في اعتقادي أن اتساع نطاق الترجمة للكتاب السينمائي من ناحية، واتساع وعمق تأثيره من ناحية أخري، لا مثيل لهما في أي مجال آخر من مجالات الترجمة. فالكتاب السينمائي المطلوب ترجمته يضم من التخصصات المعرفية أكثر من أي كتاب آخر ومنها: فنون، وتكنولوجيا، وعلوم طبيعية، وتاريخ، وفلسفة، وعلوم لغوية، واجتماعية وإنسانية عامة.. ومن هذه التخصصات ما قد يتداخل مع غيره أو يظل قائما بنفسه، ويربطها جميعا الاهتمام بالسينما كموضوع معرفي أساسي.

أما من ناحية تأثير الكتاب السينمائي المترجم (وغير المترجم)، فلا يكون تأثيرا مباشرا فقط علي القارئ، شأنه في ذلك شأن أي كتاب يعمل علي توسيع آفاق الرؤية المعرفية وتعميقها، وإنما يؤدي أيضا إلي تأثير غير مباشر يطال فيه الفيلم وسوق السينما. ذلك أن المشاهد القارئ للكتاب السينمائي المترجم تختلف نظرته واختياراته للأفلام عن المشاهد غير القارئ. الأمر الذي يترك أثره بوضوح علي الإنتاج السينمائي الوطني وعلي سوق الأفلام المستوردة.

ونظر لتنوع تخصصات الكتاب السينمائي المترجم ـ علي نحو ما ذكرناه ـ نجد من الكتب المتخصصة ما له تأثيرا مباشرا علي الصنعة السينمائية نفسها، مثل الكتب التي تتناول طبيعة المواد الخام المستعملة وكيفية توظيفها، أو ما يتناول منها حرفيات الإنتاج، أو يشرح إمكانيات الأجهزة المتوفرة وكيفية التعامل معها.

وإذا تذكرنا أن السينما من الصناعات الثقيلة التي يقام عليها صناعات أخري، فضلا عن أنها تجارة، بالإضافة إلي كونها أكثر الفنون (الشعبية) رواجا بين الجماهير.. وإذا وضعنا في أذهاننا إلي جانب ذلك، أهمية فن الفيلم في دعم الهوية القومية.. أدركنا مدي أهمية إسهام ترجمة الكتاب السينمائي في تشكيل مجتمعنا المعرفي، وما بعد المعرفي سواء ما يخص سلوك الناس، أو ما يخص فن الفيلم واقتصادياته.

قصور

ولكن رغم هذه الأهمية البالغة للترجمة السينمائية، نجد أن اهتمام مجتمعنا المعرفي بها يأتي في ذيل اهتماماته بالترجمة عموما، التي تعاني ـ أصلا ـ من قصور حاد. ومن ثم فالحصيلة الهزيلة التي تم إنجازها من ترجمة في هذا المجال تقل كثيرا عن الحد الأدني المطلوب لإشباع حاجتنا المعرفية في هذه الناحية.

ولعل ما يشير إلي هذه الحقيقة بوضوح القائمة الببليوجرافية التي أعدتها الباحثة فريدة مرعي ونشرتها بمجلة عالم الكتاب العدد 56 لعام 1997، في هذه القائمة نجد أن حصيلة ما ترجمناه من الكتب السينمائية خلال القرن الماضي (بداية من عام 1920 حتي عام 1997) بلغ 97 كتابا فقط. وكان أكثر عقود هذا القرن إنتاجا هو عقد الستينيات الذي بلغ عدد الكتب السينمائية المترجمة فيه 38 كتابا. أي ما يقرب بالكاد من 4 كتب كل عام، تمثل أعلي متوسط وصلنا إليه خلال عقد من عقود القرن العشرين.

ومن المؤشرات التي تكشف لنا عن الهوة السحيقة بين ما نحن عليه وما يجب علينا عمله في هذا المجال، المقارنة بين ما نترجمه وما يتم إنتاجه في الخارج من كتب سينمائية. ونكتفي بذكر ما تنتجه مؤسسة واحدة من الكتب السينمائية مثل مؤسسة «فوكال برس» Facal Press، حيث بلغ عدد هذه الكتب في عام واحد عام 2004 سبعة وستين كتابا، وارتفع عددها إلي 72 كتابا عام 2005، أي 139 كتابا في السنتين المتتاليتين الأخيرتين.

ومن نافلة القول إن هذه المؤسسة ليست الوحيدة المتخصصة في إصدار الكتب السينمائية في الخارج. كما أن مطبوعاتها اقتصرت ـ تقريبا ـ النواحي التقنية مثل: السيناريو والتصوير والإخراج والمونتاج والرسوم المتحركة والصوتيات وتكنولوجيا الديجيتال. وينقصها معالجة الموضوعات السينمائية الثقافية الأخري مثل: جماليات السينما، واللغة السينمائية، ونظريات الفيلم، والنقد والتذوق، والتاريخ، والدراسات الإنسانية المتعلقة بالسينما... وغيرها. وهي الموضوعات التي تنشر عنها مؤسسات أخري مختلفة منها المعاهد والجامعات، فضلا عن دور النشر عامة.

لماذا؟

وإذا تأملنا تجربتنا السابقة في ترجمة الكتاب السينمائي، بحثا عن أسباب قصورها، نجد أن ما أنتج فيها من ترجمات اعتمد علي الجهود الفردية لبعض الأشخاص، أو دور النشر الخاصة. حتي ما كان منها داخل مؤسسات الدولة الثقافية، ظل اختيار الكتب المترجمة خاضعا لمبادرات فردية لا يجمع بينها نسق موحد أو تخطيط ما. وهو ما جعل إنتاجنا في مجمله عشوائيا، إلي جانب قصوره الكمي الحاد. ذلك فيما عدا محاولتين فرديتين توفر لهما قدر من التخطيط. وقدم كل منهما مجموعة شبه متكاملة من الكتب.

قدم المحاولة الأولي المخرج أحمد بدرخان، حينما اقترح ترجمة مجموعة من كتب السينما للهواة (9 كتب). وأشرف علي إصدارها ومراجعة ترجمتها فريد المزاوي رائد الثقافة السينمائية في مصر. ونشرت الكتب الهيئة المصرية العامة للكتاب أوائل الستينيات. وكان لي شرف تقديم المحاولة الثانية التي قدمت فيها حتي التسعينيات سبعة عشر عنوانا ما بين ترجمة أو مراجعة للترجمة أو الإشراف علي إصدارها ضمن سلسلة الكتاب السينمائي التي أشرفت عليها وصدرت عن الهيئة العامة للكتاب. وكان الهدف من هذه المجموعة تعميق الفهم لفن الفيلم. لذلك كان التركيز فيها علي نظريات الفيلم، وجمالياته والتذوق والنقد، والسيناريو. ولم تكتمل هذه المحاولة، كما هو الحالة في المحاولات السابقة نظرا لاهتمامات المؤسسة المتشعبة. وغالبا ما تمر بمراحل يسود فيها الاهتمام بنواح معينة علي حساب النواحي الأخري، أو تعصف بها ظروف اقتصادية أو إدارية. وفي كل الأحوال تفتقد سياساتها الاستراتيجية المستقرة.

الاستراتيجية ضرورة

ويمكن أن نخلص من هذه التجربة في ترجمة الكتاب السينمائي إلي أنه لا أمل في أن يأخذ هذا الكتاب وضعه المناسب كميا أو كيفيا في مجتمعنا المعرفي، بالاعتماد علي الجهود الفردية مهما كانت مخلصة، لأنها تظل قاصرة عن الإحاطة الموضوعية بمشروع كبير للترجمة، رغم أهمية المبادرات الفردية وضرورة تشجيعها. كما أن الاعتماد علي الترجمة المؤسسية لا يكفي، رغم أهمية الوجود المؤسسي لتنفيذ المشاريع الكبيرة. ولكن حتي يتم للوجود المؤسسي تحقيق ذلك، لابد له من وضع استراتيجية تستوعب الجهود الفردية، وتتسم بالاستقرار، ويتوفر لها إمكانات التنفيذ، حتي يمكن النهوض بالترجمة عامة لإشباع حاجاتنا المعرفية الملحة المتعددة، ومنها المعرفة السينمائية التي لابد أن تحتل المكانة المناسبة لها داخل خارطة هذه الاستراتيجية.

تنويه

لعل مشروع إنشاء مركز قومي للترجمة، الذي أعده د. جابر عصفور وقدمه إلي وزير الثقافة فاروق حسني الذي رحب به، وبدأت الوزارة بالعمل علي تنفيذه، كما علمنا به أثناء انعقاد الملتقي الدولي الثالث للترجمة. أقول: لعل هذا المشروع يمثل الأمل الذي نرجوه لتحقيق الحلم الكبير بنهضة معرفية واسعة تأخذ منطلقاتها الصحيحة حين تبدأ بإنعاش حركة الترجمة، ومنها ترجمة الكتاب السينمائي.

جريدة القاهرة في 7 مارس 2006

 

مصطفي محرم يكتب: حوار مع حوار سمير سيف

* كلامه عن معهد السينما لابد أن يلفت النظر إلي أحواله المتردية التي انعكست علي السينما في مصر  

من الحوارات الصحفية الفنية التي نشرت في جريدة «القاهرة» أعجبني الحوار بين سالي نبيل والمخرج السينمائي المعروف سمير سيف وقد سبق وأن تحدثت عن هذا المخرج علي ما أذكر في كتابي عندما شاهدت الأفلام فهو من خريجي المعهد العالي للسينما قسم الإخراج وكان الأول علي دفعته ثم حصل بعد ذلك «علي سنوات متباعدة» علي درجة الماجستير ودرجة الدكتوراه من نفس المعهد. أهم من كل ذلك أنه من أبرز مخرجي أفلام الحركة في مصر ولا ينافسه إلا نادر جلال الذي سبقه في التخرج ما يقرب من الست سنوات ولكني أعتبرهما من جيل واحد.. ومن الصفات المهمة أيضا بالنسبة لسمير سيف والتي لمستها أنا شخصيا في أحاديثي الكثيرة معه أنه يمتلك ثقافة عالية في مجالات الأدب والفنون ومختلف أنواع المعرفة فكلما أذكر أمامه اسم كتاب باللغة العربية أو الإنجليزية إلا وأجده قد قرأه أو حتي علي إلمام به هذا بالإضافة إلي أن سمير سيف يعتبر دائرة معارف سينمائية وينافسني منافسة شرسة في معرفة الأفلام الأجنبية أمريكية كانت أو فرنسية أو إيطالية أو بولندية أو تشيكية أو مجر ية ومخرجيها ونجومها.

وأحيانا كنا نختلف علي اسم أحد الأفلام فيسرع هو وكذلك أسرع أنا للقواميس السينمائية باللغة الإنجليزية أو الفرنسية للتسابق في التأكد من اسم المخرج ورغم هذا التقارب في المعرفة والميول فلم نعمل سويا في أحد الأفلام وكلما قاربنا علي ذلك يتسلل من يفركش، بيننا وكأنه يخشي علي نفسه من هذا التعاون ولكن ما علينا فأنا لاأهتم بهذه الصغائر ولنعد إلي موضوعنا الراهن وهو الحوار الذي نشر له مؤخرا.

أثار هذا الحوار الكثير من القضايا الفنية التي تحتاج إلي مناقشات وأن يدلي كل مهتم بالفن السينمائي بدلوه وربما أول هذه القضايا وأخطرها هو حال المعهد العالي للسينما لا يختلف أي متخصص فاهم من أن يدرك الحال المتردي الذي وصل إليه معهد السينما في مصر ومسئوليته المباشرة لما وصل إليه حال السينما في مصر.

ولكن للحق فإن من واجبي أن قول بأنه إذا كان المستوي العام لهذا المعهد قد هبط إلي هذه الدرجة إلا أن هذا لا يجعله متفردا في هذا الهبوط لأن هذا هو حال التعليم بوجه عام في مصر لقد تحدث سمير فريد بكل صراحة عن حال المعهد وإن كان السؤال المطروح يقصد به المعاهد الفنية ولكن الإجابة بالطبع اقتصرت علي ما يعرفه سمير سيف أكثر وهو معهد السينما خاصة وأنه يقوم بالتدريس فيه وقد لمس سمير سيف بأن التغيير قد لحق بشيئين: الشيء الأول يختص بالطلبة الذين يدرسون في المعهد حيث قارن بين طلبة الأمس وبين طلبة اليوم وبحكم عملي في مجال السينما فأنا أعرف معظم طلبة الأمس الذين يحمل منهم الأسماء البارزة في مجال صناعة السينما في مصر مثل ممدوح شكري وأشرف فهمي ومحسن نصر ورمسيس مرزوق ونادر جلال وحسين فهمي وأحمد متولي وهشام أبوالنصر ومحمد راضي وأحمد متولي وسمير فرج ومحمد عبدالعزيز ومدكور ثابت وسمير عوف وعلي عبدالخالق وعلي بدرخان وخيري بشارة وداود عبدالسيد وأحمد يحيي ومنير راضي وعبداللطيف زكي وسمير سيف وعاطف الطيب وأطلق عليهم سمير سيف صفة الهواة وأزيد عليه بأنهم مصابون بداء العشق السينمائي، وقد تدرجوا في العمل السينمائي فكانوا مساعدين في البداية إلي أن تمكن كل واحد منهم أن يتفوق في فنه.. وبجانب الهواية كان هناك ولع بالتحصيل وحب المعرفة ومشاهدة الأفلام السينمائية من مصادرها المختلفة وليس بغرض الاقتباس والسرقة والتقليد ولكن للدراسة والاستيعاب ويري سمير سيف أن طلبة اليوم تنساق وراء بريق الشهرة والمال دون أن يكون لديها رغبة حقيقية في الاستزادة من المعرفة، وفي الحقيقة أن ما يقوله سمير نراه منعكسا في أفلام هذه الأيام الخاوية من كل شيء حتي إنني وصفتها بأنها ليست أفلاما سينمائية ولكنها هلامات مصورة والشيء الآخر المتسبب في رأي سمير سيف في تدهور معهد السينما ونحن نوافقه عليه كل الموافقة هو الأساتذة وهو يذكر بأنه تلقي العلم علي يد مجموعة مختارة من الأساتذة في مختلف المجالات مثل لويس عوض وأسامة الخولي وعبدالمحسن طه بدر وهو يريد أن يخرج من هذا إلي أن الأساتذة الذين كانوا يقومون بالتدريس في المعهد أفضل من الذين يقومون بالتدريس فيه حاليا.

وأحب أن أضيف إلي جانب من ذكرهم من الأساتذة أسماء كبيرة في مجال الفن السينمائي مثل صلاح أبوسيف وحلمي حليم ويوسف شاهين ومحمود مرسي وعبدالعزيز فهمي وسعيد الشيخ وقد كانت بداية النكبة في المعهد عندما سافر مجموعة من الخريجين المتفوقين في الدراسة إلي الاتحاد السوفييتي في حين رفض النابغون الحقيقيون السفر وفضلوا العمل في الحقل السينمائي ومنهم علي ما أذكر نادر جلال ومحمد عبدالعزيز وسمير سيف وحققوا نجاحا في مجال الإبداع السينمائي.. توفرت فرصة بعد ذلك لمدير التصوير العبقري رمسيس مرزوق للسفر إلي فرنسا فسافر وعندما عاد اضطهده زملاؤه من العائدين من الاتحاد السوفييتي والذين لفظ أغلبهم الحقل السينمائي لمستواهم المتواضع جدا.. كان يحسبون أن درجة الدكتوراه من الاتحاد السوفييتي سوف تفتح لهم أبواب العمل في السينما بجانب وجودهم في هيئة التدريس في المعهد ولكن للأسف باءت هذه الآمال بالفشل الذريع. كان الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت يمنح درجة الدكتوراه في كل المجالات للطلبة الوافدين من الدول النامية التي تنتمي إلي المعسكر الشرقي وكان يتم ذلك بمنتهي السهولة وذلك ليكونوا دعاة للفكر الشيوعي عندما يعودون إلي بلادهم وبالطبع كان المستوي العلمي لهؤلاء العائدين متواضعا وانطبق عليهم المثل القائل: «وكأنك يا أبوزيد ما غزيت» وكم طالبت من يعترض منهم علي هذا الرأي أن يثبت لنا أنه يستحق أن يحمل درجة الدكتوراه فيترجم الرسالة التي حصل من خلال بحثها علي الدرجة العلمية الرفيعة ويقوم بنشرها لنتعرف علي مستواها ولكن لم يجرؤ أي واحد منهم علي أن يفعل ذلك وبالطبع انتقل هذا المستوي المتواضع من العلم إلي الطلبة الذين يدرسون علي أيديهم بل وصل الأمر أنهم أشرفوا أو قاموا بمناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه وذلك لتفريخ أجيال جديدة من الأساتذة فكانت النتائج مستوي أقل من مستواهم وهي الطامة الكبري وأصبح علي الطالب الجاد في المعهد وهو من النادر أن تجده ليقوم بتحصيل العلم بنفسه خارج المعهد ولا يعتمد علي ما يتلقاه وقد شكا لي بعض طلبة الدراسات العليا من ضعف مستوي الأساتذة المشرفين علي رسائلهم ولا يجدون حلا لهذه المشكلة فكنت أنصحهم باللجوء إلي الأساتذة المعروفين في مجال النقد والإبداع السينمائي الذين يقومون بالتدريس في المعهد وليسوا من الذين درسوا في الاتحاد السوفييتي لعلهم يجدون عندهم ما يبحثون عنه من العلم والمعرفة ووصل أن أخبرني أحد عمداء المعهد السابقين بأنه كان يلاحظ ضعف مستوي الرسائل المقدمة للحصول علي درجة الماجستير ودرجة الدكتوراه وكذلك ضعف مستوي المناقشة لهذه الرسائل حتي إنه في كثير من المرات كان يريد أن ينهض ويصرخ فيهم بأن تلك الرسائل لا تصلح لنيل الدرجة العلمية وأن المناقشة التي تدور لا تليق بالمناسبة.

إن ما نطلبه من رئيس أكاديمية الفنون وهو رجل محب للعلم والمعرفة بأن يحاول أن يرفع من شأن هذا المعهد الذي تخرج فيه ويستعين ببعض الأساتذة من الخارج وكان في بدايات هذا المعهد ورغم الكوكبة التي تقوم بالتدريس فيه من المصريين هناك أيضا مجموعة من الأساتذة الأجانب من فرنسا وأمريكا وتشيكوسلوفاكيا في مجالات الإخراج والسيناريو والمونتاج والرسوم المتحركة، وهذا يذكرني بالجامعة المصرية في بدء نشأتها عندما كان يقوم بالتدريس في كلية الآداب أساطين الأساتذة من فرنسا وإنجلترا ولذلك كانت هناك أجيال من فطاحل الأساتذة المصريين الذين درسوا علي أيد هؤلاء الأساتذة العظام.

وإذا كان مثل هذا الأمر صعبا فإن عليه التوسع في إرسال البعثات إلي الخارج للدراسة في معاهد السينما المشهورة بل إنه يستطيع إرسال البعض أيضا إلي روسيا بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفييتي.

جريدة القاهرة في 7 مارس 2006

د. رفيق الصبان يكتب: هل تتنازل مصر عن عرش الفنون العربي؟

* انحدار السينما من «الأرض» إلي «حاحا وتفاحة».. والمسرح من «دائرة الطباشير القوقازية» إلي إفيهات سمير غانم ينذر بكارثة!

* شاهدت عرض الفرقة الاستعراضية السورية «أنانا» فترحمت علي أيام مجد المسرح الاستعراضي المصري  

حتي زمن متأخر من القرن العشرين.. ظلت مصر وفنونها تحتل المركز الأول بين البلاد العربية كلها سواء في مجال المسرح أو السينما أو الموسيقي أو التليفزيون.

ولكن السنوات الأخيرة من القرن الذي فات والسنين الأولي من القرن الجديد شهدت تطورا جديدا.. وإن لم يكن مفاجئا تماما لأن إرهاصات كثيرة كانت تنبئ به خلال السنوات الماضية وفي شتي المجالات.

في مجال الموسيقي والغناء.. ابتعدت أيام أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب والملحنين الكبار كمال الطويل وبليغ حمدي والموجي.. لتحل محلهم مواهب أقل منهم شأنا.. وربما أقل تأثيرا.. سمحت لمواهب كثيرة قادمة من بلاد عربية شتي.. كـ «لبنان وتونس والمغرب» أن تحتل مركز الصدارة وتنافس بل وتتقدم علي كثير من المواهب الغنائية الفذة المتواجدة بيننا والتي لا نعرف لأسباب غامضة وغير مفهومة كيف نضعها في إطارها الصحيح.. وهكذا وجدنا فنانات لبنانيات رأسمالهن الجسدي يفوق بكثير رأسمالهن الغنائي.. يفزن بنصيب الأسد من الدعاية والجماهيرية والحشد الإعلامي.. بينما تراجعت أسهم مغنياتنا ومغنينا.. إلي الصف الثاني.. وربما الثالث.

ولعل من يسمع بعض الأصوات التي تقدمها فرق الموسيقي العربية التابعة للأوبرا المصرية.. يعجب كيف لا يتاح لهذه المواهب النضرة أن تقتحم ميدان التنافس الغنائي وأن تبرز فيه (!!)

المهم أن ريادتنا الغنائية.. تراجعت بشكل ملموس فاتحة المجال (وهنا وجه العجب) للمواهب الأخري بالتقدم.. مقدمة لها علي طبق من فضة جمهورنا الكبير ودعايتنا الواسعة.. وألق الشهرة الذي كانت تتمتع به حتي إشعار آخر حزمة مطربينا ومطرباتنا.

أما بالنسبة للمسرح.. الذي كنا نحمل رايته الخفاقة عاليا.. فقد وضعنا علي وجهه أقنعة البلياتشو الملونة.. واكتفينا بالضحكات الصاخبة التي تطلقها الجماهير الجديدة للمسرح التي تختلف اختلافا جذريا عن الجماهير التي كانت تملأ الصالات عند تقديم روائع المسرح العالمي علي خشبة القومي أو زهور الفنون المسرحية المصرية المتمثلة في كتاب مسرحيين كبار لم تعوضهم المواهب الجديدة الشابة كألفريد فرج وسعد الدين وهبة ونجيب سرور ونعمان عاشور وصلاح عبدالصور.. وغيرهم.. وأصبحنا الآن.. ننظر بعين الحسد.. إلي بعض الفرق العربية الأخري التي تتاح لنا رؤيتها عبر مهرجانات مسرحية دولية أو عربية.

ونعجب ونصفق للتطور الخلاق الذي أصاب مسارحنا.. كانت في حكم العدم عندما كان مسرحنا القومي يقدم «دائرة الطباشير القوقازية» لـ «برخت».. أو «الاخوان الثلاثة» لـ «تشيخوف».. أو «حاملات القرابين» لـ «اسخيلوس».

بتنا ننظر إلي ابتكارات روجيه عساف اللبناني وجواد الأسدي العراقي ونضال الأشقر.. وكأنها دروس مسرحية مهمة علينا أن نقلدها.. وأن نقتفي أثرها.. وكأننا لم ننجب في يوم من الأيام رجال مسرح كبار كـ «سعد أردش وكرم مطاوع وأحمد زكي المخرج.. وسواهم» .. وتحول جمهورنا الذي تعود في سنوات سابقة سماع أشعار شكسبير وراسين ونجيب سرور وعبدالصبور.. إلي جمهور يصفق بحماس لنكات سمير غانم وإشارات عادل إمام السياسية والاجتماعية.. وينسي أو يتناسي.. تاريخ المسرح المصري وتطوراته وموجاته وأساتذته ومدارسه.

وإذا جئنا إلي التليفزيون.. والذين كنا نفتقد حتي موسم رمضان الماضي أننا وصلنا به بفضل نجومها ذوي الشعبية المهولة وكتابنا الذين أصبحوا أئمة كتابة في هذا المجال إلي مستوي لا يمكن للمنافسة شريفة كانت أم غير شريفة أن تصل إليه أو أن تطاوله.. ولكن ها هي مسلسلات رمضان السورية.. تاريخية كانت أم معاصرة.. تهز عرش تليفزيوننا بضربة قاضية واحدة.. وإذا كنا قبل سنوات نحاول تخدير أنفسنا بأن نقول إن المسلسلات التاريخية السورية قد فازت علينا.. لأنها مدعومة من قوي الجيش بعدد الكومبارس والمعدات والتسهيلات لا بقوة الأداء والإخراج.. فإن مسلسلات سوريا الاجتماعية هذا العام قد جاءت لتؤكد عكس هذه المقولة وأن سبب التفوق يعود إلي الإخلاص لفكرة الفن والابتعاد عن النجومية الفردية والتفاني الحقيقي في تقديم العمل علي أفضل صورة من خلال التعاون الوثيق بين كل أفراد طاقمه الفني بالإضافة إلي البحث الذكي عن نص تتوافر فيه المتعة الفنية إلي جانب الجاذبية الجماهيرية.. والابتعاد قدر الإمكان عن النمطية والتكرار.. ومضغ الطعام أكثر من مرة حتي لو كان جيدا.. ما يجعله آخر الأمر منفرا وغير قابل للهضم.

ونأتي أخيرا للسينما.. جوهرتنا الكبري.. التي كسحنا بها الأسواق العربية كلها بحيث أصبح اصطلاح كلمة السينما العربية يعني السينما المصرية فقط.. وذلك خلال عقود وعقود من السنوات.

ولكن ها هي سينمانا أيضا تسقط في فخ التجارية السمجة والابتذال الضاحك وتغسل تماما عقل الجمهور الكبير وذوقه.. بحيث أصبح يفضل أفلاما من طراز «حاحا وتفاحة» علي أفلام من نوعية «ملك وكتابة» أو «دم الغزال».. وهذا في رأيي وصولنا إلي قاع القاع في رؤيتنا السينمائية.. لأن السينما كما نعرف جميعا فن يعتمد علي الجماهير لا علي الفئة المختارة من المتفرجين.. وأن أفلاما وثيقة مهما بلغ شأنها لا يمكن أن تقاوم موجة إفساد الذوق وهبوطه إلي هذا المستوي من التدني.

وبرزت إلي الأمام سينمات لم يكن لها وجود.. عندما كانت سينمانا تقدم «الأرض» و«المومياء» و«البوسطجي» وسواها من الأعمال الرائعة.. وهكذا تقدمت السينما السورية التي تدعمها الدولة بأفلام متميزة مؤثرة.. وشطحت السينما اللبنانية شطحات لم نكن لنتصورها من بلد أرهقته حرب أهلية استمرت فوق السبعة عشر عاما.. ولكنها لم تقتل في نفس فنانيها السينمائيين النبض الحقيقي للسينما الحقة.. ولحقت السينما المغربية بإمكانياتها وذكائها بالتعامل مع المحيط السينمائي الخارجي بعدد أفلامها المنتجة إلي رقم يقارب العدد الذي تنتجه السينما المصرية ذات المائة عام من العمر.. وحتي تونس رغم قلة إنتاجها عرفت من خلال إنتاج قليل متميز أن تلفت إليها الأنظار.

لم تعد السينما المصرية إذن كما كانت قبلا هي السينما العربية.. بل تراجعت لتكون السينما المصرية التي يمكن مقارنتها بالسينمات العربية الأخري.. بل وتفضيل بعضها عليها!!

كل هذه الأفكار تلاحقت في رأسي وأنا أشاهد العرض المبهر الاستعراضي الذي قدمته فرقة «أنانا» السورية علي شكل أوبريت راقص وغنائي باسم «جوليا دومنا» وهي الملكة السورية زوجة الإمبراطور السوري سبتيموس الذي ساعد الرومان علي دحر جيوش الجرمن البدائية وإنقاذ روما قبل أن يقتله قائد خائن لجيشه ويستولي علي السلطة.

جوليا هي الملكة التي عشقت الفن والوطن.. ووقفت إلي جانب زوجها وكرست حياتها للجمال والحب بعد مصرعه.. وانجبت ابنه الإمبراطور «كاراكلا».

حكاية هذه الملكة.. قدمتها فرقة «أنانا» بطريقة مسرحية رائعة مستلهمة فيها أعمال الرحبانية الغنائية خصوصا «بترا» وأعمال كاراكلا الاستعراضية التي جابت الدنيا.. مقدمة رؤيتها الخاصة من خلال مديرها ومخرجها «جهاد مفلح» الذي أنشأ هذه الفرقة ومولها ودربها وخاض بها التحدي الكبير وجعلها تقف علي قدميها بموهبته وعناده وقدرته علي التحدي.

في «جوليا دومنا» رؤية تاريخية موسيقية لأحداث قديمة.. عرف المخرج كيف يخرجها مع الواقع الحديث من خلال قصيدة واحدة لـ «محمود درويش» نقلتنا من جو روما وسوريا الخاضعة للسلطة الرومانية إلي جو فلسطين.. والبلاد العربية والانقسامات والخلافات والخيانة التي تعصف بها.

استغل «مفلح» كل ما يمكن استغلاله من إضاءة مسرحية شديدة الذكاء.. ومن تنويعات استعراضية وكوريجرافية مبتكرة.. وأزياء أقل ما يقال عنها إنها وصلت إلي درجة من الإبهار لم نتعودها في أي عرض مسرحي عربي بما في ذلك عروض «كاراكلا» الشهيرة.. اللياقة الجسدية التي يتمع بها الراقصون والراقصات.. استغلال حركات الجمباز إلي جانب حركات الباليه التقليدية.. وحركات الباليه الحرة.. إدماج الغناء والشعر في لب الدراما التاريخية وإضفاء جو الاستعراض عليها.

كل ذلك قادنا إلي الوصول إلي نتيجة مسرحية غنائية واستعراضية قل أن شهدها مسرحنا المعاصر.. (إلا كما قلت في عروض الرحبانية وكاراكالا).

كما قادني إلي أن أتذكر بدايات المسرح الاستعراضي والغنائي القائم علي الدراما الشعرية وعلي التاريخ والأسطورة.. قد بدأ لدينا ومن خلال مسارحنا.. رغم الإمكانيات الفنية القليلة التي كانت متاحة آنذاك.. والتي استطاعت العبقرية المسرحية أن تتجاوزها لتقدم أعمالا استعراضية غنائية.. عندما نذكر أسماء بعضها يخيل لنا أننا نحلم.

مسرحيات أبو خليل القباني الغنائية والتاريخية.. روايات منيرة المهدية.. وعبده الحامولي.. أوبريتات سيد درويش وزكريا أحمد.. وسواهم وسواهم.. من أرسوا قواعد هذا الفن المدهش الذي أهملناه.. وأودعناه مخازن الذاكرة مفضلين عليه أساطين الغناء الغربي.. بينما تلقفت بلاد عربية أخري هذا الفن ذا الجماهيرية الواسعة لتجعل منه منبرا لها وسفيرا فوق العادة.

وإنني إذ أذكر «جوليا دومنا» والروايات الاستعراضية الأخري التي قدمتها فرقة «أنانا».. كزنوبيا.. وأجراس القدس الدمشقية.. وأبناء الشمس وحكاية بطل وليلة مرصعة بالنجوم.. وليالي أحمد بن ماجد.. وعين اليقين وشام شريف.. وعاشقات المجد.

عشر مسرحيات غنائية استعراضية خلال ستة أعوام فقط من عمر الفرقة.. التي تعمل بجهد خاص وبحماس أعضائها والمشرف عليها.

ونحن.. بناة هذا النوع المسرحي الخاص الجماهيري بامتياز ننظر حولنا.. ونتساءل بحسرة.. أين كنا.. وأين أصبحنا.. وهل بتنا تلاميذ نتلقي الدروس من غيرنا؟!

جريدة القاهرة في 7 مارس 2006

 

سينماتك

 

هاشم النحاس يكتب:

ترجمنا 97 كتابًا سينمائيا فقط خلال القرن العشرين.. أليست هذه فضيحة قومية؟!

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك