شعار الموقع (Our Logo)

 

 

من بين زحام الافلام التي تعرضها السوق السينمائية المحلية يبرز اكثر من عنوان لفيلم يحمل طابع الفرادة، والموضوع المؤثر والشكل التعبيري اللائق والمختلف عن الصناعة الهوليوودية السائدة والبعيدة عن عمق المخيلة، والالهام الراقي، وغالبا ما تدور موضوعاتها حول مسائل وقضايا ثابتة كأنها لا تتبدل بتنوع مخرجيها ونجومها.

ولئن كنا في هذه الزاوية قد تناولنا قبل أيام موضوع فيلم «نهر ميستك» لكلينت ايستوود وابطاله الاثيرين: تيم روبنز، وشون بن، وكيفن باكون ففي هذه المحطة نجد من الضروري الالتفات الى فيلمين يمتلكان احساسا طاغيا باسلوبيتهما ودلالاتهما. الفيلم الاول يحمل عنوان «سمكة كبيرة» وهو عمل استثنائي في قدرته على التميز ومزاحمة رهط من الافلام العادية حققه مخرج متمرس بهذا النوع وله من سعة الخيال ما يمكنه من ملامسة الكثير من قضايا الواقع وافرازاته واعني به المخرج تيم بورتون صاحب الكثير من الافلام الغرائبية والقادم ابطالها من واقع الحياة، وتفاصيل يومياتها ومشاعرها والمشدودة في الوقت نفسه الى عالم من الخيال المليء بسخريته المريرة، ودعاباته في سلوكيات شخصياتها، والمتنقلة بين ذروة الحقيقة وجماليات غموضها الاسر في محاولة لفهم المعنى الاسمى للنواحي الانسانية، عبر رحلة خيالية تقود الى كواليس الذات واحساسها الدفين في غياهب تحولات سياسية وثقافية واجتماعية، وتبدلات الأمكنة التي تسري فيها الاحداث.

تبدو حكاية «سمكة كبيرة» بسيطة لكنها تتمتع باسلوبية شاقة على ما اعتاد عليه المشاهد، فالوالد يروي بطريقة مختلفة جانبا من ذكرياته داخل محطات عديدة من الشك واليقين امام ابنه الباحث عن الجدية والحقيقة. ويأخذ الفيلم في متابعة شخصياته باسلوبية بصرية مدهشة في سرد الاحداث ورسم الشخصيات الباحثة عن الرهافة والاخلاص والحب ازاء طريق صعب وطويل امضى فيه والد الشاب بحثه الدؤوب عن فتاته قبل ان يصل اليها ويبدأ ابنه في التحول نحو الحقيقة التي تتماهى مع عوالم والده واجوائه نابشا في حكاياته عن عالم آخر وتواصل مع الذات والمعرفة المؤدية الى كنه واشواق العالم، كل ذلك يتم برفقة رجل ضخم برز من المجهول وتنشأ صداقة بين الاثنين ويقتحمان معنى البحث عن الحياة في خضم صعوبات كثيرة لكنه في النتيجة يعثر على ذاته ويلتقي بالسعادة التي طالما كان يحتاج اليها ويسردها على مسامع الكثيرين، لكن ابنه لم يقدر على الاستمرار فيغادر مجتمعه بصحبة زوجته مخلفا الكثير من الاشارات والدلالات المانحة للعمل رونقه البديع الخاص.

في النتيجة فيلم «سمكة كبيرة» تجربة فنية عميقة ومختلفة عن الانتاج الاميركي السائد لطابعه التأليفي ولغته البصرية المؤثرة وعذوبته الانسانية الرفيعة.

وعلى غرار كثير من الافلام البوليسية المعهودة تسير احداث «قبل فوات الأوان» لمخرجه كارل فرانكلين وفيه يضطلع الممثل دينزل واشنطن ببطولة مطلقة تذكرنا بزميله النجم الاميركي سيدني بواتييه. واللافت بهذا العمل تلك البراءة التي ترسمها احداث الفيلم على بطله رجل الشرطة الشهير الذي يعاني مشكلة عائلية يهيء نفسه بالانفصال عن زوجته ضابطة الشرطة ويعمل كلاهما في التحري عن القضايا والجرائم الغامضة.

مصاعب البطل تقوده الى اقامة علاقة اخرى مع امرأة اخرى تكتشف لاحقا انها مصابة بالسرطان في طوره النهائي وتوصي صديقها على وضع بوليصة التأمين الخاصة بها باسم رجل الشرطة (واشنطن) الذي يعمل بكل استطاعته وقدرته على محاولة اشفائها من مرضها داخل احدى المدن الاوروبية ولو اقتضى ذلك ان يستأثر بمبلغ المليون دولار الموضوع في حوزة الامانات بقسم الشرطة تحت طلب الجهات القضائية كونه يعود الى احدى عصابات تهريب المخدرات وما زال القضاء يتابع القضية.

لكن يحدث ما هو ليس بالحسبان عندما يطلب القاضي المبلغ ويكتشف الشرطي ان المنزل العائد لصديقته وزوجها قد داهمته النيران ووجد رجال الشرطة جثتين على انقاضه.

هنا يقع واشنطن في المأزق حيث لا يستطيع ان يصرف مبلغ التأمين ويصبح ايضا متهما بقتله للمرأة وزوجها ويأخذ بالعمل سريعا على محو كل الدلائل التي تشير اليه بالجريمة ويصل به الامر بالعبث بالادلة والبراهين المتحفظ عليها من قبل الشرطة وتلعب المصادفة ان تكون زوجته المنفصل عنها هي التي تقوم بالتحقيق. لكن امام الكثير من الادلة والوقائع المثبتة يظل عالقا في فخ المسؤولية عن اكثر من جريمة السرقة لاموال عامة والقتل، والعلاقات غير السوية. ويكون شاقا عليه البحث عن براءته بين هذه التفاصيل المعقدة ويأخذ في اجراء تحقيقه الخاص الذي يكشف سر تلك الجريمة التي نالت من وداعته وسكينته وحياته العملية المشرفة.

«قبل فوات الاوان» رحلة هروب نحو الحرية مثقلة باجواء الشك والريبة تصنعها كاميرا مخرج متمرس بهذا اللون من التشويق.

الرأي الأردنية في  10 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

فيلما "سمكة كبيرة" و"قبل فوات الأوان":

البحث عن البراءة في عالم تسوده الجريمة والقسوة

ناجح حسن