العلاقة مع الجنس الآخر خلال رحلة الباص من الجيزة إلى المطار يقدم أحمد خالد في شريطه الجريئ الكثير مما يفضل المجتمع المصري أن يظل طي الكتمان. للأسف لن يعرف الفيلم طريقه إلى الشاشات، لأنه لم يقدم إلى أي لجنة مراقبة لذلك لم يتم عرضه إلا في عدد قليل من المهرجانات. صونيا زكري تعرفنا بالفيلم وبالمخرج

ما يقارب ربع ساعة مدة طويلة بالنسبة لمشهد استفزازي. 14 دقيقة و20 ثانية من محطة الانطلاق حتى محطة الوصول، وفي الأثناء رحلة داخل حافلة سفرات طويلة، فارغة ومكيفة ومعتمة يستعملها رجل وامرأة لقضاء غرض لا يمكنهما القيام به في مكان آخر:

تبادل مداعبات رقيقة مسترقة ومحتشمة تراقبها من مقدمة الحافلة عين مستريبة عبر المرآة العاكسة. في آخر الرحلة يدس الرجل بعض جنيهات في يد السائق: جنيهان لكل تذكرة وجنيها من أجل التواطؤ: "الجنيه الخامس" هو عنوان الفلم القصير لأحمد خالد.

يعرض المخرج شريطه على شاشة حاسوب محمول لأنه لا يمكن مشاهدته في أي مكان تقريبا، ذلك أنه يقدم للمشاهد الكثير مما يفضل المجتمع المصري أن يظل طي الكتمان: الجنس والدين والتنازلات التي يمارسها الشباب في كلا المجالين.

يقع ستوديو خالد في شارع جانبي من مركز مدينة القاهرة: عربات تجرها الحمير محملة بأكوام من الغلال، ورشات إصلاح الدراجات النارية، إسفلت محزز بالحفر، ولا أي وجه أجنبي تقريبا. على أية حال!

هنا يمكن لخالد أن يصنع ما يريد؛ أو لنقل بالأحرى أنه مايزال بإمكانه ذلك، إذ عندما سيتطور المجتمع المصري في الاتجاه المنتظر حاليا، وعندما ينتهي الإخوان المسلمون الذين يسعون في السر الآن إلى وضع أيديهم على السلطة إلى ممارسة سلطتهم علنا في يوم من الأيام، فسوف لن يكون عندها لهذا الشاب الذي يقارب الثلاثين، اللين والبريء حد السذاجة بوجهه ذي السالفين الأنيقين ما يمكن أن يبعث على الضحك. وبالتأكيد سوف لن يكون له أن يصور أفلاما بعدها.

الطريق بين الجيزة والمطار

وعلى أية حال لم يكن من السهل إنجاز هذا الشريط. وكان على خالد أن يكذب على مدير شركة الحافلات بأن قال له إنه يريد أن يصور شريطا عن زوجين في طريقهما إلى مكان عطلتهما. "أو! قال لي المدير، أتمنى أن لا تصور شريطا جنسيا في واحدة من حافلاتنا. وأجبته: جنس في الحافلة؟ لم أسمع بمثل هذا أبدأ" هكذا يروي خالد.

وفي هذا الجواب بالتحديد كان يكمن الاستفزاز، ذلك أن جميع الناس قد سمعوا بمثل هذا الأمر، "فالطريق الفاصلة بين الجيزة والمطار قد غدت في الأثناء شهيرة الصيت. وكان بعض الأصدقاء قد فاتحوه بأنه غدا عليهم الآن البحث عن ملجأ آخر لممارسة ذلك الأمر.

لكن الأسوأ في كل ذلك وما لا يغتفر لهذا الشريط ليست بعض القبل البائسة المسروقة على عجل، وليس كون هذين الشخصين قد اختارا يوم الجمعة حيث من المفترض على كل مسلم أن يكون في الجامع، ولا حتى كون السائق يستمع في الأثناء إلى شريط تلاوات قرآنية، بل أن يطلق لخياله العنان ويتصور نفسه في مكان الرجل.

إن الأمر الذي لا يُتصور يتمثل في جعل الفتاة المرافقة له ترتدي حجابا. فتاة محجبة تسمح لنفسها بالملامسات والمداعبات العابثة، ذلك ما يناقض كل القناعات بشأن العلاقة المتصورة بين نظام اللباس والأخلاق. وذلك بالضبط هو ما أراده المخرج. "النساء المحجبات صالحات، أما البقية ففاسدات: أي لغو وحماقة هذه!"، يعلق خالد بنبرة لاذعة.

والآن هناك محامية تريد مقاضاته. وأثناء العرض الذي قدم في المركز الثقافي الروسي ارتفع صوت محتج: مثل هذا الشيء لا يوجد أبدا في مصر! "في هذه البلاد تسود الكثير من الأكاذيب والكثير من النفاق والمحرمات"، يقول خالد، "وعلى المرء أن يحطمها."

قصص خيالية؟

أما ماذا يعني أن مجتمعا لا يقصي من استهلاكه اليومي الفضائيات التلفزيونية والرقص الشرقي الخليع وشتى محتويات الواجهات المذهلة لمحلات الملابس الداخلية، لكنه في الوقت نفسه يرى طبيعيا ما يمليه عليه الأزهر من تحديد للممارسة الجنسية وحصرها في وظيفتها الإنجابية، فذلك ما لا يخفى عن أحمد خالد. "لعل الأمور كلها مجرد قصة خيالية؟" يتساءل خالد بمكر. لكن تساؤله هذا مجرد مراوغة وتنصل لا غير.

المخرج الشاب أحمد خالد تمتلك مصر أضخم إنتاج سنمائي في البلاد العربية، وكل ما يتم تصويره على ضفاف النيل يعرض على كل الشاشات من الكويت حتى الدار البيضاء. لكن "الجنيه الخامس" لا معرفة لأغلبية العرب به إلا عن طريق الصحف.

وخالد لم يقدم شريطه إلى لجنة المراقبة لذلك هو لا يمر عبر أية شركة توزيع، ولم يتم عرضه بالتالي سوى في عدد قليل من المهرجانات. أما جامعة أوكسفورد فقد اقترحت إدراجه كمرجع من مراجع أنتروبولجيا الشرق الأوسط. لكن ليس هذا هو الجمهور الذي يرمي خالد إلى بلوغه.

"الجنيه الخامس" هو أول فيلم له، وقبلها قد أنجز أشرطة فيديو، واحد عن حالة النشوة في الحفلات الدينية الشعبية، وواحد عن موجة الاحتجاجات ضد حرب العراق وكان أقل معاداة لأميركا مما تضمنه من نقد للأوضاع المصرية، الأمرالذي جعل مدير إحدى مراكز الشباب يقرر في شأنه:"هذا الشريط لن يكون عرضه ممكنا إلا بعد ثلاثين سنة".

وهناك عرض قد قُدم له بتصوير شريط عن جمال مبارك ابن الرئيس المصري. إلا أن المرء لا يسعه إلا أن يتساءل ما الذي يدفع بهذا الشاب المثقف وسليل عائلة صحفية إلى تصيّد مواضيع بالغة الخطورة، وبصفة أخص: إلى متى سيمكنه المثابرة على هذا الصمود؟

شعور بالقرف

كان خالد قد اختبر قبلها تجربة التربية الفنية الإسلامة في معهد الفنون الجميلة بحلوان. ولم تكن الدراسة هناك على أية حال من أفضل ما يوجد، فالدروس مكررة مجترة متآكلة في القدم، ولم يكن للطلاب من إمكانية لرؤية أعمال فنية لهوبر أو بوللوك، ويكتفون بشيء من أعمال عصر النهضة في أحسن الحالات.

لكن "ظهرت مجموعة من الإسلاميين خلال التسعينات لتفرض ضغوطها على الطلبة. وقد انقطع البعض من زملائي عن حضور الدروس ذلك أن تصوير الكائنات البشرية قد غدا فجأة "حراما" يقول خالد متذكرا.

هذا "التشويه الذي يمارس على الخيال" يثير حفيظته، وعندما يتكلم عن الإخوان المسلمين يستعمل عبارة أنكليزية نابية تبدأ بحرف F وتعبر عن شعور كبير بالعجز: "ما الذي يمكنني أن أنجزه بعملي الفني؟ لا شيء، مقارنة برصاصة"، يقول خالد. وبما أنه في حالة اندفاع الكاوبوي المستشرس فإنه يضيف بعدها مباشرة: "إما هم أو أنا. سنرى."

ذلك ما سيرى المرء طبعا. وإلى حد الآن فإنه ما يزال بإمكانه أن يندفع في حماسه مخاطرا برأسه. وفي حوار له مع محطة إذاعية مستقلة وعند انعراج الحديث على موضوع نزاع الكاريكاتور حاول خالد أن يقدم رأيه الذي يعبر عنه الآن أيضا، ويتمثل في أن هذه الرسوم الكاريكاتورية تنفّره لأنها مهينة وجارحة، لكنها تظل دون مستوى القرف الذي تثيره فيه ردود الفعل:

"لقد طبعت صحيفة الفجر المصرية هذه الصور قبل أربعة أشهر، ولم يثر ذلك أي انفعال لدى الناس. لكن جاءت من بعدها مسألة حمّى الطيور وتصفيات كأس العالم لكرة القدم، والانتخابات-وثارت ثائرة الهيجان. لكل بلاد أغراضها المختلفة في هذا الشغب الهمجي، وهي ليست صادقة ولا متحضرة. لقد كان ذلك أسوأ ما يمكن أن نقدم من العروض." هذا هو تقريبا ما كان يريد أن يقوله، لكن المنشطة الإذاعية سرعان ما حولت مجرى الحديث. هكذا يقطع الكلام عن أحمد خالد بطريقة لينة ولطيفة.

صدر المقال في صحيفة زوددويتشه تسايتونغ

حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006

موقع "قنطرة" في 21 مارس 2006

 

علي - البطل الأسطورة متأرجح بين حقيقة التاريخ وفنية العرض ومتطلبات الشباك

فراس الشاروط 

إن القراءة الدقيقة للعمل السينمي الذي يحمل سمة ( التوثيقية ) وقدرا كبيرا من الحقيقة التاريخية تكون متأتية مع العمل الذي يحمل خصوصية فنية جيدة لأنه لا يأخذ من التاريخ تلك الصورة المبهمة والبطولة المجانية الخادمة لمتطلبات العرض الجماهيري والمتخذة أيضا من جميع التقنيات البصرية الحديثة والمؤثرات الصوتية المبهرة طريقا لتدعيم وترسيخ الصورة الهوليودية – السوبرمانية عن التاريخ ، ومن ناحية أخرى قد تخرج هذه الأشرطة من صورة الفردانية الى صورة عامة اشمل لأنها قد تناقش قضايا مهمة تمس الواقع الاجتماعي والسياسي من خلال فهم خاص لمعطيات التاريخ وأثرها في الحاضر .

ومن ذلك السيل السينمائي الذي يغزو الصالات العالمية يبقى الوعي الفردي هو الذي يفرز من ذلك السيل الغث عن الجيد والمؤثر من التجاري والمؤدلج في مخاطبة الآخر .

ويبقى المخرج المتمكن الذي يمتلك الخبرة والمضمون الجيد والوعي الخلاق هو صاحب اليد الطولى والمسيطر على الأسلوب والشكل الذي سينتهجه في عملية الإخراج ألفلمي لرؤيته عن التاريخ ، فيقدم الصورة ( التسجيلية ) السينمائية للتاريخ في لغة فنية راقية تاركا للمتلقي مهمة التفسير والمقارنة بين الحقيقة التاريخية والحقيقة السينمائية من حيث وعيه إن السينما ليست بديلا عن التاريخ ولا ناقلة له ، ولكنها قارئة واعية لمعطياته .

ومن هذا المنطق أجدني سائرا للحديث عن شريط المخرج (مايكل مان ) الجميل (علي )، والمخرج (مان)واحد من أهم مخرجي السينما العالمية المالكين لأدواتهم السينمائية المتميزة ومتطلبات العرض الجماهيري ، فأشرطته تجمع بين الموضوع الجيد والإخراج المتقن ذات الشكل المبهر والمضمون المؤثر المشوق مع متطلبات شباك التذاكر .

شريط ( علي ) هو توثيق لسيرة بطل الملاكمة الأسطوري ( محمد علي كلاي ) حيث يبدأ (مان) شريطه بكلمة إلى البطل ( أنسى ما تفكر فيها الآن) معتمدا فيه على شي من التسجيل الدقيق لشخصية واقعية (الإسلام ،الموقف من قضية التمييز العنصري ، العلاقة الوثيقة مع الشخصية الإسلامية المتميزة مالكو لم اكس (( سبق وان قدم المخرج سبايك لي شريطا جميلا عن هذه الشخصية )) ، رفض أداء الخدمة العسكرية والذهاب إلى فيتنام ، قرار المحكمة بالسجن وسحب المجلس العالمي للملاكمة بطولة العالم منه ، نزلاته وانتصاراته ، غضبه وخيبا ته) وكان الشريط اقرب ما يكون إلى حياة كلاي الحقيقية وحاول فيه (مايكل مان ) أن يكون صادقا قدر الامكان في رؤاه لتاريخ البطل وبالتأكيد إنها ليست الحقيقة الكاملة كلها .

أدى الممثل (ويل سمث ) أهم أدواره على الشاشة متقمصا شخصية البطل الأسطورة بكل دقائق حركاته الراقصة على حلبة الملاكمة وصراخه( أنا الأقوى أنا الأعظم ) وكأن الشريط دعوى إلى كل من لم يعاصر أيام (علي) السابقة . بالتأكيد إن سبب نجاح الشريط هو ما يمتلكه المخرج من حرفية عالية وقدرة على إمساك خيوط السرد والتوظيف الجميل للموسيقى التصويرية وإتقان إدارة الكاميرا بزوايا ولقطات مؤثرة خصوصا في مشاهد النزالات والتي جاءت اقرب ما تكون إلى نزالات علي الحقيقية التي شاهدناها من خلال الصور والأشرطة الوثائقية، ما يؤخذ على الشريط هو الإطالة غير المسوغة لبعض مشاهده بالأخص النصف الثاني من الشريط ولكن براعة (مايكل مان) تعيد الحيوية للشريط قبل نهايته وقبل تسرب الملل للمشاهد .

سبق (لمايكل مان ) أن اخرج أشرطة جيدة مثل ( آخر رجال الموهيكان ) الذي سبق وان اخرج للسينما أكثر من ثلاث مرات كانت نسخة (مان) أفضلها فنيا برغم تغيبه لصورة المستعمر في الشريط وإضفاء البطولة الفردية الهوليودية على شخصية البطل إنصافا لشخصية الهندي الأحمر الغائبة في حقيقة التأريخ والحاضرة في حقيقة السينما ، وشريط( خطر أو حرارة ) وهو شريط حركة ( اكشن )يعيد فيه الروح إلى سينما(الغانغستر)العصابات بفنية عالية جدا عن واقع المجتمع الأمريكي العنيف ، وهو صورة عبر التاريخ مفبرك من خلال وهمية الزمان والمكان وهو نفس ما فعله في شريط الآخر (العليم أو المطلع )والذي رشح عنه لجائزة الاوسكار،وهو حكاية عن شركات التبغ الأمريكية التي تتاجر بالمخدرات وارتباطها بالاقتصاد القومي وتأثيرها في مصالح الفرد ، من خلال إطار تشويقي حمل كاهله مراسل في إحدى قنوات التلفزيون الأمريكية، وهذا الشريط دفع الشركات الامريكية المنتجة للتبغ إلى رفع دعوى قضائية على صانعي الشريط ، فهل أصابتهم الحقيقة السينمائية بصورة التاريخ المفتعل ؟

يبقى شريط (علي ) مطروح على طاولة النقاش إن كان تسجيل لحياة البطل الأسطورة ؟وكم فيه من تزو يق تجاري ؟ وهل الشريط مجرد استغلال الاسم البطل من اجل شباك التذاكر؟ أم انه تحية لرجل أسطورة كان شاهدا يوما على بشاعة التاريخ الأمريكي ؟ أم انه كل هذه معا ؟

تبقى الحقيقة هي متأرجحة بين قول التاريخ وصناعة السينما.

موقع "القصة العراقية" في 20 مارس 2006

 

فيلم عمارة يعقوبيان في مهرجان برلين السينمائي ...

جاسم المطير 

سؤال كبير واجهته السينما المصرية في مهرجان برلين السينمائي الدولي الذي انعقد في الفترة 9 – 19 فبراير 2006 هو : هل يملك السينمائيون المصريون المعرفة والتكنولوجيا والمعلوماتية السينمائية القادرة على جعل فيلم " عمارة يعقوبيان " بمستوى إنتاجي فني فريد يضعه بنقطة مضيئة مؤشرة على خارطة السينما العالمية كخطوة سينمائية عربية قائمة على معرفة فنية تراكمية ليس فقط في أفعال عادل إمام بل في نتائج أفعال فنانين مصريين آخرين سبقوه جعلت تراكمات خبرة السينما المصرية فيلم عمارة يعقوبيان بمنزلة التكوين الأعمق في نفائس السينما المصرية وذخائرها الطيبة ، وهي بكل الأحوال نفائس وذخائر قليلة في مجموع التاريخ السينمائي المصري والعربي .

هل تجد السينما العربية وفي مقدمتها السينما المصرية نفسها داخل الأزمة الحضارية الثقافية العامة المحيطة بالبلاد العربية وبالأمة العربية في تاريخها المعاصر ، حيث تعاني ، الدول والشعوب معاً ، من مطرقة التقدم التكنولوجي والمعرفي الغربي السريع وسندان التخلف الداخلي العربي المريع ، بصورة يصعب معها على المنتجين والفنانين المصريين أن يعدوا السينما المصرية بزمن محدد أو قصير ، لتجاوز مرحلة المحلية والدخول إلى مستوى العالمية .

الأسئلة كانت كثيرة في مهرجان برلين الذي حاول فلم " عمارة يعقوبيان " أن يحدد السمات التي وصلت إليها السينما المصرية لتجاوز المنطقة الخطرة التي ظلت فيها راكدة منذ عقود لم تستطع مغادرتها إلا ببعض ما ندر من الأفلام .

كان رهان هذا الفيلم انه أدرج ، في رؤية منتجيه ، عناية خاصة بتشكيل كادر تمثيلي واسع النطاق ضم أسماء كوكبة فعالة وبراقة في السينما المصرية ( عادل إمام ، يسرا ، نور الشريف ، هند صبري ، سمية الخشاب ، إسعاد يونس، أحمد بدير . كتب القصة "علاء الأسواني" والسيناريو والحوار لـ"وحيد حامد"، أما الإخراج فكان للمخرج الشاب "مروان وحيد حامد"، في أول فيلم طويل من إخراجه، وهي المشاركة الثانية له؛ حيث سبق له المشاركة في مهرجان برلين.

كما حاول منتج الفيلم الابتعاد عن ممارسة الوسائل والأساليب الرخيصة والهابطة والقديمة في الأدوات والمعدات ومكونات الاستديو اعتمادا على النوع الذي يحقق مستوى قادرا على مواجهة التحديات ، إذ رصدت وفرة من المال القادر على مواكبة النتاج النوعي الحضاري في وسائل السينما المعاصرة بل يمكن القول ان المنتج كان طموحا وداعيا إلى تحديث السينما المصرية باعتماده على إفادة مالية بلغت أكثر من 22 مليون جنيه مصري خصصت لإنتاجه أي ما يعادل نحو 4 ملايين دولار حتى غدا هذا الفيلم أضخم إنتاج سينمائي مصري في هذا الزمن من تطور السينما المصرية .

أول منطلق جديد جاء في مهرجان برلين أشار إلى تقييم جديد في البنية السينمائية الفكرية المخصوصة المستندة إلى المفردة المميزة بالحداثة التي مكنت فيلم " عمارة يعقوبيان " من ان يحظى بقرار اختيار إدارة مهرجان برلين السينمائي الدولي لعرضه في قسم البانوراما، ضمن دورة المهرجان السادسة والخمسين، التي أقيمت خلال الفترة من 9 إل 19 فبراير الجاري.

جاء اختيار فيلم "عمارة يعقوبيان" بعد أن شاهدت لجنة المهرجان، على مدار ثلاثة أشهر أكثر من ألف فيلم مقدم من خمسين دولة، ويعد قسم البانوراما أحد أقسام مهرجان برلين الستة، ويحتوي على أربع جوائز تمنح واحدة منها للمخرج.

كانت هذه هي الإشارة الدولية الأولى إلى أن السينما المصرية قد استعادت بهذا الفيلم موقعا كان قد احتله من قبل فيلم "إسكندرية ليه" للمخرج "يوسف شاهين" في عام 1979، وسجلت حضورا جديدا كبراعة لازمة لإثبات قدرة السينما المصرية على مواكبة كشوف الإبداعات الجوهرية في السينما العالمية المعاصرة بعد أن غابت السينما المصرية منذ 1997 عن أي من المهرجانات السينمائية الكبرى(برلين ـ كان ـ فينيسيا)، وكان آخر حضور للسينما المصرية في مسابقة مهرجان "كان" 1997 بفيلم "المصير"، للمخرج "يوسف شاهين".

ضمن هذا الواقع غير السهل الذي تخطاه فيلم عمارة يعقوبيان في مواجهة التحديات السينمائية في عصر التكنيك والحداثة والعولمة مما تعين على فريق الفيلم جميعا وعلى المعنيين بأمره العمل على تعزيز مجموعة من الأفعال الفنية لتقديم قيمة ثقافية – اجتماعية عن طريق تعظيم قيمة العمل والإنتاج بصورة مبدعة والتحرر من مفاهيم السرعة والارتجالية والروتينية التي غالبا ما تؤدي الى هدر خدمات العمل الفني وضياع مسئولياته .

لقد أثارت رواية الفيلم جدلا واسعًا في المجتمع المصري وبين النقاد؛ حيث ترصد المتغيرات الاجتماعية في مصر بعد ثورة يوليو 1952، وحالة الحراك الاجتماعي التي مر بها المجتمع، وصعود طبقات واختفاء أخرى؛ من خلال شخصيات مختلفة، يقطنون في عمارة "يعقوبيان" بوسط مدينة القاهرة والتي كانت تعبيرا عن صعوبات حقيقية في التطور الاجتماعي المصري .

الحق يقال ان فيلم عمارة يعقوبيان كان مواجهة صامتة كبرى بين كادره النشيط وبين الواقع السينمائي المصري غير المتحفز على الانطلاق منذ زمن طويل رغم وجود بعض الاستثناء المحدود . هذه المواجهة الجسورة تمثل في الواقع خطوة كبرى خالقة ومبدعة لوضع السينما المصرية في الألفية الثالثة في طريق شروط انتقالها الى المستوى العالمي .


بصرة لاهاي في 27 – 2 – 2006

موقع "القصة العراقية" في 20 مارس 2006

ضوء ... العنوان والإعلان في السينما الشعبية

عدنان مدانات 

 “حاحا وتفاحه”، “ بوحة”، “تتح”، عناوين لبعض من مجموعة أفلام مصرية أنجز قسم منها في الفترة الأخيرة ومنذ بداية الألفية الثالثة، وقسم لا يزال قيد الإنجاز. القاسم المشترك بين تسميات الأفلام هذه ليس فقط وجود حرف الحاء فيها، بل يكمن القاسم الأساسي بين هذه التسميات في أنها مبتذلة التعبير، وفي أنها تؤشر على أن الأفلام التي تنضوي تحت جناحها هي بدورها نتاج تفكير مبتذل سواء على صعيد الشكل السينمائي أم على صعيد المضمون.

لا يقتصر هذا التفكير المبتذل على العناوين، أو بالأحرى، الأفلام المذكورة أعلاه، بل هو ظاهرة باتت شائعة في السينما المصرية منذ بضع سنوات، حيث تسود نوعية سينما تستجدي الضحك من المشاهدين أو تروج لجيل “النيو لوك” من المغنين والمغنيات المعاصرين، وتعلن عن نفسها من خلال عناوين أفلام مبتذلة من نوع: “عربي تعريفة”، “عليّ الطرب بالثلاثة”، “معلش إحنا بنتبهدل”، “غبي منو وفيه”، “كيمو وأنتيمو”، “اشتاتا اشتوت”، وغير ذلك من عناوين أفلام تنتمي إلى نفس العائلة.

يتكامل هذا النمط من عنونة الأفلام مع خبرات وتقاليد التوزيع التجاري للأفلام والترويج لعروضها في صالات السينما التجارية، خاصة الشعبية منها، وذلك عبر تسميات وأوصاف يتم إشهارها بهدف جذب انتباه الرواد وإغرائهم لحضور الأفلام.

من ناحية ثانية، يعكس هذا النمط من العنونة، وكذلك صيغ نصوص الجمل الدعائية، توجها نحو جمهور يفترض أن تكوينه الثقافي والنفسي من نوعية و مستوى متناسبين.

هكذا نخلص في النهاية إلى علاقة ثلاثية تحكمها المحصلة المكونة من ثلاث وحدات منفصلة مجتمعة في آن ومتلاحمة فيما بينها، هي الفيلم والجمهور والعرض السينمائي باستحقاقاته المتعددة والمتنوعة. ومن البديهي أن تنتج عن هذه العلاقة عبر الزمن تقاليد خاصة، أو ثقافة خاصة مناسبة، تستتبعها ممارسات ملائمة ومتناسبة مع المستوى الثقافي  والنفسي للجمهور المفترض. فليست طريقة اختيار عناوين الأفلام وحدها ما يعبّر عن هذا التلاحم، بل تدعمها طريقة صياغة الجمل الترويجية المخطوطة على لافتات تعلق في الأماكن العامة وواجهات ومداخل الصالات وعبر إعلانات الصحف، فتسعى إلى إغواء الجمهور الذي بات يعرف مستوى ونوعية علاقته بالسينما عن طريق إشارات مشوقة إلى مضمون أو موضوع أو محتويات الفيلم، أو إلى إبراز صفات مثيرة يتمتع بها أبطاله.

تبدو هذه الممارسة في أوضح تجلياتها عند ترجمة عناوين الأفلام الأجنبية، حيث لا يتطابق النص العربي مع النص الأصلي في كثير من الأحيان بل يتم تحويره بما يتناسب مع بيئته الجديدة وبما يخدم مجالي الجنس أو العنف. فعلى سبيل المثال، إذا كانت أحداث الفيلم تجري في مدرسة للفتيات، وبغض النظر عن العنوان الأصلي يصبح عنوانه الجديد “المراهقات الماجنات” وإذا كان الفيلم من النوع البوليسي يجري الإعلان عن الفيلم تحت عنوان “القاتل الجهنمي”.

وهذه بعض نماذج الترويج للأفلام بواسطة اللافتات: “ننصح ذوي القلوب الضعيفة بعدم مشاهدة الفيلم”، “الرؤوس تقطع والأيدي تبتر، وبسبب مشاهد الفيلم المرعبة قررنا عدم تعليق صور الفيلم”، “فيلم الحب والإثارة”، “أقوى أفلام الكاراتيه”، “أقوى مشاهد الحب”، “للكبار فقط”.

وفي حالات كثيرة لا يكتفي المعلنون بالعنونة المثيرة أو الصياغات الدعائية المهيجة فيستعينون إضافة بصفات مثيرة يضفونها على أبطال الأفلام، فيشار إلى أن الفيلم من بطولة “نجمة الإغراء الفاتنة”، أو “من بطولة نجم الكونغ فو العالمي”.

تشير هذه النماذج إلى أن أساليب الترويج والدعاية عن طريق عنونة الأفلام وصياغة الجمل الإعلانية تصبح بحد ذاتها تقاليد تؤسس لثقافة شعبية في مجال العلاقة الجماهيرية مع السينما، ثقافة لا تتأسس على المعرفة والوعي، بل على الإثارة التي تخاطب بشكل رئيسي مجالين متلازمين من الغرائز، هما الجنس والعنف، وبالتالي، يتم تبعا لهما، منفردين أو مجتمعين، تحديد مضمون الفيلم السينمائي بغض النظر عن موضوعه أو عن نوعه.

ابتكرت هذه الأساليب منذ زمن طويل ولا تزال تمارس حتى الآن، لكن مع إضافات جديدة تتلاءم مع تطورات العصر، سواء فيما يتعلق بالسينما أو بالاقتصاد.

ففي مجال السينما حدثت وتحدث تطورات هائلة نتيجة الابتكارات التقنية المذهلة التي تتوالى وتتجدد من فيلم لفيلم فصار كل ابتكار تقني جديد فيها يستخدم كعنصر رئيسي من أجل الترويج للأفلام.

كما انتشرت ظاهرة المهرجانات السينمائية التي تمنح الجوائز سواء للأفلام أو للنجوم، وحتى للمخرجين وبقية الفنيين العاملين في الأفلام، مما جعل هذه الجوائز بحد ذاتها وسيلة من وسائل الترويج عن طريق تحويلها إلى أصنام يسجد لصداها جمهور السينما العام، وأصبحت أهمية الفيلم تقاس بكمية الجوائز التي حصل عليها وذلك بغض النظر عن نوع هذه الجوائز وعن الجهات المقدمة للجوائز ومدى موضوعيتها أو صحة قراراتها أو منطلقاتها ودوافعها لمنح الجوائز.

الخليج الإماراتية في 20 مارس 2006

 

في "كونستانت جاردنر".. حب وسياسة ومتعة بصرية

فايس في كينيا

عرض وتحليل عماد النويري: 

الحب والصداقة والمتاجرة بأرواح البشر من اجل المكاسب السريعة والموت من اجل اكتشاف حقيقة اللصوص ولصوص الحقيقة، هذه هي المحاور الأساسية التي ترتكز عليها قصة فيلم 'ذي كونستانت جاردنر' عن معالجة لقصة جون لي كاري من اخراج فريناندو ميريلس ومن بطولة راشيل فايس ورالف فينيسِ وعن الفيلم فازت راشيل بجائزة الاوسكار كأفضل ممثلة مساعدة وكان الفيلم مرشحا لثلاث جوائز اخريات في المونتاج والموسيقى والسيناريوِ وكان الفيلم قد فاز بالعديد من الجوائز من قبل من 'البافتا' ومنها افضل فيلم وافضل موسيقى وافضل تصوير وافضل مونتاجِ ويمكن القول بلا مبالغة انه واحد من أهم الافلام السياسية التى انتجت خلال العقدين الأخيرين ويوضع في مصاف الأفلام التي برزت في هذا المجال مثل 'كل رجال الرئيس' و'حقول القتل'.

عدوى ومواجهة

بعد مقتل تيسا سنعرف ومن خلال 'فلاشات باكية' كيف قابلت زوجها أول مرة وكيف نمت قصة الحب بين الاثنين وكيف دافعت عن حقها في العمل ومواصلة اندفاعها لاكتشاف الفساد الذى يحيط بهاِ وكيف قررت محاربة الفساد في عقر دارهِ وكيف اكتشفت المؤامرةِ ثم كيف دفعت ثمن كل ذلك عندما وجدت وهي مقتولة بوحشية ِ الزوج المكلوم بمقتل زوجته لن يستسلم، فكما يبدو قد أصابته عدوى الصراحة والمواجهة، والبحث عن الحقيقة، ومن ثم لابد من المواجهة لمعرفة القاتلِ ولابد من تبني القضية التى ماتت الزوجة من اجلهاِ

تناقض وإيقاع

تنوعت المشاهد وتنقلت بين العديد من الأمكنة لتصور التناقض الصارخ بين حياة الحضارة كما نراها في الأفلام وحياة البلاد الأفريقية التى تعيش تحت خط الفقر، وعلى رغم هذا الفقر تستخدم شعوبها كفئران تجارب لشركات الادوية الضخمة، وهنا اشارة الى المونتاج الذي لعب دورا كبيرا في تقديم الصور واللقطات المعبرة من دون افتقاد الى إيقاع متوازن طوال الفيلمِ وهناك إشارة أيضا الى المصور الذى برع في تقديم زوايا تصوير معبرة، كما برع في استغلال الاضاءة الطبيعية والصناعية في تقديم لوحات تشكيلية جميلةِ 'اللقطات العامة في كينيا' ولا ننسى تألق رالف ينس في دور جستين وأيضا تألق راشيل فايس في دور تيساِ وعلى رغم أننا لم نقابل تيسا مباشرة وانما من خلال ذكريات زوجها عنها الا ان المشاهد التي ظهرت فيها تدل على اننا بصدد ممثلة موهوبة قادرة على استنفار كل أدواتها التعبيرية الداخلية والخارجية للامساك بمفاتيح شخصية تيسا كواحدة من ناشطي حقوق الإنسان وكزوجة محبة حالمة ورومانسية.

أعماق وعزف

وهكذا فعل رالف فينيس الذي كان قادرا باستمرار على الدخول الى شخصية جستين بكل ملامحها كلما تطلب الآمر ذلك واستطاع بأدائه ان يقنعنا انه لا يقوم فقط باكتشاف جريمة الانسان وانما يقوم أيضا باكتشاف الإنسان ذاته من خلال سبر أعماقه وروحهِ واقنعنا ايضا كم كان محبا لزوجته وكيف افتقد أشياء جميلة لم يدركها في زوجته عندما كانت قريبة منهِ راشيل فايس ورالف فينسي لم يمثلا كل بمفردة وانما كان من الواضح انهما يعزفان ببراعة في مقطوعة موسيقة تمثيلية تتميز بلحن متناغم على ايقاعات مضبوطة ومنسجمةِ ويذكر ان الاثنين (فايس وفينسي) حصلا على جائزتي افضل ممثل وممثلة من جوائز الأفلام المستقلة البريطانيةِ فيرناندو ميريليس برازيلي الاصل من مواليد عام 1955 ومن أفلامه 'الباب الذهبي' و'مدينة الله' وله العديد من الأعمال التلفزيونية ونال العديد من الجوائز كمخرج للأفلام التجريبية والإعلاناتِ ومع بداية التسعينات أسس هو ومجموعة من زملائه شركة إنتاج خاصة واستطاع أن يقدم فيلمه الأول عام 1998، اما راشيل فايس فهي انكليزية الاصل وكانت بدايتها عام 1993 ومن افلامها المهمة 'ستيلنج بيوتى' و'اني اريدك' و'اشراقة شمس' و'عودة المومياء'.

القبس الكويتية في 21 مارس 2006

 

سينماتك

 

"الجنيه الخامس" للمخرج المصري أحمد خالد:

الجنس والدين والشباب

بقلم: صونيا زكري  -  ترجمة علي مصباح

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك