ثامر الزيدي مخرج عراقي تجاوزت رحلته الفنية الـ 45 سنة والتي بدأت أولاً في مجال الإخراج المسرحي في بغداد وكذلك في التلفزيون العراقي في شبابه مقدماً برنامجاً للأطفال من تلفزيون بغداد على الهواء مباشرة لأنه لم تكن معروفة أجهزة الفيديو بعد . وفي 15/1/1979 غادر إلى هنكاريا لدراسة الإخراج التلفزيوني وساعدته الظروف لكي يعمل في التلفزيون المجري مخرجاً وممثلاً لمدة عشر سنوات ، ثم درس فن إخراج أفلام الرسوم المتحركة , بعدها أصبح صاحب شركة DANA ANIMATION ونفذ آلاف الدقائق من أفلام الرسوم المتحركة لبرامج افتح يا سمسم ، يا وطني افتح أبوابك وسلامتك ، وفيلم الرحلة المباركة ومسلسل زعتور ومكون من 15 حلقة طول الحلقة الواحدة 10 دقائق وقد لاقى نجاحاً جيداً ، وجميع هذه الأعمال كانت لحساب مؤسسة الإنتاج البرامجي في الكويت . بعد الاهتمام العالمي الكبير الذي وجده فلمه الكارتوني الطويل الأول - و هو أول فلم عربي كارتوني طويل – يباشر الزيدي عملاً جديداً مع الأستاذ الكبير منصور الرحباني . حول حي بن يقظان و غيره كان لنا هذا الحوار :

·         يعرض الآن في دور السينما الفلم الكارتوني الذي قمت بإخراجه " حي بن يقظان " حدثنا عن هذا العمل ؟

كان حلماً أن أحقق فلماً طويلاً من أفلام الرسوم المتحركة قصته مأخوذة من التراث العربي.. بدأت هذه الفكرة قبل خمسة سنوات وكان اختيار ( حي بن يقظان ) بإشارة من الأستاذ العلامة علي الشوك والمخرج السينمائي علي رفيق.. وبقي هذا الأمر فكرة.. حتى شاهدت أفلام دزني الأخيرة علاء الدين والسندباد و طرزان .. وهنا اتقدت في داخلي ومضة لأعيد قراءة حي بن يقظان ، وكانت الطامة الكبرى قصة طرزان مأخوذة من حي بن يقظان وقد عولجت بشكلٍ سيئ حيث وجدت طرزان ( وهو بالأصل حي بن يقظان ) حيوان كبقية حيوانات الغابة ، تقوده غرائزه للتطور .. أما حي بن يقظان الذي يعرض الآن في دور السينما فهو إنسان، يراقب و يكتشف ويتطور مع تطور عمره ( أي التطور الزمني ) وبالحقيقة ابن طفيل يتحدث عن تاريخ تطور البشرية، منذ مغادرة الإنسان الكهوف والسكن عند ضفاف الأنهار واكتشاف النار.

إنه فيلم يتحدث عن تاريخ التطور البشري حتى ينضج فيصطدم بعقبة الظواهر الطبيعية فيبدأ المراقبة والتوصل إلى نتائج عبر أسئلة تشغل ذهنه من هو خالق هذا الكون هنا يتوصل حي بمداركه وعقلانيته إلى أن هناك خالق للكون الذي يجب أن نؤمن به هكذا يكون حياً فيلسوفاً وإنسانا بفطرته يحب الجميع وصديقاً للجميع هكذا وظفت الفكرة وأعددت قصتها لتكون المحصلة فلماً كارتوني سينمائي دعمته وأنتجته مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك وقد كان للأستاذ هاشم محمد الشخص المدير التنفيذي الفضل الكبير لتنفيذ هذا الفيلم.

كما أحب أن أذكر هؤلاء لجهودهم التي ساهمت في نجاح الفلم و منهم : أسامة الروماني ( شارك في المعالجة الدرامية ) الصحفي عبد الستار ناجي ساهم في جهد كبير في المجال الإعلامي . وكاتب كلمات الأغاني الشاعر كريم العراقي . مؤلفي الموسيقى حميد البصري - رعد خلف . المغنين بيدر خلف و طارق صالحية . وعازف الموسيقى / فرقة اوركسترا زرياب .

·         يتكئ هذا العمل على قصص " حي بن يقظان " كيف وظفت هذه الفكرة ؟

أية فكرة إذا أردنا توصيلها إلى الطفل فعليك دراسة ساكولوجية الطفل في هذا العالم الذي أصبح قرية، وهناك الآف من الأفكار تقدم للطفل والكثير الكثير منها تنمي في الطفل الأحاسيس الشريرة ولكن في فيلم ( ابن الغابة ) كما سمي الفيلم حرصنا على تقديم أفكار وأفعال إنسانية في المحبة والتعاطف والتعاون وعن قدرات الإنسان على تجاوز الصعاب والآلام والأحزان وأن الإنسان كائن اجتماعي ودود وعطوف.. كل هذه الأفكار نجدها في الفيلم من خلال أحداث وصور جميلة تمتاز بالشفافية والانسيابية ( دون اللجوء للمباشرة ) يتلقاها المشاهد الصغير والكبير بعفوية وتلقائية ولتلقي لديه انطباعات وتساؤلات عن شخصية حي وكيف حقق النجاح والسمو وليكن دافعاً لمشاهد الفيلم للحذو حذو حي بن يقظان في مسيرته الحياتية.. ولذا كان الحوار قليلاً والذي أعدته الدكتورة اعتقال الطائي وكتبت السيناريو الدكتورة فيدينا ليديا .. وقد تم التركيز على الأحداث والأفعال والحالات المشاهد الفنية ذات الجمالية كمعبر أساسي لتوصيل الأفكار والمعاني.

·         لقد احتفت الصحف الخليجية و العربية بهذا العمل .. هل احتفت هذه الصحف بك أم أنها أقامت احتفائها بالشكل الذي تريده ؟

احتفت الصحف الخليجية بفيلم حي بن ابن يقظان والذي أطلق عليه اسم ( ابن الغابة ) والذي يعرض الآن في دور السينما ، احتفت صحيفة الوطن والرأي العام والقبس والوطن ووكالة كونا وصحيفة الخليج الإماراتية وزهرة، لقد تابعت الصحف هذا الإنتاج ولمدة سنتين وطيلة فترة تنفيذ الفيلم، ونشرت لي الكثير من اللقاءات والمقابلات وكانت مهتمة والسؤال يراودها كيف سيقوم ثامر الزيدي بإخراج حي بن يقظان وما هو مستواه الفني وأرجو من الله أن تكون نتائج الفيلم مرضية للجميع وأحب أن أزف لهم البشرى بأن الفيلم عرض في مهرجان دبي وكذلك سيشارك في مهرجان تورنتو ومهرجان فينيسيا ومهرجان القاهرة وهذا ما يؤكد للجميع بان الفيلم من ناحية التنفيذ يتسم بالتقنية العالمية وبمستوى أكبر الشركات العالمية المتخصصة في الرسوم المتحركة .. ولا يفوتني هنا أن اذكر الدور الكبير لمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك في المجال الإعلامي للفلم.. كما أفخر بأن صحف كالحياة والشرق الأوسط تابعت الفيلم بشكل متواصل عبر نشر المقابلات والصور الملونة وكذلك أخبار الفيلم ولكني اعتب على بعض الصحف التي لم تتجاهل كافة أسماء العاملين سوى اسم مخرج الفيلم ثامر الزيدي حتى ذهب احد محرري صحيفة الرياض أن ينسب تأليف وإخراج الفيلم .. إلى أخي وصديقي العزيز مخرج الدوبلاج الرائع عبد الناصر الزاير وقد ورد الخبر على لسان إحدى الممثلات لأصوات الدبلجة وأنا احترمها .. لكونها فنانة كبير وذات قدرات صوتية متميزة ..

·         ماذا يمثل لك أن تكون صاحب أول فلم كارتوني عربي طويل ؟

أنا سعيد وفرح ومتألم وحزين بعد هذا الإنجاز.. أنا أحب العمل أحب المواصلة.. انه أول أفلامي الطويلة.. ولكني رغم طول تجربتي بالمجال الفني ولكنني أخاف مما أنجزته من عمل فني واشعر بالخوف من التجربة القادمة.. والشيء الجميل أن هذه الأحاسيس المتصارعة في داخلي.. تلهمني الاستمرارية والمواصلة والتحدي للأفضل والأحسن.

·         ما هي القدرات والإمكانيات التي استعنت بها لإنجاز هذا العمل ؟

أنا ممن مارس العمل في مجال فنون الطفل منذ دخلت معهد الفنون الجميلة في بغداد وقدمت أو برنامج تلفزيوني هو ( شوف عندك يا سلام ) عن صاحب صندوق العجائب وكان يقدم على الهواء مباشرة .. وعملت لسنين طويلة في المسرح المدرسي، وعند دراستي الإخراج التلفزيوني في بودبست في الثمانيات، أيضا اهتممت بتلفزيون وبرامج الأطفال وبعد إكمالي دراسة إخراج أفلام الرسوم المتحركة في المجر ( بشكل عملي ) أسست أستوديو وبدأت العمل في تنفيذ برامج افتح يا سمسم وافتح يا وطني أبوابك ومسلسل زعتور00وكانت جميعها لحساب مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك في الكويت والتي كانت صاحبة الفضل الأكبر في تطور شركتنا في بودبست.. وخلال هذه الفترة أصبحت لدي الإمكانيات الفنية الكبيرة لإنتاج حي بن يقظان، متمثلة بالخبرة، و بأجهزة وتقنية فنية عالية المستوى.. مع كادر فني مارس العمل في مجال الرسوم المتحركة لعدة عقود من السنين بضمنهم الدراما تورك والرسامين ومنفذ الأبعاد الثلاث والمصورين ورسامين الخلفيات والملونين إنهم مجموعة عمل رائعة تعمل معي بشكل دائم . وسبق لها أن نفذت أفلام مجرية وألمانية وفرنسية وأمريكية ويضمنها أفلام WARNER BROS.

·         تعمل على فلم جديد يبدو أنه مثير خاصة أنك تتعامل فيه مع الأستاذ منصور الرحباني ؟

مع هذه المجموعة بدأنا الآن في تنفيذ الفيلم الثاني مع مؤسسة الرحباني ، وحكايته مليئة بسلسلة من الأحداث التي تستحوذ على انتباه المشاهد لمدة 90 دقيقة .. وأبطال الفيلم ثلاثة أطفال ( ولدان وبنت ) مع جواد عربي أصيل، أنه مفتاح الأحداث، إضافة إلى إن اسمه هو عنوان الفيلم.. ستكون تجربة متميزة لي وأنا اعمل بإشراف كبير وعلم من إعلام الفن الأستاذ منصور الرحباني .. وكذلك أحبائي مروان الرحباني وغدي الرحباني.. كيف سيكون هذا الفيلم .. أقول لكم شيئاً وسراً هو أن شركتين عالميتين تتنافسان على توزيعه بعد إطلاعهم على ملخص أحداث الفيلم ودقيقة نموذجية من الفيلم، وسيكون ( إبن الغابة )الخطوة الثانية نحو العالمية بعد إنجاز ( فيلم حي بن يقظان )

موقع "القصة العراقية" في 12 مارس 2006

 

شفرة الزمن :

سلطة الصورة..... دلالات الشفرة

فراس عبد الجليل الشاروط 

أننا نسلم كما في الفلسفة الافلاطونية(من الصورة تأتينا الفكرة) فالتفكير هو تصوير، بمعنى أن يعتلي الملكة التصويرية كإنجاز أو بناء للمشكل ألتفكيري لذلك فان الناجز للعمل النصي هو مصور، وقد تفقد ألانا مركزيتها حين لا يكون للفكرة ما يسمى بالتأويل.

فالتأويل هو إعلان شأن سلطة النص( وطبعا هنا النص المرئي الموازي لفعل الكتابة) على سلطة الفكرة أي أن التأويل لا يريد معرفة ماهية النص بل محاورته والكشف عن خفايا وما يخبئه خلف سطوره.

هنالك رؤيتان للنص: أما حالة صامته،أي أن النص(الشريط لا يقول شيئا غير المكتوب) أو النص الناطق المؤول ، وفيه يخرج الشريط من عزلته إلى آفاق أرحب، (شفرة الزمن) للمخرج ( مايك فيكس) هو واحد من أهم الأشرطة التي اتخذت من التجريب حيزا لها في السينما، شركة للإنتاج السينمائي يعمل فيها المخرج على توضيح بناء الشخصيات وتقاطع مصائرها بالتتابع ألمشهدي، فقد قسم الشاشة إلى أربع أقسام(وفي أحد المشاهد إلى خمسة) وكل قسم من هذه الأقسام يحمل دلالة مستقلة تفصح عن اشتغال المؤلف/ المخرج على ربط الفصول بالدلالات جميعها وهي تقدم دلالاتها بقوة الحكاية (السرد) حتى تعطي نفسها للمتلقي وتحل نهايتها بوضوح يسير ، وهنا يصبح تأويل كل مشهد على حدة ضمن سياق النص الفلسفي ، يميل بدوره إلى كلية العمل إذا كان هذا المشهد ذا مدلول مركزي ثابت، فالتثبيت هو بناء للنص ذاته وإضافة له.

من هنا ينبني التوجه إلى شفرة الزمن ذات البناء السردي المتعدد الذي يقودنا إلى المتابعة قسرا إلى قاع المدينة الأمريكية وتهميشية الفرد بمستوياته المتعددة (متسلط ، عادي) ومن الطبيعي اننا سنبحث في المعنى الضمني للنص فهو الرسالة التي يجب غور باطنها من خلال القراءة المتعددة لطبقات النص فأن حاول المخرج فك الرمز عن منجزه أم لا فأن هذه الرموز سوف تكون الضوء الأول لكشف الوجوه الخفية تحت القناع ، يأخذنا مايك فيكس في شفرة الزمن إلى ما يمكن أن نطلق عليه مسرح الأحداث وهو عبارة عن ( شركة إنتاج سينمائي) والكواليس الخلفية لها ذات الأبواب والممرات المتداخلة الموحية مثل شخصياته بالحيرة والمتاهة والضياع ويصبح فيها الكشف عن الدواخل النفسية للشخصيات هو الوسيلة في نظام التسلط( سلطة القوة، سلطة الجنس، سلطة المال) وبالتالي( سلطة الصورة) كمهيمن على المكان.

في شفرة الزمن تصبح الصورة هي القوة والسلطة المطلقة تتحرك وتسكن وتتقاطع مع بعضها وتجتمع في واحدة ولكنها لا تختفي ويبقى الأستوديو السينمائي هو المكان الجغرافي الذي يحيط الحدث به وبالعاملين داخله ويصبح خطاب (فيكس) ليس الكشف بل الغور في الحقيقة إلى أقصاها، إذا لابد من القراءة الدقيقة المتأنية للنص كي تحل مستوياته وخطوط سرده هذه القراءة هي جهد متوج للأثر وليس جهد منجز الأثر، فالمحاور(المتلقي) يجعل محتوى النص شبيها له أي( أنا) قادرة على الإتيان بالفعل في مقابل كثافة الأسئلة التي يحويها عقله عن النص المرئي، وهنا يتبادر سؤال آخر عن التأويل والتأمل وعن ماهية العلاقة بينهما؟؟ أن الوعي بالمماثلة كما يقول( فرويد) هو وعيا ضروريا والبعد ألتأملي للمعنى ضمن بنية العمل هو القدرة على إنتاج صورة على ان نضع في البال دائما العلاقة بين فعل التأمل والصورة المنتجة من جهة الإثارة والإغراء ليستحضر هنا وبقوة مقولة ديكارت( إننا لا نحتاج إلى التأمل بل نحتاج إجادة التأمل) خصوصا في عصر ما بعد الحداثة وما بعد الكولنيالية والتي هي أزمنة أجادة لعبة المعنى ، والتأويل هو ليس كلام عن النص بل كلام النص نفسه( فالكتابة ذاكرة) كما يقول ليفي شتراوس ( والكتابة جدل بين الذاكرة والحرية) كما عبر عنها رولان بارت ويضيف( العالم مملوء بالأدلة وعلينا تفكيك أدلة العالم) لذلك فالتأويل هو ( حركة ألانا مع ذاتها) كما عبر عنها هيغل، فالتأمل إذا أختلف عن التأويل فان التأويل لا يمتنع عن التأمل كما قال فوكو أن التخيل هو تمثيل شيء ما مثلا أو ننظر إليه لا من عين الفكر بل من عين الجسد وكأن الشيء المجسد( المشهد) هو إني أمثله بكل أبعاده وكذلك الشعور حتى باللون والموسيقى، وعلى هذا الأساس فان التخيل هو تصور الشيء على نحو ماهيته وهو بالتأكيد بذل مجهود كبير من الفكر، وشريط شفرة الزمن يأخذ غناه الإبداعي من طاقته على إنتاج الدلالات، هل من الممكن متابعة تدفق صورة معينه من الشاشة لتتولد صورة جديدة ومعنى جديد آخر في صورة أخرى يأخذ معناه من الصورة السابقة أو مكمل له أو يتجانس ويسير معه إلى حدود الفكرة الواحدة (ولأذكر القاريء أن الشاشة مقسمة إلى أربعة أقسام) أن تولد الدلالات لا يأتي من منطلق سير الأحداث كما في أي منجز سينمي بل هنا يقدم دلالاته من نظام الصور، هذا مجرد ترف تجريبي أو رؤية عادية ساذجة ولكن هل نذهب وراء الدافع الحقيقي الذي جعل مايك فيكس يقدم شريطه بهذه الرؤية وكما جاء على لسان أحد الشخصيات في الشريط( لنجعل الشريط بأربعة أقسام كل قسم يحكي حكاية، نعم هذا صعب ولكن بالضبط مثل الحياة). هذه الإجابة هي بالضبط الذي دفع المخرج الى هذا اللون السينمائي الجديد، إجابة من منطلق النص نفسه حيث تبدو إن سلطة الصورة هي السلطة المطلقة في الوجود فأمامه تختفي السلطات الأخرى كالسمع واللمس وحتى الشم وتبقى العين ( النظر) هي الكاميرا الموثقة للحياة فالغاية التي أراد المخرج الوصول إليها منبعثة من خلال المكان الأستوديو، فهو متلصص على الكل بمعنى منجز للصورة وتصبح الصورة عاملة داخل الصورة الأصلية (الشريط) الذي بدوره يقسم نفسه إلى مجموعة صور.

في ظل أعلام الصورة المهيمنة والمصورة لجنة الحياة الجميلة وهي عكس الواقع المفروض على الفرد الحامل لكل أشكال الهموم يصل في النهاية إلى اتخاذ العدالة بنفسه منتقما لنفسه من التسلطات الكاذبة في ظل غياب السلطة الحقيقية، أراد مايك فيكس أن يجيب عن أسئلته من خلال منطلق الصورة خصوصا وهو يريد منا التركيز على الصور الأربع المشتغلة في بنية النص السينمي كي نذهب في التأويل إلى أقصاه جماليا أو اجتماعيا أو سيكولوجيا وبذلك نبتعد قدر الامكان عن التأويل المرتبط بأدب منجز الشريط أن شبكة العلاقات في الشريط (وهي أشبه بشبكة العنكبوت) تتقاطع بين الشخصيات وعملها داخل الحكاية وبين تداخل الأفكار للشخصيات وأفكار المؤلف التي تنسجم مع أفكارنا أو تتصادم معها وبين تدفق الصورة الحاملة لهذه الأفكار، بدون شك أن شفرة الزمن احتوت كل هذه العلامات من دون الغوص فيها بل عنيت بها جميعا مستندة إلى مرجعياتنا المعرفية الصورية.

لقد أدخلنا مايك فيكس الى عالمهم عالم الصورة وكأن هذه المرة الصورة توثق نفسها وربما تنتقم لنفسها من بؤس أشخاصها ومن بؤس المتلقي، أن السينما / الصورة رمز الحياة الجميلة ورمز المعرفة الحديثة كونها رواية مكتوبة بالكاميرا، هذا الرمز الكبير يكون في النهاية مصيره القتل حين يعجز عن نقل الحياة كما هي حين تقتل شقيقة البطلة الممثل ولكنه وهو يموت توثق المصورة موته بالكاميرا إنها سلطة الصورة مرة أخرى، أنها الكاميرا في كل مكان، لم تعد الحياة سهلة وبسيطة أنك تشعر مراقب في كل مكان، في كل خطوة، جاء الشريط أشبه بالزلزال الذي يهز كيان الصورة، فهل أراد به العقاب الإنساني؟؟

يبقى شريط شفرة الزمن حول أهمية (السينما) كأداة للمعرفة و( الصورة) وسيلتها الأهم لقد استغل فيكس القيمة إلى أقصاها لتأويل السينما كشفرة صعبة وجميلة خالدة للزمن.

موقع "القصة العراقية" في 12 مارس 2006

ألف وجه لألف عام - «حكاية الحي الغربي» لروبرت وايز:

روميو وجولييت القرن العشرين

ابراهيم العريس 

ذات يوم، خلال السنوات الاخيرة للحرب الاهلية اللبنانية (1975 – 1990) حين قيض لأحد المخرجين السينمائيين انتاج فيلم اعطي حرية اختيار موضوعه، شرط ان يكون فيلماً يتحدث عن تلك الحرب، كانت أول فكرة خطرت في باله، ان يكتب سيناريو مقتبساً من مسرحية «روميو وجولييت» لويليام شكسبير. غير انه، يومها، بدلاً من ان يتحدث عن ذلك المشروع في شكل مباشر، ذكر أمام المنتجين عملاً فنياً آخر قائلاً ان مشروعه سوف يكون على غراره.

وكان ذلك العمل «حكاية الحي الغربي» أي الفيلم الشهير الذي حققه روبرت وايز اوائل سنوات الستين من القرن العشرين، وحقق يومها، حينما عرض في شتى انحاء العالم، نجاحاً لم يضاهه في حينه أي نجاح، ناهيك بالاوسكارات الكثيرة التي فاز بها وبالتيار «الكوميدي الموسيقي» الذي اندفع اثره، افلاماً ومسرحيات وما شابه. بيد ان ما حدث عندما تحدث المخرج اللبناني عن مشروعه، هو ان المنتجين دهشوا وهم يقولون له: «ولكنك تحدثت عن اقتباس لروميو وجولييت الشكسبيرية». فأجاب المخرج: بالتأكيد، فـ «حكاية الحي الغربي» ليس في حقيقته سوى اقتباس لمسرحية شكسبير. زادت دهشت المنتجين هنا وقالوا ان كل اوراق الفيلم التي لديهم لا تشير الى انه مقتبس عن مسرحية «روميو وجولييت». وهذا صحيح، ولكن صحيح اكثر منه، ان الفيلم مأخوذ وفي شكل يكاد يكون مباشراً عن «روميو وجولييت» دون ذكر هذا.

> والحقيقة انها لم تكن المرة الاولى في تاريخ الفنون خلال القرون الاربعة الاخيرة التي يقتبس فيها هذا العمل الشكسبيري الكبير من دون أي ذكر لشكسبير. ولعل حجة المقتبسين بسيطة: ان «روميو وجولييت» نفسها اقتبسها شكسبير من اكثر من حكاية ومسرحية سابقة عليه. ومن ثم فان هذا العمل ينتمي الى الانسانية جمعاء، من دون ان يمكن احداً ادعاء كونه في أصل وجوده. اما فيلم روبرت وايز، فهو – في الاحوال كلها – الاقتباس الاشهر حتى زمننا هذا، بعد المسرحية الشكسبيرية التي لا تزال تعتبر واحدة من اكثر قصص الغرام خلوداً في تاريخ البشرية، هي التي لا بأس من ان نذكر هنا، بدورنا، انها انما كانت بدورها تنويعاً على حكاية «قيس وليلى» العربية التي نجد ما يشبهه – واحياناً يتطابق حرفياً - في ثقافات معظم الشعوب الآسيوية.

> ومن هنا فإن في وسعنا اعتبار «حكاية الحي الغربي» عملاً مستقلاً ينتمي الى القرن العشرين... وانتماؤه الى السينما هنا هو مجرد تحديث لانتماء «قيس وليلى» الى الشعر والروايات الشفوية أو انتماء «روميو وجولييت» الى المسرح... حتى ولو تذكرنا ان اقتباس روبرت وايز، المأخوذ من استعراض موسيقي مسرحي قدم في برودواي، لم يكن الاقتباس الوحيد للحكاية نفسها في القرن العشرين... بل كان ثمة عشرات الاقتباسات الاخرى، منها نحو عشرين في السينما، ومثلها في الاوبرا والباليه والمسرح والاغاني وما الى ذلك.

> غير ان ما يحسب لفيلم روبرت وايز (الذي صمم جوانبه الموسيقية والراقصة جيروم روبنز) هو انه اعاد الى العمل نكهته الشكسبيرية، اذ اعاد الموت والدم، الى مكان لهما في المقدمة، بعدما كانت اقتباسات مسرحية وسينمائية عدة، خففت من غلواء العنف المائل، اصلاً في النص الشكسبيري، لمصلحة سياق اكثر نعومة واحتفاءً بالحياة، حتى وان كانت نهاية العاشقين الكتيبة قد ظلت على الدوام واحدة.

> التجديد الاول الذي ادخله هذا الفيلم الهوليوودي الى الحكاية القديمة كان جغرافياً وتاريخياً، اذ ان الاحداث نقلت من فيرونا الايطالية الى نيويورك القرن العشرين. وبالتالي كان من المنطقي الا تعود الامور محصورة في اطار الصراع بين عائلتين عريقتين، بل تنطلق لتصبح وليدة صراعات دامية بين عصابات نيويورك الاحياء السفلى.. واللافت ان هذا الفيلم اتى للمرة الاولى ليقول للعالم الخارجي ان نيويورك ليست فقط ناطحات سحاب واجواء ثقافية ويهوداً وشوارع مصارف، بل هي ايضاً احياء بائسة، واراض خاوية وفئات مسحوقة ضائعة تعبر عنها شبيبة توزع نفسها عصابات عصابات تخوض في ما بينها صراعاً هدفه وضع اليد على تلك الاحياء وفرض الانظمة على هواها.

اذاً، ضمن اطار ذلك العالم السفلي تتجابه، بين شتى المتجابهين، عصابتا مراهقين، أولاهما «جيت» التي يقودها ريف الاميركي الخالص، وعصابة «الشارك» التي يتزعمها البورتوريكي برناردو. والحرب بين العصابتين سجال على الدوام، لأنها حرب عنصرية لا تداخل هويات بين خائضيها. وكان يمكن لهذه الامور ان تبقى هكذا لولا ما يحدث ذات يوم، خلال حفل راقص: يلتقي طوني الاميركي عضو «الجيت» بماريا، اخت برناردو، البورتوريكية الحسناء. وهنا يحدث ما لم يكن متوقعاً، يغرم الاثنان ببعضهما البعض، وسط رصد الفريقين ومعارضتهما. وكما الحال في «روميو وجولييت» يحاول العاشقان هنا ان يتحدّيا اقدارهما، في لقاءات سرية ومناجاة وخوف وحماسة... حتى اليوم الذي لا تعود فيه العصابتان قادرتين على تحمل هذا الخرق الفاضح لـ «قوانين اللعبة»، فتقوم خناقة عنيفة بين الفريقين. وخلال الخناقة يسقط برناردو قتيلاً مضرجاً بدمائه، فيما تسري إشاعة، غير صحيحة ايضاً، عن مقتل ماريا كذلك، ما يغرق طوني في احزانه ويندفع حتى يقتل هو الآخر، حزناً على حبيبته، اكثر مما هي مشاركة في المعركة، بيد ان ماريا الحبيبة لم تمت... وهكذا اذ تجد نفسها بين اخيها القتيل وحبيبها المضرج بالدماء تصاب بالجنون، حائرة شاكية باكية. وما ان يراها افراد العصابتين وهي على ذلك النحو، اذ يكتشفون هول المأساة التي تسببوا فيها من جراء احقادهم وخرقهم وضروب التعصب التي تعصف بهم، وتدمر الاخضر واليابس من حولهم، يختفون واحداً وراء الآخر مذهولين حزانى فيما تبقى، في النهاية، ماريا وحدها تشكو للسماوات ظلم الانسان لأخيه الانسان، وجرائم التعصب والهويات القاتلة، وحماقة شبان طفقوا سنوات وسنوات يتقاتلون في ما بينهم من دون ان يعرف علام كانوا، في حقيقة امرهم، يتقاتلون.

> طبعاً كل هذه المعاني ظلت، في هذا الفيلم الساحر، في الخلفية، ذلك ان الفيلم نفسه انما جاء على شكل استعراض غنائي راقص فيه من التسلية قدراً يفوق كثيراً قدر الموعظة أو الرسالة السياسية والاخلاقية. وهو حين كرم بالعدد الكبير من جوائز الاوسكار، كرم بسبب نواحيه الفنية، لا بفضل رسالته الانسانية. علماً أن العنف نفسه قدم هنا بشكل راقص نزع عنه جزءاً كبيراً من شره. والجدير ذكره هنا هو ان برودواي كانت قدمت هذا العمل مسرحياً طوال سنوات عدة، كان الصراع في معظمها بين عصابات من الشبان اليهود، واخرى من الشبان ذوي الاصول الايرلندية... لكن ما حدث لاحقاً، هو ان الاحداث السياسية (بروز القضية الفلسطينية من ناحية، واستشراء الصراعات من حول البورتوريكيين في اميركا) دفعت الى احلال صراعات هؤلاء ضد الاميركيين، محل تلك الصراعات... وهكذا وفر اصحاب الفيلم على انفسهم اسئلة ومشكلات عويصة. ونذكر ان هذا الفيلم الذي حققه روبرت وايز (وكان يقارب عامه الستين في ذلك الحين) اعطى زخماً جديداً لذلك النوع السينمائي (الكوميديا الموسيقية) التي كانت عرفت تراجعاً منذ ابتعاد كبار اساطين ماضيها عن الواجهة. وهكذا كان لـ «حكاية الحي الغربي» الفضل في ولادة اعمال تالية له مثل «صوت الموسيقى» و «ماري بوبينز»، كما في عودة اعمال شكسبير الى واجهة اهتمامات الشبان من متفرجين وقراء.

الحياة اللبنانية في 12 مارس 2006

 

سينماتك

 

ثامر الزيدي.. صاحب فكرة و مخرج أول فلم كارتوني عربي طويل

حاورته منى كريم

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك