وحيدة في صالة سينمائية داخل مجمع تجاري ضخم في العاصمة القطرية، الدوحة، شاهدت فيلم ستيفن سبيلبورغ الأخير "ميونيخ". توقيت العرض كان الثانية بعد الظهر ولكن غالب الظن ان سبب غياب الجمهور هو غير ذلك. النقاشات التي دارت بين البعض هناك حول الفيلم، انطلقت من النقطة المعهودة: كيفية تعاطي الفيلم مع العرب مقارنة مع تقديمه الاسرائيليين. قلة اعترفت بأن الفيلم "عادل" في تقديم وجهتي النظر. آخرون لم يعارضوا الفكرة الأخيرة وانما أسقطوا الفيلم من حساباتهم. فسبيلبورغ مخرج يهودي قبل أي شيء آخر ومن غير المتوقع ان يتكلم من موقع آخر. هكذا كان لسان حالهم. أثار الفيلم هناك اهتمام الأجانب الكثر في الدوحة والعرب الذاهبين اليه ليتفحصوا "نيته". خلا ذلك، بقي "ميونيخ" بعيداً من الجمهور العريض. فهو شريط طويل جداً يقرب من ثلاث ساعات وخالٍ من ترفيه سبيلبورغ و"ألاعيبه" البصرية المعهودة وان كان يعوض عن كل ذلك بما هو أهم وأعمق.

لا مناسبة محددة او توقيت ما للكتابة عن هذا الفيلم اليوم سوى ان بعض الاشياء يفقد معناه بانقضاء الوقت او الأحرى اننا قد نفقد اندفاعنا اليه وشغفنا به. ثمة أمر آخر يجعل من هذه الكتابة مناسبة مفتوحة: مازال مصير "ميونيخ" من العرض معلقاً حتى لحظة كتابة هذه السطور. لم يصدر بعد قرار بشأنه: هل سيعرض ام سيُمنع عرضه؟ من الصعب التكهن الآن بما ستسفر عنه قرارات لجنة الرقابة في الامن العام اللبناني. ولكن الأمر قد يطول كما حصل مع شريط بول غاغان Syriana الذي بعد نحو شهرين او أكثر من عرضه على الرقابة، تأكد قبل أيام قرار منع عرضه في لبنان. الكتابة اذاً عن "ميونيخ" ليست من موقع الدفاع عن فيلم ممنوع او شبه ممنوع لأن ثمة قنوات كثيرة اليوم لمشاهدة اي عمل فني تجعل من عملية المنع والقص إجراءً شكلياً يرضي أصحابه ويوهمهم بأن ما يقومون به انما هو تطبيق القانون والحفاظ على الأخلاق العامة ومنع الفتنة التي قد يثيرها عمل يتناول سياسة النفط في الشرق الاوسط كما هي حال Syriana او آخر يعيد صوغ واقعة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي في قالب درامي كما هي حال "ميونيخ". انما هي كتابة عن عمل سينمائي بمقومات جمالية وفكرية من المخزي التغاضي عنها لاعتبارات أخرى وان كانت تلك الاعتبارات قابلة للجدل وربما للتأويل الإيجابي.

قبل الدخول في الفيلم، لا بد من الالتفات الى أمر طريف هو ان سبيلبورغ يقف من بين أكثر المخرجين القادرين على استثارة ردود فعل متناقضة ومتفاوتة. وأقول "طريف" لأن ذلك يحير هؤلاء في اللجان الرقابية في كل مكان وزمان. فهو إما "سالك" بدون شرط وإما "ممنوع" بكل وسيلة. وربما ذلك ما يدفع ببعضهم الى البحث أعمق في أفلامه العادية او الخيالية العلمية عما ينبىء بهواجسه السياسية وفي الوقت عينه عما هو خفيف وترفيهي في افلامه الجادة. بمعنى آخر، ثمة حيرة لدى هؤلاء حول تصنيف المخرج: هل افلامه الخفيفة ملغومة بخطاب أعمق ام أن افلامه الجادة فارغة؟

فصامي

للمرة الثالثة، يقوم ستيفن سبيلبورغ بما ينم عن "فصامية"، أي تقديم فيلمين في عام واحد لا صلة تربط بينهما بل وأكثر من ذلك يتناقضان شكلاً ومضموناً. كانت المرة الأولى في العام

1982 عندما أخرج E.T. وPoltergeist (الأخير بالاشتراك مع توب هوبر). صحيح ان الفيلم الأخير لا يحمل ثقل Munich مثلاً، ولكن تلك النقلة "الاكروباتية" من قصة عائلية لطيفة الى دراما مسكونة بالأشباح هي ما نتكلم عنه هنا. اما المرة الثانية فشهدها العام 1993 من خلال Jurassic Park وSchindler's List. وها هي المرة الثالثة تتجسد اليوم مع Munich الذي أبصر النور على بعد أشهر قليلة من "حرب العوالم" War of the Worlds. في كل الأفلام المذكورة وغيرها ربما، مارس المخرج لعبة التنقل بين أقصى الأمل وأقصى اليأس. كأنه في "ميونيخ" يرد على سخافات War of the Worlds الكثيرة من ان تسأل مثلاً الطفلة (داكوتا فانينغ) والدها إزاء الخراب الذي تشهده نيو جيرسي: "هل هم الارهابيون؟" بقدر ما تبدو أسئلة سبيلبورغ واجاباته حول طبيعة الخير والشر والوطنية والخيانة والبطولة... مسطحة في افلامه السابقة، بقدر ما يضرب عرض الحائط بكل ذلك في Munich، مشرعاً أسئلة جدلية ومقترحاً من وجهة نظره إجابات تحتمل النقاش والتأويل عنده هو قبل الآخر. انه هنا سبيلبورغ الساعي الى الخلاص من حلقة النجاحات الخرافية والتوقعات الجماهيرية، يطرح نفسه سينمائياً بوجهة نظر وموقف من كل ما يجري بعيداً من التهليل لطرف او التبخيس بآخر. ليس ذلك من قبيل اعتبار Munich شريطاً حيادياً او حتى موضوعياً. فهذا النقاش يطفو على السطح عندما يكون الفيلم خارج السينما ويسقط عندما يكون الفيلم في قلب السينما وبيتها. انه فيلم وحسب بما يعنيه ذلك من اكتناز ذاتية مخرجه وآرائه وهواجسه ومزاجيته. واذا كان Munich أكثر ارتباطاً بـ Shindler's List من بين افلام سبيلبورغ بسبب موضوعه، فإن المقارنة هنا شيقة ايضاً وربما ترسم مسافة بين الشريطين كالقائمة بين اي منهما وE.T. او غيره. انه الفارق بين الأسطورة والواقع. كأن سبيلبورغ في الأول كان يتعاطى مع مادة لا يجوز المس بها (وان فعل ذلك انما بخفر). كان يصنع "الفيلم" عن الهولوكوست وليس فيلماً عنها. هكذا أتت الصورة­على جماليتها­ كما لو كانت خارجة من برنامج "فوتوشوب"، براقة منقحة خيالية. بالمقابل، يتحرر المخرج في Munich من عبء الأسطورة والتاريخ والإرث. انه لا يبتعد كثيراً من التاريخ، فيبني فيلمه على واقعة تاريخية انما بنبرة اليوم. فتخرج الصورة مخربشة، سريعة في حركة لا تهدأ كما لو انها مزيج من صور كاميرات المراقبة و"فوتيج" (footage) المصورين الصحافيين بلمسة سبيلبورغ التشويقي. بهذا المعنى، لا ينحصر Munich في خانة استعادة الحادثة وروايتها في سياقها الزماني والمكاني. بل هو كلمة في هذا الصراع المستمر في ضوء حادثة ميونيخ 1972.

الصورة والصورة المضادة

ميونيخ 1972. القرية الاولمبية. ليلاً. الرياضيون في غرفهم باستثناء فريق يتجول في الباحة الخارجية بحثاً عن منفذ. مجموعة أخرى انتهت لتوها من سهرة سكر، تساعد هؤلاء على تسلق السياج ودخول حرم القرية. بحركة سريعة متوترة، يخلعون ثيابهم الرياضية، يخرجون من حقائبهم الرياضية أسلحتهم ويتسللون الى جناح الرياضيين الاسرائيليين. بضعة مشاهد سريعة بكاميرا محمولة تزج نفسها بين الفدائيين الفلسطينيين المقتحمين والرياضيين الاسرائيليين المتراكضين. كاميرا ملاصقة للحدث على مسافة صفر منه، تكاد تنقل دقات القلوب المتسارعة وصوت غليان الدم في الأجساد. بضع طلقات نارية ..أصوات صراخ ..هلع وخوف.. دماء لزجة ساخنة... بعدها، ينتقل سبيلبورغ الى شاشة التلفزيون الأميركي التي تقوم بالتغطية. عائلات اسرائيلية وفلسطينية تتابع الأخبار. الكل ينتظر سماع خبر جيد من ان "مواطنه" بخير. تنتقل التغطية التلفزيونية في ظرف دقائق قليلة من طمأنة الناس الى ان "الجميع بخير" الى "الجميع قضى"! بهذه البداية المشوشة، يطلق سبيلبورغ فيلمه وسط شكوك المشاهد بأنه أمام فيلم سيتخذ مسار "الضحية" و"الجلاد". لا يجيب الفيلم فوراً عن تلك الظنون لا بالنفي ولا بالايجاب. يترك الأمور على حالها، مصوراً ردود الفعل الاسرائيلية التي تعتزم الانتقام ممن تعتقدهم المخططين والفاعلين. تتكون عندها فرقة بقيادة عضو الموساد "آفنر" (ايريك بانا) واشراف رئيسه "افرايم" (جيوفري راش) لقتل القادة الفلسطينيين المشكوك بضلوعهم في العملية، وينضم اليها صانع متفجرات (ماثيو كاسوفيتس) ومزور اوراق ورجل متوسط العمر مسؤول عن تنظيف مكان الجريمة وآخر مساعد (دانييل كرايغ). تستقر المجموعة في باريس بدون تدريب سابق على ما يجب القيام به. كل ما هو متاح لهم حساب مفتوح في بنك سويسري وتحذير من ضرورة عدم ذهابهم الى الدول العربية. من هنا يبدأ فيلم آخر، يوظف فيه المخرج عناصر التشويق والثريلر ويقلب بعض الشيء صورة المقدمة. كأن سبيلبورغ راوياً يقدم حكايته من زوايا عدة. فالشخصيات الفلسطينية الموضوعة على لائحة القتل والتي شاهدناها في البداية ملثمة ولاحقاً في صور فوتوغرافية لا تقول شيئاً، يعيد المخرج تقديمها في هذا الجزء لينتقل بعدها الى الزاوية التي نشاهد فيها الصورة السالبة للمشهد الأول: الاسرائيلي القاتل والفلسطيني المقتول. خلال بحثهم عن الشخصيات التي لا يعرفون عنها سوى اسمائها، يقعون على اولها في ايطاليا، "وائل زعيتر". يمكن الجزم، لمسوغي الجدل حول صورة العرب في السينما الأميركية عموماً او صورة الفلسطيني في هذا الفيلم تحديداً، بأن كيفية تقديم زعيتر هنا لا سابقة لها. هو الشخصية الفلسطينية الأولى التي نراها عن كثب في الفيلم فإذا بصاحبها، كما يعرّفه الفيلم، قد انتهى لتوه من ترجمة "ألف ليلة وليلة" الى الايطالية! وعندما ترصده المجموعة الاستخباراتية، تلفاه جالساً فى مقهى يقدم قراءات من الف ليلة وليلة المترجمة لمجموعة من الحاضرين. انها صورة ايجابية بامتياز لمن يبحث في هذا الاتجاه وربما نضيف اليها حواره اللاحق مع صاحبة محل البقالة من حيث يشتري الحليب والنبيذ ويتصل بابنته او قريبته. وفي ما بعد نرى الارتباك يصيب "آفنر" عندما يصوب مسدسه اليه. هل هو ارتباك المبتدىء؟ ام هو تردد سببه مخالفة الشخصية لتصوراته؟ لا تقل شخصية "محمود الهمشري" مكانة او رقياً عن زعيتر. فهو رجل مثقف ومتحدث لبق ووالد حنون وزوج حضاري...مرة ثانية تواجه المجموعة ارتباكاً قبيل تنفيذ خطة القتل لكأن سبيلبورغ يجسد أصغر التساؤلات عند هؤلاء بعقبات فعلية. بتقدم العملية وارتفاع عدد الضحايا، تزداد المهمة صعوبة في اشارة الى التورط النفسي والروحي الذي يسقط هؤلاء فيه وتتزايد التساؤلات لاسيما عند "آفنر" ويبدأ السؤال المحوري بالتشكل: ما الذي نقوم به ولماذا نقوم به؟

الانتقام

يخالف سبيلبورغ كوينتن تارانتينو الرأي من ان "الانتقام طبق من المفضل تناوله بارداً" (قول يرد في مقدمة فيلمه الأخيرKill Bill). الانتقام عند سبيلبورغ طبق ساخن وطازج تماماً مثل الوجبات التي يجيد "آفنر" إعدادها ويخصص لها الوقت الكافي كأنها في نفس المرتبة مع مهمته. ولكن طاولة "آفنر" الشهية والمتقنة والأنيقة لا تلبث ان تتحول مع تقدم المهمة الى وليمة متوحشة، تكتسب الأطباق فيها هيئة مبالغة لكأنها وليمة بشرية تقتات على أجساد الضحايا وأرواح القتلة. في دائرة مغلقة يلفى "آفنر" نفسه عالقاً. القتل يجر القتل ومنطق الانتقام لا آخر له. في حوارية معبرة، يناقش "آفنر" مع "افرايم" معنى قتل قيادي فلسطيني اذا كان هناك من سيخلفه دوماً. انها عبثية القتل والانتقام يتوصل اليها البطل ولكنه لا يستطيع التراجع. لكأن الفرصة هي التي تبحث عنه وتجده في كل مرة، فيضيف الى القائمة التي بحوزته اسماء أخرى مادام المقياس يتلخص بأن الشخص شارك في عملية ايلول الاسود او بعملية سابقة لها ضد الاسرائيليين او قد يشارك في عملية لاحقة! أليس هذا هو التبرير الذي يقدمه "افرايم" لـ"آفنر" عندما يسأله الأخير عن وجود اثباتات على تورط من قتلوهم في عملية ميونيخ؟ يجيبه بأن أحدهم كان يخطط لعملية مقبلة! انه خطوة احترازية اذاً وهجوم بدلاً من الرد. هذا هو الانتقام في شريط "ميونيخ"، فعل يرتد على أصحابه.

ولكن التحول الأبرز في الفيلم بفعل آلة القتل والعنف والانتقام هو تحول "آفنر". فهذا الشاب غير المعروف في الموساد وغير المحترف بأعمال القتل انما يؤتى به لأن والده بطل وامه عاشت تجربة "اوشفيتز" كما تردد غولدا مائير. "آفنر" هو اذاً ابن الفكرة الصهيونية بامتياز وفي سبيلها مستعد لأي شيء من دون سؤال وان كان الثمن ترك زوجته الحامل. ولكن "افنر" يتحول في نهاية المطاف الى رافض لفكرة اسرائيل. يقرر ألا يعود وان يستقر في الولايات المتحدة مع زوجته وابنته. هل في ذلك اشارة الى اكتشافه الجديد من ان الـCIA على علاقة وثيقة بالقياديين الفلسطينيين؟ في أحد المشاهد التي تسبق انتهاء المهمة، وبعد الحاحه الشديد على مصدره الفرنسي "لوي" الذي يؤمن له العناوين والمعلومات عن أهدافه البشرية ليرشده الى مكان "علي حسن سلامة"، يفهم "آفنر" ان سلامة في لندن في لقاء روتيني مع "شريكه" الـ CIA. لذلك هو خط أحمر ولذلك ايضاً تفشل عملية اغتياله عندما يعترض سكير طريق أحد افراد المجموعة قبل تنفيذ العملية بثوانٍ. أهو سكير ام مبعوث من الـCIA؟ لا يجزم سبيلبورغ ولكن الحوارات التي تسبق المشهد والحادثة المفتعلة في الشارع تبقى دلالات مفتوحة على ذلك الاحتمال.

لقاء

وسط الزوايا المتعددة التي يتناول سبيلبورغ بها موضوعه، ثمة لقاء وحيد بين طرفي النزاع. على درج أحد الفنادق الرخيصة في بلد ما في اوروبا الشرقية او ربما اليونان (لم أعد أذكر تماماً)، يدور حوار بين "افنر" وفدائي فلسطيني من دون ان يعرف الأخير ان الاول من اسرائيل. يستمع "آفنر" بتعجب ودهشة الى "علي" وايمانه المطلق بحقه في تلك الأرض لا يسع "آفنر" الا ان ينعته بالجنون. انه مشهد يجسد الهوة الكبرى بين وجهتي النظر من دون مفاضلة فقط لنفهم استحالة الحوار بينهما. لاحقاً عندما يُقتل "علي" برصاص أحد فريق "آفنر"، يلقي الأخير نظرة غريبة عليه كأنه يدرك للمرة الاولى وبعد الحوار الذي دار بينهما ان هذا الجسد هو أكثر من اسم مطلوب على لائحة سوداء. تتراكم كوابيس "آفنر" وسلوكه الغريب وتوجسه من الآخرين حتى من الجهاز التابع له لاسيما عندما تنقلب العملية على مجموعته ويبدأون بالوقوع قتلى واحداً بعد الآخر. مثل "تروما" الحروب، تسكن مشاهد القتل "آفنر" لفترة طويلة. يستعيد مشاهد المجزرة الاولى وهو في فراشه الزوجي. هنا ايضاً يطلق سبيلبورغ تفصيلاً اضافياً ربما يصب في صالح العرب للمهتمين بهذه الناحية. ففي الباص الذي يقتاد الفدائيون اليه الاسرى الاسرائيليين، يصيح أحد الرياضيين انه يود العودة الى أسرته، فيجيبه أحد الخاطفين بأن قريباً سينتهي كل شيء وسيعود كل الى بيته في اشارة الى ان ما كان يبغيه الفلسطينيون اعلان موقف وليس مجزرة.

تنهار فكرة اسرائيل لدى "آفنر" وفي لقائه الأخير بـ"افرايم" في نيويورك يرفض الاول دعوة الأخير له للعودة الى موطنه ويرفض الثاني دعوة "افنر" له ليكسر الخبز معه في رغبة للابقاء على صلة انسانية. يفترق كل في طريقه المعاكس للآخر بينما يطهر في الوسط برجا نيويورك في ايحاءٍ بصري يربط بين تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي التي تشكل اميركا جزءاً اسايساً فيه وفكرة الارهاب التي اودت الى 11 ايلول.

المستقبل اللبنانية في 14 أبريل 2006

 

ستيفن سبيلبرغ في فيلم «ميونيخ»

الإرهاب لا يحارب بالإرهاب

نبيل عبدالكريم 

أكثر من سبب جعل الحكومة الإسرائيلية، مدعومة من الإدارة الأميركية، تبدي امتعاضها من فيلم «ميونيخ» للمخرج ستيفن سبيلبرغ.

فالمخرج يهودي وفاز سابقاً بجائزة الاوسكار عن فيلمه «لائحة شندلر» الذي يتحدث عن المحرقة (الهولوكست). وحين أعلن عن نيته بإخراج شريط سينمائي عن حادث قتل 11 رياضياً خلال دورة الألعاب الأولمبية التي جرت في العام 1972 في مدينة ميونيخ الألمانية توقعت تل أبيب أن يكون دعائياً يدافع عن «إسرائيل» من خلال تلك الصورة التي رسمتها عن نفسها.

الشريط ليس كذلك. سبيلبرغ لم يتحدث عن ميونيخ الا كواقعة ملتبسة لا يعرف من هو الطرف الذي اسهم في اشعالها بعد الاتفاق الذي حصل بين الخاطفين والشرطة الالمانية. هناك من خرق الاتفاق وأدى سوء التفاهم إلى اقدام الخاطفين على قتل المخطوفين.

الشريط إذاً يتخذ من واقعة ميونيخ ذريعة للتحدث عن عالم الإرهاب وتداخله بعوالم المخابرات الدولية ودور المال في شراء المعلومات والوشاية واختراق الحقوق المدنية للناس وتعريض الابرياء للقتل لمجرد وجودهم مصادفة في هذا المكان أو ذاك.

سبيلبرغ يتحدث في شريطه السينمائي الطويل والموثق عن تلك الاغتيالات التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية (الموساد) ضد القيادات الفلسطينية في أوروبا بذريعة أنها هي التي خططت ومولت وسهلت عملية ميونيخ.

يبدأ الفيلم من الواقعة وينتقل إلى حكومة «إسرائيل» التي كانت ترأسها آنذاك غولدا مائير.

يحاول سبيلبرغ اظهار مائير على غير حقيقتها. فهو يظهرها سيدة تكره القتل ولكنها اضطرت إليه دفاعاً عن الكرامة وتوجيه رسالة لكل من يحاول أن يضطهد أو يسفك دماء اليهود.

مائير آنذاك كانت تكره اسم «فلسطيني» وترفض أن تذكر في كلماتها وتصريحاتها هذا الاسم. سئلت مرة عن الشعب الفلسطيني. فأجابت: الشعب الفلسطيني، لم اسمع بهذا الاسم سابقاً.

مائير هذه قررت الانتقام حتى لو خالفت «إسرائيل» كل القوانين ولجأت إلى كل الوسائل القذرة التي تعتمدها أجهزة المخابرات في العالم. واختارت للعب هذا الدور فريق عمل لتنفيذ الاغتيالات مهما كان الثمن وبغض النظر عن النتائج المتوقعة أو المفترضة لذلك.

ومن هنا يبدأ الفيلم يلاحق سلسلة الاغتيالات والتفجيرات التي نفذت. فالمطلوب رأس 11 شخصاً والشريط يتوقف عند رقم 7 بسبب التعقيدات التي واجهت فريق الاغتيالات الذي اخترق القوانين وأنفق الملايين لرشوة شبكات وهيئات ومجموعات مخابرات صديقة للفلسطينيين.

خطورة الفيلم أنه يدخل إلى عمق الأسرار ويكشف جوانب خفية في أفعال غير شريفة تلجأ لها شبكات المخابرات. فهذا العالم متداخل وغير نزيه ويعبد المال وعنده الاستعداد لأن يبيع المعلومات بثمن لطرف معين ثم يبيع هذا الطرف لطرف آخر مقابل المال.

سبيلبرغ يدخل ­ في شريطه ­ مناطق خطرة لا تقبلها «إسرائيل» ولا ترضى عنها إدارة جورج بوش التي تمارس الحروب والإرهاب باسم محاربة الإرهاب. والمخرج الذي دخل هذا العالم المتشابك وكشف خلفيات ووقائع كل عملية اغتيال أو تفجير حصلت ضد المتهمين من الفلسطينيين في روما وأثينا وباريس وفرانكفورت وهولندا وبيروت (اغتيال القادة الثلاثة)... وصولاً إلى تلك المحاولة الفاشلة التي حصلت في لندن.

بعد محاولة لندن الفاشلة يكتشف قائد المجموعة (الموسادي) ان اطرافاً مختلفة دخلت على الخط وهناك شبكة فلسطينية تلاحقه بعد ان نجحت في اغتيال أربعة من فريقه.

هنا يتوقف قائد المجموعة عن الاستمرار في تكملة مهمته. ويقرر مغادرة «إسرائيل» والهجرة إلى نيويورك (حي بروكلين المواجه لمنطقة مانهاتن).
القصة إذاً معقدة ومتداخلة تتشابك في عالمها مجموعة زوايا إنسانية وشفافة تنتهي بصحوة ضمير مقابل تلك الزوايا الشريرة والمظلمة. وهذا النوع من القصص لا تعجب طبعاً دولة تدعى «إسرائيل» تأسست على القتل والطرد والسرقة والنصب والادعاء أمام العالم بالبراءة وعدم سماع اسم «الشعب الفلسطيني».

بعد ميونيخ سمعت غولدا مائير جيداً بهذا الاسم ولذلك قررت إلغاء وجوده وشطب قياداته من خريطة العالم.

هذه النقطة أيضاً يعترض عليها سبيلبرغ في فيلمه. فهو يريد أن يوجه رسالة إلى تل أبيب وواشنطن من خلال «ميونيخ» بأن الإرهاب لا يقضي على الإرهاب. والقتل يجر إلى مزيد من القتل. وإذا قتل هذا المسئول فإن هناك من سيأتي بعده ولن يكون أفضل منه.

هناك أكثر من سبب جعل حكومة «إسرائيل» تمتعض من سبيلبرغ الذي عوقب بعدم الفوز بجائزة أوسكار على رغم ترشيحه لثماني جوائز. وأهم الأسباب هو ذاك المشهد الذكي والرائع الذي يختتم فيه الفيلم على خلفية «مركز التجارة العالمي». فالمشهد مدهش في ألغازه ومعانيه ورموزه لأنه يربط ميونيخ بمانهاتن ويرسل اشارة سلبية قوية لذلك القابع في «البيت الأبيض»: لا ترتكب أخطاء «إسرائيل» و«الموساد».

الوسط البحرينية في 5 أبريل 2006

نادية لطفي... زهرة الصعيد الأوربية

إعداد: ناجي مرهون

اسمها الحقيقي (بولا شفيق) من مواليد ٣ يناير عام ٧٣٩١ محافظة المنيا بصعيد مصر من أب مصرى صعيدي وأم بولندية، حصلت على دبلوم المدرسة الألمانية بمصر عام ٥٥٩١م، ومنذ طفولتها وهي عاشقة للفن وتذهب مع أبيها وأمها كل أسبوع لمشاهدة الأفلام الجديدة عربية كانت أو أجنبية فقد كان والدها عاشقاً للأفلام العربية، وعلى النقيض تماماً كانت والدتها بحكم أوروبيتها متابعة لأحداث السينما العالمية والجديد الذي تنتجه وتقدمه سنوياً، وكانت تحفظ أسماء النجمات العالميات بل الممثلات نصف المشهورات وتتحدث عنهن دائماً وعن قصص صعودهن وبداياتهن وأهم أعمالهن، فدفعها هذا إلى عشق الفن ودخول عالم الفن، ففي بدايتها وبالتحديد عام ٨٥٩١ صعدت فتاة في العشرين من عمرها اسمها (بولا شفيق) إلى مصاف النجومية بسرعة الصاروخ، فقد كانت شقراء جميلة تشبه نجمات السينما العالميات، ولكن خلف هذا المظهر الجميل كانت تكمن فتاة صلبة وصعبة المراس إنها الفنانة القديرة التي عرفها الجمهور العربي باسم (نادية لطفي) وعلى مدى هذه الأعوام الطويلة شقت (بولا) لنفسها طريقاً مميزاً وصنعت تاريخاً حافلاً وشخصية فنية كبيرة، ورغم أن والدها كان صعيدياً إلا إنه من داخله كان إنساناً رقيقاً ومثقفاً يجيد عدة لغات، وكان لهذا تأثير كبير على علاقته بوالدتها التي أحبته بجنون وتركت أوروبا وعاشت في صعيد مصر، فلقد اقتنع بوجهة نظر امها بأن يتركها على حريتها خاصة إنهما كانا مطمئنين تماماً لتربيتها، فتعلمت من البداية ما هو الصحيح والخطأ، وفي إحدى الزيارات العائلية شاهدها المنتج العظيم صانع النجوم (رمسيس نجيب) وبنظرته الخبيرة أكد أن لها مستقبلاً جيداً بانتظارها ولكن رأيه هذا لم يأت إلا بعد أن أجرى لها اختباراً صعباً أمام الكاميرا، واجتازته بحكم عشقها للفن وتقمصها لشخصيات عديدة من قبل وادائها لأدوار تمثيلية أثناء الدراسة مما أعطانها القدرة والجرأة،  وفتح لها رمسيس نجيب الباب على مصراعيه حيث قدمها لأول مرة بدور كبير ومميز في فيلم أمام الفنان فريد شوقي وكان من إخراج نيازي مصطفى عام ٨٥٩١ وقدمت فيه دور صحفية تجري مقابلة مع شخص مطارد من قوات الشرطة بمعاونة من خطيبها الضابط الشاب (رشدي أباظة)، وكان اختيار الإسم الفني عملية صعبة جداً فكان من المستحيل ظهورها باسمها الحقيقي لكونه صعباً وغريباً، وفي هذه الأثناء كان يعرض الفيلم الشهير (لا أنام) للأديب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس وإخراج صلاح أبو سيف وكانت الفنانة فاتن حمامة تحمل في هذا الفيلم اسم نادية لطفي فقرر رمسيس نجيب أن يمنحنها نفس الاسم، وعلى إثر ذلك غضب إحسان عبد القدوس كثيراً من رمسيس نجيب لكونه لم يستأذنه وهدده ضاحكاً برفع دعوى قضائية عليها وعليه، وفي يوم العرض الخاص للفيلم وجّه (رمسيس) الدعوة له وللفنانة فاتن حمامة فحضرا وقال إحسان عبد القدوس يومها بأنها بالفعل نادية لطفي التي ألهمته فكرة القصة وطالبها بالحفاظ على هذا المستوى لكي تظل جديرة بحمل الاسم، وبعد نجاح فيلمها الثاني (سلطان) إنهالت عليها السيناريوهات ولكنها دائماً كانت تتذكر جملة إحسان عبد القدوس لها بالحفاظ على نفس المستوى، ففي عام ١٦٩١ قامت ببطولة ثلاثة أفلام هي (السبع بنات) مع أحمد رمزي وسعاد حسني وحسين رياض وكان أول تعاون لها مع المخرج عاطف سالم، وكذلك فيلم (عودي يا أمي) مع شكري سرحان وعمر الحريري والقديرة الراحلة أمينة رزق إخراج عبد الرحمن شريف، وفيلم (مع الذكريات) قصة وسيناريو وحوار وإخراج سعد عرفه وشاركها البطولة أحمد مظهر ومريم فخر الدين وصلاح منصور إلا أن انطلاقتها الحقيقية جاءت في عام ٢٦٩١عندما قامت ببطولة سبعة أفلام دفعة واحدة هي (قاضي الغرام) مع حسن يوسف والنابلسي إخراج حسن الصيفي و(أيام بلا حب) مع كمال الشناوي إخراج حسام الدين مصطفي و(حياة عازب) مع شكري سرحان ويوسف فخر الدين سيناريو وإخراج نجدي حافظ و(صراع الجبابرة) مع أحمد مظهر إخراج زهير بكير وفيلم (مذكرات تلميذة) مع أحمد رمزي وحسن يوسف إخراج أحمد ضياء و(من غير ميعاد) مع محرم فؤاد وسعاد حسني ومحمد سلطان إخراج أحمد ضياء إلا أن أنجح أفلامها على الإطلاق ليس في هذا العام فحسب بل منذ بداية مشوارها الفني وبالتحديد فيلم (الخطايا) مع عبدالحليم حافظ إخراج حسن الإمام، وكان الفيلم أول لقاء فني يجمعها بعبد الحليم بل وبحسن الامام نفسه فانتقلت بفضل نجاحه الساحق للنجومية الطاغية، كما مثلت في أهم فيلم حاز على العديد الجوائز الدولية وهو فيلم (المومياء) في عام ٥٧٩١ للمخرج شادي عبدالسلام.  وتعتبر نادية لطفي إضافة في حد ذاته لنجاح أي عمل حيث واعتبرت رمزاً للإغراء خلال العقدين الماضيين وفازت بالعديد من الجوائز على أعمالها مثل النظارة السوداء والسمان والخريف وقد قدمت ٢٧ فيلما في رحلتها السينمائية، كما أدت للمسرح عملاً واحداً هو مسرحية (بمبة كشر) وكان عملا مميزاً ظل في ذاكرة الجماهير، وقدمت للتليفزيون مسلسل (ناس ولاد ناس).

وكانت الفنانة لها دور سياسي يشهد لها به كل الممثلين بل كل مصر بعد النكسة في حرب الاستنزاف يوم طافت على الفنانين في بيوتهم وهي تدعوهم لمؤازرة الجنود على خط القتال ولم تكن عبارتها من قبيل الإنشاء والادعاء فقد فعلتها وذهبت ضمن وفد الفنانين ولم تكتفي بزيارة الجنود في المستشفيات كما فعلت معظم الفنانات، وحاولت الفنانة منذ أكثر من ثلاثين عاماً كتابة مذكراتها بنفسها وكانت دائماً تقول إنها لن تترك للآخرين تنميطها وتقديمها حسب عقلياتهم وتصوراتهم عنها حتى قامت عام ٣٩٩١ بتصوير مذكراتها بالفيديو تحت عنوان ''أوراق مبعثرة'' وقالت أنها ستضم أحداثاً عامة سياسية وأدبية وفنية من خلال التحاور مع شخصيات لها علاقة بالأحداث.

حصلت الفنانة نادية لطفي على العديد من الجوائز نذكر منها:

·         جائزة المركز الكاثوليكي عن فيلم ''السبع بنات'' عام ١٦٩١ -

·         جائزة من المؤسسة العامة للسينما عن فيلم ''أيام الحب'' عام ٨٦٩١ -

·         جائزة من مهرجان طنجة -

·         التقدير الذهبي من المغرب عام ٨٦٩١ -

·         التقدير الذهبي من الجمعية المصرية لكتاب السينما عن دور هام في فيلم ''رحلة داخل امرأة'' عام ٨٧٩١

·         عضوا للجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة

·         عضوا للجنة الشئون الخارجية باللجنة المصرية للتضامن الأسيوي الأفريقي

الوطن البحرينية في 12 أبريل 2006

 

المال والغرائبية والجماليات.. كيف تصل أفلام الشرق إلى أوروبا؟

الوسط - محرر سينما  

الباحث في العلوم الإسلامية وموزع الأفلام الألماني المقيم في فرايبورغ لودفيغ أمان، يحمل اهتمامات مختلفة عن كثير من موزعي الأفلام الآخرين في بلاده.

أمان يحمل هم توزيع الأفلام العربية ونقل الصورة الشرقية إلى المشاهد الأوروبي، وهو يواجه معوقات كثيرة لتحقيق ذلك. وعلى رغم أنه استطاع تجاوز الكثير من هذه العقبات والمعوقات فإن الصورة العربية والشرقية لم تصلا كاملتين بعد إلى المشاهد الأوروبي.

في هذا المقال المنشور في العدد «83» من مجلة «فكر وفن» يتناول أمان جزءاً من تجربته في مجال التوزيع مستعرضا بعضاً من المشكلات التي واجهها هو والفيلم العربي ولايزالان كذلك.

يبدأ أمان مقاله بمقدمة جميلة يتحدث فيها عن صانعي السينما، فيقول «تروي روائع السينما قصصاً تغزو العالم وتأسر القلوب، ولكن قصة من تحكي تلك الأفلام التي تهز مشاعر الناس من ساوباولو إلى جاكارتا؟ ومن هم صانعوها؟ أهي أوروبا (التي ترتعد خوفاً من زحف الحرفيين البولنديين ومبرمجي الكمبيوتر الهنود؟).

أوروبا، بحسب أمان، أنتجت في العام الماضي ما لا يقل عن 750 فليماً وهو إنتاج يفوق ما قدمته الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بفضل الدعم المادي الهائل للفيلم الأوروبي بهدف حماية «القيم والثقافة» المحلية.

لكن «معظم تلك الأفلام التي تم تمويلها لم يرها سوى القليلين، حتى في بلد المنشأ، ففي دول الاتحاد الأوروبي فضّل 70 في المئة من أصل مليار مشاهد الأفلام الأميركية، وشاهد 20 في المئة أفلاماً من إنتاج بلدهم، بينما تفرج 10 في المئة فقط على أفلام من صنع بلد أوروبي آخر، فما بالك بالأفلام الواردة من بلدان أخرى».

موزع الأفلام ودوره

ويتساءل أمان: إذا كان ذلك حال الأفلام الأوروبية المدعومة، فكيف هو الأمر مع الأفلام العربية التي «يجب البحث بالمبكر» للوصول إليها، أو الأفلام الإفريقية التي «يجب التنقيب عنها بالمجهر».

ويواصل «هل استولى الأميركيون بأفلامهم على العالم وقضت هوليوود على ثقافة السينما المحلية؟ وهل وقعت أحلامنا الملونة التي اعتدنا رؤيتها على شاشات السينما الأوروبية فريسة إمبريالية الثقافة الأميركية؟».

ويؤكد أمان أنه كان يصدق «الشعارات المدونة في دفتر أشعار مناهضي العولمة المعادين لأميركا»، حتى دخل عالم توزيع الأفلام بمحض الصدفة، وأصبح موزع أفلام، «وهو ذلك الشخص الذي لا يستغنى عنه لتشق الأفلام طريقها إلى دور السينما، فلابد ممن يشتري حقوق استثمار فيلم في منطقة معينة ­ عادة في بلد الموزع ­ ويتولى سائر أمور التوزيع، من إعداد النسخ إلى إنجاز فيلم دعائي قصير وملصقات تعلن عن الفيلم والتسويق وتأمين التغطية الإعلامية وتأجير الفيلم لدور العرض، ناهيك عن عمليات المحاسبة المضنية مع الموزع العالمي وممولي الفيلم وإجراءات الضرائب البيروقراطية.

بالمختصر المفيد: ان ثقب الإبرة الذي تعجز عن عبوره، للأسف الشديد، معظم الجمال أي الأفلام، لأن السوق لا تحتمل عرض أكثر من 10 أفلام جديدة في الأسبوع ­ 6 على أقصى تقدير إلا أن مشجعي الثقافة مصرون على تجاهل تلك الحقيقة. حسناً، فلأمد يدي، أنا الآخر، وأستجدي كرم المشجعين للحصول على إعانات تمول مشروعات قد لا يمن برؤيتها أحد.

منذ ذلك الوقت وأنا أحاول الترويج للأفلام العربية وسائر الأفلام غير الأوروبية ليستسيغها الجمهور الألماني فأمنى بالهزائم وأتلقى الضربات، الضربة تلو الضربة ولقد أدركت الآن أن هوليوود نفسها تخضع لتقلبات مزاج الجمهور، شأنها في ذلك شأن سائر العاملين بالسينما.

فالجمهور وليس صانعو الأحلام، كما يخال للكثيرين، هو صاحب السلطة والنفوذ الذي يرضخ له كبار المنتجين وعمالقة هوليوود أنفسهم فإذا ما آثر الأوروبيون ذات يوم أفلام بوليوودو ستقوم هوليوود في لمح البصر بتقليدها.

وهذا ما حصل أخيراً حين سارعت هوليوود إلى الاستثمار والمشاركة في إنتاج أفلام ذات لغة سينمائية محلية تعد بدرّ الرباح، كفيلم ماتيلد الداعي إلى نبذ الحروب، للمخرج الفرنسي جان ­ بيير جونيه، ولكن دعوني بادئ ذي بدء أسر إليكم بما حدا بي إلى عالم السينما.

الافتتان بالسينما

انجذاب أمان لعالم السينما ونجاحه في توزيع أفلامها جاء بعد أن حصل على شهادة في «العلوم الإسلامية»، وهي كما يرى أمان «بداية مؤهلة للنجاح إذا ما تنبهت في الوقت المناسب وشددت رحلك، فمغريات العالم الواسع تناديك وتدعو إلى المغامرة بعيداً عن الجامعة والمكتبة».

تخرج أمان في الجامعة وعمل صحافياً في المجال الثقافي ثم «انتقلت إلى العمل مجاناً في المهرجان السينمائي الذي تنظمه بلدية فرايبورغ ولا فرق يذكر بين العملين، سواء من حيث المضمون أو من حيث المردود المادي غير أن ذلك لم ينقص من اندفاعي: إذ إن من شهد مهرجاناً سينمائياً متميزاً، تعرض فيه أفلام من مختلف أنحاء العالم ­ مهرجان برلين مثلاً ­ فعاش لحظات الترقب والتوتر التي تسود خلال العروض الأولى ودعا أحلام السليلويد تحلق به في أجواء مفعمة بالولع مخلفاً وراءه روتين الحياة اليومية، إن من عاش تلك التجربة اللذيذة وقع لا محال في إسار السينما فكان من الطبيعي أني أخذت أبحث عن امكان للتوفيق ما بين العمل الروتيني وتجربة السمو هذه وفكرت كيف يمكنني إيجاد حل يرضيني شخصياً ويملأ جيوبي ويعود في الوقت نفسه بالفائدة على الآخرين المحرومين عادة من رؤية الروائع الفنية المعروضة في المهرجانات السينمائية. أعمال يوسف شاهين مثلاً، رائد السينما العربية المصري، تعرض في مهرجان لوكارنو تكريماً له، على أن فيلمه الجديد المصير الحائز العام 1997 جائزة الشرف في مهرجان كان الخمسين الذي لاقى إقبالاً كبيراً في فرنسا، لا يجد في ألمانيا دور سينما تعرضه لماذا؟

الوسط البحرينية في 5 أبريل 2006

 

سينماتك

 

"ميونيخ" في الدول العربية ومصير عرضه في بيروت مازال مجهولاً.. سبيلبورغ الساعي إلى الإفلات من النجاحات الكاسحة

والتوقعات الجماهيرية للوقوف في مصاف السينمائيين الكبار

ريما المسمار  

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك