سمير عبد المنعم

مازال الفنان التشكيلي سمير عبد المنعم ابن خال الفنان أحمد زكي والذي رافقه منذ الطفولة وحتي لحظة الوداع طوال رحلتهما معا اقتسما اللقمة والضحكة والدمعة والألم‏,‏ ولكن الموت أخذه لوحده الكلام لسمير ـ بالتأكيد حتي هذه اللحظة مازلت أشعر أن وفاة أحمد ـ بالنسبة لي ـ كمشهد في فيلم سينمائي لأنني حضرت كل التفاصيل‏,‏ حقيقة لا أستطيع أن أصف شعوري‏,‏ فما حدث أشعر به كأنه من فيلم البريء أو الهروب كثيرا ما يأتيني في الحلم مرددا بضحكته المعهودة أنا ممتش‏.‏

طبعا هناك الكثير من الأشياء التي أثرت في حياته وعشناها معا‏,‏ منها كتاب الشيخ سيف كان كفيفا وضريرا‏,‏ وكنا نحفظ القرآن عنده ونحن صغار‏,‏ ولم يكن أحمد يتوقف عن الشقاوة وكان يقوم بأفعال تجعل الأطفال يغرقون في الضحك‏,‏ وبسرعة يغير من مكانه إلا أن الشيخ سيف بفطرته كان يتبعه بالعصا المغطاة بالجلد‏.‏

وشخصية الشيخ سيف أفادته كثيرا في مسلسل الأيام إلا أنه بذكائه أضاف تفاصيل تخص طه حسين الذي أبصر الدنيا لمدة عامين‏,‏ كذلك كان يمر علي بلدتنا قرداتي كثيرا ما كان يثير إعجاب أحمد خاصة عندما كان يطلب من القرد الصغير أن يقلد حليم وقتها كان القرد يسحب العصا من يد صاحبه ويغمض عينيه‏,‏ ويطوح برأسه يمينا ويسارا وكان أحمد يغرق في الضحك‏.‏

لم أنس اليوم الذي قرر عبد الناصر الزعيم الراحل أن يمر علي المحافظة أثناء رحلته إلي مدن القناة‏,‏ وقتها كنت أنا ضمن طليعة الحزب الاشتراكي وكان مسموحا لنا أن نقف في الصفوف الأمامية وعلي بعد‏50‏ سم تحديدا من شباك القطار‏,‏ لنحيي الزعيم‏,‏ وقتها لم يكن أحمد ضمن شباب الطليعة‏,‏ وكان حزينا للغاية لأنه لم ير عبد الناصر عن قرب مثلنا وأخذ يفحص المكان والمباني المحيطة بشريط القطار‏,‏ وما كان منه إلا أن صعد إلي السنافور‏,‏ يقصد به إشارة مرور القطار وتسلقه وكان ملاصقا للقضبان‏,‏ ووقعت عين عبد الناصر عليه فحياه ولمس يده بأطراف أصابعه‏,‏ وظلت عيناهما متلاقيتين حتي لحظة اختفاء القطار وعيني ناصر أبدا لم ينساها أحمد زكي وهذا ما تأكد في تجسيده لشخصية الزعيم في فيلم ناصر‏.56‏

بالتأكيد لعب المكان دورا مهما في حياته وكل الشخصيات التي صادفها‏.‏
كذلك لا أتوقف عن استدعاء لحظات كثيرة جمعتنا معا‏,‏ وخاصة آخر حفل عيد ميلاد له أقمناه في رمسيس هيلتون‏,‏ وغطينا الكراسي بالدانتيل الأحمر‏,‏ وملأنا المكان بشموع حمراء‏,‏ وعشنا معه لحظات جميلة‏.‏

بعد سنة أقول له وحشتني يا أحمد لكن أنت موجود بأعمالك وبهيثم ابنك الذي يشبهك في تفاصيل كثيرة فهو الآخر فنان جميل وإنسان أجمل‏..‏

أيمن أبو المكارم

عملت معه أفلام هيستريا والامبراطور وأربعة في مهمة رسمية‏,‏ والبريء وكان شخصا شديد الاحترام كريما فنانا حقيقيا وربما هذا ما لا يختلف عليه أحد وفي آخر أيامه في تصوير فيلم حليم كنا نعلم أنه بيضيع مننا‏,‏ لكننا كنا نحقق له حلمه في أن يمثل ويظل يمثل حتي آخر لحظاته وتقريبا بعد آخر شوط قام بتصويره دخل المستشفي بعده‏,‏ وعاني من الغيبوبة وبعدها توفي وفي التصوير كان يحضر في موعده ويضع له الماكيير المكياج الخاص بالشخصية‏,‏ وكنا نحاول الاستعداد للتصوير فور حضوره حتي نحصل علي أقصي ما لديه من وقت ومجهود وبرغم أنه كان متعبا جدا في أغلب الأوقات إلا أنه كان يحاول الوجود دائما في التصوير حتي لو كان في غرفته حتي يحصل علي القدر الواجب له من الأكسجين‏.‏

بعد تصويره لنصف مشاهده تقريبا دخل المستشفي وبعد خروجه أقام حفلة كبيرة لكل فريق العمل في الفيلم حتي نأكل مع بعضنا وكانت تنبيهات الأطباء عليه بأن لا يوجد في مكان به دخان السجائر‏.‏

بخلاف ذلك هناك ذكريات لن أنساها وهي أنني في أول فيلم عملت معه مساعد مدير تصوير وكان فيلم هيستريا قال لي أيمن هذه فرصتك ووقع لي علي ورقة بخمسة جنيهات في آخر أيام التصوير وقال لي أنت فنان قدير وأنا سعيد جدا أنني عملت معه منذ أن كان عمري‏18‏ عاما وشاركته العمل أيضا وكنت في عمر الأربعين في تصوير حليم‏.‏

أقول له كانت أمنيتك تقديم فيلم حليم وبالفعل حققت ذلك لكننا الآن نفتقدك جدا جدا وسنظل نتذكرك وسنفعل أقصي ما في وسعنا لنحي ذكراك

د‏.‏ ياسر عبد القادر

قبل أن يأتيني أحمد زكي كمريض كنت من أشد المعجبين بفنه‏,‏ لذلك لا أنسي اليوم الذي اكتشفنا فيه المرض‏,‏ كان من أصعب الأيام في حياتي‏,‏ وازدادت المسألة صعوبة وبالنسبة لي عندما توطدت علاقتنا في يناير‏.2004‏

حبه وإخلاصه لعمله فاق كل تصوراتي من الصعب أن تصادف مثل هذه النوعية في مجتمعاتنا إخلاص نادر لعمله‏,‏ اكتشفته من خلال مرافقتي له أثناء تصوير كل المشاهد التي أداها في فيلم حليم وأثناء جلوسنا معا في المستشفي لمشاهدة المشاهد التي تم تصويرها وحديثه عن كيفية قيامه بعمل تفاصيل تخص الشخصية وإدارته لانفعالاته في مشاهد بعينها‏.‏

من قال إن علاقتي بأحمد زكي كانت مجرد علاقة طبيب بمريض أبدا لم تكن كذلك فقط بالنسبة لي وكذلك حسب تصريحاته بل بمرور الوقت صارت علاقتنا مزيجا من الصداقة والأخوة‏.‏

نعم لم أفارقه في كل المشاهد التي قام بتصويرها في فيلم حليم حيث كنا نذهب معا من المستشفي إلي موقع التصوير‏,‏ كطبيبه المعالج كثيرا ما كان يصيبني بالذهول من هذا الرجل فبمجرد أن يرتدي ملابس الشخصية‏,‏ ويدخل في تفاصيلها كنت أراه شخصا مختلفا كأنه ألقي بعبء المرض وراء ظهره‏.‏

بالطبع كان يطالبني بشرح حالته بالتفصيل ومراحل المرض وتطورها والعلاج وأعراضه لذلك فهو كان من أكثر المرضي وعيا وتحضرا وقد تكون صراحتي معه هي مفتاح الثقة في تطور علاقتنا‏.‏

لم أنس اليوم الذي قرر فيه أن يعزمني علي الإفطار في شهر رمضان في الفندق الذي كان يقيم فيه وقتها لم نستطع تناول لقمة واحدة من كثرة التفاف الجماهير حوله بهدف الاطمئنان عليه‏,‏ وما كان منا إلا أن صعدنا إلي الغرفة لنستطيع استكمال الإفطار‏.‏

بالتأكيد كلما كانت علاقتي تزداد عمقا بالنجم أحمد زكي كان إحساسي بالخوف عليه يزداد كذلك الرهبة من اقتراب لحظة النهاية‏,‏ لأننا وبمرور الوقت أصبح أحمد زكي من أقرب الناس إلي نفسي‏,‏ ليس ذلك فقط بل تحول الأمر بالنسبة لي إلي عبء رهيب‏,‏ كيف أراقب موت صديق وأنا طبيبه المعالج أقف مكتوفي الأيدي ولا أستطيع أن أقدم له شيئا‏.‏

أبدا لم أنس الأمانة التي حملني إياها مرددا إوعي يا ياسر تسبني أتبهدل في آخر أيامي والحمد لله أعتقد أنني نفذتها حيث حافظت عليه من العيون التي كانت تريد أن تلتهمه في أواخر أيامه‏..‏ لا أستطيع أن أقول له بعد مرور عام علي رحيله سوي وحشتني يا أحمد‏.‏

كمال سليمان

شاركته تصوير فيلم حليم وكنت من قبل شاركته فيلم الدرجة الثالثة مع سعاد حسني‏.‏

في فيلم حليم قدمت شخصية ابن خالة حليم الذي عاش معه أغلب فترات حياته لذلك شاركت أحمد زكي مشاهد كثيرة تتجاوز الـ‏15‏ من بينها آخر مشهد في حياته‏.‏

كان رجلا محترما مع كل الناس وأتذكر أنه في فيلم الدرجة الثالثة وكنت أقدم شخصية رجل صعيدي وأنا صعيدي الأصل فكنت أتحدث بلغة صعيدية فسألني عن إجادتي للكنة الصعيدية وقلت له إنني صعيدي أصلا فقال هل شاهدت لي فيلم البيه البواب وتناقشنا لساعات طويلة في هذا الموضوع‏.‏

وفي فيلم حليم كان يعاملني تماما كأنني شحاته صاحب الشخصية التي كنت أجسدها وهو ابن خالة حليم‏,‏ وذلك لأنه كان يعيش دائما في الشخصية حتي في حياته الطبيعية‏.‏

وكانت له ملاحظاته الدائمة علي كل من يعمل في الفيلم ولا يتحدث في أي موضوع ليس له علاقة بالتمثيل فكان واهب حياته للتمثيل فقط وليس أي شيء آخر وأنا في الحقيقة عملت في أفلام كثيرة لم أجد مثل أحمد زكي كان آخر مشهد في حياته مشهد ندخل به المسرح ثم بقاؤه في مدرسة السعيدية وعبد الحليم ينزل من سيارته ليدخل المسرح وجاءت له أزمة المرض وأثناء تصويره للمشهد كان متعبا جدا‏,‏ علي الرغم من ذلك تحامل علي نفسه وأدي المشهد باقتدار‏.‏

د‏.‏ هشام رأفت ــ أستاذ الأمراض الصدرية‏:‏

تعرفت إليه في مستشفي دار الفؤاد كنت أباشر علاجه أنا ومجموعة من الأطباء بصفة منتظمة لكنه اختارني أنا لأباشره وأشرف علي حالته الصحية وأثناء تصوير فيلم حليم كنا بجانبه كمجموعة طبية‏.‏

كان فنانا جميلا جدا تعلمت منه الكثير يتمتع بطيبه القلب ونصاعته وكان شديد النقاء محبا لعمل الخير في منتهي السخاء يساعد الآخرين في تقديم يد المساعدة ومع ذلك هو شديد التواضع‏.‏

أذكر أنه في مرة كنا ذاهبين للطبيب المعالج له وهو دكتور محسن إبراهيم أستاذ القلب في جامعة القاهرة وكان من المفترض أن أصطحبه في سيارتي هو وسمير ابن خالته ووجدته يقول لي لن نذهب بسيارتك لأن عيادة الطبيب في وسط البلد ولن يكون هناك مكان لركن السيارة وفجأة وجدته يشير إلي سائق التاكسي وأجبرنا جميعا علي ركوبه‏.‏ أحمد عمره ما أحس أنه نجم وكان يرفض الاتصال بي في الأوقات المتأخرة من الليل حتي لا يزعجني مهما كانت حالته المتدهورة‏,‏ وكنت أقول له هذه وظيفتي ولا يتغير في الأمر شيء بالنسبة له‏.‏

أقول له رحمك الله لأنك شخص نادر في الحياة ومن أجمل من صادفت‏.‏

يوسف الشريف‏:‏

أول مرة التقيت به كان في الحفل المقام لفيلم حليم علي المسرح وكان يوما لن أنساه لأنه فور دخوله علي المسرح صفق له الجميع مهللين باكين سعداء بوجوده بيننا فور ظهوره علي المسرح سلم علي وحضنني وقال لي ربنا يوفقك‏,‏ وفي أول‏5‏ أيام من التصوير كان لا يوجد لدي مشاهد‏,‏ لكن كنت أصر علي الوجود لأشاهد أحمد زكي أثناء تصويره لمشاهده‏.‏ كان يشجعني جدا ويقول لي هذا العمل لابد أن تركز فيه لأنه فرصة كبيرة وخطيرة بالنسبة لك‏.‏ وأقول له الآن رحمك الله ولن ننساك لأنك تركت لنا منهجا نتعلم منه ونذاكر أفلامك لنتعلم منها الكثير كما تعلمنا منك لأني أشاهد أفلامه لأراقب أداءه وأسلوب تعامله مع الكاميرا‏.‏

الأهرام العربي في 25 مارس 2006

 

هيثم‏:‏ أفتخر بك‏..‏ الدنيا بدونك لا تساوي شيئا 

ما حدث مع هيثم أحمد زكي أشبه باللحظات الدرامية الفاصلة في أعظم الملاحم الإغريقية‏,‏ فالبطل الشاب أصبح في مأزق وهو أن يبدأ في استكمال مشوار والده مع فيلم حليم وبالتحديد بعد أسبوعين من رحيل أحمد‏,‏ ما حدث معه يروق له أن يصفه بالورطة ـ والكلام لهيثم ـ‏(‏ بابا علمني تحمل المسئولية لذلك كان لا يجب أن أخذله أو أخذل عمو عماد أديب‏).‏

لا أعرف لماذا وجدت أن كلام هيثم يشبه في روحه كلام والده‏,‏ هو يصف أحاسيسه المتناقضة في آن واحد‏,‏ يتكلم عن أحمد الأب وفجأة يظهر أحمد الفنان‏,‏ يرد علي من هاجموا والده بعد رحيله إلا أنه بادرني بجملة‏:‏توجع القلب عندما قال‏:‏لا أصدق أن عاما مر علي رحيل بابا ثم صمت‏..‏ بابا روحه جوايا‏..‏ صدقوني هو بيعيش معاي‏,‏ وأنا باكلمه كل يوم وبأقوله وحشتني‏.‏نصائحه وتوجيهاته لا تفارقني ويكفيني تاريخه ومحبة الناس التي تزداد يوما بعد يوم‏.‏

طبعا لم أنس أول يوم دخلت فيه الاستوديو فلقد ذهبت في أصعب ظرف ممكن أن يمر به فنان شاب‏,‏ ووجه جديد يقف أمام الكاميرا للمرة الأولي‏,‏ وقتها كنت مازلت أعاني من زلزال رحيل أبي‏,‏ كما أنني كنت مرعوبا من تحمل مسئولية تجسيد شخصية حليم وهو في مقتبل العمر‏,‏ وفنان له رصيد كبير في الوجدان العربي‏,‏ والمفارقة أنني لم أكن أجسد حليما فقط بل هي شخصية مزيج من والدي وحليم خاصة أن بينهما أشياء كثيرة مشتركة‏,‏ وأذكر أنني وبمجرد أن دارت الكاميرا شعرت بأن بابا معي يقف بجانبي ويساندني خاصة أنني لم أقم بالتحضير للشخصية بالشكل المناسب وعلاقتي بعبد الحليم فقط من خلال أفلامه التي شاهدتها علي عكس والدي‏,‏ والذي صادف حليم ليس ذلك فقط‏,‏ بل ظل يحلم بتجسيد الشخصية لمدة‏9‏ سنوات‏,‏ لذلك أنا خائف من ردود الأفعال‏,‏ علي الرغم من أن الذين شاهدوا الفيلم أثنوا علي أدائي بل إن صديقا لي بكي في أحد المشاهد‏,‏ ولكن الذي أؤكده أن الظروف لم تخدمني جيدا لأعطي كل ما عندي‏,‏ أبدا لم يحدث أن بكيت في الاستديو خاصة أنني اعتدت ألا أبكي أمام أحد‏,‏ فحزني أعيشه بيني وبين نفسي‏.‏

كل ما شعرت به وأنا أري المشاهد التي قام والدي بتجسيدها أنه كان عارفا أن النهاية قربت وعينيه كانت بتقول حاجات كتير‏,‏ أعتقد أنني فقط الذي شعرت بها‏.‏

أعرف أن الكثيرين حسدوني علي هذه الفرصة حيث يرون أنني بدأت كبيرا إلا أنني أقول لهم‏(‏ ياريت الفرصة ما كانت جت وكان فضل أبويا‏)‏ الذي أحتاجه كثيرا وأقول له إنني أفتخر بك أكثر من أبناء الملوك‏,‏ فأنت نموذج للرجولة ولا أنسي عندما قال لي‏:‏ تركت لك تاريخا فني يسعدك ويشرفك وأبوك رجل محترم ولهذا أفتخر به وأنحني أمام عبقريته‏.‏

بالطبع لا أنسي نصائحه التي أعطاها لي في أيامه الأخيرة حيث حكي لي تجربة حياته كاملة وقال لي‏:‏ الدنيا طرق كثيرة اختر طريقك وأخلص له وستصل إلي ما تريد‏,‏ المهم الإخلاص والاجتهاد‏,‏ وأعتقد أن هذا هو القانون الذي كان يطبقه في حياته‏.‏

حزنت كثيرا علي بعض الأشخاص واحد تحديدا انتقد والدي ولكنه مع الأسف لم يكن انتقادا موضوعيا بل أري فيه تجاوزا وقلة أدب ـ يعتذر عن التعبير ـ ولكنني لا أجد سوي هذه الكلمات لأعبر بها عما حدث‏,‏ ولو كانت عندي حرية التصرف مثل أي شاب مصري يمتلك النخوة والرجولة كان رده الطبيعي عندما يشتم والده أن يذهب ليضرب هذا المتجاوز‏,‏ ولكن لأنني ابن أحمد زكي خشيت علي تاريخه‏,‏ وخشيت أن يقال‏:‏إن أحمد معرفش يربي‏,‏ لذلك لم أرد علي هذا الكلام حين نشر حتي لا أعطي صاحبه أهمية‏,‏ وأقول له من خلالكم لماذا قمت بذلك بعد وفاة أحمد زكي لأنك بالتأكيد لم تكن تجرؤ علي نشر هذا الكلام وهو حي يرزق لذلك فما حدث وقاحة؟‏!‏ لن أسامح من ارتكبها؟‏!‏

البيت من غيره‏..‏ ماذا أقول‏..‏ لم تسعفه الكلمات حالة من الصمت ثم البكاء‏.‏

مازلت أعيش بأحاسيس متناقضة ما بين الثقة والخوف‏,‏ وأهم شيء أرغب في تحقيقه أن أكون عند ثقة الناس وحسن ظنهم وأن أحقق ما كان يحلم به والدي‏.‏

أقول له‏..‏ وحشتني‏..‏ والدنيا من غيرك لا تطاق‏.‏

الأهرام العربي في 25 مارس 2006

عماد الدين أديب علاقته بأحمد زكي لاتقبل المزايدة‏:‏

أفتقدك في كل لحظة

أجرت الحديث ـ علا الشافعي 

جمعهما الحلم‏,‏ أحمد كان يحلم بأن يصبح فنانا يعيش طويلا‏,‏ وعماد صحفيا وكاتبا وإعلاميا‏,‏ وتحقق لكل منهما مراده‏.‏

كثيرا ما ضمت وسط البلد أحلام الاثنين‏,‏ اللذين كانا يقطعان شوارعها جيئة وذهابا‏.‏ يذهبان إلي الحاج مدبولي لشراء كتاب يتبادلاه معا‏,‏ أو يدخلان إلي السينما ليشاهدا فيلما يثير خيال الاثنين‏,‏ وعندما يرهقهما المشوار‏,‏ كان يجتمعان في مقهي لاباس مع الكثير من الأصدقاء‏,‏ وعلي الرغم من البعد المكاني لفترات‏,‏ إلا أن صلة الفنان العظيم أحمد زكي والإعلامي عماد أديب لم تنقطع يوما‏.‏

يصمت عماد أديب عندما يتذكر آخر الكلمات التي قالها له الراحل أحمد زكي‏:‏ أنت جئت لي متأخرا يا عماد‏,‏ وكان يقصد بذلك شركته الإنتاجية‏,‏ التي لو وجدت من فترة أطول لكان قدم أحمد من خلالها الكثير

عام كامل مر علي رحيلك‏,‏ ولا أحد يصدق‏,‏ مازلنا نتساءل هل غيبك الموت؟ محبوك وأصدقاؤك مازالوا يفتشون عنك‏,‏ الكل يؤكد علي افتقاده لك‏.‏

بدءا من صديقك الإعلامي عماد أديب‏,‏ وابنك هيثم‏,‏ وابن خالك سمير عبدالمنعم‏,‏ وأطبائك المعالجين‏,‏ والملايين من جمهورك‏..‏ اتفقوا علي كلمة واحدة وحشتنا يا أحمد‏,‏ لكن روحك لاتزال حاضرة وبقوة‏,‏ لذلك فكل منهم يستدعيك يتحدث إليك‏,‏ يبحث عنك في فيلم من أفلامك‏,‏ يسترجع قفشة لك‏,‏ أو يضبط نفسه في حديث طويل معك‏.‏

ونحن أيضا نقول لأحمد زكي في ذكراه الأولي أنت معنا وستظل حاضرا للأبد بفنك وإنسانيتك‏,‏ خاصة وأنك واحد من الشخصيات التي تبقي في الحياة حتي النهاية‏,‏ واحد من هؤلاء البشر الذين لو دخلوا حياتك لن يخرجوا منها أبدا‏.‏

من أحلامه الفنية‏

في بداية حديثه لـ الأهرام العربي وعند سؤاله عن صديق العمر‏,‏ كان الصمت كثيرا ما يلازم الإعلامي عماد أديب‏,‏ الذي لم يصدق أن عاما كاملا مر علي رحيل أحمد‏.‏

وصمت الإعلامي الكبير ليس بجديد عليه‏,‏ فهو رفض الرد علي كل من اتهموه‏,‏ بأنه تاجر برفيق العمر‏,‏ مؤكدا أن الله أعلم بما في القلوب‏,‏ والذي لا ينساه أحد فينا هو رفضه القيام بتصوير أحمد زكي في أواخر أيامه‏,‏ علي الرغم من إلحاح أحمد شخصيا وطلبه ذلك‏,‏ وكذلك رفض استضافته في البيت بيتك لأن أحمد زكي وكما صرح يحب أن تظل صورته المليئة بالشباب والحيوية للنجم الأسمر هي الأخيرة‏.‏

·         لماذا لم يتم عرض فيلم حليم في ذكري أحمد زكي؟

لأن الفيلم يعتبر من أكثر الأفلام العربية كلفة‏,‏ لذلك أجلنا عرضه حتي نستطيع أن نحصل علي الإيراد المتوقع‏,‏ ومن هنا وجدنا أن فصل الصيف هو الفترة الأمثل لإمكانية الحصول علي الإيرادات التي نرجوها‏.‏

كما أننا اتفقنا علي أن نعرض الفيلم في سوق الفيلم الدولي الذي يعقد علي هامش مهرجان كان الدولي في مايو‏.

·         تعود علاقتك بأحمد زكي إلي عام‏..1974‏ هل هناك فترات انقطعت فيها العلاقة بينكما؟

لم يحدث أن افترقنا أنا وأحمد منذ لحظة لقائنا الأول‏,‏ حيث كان وقتها يعمل في فرقة الفنانين المتحدين‏,‏ وكان يقيم في بنسيون صغير بوسط القاهرة‏,‏ ويوميا كنا نلتقي‏,‏ ونجلس علي مقهي لاباس الشهير‏.‏

·         لكن هناك فترات غبت فيها عن مصر بسبب ظروف عملك؟

حتي خلال فترة سفري إلي لندن للعمل هناك‏,‏ كنا علي اتصال دائم‏,‏ وفي إحدي زياراتي إلي القاهرة التقيته‏,‏ ولاحظت أن صحته ليست علي ما يرام‏,‏ وقتها قمت باصطحابه إلي لندن‏,‏ وهناك قمنا بإجراء جراحة استئصال المرارة‏,‏ وبالمصادفة المحضة كان الطبيب المعالج له هو د‏.‏ وليم روجر‏,‏ نفس الطبيب المعالج لعبدالحليم‏,‏ وبعدها عاد إلي مصر في أحسن حال‏,‏ وظللنا علي اتصال دائم حتي عدت إلي القاهرة وتجددت لقاءاتنا‏.‏

·         ما أكثر الأشياء التي كنت تحبها في شخصه؟

لم يكن أحمد فنانا عظيما فقط‏,‏ بل كان إنسانا شديد النبل‏,‏ يحب الوفاء والذكاء‏,‏ وأيضا كان يكره الإهمال والخيانة والغباء في التعاملات الإنسانية‏.‏

·         يقولون إن الأصدقاء في كثير من الأحيان تجمعهم صفات مشتركة؟

يضحك قائلا‏:‏ أحمد كان فنانا عظيما أرددها للمرة الثانية‏,‏ ويندر أن يمنحنا الزمن مثله من جديد‏.‏

لذلك يصعب علي أن أقارن شخصي الضعيف به‏,‏ لكنني أعتقد أن أكثر ما كان يجمعنا هو السعي إلي التعامل بإنسانية مع الآخرين‏.‏

·         لماذا الإصرار علي عمل فيلم حليم‏,‏ علي الرغم من درايتك بظروف أحمد المرضية وحالته الصحية؟

صدقيني‏..‏ لم يكن أنا الذي أصررت والكثيرون يعلمون ذلك‏,‏ الذي أصر هو أحمد‏,‏ رحمه الله‏,‏ وذلك لكي يحقق حلمه الذي عاش محاولا تحقيقه لأكثر من‏9‏ سنوات‏,‏ وبوصفه شخصية مقاتلة وشديدة الإيمان كان يرفض أن يقهره المرض‏.‏

·         البعض رأي أن إقدامك علي إنتاج الفيلم بهذه التكلفة مخاطرة إنتاجية‏,‏ والبعض الآخر وجدها متاجرة؟

أولا أؤكد علي أن أحمد هو الذي أصر علي بدء تصوير الفيلم‏,‏ وكان من الصعب عليه أن أرفض طلبا له‏,‏ وثانيا من قال إن الصحة هي ضمان لأي منتج‏,‏ فهناك أناس يذهبون إلي عملهم وهم في منتهي النشاط والحيوية‏,‏ وقد لا يعودون‏.‏ الموت والحياة والرزق مسائل ليست من اختصاص البشر‏,‏ ولا تدخل في دائرتهم‏,‏ والإيمان بالله هو الفيصل في مثل هذه الأمور‏,‏ وعلي سبيل المثال هل يستطيع أي إنسان يعمل في عمل فني بعينه أن يضمن لنفسه أو للجهة المنتجة أنه سيعيش لكي يكمل العمل الفني الذي ارتبط به‏.‏ فلا توجد بوليصة تأمين للحياة والموت تضمن للمنتج أنه لن يتعرض إلي أي مخاطر‏.‏

·         ماذا عن الأغنية التي تغنت بها الفنانة ماجدة الرومي للفيلم؟

ستقدم الفنانة ماجدة الرومي أغنية بعنوان حبيبي وهي أغنية رومانسية تتحدث عن أن الحياة تفقد معناها حينما يغيب عنها أعز الناس لدينا‏,‏ كما أن الأغنية ستكون ضمن أغاني ألبومها الأخير‏.‏

·         بعد رحيل أحمد زكي قررت تبني هيثم فنيا؟

هذا الكلام ليس من باب المجاملة‏,‏ لكنني وكل من عملوا في الفيلم‏,‏ أقصد فيلم حليم‏,‏ وجدنا أن هيثم اكتشاف فني عظيم‏,‏ ورغم أن الموهبة لا تورث إلا أن هيثم في الأداء ينتمي لنفس مدرسة أبيه‏,‏ وستقوم شركة جود نيوز بإنتاج ثلاثة أفلام يشترك هيثم في بطولتها بهدف تقديمه بشكل إنتاجي يلائم موهبته الواعدة والمبشرة‏.‏

·         تردد أنك ستقوم بتسويق الـ‏making‏ الخاص بفيلم حليم فضائيا؟

هذا أمر لم نفكر فيه بعد‏,‏ لكن الأمر المؤكد أن أي شئ يخص الفنان أحمد زكي من الناحية الشخصية سوف يذهب دخله كاملا إلي مشروع صدقة جارية لروح هذا الصديق‏.‏

·         ما الترتيبات التي ستقوم بها للاحتفال بذكراه ؟

ترتيبات بسيطة‏,‏ لكنها تليق بهذا الفنان‏,‏ وسنحرص فيها علي إقامة احتفال ديني ليتذكره كل محبيه‏,‏ وكذلك سنركز علي ما قدمه من أعمال عظيمة أثرت في حياتنا‏.‏

·         كلمة تقولها لصديق العمر في ذكراه الأولي؟

نفتقدك في كل يوم وكل لحظة‏*‏

الأهرام العربي في 25 مارس 2006

 

سينماتك

 

بعد مرور عام علي رحيله‏:‏ أحمد زكي‏..‏ وحشتنا

جمع الشهادات ـ علا الشافعي ـ زينب هاشم

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك