من أجمل الأفلام العربية التي شاهدتها حديثا في عرض خاص، فيلم " دردمات ", وتعني باللهجة العراقية" همسات"، للمخرج العراقي المتميز سعد سلمان، فيلمه الروائي الطويل الأول, الذي اعتبره " فاتحة " في السينما العراقية الجديدة. " فاتحة " تمثل " نقلة " فنية ونوعية مهمة، و" قطيعة " مع السينما الروائية العربية التي هلكتنا بأفلامها الركيكة التافهة،وثرثراتها المملة المكررة المعادة، وهو من هذا المنظور، يطرح بعض سمات سينما المستقبل الرقمية الجديدة، في صنع صورة تشبهنا، ويحفر لمسارات سينمائية جديدة..

يحكي " دردمات " عن ثنائية الموت والحياة ، الخير والشر، السكون والحركة ، الظلام والنور ، الفعل واللافعل، ويضعنا بموضوعه وتوهجه الفني في قلب محنة الإنسان العراقي اليوم، ومأساة شعب وأمة، ومن خلال " دردمات " التي هي تمتمات، ووشوشات، ووسوسات ايضااقرب ما تكون الى همس الجنون, ينسج " مرثية " للحاضر المشوش، وذاكرة وماضي العراق، وكل تلك الأشياء التي احترقت في وضح النهار. مرثية تطرح من خلال الفيلم العديد من التساؤلات الفلسفية والوجودية المهمة. مرثية للكيانات المنسلخة التي لا تجد لها ذكرا، لا في سجلات الأحياء والموتى والمفقودين, وتدعونا إلي قراءة متمهلة علي ركام أنقاض الحاضر العراقي، وعبثيته...

يصدمنا "دردمات " للوهلة الأولي بفكرة موضوعه، التي يوظف لها سعد سلمان فترة الحبس الطويلة التي قضاها في سجون بلده العراق, ويكرس للفيلم كل تلك الخبرات الفنية والسينمائية العديدة التي اكتسبها في غربته ( أكثر من ربع قرن في المنفي الباريسي ) ، وبدلا كما في جل الأفلام الأولى ، بدلا من أن يحكي لنا عن ذكريات طفولته، وحنينه إلى سعادة تلك الأيام التي انقضت، يقدم لنا فيلما لا يقول فيه من فضلكم أحبوني، بل يقول فقط من فضلكم افهموني، أي يكرس فيلمه، ومنذ أول لقطة في الفيلم، لأن يكون " أداة تفكير " في مشاكل الواقع العراقي الآن وتناقضاته، بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق، ويتساءل عن حال بغداد وأناسها، ويجعلنا نأسى معه علي عراقه، الذي اختفي فجأة من الوجود، والحاضر المجهول..

يحكي سعد سلمان في فيلمه ذاك الأثير, ويدردن، فيرسم صورة للإنسان العراقي تحت وفوق الأرض، الجلاد والضحية ، ثم يخرجهما من تحت الأرض, ويسير معهما في شوارع المدينة ويتفرج علي ذاكرة الخراب ويدردن علي إطلاله بحزن واسي تنفطر لهما اعتي القلوب غلظة..

يحكي سعد سلمان عن عراق اليوم، العراق الذي نجهله، ولا يرحم أحدا في انتقاداته، ولا من سخريته التهكمية, ولا يقبل أن يساوم أو حتى يرحم نفسه.فيرسم صورة بالغة القسوة للعراق، كما في مسرحية لبيكيت او بانجيه أو يونسكو من كتاب مسرح العبث، تصدمنا برعبها، تحت وفوق الأرض. صورة للعراق الجديد الوليد، تحت جسر حجري يعبر نهر دجلة, ويقينا سوف تجد سعد سلمان هناك علي حافة النهر ، وقد راح يدندن أغنية حزينة مع النهر عن أناس بلا أوطان في الوطن, من غربتهم حتى تحت جلودهم في الوطن الأصلي، ويشكو لحبيب..

العراق : مقبرة الإحياء

يبدأ الفيلم تحت الأرض، داخل قبو مظلم، داخل سجن اقرب ما يكون " مقبرة " للأحياء، ونتعرف علي السجان " جبار "، جلاد برتبة عريف، يمارس طقوس التعذيب اليومية العادية والترهيب والقتل، كما نتعرف علي الأستاذ زهير الضحية، المعلم المثقف العراقي، ضمن مئات الألوف من المثقفين والمعارضين لنظام صدام حسين ،الذين القي بهم في الحبس لسنوات طويلة، وعاشوا أهوال الرعب الذي لا يوصف، واعتي أشكال التعذيب والتنكيل في سجون العراق..

ونتعرف علي جبار ومحنته، بعد أن انقطع التيار الكهربائي الموصل بالقيادة, فيروح جبار يفتش عنه بين الأسلاك الهائجة، ويصرخ في الميكروفون ملتاعا، وإذا به حين يتفقد غرف الضباط الكبار الممنوع دخولها علي حثالة الجلادين المتواضعين من أمثاله، يجدها خاوية علي عروشها داخل ذلك السرداب المرعب تحت الأرض، فيروح يركض بين طرقاته مثل عفريت، ويضحك كالمجانين، ويرعبنا..

ويكتشف جبار إن قيادة السجن لاذت بالفرار، بعد دخول القوات الأمريكية العراق، وسقوط نظام صدام حسينن، وتركته وحده مع ذلك السجين في عهدته، الأستاذ زهير، ولا يدري ماذا يفعل به. مستحيل أن يتركوه وحده مع هذا الأستاذ الذي كان يتحدث دوما لنفسه في السجن، ويدردندن لحاله ولا من يسمع. ظل المسكين يدردندن لنفسه في الحبس أكثر من ثلاثين عاما، ولم يلتفت إليه أو يسمعه احد..

يصرخ جبار ملتاعا هل يسمعني احد ؟ ، ويروح كمن دفن حيا، يزعق من داخل السرداب أو بالا حري من داخل ذلك" التابوت " المخيف الذي يضمه والأستاذ زهير في محنتهما، يزعق أن ألحقونا..

ويبرع هنا سعد سلمان في رسم أجواء الرعب الذي يعيشه المسجونين والذي خبره هو سعد سلمان بنفسه، ما بين حال الجلاد وحال الضحية ، وينهل من تجربته الشخصية، ويوظفها باقتدار في فيلمه، بل يتلبس دور الأستاذ زهير، ويمثل الدور بنفسه، لكي يحكي عن رعب وعذابات الحبس في ظل حكم صدام حسين، والأهوال التي عاشها..

يحاول جبار الاتصال بالقيادة لأنها الوحيدة التي تستطيع أن تخلصه من ورطته..
ويحاول أيضا التفتيش في أسلاك الكهرباء عن السلك السر، الذي يوصله بها.. لكنه يفشل في كل محاولاته، ويتهكم علي تلك العبارة المكتوبة علي الجدران، من إن الاتصال سوف يظل بحمد الله باقيا مع القيادة، علي الرغم من كافة المؤامرات الصهيونية..

ويخبط جبار ذلك المذياع الذي لا ينطق في الليل، فلا تخرج منه إلا تلك الأغنيات والترهات التي غربتنا في حياتنا، وتنادي جميعا بحب الوطن، ويستمع إلي أغنية للمطرب الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم، يعلن فيها عن حبه لعمرو موسي، وإعجابه بمبارك، وكراهيته لإسرائيل وشارون..

ثم إذا به يعي فجأة، من خلال البيانات العسكرية المذاعة، أن نظام صدام سقط،، وان العراقيين يضربون تمثال صدام حسين بالأحذية و القباقيب والشباشب في الشوارع، وان القائد الملهم اختفي فجأة، بعد دخول القوات الأمريكية العراق، وهي حيلة إستراتيجية عبقرية كما يقول المذيع العراقي، أراد بها صدام سحب القوات الأمريكية إلى داخل العراق، ثم تحويطها قبل القضاء عليها..

يصحو الجلاد علي حقيقة مرعبة: إن القيادة تركته هو والأستاذ زهير في الحبس تحت الأرض، وهربت بجلدها, ولا يخطر علي باله أبدا إطلاق سراحه..

لكن إن أطلقه ، فبشرط أن يكون مثل سيف تحت رقبة الأستاذ زهير، وكابوس يطارده في صحوه ومنامه، وأينما راح يتفقد عراق اليوم في الشوارع والميادين، وهو يرطب حلقه بكأس من عصير الرمان، ويحمل دوما جلاده في أعماقه، تحت الجلد ، والي آخر الزمن، في غربتنا..

وهنا تتحقق " ثنائية " الجلاد والضحية، ومعها الثنائيات الفرعية الفنية المتشابكة في النسيج الروائي للفيلم، وعبر مساره وتطور أحداثه، لكي تجعل من بطلي الفيلم " ذاتا " واحدة و" كيانا" مشتركا، مثل حبة أو فولة انقسمت إلى نصفين. يصبح فيها الجلاد جبار هو الأذكى، مثل ذلك الوحش الذي يسكن داخلنا، ويحتال علي الحياة بأية طريقة، لكنه يحبسه في قمقم، فلا يصبح فقط مجرد شبح يظهر للأستاذ زهير ويختفي، بل قطعة من كيانه ودمه ولحمه..

يصبح طرفا لا يمكن بتره، أو الاستغناء عنه، وكابوسا ينام معه في الفراش..
ويخرج الاثنان – الذات الواحدة- الجلاد والضحية إلى النور ويظهران فوق الأرض
حانت لحظة الخروج والالتقاء بحاضر العراق اليوم، والتفاعل مع ذلك الواقع الجديد بدماره وضياعه، بمأساته وعبثيته..

يتكيف الجلاد جبار بسرعة مع واقع العراق الجديد، فيخرج بعربة كارو يجرها حمار غلبان، ينهال عليه ضربا، لكي يبيع " غاز " العراق في السوق السوداء في الشوارع، وفي آخر النهار ، يروح يعد النقود التي كسبها، علي أصوات وفرقعات الرصاص،ويتمني أن تقع ل" كهرب " كما يطلق علي حماره حادثة، فينال عنه اكبر تعويض، كما يظهر جبار للأستاذ زهير في الخارج ويبدل من مظهره..

نراه تارة في ثوب عربي من علية القوم، وتارة أخري يصبح أصما أبكما يجادل بالإشارات، ويتغير مع متطلبات الواقع الجديد في عراق اليوم..

يحتال علي الجميع ، ويسرق كل شيء، أي شيء، ويتبدل مثل الحرباء، ويظهر في احد مشاهد الفيلم في هيئة سائق تاكسي، يحمل الضحية الأستاذ زهير إلي مكان مجهول،وهو يردد علي مسامعها إن كل أيام العراقيين صارت كربلاء ، ومأتما من الحزن. طقس اليوم العادي.

جلادون في كل مكان ووقت

علي الرغم من إن شخصية الجلاد التي رسمها سعد باقتدار في " دردمات " ترعبنا، وبخاصة في المشاهد الأولى من الفيلم، داخل ذلك السرداب المظلم المرعب، إلا أنها مع تطور أحداث الفيلم تجعلنا نعجب بذكاء جبار وفطنته، ونفهم من كلامه إن الجلادين سوف يكونون في كل مكان وكل وقت، وعلينا إلا نقع في وهم، انه لو سقط جلاد فلن يظهر جلاد آخر, وهذا هو أول درس سياسي في الفيلم، من منظور انه يجب النظر إلى العراق اليوم، من زاوية أن بلدا أنجب جلادا مثل صدام حسين، يستطيع أن ينجب جلادا آخر في أي لحظة..

ونترك جبار وحماره وقد راحا يستمتعان سويا بأكل البطيخ تحت شجرة، ويتبادلان الرفس والحكايات ،ونعود إلى الأستاذ زهير، وما فعله بعد إطلاق سراحه، وخروجه من ظلام القبو..

يبحث الأستاذ زهير عن ذلك العراق الذي تركه، والمدينة التي أحبها، تحت ركام الدمار والدم والأنقاض،.. ويسأل أين الحدائق والدور والزهور،..ويروح يهيم علي وجهه كالمجنون..

يكتشف إن لا اسما له في سجلات الأحياء والموتى والمفقودين، ولا يستطيع موظف الأحوال الشخصية العراقي أن " يخترعه " من جديد..

يسأل أين مدرستي الجميلة التي كان شباكها يطل علي النهر, ولماذا أغلقوا بالمتاريس بيت جدتي، وكيف تصير بلدية بغداد أنقاضا، وتذهب أوراقها الضائعة بماضي الناس الجميل، وسجلات حياتهم وتاريخهم وذاكرتهم..

أين سينما الخيام ،ورياض بغداد, ومن أين أتت كل هذه السيارات التي تزدحم بها الشوارع، وتصيبك بدوار الرعب والعبث..

يتجول الأستاذ زهير في أنحاء المدينة المهانة المعذبة، ويسأل أين الحكومة والنظام والدولة ، ويجيبه احدهم إن الحكومة ما شاء الله، ربما كانت تقف عند ناصية أول شارع علي اليمين..

لكن أحدا في بغداد لا يعرف بالضبط أين الحكومة، و لماذا يجري الحزن مثل شلال في طرقات المدينة..

من أين يأتي كل هذا الحزن، يسأل الاستاذ زهير، ولماذا يتطلع الناس هكذا مذهولين، وقد فقدوا طاقتهم علي الحراك، في أجواء الصخب داخل الشوارع، والطرق فيها علي الصفيح يكون موجعا مثل الخبط علي الدماغ، ومازالت تلك الرؤؤس الذبيحة يجري منها الدم.ألا يستطيع المرء أن يدردن بهمس الجنون في تلك الأرض الخراب ، من دون أن يزعجه احد؟. ماذا وقع للعراقيين، ومن أين يأتي كل هذا الحزن؟

يجعلنا زهير في تساؤلاته نتفرج على العراق اليوم، ونتألم لحال الحزن في الشوارع، ونتأسى لغربتنا نحن أيضا.غربتنا داخل مسام الجلد، في حضرة نساء مثل نساء بغداد اللواتي يتلفعن بالسواد والحزن والأسى..

حزن اسود من نوع آخر. ليس مثل الحزن الذي يطهر الروح، بل حزن سام، يسري داخل الدم، وينخر في أرواحنا، إلى أن ينفجر مثل برميل البارود في وجوهنا ، في آخر لقطة يختم بها سعد سلمان فيلمه.

بعدما يكون الأستاذ زهير تفقد تلك الأحياء المنكوبة في بغداد، بالقرب من دجلة الخير, اكتشف إن كل شيء تغير في المدينة، ولا توجد بها امرأة واحدة جميلة، فيذهب الى قبر حبيب، ويدردن مع نفسه هناك.

ويصل الفيلم إلى ذروته- لحظة التنوير النهائية، عندما يلتقي الاثنان الجلاد والضحية في محل مرطبات، ويتعرفان لأول مرة علي ذاتهما المشتركة, ذات الإنسان العراقي في المرآة..

وتتحقق هنا قمة الفيلم، عبر تلك المواجهة، وتنفجر حقيقتها في وجوهنا مثل برميل بارود, ويلمع هنا الفيلم ويتوهج بسحر الفن مثل ماسة، حين لا يصبح أمام الأستاذ زهير، بعد أن فقد كل شيء، لايصبح أمامه إلا تأمل مياه النهر الذي أحبه في الليل ،لكي يسمعنا أغنية العراق الجديد الحزينة،ويسأل متي باترى ينتهي الليل ؟مات العراق. عاش العراق الجديد..

يحقق " دردمات " إضافة جديدة علي سكة السينما العربية الجادة، التي تحاول أن تبلور مشروعا ومنهجا وترسم خطة عمل، لصنع صورة تشبهنا، من خلال السينما.ويؤسس ربما لتيار سينمائي يحمل هو بذاته نموذجا وموديلا له، في صنع سينما تنهل من مصدرين أساسيين: تاريخنا وذاكرتنا، وتحكي من خلال " دردمات" أو الأعمال السينمائية المماثلة، تحكي عن تجارب حقيقية واقعية، ومغامرات خضناها، وتاريخ عشناه، وهي تجرب وتبتكر، ولا تحكي عن تجارب مفبركة ووهمية، بمتبلات الفيلم الروائي العربي المعتادة المتهالكة التي عفي عليها الزمن..

تجارب تمزج الشخصي بالعام، وتستفيد من تجربة العمل بالفيلم التسجيلي وإضافاته، وتشحنها وتوظفها لخدمة الروائي، مثل الأفلام المذكرات الشخصية التي يصنعها ناني موريتي في ايطاليا، وعباس كيارستمي في إيران، وتمزج الشخصي باللا شخصي، وتأخذ من التسجيلي لتغذي الروائي..

تجارب مثل " دردمات " تعصر همومها في أفلامها، وتجعلها تساؤلات عن الروح الحقيقية، و ما هو ابعد من المظهر والسطحي والعام..

أفلام تذهب إلى ما هو ابعد من الواجهة, وتواجه الواقع بقوة ، وتؤسس ل" ذاكرة " ما. ذاكرتنا نحن الشخصية ( سؤال الهوية الإنسانية " الآن في اللحظة) لنتعرف على ذواتنا ، والأشياء التي تجعل الحياة جديرة بان تعاش..

أفلام كما في " درمات " تخرجنا من تحت الأرض، لكي تقذف بنا في الطريق العام، وتضعنا في مواجهة الحاضر، ولا تخشي محاسبته، و محاسبتنا من دون شفقة ولا رحمة..

وكما في " دردمات " تمثل قطيعة مع سينما مهيمنة وسائدة، وتتصدي بقوة لمواجهة الهراء العام والمشاركة في كنسه..

سينما كما في دردمات لا ترأف بحال احد، ولا حتى صانع الفيلم.

يوظف سعد بحبكة وحنكة، السؤال الشخصي في النسيج العام، ويشبك التسجيلي بالروائي فيصير " دردمات " تكملة بشكل آخر لفيلمه الوثائقي الأثير " بغداد أون أوف " إذا يرحل في الفيلم الأول إلى العراق بعد ثلاثين سنة من المنفي في فرنسا، لكنه لا يصل إلى بغداد، وفي " درمات " يصل عبر الروائي إلى بغداد، ويطلع علي حالها..

ويؤكد بفيلمه الجديد، إن الأفلام الديجيتالية الرقمية الصغيرة، لا تحتاج إلى ميزانيات كبيرة لصنعها وتحقيقها، لان حجر الأساس والمهم في الفيلم، هو القضية التي يتبناها، والأشياء التي يحكي عنها، ويأتي بعد ذلك سؤال كيف توفر المخرج علي صنعها, لكي نحمل في ما بعد الفيلم داخل وجداننا ونتجول به ، وقد صار قطعة منا..

في " دردمات " نري أشياء كثيرة من ذلك. نري كيف استطاع سعد سلمان أن يصنع فيلما كبيرا بإمكانيات متواضعة،وفي ورشة العمل والصياغة الفنية حقق عدة انجازات وابتكارات تكشف عن مخيلة سينمائية مبدعة.يظهر ذلك من خلال " الحلول " الفنية التي ابتكرها علي مستوي جماليات الشكل، في محاولته الإجابة علي سؤال فني عويص : كيف يتوفر لأحد صناعة وإخراج فيلم روائي داخل سرداب, وكيف يحل مشكلة المكان داخل زنزانة الحبس ؟. تكون الإجابة بابتكارات الفن المدهشة، ومن ضمنها اشتغال سعد في " دردمات " على شريط الصوت ، واعتماده على ممثلين غير محترفين في الفيلم..

وكلها ابتكارات تمثل " قطيعة "، مع منجزات السينما القديمة التقليدية التجارية وأساليبها..

تحية إلى سعد سلمان على فيلمه الجميلن ولعله يكون " فاتحة " سينما عراقية روائية جديدة تنهض من قلب الدمار والنار واللهب مثل العنقاء وتولد من جديد.سينما مهمة وضرورية، إذ تستلهم من تاريخنا وذاكرتنا, وتوظف السينما كأداة تساؤل، واستكشاف متجدد دوما للحاضر.

سينما لا تكتفي بان تكتب علي الجداران.... عاش العراق الجديد، بل تقوم تنهض وتساهم في بنائه..

وعندئذ فقط سوف ينتهي ليل العراق الطويل، بضياعه.. ومأساته.. وحزنه.

" دردمات " فيلم شهي.

عن " ايلاف

موقع "سينما إيزيس" في 9 مارس 2006

كيت بيكينسيل:

 فليفهم المخرجون... لست إباحية لأنني لست حرة مع جسدي

باريس - نبيل مسعد 

اشتهرت الممثلة البريطانية كيت بيكينسيل عالمياً بفضل دورها في الفيلم الهوليوودي الناجح «بيرل هاربور» الذي تقاسمت بطولته مع النجم الشاب جوش هارتنت والذي روى فترة مهمة من الحرب العالمية الثانية. وحققت كيت أولى خطواتها السينمائية في العام 1993 عندما اكتشفها الممثل والمخرج البريطاني كينيث براناه فوق خشبات مسارح لندن ومنحها أحد الأدوار الرئيسة في الفيلم الذي أخرجه تحت عنوان «ضوضاء كبيرة من أجل لا شيء» المأخوذ أساساً عن مسرحية شهيرة لشكسبير، وعرض الفيلم حينذاك في مهرجان «كان» ونال إعجاب النقاد والجمهور وحقق إيرادات لا بأس بها إلا أنه لم يطلق بيكينسيل إلى سماء النجومية، ربما لأنها كانت واحدة ضمن مجموعة كبيرة من الممثلات شاركن في هذا العمل وبالتالي لم تلمع إحداهن في شكل مفرد على رغم مستوى الأداء المتفوق للشريط.

واستمرت كيت بيكينسيل في مشوارها المسرحي مؤدية أجمل الأدوار الكلاسيكية في لندن، إضافة الى ظهورها في أفلام متوسطة المستوى مثل «شوتينغ فيش» و «أيام الديسكو الأخيرة» و «الكأس الذهبي» و «بروكداون بالاس» وبعض المسلسلات التلفزيونية البريطانية الناجحة، إلى أن استعان بها السينمائي الهوليوودي مايكل باي لتجسد شخصية الممرضة التي يقع في غرامها أحد جرحى الحرب العالمية الثانية في بيرل هاربور. ومن حسن حظ بيكينسيل أن الفيلم بيع في العالم كله تقريباً ونال قدره من النجاح الشعبي أينما عرض ما جعلها بين يوم وليلة فنانة مطلوبة تتقاضى مليون دولار عن الفيلم الواحد.

الفيلم الجديد الذي تؤدي بطولته بيكينسيل عنوانه «أندرورلد رقم 2» (العالم تحت الأرضي رقم 2) ويشكل صرعة في ميدان أفلام الخوف ربما أكثر مما فعله الجزء الأول من الحكاية نفسها والنازل إلى الصالات العالمية قبل أكثر من عامين، علماً أن الفيلم الأساس سمح أصلاً بتحديد قواعد مختلفة عن تلك التي نعرفها في شأن سينما الإثارة المبنية على المؤثرات المرئية والصوتية. وأول ما يلفت في الجزء المكمل هو عدم وجود كائنات بشرية فيه إذا استثنينا رجلاً واحداً فقط، فجميع الشخصيات التي تظهر في الشريط عبارة عن مصاصي دماء ووحوش من نوع الذئاب التي تتمتع بشكل بشري في النهار وتتحول في الليل إلى ما هي عليه في الواقع. واللافت ان بيكينسيل شاركت بين تاريخ ظهور فيلمها «أندرورلد» وتكملته، في عمل من نوع مختلف جداً عنوانه «الطيار» للمخرج الأميركي مارتن سكورسيزي مؤدية فيه شخصية النجمة الهوليوودية الراحلة آفا غاردنر علماً أن السيناريو يروي سيرة المنتج الأسطوري الراحل هوارد هيوز مكتشف العدد الأكبر من نجمات العصر الذهبي في أميركا. ولمناسبة تنظيم سهرة خاصة للإعلاميين في باريس بحضور فريق فيلم «أندرورلد رقم 2»، التقت «الحياة» بيكينسيل وحاورتها.

·     تنتقلين من شكسبير الى شخصية مصاصة دماء ثم الى دور أفا غاردنر للعودة إلى مصاصة الدماء مرة ثانية، فمن أنت بالتحديد وكيف يتسنى تصنيفك فنياً؟

- أنا باختصار شديد ممثلة عادية جداً، وأقصد بذلك أنني دمية بين يدي كل مخرج يفكر في منحي شخصية خيالية معينة أتأقلم معها حسب إمكاناتي التمثيلية وأصقلها ثم أبلورها حتى تتخذ شكلها النهائي أمام الكاميرا أو فوق خشبة المسرح حسب الحالة. وأنت بسؤالك هذا توجه إلي أكبر مجاملة يمكن لأي ممثلة أن تتلقاها، فأنا أرفض التصنيف الفني لأنه أسوأ ما يحدث للفنان.

·     ألا يحب الجمهور مشاهدة نجومه المفضلين في أدوار معينة لمجرد أنهم نجحوا اصلاً بفضل حسن تقمصهم شخصيات كوميدية أو درامية أو مخيفة أو عنيفة أو شريرة حسب الحالة؟

- هذا أمر يحدث بالطبع ويسبب سجن الممثل في لون محدد يصعب عليه في ما بعد الفرار منه، والأمثلة مع الأسف كثيرة في هذا الشأن، لكنني إذا نجحت في تفادي التصنيف والحفاظ على حريتي الفنية أكون فعلاً إمرأة وممثلة محظوظة للغاية، وهذا ما أسعى إليه.

·         هل كان من السهل عليك تخيل نفسك في مكانة أفا غاردنر من أجل فيلم «الطيار»؟

- لا طبعا وأصعب الأدوار بالنسبة الى الممثلين عامة هي بلا شك تلك المستوحية من حياة أشخاص عاشوا بالفعل وعرفهم الجمهور العريض لأن المقارنة تأتي دائماً في مصلحة الأصل وليس النسخة وهذا شيء طبيعي لا نستطيع تغييره أو مقاومته.

·         وما الحل إذاً؟

- الحل يكمن بقدر المستطاع في الابتعاد عن تقليد الشخصية الأصلية وتصورها بأسلوب خيالي ثم خلق تركيبة تمزج بين العنصرين الأصلي والخيالي، وهذا ما فعلته في شأن أفا غاردنر، لذلك تجدني في «الطيار» لا أشبهها في الشكل الخارجي إطلاقاً، وأكتفي بالتصرف على طريقتها في بعض المواقف فقط، ولكن مع إدخال نبرات خيالية تماماً تجعل المتفرج ينسى انني أفا غاردنر ويكتفي بمشاهدتي على أساس أنني إحدى بطلات هوليوود اللواتي اكتشفهن وأحبهن هوارد هيوز.

·     وهل نجح ليوناردو دي كابريو، في رأيك، في تحقيق هذه المعادلة علما أنه مثّل دور هوارد هيوز وأن الشريط روى سيرة هذا الرجل؟

- ليوناردو دي كابريو من أهم الممثلين على قيد الحياة، وأنا أحسده على موهبته، فهو خلق شخصية هيوز فوق الشاشة بأسلوب أعجز عن فهمه لأنه قلّد الرجل من دون أن يقلده، ولا تسألني عن معنى كلامي (تضحك).

·         لننتقل إلى موضوع آخر، كيف تعيشين نجاحك السينمائي العريض الذي حدث في فترة قصيرة جداً؟

- سعدتُ جداً بحصولي على بطولة فيلم «بيرل هاربور» الأميركي لأن هدفي كفنانة هو الإنتشار أولاً خارج الحدود المحلية وهو أمر صعب طالما إني محبوسة في إطار المسرح اللندني طبعاً وحتى السينما الأوروبية عامة لأنها نادراً ما تتعدى المستوى المحلي. وكوني حققت هذه النقطة فالأمر يفرحني كثيراً، وبالنسبة الى نجاحي في شكل عام فهو يشعرني بأنني طفلة تحولت أحلامها الجنونية إلى واقع غريب وترى نفسها فوق الشاشة فجأة وكأن معجزة ما تحققت. كدت أن أبكي من الفرح والدهشة عندما رأيت نفسي للمرة الأولى فوق الشاشة الفضية بعدما مارست المسرح والتلفزيون سنوات طويلة.

·     أنت تليقين جداً بشخصية سيلينا مصاصة الدماء في كل من «أندرورلد» وثم الجزء المكمل له، فهل لعب مظهرك في شكل أساس في حصولك على الدور أصلاً؟

- لا أعتقد ذلك لأنني في الحقيقة لا أشبه مصاصات الدماء إذا وجدن (تضحك)، والذي حدث هو تقمصي شخصيتها في أدق التفاصيل واختراع حركاتها وطريقتها في الكلام وتعبيرات وجهها لقد رحت أدخل في الدور تدريجياً عبر توجيهات المخرج التي جاءت مكملة لما تخيلته شخصياً في شأن سيلينا. والشيء الوحيد الذي أستطيع قوله في شأن مظهري هو أن الشركة المنتجة كانت تبحث عن ممثلة حلوة وذات طابع غير أميركي بحت، وبما أنني إنكليزية ويقال أنني حلوة (تضحك) حصلت على فرصة الوقوف أمام الكاميرا والخضوع للاختبار الخاص بالدور، وموهبتي هي التي تكلمت في ما بعد، وأنا سعيدة بسماع حكاية وجود التشابه بيني وبين سيلينا، خصوصاً أنها شخصية وهمية تماماً، والمقارنة هذه تدل على مدى نجاحي في تقمص الدور.

عكس المسرح

·         بدأت فوق المسرح في التسعينات فهل تشعرين بأنك مدينة له بشيء من نجاحك؟

- أعتقد بأن هناك مبالغة في هذا الكلام، فأنا على رغم تعلمي الكثير من خلال تجربتي المسرحية طوال خمس سنوات كاملة لا أعتقد بأن نجاحي يتعلق بأي شكل بما فعلته فوق الخشبة. ربما انني استوحيت من عملي المسرحي بعض المقومات التي تجعلني أمثل الآن أي دور يعرض علي بطريقة معينة فضلاً عن غيرها لكنني في النهاية أعترف بأن التمثيل أمام الكاميرات يتطلب عكس ما يحتاجه المسرح تماماً وأنا أدركت مع مرور الوقت ما الذي يجب تفاديه في السينما بالنسبة الى ما اعتدت فعله في المسرح، وأقصد بكلامي هذا البطء في الأداء والتمعن في التفاصيل حتى يفهم المتفرج الحبكة جيداً ويتأقلم مع عقلية الشخصيات الموجودة أمامه ثم الأداء بصوت مرتفع وممارسة الحركات الكبيرة بالأيدي والتمادي في التعبيرات بالوجه وكل ذلك لا يفيد في السينما أو التلفزيون إذ أن المطلوب هو السرعة والتخفيف من حدة المشاعر والحركة.

·     هل تنوين الاستمرار في السينما أم انها مرحلة شهرة دولية قد تسمح لك بمعاودة العمل المسرحي في لندن وربما نيويورك أيضاً وفرض شروط جديدة لا سيما من الناحية المادية؟

- إنني أنوي بلا شك الاستمرار في السينما وإنما من دون التنازل عن العمل المسرحي إذا تلقيت ما يثير اهتمامي من عروض في هذا الميدان، ولست مستعدة للتضحية بدور سينمائي ولا أجر سينمائي من أجل العمل في مسرحية متوسطة المستوى مهما دفعوا لي من أجر لأن المسرح مهما فعل من جهود في هذا الميدان لا يقدر على منافسة السينما أبداً، وأعلى أجر مسرحي لا يوازي ما يتقاضاه ممثل غير معروف في السينما. أنت تذكر المسرح في نيو يورك وهو فعلا يجذبني إلى أبعد حد ولكن إذا مارسته مثلما فعلت نيكول كيدمان منذ ست سنوات تقريباً حينما تولت بطولة مسرحية «بلو روم» (الغرفة الزرقاء) في لندن أولاً ثم في نيويورك وكانت البطاقات بيعت قبل بضعة شهور من الافتتاح وذلك في المدينتين وتقاضت كيدمان عن عملها أعلى أجر مسرحي نسائي حتى الآن في كل سهرة من دون أن تعني الحكاية أن هناك أي مقارنة ممكنة بين ما تكسبه كيدمان عن الفيلم الواحد وما ربحته لقاء ظهورها في هذه المسرحية كما أن السر وراء طلبها ثمناً مرتفعاً وحصولها عليه هو وقوفها مجردة من ثيابها فوق الخشبة مدة طويلة ما سمح لوكيل أعمالها بفرض شروط مادية غير عادية إطلاقاً. اما أنا فأرغب في الوصول إلى القمة والتربع فوق عرشها لأن المرتبة الثانية لا تناسبني ولا ترضي طموحي أو مزاجي الصعب.

حياء

·         يبدو أن طموحك المادي يلعب دوره في طريقة أساسية في تحديدك مستقبلك، أليس كذلك؟

- لست امرأة مادية على عكس أغنية مادونا «ماتيريال غيرل» لكنني أعير المال أهمية قصوى ومرتبطة بطريقة جذرية بالعمل في حد ذاته. أنا أشعر بقيمة موهبتي ومجهودي وبقيمتي الفنية في نظر جمهوري من خلال المبلغ الذي أتقاضاه عن كل دور أمثله، لذلك تجدني حريصة جداً على رفع مستوى مكانتي الاجتماعية، على عكس بعض زميلاتي اللاتي يعتبرن المسألة في غاية السطحية.

·         وماذا تفعلين إذا وجدت نفسك في موقف مثل نيكول كيدمان يتطلب منك الوقوف عارية فوق المسرح؟

- حسدتُ نيكول على شجاعتها وجرأتها عندما شاهدت المسرحية، لأنني في معظم الأحوال معرضة لأن أرفض مثل هذا العرض إذا حدث وتلقيته، مثلما لا أوافق على أداء اللقطات الجريئة أمام الكاميرا في السينما. أنها مسألة حياء سببها التربية التي يتلقاها كل منا في صغره، وأنا كبرت في جو بريطاني متزمت كانت السترة فيه طبيعية وإجبارية وبالتالي لا أتمتع بعلاقة مع جسدي مبنية على الحرية الكاملة ولا علاقة للموضوع بنسبة جمالي إطلاقاً.

الحياة اللبنانية في 10 مارس 2006

 

سينماتك

 

فيلم جديد " دردمات " للمخرج العراقي سعد سلمان مثل قصيدة عن " الأرض الخراب "

" دردمات ": الحزن مثل برميل بارود

باريس: كتب صلاح هاشم

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك