أنجز المخرج العراقي خالد زهراو فيلمه التسجيلي القصير " عراقيون وسينما "، وعلى رغمٍ من أن العنوان لم يكن موّفقاً تماماً، فكلمة " عراقيون " التي وردت بصيغة " جمع المذكّر السالم " النكرة، أو الخالية من " أل التعريف " قد تعني أية مجموعة من العراقيين، في حين أن السينمائيين العراقيين معروفون، وليس من المُحبّذ أن نضعهم تحت صيغة نكرة. فكان من الممكن أن يختار المخرج عنواناً مناسباً لطبيعة فيلمه التسجيلي الذي يتمحور حول السينما العراقية جملة وتفصيلاً كأن يكون " سينمائيون عراقيون " أو " مخرجون عراقيون " وما إلى ذلك من عناوين تتطابق مع المناخ العام لهذا الفيلم التسجيلي القصير الذي زادت مدته على نصف الساعة بدقيقة واحدة. وبغض النظر عن الأصوات النقدية التي تصاعدت بعد العرض مباشرة معترضةً على تسميته " بالفيلم التسجيلي " في حين أنه ينضوي تحت باب " الريبورتاج التلفزيوني " علماً بأن هذا الجنس البصري لا يقل أهمية عن الأجناس المرئية الأخر إن أحسَنَ المخرج التعمّق فيه، والذهاب بمغامرة البحث إلى أقصاها، وإستنفاد أغلب المعلومات المُتاحة في هذا المضمار بحيث يجد المتلقي نفسه أمام خزين هائل من المعلومات الجديدة التي تغنيه عن القراءة والتفتيش في بطون الكتب والمراجع الأساسية. يا ترى، هل سيكتفي المخرج خالد زهراو بهذه الآراء التي جسدها سبعة مخرجين، ومستشار في برمجة الأفلام العراقية والعربية في المهرجانات الأوروبية، أم أنه سيمضي في مشروعه ليضيف إليه أكبر قدر ممكن من أراء ووجهات نظر المخرجين والنقاد السينمائيين العراقيين، وأخص بالذكر منهم منْ تبقى من جيل الريادة الأولى والثانية، أما الأجيال اللاحقة فإن اللقاء بها، وتوثيق أرائها وأطاريحها المتعلقة بالسينما العراقية ليست عصية على التحقيق على رغم تشتتهم في المنافي العالمية. وهنا تكمن أهمية هذا العمل التوثيقي الفذ إن حاول مخرجه أن يعطيه طابعاً موسوعياً شاملاً يتابع فيه ولادة السينما العراقية، ونشوئها في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، قبل أن تتأدلج في الحقب اللاحقة، وتضمحل في أواسط التسعينات، وتقترح هي تخدير نفسها أو تعلن موتها المؤقت لحين سقوط النظام الدكتاتوري في 9 آذار " مارس " 2003، ومحاولة نهوضها من تحت الرماد على أيدي السينمائيين العراقيين المتحمسين لخلق سينما عراقية أصيلة ذات ملامح مُحددة يمكن الإشارة إليها من دون خجل أو إستحياء. ومن هنا فقد كان على خالد زهراو أن يستعين بأكثر من ناقد أو مؤرخ سينمائي عراقي لرصد التجارب السينمائية للمخرجين العراقيين الذين خلّفوا بصماتهم الحقيقية في المشهد السينمائي العراقي، خصوصاً وأن عقدي الخمسينات والستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي قد أفرزت أفلاماً عراقية مهمة مثل " مَنْ المسؤول؟ " لعبد الجبار توفيق علي، و " سعيد أفندي " لكاميران حسني، و " الحارس " لخليل شوقي، و " الأهوار " لقاسم حول وغيرها من الأفلام ذات السوّية الفنية العالية. كان على مخرج الفيلم أن يضع عدداً آخر من الأسئلة أو المحاور الأساسية التي تسلّط الضوء على ولادة السينما العراقية، والظروف التي أحاطت بنشأتها، وتطورها، وذيوعها في المشهد السينمائي العربي. كما كان عليه أن يتوقف عند أبرز الأفلام العراقية التي شكّلت علامات فارقة في السينما العراقية على مدى ستة عقود من الزمان، ولماذا تميّزت هذه الأفلام دون غيرها، وذاع صيتها عربياً وعالمياً. على أية حال لقد بدأ خالد زهراو بإثارة جملة من الأسئلة والمحاور الأساسية يمكن أن نوجزها بما يلي: هل هناك سينما عراقية واضحة المعالم، أم ان هناك أفلاماً عراقية تنتمي لتجارب شخصية لمخرجين عراقيين سواء أكانوا داخل العراق أو خارجه؟ وهل كانت مؤسسة السينما والمؤسسة أداة من أدوات النظام الشمولي تروّج لخطابه الإعلامي فقط، ولا تعير شأناً للخطاب البصري السينمائي؟ وهل أن المشهد السينمائي العراقي بحاجة ماسة إلى بقاء هذه المؤسسة بعد سقوط النظام؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن هي الجهة التي يُفترض أن تدعم الفيلم العراقي؟ وما هو دور الدولة في دعم السينما العراقية في المستقبل القريب بعد إستتباب الأوضاع الأمنية؟ وما هو مستقبل السينما العراقية بعد تشتّت الجزء الأكبر من مخرجيها في مختلف أصقاع العالم؟ وهل هناك أمل بعودة هؤلاء السينمائيين المنفيين إلى العراق لكي يواصلوا بناء الصرح السينمائي العراقي الذي شيّد لَبِناته الأولى السينمائيون العراقيون الأوائل؟ لا بد من الإشارة إلى أن المخرجين العراقيين السبعة، ومستشار البرمجة، نفوا وجود سينما عراقية،  وأجمعوا على وجود أفلام عراقية تمثل أصحابها ومخرجيها على وجه التحديد.

طارق هاشم: أتمنى ألا تكون السينما جزءاً من الدولة!

يعتقد المخرج طارق هاشم بأنه لم تُتح للسينمائيين العراقيين الفرصة الحقيقية لأن يختبروا قدراتهم في إمكانية إنجاز فيلم سينمائي عراقي. وهو يفرّق جيداً بين العمل السينمائي الصعب والعمل التلفزيوني السهل. ولا يريد التجنّي على بعض المخرجين العراقيين الذين سنحت لهم فرصاً عديدة لإنجاز أفلام عراقية في ظل النظام السابق. وهناك فرق كبير، من وجهة نظره، بين سينمائيّي الداخل، وسينمائيّي الخارج. فمن هم في الداخل يعانون من مشكلاتهم ومحنهم الداخلية المعروفة، ومن هم في الخارج، على رغمٍ من الدعم، والحرية المتاحة، والفضاء المفتوح، إلا أنهم يعانون من مشكلات أخر لا تقل شأناً وقسوه عن مشكلات أقرانهم في الداخل. ومن بين هذه المعضلات التي تعوق تطور العمل السينمائي في العراق هو إنعدام وجود معاهد أو كليات متخصصة بالسينما ككيان متفرد وخاص، وليس مجرد قسم في أكادمية تضم مختلف الفنون. كما أن التقنيات لم تصل إلى السينمائي العراقي بفعل الحصار والظروف الشاذة التي عاشها العراق في العقدين الأخيرين. ويؤمن هاشم إيماناً عميقاً بأن السينما كانت الواجهة السياسية للنظام السابق، وهي لم تخدم السينما العراقية قط، وإنما كانت تروّج لخاطبه السياسي والفكري. وحينما عاد هاشم إلى العراق بعد سقوط النظام لإنجاز فيلمه الوثائقي الطويل " 16 ساعة في بغداد " وجد صالات السينما العراقية مخرّبة كلها، وقد تحولت إلى دور لعرض أفلام البورنو، ولا تخضع إلى قوانين أوضوابط تُحدد نوعية الأفلام التي يجب أن يراها الجمهور. الأفلام العراقية الجديدة من وجهة نظر هاشم، يجب أن تُنجز داخل العراق، لأنه لا يمكن لكَ أن تُصوّر فيلماً عراقياً خارج حدود العراق بمجرد أن تُلبس أشخاصه زياً عراقياً، وتدعهم يتحدثون باللهجة العراقية. فالسينما العراقية تحتاج إلى بيئة ومناخ عراقيين خالصين، ولا يُسمح فيهما التزوير. لا يُفضِّل هاشم أن تتبنى الدولة دعم السينما العراقية خشية أن تقيّدها بشروط قاسية، وتجعلها تابعة بها، أو تفرض عليها نوعاً من الوصاية الفكرية. كما يرى هاشم في المهرجانات السينمائية العالمية فرصة طيبة للقاء السينمائيين أنفسهم، وعرض مشاريعهم الفردية، وتلاقح لخبراتهم الفنية والتقنية، خصوصاً ونحن نفتقر إلى آصرة أو جماعة أو إتحاد للسينمائيين العراقيين المتناثرين في مختلف أرجاء العالم.

محمد الدرّاجي: هناك بدايات لسينما عراقية

يعتقد المخرج محمد الدراجي بأن هناك أناساً يعملون في السينما العراقية التي ما تزال في بدايتها، وأن أمامها طريق طويل يجب أن تقطعه. وفي أثناء تصويره لفيلمه الروائي الطويل " أحلام " إكتشف أن الكثير من العراقيين كانوا يُدهشون حينما يشاهدون أناساً يحملون كاميرات ضخمة، بينما هناك من يصرخ بكلمة " أكشن " وآخر يصيح " كات "، وحينما نطلب منهم الإبتعاد قليلاً كانوا يمتنعون أول الأمر، ثم بدؤوا يتعاونون معنا شيئاً فشيئاً حينما إكتشفوا أننا نصوّر شيئاً ما. ويرى الدراجي بأن العراق يفتقر إلى السينما الإحترافية، ولكن سوف يتم بناء هذا الإحتراف إذا ما عززته الدولة والمؤسسات الداعمة للسينما الإحترافية. كما يعتقد الدراجي بأن السينما العراقية لا جمهور لها، وأن هناك أناساً في الثلاثين من أعمارهم لم يروا السينما، ويحلمون بالدخول إلى صالاتها. ويتأسف كثيراً لأن هذه الصالات بدأت تعرض أفلام البورنو. ويرى الدراجي أن بناء سينما حقيقية يجب أن يبدأ بالمعهد والكلية المتخصصة التي تدرّس كل المواد المتعلقة بالسينما، وليس التصوير والإخراج فقط، كما هو الحال في أكادمية الفنون الجميلة. ويضرب مثالاً عن زملائه في الداخل بأنهم منذ خمس عشرة سنة لم يصوروا شيئاً بكاميرا سينمائية، وإنما كانوا يستعملون الفيديو كاميرا، وأغلبها كاميرات قديمة. وفيما يتعلق بدعم السينما فيرى الدراجي أن الدولة يجب أن تدعم الإنتاج السينمائي العراقي على غرار البلدان المتحضرة التي تخصص ميزانيات كبيرة لدعم منجزها السينمائي.

جمال أمين: لدينا أجيال تُلغي وتقاطع أجيالاً أخرى

يعتقد المخرج جمال أمين بوجود أفلام عراقية، ولكنه ينكر وجود سينما عراقية محددة الملامح، وذات إنجازات معروفة على صعيد عالمي. وينتقد جمال أمين هيمنة بعض الشخصيات الفنية في العراق على مجمل الأعمال السينمائية. فضياء البياتي من وجهة نظره كان هو الشخص الوحيد الذي يوزّع الإنتاج السينمائي، ويسند الأدوار سواء على وفق مزاجه الشخصي أو بتوجيه من السلطة الحاكمة. ومثلما كان يهيمن علينا دكتاتوراً أوحداً، كان لدينا مخرجاً واحداً هو محمد شكري جميل الذي إستحوذ على كل الأفلام العراقية وحرم المخرجين الشباب. ويرى أمين أيضاً بأن جميل قد أخذ فرصته الكبيرة، وربما أكثر منها بكثير، وشارك في أغلب المهرجانات في العالم، ليس لأنه مخرج كبير، بل لأن الخط العام لسياسة السلطة كان يقتضي هذا النوع من الهيمنة. وإذا كان أمين ينفي وجود سينما عراقية إلا أنه لا ينفي وجود ذهنية سينمائية جميلة متوفرة لدى عدد غير قليل من المخرجين العراقيين الذين أداروا ظهرهم للنظام الشمولي في العراق، هذا النظام الذي سعى بقوة لأدلجة الثقافة العراقية برمتها، وبالذات السينما التي ركزت على فكرة القائد الأوحد، والحزب الواحد، ثم تبعتها الأفكار التعبوية للجيش والحرب وسلسلة المعارك التي خاضها النظام ضد معارضيه ومناوئيه في الداخل والخارج. يعتقد أمين بأن الجمهور العراقي كان يتوفر على ذائقة عالية سابقاً، أما في عهد النظام البائد فقد تحولت السينما إلى مكان للقيلولة في الثمانينات، وإلى مكان لعرض الأفلام الرخيصة بعد سقوط الدكتاتورية. الفيلم العراقي الذي يتحدث عن الإرهاب أو المقابر الجماعية، بحسب أمين، ليس مرغوباً في الدول العربية، ولذلك فإن الفيلم العراقي لا يلقى قبولاً في المهرجانات السينمائية العربية التي تفضل الأفلام التي تقاوم الأمريكان أو تشتم الإستعمار، ولهذا فإن المخرجين العراقيين المنفيين كانت حصصهم ضئيلة في هذه المهرجانات إن لم تكن معدومة. ويرى أمين أن السينما العراقية خلال عمر النظام السابق كان بينها وبين الجمهور العراقي قطيعة حادة لأن أغلب الأفلام العراقية المنتجة في تللك الحقبة كانت مكرسة للنظام الحاكم فقط. أما الآن فيعتقد أمين بأن الفيلم العراقي قد بات مطلوباً ليس لأن هناك سينما عراقية جيدة ولافتة للإنتباه، بل لأن العراق منطقة ملتهبة، ومحط أنظار العالم كله. وينتقد أمين بقوة فكرة المقاطعة والإلغاء التي تتبناها أغلب الأجيال العراقية بسبب الظروف الإستثنائية التي يعيشها السينمائي العراقي الذي حرم للأسباب أعلاه من تأسيس سينما عراقية أو إتجاه محدد في هذه السينما.

هادي ماهود: ما الذي نتوقعه حينما يكون مدير السينما ضابط مخابرات؟

يقول ماهود بالفم الملآن أنا عاصرت مؤسسة السينما العراقية لمدة طويلة، ولم أرَ في حياتي سينمائياً مبدعاً يترأس هذه المؤسسة. يا ترى، هل من المعقول أن يكون مدير مؤسسة السينما في فترة من الفترات ضابطاً في المخابرات؟ ولهذا فليس من المستغرب أن تتحول مؤسسة السينما والمسرح إلى أداة من أدوات النظام تطبّل لأفكاره، وتساهم في تسميم أفكار الناس، فلا السينما كانت سينما، ولا السينمائيون كانوا سينمائيين بالمعنى المتعارف عليه للكلمة. ويرى ماهود ضرورة ملّحة في إلغاء هذه المؤسسة، فالموظفون لا يصعنون سينما. ويطالب في الوقت ذاته أن تقدّم وزارة الثقافة دعماً غير مشروط للسينمائيين العراقيين من أجل صناعة سينما تليق بالعراق الجديد.

سعد سلمان: هجوم ثانٍ على المخرج محمد شكري جميل!

مثلما إتفق المخرجون السبعة، ومعهم مستشار البرمجة على عدم وجود سينما عراقية فإن المخرج سعد سلمان يتفق مع المخرج جمال أمين على أن محمد شكري جميل بعد ثلاثين سنة من العمل السينمائي يصنع فيلماً " من الرداءة والسوء بحيث لا يستطيع أي مخرج أن يوقّع عليه " علماً بأن سلمان كان يرى في إنتاج محمد شكري في أوائل السبعينات لأفلام في منتهى الجودة والرقي والمعاصرة قياساً إلى تلك الحقبة، ولكنه تراجع في التسعينات ملغياً الأمل الذي كان معقوداً عليه في أن يكون أحد الأصوات السينمائية المبدعة. وقد توصل سلمان إلى أن " مجمل الإنتاج الثقافي العراقي " خلال الحقبة الدكتاتورية " هو إنتاج سلبي لثقافة فاشية " وهذا الحكم فيه كثير من التعسف والجور والمصادرة لعدد كبير من المبدعين العراقيين الذين لم يقدموا نتاجاً فاشياً كما يقترح سلمان الذي " نفى وجود أي شيء إيجابي في الثقافة العراقية خلال خمس وثلاثين سنة " مستثنياً بعض المحاولات النادرة لأفراد مهمشين لم ينقطعوا عن العمل. وقد ختم سلمان رأية بالقول " أعتقد من الصعب جداً التكهن  بمستقبل ما يسمى بالسينما العراقية " لأن السينما من وجهة نظره هي معرفة، وخبرة متراكمة، وتقاليد عمل تتضمن الإحساس بالمسؤولية وتوزيع الأدوار بشكل متقن وما إلى ذلك.

محمد توفيق: يطالب بفتح منافذ وأبواب جديدة للسينمائيين العراقيين

يؤكد توفيق بأن السينما العراقية قد إنحسر إنتاجها في حقبة التسعينات، ولم تنجز إلا بضعة أفلام، وهذا يعني من بين ما يعنيه أن هناك إنقطاعاً مروّعاً للسينمائيين العراقيين عن مزاولة مهنتهم الأساسية، سيما وأن مؤسسة السينما نفسها قد تحولت، بحسب رأيه، إلى آلة أو ماكنة للدعاية الحربية، ولكنه يعلّق الآمال على السينمائيين العراقيين المقيمين في مختلف بلدان العالم، ويرى أن إطلالتهم على مختلف التيارات السينمائية الموجودة في العالم قد وفرت لهم تجارب وخبرات جديدة يمكن أن تُوظّف لمصلحة السينما العراقية بحيث تكون سينما ذات خصوصية خاصة، ومتميزة إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن العراق مليء بالموضوعات الدرامية الساخنة التي يمكن أن تكون أرضاً خصبة لمنجز سينمائي روائي ووثائقي في آن معاً. ويعتقد توفيق أن السينما العراقية تحتاج إلى دعم وزارة الثقافة العراقية لكي تنتج أفلاماً نوعية، وفي حال تعثر الوزارة في توفير هذا الدعم المادي فعليها أن تفتح مجالاً واسعاً للشركات والمؤسسات الإنتاجية الخاصة لكي تتبنى هذا الموضوع على وفق عقلية جديدة لا علاقة لها بالماضي الأسود الذي هيمنت فيه السلطة على كل صغيرة وكبيرة في مؤسسة السينما والمسرح. وتمنى توفيق على الحكومة الجديدة أن تفتح منافذ وأبواباً جديدة لكل السينمائيين سواء في داخل العراق أو في خارجه.

إنتشال التميمي: ليس لدينا تقاليد سينمائية

يصر الناقد إنتشال التميمي بأننا في العراق ليس لدينا تقاليد سينمائية متبعة لا الآن، ولا في السنوات الماضية. وبما أن النظام العراقي السابق كان فاشياً فإن النتاج السينمائي كان يعاني من مشكلة فنية أيضاً، إضافة إلى أن شرط الحرية الذي يعد أساس أي عمل إبداعي كان مُفتقداً في السابق. ويرى التميمي أن غياب الحفلات السينمائية سواء الآن أو خلال حقبة النظام البائد كانت ظاهرة ملفتة للإنتباه، وهذا يعني أن هناك قطيعة مع السينما العراقية، أو أنها بلا جمهور يرتاد صالاتها. والأغرب من ذلك فإن دور السينما العراقية قد تحولت إلى أماكن لعرض الأفلام الإباحية المقرصنة. ويعتقد التميمي من خلال قراءاته المتواصلة لما تنشره الصحافة المقروءة في الداخل بعدم وجود نقد سينمائي حقيقي، بل أن معظم ما ينشر هو خليط من النقد الأدبي والمسرحي، ولا يمت بصلة إلى النقد السينمائي. ويعزو السبب في فقر الموادة النقدية المنشورة إلى القطيعة القسرية التي خلقها النظام مع المنجز السينمائي العالمي الذي تعذر وصوله إلى العراق خلال العقد الأخير في الأقل. ويفصل التميمي بين دور الدولة في إنتاج الأفلام وبين دعمها. وأكد في معرض حديثة أن السينما العراقية قد إعتادت على دعم الدولة بحيث لو أرادت هذه الأخيرة أن ترفع يدها فإن السينمائيين العراقيين سيشعرون بنوع من الحنين الجارف إلى هذا الدعم بحكم العادة. ولكونه مستشاراً في برمجة الأفلام العراقية والعربية في عدد غير قليل من المهرجانات العالمية، إضافة إلى كونه المدير الفني لمهرجان روتردام للفيلم العربي فقد أكد على أن مهرجان روتردام يتيح فرصة كبيرة لإستقبال الأفلام العربية أكثر من غيرها، وهذا يعني أن المهرجان لا يطبق المعايير نفسها على الأفلام العراقية والسعودية واليمنية والأردنية والليبية كما يطبقها على الأفلام العالمية. ويرى التميمي أن معدل إنتاج العراق من الأفلام ضعيف جداً، ولا يتناسب مع ثروة العراق وغناه المادي الذي يفترض أن تزدهر فيه الصناعة السينمائية. وتمنى التميمي أن يتم التحرّك بشكل تدريجي يسمح بولادة جديدة للسينما العراقية خصوصاً إذا ما تضامن السينمائيون العراقيون، وتفاعلوا مع بعضهم البعض، وشكلوا خلية عمل جماعية لا تكف عن الحركة والنشاط.

عامر علوان: ولادة سينما عراقية ستكون عسيرة

المخرج عامر علوان المقيم في باريس يرى أن الناس في هذه الايام بدأت تستسهل عملية التصوير، وتعتقد خطأً  أن كل شخص يحمل كاميراً يستطيع أن يصور فيلماً في إشارة إلى الأفلام المنزلية التي تصور بواسطة الفيديو كاميرا. ويعتقد أن المخرج والممثل والتقنيين قد فقدوا بريقهم السابق، ولم تعد هناك قيمة لأي شيء، في حين أن الناس، من وجهة نظره، كانت تعير إهتماماً كبيراً للسينارست، والمونتير، والمصور، والماكيير، والديكوريست وما إلى ذلك. وأشار علوان إلى أن الجمهور العراقي سابقاً كان يذهب إلى صالات السينما لكي يقضي وقتاً ممتعاً لأنه يرى فناناً يقدم أعمالاً جيدة، ويشعر بوجود مخرج وفنيين يقدمون تقنيات عالية، أما في السنوات الأخيرة فقد هيمنت الأعمال الرديئة التي أبعدت هذا الجمهور النوعي عن صالات السينما العراقية. ويُرجِع علوان سبب موت السينما العراقية بشكل بطئ إلى الحصار الذي فرض على العراق، إضافة إلى بعض التوجهات الخاطئة للسلطة العراقية. كما أفضى عزل العراق عن المجتمع الدولي إلى حرمان السينمائيين والجمهور في آن معاً من الأفلام الجيدة، ومن التقنيات الحديثة التي إجتاحت العالم، ولم يصل منها إلى العراق إلا النزر البسيط جداً. واضاف علوان بأن ولادة السينما العراقية من جديد ستكون عسيرة بكل تأكيد بسبب الظروف المعقدة التي عاشها الشعب العراقي. ويعتقد علوان بأن هناك ما يشبه العطف على السينمائي العراقي لأن العراق بلد مُنهَك في ظل الظروف الضاغطة، ويعاني من حالة حرب مستمرة حتى الآن، ولكن علوان لا يريد تعاطفاً من هذا االنوع بحيث تُستقدم فيه الأفلام العراقية إلى المهرجانات الدولية لا بسبب سويتها الفنية، وإنما بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها العراق حالياً. لذلك يعتقد علوان بأن حُب السينمائيين العراقيين للخلق والإبداع يجب أن يكون هو الدافع الأساسي لخلق أعمال سينمائية ناجحة فنياً، وتستطيع بمستواها الفني، وبحرفية ممثليها، وبتقنياتها العالية أن تخترق المهرجانات العالمية، ولا تترقب منهم نظرة عطف أو إستجداء.

فن الصياغة، وبلاغة الجملة المنطوقة

إن منْ يشاهد فيلم " عراقيون وسينما " سيكتشف من دون عناء كبير أن هناك جُملاً ناقصة، وعبارات غير مكتملة وردت على ألسن المتحدثين. وإذا كنا في الفيلم التسجيلي نطالب بأن يكون الشخص الذي يقف أمام " عين الحقيقة " غير محترفٍ لفن التمثيل، ويُفضَل أن يكون شخصاً عادياً لا يعتمد على الفذلكة اللغوية، ولا يتفيهق كثيراً، ولكننا نفترض في حالة المتحدث النوعي، كأن يكون مخرجاً أو ناقداً أو مؤرخاً سينمائياً، أن يمتلك معرفة معقولة بالصياغة اللغوية تؤهله لأن يقول كلاماً مفهوماً، ومترابطاً، ورصيناً. وكان على المخرج أن يعيد تصوير بعض اللقطات والمشاهد التي تعاني من الضعف والركاكة اللغوية كي يضمن بالنتيجة آراءً علمية، ومفاهيم قوية ومحبوكة ومقنعة لا تكتفي بإلقاء اللوم على الدكتاتورية، ولعن الظلام، وإنما تنحت بأظفارها صرح السينما العراقية، كما فعلت السينما الإيرانية، تمثيلاً لا حصراً، في ظل النظام الثيوقراطي الإيراني الذي فشل في أن يقنع السينمائيين الإيرانيين بأن صوت المرأة عورة، وأنها يجب ألا تظهر إلا وهي محجبة أو منقبّة بالكامل. بقي أن نقول إن هذا العمل التوثيقي سيكون مهماً جداً إذا ما فكر المخرج خالد زهراو بتوسيع نطاقه ليشمل البدايات، وجيل الريادة الثانية، قبل أن يصل إلى الأجيال اللاحقة التي لم تكن تعبث، وإنما قدّمت ما تستطيع أن تقدّمه في ظل الظروف التي نعرفها جميعاً، وليس بالإمكان أفضل مما كان.

موقع "العرب أنلاين" في 16 مارس 2006

 

بيونسيه نولس.. تلقائية وتجاوب وألق في ثالث أفلامها

«الفهد الوردي».. ستيف مارتن في كوميديا أميركية على الطريقة الفرنسية

محمد الأنصاري 

وسط عالم مليء بالنكبات والمصائب والأخبار المفجعة، وفي أجواء الفن السابع التي تمتلئ بنفس صفة هذا العالم من تصوير للجريمة والرعب والحروب والتراجيديا، وسط هذا الركام كله، يندر أن يشاهد المرء ما يبهج القلب ويقتطف الابتسامة والضحك من أنياب الزمن، وربما هذا ما يتحقق لمن يشاهد فيلم «بينك بانثر ـ النمر الوردي» لنجم الكوميديا الرائع ستيف مارتن الذي يُعرض حالياً في صالات السينما بالإمارات.

الفيلم نسخة جديدة عن السلسلة الشهيرة التي حملت نفس الاسم، وتم إنتاج أول أفلامها في ستينات القرن الماضي ببطولة مطلقة لنجم الكوميديا البريطاني «بيتر سيلرز»، أما فيلمنا الحالي فهو من إخراج شاون ليفي، وشارك «مارتن» بطولته كل من: جان رينو، كيفن كلاين، والمطربة السمراء بيونسيه نولس، وهو من إنتاج شركة «سوني» العالمية.

حقق فيلم الفهد الوردي The Pink Panther منذ ظهوره في صالات السينما الأميركية قبل حوالي ثلاثة أشهر، مبيعات تذاكر وصلت قيمتها إلى 17 مليون دولار في أسبوعه الأول، وهو ما دفعه ليحتل المركز الأول في بداية عرضه، وحقق طيلة الأسابيع الثلاثة الأولى ما يقارب 42 مليون دولار، وتدور أحداث الفيلم حول اغتيال مدير الفريق الفرنسي لكرة القدم المشهور عالمياً «غلونت» وسرقة خاتمه الذي يحوي ماسة «الفهد الوردي» -جالبة الحظ للفريق الفرنسي- فيكلف مدير الشرطة «دريفوس» الممثل كيفن كلاين محققاً غبياً يدعى «جاك كلوسو» النجم ستيف مارتن للتحقيق في الجريمة، في سعي من رئيس الشرطة للحصول على وسام شرف يسعى إليه منذ سنوات.

ويبدأ المحقق «كلوسو» تحرياته باتباع أساليبه المميزة في التحقيق للكشف عن هوية القاتل وسط لقطات ومشاهد كوميدية أداها ستيف مارتن بلغة إنجليزية ونبرة فرنسية أضفت أجواء من الضحك طيلة مدة العرض، فيبدأ تحقيقاته مع نجمة البوب «زانيا» صديقة المدرب المقتول ـ أدت الدور المطربة بيونسيه نولس ـ بمساعدة زميله «بونتون ـ الممثل جان رينو ـ وسكرتيرته الحسناء «نيكول»، وتحدث في الفيلم مقالب ومطبات كوميدية للمحقق «كلوسو» يتورط فيها الجميع، ويمكن القول إن الفيلم يقدم لكوميديا «أميركية» على الطريقة «الفرنسية» نجح فيها «مارتن» في إمتاع المشاهد حتى اللحظات الأخيرة من الفيلم.

يبدو أن هذا العام هو عام ستيف مارتن السينمائي بلا منازع؛ حيث عُرض له قبل فترة بسيطة مجموعة من الأفلام المميزة فيلم «تشيز باي ذا دوزين» مع «بوني هنت»، وفيلم «بالدستة أرخص»، وفيلمه الرائع «شوب غيرل» برفقة كلير دانيس، وفيلم «البائعة» الذي كان أداء مارتن فيه رومانسياً وبعيداً عن الكوميديا التي عُرف بها، أما فيلمه القادم الذي يحمل عنواناً لا يقل غرابة عن أجوائه «بيكاسو في لابين أكيل» فينتظر عرضه منتصف هذا العام.

وقد صوّر مارتن أغلب أفلامه في كندا لعوامل مادية ـ كما صرّح بذلك للناقد محمد رضا أثناء لقائهما في برلين ـ ولكنه أشار أيضاً إلى أن «كندا» هي «أميركا» الجميلة التي ينبغي أن تكون، يذكر أن نجم الكوميديا «مارتن» كان قد حاز في نوفمبر من العام الماضي على أكبر جائزة أميركية كوميدية وهي جائزة «مارك توين» للفكاهة، وكان أول فيلم أدى فيه دور البطولة هو «الأحمق» عام 1979، كما أن له رصيداً في المسرح وكتابة السيناريو يتعدى الثلاثين عملاً.

أما النجمة السمراء بيونسيه نولس التي بدأت كمطربة مع فريق «ديستنيز تشايلد» فقد كان أداؤها لدور «زانيا» عشيقة مدير الفريق الفرنسي المغدور في فيلم «الفهد الوردي» ـ وهو ثالث أفلامها ـ يجعل المشاهد يظن أن لهذه الفنانة أرشيفاً حافلاً بأفلام السينما، فقد كانت تؤدي دورها بتلقائية وتجاوب كبير مع أجواء الكوميديا التي كان يشيعها مارتن، وخصوصاً في المشهد الذي تستضيف فيه المحقق «كلوسو» في جناحها الفخم، وحركات الغباء من قبل هذه المحقق «العبقري» التي تفضي إلى اندلاع النار في الجناح، وكان أحد أسباب قبول بيونسيه كما صرحت هي بذلك للصحافة؛ هو وجود المخرج شاون ليفي الذي عملت معه لسنوات في برنامج «ميكي ماوس»، ولكنها كانت مترددة في قبول الدور إلى أن علمت أن من يقف أمامها في البطولة هما ستيف مارتن وكيفين كلاين حيث غيرت رأيها بسرعة ووافقت بشدة على أداء الدور، يذكر أن أول ظهور لبيونسيه على الشاشة السينمائية كان في فيلم «أستن باورز» عام 2002، ثم شاركت في بطولة فيلم «محاربة الغرائز» عام 2003.

ربما كان لحضور النجمين الفرنسي جان رينو الذي يقوم بدور «بونتون» مساعد المحقق «كلوسو» والأميركي كيفن كلاين بدور رئيس الشرطة «دريفوس» شديد الأثر في إشاعة أجواء الكوميديا في الفيلم، وقد كان اختيار المخرج ومارتن موفقاً إلى حد كبير في توليف ثلاثي كوميدي استطاع أن يدخل المتعة في قلوب المشاهدين طيلة فترة الفيلم، فكان أداء «جان رينو» المعروف بنظرة عينيه المميزة بأداء دور البلاهة؛ أداءً عفوياً دون تكلّف، أما كيفن كلاين الذي أدى دور رئيس الشرطة فقد كانت مقالب المحقق «كلوسو» تتساقط على رأسه كالمطر، يُذكر أن النجم جان رينو أدى مؤخراً دوراً مختلفاً في فيلم «شفرة دافنشي» الذي ينتظر عرضه في صالات الإمارات قريباً.

عنصر آخر كان من ركائز نجاح هذا الفيلم؛ ألا وهو الذاكرة الجميلة المترافقة مع موسيقاه الشهيرة التي ألفها الموسيقار الراحل هنري مانسيني والتصقت به إلى ساعة رحيله؛ رغم أنه من أبرع مؤلفي موسيقى «الجاز» و«البوب» في أواسط القرن الماضي، ولا دليل على براعته إلا حصوله على أكثر من عشرين جائزة «غرامي» الموسيقية عن موسيقاه التي ألفها للأفلام، وحصوله على أربع جوائز أوسكار لنفس التخصص، وهو ما حدا النقاد أن يطلقوا عليه «ملك موسيقى الصورة» أما موسيقاه لفيلم «الفهد الوردي» الذي كان أول إنتاج له عام 1963م.

فقد كانت من الشهرة بمكان أن التصقت باسم «مانسيني» وأبقته أسيراً لها حتى هذا اليوم، وهي موسيقى ذات طابع قريب من «الجاز» رغم أنها تنطلق من آلات النفخ الموسيقية ـ كما هو المعهود في الجاز ـ ولكنها تختلف عن سائر أعمال هذا النوع الموسيقي بلمسات «مانسيني» الساحرة التي تحلّق في أثير الموسيقى الراقية، فكانت موسيقى «الفهد الوردي» تنطلق بأجواء الفيلم في روح مرحة بعيدة عن التعقيد.

البيان الإماراتية في 15 مارس 2006

الخلطة السرية في السينما الأمريكية

«تصادم».. الفيلم الذي حصد جوائز الأوسكار

سامح فتحي  

هناك حقيقة يعرفها المهتمون بالفن السينمائي تحوي بعدا ذا دلالة علي ذلك الفن وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية ـ علي ثقلها الإبداعي وريادتها السينمائية العالمية، بما تضمه بين جوانبها من منجم الأفلام في هوليوود مع تلك الشركات العملاقة التي تلتهم الكيانات السينمائية الصغيرة في دول الدنيا بأسرها ـ لا ينضوي تحت جناحيها سوي مهرجانين يبتعدان بمسافة ليست قصيرة عن الوزن المأمول في جذب الإبداعات الفيلمية العالمية وأعني بهما مهرجان واشنطون ومهرجان سان فرانسيسكو، ذلك بالمقارنة بأربعة عشر مهرجانا في فرنسا أشهرها فالنسيا وخمسة مهرجانات بإيطاليا منها فينسيا وسبعة مهرجانات في إسبانيا أهمها فالنسيا وخمسة مهرجانات بألمانيا أعظمها برلين، إلخ وتلك الحقيقة قد ترجع إلي أن أمريكا ليست في حاجة إلي مهرجانات تعرض فيها إبداعاتها وتلفت أنظار العالم إلي إنتاجها بها يعني التسويق الجيد للسينما الأمريكية، فالولايات المتحدة بكل بساطة مسيطرة علي السوق العالمي للسينما دون مهرجانات بل وتحصد أفلامها الجوائز الأولي في تلك المهرجانات معتمدة علي العبق الجميل لتراثها السينمائي الضخم الذي يشكل ذاكرة السينما العالمية ولكن يدور الآن تساؤل ذو قيمة وهو هل مازال الإنتاج السينمائي الأمريكي إلي الآن يحمل تلك القيمة ذاتها المؤثرة في المتلقي العالمي والتي تخاطب وجدانه وتعبث بمشاعره وأفكاره التاريخية أو الاجتماعية أو السياسية أو التخيلية إلخ.

وتظل تلوي بعنقه فلا ينفك متفاعلا مع الفن السابع الأمريكي حتي ينتهي العمل الفيلمي؟

ذلك التساؤل قد تجيب عنه جزئيا تلك الموجة الجديدة من الأفلام الأمريكية التي أصبحت تبتعد عن الغطاء الإنتاجي المناسب، في محاولة لتقليل تكلفة الفيلم إلي حدها الأدني مع التمكن من تسويقه عالميا لجني الأرباح في حدها الأقصي، معتمدة علي الإعلام التسويقي الضخم والاسم البراق للفيلم والأسماء الرنانة للأبطال والممثلين من الدرجة الثانية، وأصبح الفيلم الأمريكي يخاطب ود المتلقي الأمريكي أولا ـ بعد أن كان المتلقي العالمي هو هاجس صانع الفيلم الأمريكي الأول ـ فيعطي له ما يرضي ذوقة ويلائم مشاكله التي يعايشها مثل ارتفاع حجم البطالة، والخواء الروحي والفكري، والبحث عن بطل مخلص، وتوجيه الكراهية لكل ما هو عربي، وإثارة مشاكل الزنوج الأمريكان واحتلالهم مواقع كان بالأحري لو خلت للأمريكي، كل ذلك يعني مواكبة السينما الأمريكية للخطاب الرسمي لدوائر السلطة في البلاد وما تريد أن توصله للأمريكي ثم لمتلقي العالم أجمع.

وباتخاذ فيلم «CRASH» تأليف وإخراج بول هاجس نموذجا لتلك الموجة نلاحظ أن الفيلم بداية لم يعتمد علي رائعة أدبية، ولكنه اعتمد علي رؤية المخرج الفكرية التي صاغها بنفسه، ليجعلها عملا يقوم بإخراجه، مع كل مخاطر الرؤية الأحادية للآخرة فهو يقيم حبكة الفيلم في خلال يومين بمدينة لوس أنجلوس حيث يعتمد علي مجموعة شخصيات مختلفة ذات ثقافات واعتقادات متباينة، فمنهم من ينتمي إلي الأصل الإفريقي مثل أحد المحققين وأحد المخرجين وبعض الشباب الذين يقومون بأعمال اللصوصية والإجرام، ومنهم من ينتمي إلي العرب مثل صاحب المتجر وابنته وزوجته وبعض العاملين مع المخرج الزنجي، ومنهم من ينتمي إلي الصين مع المجموعة المنتمية إلي جنوب شرق آسيا، هذا بخلاف الأمريكان مثل المدعي العام للولاية، والشرطي وزميله ووالده، وهناك من تنتمي لجنسيات متعددة خاصة المكسيك مثل زوجة المدعي العام التي تتصف بالقلق الدائم والغضب والانفعال المستمرين.

هذه المجموعة من الشخصيات تتعرض لمآزق مختلفة يتباين رد فعل كل منها تجاه هذه المآزق وفق ثقافته وأفكاره فمنها من يعالجها بهدوء وحكمة ومنها من يقاومها بعنف وتوتر وانفعال أو بغباء واستعجال إلخ.

ويعبر الفيلم عن عدم التواصل مع الآخر أو تقبله أو حتي محاولة فهمه، يلخص ذلك قول إحدي شخصيات الفيلم في بدايته: «نحن نحتاج إلي التلامس، في كل دول العالم يصطدم الناس ببعضهم في الطرقات فيتم التلامس، لكننا هنا نعيش منعزلين عن بعضنا، نعيش في ألواح زجاجية ومعدنية».

وبما أن الفيلم موجه للأمريكي أولا ثم المتلقي العالمي ثانيا فقد أظهر لنا صورة الأمريكي الذي يحترم واجبه ويؤديه علي أكمل وجه حتي لو ضحي بنفسه من أجله وحتي لو كانت هذه التضحية من أجل عدوه. وذلك الأمريكي إن وقع في خطأ ما فله نوازعه النفسية التي دفعته لذلك، هذا ما يلاحظ علي الشرطي الأمريكي الذي تحرش جنسيا بزوجة المخرج الأسود أمام عينيه مما يسلبه كرامته، ويجعل تلك الزوجة تغضب من زوجها الذي لم يثأر لكرامته، ويجعلها تصاب بعقدة نفسية من تحرش الشرطي بها.

لكن المخرج لا يدع المشاهد يأخذ فكرة خاطئة عن الأمريكي، فيوضح سبب كراهية ذلك الشرطي الأمريكي للسود حيث إن أباه خسر كل أمواله في مصنع كان يعمل به كثير من الزنوج، ورغم ذلك ترفض إحدي الزنجيات اعتماد مبلغ تأميني صحي لمعالجة هذا الأب المسكين الذي يبكي من عدم قدرته علي التبول في مشهد مؤثر يجعل ابنه الشرطي يكره كل الزنوج.

لكن تلك الكراهية لم تمنعه من أداء واجبه علي أكمل وجه عندما انقلبت سيارة زوجة المخرج بها فذهب مسرعا إليها ودخل إلي السيارة وحاول إفهامها أنه جاء لمساعدتها لأنها رفضت مساعدته أولا لتذكرها تحرشه بها لكنه بالصبر الكافي والأمانة التي جعلته يغطي جسدها بثوبها، وأصر علي إخراجها من السيارة رغم خطورة ذلك وعندما نشبت النيران بالسيارة وكادت تنفجر، مما جعل زملاءه يسحبونه دون إنقاذ السيدة، نجده يدخل إلي السيارة معرضا نفسه للموت حتي يستطيع في النهاية إنقاذها في مشهد مؤثر كان سيكتمل لو أن المخرج ترك للكاميرا حرية التنقل بين عيني السيدة وتصوير ما بها من امتنان، وعيني الشرطي ولمح ما بها من سرور لكن المخرج قطع المشهد فلم يتم التعبير الكافي عما أراده.

كما أن عدم التواصل يظهر في قتل أحد الشرطة الأمريكان لزنجي أسود لأنه ظن أن ذلك الزنجي سيخرج سلاحا يعتدي به عليه رغم أن الزنجي لم يكن يخرج سوي تمثل مقدس لدي الاثنين.

وما زالت صورة العربي الغبي الإرهابي تتواصل علي مسرح السينما الأمريكية ومنها لمجتمعات العالم الغربي، فذلك الرجل العربي الذي يمتلك متجرا ويأتي بعامل لإصلاح قفل الباب، هذا العامل يغير القفل المعطوب بآخر صالح، لكنه يؤكد لصاحب المتجر علي ضرورة تغيير الباب نفسه، لكن العربي يرفض ذلك مما يعرضه للسرقة، فيكون أول تفكير لذلك العربي هو قتل عامل الأقفال فيذهب إليه ويطلق الرصاص علي ابنته الصغيرة لكن العناية الإلهية تنقذ الأمريكي وابنته من يد الإرهابي العربي.

فهذا الفيلم الذي قام ببطولته براندن فرايزر في دور ريك وساندرا بولوك في دور جين لا يخرج عن مجموعة من الأحداث الدرامية المتشابكة تنقصها الإثارة والتشويق، والموضوعية، تقدم في مائة وثلاث عشرة دقيقة بعيدة كل البعد عن العبق التاريخي للسينما الأمريكية بل وخالطة خلطا غير فني بين ما هو كوميدي وما هو تراجيدي، في مواقف لا تحتمل إلا أحدهما، حتي ان المتلقي أحيانا يضحك وقت البكاء ويحزن وقت الضحك بصورة تدعو للشفقة وترجع إلي الخلط غير الدقيق بين مواقف الفيلم.

ولا يسعنا سوي التأكيد علي أن مشكلة الزنوج في المجتمع الأمريكي قد استهلكت في آلاف الأفلام الأمريكية وغير الأمريكية وهي في هذا الفيلم عولجت بسطحية ودون تعمق، فقد قدمت من وجهة نظر الأمريكي الذي لا ينظر للأسود سوي نظرة من يثير المشاكل والقلاقل في المجتمع ويأخذ أماكن الأمريكان في العمل ولا يحفظ للأمريكي جميلا عليه، بل إنه لا يعمل من أجل المجتمع لكنه يعمل من أجل ذاته أو خوفا من سلطة المجتمع عليه.

وعلي الرغم من تلك السلبيات إلا أن الفيلم يمتعنا باختيار المؤثرات الصوتية المنظمة والفنية واختيار مواقف صمت الموسيقي التصويرية ـ مثل شهد إطلاق الرصاص علي ابنة عامل الأقفال ـ بما يجعل المتلقي يخرج موسيقاه الذاتية مكملا موسيقي الفيلم ومتفاعلا معه وذلك الأمر ليس بالهين.

كما أن زاوية الرؤية للمشاهد كانت مميزة في كثير من الأحيان وبها جدة في أحيان أخري كالمشهد الذي يظهر فيه المدعي العام وزوجته يجلسان في أقصي يمين الصورة بينما باقي الصورة لقطع ثابتة من الأثاث وقد استطاع الشرطي الأمريكي، براندان فرابزر أن يعطي طاقة تمثيلية ضخمة ومكبرة في دور هو أصغر من إمكاناته فلم يستطع من خلاله إخراج كل طاقته الفنية المخزونة.

جريدة القاهرة في 14 مارس 2006

 

سينما الشواذ .. لماذا تأخذ كل هذا الامتياز:

الغرب احتفلوا بها .. وبلادنا تغازل بها مهرجانات أوروبا وأمريكا

علي بدرخان: ليست في صالح الإنسان في أي مكان

كتب صفوت عمران: 

لماذا تأخذ أفلام الشواذ كل هذا الاهتمام في أوروبا وأمريكا.. حتي انها.. توجت بالاوسكار "أغلي الجوائز عالمياً".. ولماذا يحاول البعض هنا ركوب الموجة.. عكس قيم وتقاليد المجتمع.. بحجة ان الشذوذ مرض اجتماعي وعضوي في المجتمع ويجب طرحه للتداول فنياً.. بينما الاتجاه الآخر يري ان طرح الموضوعات يعطيها صفة الاعتياد ويمررها.. وهي "شاذة" ومكروهة ومحرمة.. والخطورة ان نخرجها من المخبأ السري ونعطيها صفة العمومية طمعاً في جائزة من مهرجان أوروبي وهي "أو تمجيد غربي" .

* يقول الفنان خالد الصاوي الذي لعب شخصية الشاذ حاتم رشيد في عمارة يعقوبيان تقديم هذه الشخصية لا يعني اننا سنركب الموجة لكنها تدور في سياق درامي والفيلم يدور من خلال "عمارة يعقوبيان" وما تحتويه من شخصيات متنوعة تشبه الحياة بكل ما فيها وقد قبلت الدور لأنه في فيلم ضخم وقريب من الواقع الذي يضم نماذج مختلفة من البشر.

ولم اقلق من قبول الدور لأنه في قلب الأحداث وليس مجرد بهارات تجارية أو ترويج لأفكار سيئة وأنا مستعد لقبول النقد في حدود الأفكار التي يقدمها الدور ومستوي الآداء لكن يجب الا ندفن رءوسنا في الرمال فهذه الشخصية موجودة في الواقع وليست خيالا والفنان لابد ان يناقش الواقع بدون خوف.

شخصيات مريضة

* ونفي الفنان أحمد بدير ان يكون قد عرض عليه تجسيد هذا الدور مشيرا الي ان تقديم الشخصية كحالة انسانية يجب ان يكون مبرراً سينمائيا ويعكس ما تعانيه هذه الشخصية المريضة لكن بدون تفاصيل فجة ولا يمكن ان تكون شخصية محورية فهذا يتنافي مع عاداتنا وتقاليدنا كمجتمع اسلامي وتقديمها بشكل فج أو غير مقبول والا فتحنا بابا خطيراً لمناقشة قضايا الشواذ من الجنس الآخر مما يساهم في افساد المجتمع وليس تضميد جراحه كما يدعي البعض.

حريتهم

يقول المخرج علي بدرخان هذه النوعية من السينما تعكس حقيقة الغرب وللأسف هذه الحرية والديمقراطية التي يريدون ان نقتدي بها!! لكن هذه السينما ليست في صالح الانسان في أي مكان فهل انتهت جميع مشاكل المجتمع وانتهي العنف والفقر والحروب في العالم لنتحدث عن هؤلاء "..." ونحن كمجتمعات عربية بما لدينا من دين واخلاقيات وتقاليد وحضارة وتراث نرفض هذه الأفكار الخربة التي تدمر الشعوب وليس العكس.

ليست ظاهرة

أوضح الناقد علي أبوشادي رئيس الرقابة علي المصنفات الفنية وذلك قبل ان يتعرض لأزمته الصحية ان هذه الأدوار لا تمثل ظاهرة في السينما المصرية ويتم تحديد موقف الرقابة منها وفقا لمعالجة كل شخصية علي حدة بما يضمن رفض تلك الشخصية المريضة ولا يمكن ان نقدم في مصر فيلماً كاملاً عن الشواذ بينما نجد في أمريكا يقدم سنوياً ما بين 10 و15 فيلماً عن الشواذ ويخصص لها جائزة في مهرجان برلين!! وهذا يعكس قمة المأساة التي يعيشها الغرب بدعوي الحرية والانفتاح لكنهم في الواقع يدمرون الأخلاق والمباديء.

* بينما رفض دكتور أشرف زكي نقيب الممثلين الحديث في تلك القضية الشائكة دون ابداء أية أسباب!!!

الملف الشائك

* وإذا استعرضنا أدوار الشواذ في الأفلام المصرية القديمة والحديثة سنجدها تتراوح بين التلميح بالأفيه وبين المشاهد ذات الطابع الكوميدي "كوميديا الموقف" وبين المشاهد الصريحة وهي قليلة ومن أشهر "الافيهات" عن الشذوذ "لو عايزني أكون مدحت أكون لك مدحت" التي قالها أحد الممثلين لعادل إمام في فيلم "الإرهاب والكباب" عندما كان يبحث عن أحد الموظفين اسمه مدحت في احدي دورات المياه لذا تم حذف المشهد كاملاً من الفيلم عند عرضه في التليفزيون.

أكثر أدوار الشواذ التي تم تقديمها هو دور الشخص الناعم الأقرب للفتاة والذي عادة ما يكون صبي راقصة مثل دور فاروق فلوكس في "الراقصة والسياسي" أو شخصية محمود الجندي في "شفيقة ومتولي" وظل هذا الشكل للرجل الشاذ الذي يقلد النساء مصدراً للضحك في عدد كبير من الأفلام السينمائية.

مفاجأة

كانت مفاجأة في منتصف السبعينيات ان يقبل الفنان يوسف شعبان اداء دور فنان تشكيلي يبحث عن متعته في حمام شعبي للرجال في فيلم "حمام الملاطيلي" وكان صدمة لجمهوره لذا لم يكرره ثانية وكان فيلم "قط فوق صفيح ساخن" لنور الشريف من أوائل الأفلام التي تناولت شخصية الشاذ بشكل علني والذي ينتحر بعد اكتشاف صديقه لشذوذه الجنسي وأيضا هناك أفلام "ديسكو ديسكو" لايناس الدغيدي و"رشة جريئة" وتم مهاجمة السيناريست وحيد حامد في فيلم "ديل السمكة" بسبب تقديمه شخصية الشاذلي في الفيلم بنوع من التعاطف.

شاهين والشواذ

وتبقي أفلام يوسف شاهين في مقدمة الأفلام التي تحتوي علي مشاهد الشواذ سواء كانت علنية او ايمائية ويعتبر الوحيد من بين مخرجي مصر الذي أبرز الشواذ في صورة ايجابية وحدث ذلك في أفلامه "النيل وناسه" و"المصير" و"اسكندرية ليه" و"حدوته مصرية" و"اسكندرية كمان وكمان" فقد اعتاد تقديم الشاذ في جميع أفلامه ومنح الشذوذ شيئا من التسامح أو الشرعية لأن تركيبته الذهنية والفكرية تدافع وتتسامح مع الشواذ لكنه بدأ يخاف علي شعبيته في أفلامه الأخيرة فأقلع عن تقديم هذا الدور في فيلميه الآخرين.

ويبقي الشذوذ في فيلم "عمارة يعقوبيان" مختلفاً وله ابعاد أخري فشخصية حاتم رشيد شخصية رئيسية في الرواية التي تحتوي علي تفاصيل العالم السري للشواذ جنسياً ورفض الدور عدد كبير من النجوم منهم فاروق الفيشاوي وهشام عبدالحميد وأحمد بدير حتي استقر في ملعب خالد الصاوي.

الجمهورية المصرية في 15 مارس 2006

 

سينماتك

 

شريط " عراقيون وسينما " للمخرج خالد زهراو:

محاولة لرسم معالم الذاكرة المرئية العراقية عبر ستة عقود

أمستردام / عدنان حسين أحمد

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك