اختتم ليل أمس مهرجان الجزيرة الدولي للإنتاج التلفزيوني دورته الثانية في العاصمة القطرية الدوحة. حدثان كبيران رافقا الدورة: أولهما إطلاق "صندوق الجزيرة لرعاية الإنتاج التلفزيوني المستقل" وثانيهما الامكانيات الضخمة التي كشف المهرجان عنها من دون تفعيلها في الاتجاه الذي يحقق للحدث قيمة نوعية. مجموعة عوامل إفتراضية تقف خلف هذا المهرجان: سمعة "الجزيرة" الدولية ومكانة قطر المتقدمة بين دول الخليج ومشروع قناة الجزيرة الوثائقية التي تتحضر للانطلاق منذ بعض الوقت... واليوم يضاف اليها صندوق الدعم. انه لمن النادر ان يمتلك مهرجان ناشئ القدرة التسويقية والانتاجية التي تصبو اليها مهرجانات عالمية لتثبيت وجودها. حقق مهرجان الجزيرة ذلك في وقت قصير.. حقق العناوين الكبرى ولكن استعصت عليه التفاصيل الصغرى، الفنية والتقنية وحدا به "الطموح الكبير" الى إفراز رؤية غير واضحة للمهرجان وللنتاج الوثائقي على حد سواء.

حكاية المهرجان

تعود جذور الرغبة في إحياء مهرجان للأفلام العربية الى العام 2001 عندما نظمت قناة "الجزيرة" أو الأحرى دعمت تنظيم مهرجان "الشاشة العربية المستقلة" لسنة أولى وأخيرة. الفكرة تعود الى محمد مخلوف الذي قام حينها بجمع قرابة مئة مخرج عربي في المهرجان، معظمهم من الشباب، تلاقوا للمرة الأولى وجسدوا بعفوية صورة التواصل والحوار التي تنشدها المهرجانات السينمائية كافة. مرة أخرى نجد الطموح الكبير في تحقيق قفزة ما في عالم السينما والمهرجانات وإمكانيات هائلة موظفة في سبيل ذلك. كان مشروعاً طموحاً بالفعل، آمن به الطرفان، مديره ومؤسسه مخلوف وداعمه "الجزيرة".

لم يكتمل المشروع لوقوع خلافات بين الجهتين ليس هنا مكان الخوض فيها. افترق الطرفان يحتفظ كل منهما برغبة في الاستمرار. ما زال الأول يبحث عن سبل لاعادة إحياء ذلك "الحلم" بالنسبة اليه وربما لمخرجين كثر وبالإسم عينه "الشاشة العربية المستقلة". أما "الجزيرة" فأطلقت بعد أربع سنوات على تلك التجربة مهرجانها الخاص "مهرجان الجزيرة للانتاج التلفزيوني" الذي أضيفت اليه صفة "الدولي" في دورته الثانية هذا العام، بحكم طبيعتها الاخبارية ورؤيتها للفيلم الوثائقي كأداة مرافقة وداعمة لمسيرتها المهنية والسياسية، اقتصر المهرجان على النتاج الوثائقي الذي تدعوه "تلفزيوني" ربما ليشمل انواعاً إنتاجية أخرى غير الفيلم، على الرغم من أن الفيلم الوثائقي ليس مرتبطاَ بالضرورة بالتلفزيون الا من حيث ارتهانه له كوسيلة عرض وحيدة خارج اطار المهرجانات والعروض الخاصة. هكذا اذاً انطلق المهرجان ووصل إلى دورته الثانية.

أفلام لم تعرض

غالباً ما يكون برنامج العروض هو دليل المشاهد الى محتوى المهرجان وأفلامه. ولكن في مهرجان الجزيرة لا يدلل برنامج العروض الا على ربع محتواه وربما أقل. فالمقارنة بين "الكتالوغ" الذي يتضمن الأفلام المشاركة كافة وبين برنامج العروض سيؤدي الى حقيقة مؤكدة: ليست كل الأفلام المشاركة معروضة.

مئتان وسبعة وعشرون فيلماً مشاركة في المسابقة وموزعة على فئات لا تحصى... سبعة وأربعون فيلماً هي المعروض فقط. معادلة غريبة تتنافى مع شروط المهرجان الأساسية ولكنها برغم ذلك لم تقنع أحداً من القيمين على المهرجان. علق أحدهم على إبتداء تلك الملاحظة بأن هناك أفلاماً كثيرة وأيام عرض قليلة "فما العمل؟" سأل. الإجابة واحدة: إما تقليص عدد الأفلام وإما تمديد مدة المهرجان لا سيما أن الأخيرة لا تزيد على ثلاثة أيام عرض يضاف اليها يوم الافتتاح المقتصر على الأمسية الاحتفالية. حتى اليوم الثالث للعروض توقف عند الرابعة بعد الظهر بهدف التحضير للختام.

اذاً، أقل من ربع أفلام المسابقة عرض على الجمهور. الأفلام الباقية ظلت رهينة "الكتالوغ" تعبر عنها صورتها وبضع كلمات تختصر مضمونها حضور مخرجها. يستدعي ذلك تساؤلات كثيرة مشروعة: على أي أساس تم اختيار الأفلام ـ من بين الأفلام المتسابقة والمقبولة أصلاً في المهرجان ـ التي ستعرض على الجمهور مع التأكيد على أن ذلك خيار ليس موجود في أي مهرجان آخر في العالم (بالطبع نستدعي هنا الأمثلة الجيدة)؟ هل اعتمدت لجنة الاختيار الثانية (هناك لجنة اختيار أولى استقبلت الأفلام الوافدة واختارت منها ما سيشارك في المهرجان ولجنة التحكيم التي شاهدت الأفلام كافة ومنحت الجوائز وثمة لجنة اضافية اختارت الأفلام التي سيتم عرضها خلال مدة المهرجان!) على عناصر جماهيرية مثلاً في الفيلم؟ هل يمكن ان تكون استبعدت عرض افلام مثيرة للجدل مثلاً؟ تساؤلات يثيرها ذلك الاجراء غير المنسجم مع الأسس الأولية للمهرجان وينتج عنه مفاضلة بين الأفلام غير محقة ما دامت الأخيرة قبلت للمشاركة في المرحلة الأولى وعدم مساواة بين المخرجين لجهة تقديم أفلامهم للجمهور ناهيك بشروط العرض المتفاوتة. فقد لبت ادارة المهرجان رغبة بعض المخرجين من الذين لم يتضمن برنامج العروض فيلمه بعرضها. أضيف بعض العروض الذي قدم في صالة صغيرة وبنسخة فيديو أحياناً على شاشة لا تزيد على اثنين وأربعين إنشاً وبعض تلك الافلام في المسابقة. كيف يمكن لفيلم متبار ان يعرض على شاشة سينمائية كبرى وآخر على شاشة أقرب الى المشاهدة المنزلية؟ تفاوت كبير يلحق الغبن بالكثيرين مع الاشارة الى عدم وجود نية خبيثة لدى المنظمين مما يحدو بنا الى اعادة تلك الاخطاء الى قلة الخبرة والأفكار المغلوطة حول معنى المهرجان السينمائي أو التلفزيوني. كذلك فإن عرض بعض افلام المسابقة من ضمن برنامج "عروض جانبية" يبدو غير بين على الاطلاق اذ يفترض بالأخيرة ان تكون على الهامش ومنفصلة عن أفلام المسابقة. رافقت عروض المسابقة برامج موازية كبرنامج السينما الايرانية والصينية والأميركية اللاتينية مقدمة نبذة عن سينما وثائقية بعيدة من مهرجاناتنا. فالسينما الايرانية الشهيرة بأفلامها الروائية تمتلك حركة وثائقية جيدة لعلها ـ بعض الجهد في اختيار الأفلام ـ ستكون أكثر تعبيراً عن واقعها من الروائية الخاضعة لأشكال شتى من الرقابات. كذلك يبدو اختيار سينما اميركا اللاتينية مواكباً للحركة الكبرى التي تشهدها الأخيرة منذ بعض الوقت وتجعلها محط أنظار المهرجانات والمعنيين في المجال السينمائي. ولكن لا بد من الاشارة الى أن معظم الافلام المختارة تقترب من تركيبة الفيلم الوثائقي المعرفي (informative) أكثر منها افلاماً فنية.

لعل هذه المشكلة الكبرى المتمثلة في عدم عرض افلام المسابقة كافة واختيار بعضها لا يؤثر على المشاهد فقط انما يشوش ايضا على صورة المهرجان بعمق. فهل الافلام التي اختيرت للعرض تعبر بالفعل عن هوية المهرجان ورؤيته؟ من السهل للمتابع ان يخرج باستنتاجات سريعة اذا اعتمد الافلام المعروضة فقط ليحكم على المهرجان وهي بمعظمها تندرج في اطار الفيلم الذي يقدم المعلومات بعيدا من التحليل والاستفزاز ولكن ثمة افلاماً كثيرة لم تعرض. أليس من الجائز ان تكون اعمق وأكثر ملاءمة للمهرجان ولجهوده؟ هذا جائز بالطبع لأن مطالعة "الكتالوغ" (جهد لا لزوم له في العادة اذ يحظى المشاهد بمعرفة الفيلم عبر مشاهدته وليس عبر القراءة عنه) ستكشف عن افلام يبدو من وصفها انها مختلفة من دون الجزم بذلك بالطبع، عنوان مثل "الجزائر: من الاسلام الى المسيحية" يبدو مثيرا ولكنه ليس من ضمن الافلام المعروضة. يقودنا هذا الى تساؤل آخر: ماذا لو فازت بالجوائز افلام لم تعرض على الجمهور؟ هل يكفي ان تراها لجنة التحكيم؟ أليس المهرجان هو فسحة لعرض الافلام على الجمهور ومنحها فرصة للتواصل معه؟

الاختيار

في كتيب الافلام المعروضة، يندرج اسم الفيلم وتوقيت عرضه و"الجهة المشاركة" اي المنتجة، لا يحضر اسم المخرج الا اذا كان هو منتج الفيلم. بهذا المعنى، يعتمد المهرجان على الجهات الانتاجية بالدرجة الأولى لتجميع افلامه والتي تتنوع بين تلفزيونات وشركات انتاج وربما سفارات تقترح افلاماً من بلدانها. ليس في ذلك مشكلة اذا ترافق مع بحث المهرجان نفسه عن اعمال متميزة، غالباً ما يعثر عليها في المهرجانات الاخرى، من هنا تعتمد المهرجانات الكبرى على "مبرمجين" أي على اشخاص مهمتهم ان يجولوا على ابرز المهرجانات في العالم واكتشاف الافلام الجديدة التي تمنح المهرجان حيويته وطزاجته وهويته ايضا. فالاعتماد على مصادر ثابتة لتجميع الافلام سينتج عنه حتماً رتابة في البرمجة وأعمالاً ذات مستويات متفاوتة، بمعنى آخر، اذا وضع مسبقاً شرط استقبال افلام انتجتها التلفزيونات، فان ذلك سيأتي على حساب الجودة. وفي برنامج المهرجان هذا، نعثر على فئة خاصة بأفلام التلفزيونات بل ونعثر على اكثر من عمل لجهة تلفزيونية واحدة ومنها لقناة "الجزيرة" منظمة المهرجان. كما نعثر على عضو في لجنة التحكيم يشغل منصباً في تلفزيون آخر مشارك يعمل في المسابقة كمثل تلفزيون "المنار" المشارك بغير عمل والمشارك ايضا من خلال احد مسؤوليه في لجنة التحكيم.

ان هذا يتنافى مع اخلاقيات المهرجانات حيث لا يجوز لجهة ان تشارك بعمل في المسابقة اذا كان هناك من يمثلها في لجنة التحكيم او اذا كانت هي الجهة المسؤولة أو الداعمة للمهرجان لان ذلك يؤثر على شفافية اختياراتها وعلى حياديتها.

عموماً، وبحسب ما رشح عن الافلام المعروضة ـ مرة أخرى نقول انها قد لا تكون التعبير الامثل عن المهرجان ـ تبدو الافلام اقرب الى الاعمال المدجنة التي تسير بمحاذاة الحائط، مسالمة لا تستفز ولا تستثير، ربما ينطبق ذلك اكثر على الافلام العربية منه على الاعمال الاجنبية التي برهنت عن قدرة اكبر على محاكاة الواقع والذهاب الى تخوم غير مستهلكة كما في lost children مثلا او "الفيل الابيض" وسواهما. ولكن لا بد للمتابع من ان يتساءل ما اذا كان المهرجان سعى الى استقدام عناوين وثائقية كبرى برزت خلال العام الفائت مثل "كابوس داروين" او "مسيرة البطريق" التي من شأنها ان تكرس بعده الدولي. فالمحاولة والاطلاع على ما يجري في العالم هما العاملان الأساسيان للسعي الى الدولية.

التصنيف

اتبع المهرجان تصنيفاً تفصيلياً في فرز الافلام، بعضه في محله وبعضه الآخر يدعو الى التساؤل. الفرعان الرئيسيان للمهرجان هما الأفلام العربية والأفلام غير العربية ما استدعى تعليقات كثيرة حول هذا التقسيم الذي اعتبره البعض "تشكيكاً" بقدرة الافلام العربية على منافسة الافلام الاجنبية لا سيما ان هناك لجنتي تحكيم منفصلتين (في كل منهما 15 عضوا!) لكل فئة. وفي كل فئة، تتوزع الأفلام على التصنيفات التالية: الانتاجات التلفزيونية، الانتاجات المستقلة وأفلام شركات الانتاج. ثم لتتفرع كل من تلك إلى ثلاثة أنواع: الفيلم التسجيلي، التحقيق الصحفي والتقرير الاخباري. الى تلك، ثمة فئتان اضافيتان: الافق الجديد (أفلام عربية وأفلام اجنبية) وشارات التلفزيون. لعله من المفيد ان تكون هناك فئة منفصلة للتقارير الاخبارية تتبارى فيها في ما بينها وأخرى للتحقيقات الصحفية. ولكن الفصل بين الافلام المستقلة والانتاجات التلفزيونية ليس دائماً واضحاً. فهل ان تسمية "الافلام المستقلة" تشير إلى انها مستقلة عن اية جهة عامة أم هو وصف يخص شكلها؟ أم انه مجرد تفعيل يشير إلى ان الفيلم جرى تقديمه إلى المهرجان من قبل شخص وليس مؤسسة؟ فهناك على سبيل المثال لا الحصر شريط "جميل شفيق" للمخرجة المصرية علية البيلي المندرج في فئة افلام المستقلين العرب بينما هو من انتاج المركز القومي للسينما. في حين ان فيلما آخر من انتاج تلفزيوني قد يتباري مثلا مع شريط مثل "وحدن بيبقوا" (عن فيروز والرحابنة من انتاج المؤسسة اللبنانية للارسال) ولكنه في جوهره يعبر عن رؤية خاصة وأسلوب غير كلاسيكي. يقودنا ذلك الى القول ان الانتاج او جهة الانتاج ليست دائماً تعبيراً صادقاً عن الشكل الفني للفيلم. قد يكون هناك بين الانتاجات التلفزيونية ما هو اكثر استقلالية في النظرة والمعالجة والرواية في آن في فئة الافلام المستقلة.

ومن شأن ذلك ان يضع العمل في غير اطاره او ان يسجنه في قالب. الفيلم في نهاية المطاف هو مزيج من رؤية ومعالجة وأسلوب فني وجمالي بصرف النظر عن مصدر انتاجه وبهذه المواصفات يجب ان تتنافس الافلام من دون تصنيف الا ما هو ربما اكثر تحديدا لشكلها ومعالجتها ونوعها مثل التقرير او التحقيق او افلام الطلاب. تلك تستلزم فئات خاصة بها لان مواصفاتها او شروطها قابلة للتحديد. اذا استطاع المهرجان ان يخفف من وطأة هذه التصنيفات ومن جمودها في الدورات المقبلة، فان النوعية ستطفو على السطح وستتحول معيار الاختيار الأساسي بدلاً من أن ينطلق الأخير من معايير ثابتة كضرورة مشاركة التلفزيونات العربية مثلاً بصرف النظر عن مستوى انتاجاتها. على صعيد آخر، يحتاج المهرجان الى بلورة رؤية في ما يخص صفته السنوية والدولية. فإذا كان سيظل مهرجاناً سنوياً، لا بد له من حصر الانتاجات في سنة واحدة الى الخلف كأقصى حد. في "الكتالوغ"، ليست هناك من معلومات عن سنة انتاج الفيلم ولكن بعضها بات معروفاً وتنقل في مهرجانات عدة وحاز غير جائزة مثل شريط المخرج اللبناني جان شمعون "أرض النساء" من انتاج 2004 والمشارك في دورة 2006 لمهرجان الجزيرة. فهل ان المهرجان لا يأخذ في الاعتبار سنة الانتاج أم أنه يحاول في دوراته الأولى تغطية الأعمال التي سبقت انطلاقته؟ تلك تفصيلات لا بد من توضيحها مستقبلاً من أجل المهرجان أولاً والمتطلعين إليه ثانياً.

الدولية

لعل الصفة الدولية للعروض ستتحقق كما أسلفنا بالبحث عن أبرز الانتاجات الوثائقية المنتجة في العالم خلال العام ومحاولة استقطابها. ولكنها ـ أي الصفة الدولية ـ حضرت في الدورة الثانية عبر ضيوفه بشكل أساسي من مخرجين مشاركين ومتخصصين وسينمائيين شاركوا في لجان التحكيم. لعله من اللافت ذلك التلاقي بين السينمائيين الشباب ومنتجين كبار وجدوا في بعض المشاركين مواهب مستقبلية تنتظر الاحتضان، انها خطوة كبيرة تحسب للمهرجان أن يتمكن من جذب اهتمام منتجين وموزعين عرب وأجانب، واظبوا خلال مدة المهرجان القصيرة على الاحتكاك ببعض السينمائيين الشباب. ويتجلى ذلك الاهتمام في حضور الندوات التي رافقت أعمال المهرجان، كاسرة التقليد في المهرجانات العربية الأخرى حيث لا تعدو الندوة اجتماعاً لبضعة أشخاص هم في الغالب المتحدثون وبعض أصدقائهم. على العكس من ذلك، امتلأت قاعة الندوات خلال المهرجان (في حين فرغت الصالات وتلك ملاحظة لا بد من سوقها عن غياب الجمهور المحلي شبه الكلي عن أيام المهرجان).

وجرت حوارات جدية حول مشكلات الفيلم الوثائقي وتوزيعه والانتاج المشترك وسواها من شؤون الفيلم الوثائقي وشجونه. صحيح أن بعضها راوح مكانه لا سيما في ظل نقاشات عقيمة تخطاها الزمن عن حاجز اللغة والفرق بين الوثائقي والتسجيلي من التي يثيرها أصحاب النظريات القديمة والرؤى المتحجرة غير القادرة على الخروج من قمقمها الى رحاب التعبير الحر بعيداً من مشكلات الرقابة واللغة والتصنيف...

برغم ذلك، كانت هناك نقاشات وتبادل آراء بين السينمائيين العرب والأجانب، أسهمت أحياناً في إجلاء بعض اللغط المرافق لمفاهيم سائدة تتعلق بالفيلم الوثائقي، ولعل هذا التهافت للعرب والأجانب على حد سواء على المهرجان مرده سبب أساسي هو إيمان الطرفين بالدور الانتاجي والتوزيعي الذي يمكن "الجزيرة" لعبه والذي ترجم في ندوة أخيرة أعلن خلالها قيام صندوق الدعم تاركة التفاصيل للجنة استشارية سوف تتشكل قريباً.

الأفلام

على غير عادة، تحتل الأفلام الزاوية الأصغر في هذه القراءة للمهرجان. والسبب في ذلك يعود الى أن ما تسنى لنا مشاهدته خلال يومين ونصف ليس سوى قطرة في بحر، لا تغني عنه ولا تروي. فتناول كل فيلم على حدة لن يقود الى تشكيل رؤية حول المهرجان أو له كما لن يوفقنا في إطلاق نظرة عامة لأفلامه. ان المهرجان الذي يقدم صورة ضئيلة ومجحفة بحق إمكانياته وقدراته لا يجوز الحكم على مضمونه من خلاله. ولكن اذا أردنا مراجعة أفلام المسابقة التي عرضت خلال فترة المهرجان (هناك برامج موازية خارج المسابقة)، فإن الحكم العام عليها لن يكون في صالحها. أفلام قليلة جداً برزت في مقدمها Lost children لعلي حمدي أهادي وأوليفر ستولتز التي يجمع في ما يربو على الساعة والنصف شهادات أطفال من أوغاندا، اختطفهم جيش التحرير الذي يسمي نفسه "جيش الرب" وأجبرهم على القتال. أطفال بين الثامنة والرابعة عشرة أجبروا على ارتكاب افظع الجرائم من قتل وذبح وتقطيع لاخراج الوحوش فيهم. يحاور الفيلم بعضهم ممن تمكن من الفرار والتحق بما يشبه المؤسسة الاجتماعية التي يسيرها أفراد من العاملين الاجتماعيين، يحاولون مساعدة الاطفال على تخطي التجربة وكوابيسه فقط ليواجههم واقع أقسى ورفض أهاليهم لهم. الأطفال هم أيضاً موضوع الفيلم الياباني "الحنين الى الأم: آسيا بعيني طفل" لماريكو كانا موتور الذي يسلط الضوء على مجموعة أطفال في مدينة باجيو بشمال الفيليبين هاربين من الصراع الأهلي في ميندناو ويعملون في بيع الأكياس البلاستيكية لكسب قوتهم. إنها قوة هؤلاء الأطفال يعكسها الفيلمان برغم قسوة الظروف واصرارهم على البقاء برغم كل شيء. ولكن السؤال المفتوح يبقى: الى أي مدى سيقاومون وكيف ستظهر آثار هذه التجارب فيهم عندما يكبرون؟

"الفيل الأبيض" شريط أرجنتيني لالكسندرا إنداكو يدخل "المدينة المخبأة" التي تتشكل من زقاق في بوينوس آيرس حيث تقطن مجموعة عائلات مبنى أبيض ضخماً كان في الأربعينات معداً ليكون مشفى كبيراً. تتوازى حكايات ثلاث نساء في المبنى ينتمين الى ثلاثة أجيال مختلفة مع حكاية المستشفى والحكومات السياسية المتعاقبة والأحوال الاجتماعية المتردية. وبنفس شبيه، عالجت المخرجة المصرية رشا الكردي موضوع فيلمها "ثق في الحياة" عن مجموعة غجر في إسبانيا. ذلك المجتمع داخل المجتمع المرمي على اطرافه والمهمش والمجرد من حقوقه، تصوره الكردي بمزيج من الحساسية والعفوية، يواجه الحياة بالفرح والغناء والحب والضحك. لا تفارقه المرارة والحلم بحياة فضلى ولكن من دون ابتذال أنفسهم أو قضيتهم. ذلك ما التقطه الفيلم مجنباً نفسه الوقوع في إدعاء طرح قضية ومنحازاً الى الانسان والحياة بامتياز.

في اطار تعبيري مختلف، قدم فيلم علية البيلي "جميل شفيق" شخصية الفنان شفيق مبتعداً من سرد حياته وتعداد أعماله ذاهباً الى نسج صورة متداخلة للفنان والانسان كأنها طالعة من لوحاته ومنحوتاته. تدخل كاميرا المخرج لوحات الفنان، يتحول فيها، تخرج منها الى فضاء حياته في محاولة للوقوف على تفاصيل ألهمته لخلقها. بورتريه غير رسمي لفنان تشكيلي يبدع في منح أعماله بعداً درامياً يتحول لسان حاله في الفيلم. وترافق المخرجة المصرية ايضاً نجلاء رزق شخصيتها الأساسية ـ المغني النوبي فكري ـ في رحلة إلى جنته المفقودة في "ذكريات اليوتوبيا"، عارضة للثقافة النوبية الآخذة في الانقراض لولا الموسيقى وبعض الطقوس الذي يحاول بعضهم الحفاظ عليه، في شريط رزق شعرية عالية ونوستالجيا يحركها ذلك الابحار في النيل بحثاً عن ذكريات وأشخاص وثقافة وأمكنة لم تعد موجودة. انها رحلة النوبي الى جنته المفقودة التي يبرهن الفيلم عن وجود آثار لها كفيلة باشعال الأمل وتغذية الحلم.

من بين أفلام الطلاب القليلة التي عرضت في فئة "أفق جديد"، كان شريط اللبنانية روان ناصيف "طالبتي" العفوي والحيوي والصادق، والكاميرا بالنسبة الى المخرجة اداة تواصل وحوار مع مجموعة اطفال، يكشفون لها ـ للكاميرا ـ عن اسرارهم الصغرى ومتعهم القليلة وأحلامهم التي قد لا تتجاوز شراء لعبة أو "ماتش فوتبول".

تترك روان للأطفال حرية التعبير وتدلل علاقتهم بالكاميرا على علاقتهم بالمخرجة التي لا شك تقربت اليهم بكثير من الطفولية البادية في تواصلها معهم. قضمة من حياة على الهامش تلتقطها كاميرا الفيلم لتحولها عالماً كاملاً أبطاله هؤلاء الأطفال الذين يختلط لديهم الواقع بالتمثيل بالحلم.

المستقبل اللبنانية في 31 مارس 2006

 

صندوق الجزيرة لرعاية الإنتاج التلفزيوني المستقل

ربما كان الفن، على اختلاف مجالاته، بحاجة أكثر من أي فعالية إنسانية أخرى الى التشجيع والرعاية.

 

ولعل الإنتاج التلفزيوني، والسينمائي، أكثر مجالات الفن حاجة الى ذلك، سواء على المستوى المعنوي أو المستوى المادي.

وقناة الجزيرة تضع في اعتبارها هذين الجناحين اللذين ينهض بهما الفن ويحلق بهما في آفاق الإبداع الإنساني، أما المستوى المعنوي، على صعيد الإنتاج التلفزيوني، فيتجسد من خلال مهرجان الجزيرة. الذي أصبح تقليداً سنوياً راسخاً ومنتدى عالمياً يحتضن مبدعي الأفلام التسجيلية، يقدمون فيه إبداعاتهم، ويتبادلون الرؤى والأفكار التي تنهض بهذا الفن، وتلقى فيه المواهب الشابة كل رعاية وتشجيع.

وأما المستوى المادي، وهو الجناح الآخر الذي يحلق به الفن، فيتمثل في "صندوق الجزيرة لرعاية الإنتاج التلفزيوني المستقل"، الذي سيتكفل بتمويل هذا الإنتاج، ولا سيما المواهب الشابة التي لا تملك الإمكانات المادية التي تحول أفكارها الى واقع، ورؤاها الى أعمال إبداعية.

ومع انطلاقة الدورة الثانية لمهرجان الجزيرة الدولي للإنتاج التلفزيوني تعلن القناة عن تأسيس هذا الصندوق، وفق الاعتبارات التالية:

التعريف بالصندوق

الاسم الرسمي: صندوق الجزيرة لرعاية الإنتاج التلفزيوني المستقل

المقر: الدوحة ـ قطر.

الراعي الرسمي: مهرجان الجزيرة الدولي للإنتاج التلفزيوني:

طبيعة الصندوق: مؤسسة ثقافية غير ربحية.

رأس مال: خمسة ملايين ريال قطري، مقدمة من قناة الجزيرة.

تاريخ التأسيس: 27/3/2006

أهداف الصندوق

ـ الإسهام في تطوير صناعة الأفلام التسجيلية.

ـ رعاية ودعم نتاجات المخرجين المستقلين والمساهمين في تطوير مشروعات الإنتاج التسجيلي.

ـ رعاية أصحاب المواهب الشابة والجديدة في مجال إنتاج الأفلام التسجيلية، من خلال دعم مشروعاتهم ونتاجاتهم التلفزيونية.

الاشكال التي تتخدها هذه الرعاية

ـ تقديم مساهمات مالية وخدمات فنية وتقنية للمنتجين المستقلين، ولا سيما المبتدئين منهم.

ـ إقامة دورات تدريبية وورشات عمل ومحاضرات لتطوير المستوى المهني ورفع الكفاءة الانتاجية.

ـ تقديم المنح والمساعدات المالية للمشاريع الفنية المختارة.

ـ الإسهام في إنتاج الأفلام التجريبية وأفلام المخرجين المستقلين.

ـ الإسهام في إصدار منشورات وكتب حول موضوع صناعة الأفلام وتطويرها.

ـ رعاية المواهب الجديدة الواعدة ودعم نتاجاتها مادياً ومعنوياً.

الهيكلية الإدارية للصندوق

1 ـ الرئيس: مدير قناة الجزيرة الفضائية.

2 ـ المدير التنفيذي للصندوق: يعين من قبل السيد مدير قناة الجزيرة الفضائية.

3 ـ الهيئة الاستشارية: تتكون من ثلاثة أعضاء يتم اختيارهم من العاملين في قناة الجزيرة أو من خارجها.

موارد الصندوق

يعتمد الصندوق على الموارد التالية:

ـ ميزانية سنوية يغطيها مهرجان الجزيرة الدولي للإنتاج التلفزيوني.

ـ رعاية تقدمها مؤسسات وشخصيات لهذا النوع من النشاطات الفنية والثقافية.

ـ المردود المادي لأي عمل ينتجه الصندوق.

الخطة السنوية لأعمال الصندوق

يقدم الصندوق لائحة سنوية بإنجازاته ومشاريعه القادمة ضمن فعاليات مهرجان الجزيرة الدولية للإنتاج التلفزيوني.

المستقبل اللبنانية في 31 مارس 2006

من عهد الاستعمار الى عهد الاستقلال...

خلاصة وثائقية لصناعة السينما العربية الأفريقية في كتاب

هاشم النحاس 

صدر عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر كتاب «السينما العربية والأفريقية»، من تأليف ليزبيث مالكموس (المتخصصة في الأدب العربي، وتعمل في كتابة سيناريوات الأفلام) وروي آرمز وهو أستاذ غير متفرغ للسينما في جامعة ميدل سيكي، وله مؤلفات في السينما الافريقية أبرزها «قاموس مخرجي السينما في شمال افريقيا».

يعرض الكتاب تخطيطاً لبوادر بزوغ فن السينما في المنطقتين العربية والافريقية منذ عهد الاستعمار إلى عهد الاستقلال، وما صاحب ذلك من ضغوط سياسية واقتصادية واجتماعية، وذلك في شكل سلسلة من المقالات عن الأفلام ثم التركيز على أهم مكونات القصة وتحليل إشكاليات السرد الروائي وإشكاليات التمثيل. ويصف الكتاب كيفية تشكل العالمين العربي والافريقي في السينما من باب السرد الروائي· الكتاب يقدم خلاصة وثائقية عن صناعة الأفلام العربية والأفريقية· ويكشف أيضاً أن أي نظام استعماري لا بد من أن يترك أثراً تشويهياً على التطور الثقافي للمستعمرات، لأن «الاستعمار شكل متطرف من أشكال الهيمنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية». وهذا الأثر السيئ يفعل فعله «أثناء عهد الاستعمار ويستمر في أعقاب رحيل المستعمر». وقد يكون للنظام الاستعماري أثران على طرفي نقيض، فهو يخلق من جهة أدباً قومياً خاصاً بالصفوة، تستبعد منه الكتلة العظمى من الجماهير بسبب الأمية، فلا يجد ذلك الأدب سبيلاً للنشر أو القراءة إلا في إطار السلطة الاستعمارية· ومن جهة أخرى، قد يمنع النظام الاستعماري أي تعبير عن الذات مهما كان، مثلما حدث حين أدت المواقف العنصرية المتعالية بموظفي وحدة الفيلم التابعة لمكتب المستعمرات البريطاني ورجال الإرساليات في الكونغو البلجيكية إلى النظر الى الأفارقة على أنهم أطفال في الدرجة الأولى، تلزم حمايتهم من السينما الغربية التجارية، وينبغي ألا يقدم لهم إلا أفلام مبسطة وتعليمية صريحة تصنع لهم خصيصاً. من الواضح أيضاً أن الحكومات الاستعمارية كانت معادية لفكرة قيام الأفارقة بإخراج الأفلام بقدر معاداتها للرأسمالية الأفريقية الريفية. ولـ «جون إليف» جملة معبرة عن هذا الموقف، حيث ترى الحكومات الاستعمارية أن الرأسمالية الأفريقية الريفية «ليست فقط خطرة اجتماعياً وسياسياً، بل إنها أيضاً لا تليق بالأفارقة، كما لا يليق بهم عزف الغيتار ولا ارتداء البدلة ذات القطع الثلاث».

ازدهار ما

في مثل هذا السياق، قد تزدهر الفنون الشعبية التي تقع خارج نطاق التحكم المباشر للاستعمار، والتي لا تتطلب استثماراً رأسمالياً كبيراً. وفي حالة الموسيقى الشعبية، عززت وسائل الإذاعة والتسجيلات التي أنشئت تحت حكم الاستعمار انتشار تلك الموسيقى، ونشوء قوالب جديدة من طريق التوفيق بينها وبين موسيقات أخرى غيرها. لكن صناعة الأفلام المحلية لا يمكن أن تقوم إلا حيث تضعف السيطرة الاستعمارية ويتزايد نشاط الاقتصاد المحلي. كانت تلك التطورات محدودة حتماً، لكنها كانت ذات طبيعة وفرت رؤية واضحة للعوامل التي يجب أن تستمر لتشكل عملية صنع الأفلام بعد الاستقلال، حيث أن اقتصادات السينما تظل على ما هي عليه، سواء في مستعمرة، أم في دولة استقلت رسمياً لكنها ظلت عرضة للهيمنة الاستعمارية الجديدة· وعلى رغم اعتيادنا على التفكير في ظاهرة صناعة السينما ككل متكامل، إلا أن قطاعاتها المختلفة (الإنتاج والتوزيع والعرض) ليست مرتبطة ببعضها بالضرورة كوحدة واحدة في أي أمة من الأمم، حيث إن سوق الفيلم سوق عالمية. لذا، لا يؤدي وجود شبكة توزيع منظمة وجمهور واسع للفيلم المستورد في حد ذاتهما في أي بلد من البلدان (كما كان الحال مثلاً في الجزائر تحت الاستعمار) إلى ظهور إنتاج سينمائي محلي في هذا البلد. وحيث إن الموزعين وأصحاب دور العرض قادرون على جلب منتجات ذات شعبية من الخارج بانتظام وبأسعار مجزية، فلا شك في أن يتبنوا الإنتاج المحلي، بل قد يعادونه حقاً، حيث إن أي تغيير في عادات المشاهدة لجمهور السينما قد يهدد ربحية العملية بأكملها.

لا يمكن لصناعة السينما أن توجد إلا في وجود عدد من العوامل المؤاتية، مثلما يبدو في حال المثال العملي للسينما المصرية. تلك العوامل هي: بنية تحتية صناعية عامة، وجمهور عريض من المشاهدين الحضريين لديه ما ينفقه على التسلية، ونظام توزيع منظم للأفلام، ورأس مال سهل المنال لاستثماره في التيسيرات اللازمة للعملية ككل وفي الإنتاج السينمائي نفسه. وحتى عند توفر تلك العوامل لا يمكن ضمان الاكتفاء الذاتي، لأن إدارة ذلك النظام إدارة مربحة تستلزم وجود عدة مئات من الأفلام سنوياً، تتجاوز بكثير قدرة معظم صناعات السينما القومية على إنتاج الأفلام· وهكذا، يرفع الإنتاج السينمائي المصري (الذي كان يبلغ نحو خمسين فيلماً سنوياً) مصر إلى مرتبة عالية في قائمة الأمم المنتجة للأفلام. فقد بلغت مصر في خمسينات القرن العشرين مرتبة المكسيك نفسها أو الأرجنتين· لكنها تظل عرضة لمنافسة الأفلام المستوردة، لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية التي تتميز سينماها بالإنتاج الكبير. إضافة إلى ذلك، لا يعني التقدم الكبير في الإنتاج على نطاق كبير في بلد بمفرده أن جيرانه سيتمكنون من السير في ركابه بسهولة· وكما يبدو من علاقة مصر بالدول العربية الأخرى، يرجح أن تكتسب تلك الدول كأسواق، وبذا يتزايد تذوق مشاهديها للأفلام المستوردة، وهي في تلك الحالة الأفلام المصرية.

إن دور اللغة هنا مهم جداً، فالاختلافات اللغوية في العربية المنطوقة عامل مهم في تثبيط تطور إنتاج الفيلم العربي على نطاق واسع. فاللغة المستخدمة في الأفلام المصرية بإيعاز من المنتجين الذين يستهدفون السوق العربي بأكمله ليست هي اللغة العربية الفصحى، التي يقصر استخدامها حالياً على المثقفين إلى حد بعيد، وهي ليست اللهجة القاهرية المحلية، التي لا تفهم في جميع أنحاء العالم العربي على اتساعه· فبدلاً من ذلك كان على صانعي الأفلام أن يتبنوا في البداية لغتهم الخاصة، التي سماها فيكتور باتشي» لغة لا وجود لها، كلام سينما، لغة مختلفة اصطنعها كتاب السيناريو». تتكون تلك اللغة من هيكل أدبي أساسي مطلي بطبقة خارجية من العامية المصرية. فرضت العامية المصرية نفسها تدريجياً، وعضدتها في ذلك وسائل الإعلام الأخرى، كالإذاعة والأغنية المسجلة، واتسع نطاقها حتى إن المشاهدين صاروا يعتبرونها أخيراً اللغة الطبيعية للسينما العربية. وكما يلحظ فريد جبر اعتاد المشاهدون في البلدان العربية على اللهجة المصرية، حتى ولو لم يفهموا كل كلمة منها، إلى حد أنهم صاروا لا يستريحون إلى أي لهجة عربية أخرى. وهكذا، ربما صارت الأفلام المصرية عاملاً مثبطاً ومعرقلاً للإنتاج السينمائي في الدول العربية الأخرى أكثر من الأفلام المستوردة من الغرب· لكن رغم كل الصعوبات التي تنهض في وجه استيراد التقنيات الغربية والقوالب الدرامية والروائية الغربية إلى أفريقيا والعالم العربي، من المؤكد أن المجددين يطيبون بالاً حين يجدون مشاهدين متحمسين للأفلام حيثما عرضت. وقد تمكن مخرجو الأفلام في عهد ما بعد الاستقلال من استغلال تلك الشعبية التي حظيت بها الأفلام، فعبروا من خلالها عن الشعور الجديد بالوعي الثقافي الذي حل مع نهاية العهد الاستعماري.

الحياة اللبنانية في 31 مارس 2006

 

شاركت في مهرجان برلين من خلال «عمارة يعقوبيان»...

يسرا: هذا الفيلم سيشغل مكانة في تاريخ سينمانا

برلين – اسكندر الديك 

الفنانة يسرا، كانت في رفقة الوفد المصري الذي شارك في الدورة الأخيرة لمهرجان برلين السينمائي من خلال فيلم «عمارة يعقوبيان»، تشارك في واحد من أدواره الرئيسة. وللمناسبة التقتها «الحياة» في العاصمة الألمانية، بعد عرض الفيلم وتصفيق الحضور له ولها... وهنا ردود فعلها.

·         كيف تنظرين الى فيلم «عمارة يعقوبيان» والى دورك فيه؟

- الحقيقة أن الذي دفعني للمشاركة في الفيلم هو عادل إمام الذي أرسل اليّ الرواية والسيناريو وفي فكره أن ألعب دور كريستين صاحبة البار التي تحب زكي. بعد القراءة اكتشفت أنها حال خاصة جداً. لا أعنى فقط دور كريستين، بل ان كل العمل يشكل حالاً خاصة. ان افضل أن ألعب دوراً صغيراً من خمسة مشاهد أكون فخورة وسعيدة بها على أن ألعب دوراً كبيراً لا يقدم شيئاً، خصوصاً ان الفيلم لا يتعاطى مع بطل واحد فيه. وشركة «غود نيوز» للمناسبة حققت لنا أمراً كنا نفتقر اليه في السينما المصرية وهي أنها وفرت كل التسهيلات لانتاج فيلم كبير وجيد.

·         أين تضعين هذا الفيلم في السينما المصرية ماضياً وحاضراً؟

- أعتقد بأن هذا الفيلم سيؤرخ في تاريخ السينما المصرية من كل ناحية: من حيث الموضوع ومن حيث رصد تاريخ مصر منذ بناء عمارة يعقوبيان في وسط القاهرة وعكس التغيرات السياسية والاقتصادية التي حصلت، وكذلك تغير البشر وسلوكياتهم. وأعتقد بأن من المهم جداً ان نشاهد اخطاءنا وما يحدث عندنا ونتحاشاها ما أمكن ونعيد حساباتنا.

·         هل تعتقدين أن الفيلم يمس قضايا يمكن ان يقال عنها انها من المحرمات؟

- يمكن قول ذلك إذ توجد بعض النماذج التي قد تكون للبعض مرفوضة وللبعض الآخر مقبولة. وهناك «تابوهات» لا يمكن أن تكسرها. ولكن عندما نعرضها من خلال السينما ونتكلم عنها ينتج من ذلك خضة أو صدمة، وسيجد المرء هذا الأمر بالتأكد في «يعقوبيان». اعتقد بأن شعبنا واعٍ جداً ويحب العمل الجميل والصراحة ولا أشك في انه سيحصل جدل ومناقشات كثيرة حول الفيلم، وهذا أمر صحي جداً نحن في حاجة اليه.

·         هل تعتقدين ان الفيلم سيفتح الباب امام السينما المصرية للدخول في المجال العالمي؟

- طبعاً عندما يختار مهرجان برلين، الذي هو صعب في اختياراته، فيلماً للدخول في المسابقة او في «قسم البانوراما» المخصص له أيضاً أربع جوائز قيّمة فهذا يعني شهادة للفيلم بدليل انهم لم يختاروا أي فيلم مصري طيلة الـ27 سنة الماضية. وقيمة مهرجان برلين انه يفتح لك الباب للدخول الى مهرجانات دولية اخرى. وهذه فرصة للسينما المصرية ان تتعرف في شكل جيد على العالم.

·         ما هي مشاريعك السينمائية المقبلة؟

- عندي مشاريع جميلة. لي فيلم أحبه جداً اسمه «كلام في الحب»، وآخر اسمه «دم الغزال» وهو فيلم سياسي نتكلم فيه عن الارهاب ونتصدى له تصدياً شديداً. وهناك فيلم لا يزال في مرحلة التصوير ومخرجته إيناس الدغيدي اسمه «ما تجي نرقص» وهو مأخوذ عن الفيلم الياباني المعروف الذي اقتبسته السينما الأميركية ايضاً تحت عنوان «شال وي دانس؟». ونحن مصرناه قليلاً حتى يعكس ضغوط الحياة اليومية وكيفية مواجهتها.

الحياة اللبنانية في 31 مارس 2006

 

فيلمها الروائي الطويل المقبل من إنتاج روتانا...

هيفاء المنصور: صوتي المغيّب يُسهّل إنتاج أفلامي

أبو ظبي – فجر يعقوب 

نالت المخرجة السعودية هيفاء المنصور جائزة أفضل فيلم تسجيلي عن فيلمها «نساء بلا ظلال»، وذلك في مسابقة «أفلام من الإمارات» التي عقدت دورتها خلال آذار (مارس) المنصرم في المجمع الثقافي في أبو ظبي. وكان فيلمها «نساء بلا ظلال» أثار جدالاً لدى عرضه في منزل أحد الديبلوماسيين الأجانب في السعودية. وهنا حوار معها:

·         أنت أول مخرجة سعودية، هل في هذا امتياز لك؟

- يسعدني جداً أن أكون أول مخرجة، وإن جاء هذا الأمر مصادفة. فالحقيقة أن اللقب الذي يسعدني أكثر هو أن أكون أفضل مخرجة. وعلى العموم فإن الألقاب غير مهمة.

·         هذا «الامتياز» هل هو ما يسهل عملية إنتاج أفلامك؟

- لا أعتقد أن هذا ما يسهّل لي إنتاج أفلامي. ولكن ربما بسبب أنني أمرأة والمرأة صوتها مغيّب يمكنني أن أستفيد من هذا الوضع، حيث أصبح في وسع كل امرأة أن توصل صوتها، والناس بدأوا الإصغاء اليها سواء كانت سينمائية أو فنانة، ولهذا أرى أنه ينبغي لها أن تجيّر كل شيء لمصلحتها.

·         ما بين صورة المغنية وعد، وصورة المرأة التي تبحثين عنها في فيلمك ماذا اكتشفتِ؟

- الكاتبات المثقفات، ونساء الأعمال وبعض المبدعات لم يعد يعني قيد التقاليد لهن كثيراً وهن قلة بالطبع، ونحن لا نستطيع أن نعمل بحثاً عن المرأة السعودية من خلالهن. وإذا ما أردت أن تبحث عن المرأة في السعودية، فهي تلك الموجودة في الشارع وفي البيت. باختصار هي تلك المرأة العادية التي لا تشبه وعد.

·         أنت ماذا وجدت بخصوص هذه المرأة؟

- هذه المرأة لا تزال حتى الآن ترى خلاصها في التقاليد وهي سلبية يمكن لها أن تتخلى عن كثير من حقوقها من أجل الضمان الاجتماعي. هناك أمثلة تبشر بالخير وهي بحاجة للدعم.

·     ماذا عن الخلفية السوداء التي سمعنا من ورائها الصوت من دون رؤية الصورة... هل هذا «تواطؤ» من قبل هذه المرأة مع المخرجة هيفاء المنصور، أم أن هذا جاء بمثابة حل إخراجي؟

- لا هذا ولا ذاك. فهذه المرأة رفضت الصورة تماماً. وهذا جزء من شخصيتها واختيارها ورغبتها وكينونتها، وهي ترى أن هذا هو الحل الأسلم حتى وهي غير موجودة في الصورة. من جهتي أنا فإن هذا من أحب المشاهد عندي، وهو لم يكن حلاً إخراجياً بل جاء تعبيراً عن الواقع بسلاسة وهدوء من دون أي افتعال. هكذا تستطيع المرأة أحياناً أن تلغي ذاتها بكل هذه القسوة للأسف!

·         هل تعتبرين أن هناك «جرعة» زائدة من الجرأة في فيلمك؟

- لا أبداً، فكل الأشياء التي استخدمتها كانت متوافرة في المكتبات والشارع والأصوات التي جمعتها هي من داخل المجتمع السعودي. أنا مع الرأي الديني المتنور. والمرأة عندنا بدأت تأخذ مساراً أكثر انفتاحاً، والدين عندما يكون في صفها تصبح خطواتها أكثر ثقة.

·         ما هي مشاريعك المقبلة؟

- أكتب سيناريو فيملي الروائي الطويل الأول وربما أبدأ تصويره قبل نهاية العام، وسيكون من إنتاج «روتانا»، الجهة التي أعمل معها.

الحياة اللبنانية في 31 مارس 2006

 

عن السينما السورية أيضاً

دمشق - راسم المدهون 

قيل الكثير عن أزمة السينما السورية وغيابها عن الأسواق، وما يترتب على ذلك من مراوحتها في مربع الهواية، وعجزها عن التحول الى صناعة لها دورة رأسمالها ولها مردودها الربحي الذي يقدر وحده على  تشجيع الانتاج وحتى زيادته، خصوصاً أنها سينما تتوافر لها الشروط الفنية كلها. وما قيل صحيح في معظمه، ومع ذلك فمن المنصف والموضوعي ان نشير هنا الى مسألة شديدة الأهمية، فحين يتعلق الحديث بصناعة سينمائية يصبح مفهوماً ان نتحدث عن سينما تمتلك شروطها الجماهيرية ذلك ان «الفن الخالص» الذي تنطلق منه معظم الأفلام السورية هو في احسن الأحوال فن يخاطب النخبة المثقفة، بل بالأدق نخبة عشاق الفن السابع بالذات.

لقد صنفت الأفلام السورية دوماً بأنها افلام مهرجانات ومناسبات عربية ودولية، وذلك معناه المباشر القطيعة مع جمهور الصالات العادي، ما يفسر فشل معظم الأفلام السورية في الصمود في عروض الصالات لأكثر من أسبوع الا في حالات نادرة لم تتكرر، مثلما هو نجاح فيلم محمد ملص الأول «أحلام المدينة» وكذلك بعض أفلام المخرج عبداللطيف عبدالحميد، التي توصف عادة بأنها أفلام شعبية.

نخبوية الأفلام السورية تقع على رغم الموضوعات الاجتماعية والسياسية المهمة التي تنطلق لمعالجتها، وذلك يعني ان «الخلل» هو في الأساليب واللغات السينمائية التي تتحقق بها، والتي تبدو في كثير من الأحيان عاجزة عن ملامسة الوعي اليومي للمشاهدين، وعاجزة كذلك عن ابتكار لغتها «الثالثة» التي يمكن ان تكون جسراً بين وعي النخبة السينمائية وذوقها ورؤاها، وبين جمهور المشاهدين بما يحملونه من تدرجات وعي ومن اختلاطات، تفترض «الصناعة» بمفهومها الحقيقي مراعاتها وأخذها في الاعتبار.

يمكن هنا مثلاً، ملاحظة الفوارق الحقيقية، الكبيرة والواضحة بين فيلمي ملص الأول والثاني. وعلى رغم ان «الليل» جاء بكل المقاييس قفزة فنية واسعة عن سابقه، الا ان الأول حقق حضوراً جماهيرياً ابقاه في الصالات شهوراً طويلة في حين عجز «الليل» بكل ما فيه من فنيات عن الصمود في الصالات أسبوعاً واحداً، بل ان مناقشات المثقفين والنخبة أظهرت اختلاف وتضارب آراء هذه الشريحة بالذات في تفسير الفيلم واستنطاق احداثه، وهو اختلاف تحول بالنسبة الى جمهور الصالات الى ما يشبه الأحجية التي دفعته للاحجام عن المشاهدة.

من المنطقي والمفهوم رؤية الفوارق الكبرى بين الصناعتين السينمائية والتلفزيونية في سورية حتى لا نظلم السينما ونجحف في تحليل أسباب ازمتها، ولكن من الموضوعي المفيد ان نشير هنا الى نجاح الدراما في التقاط الجوهري الذي يجعلها صناعة، رائجة ومقبولة في المحطات الفضائية العربية عموماً.

ثمة فوارق نعم، ولكن ثمة فشلاً يعيشه السينمائيون السوريون في صناعة توازن لا نراه بالضرورة على حساب فنيات المخرجين، ولا على حساب حقهم في التجريب والتعبير الحر عن رؤاهم الجمالية.

الحياة اللبنانية في 31 مارس 2006

 

سينماتك

 

اختتام أعمال مهرجان الجزيرة الدولي الثاني للإنتاج التلفزيوني

طموح كبير وإمكانات ضخمة وسمعة دولية.. عناصر افتراضية للنجاح أعاقها تشوش الرؤية وغياب الأسس الأولية للمهرجان

الدوحة ـ ريما المسمار

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك