لغراميات كاثرين ترامل وثنائية ممارساتها الجنسية. في الجزء الثاني، يتلقى المشاهد سفور كاثرين ترامل وإباحيتها بالسمع وليس بالبصر ويميل الجنس إلى أن يكون لفظياً ولا يبدو، وإن اتسم بالجرأة، في زمانه الصحيح، ذلك أن الزمن الحالي هو زمن امحاء الكلمات بالصورة، زمن إلغاء الصورة بالصور. ما يحدث في الجزء الثاني من "غريزة أساسية" هو إحالة الصورة في وصفها لغة تنم على بلاغة جنسية إلى حوارات لا يأخذ منها المشاهد غير موجزها المفيد في الشهادة الواردة على لسان المحلل النفسي في الدقائق الأولى من الفيلم. فما يأتي عقب هذه الشهادة لا يعدو كونه شرحاً مكرراً لسلوك بطلته: امرأة تدمن المخاطرة وتعذيب عشاقها باستفزاز غرائزهم الجنسية وتحريك رغباتهم وكبحها في آن واحد. في معرض الكبح والإثارة المتواليين، لا أعرف كيف يكون استقبال "غريزة أساسية 2" في بيروت ومن اهتم برؤيته حتى الآن. عندما حضرت حفلة عرضه الأولى في باريس، استرعى انتباهي نوع الجمهور المقبل عليه إذ لاحظت أن الفئة العمرية الغالبة تعود إلى مشاهدين ينتمون إلى جيل شارون ستون تقريباً، وهي اليوم في الثامنة والأربعين. لم يكن مشاهدوها شباناً وإنما تواقون للثبات في الأربعين خوفاً من الخمسين. أخشى أن يكون ظهورها في إعلان ديور احتجاجاً على زمن آخذ في الرحيل وأن تكون ابتسامتها الصامتة في الإعلان وداعاً هادئاً لهذا الزمن.

غادرتُ باريس ولم أر في مقابل شارون ستون غير رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان في بث تلفزيوني مباشر. كان واقفاً وسط نواب ساخطين قاطعوا خطابه مراراً ووبّخوه على إصداره قانون "عقد الاستخدام الأول". مسكين، كاد ينهار في دفاعه عن القانون المثير للجدال والعنف في شوارع باريس. كان لهذا الوزير والسفير والشاعر سحره ووقفته الرومنطيقية يوم واجه أميركا في مجلس الأمن وأعلن حبه لقارته العجوز. ليس أمامه الآن إلا استقبال نهاره بالشتم والإهانة. لم يعد لديه غير الدفاع عن سحره أو ما تبقّى من سحره. مثله، لا تمتلك شارون ستون سوى الدفاع عن سحرها. الفرق بينهما أن شارون تدافع بأمل ودومينيك يدافع بيأس. هكذا هي المرأة وهكذا هو الرجل .

النهار اللبنانية في 16 أبريل 2006

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك