عندما بدأت روبين سويكورد "Robin Swicord" بقراءة الرواية ''ذكريات فتاة الجيشا'' "Memoirs of a Geisha"، أحبتها من أول نظرة، كما صرحت بذلك مؤخراً في مقابلة لها: ''قرأت الكتاب حالما صدر، وسقطت فيه كسقوطي في بركة عميقة''. ولحدة تفاعلها مع نص الرواية الغنية الواقعية، جعلها ذلك تفقد إحساسها بالمكان، وعللت ذلك بقولها: ''عندما رفعت بصري عن الصفحة، شعرت بالحيرة لأنني لم أكن في اليابان''.

سويكورد هي كاتبة النصوص السينمائية التي قامت بكتابة سيناريو ''ذكريات فتاة الجيشا''، ومثل الكثير من القراء في كل أنحاء العالم، قراءتها الرواية - وهي قصة مشوقة عن حياة فتيات الجيشا في اليابان، في النصف الأول من القرن العشرين، رواية نصفها قصة حب، ونصفها سرد للتاريخ الثقافي الاجتماعي في اليابان - وشمت ذاكرتها بطابع خاص وعميق. وسوف يؤثر الكتاب على سويكورد في حياتها المهنية لمدة طويلة أيضا، لأنه أعطاها أهم الفرص في مهنتها حتى الآن، لأنه جعلها في الصفوف الأولى المرشحة لجوائز الأسكار لهذه السنة.

عند صدور الرواية في عام 1997م، كانت سويكورد قد أصبحت مختصة بكتابة سيناريوهات أفلام هوليوود، وكتبت سيناريوهات كل من: "Little Women" أو النساء الصغيرات بطولة "Winona Ryder"، وفيلم "Practical Magic" بطولة "Nicole Kidman" و"Sandra Bullock". لكن كانت قصة ''ذكريات فتاة الجيشا'' شيء آخر، فهي قصة معقدة بمستويات عدة، قدمت لسويكورد فرصة باذخة، ولو إنها وضعتها في صعوبات أيضا. قالت سويكورد: ''عند قراءتي الأولى الرواية، لم أتصور فورا أنها ستكون في يوم من الأيام فيلما''. ولم تتوقع أنها ستكتب سيناريو هذه الرواية، وتذكر سويكورد أنها عندما سمعت عن حصول إستوديو "Sony" على إذن لإنتاج الفيلم قالت: ''يا إلهي، أتمنى أن يصنعون فلما جيدا''.

من المعروف أن إنتاج الأفلام في هوليوود يأخذ مدة طويلة، وبعد عدة سنوات من حصول "Sony" على إذن إنتاج فيلم ''ذكريات فتاة الجيشا''، تابعت سويكورد التقدم البطيء المراحل الأولى للفيلم. وقتها كان من المتوقع أن يخرج الفيلم "Steven Spielberg"، ولكنه فضل أن ينتجه، وأصبح روب مارشال "Rob Marshall" المخرج (وهو مخرج فيلم "Chicago"). أحبت سويكورد أعمال مارشال، فطلبت منه أن تقوم هي بكتابة سيناريو ''ذكريات فتاة الجيشا''، ووافق على طلبها بعد مقابلته لها.

اندفعت سويكورد تبحث في الرواية بنشاط وحماس، وخلال هذه الفترة المجهدة زارت كيوتو في اليابان، حيث يقع حي الجيشا الموصوف في الرواية (وكانت سويكورد قد سمعت عن كيوتو من أبيها، الذي خدم في كوريا ضمن القوة البحرية الأمريكية). بدأت تتعاون مع مارشال في كتابة السيناريو وذلك في بداية عام 2004م، فتقول بشأن ذلك: ''هو شيء حتمي، عندما تعمل على قصة مثل هذه القصة الغنية والمدهشة، تصبح مهووسا. كنت أعمل طول اليوم وبعض الليالي وأكثر من مرة لم أنم لمدة يومين أو ثلاثة.

الآن أشعر بالغربة لأنه تم الفيلم - أشعر بالوحدة وكأنني فقدت شيئاً مهماً''. في كل يوم كانت سويكورد تختفي في مكتبها خلف البيت، وذكرت هذه الفترة قائلة: ''تبدأ الكتابة عندي بعد مرحلة صارمة من التلخيص والتركيب، بعد هذه المرحلة أشعر بحرية أكبر، لذلك لا أخاف من القفز داخل الكتابة لأنني أعرف أين سأهبط بنفسي. أنا محظوظة جدا - لأني أقرأ وأكتب القصص، من دون أن أغير البيجامة!''.

تستمر سويكورد في حديثها: ''لم أعمل أبدا مع مخرج بهذا المستوى من القرب. بعد ما أنهيت عدد من الصفحات أعطيتها إلى روب (مارشال)، وقرأها ثم اقترح بعض التغييرات. كان أسلوبا فعّالا، إستمتعت بالعمل معه لأننا اشتركنا في الرؤية نفسها. وفي رأيي أنه عبقري، لأنه يفهم المسرحية والموسيقى والرقص، ولديه مهارات كثيرة، وهو إداري بالفطرة. يتحدث ''Howard Gardner'' (وهو مثقف وعالم نفساني تربوي أمريكي) عن الأنواع السبعة من الذكاء، وروب يمتلك هذه الأنواع السبعة. كما كان منفتحاً في أسلوب عمله أيضا، وأعتقد أن هذه صفة تأتي من تجربته كراقص، فهو لا يخشى أن يخطو في الاتجاه الخاطئ.

عمل لسنوات في المسرح الموسيقي، فتطور بهذه الطريقة -هو شجاع. بينما هناك الكثير من الناس موهوبون لكنهم مثقلون بالأنا الهشة، وبعض الأحيان من الصعب العمل معهم، لأنه لا يوجد معهم مجال للتجريب''.

تمتاز رواية ''ذكريات فتاة الجيشا'' بالكثير من الأفكار الذاتية، ويترتب على ذلك أنه من الصعب كتابتها كسيناريو، ولحسن الحظ كان الكاتب آرثر جولدان "Arthur Golden" مستعدا للمساعدة، فتقول سويكورد عن ذلك: ''كتابة السيناريو عملية تعبيرية دائما، وبالطبع هناك أجزاء أصلية من النص الروائي، ولكني عملت مع المؤلف بشكل دائم، كي أعبر عن أفكار الرواية على نحو يتناسب مع السينما. كتبت هذه الرواية برؤية شخصية، ولها حوارات تأملية داخلية طويلة، وتتنقل من زمن إلى زمن، لذلك أعددت جدولا للأحداث فيها. تحتوي الرواية على الكثير من التفاصيل حول حياة فتيات الجيشا، والحياة في القرية، وكانت ستبطئ القصة على الشاشة، إذا أن السيناريو هو تقطير للقصة الأصلية.

كان آرثر (جولدان) متعاوناً جدا، أعطى لنا أوراقه وأبحاثه، وفضلا عن ذلك أعطانا مخطوطته الأصلية غير المحررة، التي ساعدتنا بصورة كبيرة.

دعمنا عندما غادرنا النص الأصلي، لأنه ليس لديه غريزة دفاعية عن الأشياء بصورة ثابتة. وبعد ما تم الفيلم، وكنا في الاحتفالية المقامة للصحافيين، اقترب آرثر منّا وشكرنا''.    

تستمر سويكورد في الحديث: ''تأثرت بقصة الفتاة الصغيرة التي تفقد عائلتها، ثم بيعت لتدخل عالم العبودية، حتى أن الذين عاشت معهم عاملوها بقسوة ولم يظهروا أية طيبة لها، تمسكت هذه الصغيرة ببعض الأمور التي دفعتها للحياة، وهي اعتقادها أنها شخص يستحق أن يحب وأن ينال الحب بالمقابل''. حاولت سويكورد التأكد من أنها حافظت على العناصر الأربعة للوجود، وهي النار والماء والهواء والتراب، لتحديد الشخصيات بهذه العناصر، مثل تحديد شخصية سايوري "Sayuri" والتي ربطها برمز الماء، وهتسومومو "Hatsumomo" والتي رمزت لها بالنار. فأَكدت سويكورد هذه الصور في الفيلم، وتقول عن ذلك: ''القوة عند سايوري في حركتها المائية، بينما نرى هتسومومو للمرة الأولى وهي تضرب صواناً (حجر الولاعة)، ومن المفترض أن تجلب هذه الحركة الحظ السعيد في الثقافة اليابانية، ويقدمها من خلال صورة النار''.

وهذا الفيلم يختلف عن الرواية في مشهد واحد، فيوجد في الرواية مشهد يتناول حريق القرية الكائنة على الجبل، ولكن لتصوير الفيلم في كلفورنيا، أصبح من الصعب عمل حريق على جبل، لأنه سيكون مكلفاً كثيراً، لذلك تم وضع النار في بيت إحدى فتيات الجيشا. وتم وضع خلفية من شاشة فضية كبيرة، لجعل الإضاءة مشابهة للإضاءة في اليابان.

ربحت سويكورد جائزة "Golden Satellite" لأفضل سيناريو مقتبس من الأكاديمية الصحفية الدولية، و تزيد هذه الجائزة إمكانية فوزها بجائزة الأسكار في شهر مارس(آذار). ولكن ما زالت هذه أم الطفلين متواضعة، وتفضل أن تركز على الأعمال التي تقوم بها بشكل أفضل، وتقول: ''إنني محظوظة لأنني أعمل في أمر أحبه، فأنا أصبحت كاتبة حالما أدركتُ بأنّ الكتب تكتب، كطفل كتبت الروايات في العطلة الصيفية، كنت دودة كتب! شعرت بحماسة لمقابلة نجوم هذا الفيلم، لأن لديهم هالة خاصة''.

تخطط سويكورد لإخراج عدة مشاريع مستندة على سيناريوهاتها الخاصة، بالرغم من أن البطئ في هوليوود يعنى انتظار طويل قبل تنفيذ هذه المشاريع، ولكن قد تغير جائزة الأسكار كل شيء لروبين سويكورد.

الوطن البحرينية في 15 فبراير 2006

 

«مذكرات فتاة الغيشا» نموذج لعولمة الانتاج السينمائي 

كفيلم امريكي ببطولة ممثلة صينية تؤدي دوراً »يابانياً« اختار صانعو فيلم »MEMOIRES OF A GEISHA« »مذكرات فتاة الغيشا« مدينة عصية لاقامة عرضه العالمي الاول، فقد عرض الفيلم في طوكيو في ٩٢ تشرين الاول الماضي فجاءت ردود الفعل مختلطة.

وانضم مخرج الفيلم روب مارشال، الذي فاز بجائزة الاوسكار لافضل فيلم على »شيكاغو« سنة ٢٠٠٢، الى طاقمه متعدد الجنسيات ليمشي على البساط الاحمر في قاعة مصارعة السومو الوطنية في طوكيو حيث اقيم العرض وسط ضجة سينمائية دولية.

ان الفيلم الامريكي - الياباني الانتاج هو نموذج للعولمة في الصناعة السينمائية لخلطة الشرق والغرب. فثمة ممثلات صينيات يلعبن دور فتيات غيشا يابانيات، وبلاتوهات مقامة في كاليفورنيا لتكون بمثابة مقاهي الشاي في طوكيو، ،والفيلم الذي صنع في هوليوود مرصع بممثلين آسيويين. وقال مارشال: »قررنا ان نقيم العرض الاول هنا لانه قصة حب، وهو قصة حب عن اليابان ايضاً«.

الفيلم الذي نزل الى صالات العرض الامريكية واليابانية في مطلع كانون الاول مقتبس من رواية لآرثر غولدن ظلت على لائحة نيويورك تايمز لاكثر الروايات مبيعاً مدة سنتين وبيع منها اكثر من اربعة ملايين نسخة باللغة الانكليزية.

طاقم الفيلم تتزعمه زيي (بطلة »النمر الرابض، والتنين الخفي«)
التي تلعب دور سايوري فتاة الغيشا، والممثلة الياباني كن واتانابي (بطل »آخر الساموراي«) في دور الرئيس، الذي عشقته سايوري سراً طيلة عمرها.

وتلعب الممثلتان الصينيتان ميشيل يوه وغونغ لي ودورين رئيسين آخرين. وتروي قصة الفيلم لارتقاء فتاة صينية من مجتمع فقير في قرية يابانية لصيد الاسماك الى حياة في المجتمع الراقي كغيشيا - اي امرأة مدربة على الرقص والغناء والكلام لتصبح رفيقة لرجل من الاغنياء.

الا ان مؤهلات الفيلم الهجينة ثقافياً تجلب معها تساؤلات حول الصدقية والاصالة: »هل تستطيع فتيات صينيات تصوير النقاط الرهيفة للثقافة اليابانية بدقة؟ هل يستطيع مخرج امريكي يعمل على اساس رواية امريكية، ان يفي تقاليد الغيشا غير المفهموة تماماً خارج اليابان، حقا؟

والحقيقة ان المشاهدين اليابانيين غلب عليهم الفضول لمعرفة كيف ستصور هوليوود بلدهم، ولكنهم لم يقتنعوا كلهم.

يوكيكو كامياما (٨٢سنه) الموظفة في المكاتب، قالت: »احسست وكأنني اتفرج على فيلم تدور احداثه في الصين، انني معجبة جداً بالممثلة زيي زانغ ولذلك شئت ان اشاهد الفيلم. الا  انني لن اوصي احداً بمشاهدته«.

الا ان الآخرين قالوا القصة الجذابة تغلب على مثل هذه الهواجس. وقال كيومي ماتسوموتو(٩٣سنة): »اندمجنا بسرعة في عالم الغيشا ذاك فنسيت بقية الاشياء. ولقد ابرز هذا الفيلم الجانب الجميل لليابان، النساء الكيمونو اشياء جميلة جداً«.

مارشال، الذي يعتبر العمل على رواية يحبها كثيرون امراً »مخيفاً جداً«. قال ان سعى إلى تقويم المفاهيم عن الغيشا - اللواتي يعتبرون في الغرب مجرد مومسات مجيدات.

كما انه دافع عن اختياره لزيي للقيام بالدور الرئيسي، قائلاً: »انها الشخص المثالي لاداء ذلك الدور«.

وقال واتانابي انه اعجب كثيراً بجدية زملائه الصينيين في تعلم الاشياء عن الثقافة اليابانية، ومشيراً بذلك الى الدورة المستعملة لدراسة ثقافة الغيشا التي دامت اسابيع واخضعت زيي زانغ والممثلات الاخريات.

وقالت يوريكو اوزوا التي حضرت العرض الاول للفيلم: »ان حياة الغيشا، اصبحت شيئاً غريباً على كل حال، ولذلك ماذا يهم ان لعبت الدور ممثلات يابانيات او صينيات؟ اعتقد ان القصة في غاية البساطة والنساء بصورة خاصة سيعجبهن الفيلم.

وثمة ثلاث ممثلات يابانيات يؤدين ادواراً نسائية رئيسية اخرى، وهن كلوري موموي ويوكي كودو وسوسوكا اوهغا (هذه الاخيرة في دور سابوري في حداثتها)

»مذكرات فتاة الغيشا« يأتي كاحدث فيلم في سلسلة الافلام الامريكية ذات مواضيع يابانية، الا انه يكسر التقاليد باسناد الادوار الرئيسية لاسيويين ففيلم »آخر الساموراي«، مثلاً كان ببطولة توم كروز. واحدث فيلم ضاع في الترجمة »لبيل مري دارت في طوكيو الا ان الادوار اليابانية اخذت موقعاً خفياً في القصة التي تدور حول اثنين من الامريكيين.

الأيام البحرينية في 28 مارس 2006

طارق الشناوي يكتب: والصعاليك أيضًا لديهن حكايات!!

«فتاة الجيشا».. لا تبيع الجنس لمن يدفع أكثر..!  

«فتاة الجيشا» لا هي عاهرة ولا هي زوجة... لا تبيع شرفها لأي إنسان بضاعتها ليست هي الجنس، وإن كانت لا تخلو العلاقة معها من الجنس سواء كان رغبة محققة أو هي رغبة كامنة في سبيلها للتحقيق.. لكنها لا تبيع أبدا لمن يدفع أكثر.

«فتاة الجيشا» لها مواصفات مثل الجمال والقدرة علي الرقص والعزف والغناء والتعبير وهي مثقفة تمتلك الحكمة أو تسعي لامتلاكها وتستطيع لفت الانتباه في أية لحظة.. لا يمكن للرجل أن يقاومها أو يتجاهل وجودها.. هن يشكلن مجتمعا في اليابان يعيشن في هاناماتش مكان تتعدد فيه هذه البيوت وهي مقصد الأغنياء في القرن الماضي.. وأحداث فيلم «فتاة الجيشا» المأخوذ عن رواية أدبية بنفس الاسم لـ «أرثر جولدن» ترجمت إلي 32 لغة وحظيت بلقب أكثر الكتب مبيعا في العالم.. الأحداث تبدأ في نهاية العشرينيات من القرن الماضي قدمها المخرج «روب مارشال» في فيلم شديد التعاطف مع «فتاة الجيشا» فهو لا يدينها وتستمر الأحداث حتي نهاية الحرب العالمية الثانية التي أسفرت عن هزيمة اليابان واستسلامها لـ «أمريكا».

من خلال هذا المجتمع الذي يبدو مغلقا وضيقا نكتشف كل دوافع البشر الكامنة، الحب التضحية، الحقد الغيرة، الخوف من الهزيمة أمام البشر وأمام الزمن وأمام القيم الراسخة!!

بطلة الفيلم التي قدمها المخرج طفلة فقيرة باعها أهلها هي وشقيقتها بسبب الفقر.. لا تبدأ رحلتها كـ «فتاة جيشا».. ولكن مجرد خادمة في أحد البيوت التي ترعي فيها فتاة جيشا حسناء تكبر بطلة الفيلم ببضع سنوات.. ويقدم الفيلم ملامح الثقافة اليابانية التي تؤثر في سلوك البشر.. حيث إن هذه الفتاة تعيش مع عائلة أم وابنتها وفتاة جيشا وفتاة أخري.. الرغبة في الهرب تصبح هي المحرك لهذه الفتاة الصغيرة فهي تريد أن تخرج بعيدا عن تلك الأسوار.. وهي فتاة تحترم كلمة الشرف ولهذا تستغلها «فتاة الجيشا» الأكبر عمرا منها وتلمح القسوة الشديدة التي تمارس عليها من قبل الأسرة التي تعيش عندها الأم تضربها بضراوة.. ثم تستمتع بعد ذلك بأنات صراخها وابنتها تواصل الضرب.. وتحرص الأم علي أن تخفض صوت المذياع قليلا لتتأكد من استمرار الضرب ثم يعلو صوت المذياع مرة أخري ولا يختفي صوت الضرب بالعصا ولا صوت آلام الفتاة في تعبير سينمائي مؤثر بالصوت بدون أن نري حقيقة ما يجري للفتاة.. ولكننا نشعر بالطبع بمأساتها ونتعاطف معها.. ومرة ثانية أرادت «فتاة الجيشا» أن تورطها في كذبة بحجة أن عليها أن تحفظ العهد.. لكنها وشت بواقعة ممارسة «فتاة الجيشا» للجنس من وراء ظهر العائلة التي تأويها.. بينما كانت «فتاة الجيشا» تدس في يدها مبلغا نقديا حتي تبدو أنها سارقة ويوقع عليها العقاب.. ولكن الفتاة تنقذ نفسها بالاعتراف بتلك العلاقة التي جمعت بين «فتاة الجيشا» وأحد الجنود اليابانيين مقابل حصولها علي المال.

تبدأ الفتاة في النمو وتبدو ملامحها الأنثوية وهي في طريقها للاكتمال ويعطف عليها رجل يري فيها أنها من الممكن أن تتحول إلي مشروع اقتصادي ناجح.. وتبدأ رحلتها في هذا العالم وتنتقل من درجة خامدة إلي فتاة جيشا لها سعر.. حيث تتعلم أصول العزف والغناء والرقص والغواية وأيضا الحكمة.. ولأن للعذرية ثمن فإن «فتاة الجيشا» وهي امرأة في نهاية الثلاثينيات من عمرها التي تتبناها تشعر أن الزمن القادم ليس في صالحها وأن جمالها سوف يخبو لا محالة وينبغي أن تحتي خلف حسناء شابة أخري.. وفي نفس الوقت فإنها تتلقي من راعيها ثمنا مضاعفا لتبنيها تلك الفتاة.. وتحكي لها أسطورة يابانية عن الثعبان والكهف وهذه الأسطورة هي معادل موضوعي للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.. وفي السوق دائما للعذرية ثمن وتحصل بطلة الفيلم علي أكبر ثمن للعذرية متجاوزة حتي الرقم الذي وصلت إليه «فتاة الجيشا» المخضرمة الحسناء التي ترعاها وتعلمها أصول الصنعة.. تجد في الفيلم كل مفردات الحياة والثقافة اليابانية مثل مشروب «الساكي».. والمصارعة الحرة اليابانية «السومو» والأكلة المفضلة «السوشي».. الثقافة اليابانية التي تنضح بكل مفردات الاحترام للأكبر سنا أو مقاما.. أجواء يابانية خالصة في عمقها وعبقها قدمها المخرج الأمريكي وفي تتابع سينمائي يلجأ لأسلوب السرد.. حيث تحكي الفتاة حكايتها بأسلوب أدبي يقطر بكل آيات الحكمة والتعاطف.. أنت لا تحكم بالطبع أخلاقيا علي «فتاة الجيشا» بالمفهوم المباشر للقيم الأخلاقية ولكنك تنظر إليها بزاوية رؤية تحتوي مفردات الزمن الذي تعيش فيه والبيئة التي تصنع مقومات الشخصية فهي تظل رافضة لمبدأ بيع نفسها لأي شخص حتي لو دفع الثمن ولهذا نشاهدها كثيرا وهي تقاوم للاحتفاظ بعذريتها.. لأنها لا تريد أن تبيع لمجرد المبدأ نفسه.. ثم نشاهدها وهي تحتفظ بمنديل للرجل الوسيم الذي أحبته وهي طفلة وأهداها آيس كريم وحطم إحساسها الدائم بالحزن.. تحتفظ بمشاعرها تجاهه رغم أنها تعلم أنه تعاطف معها لإحساسه أنها صفقة رابحة له لتقديمها لرئيسه.. ولهذا قام بالاتفاق مع «فتاة الجيشا» لتعليمها واحتضانها.. الفيلم دائما به هذا الخداع بين الأطراف مثلا الفتاة التي ترعاها تريد أن تظهر مفاتنها فتجعلها تدمي نفسها بجرح غير جائر في منطقة حساسة من جسدها حتي يشاهد جسدها الطبيب ويزداد سعرها بعد أن يكتشف ما هو تحت ملابسها!!

الحرب العالمية الثانية والتي أحالت مدنا يابانية إلي رماد وأضحي الأثرياء فقراء.. قدم الفيلم الضباط الأمريكان وكيف أن الغزو بالنسبة لهم لم يكن مجرد تحطيم حياة بشر واحتلال أرض ولكن أيضا متعة حسية يسعون من أجل أن ترتوي بسحر فتيات الجيشا.

بالفيلم زمن يعود إلي أكثر من 70 عاما بكل مفرداته السياسية والاقتصادية والنفسية.. وبالفيلم سحر هو ذلك الذي تشبع به الثقافة والقيم اليابانية وبالفيلم سر هو أنه قدم حياة فتاة عادية لا هي ملكة ولا أميرة ولا وزيرة.. ولكن المخرج عرف كيف يصنع من الحياة العادية التي هي أشبه بمذكرات شخصية.. سحرا سينمائيا لا يمكن أن تنساه أو تسلاه!!

جريدة القاهرة في 7 مارس 2006

 

بقرار مـــن وزارة الإعلام وقف عرض فيلم «مذكرات جيشا»

كتب أحمد ناصر: 

لم يكمل الفيلم السينمائي «مذكرات جيشا» يومه الثالث في صالات العرض الكويتية، حتى أمرت وزارة الإعلام بإيقافه، بعد أن أبلغ المشاهدون شركة السينما الكويتية بأنه لا يصلح للعرض، وطلبوا منهم منعه. «القبس» تابعت الموضوع ورصدت أسباب منعه.

قال الشيخ دعيج الخليفة الصباح، رئيس اللجنة الإعلامية في شركة السينما الكويتية:

ـ الفيلم يتناول قضايا موجودة في العديد من المجتمعات، وربما تكون موجودة في مجتمعنا. ونحن عرضناه بعد أن تلقينا موافقة مبدئية من وزارة الإعلام ممثلة بلجنة رقابة الأفلام. ووجهة نظرنا أن الفيلم لا يسيء إلى أحد ولا يسيء إلى المجتمع بشيء، كما انه من الناحية الفنية راق جدا.

لكن بعض الجمهور أبلغنا باحتجاجه عليه، وبعد يومين على بدء من عرضه أبلغتنا وزارة الإعلام بضرورة وقف عرضه لأنه، كما قالوا، يحمل قيما لا تليق بالمجتمع الكويتي. فاحترمنا وجهة نظر الوزارة وأوقفنا عرضه من دون تردد.

وتابع الخليفة:

ـ نحن على اتصال دائم بلجنة الرقابة التي تمثل وزارة الإعلام، وعلى ثقة تامة بحسن التعامل فيما بيننا. ونحن نقدم لهم الكثير من الأفلام لإجازتها قبل عرضها للجمهور، ومن بين هذا الكم الكبير لابد أن تحدث بعض الأخطاء غير المقصودة، ودورنا أن نتفادى هذه الأخطاء قدر الإمكان.

وحول دور وزارة الإعلام ووجهة نظرهم في الموضوع، أكد إبراهيم النوح وكيل الوزارة المساعد للمطبوعات ورئيس لجنة رقابة الأفلام:

ـ ان اللجنة حريصة على مشاهدة كل الأفلام التي تقدم للجنة، ولكن ولكثرة ما تعرضه الشركة على اللجنة تحدث أحيانا أخطاء.. وهذا طبيعي من الطرفين.

وحول فيلم «مذكرات جيشا» بالتحديد قال :

ـ لجنة رقابة الأفلام لم تجز عرض الفيلم، ولم توقع على الموافقة على عرضه، وأجلنا البت في الموضوع. وربما شعر مسؤولو الشركة بأننا سنوافق لاحقا مما دعاهم، وبحسن نية، إلى عرضه.

أقول إنني أعتقد أن هذا ما حدث لأنني أعرف مدى تعاونهم وحرصهم على رأي اللجنة، وأن تجري إجازة الفيلم من قبلنا قبل العرض.

وتابع النوح:

ـ كما قلت لك إننا كلجنة لم نجز الفيلم، وعندما علمنا بأن الشركة عرضته سارعنا بطلب وقفه، ونفذت الشركة من دون تردد أو تأخير، وهذا في رأيي يحسب لهم.

تدور احداث الفيلم في اليابان في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، حيث تباع فتاة صغيرة فقيرة تعيش في قرية تعتمد على صيد الأسماك الى أحد بيوت الجيشا، وهناك تتلقى كل التعاليم الخاصة بتربية فتيات الجيشا. وبسبب جمالها وذكائها تستطيع هذه الفتاة الصعود الى طبقات المجتمع العليا وتقترب من كواليس السياسة وتلعب دورا مهما في المجتمع الياباني الراقي.

ويذكر ايضا ان الفيلم من انتاج عام 2005 ومن اخراج روب مارشال، وقد حصل أخيرا على جائزة الجولدن غلوب كأفضل فيلم، كما انه مرشح لست جوائز أوسكار في مجالات الاخراج وتصميم الأزياء والصوت والمونتاج والموسيقى والتصوير.

القبس الكويتية في 16 فبراير 2006

 

سينماتك

 

مذكرات كاتبة سيناريو.. الأم التي أنجبت ( فتاة الجيشا )

ترجمة وتحرير - عائشة سلدانة*

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك