"تجذبني بصورة عامة القصص، التي تُظهر آثار السياسة على الناس العاديين." "أضرار لاحقة" فيلم ألماني حصد العديد من الجوائز ويثير إعجاب الجمهور والنقاد، عاكسا آثار الأحداث السياسية على الناس العاديين ومصائرهم. فهيمة فرساي التقت مخرج الفيلم المصري الأصل سمير نصر وأجرت معه الحوار التالي.

حصل المخرج المصري سمير نصر عن الفيلم الأَلماني "أَضرار لاحقة" في مهرجان القاهرة السينمائي، على جائزة نجيب محفوظ. وسمير نصر البالغ من العمر 37 عامًا يتحدَّت الأَلمانية بدون لكنة أَجنبية، بيد أَنّ مظهره واسمه يدلان على أَنّه ليس أَلمانيًا.

التحق بطرابلس والقاهرة بمدارس ألمانية ثم حصل في عام 1999 من الأَكاديمية السينمائية في مقاطعة بادن-فورتمبرغ على دبلوم في الإخراج والفيلم الوثائقي. وبعدما أَخرج العديد من الَأفلام الوثائقية التي حازت على جوائز، قام في العام 2004 بإخراج الفيلم "أَضرار لاحقة"، الذي كتب قصته فلوريان هانيغ.

يروي هذا الفيلم قصة زوجين - زوج جزائري وزوجة أَلمانية، يعيشان في أَلمانيا بعد الـ11 من أَيلول/سبتمبر. لم ينل فيلم "أَضرار لاحقة" فقط إعجاب آلاف المشاهدين والكثير من النقاد، بل حاز كاتب قصته أَيضًا على جائزة الإعلام CIVIS 2005 المقدَّمة من قناة التلفزيون الأَلماني ARD لأَفضل سيناريو.

يلعب طارق في فيلمك دور عالم جزائري يُشتبه به فجأَة أَنّ له صلة بجماعات إسلاموية إرهابية. ما يؤدي إلى نمو الشك بين الزوجين اللذان كانا سعداء حتى ذلك الحين، وأَخيرًا تنهار علاقتهما. ما هي الأَسباب التي دفعتك على إخراج هذا الفيلم؟

سمير نصر: جاء إنتاج فيلم "أَضرار لاحقة" بتكليف من قناة زود فيست روندفونك SWR وآرته Arte وبايرشر روندفونك BR، وهذا يعني في البدء أَنَّ القنوات التلفيزونية أَرادت صنع هذا الفيلم. وبعدما قرأَت الصيغة الأولى للسيناريو، وجدت الفكرة جيدة. لكنَّنا قمنا بعد نصف عام من العمل على السيناريو بتنفيذ صيغته السادسة مع الكثير من التغييرات.

تجذبني بصورة عامة القصص، التي تُظهر آثار السياسة على الناس العاديين. كما أَنَّني أَتوق إلى تصوير وقع الأَحداث التاريخية على الناس البسطاء.

قصة »"أَضرار لاحقة«" جذبتي بشكل خاص، لأَنَّها تروي بالضبط كل حالة الهذيان والهستيريا، التي تسود حاليًا في أَلمانيا. في هذه القصة يتفاقم سوء الظنّ، إلى حدّ أَنَّ الشك يمتد حتى إلى علاقة حب زوجية سعيدة جدًا ويكاد يهدمها تمامًا.

·         وهل تمتد جذور القصة إلى تجارب شخصية؟

نصر: تعتمد القصة على واقعة حقيقية، حدثت في هامبورغ، حيث جاء موظفو المكتب الجنائي الاتحادي لبائعة كتب أَلمانية. وقد كانت متزوجة من شاب عربي. لكن لا بد لي أَنْ أَقول، إنَّ طارق لا يمثّل دور الشخصية الرئيسية، بل زوجته مايا.

وبعدما قضينا فترة من الزمن في العمل على السيناريو، تبين لنا أَنَّ القصة لن تكون مثيرة إنْ رويناها من منظور طارق؛ إذ سيكون عندها مضمون الفيلم أَنَّ الرجل لم يكن مذنبًا والمجتمع عذَّبه والكل تخلّوا عنه.

لكن في اللحظة التي نختار فيها وجهة نظر مايا، نخطوا خطوة أخرى. وذلك لأَنَّنا نُظهر مبدئيًا، كيف تنشأ وتسير ميكانيكية مثل هذه. وهذا هو السبب الرئيسي الذي حملنا على اختيارها كشخصية رئيسية. لأَنَّ حالة التطوّر الموجودة لديها هي نفس الحالة الموجودة لدى المشاهد.

وهذا ليس فقط أَثناء مشاهدة الفيلم، بل ربما أَيضًا في الحياة اليومية، عندما يكون لدى المشاهد جار ويتصرَّف بشكل ما "تصرفًا غريبًا". عندما يخجل المشاهدون قليلاً في نهاية الفيلم، من أَنَّهم أَطلقوا العنان لأَحكامهم المسبقة، فعندئذٍ يسعدني هذا كثيرًا.

·         لقد عرضت صورة متباينة عن المسلمين طارق ورضا. فهل كانت هناك صعوبة في إقناع المشاركين الأَلمان بذلك؟

نصر: لا على العكس تمامًا. أَجد أَنَّ استخدام الكليشيهات مثير جدًا، بهدف كسرها. وفي فيلمي يوجد أَيضًا الكثير من الكليشيهات، التي تلاعبنا بها. وهي عبارة عن صور يراها المشاهدون في نشرات الأَخبار العادية: فعندما يدور الحديث حول الإسلامويين المتطرفين، تُعرض صور لرجال يؤدون صلاة الجماعة. في أَلمانيا تجري الأمور على هذا النحو، بحيث تكفي نظرة إلى مصل ماٍ لكي تثير شعورًا بالانزعاج.

يوجد في الفيلم مشهد، تُفاجئ فيه مايا ضيفهم رضا وهو يصلّي. وهذا مشهد لن يسبب أَي إشكالية ضمن السياق العادي، بيد أَنَّه يثير ضمن هذا السياق انطباعًا بأَنَّ رضا يمكن أَنْ يقوم بعد الصلاة بزرع قنبلة. لقد عملت وسائل الإعلام طيلة سنين على ترسيخ هذه الكليشيهات. ونحن بدورنا تلاعبنا بهذه الكليشيهات أَيضًا، تمامًا مثلما تلاعبنا بكليشيهات العنصر "الخامد" والإرهابي. أَما أَنَّ طارق في النهاية ليس إرهابيًا، فذلك ما تمليه الضرورة.

·         لكن عري المرأة مايا في مشهد الصلاة أمر غير عادي!

نصر: هذا يُظهر مدى غلاظة شعور مايا. كذلك يمكن أَنْ تؤخذ عليها مآخذ كثيرة. على سبيل المثال أَنَّها لم تهتم طيلة كل هذه السنين بهذا السؤال. كما أن موضوع الدين لم يلعب دورًا في بدايات هذه العلاقة. وذلك لأَنَّ طارق في الأَصل مسلم غربي جدًا.

يقول الطرفان لبعضهما في مثل هذه العلاقات: "أَنت مسلم وأنا مسيحية، وهذه ليست مشكلة". ولكن بعد الـ11 من أَيلول/سبتمبر لاحظ كل من طارق ومايا، أَنَّهما مختلفان في هذه النقطة. إنَّ ما يفصل بينهما هو الدين. فبعد الـ11 من أَيلول/سبتمبر أَصبح من الممكن أَن يُلاحظ المرء ذلك في علاقات كثيرة.

·         ما هي الآثار التي تركتها أَحداث الـ11 من أَيلول/سبتمبر على سيرتك السينمائية؟

نصر: ليست بالآثار السلبية! ففجأة أَصبحنا نُكتشف كخبراء ونُكَّلف بعمل عن هذا الموضوع، مثل فيلم "عواقب لاحقة".

بيد أن ثمَّة خطرا كبيرا من أَنْ يتم تحجيمنا في هذا الدور. خطر أَنْ يصبح المرء فيما بعد مجرَّد "عمّ أو خال" موجود للإجابة عن هذه الأَسئلة. لهذا السبب من الضروري أَنْ يحاول المرء تغيير ذاته. ألاحظ أَنَّه يتم فجأَة تمييزنا كتابعين لثقافة أخرى. لكنَّني أَجمع بين الثقافتين في داخلي.

·         هل تم عرض فيلمك في البلدان العربية؟

نصر: تم عرض فيلم "أَضرار لاحقة" في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن إطار مسابقة. لكنَّه لم يُعرض رسميًا حتى الآن في أي من البلدان العربية.

·         عما يتحدَّث فيلمك القادم؟

نصر: سأَقوم في مشروعي القادم بإخراج رواية للكاتب المصري الكبير، صنع الله إبراهيم. اسم هذه الرواية هو شرف. انها قصة رجل تؤدي به صدفة سيئة نسبيًا إلى السجن. تدور كل أَحداث الفيلم في السجن كانعكاس مزخرف للأَحوال الاجتماعية المصرية معكوسة على هذا العالم الأَصغر ومصَّورة بالكثير جدًا من الفكاهة السوداء. لكنَّه يتناول أَيضًا عواقب العولمة والحالة السياسية على المستوى العالمي.

حقوق الطبع قنطرة 2005

موقع "قنطرة" في 4 يناير 2006

 

فيلم "صباح" للمخرجة السورية ـ الكندية ربى ندى:

توق الى حياة نقية

فهيمة فارساي  ـ  ترجمة يوسف حجازي

"صباح": قصة حب بين رجل مسيحي وامرأة مسلمة في كندا. الحب هو ما يجعل التعايش الإنساني بين الثقافات أمرًا ممكنًا، هذه هي رسالة فيلم "صباح" الجلية، الشريط الذي تتتالى أحداثه بكثير من الدعابة والمرح من إخراج المخرجة السورية-الكندية ربى ندى. فهيمة فارساي تقدم الفيلم.

إنه حب من أول نظرة. ومن اللحظة الأولى تظهر المشاكل أيضًا. إذ أنَّ الشاب الكندي الذي أحبته صباح مسيحي، بينما هي امرأة مسلمة تقليدية متحجبة. وطبقًا للنموذج المتداول في "سينما المهجر" هناك أيضًا الأخ الصارم، ماجد (جيف سايمور Jeff Seymour)، الذي يقوم بمراقبة حياة صباح بلا انقطاع.

لا يعتبر فيلم "صباح" فيلمًا نموذجيًا من أفلام الهجرة التي تعكس الصور النمطية؛ مع أنَّ ماجد يجعل العائلة تنبذ صباح بعد أنْ عشقت بشكل مفاجئ. بيد أنَّ الفيلم لا يُظهر إفراطًا بالتهديد والوعيد، ناهيك عن القتل. فليس ثمة سكينة لامعة، ولا أنف دام، ولا يرى المشاهد أوردةً تنتفخ غضبًا.

العالم الداخلي للمهاجرين العرب

تعرض ربى ندى "العالم الداخلي" للمهاجرين العرب في تورونتو بإيقاع هادئ، وكذلك الأمر بالنسبة للشروط الثقافية للترابط العائلي، ولكيفية تعريف الحب والمودة في ثقافة شرقية الطابع. ويستغرق ذلك وقتًا طويلاً، لا سيما في الفصل الأول، حيث تُعرِّف بطلة الفيلم حبيبها ستيفن (شون دويل Shawn Doyle) على مختلف العادات العربية.

ستيف يجتهد بدوره فيقرأ الكتب عن الشرق ويستمع للموسيقى الشرقية! يمضي التقارب التأملي للعاشقين كتعبير عن التآلف مع الثقافة الأخرى بهدوء أيضًا. فتكاد ذروة القصة أنْ تفوت المشاهد. لكن موقع التصوير المختار بإتقان في تورونتو، وهو التقاطع التاريخي لشارعي فرونت وجارفيس حيث يتبادل العاشقان القبل للمرة الأولى، يمثل ذروة الفيلم.

بالرغم من ذلك يلمس المشاهد المؤشرات الواضحة للحل القادم في الوقت المناسب، إذ أنَّ الأخ المتشدد ماجد، الذي كان قد نبذ أخته صباح بدايةً، يأخذ بالبكاء عندما تتوجه إليه بغية توضيح الأمور بينهما. لا يجهش ماجد بالبكاء خجلاً أو ندمًا، بل لأنه يرثي لحاله. فهذا المحافظ على شرف العائلة، يرى في نفسه أيضًا ضحيةً لتقاليد تجاوزها الزمن، ولا يمكن ممارستها في المجتمعات الليبرالية.

المخرجة ربى ندى، البالغة من العمر 32 عامًا، التي صورت العديد من أفلام الحب الكئيبة، تعرض في فيلم صباح نواحي للثقافة العربية لا تمت بأي صلة إلى الإرهاب على وجه الخصوص، أو لسوء المعاملة، أو التعذيب. وهي تستغني في مشاهدها بوعي عن إظهار إفرازات أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على الجاليات العربية-الإسلامية.

ضد الصورة النمطية للعربي

هذا الموضوع الذي اتسمت به سينما المهجر في السنوات الماضية، كما هو الحال مثلاً في فيلم "أضرار لاحقة" (ألمانيا، إخراج سمير نصر) أو فيلم "ياسمين" (بريطانيا، إخراج كيني جلينان Kenny Glenaan). كما وهناك المخرج اللبناني الثلاثيني الذي عرض فيلمه الوثائقي "أن تكون أسامة" في عام 2005 في كندا، حيث قدَّم ست شخصيات عربية تعيش هناك، وتحمل جميعها اسم "أسامة". ونال الفيلم في مهرجان السينما الكندي للمخرجين الناشئين جائزة أفضل فيلم وثائقي لنجاحه في إظهار مشاهد توثق حياة الجالية العربية في كندا في أوقات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عن كثب.

وتقول المخرجة ربى ندى في إحدى المقابلات بهذا الصدد: "يُنتظر من صانعة أفلام من أصل عربي أن تتناول هذه المواضيع على الأرجح، وحتى أولئك الذين يتعاطفون مع العرب وقضاياهم في شمال أمريكا. بشكل ما غدا العربي المُجبر على التعرض باستمرار لشبهة الإرهاب، بحد ذاته صورة نمطية. وعلينا أنْ نرفض أنْ يُحَدِد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ماذا يعني أنْ تكون عربيًا في شمال أمريكا. فالعربي يعني أكثر من هذا بكثير!".

تروي ندى قصة أملها وثقتها، قصة التوق والحب لكي تبيِّن وجوها متعددة لإمرأة عربية. وتقوم الممثلة المعروفة أرسينيه خانجيان (مثلت في فيلم أرارات، والكذبات الحقيقية، إخراج اتوم إغويانس Atom Egoyans) ببراعةٍ حقة بدور هذه العربية التي تتوق لحياة خالصة، بدون تنكر لقيمها الإنسانية المتسمة بقيم ثقافتها. وهو ما يجعل من هذا الحب أمرًا ممكنًا.

حقوق الطبع قنطرة 2006


موقع ربى ندى (باللغة الإنكليزية):
http://www.rubanadda.com/

موقع "قنطرة" في 13 أبريل 2006

بورتريه لمخرج غاضب يعيش مذعوراً على متن الغفلة

ناصر خمير: العــالم العــربي؟ لا اعــرفــه!

حاوره: هوفيك حبشيان

ناصر خمير رجل غاضب. يفضل الفعل على الكلام، ولا يحب اجراء المقابلات. من طراز المثقفين الذين يؤمنون ان على العمل الفني الافصاح عن مضامينه بنفسه. لكنه قد يرضخ اذا قلت له ممازحاً ان الحوار لربما ساهم في ايجاد موزع لفيلمه الجديد في بيروت، فيرد عليك واضعاً حداً لاوهامك: "ليس في بيروت معجزات أكثر من باقي العالم العربي". يعيدك الى "رشدك" وينطلق الحوار عن عالم وثقافة وشعب عربي، صوّره في فيلمه الجديد "بابا عزيز" (أو "الامير الذي كان يتأمل روحه")، بالكثير من الشغف والحنين الى مرحلة من التاريخ كان للعرب فيها حضورهم وتأثيرهم في الآخرين ودورهم الثقافي والاجتماعي. "الى اليوم لم يفهم العرب بعد، انهم من دون صورة، صورة السينما وليس التلفزيون، لن يدخلوا الحداثة والتطور والانفتاح"، يعلق المخرج التونسي.     

ابدأ معه عملية "غسل دماغ" لن تجدي نفعاً: إقناعه مثلاً ان المشهد اللبناني يختلف قليلاً، هو الذي لم يزر هذه البلاد في حياته. تستطيع ان تقول له ما شئت عن هويتنا وانجذاباتنا وأفكارنا وميولنا، فلن يرى في كلامك الا بروباغندا، قبل ان يعلق: "اللافت في لبنان انه يظن نفسه مختلفاً. وهذا جيد. نوع من التأمل الذاتي بانبهار كبير. يدهشني هذا الامر". يقول هذا وينظر في عينيك، في حين يمسك في يده ملعقة يحرك بها الجبنة الفرنسية البيضاء التي يستعد لتناولها.

يعجّ فيلمه "بابا عزيز" بالدلالات والرموز. اطلب منه أن يطلعني على بعض الافكار الخفية. كل ما سأعرفه ان فكرة الفيلم تخمرت سنوات طويلة في مخيلته قبل ان تتجسد. كان خمير في مطلع الاربعينات من العمر عندما اراد انجازه. اليوم هو تجاوز الخمسين.

حتى في رفقة أكثر الناس تميّزاً، لا تستطيع  تفادي اسئلة ذات طابع "كليشيوي". كيف ولدت فكرة الفيلم؟ ما الهدف منه؟... سؤالان عاديان، بالطبع، ونجدهما سواء في المقابلات السخيفة او عند ميشال سيمان. سؤال النشأة والبداية يبدو عديم الفائدة، وخصوصاً عندما لا يتذكر صاحب العمل العربي بدايات الفكرة، اذ تعود ربما الى عقود مضت. اما عن السؤال المتعلق بالهدف، فسينمائي مثل خمير يجد هذا المَخرج للرد: "ماذا تفعل اذا كنت تمشي ووالدك، فيقع الاخير ارضاً ويتلطخ وجهه بالوحل؟ تحاول رفعه وتنظيف وجهه. وجه والدي هو الاسلام. ومع ما يحصل في العالم اليوم من تلطيخ لصورة الاسلام وثقافته وحضارته، حاولت كشف النقاب عن الوجه الآخر للاسلام: الصوفية. لا استطيع ان اقول أكثر من هذا: ولدت فكرة "بابا عزيز" من الاحساس بأننا مضطهدون منذ سحيق العهود، وفي عالم انتصرت الاكذوبة على أي محاولة للحوار. لم أكن املك أي شيء لتنظيف "وجه والدي" (الاسلام)، فماذا يستطيع ان يفعل فيلم؟ امضيت 12 سنة من عمري وانا اسعى لانجازه. واعترضت طريقي صعاب الدنيا كلها، ولو اقتضى الأمر 20 سنة، لما تأخرت. انها مسألة شرف. نشأ الفيلم من هذا التمرد الذي أكلمك عنه".

خطوة خطوة، ندخل في كواليس مغامرته السينمائية. يمنحني خمير الانطباع بأنه يريد حواراً وليس نوعاً من استجواب، كما لو كنا في مخفر. علمت انه تخلى عن راتبه كمخرج وكاتب سيناريو من اجل ان يبصر الفيلم النور. اخبرني ذلك وكان متأكداً ان قلة قليلة من البشر يمكنها العيش على مدار 12 سنة من دون ان تجني المال. اصرّ كذلك انه، بصفته تونسياً وعربياً، يعيش حالتَي المنفى الداخلية والخارجية. وتوصل الى استنتاج مفاده ان بعض العرب، رغم الصعاب المحيطة بنا في عالمنا المعاصر، لا يفهم ان الصورة هي الرافعة الاساسية للحداثة وللحضور بين الثقافات الاخرى: لا حضور لنا بلا صورة. وقد نُهان في كل لحظة من دونها. واذا قررنا انجاز فيلم نتكلم فيه عن موضوعات محرمة، نجد ان احتمال تلقي الدعم من الخارج او الداخل شبه معدوم. كان خمير شديد الايجاز في طرحه المشكلة: بكلمات سهلة، بلا نظريات، اختصر مآسي العرب.   

مع خمير لا يوصل الاسلوب الاستفزازي في الحوار الى مكان. لكن كان لا بد ان "ارمي" سؤالاً صريحاً. كرمية نرد. مهما تكن نتيجة الجولة، الخسارة او الربح. قلت: "هل مارست على نفسك الرقابة الذاتية؟". امام هذا الاتهام المبطن، بدا لي خمير بركاناً يتصدع، ويرمي غضبه الناري في الاتجاهات كافة. "ما هذا السؤال؟"، قال لي كمن يخرج من ملابسه. "أقول لك اني امضيت 12 سنة من عمري لتحقيق "بابا عزيز". هل ابدو لك شخصاً يمكنه ان يكون مارس الرقابة الذاتية على عمله؟ كان في امكاني ان الد طفلاً كان بلغ اليوم الـ12 من العمر، لكني اخترت ان "الد" الفيلم". وعليه، يطلب مني الا اطبّق عليه المعايير الكلاسيكية. وضعه مختلف. هو الذي يشعر بأنه اكثر خفة لاعتقاده ان والده كان سيكون سعيداً ان ينظف له وجهه، يعتبر نفسه "عقدة اضافية في سجاد الاسلام الذي اصبح عمره 15 قرنا".

اذاً، مع من مشكلتك؟ هل هي مع العالم الغربي أم العربي؟: "الموضوع ليس هنا"، يرد خمير، مؤكداً ان معاناته ناتجة من غياب العالم العربي في مقابل عدم نزاهة الغرب. والصعوبات التي عرفها اثناء تصوير "بابا عزيز" في الصحراء لا تستحق ان تروى، وهي طبيعية. وان يكون فريق العمل موجوداً على بعد اربعين كلم من أقرب هاتف، هذا لم يزعجه بتاتاً. المشكلة الكبرى في الامكانات المحدودة جداً التي حظي بها للتصوير.

بميله الى التشاؤم الصارخ، يستغل خمير اصغر مناسبة لشتم العالم العربي وانتقاده بشدة. في رأيه، هذا العالم يحتضر على نار خفيفة، والسبب انه لا يستطيع المحافظة على جمالياته. ومثل كل مخرج يحتاج الى اعتراف الآخر به وبفنه، يبدي حماسة كبيرة عندما تأتي امرأة وتروي له انها لم تكف عن البكاء مذ شاهدت الفيلم، علماً انها ملحدة ولا علاقة لها بالصوفية. يؤكد انه يستطيع ان يروي لي عشرة الآف "خبرية" مماثلة. "مصيبة العرب آتية من انعدام الرؤية وفقدان حاسة البصيرة لديهم. هناك عشرات الفضائيات العربية، يجمعها القبح والفحش، لذلك ليس لدينا مكان ندافع فيه عن ثقافتنا الحقيقية". وعندما ابدي اعجابي بمشهد الفتاة التي تجوّد "لا اله الا الله"،  يسارع الى القول: "بالنسبة لي، الاسلام أقرب الى هذه الجميلة التي تغني، منه الى الأصوليين من اصحاب اللحى الطويلة والمتسخة، والذين يشبهون بمظهرهم الخارجي أكياس الطعام، وعلى الارجح الطعام الاميركي".

شيئاً فشيئاً نسلك طرق الحوار الوعرة. ونلمس الجروح، ونثير اسئلة مصيرها ان لا تحظى بجواب صريح وواضح. من مثل: "هل سيوزع الفيلم في العالم العربي؟". "العالم العربي غير موجود"، يرد خمير معلناً ان العرب ضللوا الطريق مع عبد الناصر في العروبة السياسية، في حين ان النقطة الوحيدة التي كانت تلتقي عليها الشعوب العربية، هي الثقافة. لكن، ويا للأسف، ما يؤخذ اليوم في الاعتبار في العالم العربي من فنانين، هم المطربون والمطربات والراقصات. لا وجود للآخرين. نعيش على متن الغفلة مذعورين. ولا يعرف خمير شيئاً عن سائر المثقفين العرب المهمشين وهم لا يعرفونه. اخيراً، دعي الى دمشق، وكانت هذه المرة الاولى يذهب فيها الى العاصمة السورية. "اذا كنت تجد هذا الامر طبيعياً، ليس أنا. كعربي، من غير المنطقي الا اعرف الشرق الاوسط. اذاً، عندما تسألني ما هو العالم العربي، ارد عليك: لا اعرف!".

من جديد نرى آثار الغضب على وجهه. السبب، كما يقول، انه لم تُترك له فسحة أمل. لكن هل تستحق السينما هذا القهر كله الذي يسمم الوجود؟ "عش تجربة ان تحافظ على فكرة عامرة في داخلك على مدار 12 سنة"، يقول خمير، "وعش تجربة ان تتعرض للرفض بسبب طبيعة الفيلم وتصبح متروكاً من الشرق، لأنك لا تحدث صخباً في العالم الغربي. عش تجربة مماثلة، ثم تعال اليّ وقل: أيحق لي ان اغضب ام لا. يجب التمسك بالغضب. لا ادعو الى العنف، لأن ثمة فرقاً بينهما. الغضب كالخلاص، شأنه شأن الحرارة عندما يكون الجسد مريضاً".

اسأله: "هل تريد ان تضيف شيئاً؟". يرد: "أتعتقد فعلاً ان لديّ ما اضيفه ؟". يمسك الشوكة ويتناول اول لقمة من الجبنة البيضاء اللذيذة. انتهى اللقاء.

(نقلاً عن النهار).

موقع "كيكا" في 15 أبريل 2006

 

خالد سامي: كل شيء ممنوع في السينما فكيف نصنع فيلماً؟  

(يو بي أي): شكك الممثل السعودي خالد سامي بقيام سينما سعودية بسبب القيود التي تحاصرها، مشيراً إلى أن النجاح في صناعة الفيلم يتوقف على رغبة الرقيب في المقام الأول.  وقال سامي الذي شارك في الفيلم السعودي الروائي الأول ''كيف الحال'' لصحيفة ''الوطن'' السعودية في تصريح له ''في الفيلم السعودي الرقيب لا يريد أن تكون هناك قصة عاطفية ولا يريد أغنية، فكيف نصنع فيلما؟''.  وأضاف ''إنهم لا يريدون حتى النكتة فقد تدخل منتج عمل ''كيف الحال'' في نكتة قلتها في الفيلم هي ''يو سبيك سعودي ''، بمعنى، هل تتحدث باللهجة السعودية؟ ورفضت هذه النكتة من قبل مخرج العمل مع أنها نكتة عادية جداً''.  

وأشار سامي إلى أن صالات العرض السينمائية في كل الدول العربية باستثناء السعودية تستعد لعرض ''كيف الحال''، الذي تقوم ببطولته أول ممثلة سينمائية ''، مؤكداً ''أن منع السينما السعودية غير مبرر فالممثلون السعوديون وأكثرية الجمهور يحتاجون دور العرض السينمائي وما يحدث الآن هو أن السعوديين ينزفون الكثير من الأموال في دول الخليج بحثاً عن دور العرض هناك ومشاهدة جديد الأفلام بين الحين والآخر''.  وربط سامي بين قضية السينما والقضايا الأخرى التي تواجه رفضاً في المجتمع السعودي كقيادة المرأة للسيارة، معتبراً أن هذه القضايا يمكن معالجتها إذا ما تمكّن المجتمع من تثقيف نفسه في هذا الجانب ومعرفة أن الأمر لا تتدخل فيه عادة أو عرف أو دين.  وأوضح أن '' السينما تخدم المجتمع السعودي على وجه الخصوص وذلك لأن هناك الكثير من القضايا لا بد أن نعالجها من خلال السينما التي أصبحت من الوسائل التعليمية المهمة في مجتمعنا''.  ونفى أن تكون ضارة بالمجتمع إذا ما أخذ في الاعتبار نوعية القضايا التي تعالجها والمبادئ التي تريد إيصالها إلى الجمهور. وشدد على أن '' هناك من يغضب عندما تطرح قضية بناء دور عرض في السعودية والسماح لها بعرض الأفلام وهذا الغضب أيضا غير مبرر، فبإمكان الناس أن يشاهدوا السينما في الأطر التي يسمح بها العرف والدين فلا مانع من أن يكون هناك دور عرض للعائلات ودور عرض للشباب والرجال بوجه عام.  وعن مشروعاته المقبلة قال إنه يستعد حالياً لفيلم سينمائي أخذ عنواناً مبدئيا هو ''أخويه الكبير'' وستتكفل شركة روتانا (التي يمتلكها الملياردير السعودي الامير الوليد بن طلال) انتاجه ويشاركه في أدوار البطولة الفنان تركي اليوسف، مؤكداً أنه سيبدأ تصوير هذا الفيلم منتصف العام ٦٠٠٢ الجاري في البحرين.  وأشار إلى أن مدة الفيلم ستبلغ ساعة و٠٢ دقيقة، ورصدت له ميزانية كبيرة، إضافة إلى أنه يستعد أيضا للمشاركة في مسلسل من إنتاج قناة ٍقك وأيضا برنامج رفض الإفصاح عن تفاصيلهما.  وكان مدير الإنتاج في قسم الأفلام في روتانا أيمن الحلواني صرح في وقت سابق أنه وفريق العمل على فيلم ''كيف الحال'' حرصوا على ألا يظهروا أي مشهد قد يستفز المجتمع السعودي لدرجة أنهم راقبوا عيون الممثلات المشاركات في العمل ليقرروا ما إذا كانت نظراتها في هذا المشهد أو ذاك مناسبة أو غير مناسبة، وهذا ما دفع سامي إلى تناول قضية الفيلم السعودي والمعوقات التي تقف في طريقه وخاصة فيما يتعلق بإيصال فكرة وأهداف الفيلم.  ويروي الفيلم قصة شاب يدعى ''سلطان''، قام بدوره هشام عبدالرحمن نجم ''ستار أكاديمي''، يعيش في منزل عمه بعد وفاة والديه، حيث يصطدم بقوة مع ابن عمه خالد الذي ينتقده باستمرار بسبب أسلوب حياته الغربي.  ولا يوجد في السعودية دور سينما إلا انها سمحت مؤخراً بعرض فيلم كرتون للأطفال في أحد الفنادق الكبرى في العاصمة الرياض .  

الوقت البحرينية في 14 أبريل 2006

 

سينماتك

 

حوار مع المخرج سمير نصر:

"إنني أستخدم الكليشيهات لأكسرها"

أَجرت الحوار فهيمة فرساي   ـ   ترجمة رائد الباش

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك