تعرض القاعات السينمائية المغربية بداية الشهر المقبل، الشريط الجديد عبده في عهد الموحدين إخراج سعيد الناصري، تشخيص العديد من الممثلين المغاربة من مثل، مصطفي تاه تاه، ادريس الروخ، صلاح الدين بنموسي، انور الجندي وآخرين، حيث يراهن من خلاله المخرج علي تحقيق أعلي الإيرادات، والمشاركة به في العديد من المهرجانات الدولية.

ويتطرق الشريط الجديد الذي سيعرض كذلك في مجموعة من القاعات الأوروبية خاصة الفرنسية، لحقبة تاريخية مغربية زاهرة، بمسحة كوميدية لا تخلو من فرجة راقية.

وقال المخرج والممثل سعيد الناصري الذي صور الشريط في مدينة مراكش التاريخية، إن الشريط يعكس فترة زاهية من التاريخ المغربي والعربي الإسلامي، مع وضع مقارنة مع الماضي والحاضر، في العديد من المجالات، الخاصة بالعادات والتقاليد، والثقافة، والأخلاق، ومن ثمة يكون الشريط بابا مفتوحا لاكتشاف عالم آخر، باللغة العربية الفصحي، واللهجة الدارجة المغربية.

و حول انتشار قرصنة الأفلام في الساحة الفنية المغربية، وبيعها بأثمان بخصة في السوق السوداء، نفي المخرج والممثل سعيد الناصري أن يكون وضع خطة أو استراتيجية محكمة للتصدي لقرصنة فيلمه الجديد، في غياب شبه تام للجهات المسؤولة لوقف هذه المعضلة والتي تقوض الممارسة الفنية والسينمائية علي حد سواء.

وقال سعيد الناصري في ذات السياق إن المخرج سيظل عاجزاً أمام احتواء الموقف في وقت تظل فيه الجهات المختصة مكتوفة الأيدي وتتفرج علي قرصنة العديد من الأعمال السينمائية والموسيقية لتباع في الأسواق الشعبية بأثمنة زهيدة، ولتصيب الفنانين بالإفلاس التام.

ودعا الناصري بالمناسبة الجهات المختصة خاصة وزارة الثقافة والمركز السينمائي المغربي والمكتب المغربي لحقوق التأليف إلي التدخل بقوة من أجل وقف نزيف قرصنة الأعمال الفنية المغربية والتي يصرف علي إنجازها الملايين من الدولارات.

ودعا الناصري بالمناسبة الجهات المختصة خاصة وزارة الثقافة والمركز السينمائي المغربي والمكتب المغربي لحقوق التأليف إلي التدخل بقوة من أجل وقف نزيف قرصنة الأعمال الفنية المغربية والتي يصرف علي إنجازها الملايين من الدولارات.

شريط عبده في عهد الموحدين للمخرج سعيد الناصري مزيج من التاريخ والكوميديا الهادفة، بدأ تصوير أولي مشاهده في بداية كانون الثاني (يناير) الماضي، وظف فيه الناصري أحدث التقنيات السينمائية الجديدة، وهو ما يعطي للشريط الجديد أفقا مفتوحاً علي المتعة والفرجة شكلا ومضموناً، الشريط الجديد دخل مرحلة المونطاج، ليتم عرضه في القاعات السينمائية ابتداء من شهر ايار (مايو) المقبل، ويراهن من خلاله الناصري علي أن يكون أفضل من شريطه السابق الباندية ، ويحقق للجمهور أفق انتظاره، وللسينما المغربية، يضيف أفقا فنيا آخر، مفعم بالمهنية والاحترافية... بمناسبة الفيلم الجديد أجرت القدس العربي مع الناصري هذا الحوار:

·         كيف سيكون فيلم عبده في عهد الموحدين عملا يلامس الاجتماعي والكوميدي؟

إننا نستعين دائما بالتاريخ لكي نحل ونعالج العديد من المواضيع والمشاكل الاجتماعية، لكن الجانب الكوميدي حاضر في المواقف التي يعيشها البطل عبده في الفيلم. كذلك حاولنا أن ندمج في السيناريو بعض النكت والتي حاولنا إرجاعها إلي القرن الثالث عشر حيث سيستغرب عالم الفن الثالث عشر من الكادجيت استنادا الي ما وصل إليه العلم حاليا ومصدر هذه القوة هم العرب.

كما أن الفيلم يعتمد علي موضوع مهم، وهو أن الموحدين من أصول أمازيغية من منطقة تنمل التي ينحدرمنها الزعيم (ابن تومرت) قرب مراكش، لقد اسلموا، وتعربوا، واستطاعوا ان يحكموا العالم العربي وينشروا الاسلام، وهذا معطي جيد وجميل في الفيلم، والجانب الاخر والمهم الذي تطرق اليه الفيلم هو تواصلنا مع الآثار المغربية التي تزخر بها مدينة مراكش، وإهمال وزارة الثقافة لهذا الجانب، وللأسف ليس لدينا متاحف بمعني الكلمة، رغم أن التاريخ المغربي حافل بالمآثر، ويتوفر علي الكثير من المخلفات التراثية النفيسة، والتي لا تقدر بثمن، وفي الفيلم العديد من المشاهد المضحكة، وتحمل الكثير من الدلالات وهذا واقع، يبين أن العديد من الأسوار التاريخية، والمآثر ليس في مراكش بل في العديد من المدن المغربية، تنتهك حرمتها، دون حسيب أو رقيب.

·         إذن وظفت الكوميديا بشكل هادف؟

بالطبع الكوميديا في اعتقادي من خلال العديد من المشاهد تضحك وتبكي في الآن ذاته، نحن لم نأخذ التاريخ في الفيلم بطريقة كاريكاتورية، بالعكس أبرزت في الفيلم الصورة التي وصل إليها الانسان العربي المسلم في هذا الوقت من خلال فقدانه لأخلاقه والعديد من الاشياء التي كنا نعتز بها، في الفيلم أعطيت للجانب التاريخي أهمية كبيرة، بكل احترام وتقدير وإجلال، أعطيته القيمة المعنوية والمادية التي يستحقها، ليس أننا نمزج التاريخ بالكوميديا هذا يعني أننا نهين التاريخ، العكس هو الصحيح لقد رفعنا رأس التاريخ عاليا في الفيلم، وهناك فرق كبير بين الكاريكاتور والعمل الكوميدي الجاد والهادف، ونتمني من خلال عرض الفيلم الشهر المقبل بالقاعات السينمائية أن نكون في المستوي، وأعتقد أننا عملنا بجد لكي نقدم التاريخ في أحسن صورة، وتاريخنا المغربي العربي الاسلامي والحمد لله تاريخ حافل بالبطولات والامجاد.

·         ولماذا تم الاقتصار علي مراكش فضاء مركزيا للفيلم؟

أولا لضعف إمكانياتنا للانتقال الي مناطق أخري وخارج المغرب، ثم إن الموحدين كانوا في مراكش منطقة تنمل والمآثر كانت في مراكش ومراكش لم تفقد قيمتها التاريخية الجميلة، لحد الآن، ونحن نري كيف انها تستقطب الآلاف من السياح من مختلف أنحاء العالم، لكي تشاهد الحضارة المغربية المراكشية، والمآثر التاريخية التي خلفها الموحدون وآخرون..، وحتي المناخ ساعدنا كثيرا في تصوير الشريط، وصورنا في معقل الموحدين (منطقة تنمل) هذا ما يعطي للشريط قيمة مضافة، وهالة تاريخية وواقعية، وديكورا طبيعيا حيا، وهذه المسألة قدمناها للجمهور حتي لا نخون التاريخ، ومصداقية العمل السينمائي الذي نريد أن نقدمه للجمهور بكل مصداقية وحميمية، ولو كانت لدينا الامكانيات لصورنا مشاهد اخري في رباط الفتح والاوداية، وجبل طارق، واشبليا، والاندلس.... الخ، لكن قلة الامكانيات حالت دون ذلك كما قلت، واقتصرنا فقط علي التصوير في مراكش.

·         يعني هذا ان الدعم المخصص للسينمائيين لم يكن الي جانبكم؟

أريد أن أوضح لك شيئا هو أنه لم يعد يسمي دعماً ، أصبح دعما مشاركا في الانتاج، كان في السابق دعماً دون محاسبة، ودون استرداد المبلغ، الان اصبح الدعم المقدم من طرف الدولة جزءاً مشاركا في الانتاج، اصبح Avance sur recee ، في السابق كما قلت كانوا يعطونك دعما دون ان ترده الان، أصبح الدعم كمساعدة علي الانتاج علي أساس ان يعاد المبلغ في المستقبل، إذن العملية لم تعد دعما، بل أصبحت سلفة ، أو سمها ما شئت، ويجب علي المخرج ان يعيد نسبة من مبلغ الدعم الي الدولة، فضروري من أن يأخذوا من الفيلم، إذن لم يعد دعما بل مشاركة في الانتاج، وقوانين الاستفادة من الدعم اصبحت قوية كما ان الانتاج أصبح مراقبا، وعليه فان المذكرة الاخيرة التي صدرت عن المركز السينمائي المغربي دليل علي أن الدعم اصبح مشاركة في الانتاج.

·         هل هذه العملية ستؤثر علي العمل السينمائي بالسلب؟

اذا نظرنا الي مبلغ الدعم الذي هو 500 مليون سنتيم ما يقارب 500 الف دولار فهذا شيء إيجابي، لكن مسألة الدعم لم تعد كما كانت، ولم تعد دعما للمخرجين، أي مساعدة دون استرجاعها. الآن لا بد من أن تأخذ الجهات المدعمة نسبة في الفيلم، العمل الخيري والإنساني بالمساعدة المادية كانت في السابق، الآن اغلقت الأبواب، وأصبح للدعم شكل آخر غير الشكل السابق.

·         أمام هذا المعطي هل توفرت لعبده الامكانيات المالية لإعداده؟

لحسن الحظ أن شركة دين فيلم (Dune Film)، وهي التي عملت ألكسندر الأكبر للمخرج أوليفر ستون، والمومياء 1 والمومياء 2، ومملكة الجنة..... الخ، وقفت الي جانبنا ، والحمد لله أن هذه الشركة وفرت إمكانيات مهمة لا بد من شكرها والتنويه بها عبر هذا المنبر، ولولاهم لما استطعنا أن نكمل الفيلم، كما أن الفيلم (ساعة و45 دقيقة)، صور في زمن قياسي (3 أسابيع، و3 أيام)، وهذا رقم قياسي في المشهد السينمائي المغربي، والحمد لله أن الأمور مرت في أحسن الظروف، وهذا الأمر سينعكس بالإيجاب علي توزيع الفيلم.

·         يري البعض أن فيلم الباندية قد يكون أحسن من عبده هل تشاطرهم الرأي؟

فيلم الباندية كان جميلا، و عبده في عهد الموحدين ، سيكون أجمل وأحسن بكثير من الفيلم السابق الباندية ، ليس تقييمي الشخصي، بل تقييم العديد من الممثلين والتقنيين الذين شاركوا فيه وتابعوه، وقوته تتجلي في البحث التاريخي الذي أنجز في الفيلم، وفي الصورة (35 ملم)، تقنيا سيكون أحسن بكثير من الباندية فحتي الصورة أضيف ستكون جيدة، لأننا صورنا في أماكن تاريخية وطبيعية رائعة، هذا بالإضافة إلي الديكورات التي أنجزت للفيلم التاريخي ومواهب الممثلين والتقنيين، والموضوع ... وأعتقد أن الفيلم سيفاجئ الجمهور.

·         ألا تري معي أن بداية عرض الفيلم ستتزامن وعرض أفلام جديدة أخري، وقد يؤثر علي عدم انتشاره؟

نعم قد يؤثر عليه بالإيجاب، شيء جميل أن يبدأ عرض الشريط بوجود أفلام جديدة، مما يمكننا من تجريب إمكانياتنا الإبداعية والتنافسية لاستمالة الجمهور، وأتذكر أن فيلم الباندية خرج إلي القاعات حين كانت العديد من الأفلام تعرض، ورغم ذلك فرض نفسه، أعتقد أن في جو المنافسة يظهر مدي جودة وقوة الفيلم، وأعتقد أن فيلم عبده في عهد الموحدين سيفرض ذاته بموضوعية ومهنية، وتنافس شريف.

·         كيف تتوقع عملية توزيع الفيلم الجديد، وهل هناك من صعوبات؟

أريد أن أوجه رسالة إلي مدير المركز السينمائي المغربي السيد نورالدين الصايل الله يجزيك بخير كما أصدرت مذكرات ومنها ما يتعلق بالإنتاج، وهذا شيء إيجابي وسينظم المجال السينمائي المغربي، لكننا ننتظر إصدار قرارات أخري بخصوص ترويج الفيلم، يعني أن تفرض علي القاعات إدراج الفيلم المغربي ولو أسبوعا واحدا، وإذا كانت هناك مداخيل تعطي نسبة معينة تصل إلي 50 في المائة، في الأسبوع الأول، في وقت أصبح فيه المركز السينمائي يشارك في الإنتاج، فمن مصلحة المركز وصندوق الدعم أن يستفيد من المداخيل، وتكون مراقبة صارمة وقوية علي أصحاب القاعات حتي لا يتلاعبوا في المداخيل، فلحد الساعة ما زلت أنتظر القاعات السينمائية حتي تسدد لي مستحقـــــاتي عن فيلــم الباندية ونحن في السنة الثالثة، فكيف أستطــــــيع إنتاج فيلم جديد وأنا أنتــــظر ثلاث سنوات بدون أن تدفع القاعات السينمائية مستحقاتي السابقة، فمدير المركز نور الدين الصايل هو الذي له الصلاحية للتدخل في هذا الموضوع.

وكما اتخذ إجراءات سابقة بخصوص مواضيع مهمة، وكانت جيدة، من واجبه ايضا أن يتدخل لحل هذا المشكل، إلي جانب ترويج الفيلم، فإذا تدخل السيد الصايل ـ مشكورا ـ أعتقد أن ذلك سيعود علي الفيلم المغربي بالإيجاب، وسيساهم في تنظيم المجال.

·         هل أنت خائف من شبح القرصنة؟

محاربة القرصنة أصبحت مفروضة علي الجميع، المركز السينمائي المغربي ووزارة الثقافة ووزارة الاتصال، بل علي جميع الوزارات والمؤسسات المعنية، وبتضافر الجهود يمكن القضاء علي هذا الشبح الذي يهدد اقتصاد بلادنا، فحتي المستثمرون أصبحوا متخوفين من الانخراط في أي تجربة استثمارية قد تكون نتائجها كارثية، ليس فقط في المجال السينمائي، بل في شتي المجالات الأخري... فإذا لم يكن هناك نوع من الحزم والصرامة، والضرب علي أيدي القراصنة، فإن الأمور ستبقي كما هي عليه، وتؤدي إلي إفلاس العديد من المنتجين ... هذا مشكل يجب أن تجد له الدولة حلا، وأعتقد أنها إذا أرادت، ستفعل وستصل، وينتهي مشكل القرصنة دون رجعة.

القدس العربي في 3 أبريل 2006

 

الآباء الصغار : مشروع درامي لتحقيق الوحدة العربية

السينما في مواجهة السياسة

القاهرة ـ من كمال القاضي:  

ليس من بين المفردات السينمائية في قاموس الفنان السوري الكبير دريد لحام كلمة التسلية فلا تعني الكوميديا لديه فاصلا مضحكا ولا سخرية تتأسس مقوماتها علي الهزل، من يتأمل مسيرة دريد الفنية يلاحظ أنها محطات يتوقف فيها عند معان أكبر بكثير من المفهوم الدارج للكوميديا ومبدأ الضحك للضحك الذي صار تبريرا واهنا لمزيد سخائم الأفلام المحشوة بوافر العبارات السوقية وأرخص الصور الاجتماعية الدالة علي العمي الدرامي الذي أصاب البصر والبصيرة فأعجز الكتاب عن رؤية ما هو أجدر بالطرح من قضايا تستأهل المناقشة وتستوجب العرض.

إن شيئا من كل هذا الإحباط لم يصب دريد لحام بالعطب لكنه ظل متفائلا يقظا مؤمنا أن للسينما دور مغاير لهذا العبث، فما لبث أن قدم وسط هذا الركام الرديء من الأعمال السينمائية عملا فارقا يصلح أن يكون عنوانا للموسم الشتوي كله، إذ فرض دريد بطرحه الجاد والمتجدد قداسة خاصة علي فيلمه الآباء الصغار فجعله يتصدر الصفحات الفنية في معظم الصحف والمجلات معطيا لها مذاقا خاصا مرتقيا بالتناول النقدي الذي كان قد أوشك أن يتحول إلي مساخر ومجاملات تبعا لما هو معروض وتماشيا مع قاعدة الارتباط الشرطي بين مستوي المنتج الفني وما يتبعه من تحليل، فالقاعدة تحتم علي الناقد أن يهبط بلغته النقدية أو يعلو بها حسب درجة انفعاله وتأثره، وهذا ما يمكن أن يقال عنه التأثير والتأثر بالإيحاء في قوانين النقد الفني.. وربما كان فيلم الآباء الصغار هو فصيل من ذلك النوع الدرامي الذي يفرض علي الناقد لغته فيجعله منتبها طوال الوقت للتفاصيل التي تشكل المعاني الباطنة للصورة والحوار وإن بدا كلاهما بسيطا وسهل الاستيعاب، وهي الحيلة الذكية التي يراهن عليها النجم العربي الكبير دريد لحام في إيقاظ وعي المتلقي وتنشيط حواسه كي يصبح هو نفسه شريكا في الرسالة وجزءا لا يتجزأ منها كما حدث في أعماله السابقة التقرير والحدود وكفرون إلي آخر أفلامه التي بلغت 22 فيلما نال عنها عشرات النياشين والأوسمة كمقابل أدبي يستحقه عن جدارة، فهو الفنان الذي طالما عني بهموم وطنه وكرس جهده للتعبير عن قضاياه ومشكلاته، بل إنه تجاوز في رسالته حدود واقعه الجغرافي السوري ليشمل كل البلدان العربية قاطبة منطلقا كعادته من معطيات إنسانية كتلك التي طرحها في الآباء الصغار وهم مجموعة الأطفال الأربعة الذين تركتهم أمهم بعد الوفاة في كنف أب فقير يعمل شرطيا برتبة مساعد صف ضابط فيقف عاجزا أمام قسوة الحياة والسن الحرجة للأطفال الأربعة الذين يرمز لهم في الفيلم بالعائلة العربية التي لم تبلغ سن الرشد وتحتاج لعائل كبير كي يلملم شتاتها ويحافظ علي تماسكها موجها الأنظار إلي مصر باعتبارها الشقيقة الكبري مادا الخط الدرامي مع الخط السياسي ليصل الاثنان إلي قصة رومانسية تنشأ بين البطل عبد الودود والبطلة المصرية أمل التي جاءت إلي سورية لدراسة تاريخ دمشق القديمة فانضمت إلي العائلة الصغيرة وصارت صديقة حميمة للأب والأبناء، وهي العلاقة التي نسج منها السيناريست والمخرج دريد لحام خيوط المنوال السياسي ليكون التوازي بين الرمز والرؤية الدرامية متضافرا ومفضيا إلي ما يرمي إليه الإسقاط، حيث الحاجة إلي التكاتف العروبي القومي أصبحت ملحة في ظل الظروف الراهنة وحالة التربص الأمريكي الصهيوني بالبلاد، وكما يسعي الفيلم في مجمله لمراجعة الحسابات وإيجاد صيغ جمالية للمصالحة العربية ـ العربية، يوجه أيضا نقدا ذاتيا للحكومات التي اعتمدت علي التفاوض كحل أوحد في التعامل مع العدو وركنت إلي فرضية الأمر الواقع دون أي محاولات جادة من جانبها لتقريب وجهات النظر والاتفاق علي موقف جمعي موحد يهدف إلي توحيد الصفوف والتصدي للقوي الاستعمارية الباطشة التي اجتاحت لبنان والعراق وتتحرش بسورية وتحاول الإيقاع بإيران في مصيدة السلاح النووي وتخصيب اليورانيوم وغيرها من مقدمات وذرائع الهيمنة واستغلال الثروات وتشريد الشعوب.

وهكذا تتشكل معطيات القراءة السياسية علي ضوء الصراع الدائر ومفهومه السلبي عند دريد ليترجمه بشكل حرفي إلي دراما إنسانية ـ اجتماعية يكون طرفاها الرئيسان مصر وسورية متمثلين في شخصيتي عبد الودود وامل حنان ترك اللذين تربطهما علاقة تتوطد بتجاوز حاجز اللهجة وعبور عبد الودود الأزمة بعد عودته للجامعة وتخرجه في كلية الحقوق في دلالة واضحة لحاجة الدول المنكوبة للعودة إلي حضن الجامعة العربية وتفعيل دورها والمطالبة بكافة الحقوق المهدورة والمغتصبة، إذ أن العدل والقانون هما ميزان الكون.. ولعل الشيء المدهش في هذا الجزء هو الطرح المثالي لفكرة تحقيق العدل بهذه السهولة والتعويل الكامل في انتزاع الحقوق علي القانون الدولي والمنظمات المعنية بهذا الشأن، الأمر الذي يمثل مفارقة كبري ما بين المأمول والممكن فليس بالضرورة أن تكون نتائج الوحدة العربية المنشودة مثمرة إلا إذا قابلتها رغبة صادقة من جانب المعنيين بتطبيق القانون الدولي ووالوسطاء الدبلوماسيين في رد الحقوق لأصحابها دون مراعاة حسابات التوازن والنظر بعين العطف لطفلة أمريكا المدللة إسرائيل التي تعد هي رأس الحربة في إشكالية الصراع داخل المنطقة العربية بدءا من فلسطين والجولان ونهاية بما تشعله من فتن ومؤامرات ويؤثر بدوره علي الاستقلال الداخلي والخارجي لدول الجوار.

والإشارة في هذا السياق لمثالية دريد لحام مخرجا وسيناريست لا تعيب الفيلم من الناحية الفنية ولكن تحوله من أداة رصد إلي فانوس سحري يتم التعامل معه خارج المنطق باعتباره حلم يقظة يداعب أمانينا ورغبتنا المكبوتة في أن نصبح يدا واحدة ولنا وطن حر خال من المستعمرين والعملاء والخونة!

وقد يري البعض ذلك مشروعا وأراه أنا كذلك أيضا، وإنما يظل السؤال الرئيسي ماثلا في الرأس.. هل يتحقق ذلك بغير نضال حقيقي وضريبة من الدم والمال والأنفس؟

أشك!

وهل بوسع السينما وحدها أن ترسم مستقبل الإنسان العربي كما تتمناه؟.. أتصور انه محض رومانسية.. ولكنني لست ضد الأحلام طالما أنها باتت الوسيلة الوحيدة التي نملكها.

إن ثمة شيئا يجعل أداء الفنان الكبير مختلفا في هذا الفيلم عنه في الأفلام السابقة التي ذكرنا بعضها في بداية المقال واتسمت غالبا بالسخرية، ربما يتمثل في اليوتوبيا السياسية أو ذلك الإيهام المحمود بإمكانية عودة المشروع الوحدوي بين الجانبين المصري والسوري تأسيا بما كان قائما بالفعل إبان المد الثوري والأيام الخوالي لزعامة الجمهورية العربية المتحدة في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، وهو ما يلزم التنويه عنه وتسميته باليوتوبيا لاعتبارات تتعلق بالفوارق المرحلية بين الزمانين والتي لا يمكن حصرها في سطور معدودة أو حتي الإشارة إليها لأنها تحتاج لفيلم آخر لو أراد دريد لحام أن يجعل لفيلمه جزءا ثانيا يحكي فيه تجربة الوحدة السابقة.. ساعتها فقط تتضح الفوارق وتبرز تجليات المرحلة الناصرية وتقول السينما كلمتها بصراحة وتردد بأعلي الصور نشيد وطني الأكبر الذي غابت أصداؤه من الآذان منذ غياب الراعي الرسمي للوحدة العربية فبات عصيا أن تستعيد الأمة أمجادها وتنطق السينما بغير لغة السوق.. الحاحا في مقابل التفاحة!

القدس العربي في 3 أبريل 2006

ضوء ... الانفصام الرقابي على الأفلام

عدنان مدانات 

من حيث المبدأ، هناك تناقض جوهري وجذري بين الرقابة على الأفلام التي تتمسك بأخلاقياتها، رغم بعض التعديلات على أنظمتها، وبين صناعة السينما، على الأقل في توجهها التجاري والترفيهي، والتي تزيد جرأتها يوما إثر يوم على تصوير وتقديم ما يتنافى مع الأخلاقيات الرقابية،  خاصة في مجال الجنس.  يشمل هذا التناقض كل دول العالم، ولكنه يتعمق أكثر في الدول النامية التي لا تزال تسود فيها تقاليد ومفاهيم أخلاقية محافظة. وهذا ينطبق بشكل خاص على الدول العربية، والتي تجد نفسها في موقف حرج، إذ لا تستطيع التوقف عن ممارسة الرقابة كواجب تؤديه بقصد حماية مجتمعاتها، ولا تقدر على أن تستغني عن عرض الأفلام لأن عروض الأفلام من الأنشطة الضرورية المعتمدة للترفيه عن هذه المجتمعات، إضافة إلى كونها فعالية استثمارية اقتصادية يستفيد منها جزء من الرأسمال الوطني، علما بأن الأفلام العالمية لا تفصل على مقاس أخلاقياتنا.

ينتج عن هذا التناقض، وضع يمكن تشبيهه بالفصام الذي يؤدي إلى حالات مرضية.

يتجلى هذا الفصام  في أوضح وأدق ممارساته عند ملاحظة أنواع الأفلام التي يتم اختيارها للعرض الجماهيري، من ناحية، وأشكال “المعالجات” الرقابية  وانعكاسها العملي على الطريقة التي تعرض فيها الأفلام الأجنبية عبر محطات التلفزيون العربية، وعلى نحو أكثر تحديدا، عبر المحطات الفضائية العربية المفتوحة للعموم والمتخصصة بعرض الأفلام السينمائية الأمريكية على مدار الساعة، من ناحية ثانية، حيث توحي الممارسات الرقابية بتوجه أخلاقي لدى المسؤولين عن البث وبحرصهم على الأخلاق العامة، في حين تدل أنواع ومضامين ومحتويات الأفلام التي يتم اختيارها وعرضها على العكس، فهي مشبعة بالكثير مما يفترض أنه يتنافى مع الأخلاقيات المحافظة السائدة، وبالتالي مع الرقابة.

تلجأ رقابة الفضائيات التطوعية وغير الحكومية، بهدف معالجة هذا الخلل إلى ممارسات تعسفية تعتقد أنها حلول تعالج الخلل، لكنها لا تعالجه حقيقة بل تتستر عليه، وهي تستغبي المشاهدين بذلك. هذا في حين أن الرقابة الفضائية في واقع الأمر تؤكد حالة الفصام المرضية التي تعاني منها.

يتحقق أسهل الحلول الرقابية من خلال استخدام مقص الرقيب، الذي يستثني المشاهد “الساخنة” ويبقي على المشاهد الباردة والمشاهد الأقل سخونة. ولهذا الحل في أحيان كثيرة مفعول عكسي، إذ يعمل على تفعيل دور التخيل عند المشاهدين بما يساعدهم على استكمال المشهد المبتور.

لا يكتفي مقص الرقيب بقص المشاهد المرئية بل تشمل فعاليته بعض الكلمات البذيئة،  وهي كلمات باتت تستخدم بغزارة في الأفلام الأمريكية سواء في حالة الشتم أو مجرد التحدث بعصبية، بحيث أصبحت معلومة للقاصي والداني،  يعرفها المتعلم والجاهل، فلا يفيد قصها بشيء سوى إثارة السخرية من شكل فم الممثل وهو ينطق فتتحرك شفتاه وينفتح فاه دون أن يصدر عنه صوت وكأنه شخصية كرتونية من شخصيات الرسوم المتحركة.

واحد من الحلول التعسفية البديلة التي تلجأ إليها الرقابات الفضائية عندما لا تمارس فعل القص فيما يتعلق بالكلام الذي يستخدمه الممثلون للتخاطب فيما بينهم  يتمثل في ترجمة جمل الحوار بطريقة تحويرية تحاول أن تتحايل على النص الصريح الدقيق. تعرض الفضائيات أفلاما فيها الكثير من المشاهد التي تصور مشاهد غير لائقة، ولكن المترجم الرقيب يترجمها إلى العربية على النحو التالي: “إقامة علاقة” وهذا التعبير يضفي شرعية على الممنوع.

ومن ناحية ثانية فإن هذا النوع من الحلول يعتمد على تقسيم المشاهدين إلى فئتين لا ثالثة لهما، فئة تعرف الإنجليزية وفئة لا تعرفها. الأولى تفهم ما يقال على حقيقته بسبب معرفتها للغة المستخدمة، والثانية، وعلى العكس من اجتهاد المترجم الرقيب،  تفهم أيضا ما يقال، ففي الحقيقة،  وعلى العكس مما يقوله المثل الشائع فليس اللبيب وحده من يفهم من الإشارة،  خاصة عندما تتكرر الإشارة وتكون مرتبطة بمشهد مرئي يوضح فحواها ويكشف عن مقاصدها.

غير أن الأمر الأكثر خطورة فيما يتعلق بالترجمة المحرّفة المطبوعة في أسفل الشاشة، فهو دورها “التعليمي” المفسد للناشئة، نقول التعليمي،  ولكن غير التربوي وغير الأخلاقي، والذي يتجسد في تعليم الأطفال الصغار كلمات إنكليزية نابية وبذيئة وتعويدهم التلفظ بها بتفاخر يدل على معرفتهم باللغة الأخرى، و بدون حياء باعتبارها كلمات لا تخدش الحياء، على الأقل كما تشير ترجمتها العربية. ويكفي للتحقق من هذا الأمر العودة إلى أصول كلمات مترجمة يتلفظ بها الممثلون بسخاء على مدار أحداث الفيلم الواحد، كلمات هي عبارة عن شتائم ذات مرجعية جنسية مباشرة لكنها تتجاهل مرجعيتها في الترجمة إلى العربية فتتحول إلى شتائم مجردة  من نوع “اللعنة” أو “تباً”.

الخليج الإماراتية في 3 أبريل 2006

 

قصة صبي يشهد ايام الحرب والقتل خلال الحرب الاهلية اللبنانية:

زوزو فيلم سويدي للمخرج اللبناني الأصل يوسف فارس

ستوكهولهم ـ من عصمان فارس:  

يعتبر فيلم Zozo من الافلام السويدية الجيدة والتي تضاف الي انجازات المخرج الشاب يوسف فارس بعد نجاح فيلمه Jalla.. Jalla والفيلم الثاني Kops .. تمتاز افلام يوسف انها ذات مواضيع اجتماعية مهمة وفيها مسحة كوميدية صادقة وهي من نوع كوميديا الموقف. وفيلم زوزو ممتع يتناول حياة قصة صبي عمره عشر سنوات يعيش في بيروت ايام الحرب الاهلية اللبنانية وصوت القنابل والانفجارات و زوزو اسم الدلع لهذا الصبي وهو الشاهد علي اجواء بيروت القتل والحرب والقتال العشوائي.. وسط اجواء الموت والمأساة تقرر عائلة زوزو الهجرة الي السويد للالتحاق بالاقارب وهما الجد والجدة يعيشان في السويد، وبعد رحلة مضنية الي السويد يلتحق الصبي بالمدارس السويدية لتعلم اللغة، وفي المدرسة يصادف بعض الطلاب وهم يسببون الازعاج له ويضايقونه وينهره الطلاب وينعتونه بالكلمات القاسية والمزعجة. وهو يخاف الاختلاط بهم، ومن المفارقات الكوميدية جده يشجعه علي الخصام مع هؤلاء الطلاب وضربهم وهذه مخالفة للقوانين السويدية، ولكن مع ذلك زوزو يود ان يختلط مع الجميع وينسجم معهم دون اي مشاكل ولكن دون جدوي وهذا شيء صعب وغير واقعي، وشخصية زوزو الصبي هي سيرة ذاتية وانعكاس لشخصية يوسف فارس وشعوره بالالم لأنه كان يحلم بسويد آمن والبلد الذي يحميه من الخوف والهلع الفارغ وعدم سماع ازيز الرصاص ورائحة الموت في بيروت.

وعندما جاء زوزو الي السويد كان جده هو المعلم الاول والمربي له، وهو نفسه الذي مثل دور الاب في فيلمه الاول يلا.. يلا ويعتبر زوزو جده الفيلسوف الذي يعطيه ويملي عليه النصائح لحمايته من المتوحشين في الحياة، وفيلم زوزو ذات مسحة كوميدية وتبرز فيه الكثير من ملامح القيم الانسانية والمعاني الهادفة والجميلة وقيم التعامل والاختلاط مع الآخرين والاندماج ضمن بوتقة الثقافة السويدية والعلاقات الاجتماعية والانهار والذوبان داخل اسرة كيان المجتمع السويدي وفق العلاقات الانسانية النبيلة، والفيلم ذات رسالة مهمة للبشر وكيفية التعامل بطبائع بشرية فيها نوع من المزاج الراقي والفكاهة والمزحة، وبما ان الفيلم هو سيرة ذاتية لطفولة المخرج يوسف فارس ويمتاز بقيمته الفنية والواقعية، طفولة في زمن الحرب بيروت واجواء الحرب وحالة الناس والحياة المسيئة والجامدة في زمن الحرب ينتهي كل شيء وتداس القيم الانسانية وتسود لغة الرصاص والمدافع وجحيم الانفجارات.. بيروت الملاجئ والاقنعة الواقية، لا ماء ولا كهرباء كل شيء مات ومعرض للموت.

زوزو ترك ملاعب كرة القدم وترك ذكريات مليئة بصور الطفولة ومشاكسات الاصدقاء والتجأ الي السويد بحثاً عن الحماية ومنافي المدرسة وجد حياة العزلة والغربة ومحاولة التكيف مع الواقع الجديد. تمتاز افلام يوسف فارس بموضوعاتها الجميلة وانها جذابة وترضي الجمهور السويدي وكذلك المهاجرين لواقعيتها..

والفيلم عبارة عن ذكريات الطفولة واشباح واحلام الموت.

القدس العربي في 3 أبريل 2006

 

دنيا : نظرة استشراقية لواقع المرأة المصرية

فيلم اللبنانية جوسلين صعب الذي اثار ضجة في القاهرة

القاهرة ـ من كمال القاضي:  

عادة ما تثير الأفلام التي تتناول قضايا اجتماعية شائكة جدلا واسعا وتتسبب في ارباك حقيقي لمفاهيم المتلقي، خاصة اذا كانت متصلة اتصالا مباشرة بالأخلاق او العادات والتقاليد أو الدين، وعلي الرغم من اقبال الجمهور الشديد علي الأفلام الاباحية بمهرجان السينما، الا أن هناك اشكالية غريبة في تعامله الخاص وردود أفعاله تجاه ما يتصور أن به مساس بالثوابت الاجتماعية، والجمهور المصاب بـ شيزوفرانيا السينما هو قطاع كبير يقف دائما بالمرصاد لأي محاولة تغيير في النمط الفني والمعالجات الدرامية.. وعلي هذا يتم وئد الأفكار التحررية قبل ميلادها أو أن أصحابها يتعرضون لاضطهاد شديد لو قدر لأفكارهم أن تخرج الي النور.

من بين الأفلام التي عرضت خارج المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة الفيلم المصري دنيا للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب .. هذا الفيلم استحوذ علي الاهتمام الأكبر من جانب الصحافيين والنقاد وأثار عاصفة من الاحتجاجات والرفض ترجع بالأساس الي جرأة موضوع الفيلم وحساسية الجمهور من النقد اللاذع الذي وجهته المخرجة اللبنانية جوسلين صعب للمجتمع المصري، علما بأن أفلاما كثيرة قد تعرضت لسلبيات اجتماعية وسياسية أشد خطورة ولم يكن لها هذا الصدي العدواني، ويناقش الفيلم في سياق فني وأحد المحظورات التي فرضها المجتمع علي نفسه باسم الدين والأخلاق، ويضع في القلب منها قضية الحب بمفهومه الغريزي والصوفي والرومانسي، منطلقا من مرجعية علمية ترصد تداعيات الخلاف والجدل وتبحث عن الظاهر والمستتر في كتب التاريخ والأدب والشعر في محاولة للتأكيد علي شرعية الحب كاحساس انساني وسلوك ذات صلة وطيدة بحركة الكون ودورة التناسل الطبيعية الواجبة لاستمرار الأجيال وبقاء الحياة، ويتخذ الفيلم الذي كتبته أيضا المخرجة جوسلين صعب من التراث العربي القديم نماذج ابداعية لابن عربي وبشار ابن برد وحكايات ألف ليلة وليلة كوثائق ومستندات لتعامل العرب مع الابداع للتدليل علي أن حاجز الخوف شيء مستحدث لا يوجد له أصل في التاريخ القديم، حيث امتلأت مجلدات الابداع العربي القديم بعبارات الغزل الصريح وصور الاباحية، ولم يكن هناك سقف لدي المبدعين في التعبير عن أرائهم ومكنون مشاعرهم الرومانسية والحسية، وكي يكون الكلام علميا غير مرسل اعتمدت جوسلين في تناولها للمحظور علي ذاكرة استاذ جامعي مثقف محمد منير عكف علي البحث والقراءة لاستخلاص المعاني الدقيقة من أمهات الكتب التراثية عامدا الي تأكيد حرية الفكر والابداع وتخليص العقل من شوائب الرجعية والتخلف، دافعا بزخم هذه الأفكار في اتجاه الأسئلة التي تثار داخل رأس الطالبة الجامعية حنان ترك عن مفهوم الجسد ومعني الحب وأسباب المنح والمنع في هذا الخصوص، وحرية التعبير عن الرغبة أو التجرد منها وعلاقة ميولها الفطرية كفتاة تهوي الرقص بكل هذه الاشكاليات الصعبة!؟

تدور احداث الفيلم المتقن من الناحية الفنية حول تفاصيل كثيرة من هذا النوع تتداخل بطبيعة البناء الدرامي مع قضايا عصرية لها خصوصية شديدة في المجتمعات الشرقية مثل قضية ختان الاناث التي تقف منها المخرجة بحكم تكوينها التحرري ونشأتها الغربية موقف الرافض المتعصب، حيث تعتبر ذلك جريمة ترتكب يوميا تحت سمع وبصر المجتمع دون أن يكون هناك رادع أو قانون يحمي الاناث من هذا العدوان الصارخ.. وفيما تري المخرجة اللبنانية الفرنسية ذلك عدوانا تؤمن علي الجانب الآخر بحرية الجسد واستثماره وتدين موقف الرافضين للرقص باعتباره عملا فاضحا يثير الغرائز وربما كانت تلك الآراء هي التي أدت الي فقدانها التعاطف الجماهيري، ودخولها الشرك الاجتماعي بقدميها لتواجه هجوما عنيفا اثناء الندوة التي أقيمت لمناقشة الفيلم عقب عرضه في اليوم الخامس للمهرجان.

وأتصور أن الهجوم علي المخرجة جاء لكونها خلطت بين حقها في الطرح والمناقشة بشكل مجرد وبين اباحتها للعلاقات الغريزية واستخدامها لدلالات يفهم منها تأييدها للنظرة الاستشراقية للعرب بكل ما تحمل من اتهامات وتجن.. فهي تقيم مقارنة بين الرقص الايقاعي المدروس الهادف الي استغلال المهارات الفنية الحقيقية وهو الامتياز الذي تتمتع به الفتاة الجامعية ويقبله المجتمع كفن حقيقي معترف به أكاديميا وبين انحرافات الجسد في شارع محمد علي، حيث التحريك الغريزي هو السلعة الرائجة لدي العوالم وأساطين الأفراح البلدي.. وقد أغفلت المخرجة الفروق الانسانية في التعامل مع وجهي العملة.. مطلقة أحكامها الشخصية علي المجتمع ككل متهمة اياه بالغباء والجمود، غير أنها فشلت في صياغة أفكارها بشكل فلسفي يتناسب مع ما نوهت عنه في بداية الفيلم حول العلاقة الابداعية بمفهوم الحب، كما خانها ذكاؤها في النزول بأدواتها التعبيرية الي الاسراف في استخدام العري كوسيلة للمعالجة، خاصة في المشاهد التي كانت تجمع بين البطلة حنان ترك و فتحي عبد الوهاب الزوج الشهواني الذي لا يؤمن بوجود دور للمرأة الا في الفراش، وأيضا الاشارات المتكررة لحالات البرود الجنسي التي تعاني منها عايدة رياض و سوسن بدر نتيجة ختانهن وعكوفهن طوال الأحداث علي اسداء النصائح الحسية لحنان ترك لاشعال رغبات زوجها تعويضا عن هذا النقص.

لا شك أن الفيلم تزاحم بالعديد من التفاصيل كان بعضها خارج السياق الدرامي ومثل وجهة نظر خاصة بالمخرجة وربما كان تجاوبا مقصودا مع صيحات المرأة المطالبة بالحرية. وهي التكأة لتبرير الجنوح والانحياز للأفكار الغربية بصدماتها الحضارية المتعارضة مع الفكر المحافظ في المجتمعات الشرقية التي لا تنكر علي المرأة حقوقها ولكنها تضع معايير لا ترضي الطامحين في مزيد من الحرية ـ الساعين الي فضاء مطلق.

القدس العربي في 4 أبريل 2006

 

سينماتك

 

فيلمه عبده في عهد الموحدين سيعرض الشهر المقبل في سينمات المغرب

سعيد الناصري: صنعنا كوميديا تاريخية تضحك وتبكي

الدار البيضاء ـ من المصطفي الصوفي:

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك