كيف استطاعت السينما أن تزرع البسمة على شفاه الجمهور، وكيف نجحت في بلورة الفيلم الكوميدي، في مواجهة أنواع عديدة من الأفلام التاريخية والتراجيدية والسياسية والعنف والرعب وغيرها. حتى أصبح للفيلم الكوميدي نجومه ومشاهيره. وهكذا كان أيضا في السينما العربية، خاصة المصرية، إذ لم تقدم أفلاما كوميدية إلا تلك التي قادها الفنان دريد لحام مع تجاربه اللبنانية. وظل الفيلم الكوميدي هو فيلم له هويته في السينما المصرية.

لقد شهد الفيلم الكوميدي بمختلف مستوياته الفنية والفكرية، وأنواعه من الكوميديا الراقية إلى الملاهي الهزلية، موجات من التطور والتجديد ثم الانحسار والانحدار، لكنه رغم ذلك ظل جزءاً أصيلاً، وضاحاً محلقاً من جناحي تاريخ الفيلم المصري - مع الميلودراما منذ العشرينات وحتى الآن.

والفيلم الكوميدي هو ذلك البناء الذي يتم فيه عرض الشخصيات والأحداث بطريقة تكشف عن المفارقات، والمتناقضات، والمفاجآت في طابع البشر وعادات المجتمع ونقائض الحياة، بطريقة نقدية ساخرة تثير الضحك. وهناك الكوميديا الغنائية أو الاستعراضية أو الاجتماعية إضافة إلى الأفلام الهزلية .. وقد تتداخل هذه الأنواع معاً في عمل واحد، فنجد أفلاماً غنائية استعراضية هزلية، وهي التي يزخر بها تاريخ السينما في مصر. شأن الميلودراما، اعتمدت الكوميديا في بداياتها على التراث المسرحي، وقدمت فرقة خدزي الجزايرلي فيلم ''مدام لوليتا'' وفرقة علي الكسار فيلم ''الخالة الأمريكانية'' وفرقة أمين عطا الله فيلم ''البحري بيضحك''، كما قدم الريحاني فيلم ''صاحب السعادة كشكش بك''... وتتناول شخصية كشكش بك عمدة كفر البلاص... وهي الشخصية التي اشتهر بها الريحاني على المسرح في تلك الفترة، مثل شخصية بربري مصر الوحيد عثمان عبدالباسط، كما نقل إسماعيل يس بعد ذلك أدواره المسرحية ولوازمه إلى الشاشة، وهو ما فعله فؤاد المهندس أيضاً.

فهل الفيلم الكوميدي، شأن غيره من أنواع السينما المصرية، من الكوميديات الأجنبية، فتم نقل واقتباس وإعداد واستلهام وتقليد وتمصير أعمال شابلن وآبوت وكاستيللو وماك سينيت وباستر كيتون وجيري لويس وغيرهم من الأسماء التي لمعت خلال السنوات الأولى للسينما الصامتة، ثم الناطقة؟

وإذا كان تاريخ الفيلم الكوميدي قد ارتبط بأسماء كبار الممثلين الكوميديين من علي الكسار إلى عادل إمام، باعتباره تاريخ شخصيات، ذات أفلام تعتمد اعتماداً أساسياً على شعبية وجماهيرية نجوم الكوميديا... فإن هذا التاريخ أيضاً ارتبط بأسماء عديد من المخرجين أفردوا مساحة كبيرة من إنتاجهم للكوميديا السينمائية، منهم توجو مزراحي ونيازي مصطفى وحلمي رفلة وحسين فوزي وعباس كامل وحسن الصيفي وفطين عبدالوهاب وأحمد فؤاد ومحمد عبدالعزيز وشريف عرفة ونادر جلال وسمير سيف.. وغيرهم. وإن لم تخل قائمة أفلام هؤلاء المخرجين من أعمال غير كوميدية بالطبع. كما تضمنت فيلموجرافيا مخرجين آخرين كبار بعض الأعمال الكوميدية، مثل صلاح أبوسيف في ''الحب بهدلة'' و''شارع البهلوان'' و''البنات والصيف'' و''بين السماء والأرض'' و''الزوجة الثانية'' وكذلك أحمد بدرخان وبركات.. كما قدم شاهين ''أنت حبيبي وبين ايديك'' وكمال سليم ''ليلة الجمعة'' وأحمد كامل مرسي ''إديني عقلك..'' و''أمريكاني في طنطا'' وغير ذلك.

شكل الريحاني والكسار ثنائياً متنافساً في المسرح والسينما.. فحين قدم الريحاني فيلمه ''بسلامته عاوز يتجوز'' من إخراج الكسندر فاركارش عام ..1936 قدم الكسار فيلمين من إخراج توجو مزراحي ''ميت ألف جنيه'' و''غفير الدرك''. وتستمر العلاقة الفنية بين مزراحي والكسار لتتوالى أفلامهما التي تصل مجموعها إلى عشرة أفلام من 1936 وحتى ,1944 وهي أفلام تنتمي في معظمها إلى عالم الكوميديا الخفيفة فلا تعمق في تصوير الشخصيات، ولا فلسفة في الأحداث ولا تثقيل للكلمات بمعان كبيرة، فهي أعمال شديدة البساطة، تستهدف بعث مشاعر البهجة والفرح في نفس المشاهد، ويصل بعضها إلى مرحلة ''الفارس'' مستخدماً كوميديا سوء التفاهم وما ينتج عن ذلك من مواقف تصل إلى حد التهريج.

اعتمد الكسار في السينما، كما في المسرح، على شخصية عثمان عبدالباسط التي اشتهر بها، وابتكرها في مواجهة شخصية كشكش بك للريحاني، لكنه ظل أسير هذه الشخصية التي لم تتطور، كما لم ينجح في تقديم غيرها من الشخصيات، فهي شخصية نمطية لها صفات خلقية وسلوكية لا تتغير، تتمتع بطيبة القلب وبعض التغابي والاستبلاه، وسعة الحيلة مع مزجها بحب المرح والحياة و''النساء''، ولها طريقة خاصة في الحديث واستعمال الألفاظ النوبية التي تثير الضحك خاصة مع لون البشرة الأسود، وكان أداء الكسار لهذه الشخصية يتميز بخفة الدم ونقاء الروح ورقة الأداء.. إضافة إلى موهبته وقدرته على الارتجال.

حاول توجدو مزراحي - بعيداً عن الكسار - أن يخلق شخصية على غرار شخصية شارلي شابلن، فابتكر شخصية ''شالوم'' فجاءت سخيفة غير مقنعه، خاصة أن الذي قام بأدائها كان ممثلاً غير موهوب.

واتسمت أفلام مزراحي في عمومها؟، بالمواقف المصطنعة والمبالغات، والنكات اللفظية، والسعي لضمان المشاهدين، حتى لو ظهر بطل الفيلم وقد ابتل بنطلونه من الخوف كما في فيلم ''الدكتور فرحات''، وقد نجحت هذه الأفلام رغم ذلك نجاحاً جماهيرياً واسعاً، وحققت إيرادات ضخمة وشهرة عريضة لأبطالها، خاصة علي الكسار.

كان فيلم ''سلامة في خير'' عام 1937 إخراج نيازي مصطفى، ثالث أفلام الريحاني، وهو أول محاولة حقيقية، ناجحة، لتطوير الكوميديا في السينما المصرية، فقد نبعت الفكاهة من خلال الموقف والأداء الجيد للريحاني... وتخلص التمثيل من المبالغات التي سادت، وشابت أداء الممثلين في تلك الفترة، ولم يعتمد على اللعب بالألفاظ... أو الافتعال..

لم يرتبط الريحاني بنيازي، وإنما قدّم أعمالاً أخرى مع ولي الدين سامح وإبراهيم حلمي، وآخر أفلامه ''غزل البنات'' مع أنور وجدي..

أجاد الريحاني تجسيد شخصية الإنسان الطيب، المسالم، المنتمي إلى عالم الكادحين المقهورين، الذي يسعى جاهداً للاحتفاظ بصفاء روحه والاستمساك بالقيم والأخلاق رغم ظروفه الحياتية، النفسية، الصحية. وقد ساعده على ذلك رهافة حسه، وموهبته الفريدة وقدرته على أداء الموقف الكوميدي والتراجيدي، بنفس المستوى الرفيع من الكفاءة، خلال صوته ذي النبرة الخاصة، المنطلق من القلب إلى القلب...

ولذا فقد ظلت أفلامه، رغم قلة عددها من العلامات الهامة في تاريخ الفيلم الكوميدي الراقي في السينما المصرية.

احتشدت قائمة أفلام نيازي مصطفى بعشرات الأفلام الكوميدية تنتمي إلى الهزليات الصغيرة من نوع ''إسماعيل يس طرزان'' و''جواء والقرد'' و''بنت اسمها محمود'' و''القراداتي''... وغير ذلك من الأفلام متدنية المستوى، فكرياً وفنياً، والتي تحفل بكثير من الاستخفاف والابتذال والارتجال، وقد استغل في الستينات، موهبة الفنان فؤاد المهندس، وطاقاته الفنية الهائلة التي يلمسها المشاهدون على خشبة المسرح، في تقديم العديد من الأفلام الهزيلة، التافهة ، والتي شاركه فيها مخرجون آخرون ظلموا المهندس بالموضوعات الضحلة والمفتعلة والسخيفة،  وقد سقطت معظم أفلام نيازي وغيره التي اضطلع بها المهندس من ذاكرة السينما.. وربما لم ينج منها سوى الأعمال التي أخرجها له أهم مخرجي الكوميديا في تاريخ السينما المصرية، الفنان فطين عبدالوهاب الذي اقترن اسمه في مرحلته الأولى باسم الكوميدي الكبير إسماعيل يس حين قدما معاً عدداً كبيراً من الأفلام، خاصة السلسلة التي تحمل اسم ''إسماعيل يس في...'' الجيش والبوليس والأسطول والطيران، بالإضافة إلى ''الآنسة حنفي'' عام ...1954 وهو من أرقى أعمال فطين وإسماعيل يس.

الوطن البحرينية في 15 مارس 2006

 

تـاريــــــخ الكــومـيـــديــــــــا العــربـيــــة 2-2

من علي الكسار إلى عادل إمام فن صناعة النكتة السينمائية 

منذ انطلاقة السينما في مصر والفيلم الكوميدي يتربع بقوة بين أنواع الأفلام الأخرى. وقد استطاع أن يخلق له جمهوره وأبطاله وممثليه، عبر أجيال لم تتكر في تاريخ السينما. نواصل في هذه الحلقة فتح ملف تاريخ السينما الكوميدية المصرية لما لها من دور رائد في هذا المجال.

إسماعيل يس شابلن السينما المصرية:

كان إسماعيل يس فناناً متعدد القدرات، فهو مطرب ومونولوجيست وملحن، اعتمد على تقاطيع وجهه وفمه الواسع في تقديم الكوميديا.. وقد عمل ياسين لفترة طويلة في الأدوار الثانوية (سنيدا للبطل) يحمل قدراً من البلاهة والطيبة والغباء ومن ثم كان قاسماً مشتركاً في مئات الأفلام، حيث تتجاوز قائمته الثلاثمائة فيلم لعشرات المخرجين، منها ما يربو على مائة فيلم قدمها كبطولة مطلقة ربما كان الفنان الوحيد في تاريخ السينما المصرية الذي حملت عناوين أفلامه اسمه الشخصي.. ورغم هذه القائمة الكبيرة فإن عدداً محدوداً منها يصمد للتأمل وذلك أن معظمها تنويعات على شخصية إسماعيل يس واستثمار لنجاحه التجاري المتواصل، فهي تنتمي إلى عالم ''الفارس'' وتقوم على سوء التفاهم الشهير وتكثر فيها النكتة، ويلعب الحوار دوراً أساسياً بها... وعادة ما يؤدي إسماعيل يس دور الإنسان الطيب الذي يقع ضحية مؤامرات شريرة أقوى منه جسداً أو مالاً أو سلطة أو ذكاء... لكنه ينتصر في النهاية فأحد شروط الكوميديا هو النهاية السعيدة في كل الأحوال.

حين يتحرر فطين عبدالوهاب من قبضة أفلام إسماعيل يس التجارية، يقدم الكوميديا الاجتماعية الراقية الخالية من التهريج، التي سبق أن قدمها في عام 1952 في فيلم ''الاستاذة فاطمة'' الذي لعبت فيه النجمة فاتن حمامة دوراً كوميدياً لأول مرة، فتتألق أفلامه في الستينات ''إشاعة حب'' و''الزوجة ''13 و''آه من حواء'' وطريد الفردوس و''مراتي مدير عام'' و''أرض النفاق'' وغيرها... وهي أفلام متميزة، وذات مستوى فني جيد، وموضوعات جديدة قائمة على عناصر الكوميديا الحقيقية.

الكوميديا الاستعراضية:

شغلت الكوميديا الغنائية الاستعراضية الهزيلة التي تقحم فيها فقرات الاستعراضات والمونولوجات والرقصات، مساحة كبيرة من مجموعة أفلام الأربعينات والخمسينات وأوائل الستينات، من خلال مجموعة المخرجين أنور وجدي وعباس كامل وحسين فوزي وحلمي رفلة.. وغيرهم كما كان نجوم الكوميديا من ممثلي ممثلات الدرجة الثانية هم الأكثر انتشاراً في الأفلام الكوميدية، سواء الاجتماعية أو الغنائية والاستعراضية، كما كان معظمهم قاسماً مشتركاً في الميلودرامات للقيام بعمليات الترويج الكوميدي الذي تستلزمه الميلودراما - فنلمح على معظم ملصقات الأفلام أسماء حسن فايق وبشارة واكيم وعبدالفتاح القصري ومحمد كمال المصري (شرفنطح) وسراج منير ومحمد الديب ومحمد شوقي وماري منيب وزينات صدقي وفؤاد المهندس وعبدالمنعم إبراهيم وثلاثي أضواء المسرح وأمين الهنيدي ومحمد رضا ومحمد عوض وسعيد صالح ويونس شلبي واسعاد يونس وعادل إمام ومحمد هنيدي وعلاء ولي الدين ويوسف داود ونجاح الموجي وآخرين. في السبعينات، تنحسر موجة الأفلام الكوميدية الجيدة، وتغرق الأفلام في موجة من الأفلام التجارية وربما كان ذلك نتيجة لغياب النجم البازغ في مجال الكوميديا التي كما رأينا، تعتمد على اسم الكوميديان اعتماداً رئيسياً.. ويظهر توقيع المخرج أحمد فؤاد على العديد من الأفلام الضعيفة محاكياً استاذه حلمي رفلة، إلى أن يبزغ نجم المخرج محمد عبدالعزيز الذي يعد في جانب من أعماله استمراراً وتطويراً لأعمال فطين عبدالوهاب والأخيرة، حيث تبدت موهبته مع فيلم ''في الصيف لازم نحب'' عام ,1974 وظهرت براعته في تناول الموضوعات الكوميدية بحس ساخر، ورؤية نقدية للواقع، وقدرة على تفجير الضحكات من خلال عديد من المفارقات والتناقضات... كما يتألق في بناء المشهد الكوميد القائم على ايقاع الجملة والحركة والموقف.وتنطلق نجومية عادل إمام مع فيلم ''رجب فوق صفيح ساخن'' إخراج أحمد فؤاد عام ,1979 ليحطم كل الحواجز، ويصبح نجم النجوم في السينما المصرية وأكثرهم جماهيرية وشعبية بعد خمسة عشر عاماً من الأدوار الثانية والمساعدة،التي بدأها بفيلم ''أنا وهو وهي'' عام 1964 بطولة فؤاد المهندس وشويكار!

عادل إمام الورقة الرابحة في الكوميديا:

يستثمر عشرات المخرجين موهبة وحضور وجماهيرية عادل إمام في تقديم عشرات الأفلام متراوحة المستوى، وان سادت الكوميديات الهابطة فترته الأولى مثل ''المتسول'' و''شعبان تحت الصفر'' و''عنتر شايل سيفه'' و''رمضان فوق البركان'' وان حققت أعلى الإيرادات في تاريخ السينما...كما قدم عادل إمام مجموعة من الأعمال مع محمد عبدالعزيز ونادر جلال وسمير سيف، تختلف عن سابقاتها في مستوى الحرفة، وان ظلت تدور في فلك الكوميديا الشعبية المتواضعة، إلى أن يلتقي بالمخرج الشاب يوسف عرفة عام 1990 ويشكل معه ومع الكاتب وحيد حامد ثلاثياً يمزج الكوميديا بالسياسة في ''اللعب مع الكبار'' و''الإرهاب والكباب'' و''طيور الظلام'' و''النوم في العسل''.

يتألق عادل إمام في ''الأفوكاتو'' عام 1984وهو واحد من أعمال المخرج المؤلف رأفت الميهي الذي تندرج أعماله في خانة الكوميديا الرفيعة، رغم جنوحها واعتمادها على الفانتازيا...وكوميديا الميهي تقوم على استخلاص الضحكات من تناقضات الواقع ومفارقاته المؤلمة، ولا منطقيته، التي أصبحت هي المنطق السائد. ونرى ذلك في أعمال ''السادة الرجال'' و''سيداتي سادتي'' و''سمك لبن تمر هندي'' واعتمد فيها على الأداء الكوميدي المتميز لمحمود عبدالعزيز الذي لعب عدداً من الأدوار الكوميدية، شأن أحمد زكي في ''البيه البواب'' و''أربعة في مهمة رسمية'' و''سواق الهانم'' و''استاكوزا''. ويحيى الفخراني في ''دعوة خاصة جداً'' و''الزل''. كما استغلت هذه السينما جماهيرية وخبرة الفنان فريد شوقي في عشرات الأعمال الصغيرة على المستوى الفكري أو الفني. خلال الثمانينات، انحدر مستوى الفيلم الكوميدي مرة أخرى، وتدهور حتى وصل إلى أدنى مستويات الهزل والهزال، بسبب موجة أفلام المقاولات العاتية التي ابتذلت نجوم الكوميديا خاصة سعيد صالح وسمير غانم ويونس شلبي ونجاح الموجي، فظهرت أفلام تحمل أسماء فيها استهتار فاضح بأبسط المشاهد عبر عناوين وأفكار ضعيفة جداً وتردٍ كامل في كل فروع اللغة السينمائية، وكان معظمها يتم إنتاجه لسد احتياج شركات الإعلان على شرائط الفيديو.

ورغم الاجتهادات الملموسة لشريف عرفة وسعيد حامد وعمر عبدالعزيز.. إلا أن الفيلم الكوميدي رغم أن بطاقته الفنية وملصقاته تحظى بأسماء أكبر النجوم إلا أنه مازال يدور في فلك تلك الموضوعات المكررة أوالتنفيذ الركيك أو ثقل الظل وغلظة التعبير، ويوضع ذلك كله في سلة واحدة.

الوطن البحرينية في 22 مارس 2006

بروفايل

تشارلي كوفمان..تجاوز السيناريو إلى عقول الشخصيات 

من النادر أن تجد جواباً غير نظرات الحيرة عندما تسأل حتى المهتمين بالسينما عن أي من كتّاب السيناريو. ففي عالم يعتمد على السيناريو والإخراج والأداء يحصل الممثل على الشهرة ويحوز المخرج الثناء بينما يقبع السيناريست في خنادق التجاهل بعيداً عن واحات الشهرة والمجد وكأنما كان هذا عرفاً سائداً في عالم السينما.

منذ فيلمه الأول عام 1999 لا يزال شارلي كوفمان ممسكاً بمعول عبقريته ليكسر تلك القاعدة ويتبوأ مكاناً لم يسبقه إليه أي سيناريست بدخوله قائمة أكثر 100 شخص قوة ونفوذاً في هوليوود.

بدأ شارلي كوفمان الكتابة مبكراً فمسرحياته الصغيرة عندما كان طالباً كانت تلاقي استحسان زملائه. خرج من جامعته في بوسطن ليلتحق بجامعة نيويورك ويدرس السينما هناك وأخذ يبحث لاحقاً عن فرص ليعرض أيا من كتاباته لأحد المسئولين في هوليوود لكنه لم يفلح، فخطر على باله أن يشترك في كتابة مسلسل تلفزيوني ليكتسب شهرة بسيطة تسهل عليه الحصول على فيلمه الأول، ظل يتصل أسبوعياً ولأكثر من سنة كاملة ليتابع ما إذا قرأ بعض شيئاً من نصوصه حتى تم قبوله ككاتب عام 1990 مع المسلسل الكوميدي امُّ ء جىنم أعقبه بثلاث مسلسلات أخرى. خلال تلك الفترة أخذ كوفمان بكتابة سيناريو لأفلام أرسل أحدها لمخرج فيلم »العرّاب« فرانسيس فورد كوبولا الذي وجد في نص كوفمان المسمى »أن تكون جون مالكوفيتش« Being John Malkovich فكرة ذكية عرضها على زوج ابنته المخرج الشاب سبايك جونز الذي بمجرد انتهائه من قراءة النص بادر بالاتصال بكوفمان ليعرض عليه أن يقوم هو بإخراج الفيلم.

لم تمنع ميزانية فيلم »أن تكون جون مالكوفيتش« المنخفضة البالغة 13 مليون دولار فقط من أن يقف معظم النقاد احتراماً لهذه العبقرية التي أعادت لنصوص هوليوود شيئاً من هيبتها. يتناول الفيلم قصة محرك دمى أطفال(أراجوز) في الشارع (قام بالدور الممثل جون كيوزاك) يعاني من اضطرابات في حياته الشخصية والاجتماعية يستجيب لطلب وظيفة لشركة اتخذت مقراً لها في الدور(السابع والنصف!) من أحد المباني ليكتشف فيها فتحة صغيرة يدخلها لتنتهي به في رأس الممثل جون مالكوفيتش فيرى ما يراه ويحس بما يشعر به مالكوفيتش. تقنعه زوجته بأن يستغل هذا الأمر تجارياً فيبدأ السماح للبعض بالدخول في عقل مالكوفيتش في جولة مدتها 15 دقيقة مقابل مبلغ من المال، يعلم مالكوفيتش الأمر فيجره فضوله هو الآخر للدخول في عقله هو، الفيلم مليء بالغرائب والمنحنيات المذهلة التي جعلت الكثير من النقاد يضعونه أفضل أفلام السنة وأحد أفضل أفلام العقد، ترشح كوفمان لأوسكار أفضل سيناريو أصلي لكنه خسر أمام آلان بال في ''الجمال الأميركي''.

عاد كوفمان في »طبيعة بشرية« Human Nature عام 2001 مع المخرج الفرنسي ميشيل قوندري الذي يقوم فيه عالم مهووس (تيم روبينز) بمحاولة إعادة إجبارية لشاب نشأ في غابة ومع الحيوانات إلى الحضارة أو الإنسانية كما يراها، حاز الفيلم على جائزة الآمال الكبيرة في مهرجان ميونخ السينمائي رغم أن أرباحه في دور العرض لم تصل المليون دولار.

عقد بعد ذلك كوفمان اتفاقاً بكتابة اقتباس لرواية الكاتبة سوزان اورليان الناجحة المسماة »سارق الأوركيد«، التي تتحدث عن شخص مهووس بزهور الأوركيد النادرة يقوم بسرقتها من المحميات الطبيعية باستخدام ثلاثة من الهنود الحمر الذين لا يطالهم القانون. القصة جميلة لكن تحويلها لفيلم أمر صعب فهي مليئة بالمعلومات عن الزهرة لكنها خالية من الخطوط الدرامية، جلس كوفمان ما يقارب الأربعة أشهر لم يستطع فيها كتابة صفحة واحدة حتى كاد أن يؤمن بأن مستقبله ككاتب قد انتهى، لكنه قرر فجأة أن يتناول معاناته هو ككاتب في تحويل الرواية لفيلم فظهر لنا فيلم »اقتباس« Adaptation عام 2002 الذي جلب له ترشيحه الثاني للأوسكار لكن لنص مقتبس هذه المرة، في هذا الفيلم الذي أخرجه سبايك جونز أيضاً خلط كوفمان الحقيقة بالخيال ومزجهما بشكل فريد، حيث جعل له أخاً توأماً (قام بالدورين الممثل نيكولاس كيج وترشح عنهما لأوسكار أفضل ممثل) وأشرك هذا الأخ الخيالي (دونالد) في كتابة سيناريو الفيلم كما جعل الفيلم مهدى لذكراه في الخاتمة. الطريف أن هذا الأخ الخيالي (دونالد) ترشح مع شارلي لجائزة أفضل سيناريو في كل من القولدن قلوب والأوسكار، في نفس العام خرج فيلم »عترافات عقل خطير« Confessions of A Dangerous Mind. أخرج الفيلم الممثل الشهير جورج كلوني وهو عن شاب قام بخلق برنامج تلفزيوني ناجح يتم تجنيده لاحقاً من قبل المخابرات المركزية الأميركية ليقوم باغتيالات لصالحها، ذكر كوفمان مرة أن هذا الفيلم كان مكتوباً قبل فيلمه الأول ''أن تكون جون مالكوفيتش''.

ما أن عرض المخرج ميشيل قودري على الممثل جيم كيري بأن يقوم ببطولة فيلم شارلي كوفمان الجديد حتى وافق مباشرة قبل أن يقرأ النص، بل وافق على خفض أجره الاعتيادي (20 مليون دولار للفيلم) كون هذا المبلغ يساوي الميزانية الكاملة لفيلم »إشراقة أبدية لعقل نظيف« Eternal Sunshine of the Spotless Mind والذي يتلقى فيه كيري رسالة من شركة تخبره بأنه قد تم مسح جميع الذكريات المتعلقة به في عقل حبيبته السابقة (كيت وينسلت) خلال عملية طلبت أن تخضع لها مما يجعله يحاول خوض نفس التجربة، لكنه يتردد بعد فوات الأوان فيحاول التشبث بآخر تلك الذكريات. الفيلم لاقى ترحيباً شديداً من النقاد.

عُرف كوفمان بحرصه الشديد على مرافقة المخرج خلال سير الفيلم، فهو على حد قوله يجب أن يتأكد بأن ما كتبه سيصل للمشاهد كما أراده هو، وقد أعطاه كل من جونز وقودري الكثير من الصلاحيات، لكن جورج كلوني كان له رأي آخر فطلب منه عدم التدخل وهو الأمر الذي جعل كوفمان يعترف بأن »اعترافات عقل خطير« كان أقل أفلامه قرباً إلى نفسه. تميز شارلي كوفمان بإتقان الطرح والمهارة في رسم المنحنيات الهامة في سياق القصة بطريقة مبتكرة تبرأ فيها عن كل ما هو تقليدي، أولى اهتماماً أكبر لشخصياته فدرسها وغاص في أعماق مخاوفها وشكوكها في خليط أخاذ بين الحقيقة والخيال. على عكس بقية كتاب هوليوود، الحب عند كوفمان يأتي لاحقاً، فالاضطراب النفسي وعدم الرضا عن الذات يسيران بتلك الشخصيات بعيداً عن علاقات عاطفية ناجحة. لا يعتبر كوفمان شخصياته مجانين، قد تشوبهم الغرابة لكنه يوازن بحذر فلا يوصل تلك الغرابة لمستوى الهزل.

قد يكون كوفمان أكثر كتاب هوليوود طلباً ونفوذاً وأكثرهم شهرة رغم حرصه المبالغ في ألا يظهر على شاشات التلفزيون أو أن يتم تصويره وقد يرى فيه الكثير من النقاد الملعقة التي ستقلب موازين هوليوود، لكن هذا لم يشفع له عند عامة الجمهور الذي قد يرى في أفلامه الكثير من التعقيد والغموض مما أدى لإعراضه عن أفلامه التي بلغ متوسط أرباح الواحد منها عشرين مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل في زمن »سبايدر مان« و»سيد الخواتم«.

يقول كوفمان: »الناس دائماً يقولون إنه لن يكون هنالك أي شيء جديد فلم نتعب أنفسنا؟ أما أنا فأظن أن أحد أهدافي هو مواصلة المحاولة لمعرفة ما إذا كان هنالك شيء جديد«، أيها السادة.. هذا هو الكاتب العبقري المثابر الذي سيظل يبحث عن كل ما هو مبتكر.. هذا هو شارلي كوفمان.

الوطن البحرينية في 22 مارس 2006

 

تشارلي شابلن.. العبقري 

ولد شارلي سبنسر شابلن في بريطانيا عام ,1889 وعمل في فرقة مسرحية منذ صغره. أعجب به ماك سينت ''الممثل والمخرج الكوميدي الأشهر في ذاك الوقت''، عندما كان شابلن مع فرقته المسرحية في جولة في الولايات المتحدة، وعمل معه لمدة عامين، ومن خلال أفلامه اخترع شخصية ''شارلو'' المتشرد لأول مرة، بدأ شابلن بإخراج أفلامه منذ أن كان يعمل في شركة ماك سينت، ولكنه انتقل إلى شركة ''إساناي'' 1915؛ ليمتلك السيطرة الكاملة على أفلامه في الإنتاج والإخراج، وبدأ في إخراج الأفلام التي كرست شهرته في جميع أنحاء العالم مثل فيلم ''الملاكم''، وفيلم ''المتشرد''، حيث قدم شخصية المتشرد التي أصبحت مرافقه الدائم في كل أفلامه التالية، وأيضاً فيلم ''ليلة في الاستعراض''.

كان شابلن يبتعد قدر الإمكان عن الكوميديا التقليدية في ذاك الوقت، والتي تعتمد على العلاقات الميكانيكية وحركة الجسم وعلاقتها بالآلة، وكان يميل أكثر إلى النقد الاجتماعي، مثل معالجة مشكلة الإدمان والصراع الاجتماعي بين الغني والفقير، ومشاكل المجتمع الصناعي ''العصور الحديثة'' والسياسة.

ففي فيلم ''المهاجر'' يتجرأ شابلن ويجعل ''شارلو'' يركل ضابط الهجرة على مؤخرته، الأمر الذي اعتبر في وقتها إهانة للسلطات، وفي فيلمه ''الساعة الواحدة صباحاً'' يعالج قضية الإدمان على الكحول بطريقة الكوميديا الميكانيكية، فنرى شابلن يحاول الدخول لشقته في حالة شديدة من السكر، لكنه لا يجد المفتاح فيدخل من الشباك، وهنا تبدأ المواقف الكوميدية الناشئة عن علاقة شابلن بقوى الطبيعة والحركة الميكانيكية للأشياء، هذا الفيلم لم يكن يعجب شابلن ولم يعد لهذه الطريقة في الكوميديا في أفلامه التالية.

أحبت الطبقات العاملة واليسارية أفلام شابلن، الذي كان يمثل روح الثورة وعدم الخضوع، كما كرهته الطبقات البرجوازية، التي كان شابلن يسخر منها بشدة في أفلامه. فيلمه ''حياة كلب'' ,1918 كان أول الأفلام الطويلة لشابلن، ومن مبتكرات هذا الفيلم أنها المرة الأولى التي يعطى فيها دور طويل لحيوان.

يفاجأ الجميع شابلن بفيلمه ''كتفاً سلاح'' بسخريته من الحرب العالمية الأولى.

أما فيلمه ''الصبي'' فكان تغييراً في أسلوب شابلن نحو الكوميديا العاطفية والميلودراما، وقد حقق نجاحاً كبيراً؛ بسبب خلق التعاطف مع الشخصية المحبوبة شارلو، الذي يعتني بطفل متشرد تائه، ومن أفلامه الناجحة جداً التالية: فيلم ''حمى الذهب'' ,1925 الذي حفل بابتكارات كوميدية جديدة لشابلن. في تلك الأثناء ظهر الصوت في السينما ولكن شابلن يكره الاختراع الجديد ويرفضه، ويعتبره قتلاً لفن السينما، ويقدم فيلمه ''السيرك'' صامتاً في العام ,1931 وبعد أن كان الصوت قد دخل السينما يقدم شابلن أحد أهم وأشهر أفلامه الصامتة وهو فيلم ''أضواء المدينة''، يعود في هذا الفيلم للمسة الميلودراما، وللنقد الاجتماعي اللاذع.

بعد خمسة أعوام قدم شابلن تحفة جديدة هي ''العصور الحديثة''، التي ينتقد فيها وبشدة واقع الطبقة العاملة والمجتمع الصناعي، من خلال تجسيد شخصية عامل في أحد المصانع على خط الإنتاج، استخدم في هذا الفيلم الصوت، ولكنه يظل فيلماً صامتاً بدون حوار. أما في 1940 قدم شابلن أبرز أعماله السياسية ''الديكتاتور العظيم''، الذي يجسد فيه شخصية هتلر بطريقة كوميدية في وقت لم تكن أمريكا قد دخلت الحرب بعد، واعتبره العديدون مجنون، ولكن رؤيته أثبتت صدقها بأن عقلية النازية والفاشية لا يمكن تركها بدون أن تحاول أن تتحكم بكل العالم. اتهم شابلن باليسارية والشيوعية من قبل لجان مكارثي؛ بسبب أفكاره الاجتماعية والسياسية اللاذعة، وتم طرده من أمريكا عام ,1952 ليمضي باقي حياته في بريطانيا بلده الأم، ولكنه عاد ليكرم بحفل الأوسكار عام .1972 توفي شابلن عام 1977 عن 88 عاماً. قدم خلالها أكثر من 80 فيلماً، ويبقى عبقري الكوميديا الذي أدهش وأعجب الملايين في كل العالم.

الوطن البحرينية في 22 مارس 2006

 

سينماتك

 

تاريخ الكوميديـا العربية 1/2

من الكسار إلى عادل إمام.. فن صناعة النكتة السينمائية

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك