مثل لقاء الربيع والخريف يأتى لقاء بطلى فيلم ملك وكتابة، فى واحد من الأفلام النادرة فى السياق المعاصر للسينما المصرية، كأنه نسمة هواء رقيقة فى حر قائظ لافح من الأفلام السوقية أو المصطنعة التى تكتم على نفسك وتجعلك تخرج من هدومك، لكنك أخيراً مع ملك وكتابة تتنفس بملء رئتيك وتفتح عينيك على اتساعهما لترى كيف يمكن للسينما المصرية أن تصنع سينما بالمعنى الحقيقى للكلمة، فى تجربة يمكن أن تعتبرها الأولى -حتى لو سبقتها تجارب أخري- لصناع هذا الفيلم الذين يستحقون جميعاً أن نذكر ونتذكر أسماءهم: كاملة أبو ذكرى مخرجة، وأحمد الناصر وسامر حسام كاتبين للسيناريو، أحمد مرسى مديراً للتصوير.

إنها تجربة شابة بحق وإن كانت تحمل بعضاً من حكمة وسينما الكهول الذين كانوا حتى وقت قريب يفيضون بحماس الشباب لولا أن التغيرات السياسية والفكرية والاقتصادية جعلت أكتافهم تنوء بالأثقال والأحزان.

هناك مشاهد عديدة فى فيلم ملك وكتابة تستدعى إلى ذاكرتك بعضاً من أفلام محمد خان الدافئة التى كانت تتحدث فى أسى وشجن عن حال الطبقة المتوسطة خلال الثمانينات، وأرجو أن تتأمل اللقطة الأولى بعد انتهاء التيترات عندما تطوف الكاميرا فى صمت بشرفات البيوت العتيقة ذات الطراز الخاص فى حى مصر الجديدة عندما كانت جديدة، ولتسأل نفسك كم مرة شاهدت مثل هذه اللقطة فى أفلام محمد خان، تلك الشرفات التى تبدو مغلقة الأبواب وكأنها تطوى وراءها أحزان ومخاوف ساكنى هذه البيوت، إنه خوف الطبقة المتوسطة من مزيد من السقوط عبر السلم الاجتماعي، فى سياق ينزع عن هذه الطبقات جذورها وينكر عليها أحلامها، لذلك فإن الكهول من أمثالى ينظرون إلى الاضطراب المعاصر المسيطر على مجتمعنا ويحاول كل منا بطريقته أن يجد لهذه الفوضى تفسيراً ويضفى عليها نظاماً ويطلق عليها اسماً، أو أنه يفعل مثل بطل الفيلم محمود عبد السلام محمود حميدة عندما ينصب من نفسه مراقباً للواقع يطلق عليه أحكامه الذهنية- الخالية من الحياة فى الأغلب- مفضلاً أن يقف على الشاطيء رافضاً النزول إلى البحر الذى لاتتوقف أمواجه عن الحركة والتدفق، بينما يظل صاحبنا فخوراً بأن قدميه لاتبتلان بالماء، أو فلتقل بالأحرى إنه يخاف من هذا البلل.

يختار الفيلم أسلوب التعليق من خارج الكادر، يحكى لنا فيه محمود عبد السلام حكايته، وهو أسلوب سينمائى عاد بعد غياب طويل عن السينما المصرية لولا بضع محاولات من الكهل الشاب داود عبد السيد وتلميذه هانى فوزى وآخرين قليلين. سوف نعرف من الدكتور محمود عبد السلام أنه أستاذ للدراما فى معهد الفنون المسرحية، ليس فى منزله أو داخل عقله ووجدانه إلا الشهادات والكتب واللقب الذى لايتخلى عنه أبداً، ومن الطريف أنك تشعر أحياناً بأن صناعى الفيلم يشيرون ربما بطرف خفى إلى أحد أساتذتهم أو حتى إلى العديدين منهم، هؤلاء الذين يرددون كلمات جوفاء بلامعنى أو أنهم لم يدركوا معناها أبداً، مثل تلك العبارة الأثيرة عن الدكتور محمود عبد السلام بأن الشكل والمضمون وجهان لعملة واحدة أو الملك والكتابة، وبقدر ما فى هذه العبارة من تبسيط مخل إلا أنها تقترب من الحقيقة كثيراً، ومع ذلك فإن الدكتور محمود لم يدرك أن شكل حياته الرتيب يعبر فى جوهره عن خواء مضمون هذه الحياة.

يمارس الدكتور محمود حياته فى العمل والمنزل كأنها يوم واحد طويل، متصوراً أن كل شيء فى مكانه الملائم تماماً، وفى فرسكة ميكى ماوسية يتتابع فوتومونتاج لهذه الحياة: بدءاً من طقوس الجنس الفاترة مع زوجته عايدة رياض وتناوله الطعام معها دون كلمة واحدة، ومروراً بتلميع حذائه وحتى دخوله إلى المعهد حيث يهرب طلبته من أمامه خوفا منه بينما يبتسم هو فى سادية. المشكلة أن على الوجه الآخر لهذا الملك لاتوجد كتابة، بل عملة ماسحة زائفة، عليها بعض خربشات يتصورها ذات معني، مثلما يقول عن نفسه إنه قد نجح فى أن يجد النظام داخل الفوضي. سوف يستيقظ الدكتور محمود من غفلته ذات يوم فيجد أن الفوضى تضرب أطنابها فى نظام حياته المصطنع، عندما يكتشف أن زوجته تخونه فى غيابه، وهى الخيانة التى لايقدمها الفيلم باعتبارها خطيئة بالمعنى التقليدى للكلمة، بل نتيجة لهذه الحياة التى تخلو من رحيق الحياة.

يتداعى نظام الدكتور محمود أمام عينيه فى لحظة واحدة، وفى أسلوب رقيق يعتمد على الحذف البلاغى نرى الرجل وقد أصبح حطاماً يسجن نفسه فى غرفة صديقه عبده لطفى لبيب، أو يذهب إلى المعهد فى وجوم ليرقب ويسمع سخرية طلبته منه، وتقوده قدماه فى مساء ما إلى أحد المقاهى مرة أخرى تتذكر بعض أفلام محمد خان وعاطف الطيب. وفى فوتومونتاج آخر يكتشف الدكتور محمود فى رواد المقهى جمهوراً جديداً لايعرف المأساة التى مر بها، فكأنه وجد التعويض عن صورته التى اهتزت أمام نفسه وأمام من يعرفونه عن قرب، أو كما يقول عن نفسه: كان ده هو الحل، أقول للناس اللى أنا عاوزه وأرسم الصورة اللى اخترتها للدكتور محمود. لكن ذلك الوهم البديل الجديد لن يستمر طويلاً، إذ تظهر فى المقهى ذات يوم ممثلة الكومبارس الشابة هند هند صبرى فتعرفه على النور أرجو أن تتأمل لحن الجيتار الإسبانى المصاحب لظهور هند وهى القادرة بحكم مهنتها وشبابها أن تكشف عن زيف حكاياته عن نفسه مما يؤدى إلى الصدام بينهما، لكن شيئاً فشيئاً يقترب كل منهما من الآخر، وللمرة الأولى ينزل الدكتور محمود -أستاذ التمثيل الذى لم يمارسه أبداً- إلى البحر عندما تدعوه هند لمكان تصوير بعض الأفلام ليس غريباً أن يكون محمد خان وخيرى بشارة بشخصيتهما الحقيقية هما المخرجان، حيث يضيع وسط الزحام فى تناقض مع اللقطات الأولى التى تصوره ملكاً على منضدة المحاضرة أمام رعاياه من الطلبة.

إن شئت الحقيقة فإن هند كانت أول من امتلك الجرأة على أن يصارح الملك بحقيقته بأنه ليس إلا ملكاً عارياً برغم تصوراته أنه يرتدى أفخم الثياب، ومعها سوف يلمس نبض الحياة الحقيقية، وإن كان الفيلم برهافة لا يمكن إنكارها لم يقع فى حدوتة الحب المصطنع بين الكهل والشابة، لكن أرجو أن تتأمل المشهد الذى يشاهدان فيه أحد الأفلام معاً فى منزله ليغط فى النوم العميق على كتفها بعد أن لازمه الأرق طويلاً. سوف يجرب محمود التمثيل فى مشهد يثير الضحك والشفقة معاً، مما يدفعه للتقوقع مرة أخري، حتى يعود للتمثيل فى دور يضيف له سطوراً من عنده كأنه يعيش تجربة خيانة زوجية من جديد، وهكذا يدرك للمرة الأولى أن الحياة والفن وجهان لعملة واحدة، وأنه مهما طال الخريف فلابد أن الربيع آت، مثلما أتى هذا الفيلم الرقيق وسط طوفان السينما الغليظة، وإن كانت المشكلة أن فصل الربيع قصير فى بلادنا، فبعد أيام قليلة من النسمات التى تحيى الروح تهجم علينا رياح الخماسين، خماسين حاحا وتفاحة وويجا وفتح عينيك، وإن كان من الأفضل أن تغلقهما قبل أن يؤذيهما قذى أفلام بلا شكل أو مضمون، بلا ملك أو كتابة!

العربي المصرية في 5 مارس 2006

 

التوزيع‏..‏ قتل فرحتهم بنجاح الفيلم

ملك وكتابة حمل شهادة الميلاد لنجوم جدد في التأليف

أجرت الحديث‏-‏ زينب هاشم  

من بين عشرات الأفلام التي قدمتها السينما المصرية في الفترة الأخيرة توقف النقاد والجمهور أمام فيلم ملك وكتابة الذي حمل لغة سينمائية متميزة تمثلت في الشكل الفني الجديد وبكارة السيناريو وما يحمله من أفكار‏,‏ والتي كان وراءها موهبتين جديدتين هما سامي حسام‏,‏ خريج معهد السينما قسم إخراج لعام‏1987‏ وأحمد الناصر خريج كلية السياحة والفنادق‏,‏ وقد نجحا من خلال هذا الفيلم في كتابة شهادة الميلاد الفني لكلا منهما كسيناريست‏.‏

الأهرام العربي التقت بهما في حوار تحدث فيه عن بداياتهما وعودة فكرة الورشة إلي الكتابة السينمائية‏.‏

بداية يقول أحمد الناصر‏:‏

هذا الفيلم بدأنا العمل عليه منذ‏6‏ سنوات وفور استقرارنا علي الفكرة قررنا أن يكون هو أول عمل نتقدم به للسينما قمنا بتحويله من قصة إلي سيناريو ثم أعدنا كتابته أكثر من مرة‏,‏ وبعد قراءة مخرجة الفيلم كاملة أبوذكري للعمل أضفنا تعديلات أخري‏,‏ وذلك لإيماننا بأن كل مخرج وله وجهة نظر ومن الطبيعي أن تكون لها ملاحظاتها‏,‏ لكن في النهاية اتفقنا علي كل التفاصيل‏,‏ وبدأنا التصوير بعد ذلك أما قصة الفيلم فأنا مؤمن بها جدا ومقتنع تماما بأن هذا النوع من الشخصيات موجودة في حياتنا وربما يكون هو سبب مشاكلنا في الحياة وهي شخصيات الفيلم سواء كانت الشخصية التي قدمها الفنان الكبير محمود حميدة أو حتي شخصيتي هند صبري وخالد أبوالنجا‏,‏ وعن اختياره لشخصية دكتور في معهد فنون مسرحية‏,‏ حيث هي مهنة البطل قال‏:‏ لو كنا اخترنا مهنة أخري لتكون شخصية محامي أو محاسب فلن يكون هنا جديدا‏,‏ لأن المعروف عن هذه الشخصيات الجدة‏,‏ وعندما يكون نظام حياتها روتيني بشكل يتفق مع تفاصيل الشخصية الموجودة ضمن أحداث الفيلم تصبح كل أحداثها متوقعة‏,‏ لأن الشخصيات الجادة ظروف حياتها جاءت في الفيلم‏,‏ لكن من الصعب أن يكون هناك أستاذ في معهد الفنون المسرحية المفترض إنه يتعامل مع الفن ويدرسه ولديه طلبة من المتوقع أن يصبحوا ممثلين وممثلات المستقبل‏,‏ ومع ذلك يحمل هذه الأفكار المتشنجة ويتبع دائما الطريقة الأحادية في التفكير‏,‏ لذلك قصدت أن أقدم هذه الشخصية في هذه المهنة حتي تبدو المسألة متضخمة ومن الطبيعي أن مثل هذه الشخصيات يتم تناول حياتهم والكتابة عنهم سواء بشكل إيجابي أم سلبي‏.‏

·         وعن تقديمه لنوعية الأعمال الاجتماعية خاصة وأنه منذ فترة بسيطة بدأ تصوير فيلم اجتماعي آخر يحمل اسم لعبة الحب؟

نقدم أفلام اجتماعية لأننا مؤمنين بها خاصة فيلم ملك وكتابة‏,‏ كما أشرت استغرق‏6‏ سنوات حتي يخرج إلي النور‏,‏ وكان من الممكن ألا يتم إنتاجه أصلا‏,‏ لكن لحسن الحظ بعد أن وافق علي إنتاجه جهاز السينما صادف أن الأفلام المعروضة في نفس الموسم الذي تم فيه عرض ملك وكتابة كانت تحمل تنوعا كبيرا في الموضوعات والألوان المقدمة‏,‏ فكان هناك فيلمين اجتماعيين وفيلم أكشن وأفلام كوميدية‏,‏ وهذا لم يحدث منذ خمس سنوات‏.‏

·         معني ذلك أن هناك جهات رفضت إنتاج الفيلم؟

بالطبع كل شركات الإنتاج الموجودة حاليا رفضت تقديمه‏,‏ وأعتقد أن السبب في تقديمه هو تحمس جهاز السينماالذي قبل إنتاجه وبعد أن انتهينا منه قمنا بكتابة أعمال أخري منها فيلم لعب الحب‏.‏

وعن فكرة العمل المشترك وعودة نظام الورشة إلي التأليف السينمائي أكتشفت أنا وسامي حسام بالتراكم أننا أصحاب ونعشق تناول السينما بنفس الطريقة ونختلف مع بعضنا في أشياء‏,‏ لكن نعرف كيف يكون الاختلاف في الآراء‏,‏ ونعود لنتفق مرة‏,‏ وأعتقد أن عملنا المشترك مع بعض لا يعد غريبا وفريدا‏,‏ لأنه في الخارج من الممكن أن يشترك ثلاثة أو أربعة أشخاص في كتابة سيناريو واحد‏,‏ لأن الكتابة للسينما في حاجة لأكثر من شخص‏,‏ وكل واحد بطريقة تفكير مختلفة‏,‏ وهناك ورش عمل للسيناريو تتآلف في بعض الأحيان من عدد كبير من الأشخاص‏,‏ وقد يصل عددهم إلي‏15‏ شخصا‏,‏ والغريب أن هذه الظاهرة اختفت ولم تعد موجودة‏,‏ مع زأنها مهمة جدا في مجال الكتابة‏,‏ وسبق وشهدتها السينما المصرية‏,‏ لكن هذا ليس معناه أن كل واحد منا لا يجيد كتابة سيناريو بمفرده‏.‏

وأنا أري أن التجربة كانت موفقة‏,‏ وإن كنت غير راضي عن ما حققه الفيلم من إيرادات‏,‏ لأنه للأسف الإيرادات تعني إقبال جمهور‏,‏ وأنا أقدم الفيلم لكي يراه الجمهور‏,‏ وللأسف أيضا ماحدث لا يصح لنا أن نتهم فيه الكتابة أو السينما‏,‏ لكن نتهم الجمهور حتي ولو أشاد به النقاد‏,‏ لأنني لن أكتب علي أفيش الفيلم لقد أشاد به النقاد‏.‏

ويتفق سامي حسام مع نفس وجهة النظر ويضيف قائلا‏:‏ من أسس العمل الجماعي أنه يحتاج كل شخص لفكر الآخر‏,‏ وهنا ما حدث في فيلم ملك وكتابة لم يحدث غير ذلك‏,‏ لأن فكرة العمل المشترك‏,‏ كانت بعيدة عن أن هناك شخص كانت لديه الفكرة وعرض علي العمل لأوافق وأرفض المشاركة فيه‏,‏ وإنما هو عمل تقاسمناه من البداية وحتي النهاية‏,‏ وعندما حكي لي أحمد قصة الفيلم أعجبت بها جدا‏,‏ وأكثر ما أعجبني بها أنها إنسانية‏,‏ وتحمل معاني جيدة‏,‏ كما أنها تعبر عن أفكار وجودة في المجتمع ونعيش بها‏,‏ ونحن غيرمكتشفين بأنها بحاجة للتغيير‏,‏ وربما تكون هي أهم أسباب مشاكلنا الحقيقية‏,‏ والحمد لله بعد عرض الفيلم‏,‏ كثير من أفكار الفيلم وصلت إلي الجمهور‏,‏ أما عن النقد أنا سعيد بآراء النقاد التي جاءت في صالح الفيلم‏,‏ وإن كان المؤلف يقرأ النقد ليكتشف ما وصل منه من أفكاره لمن يشاهد الفيلم خاصة المتخصصين مثل النقاد‏,‏ لكن للأسف ما حدث من جانب الموزعين مع الفيلم أضر به بشكل كبير‏,‏ وانعكس علي إيراداته‏,‏ وتلك هي أزمة السينما المختلفة في وقتنا إنها لا تجد الدعم الكافي من جانب الموزع وصاحب دور العرض‏.‏

الأهرام العربي في 4 مارس 2006

 

هندي صبري تؤكد شهادة النقاد أهم من الإيرادات‏:‏

ملك وكتابة من أهم أفلامي وسيبقي في ذاكرة السينما

أجرت الحديث ـ زينب هاشم 

هند صبري من النجمات أصحاب الموهبة الشديدة‏,‏ والوعي الثقافي فهي تملك حسا إنسانيا عاليا وتشهد تألقا خاصا يضفي علي موهبتها بريقا مميزا‏,‏ هند تملك تجربة ثرية في السينما العربية وكما كانت بدايتها الفنية مختلفة مع صمت القصور فهي مازالت تصر علي الاختلاف والتمييز في كل اختياراتها الفنية وقد تكون السينما التونسية هي التي أصقلتها بفكرة الاختلاف والرهان علي السينما التي تبقي في الوجدان والذاكرة وعن فيلمها ملك وكتابة الذي لم يأخذ حقه في النجاح بسبب مؤامرات التوزيع‏,‏ علي الرغم من تميزه وعن مشاركتها الأخيرة في مهرجان برلين السينمائي الدولي تحدثت لـالأهرام العربي‏.‏

·         شاركت في مهرجان برلين الدولي بفيلمك عمارة يعقوبيان كيف ترين التجربة؟ وماذا عن ردود الأفعال؟

مشاركتي في مهرجان برلين من أجمل التجارب التي عشقتها في حياتي وأعادت لي ذكريات مشاركتي في مهرجان كان الدولي وأنا فتاة لم تبلغ الرابعة عشرة‏,‏ مع المخرجة التونسية مفيدة التلاتلي بفيلمنا صمت القصور والذي حاز وقتها علي جائزة الكرة الذهبية‏,‏ لذلك فالمشاركة في مهرجان برلين الذي يعد ثاني أكبر المهرجانات السينمائية في العالم شيء كبير جدا بالنسبة لي ويكفي أن هناك نخبة من عشاق السينما في العالم شاهدوا الفيلم ليس ذلك فقط بل قابلوه بحفاوة شديدة وهذا ما أسعد أسرة العمل بأكملها وأظن أنه شيء مشرف أن تعود مصر إلي مهرجان برلين بعد غياب عشرين عاما‏.‏

·         تجسدين في عمارة يعقوبيان دورا من أصعب الأدوار كيف تعاملت مع الشخصية؟

دعونا نتفق أن كل أدوار العمل مهمة للغاية‏,‏ وكل من شارك في هذا العمل‏,‏ كلنا واجهنا صعوبة في الشخصيات وهذا ممتع للممثل سواء دور بثينة الذي قدمته أم زكي باشا الذي قدمه الرائع عادل إمام وكذلك دور العبقري نور الشريف وأعتقد أن الشخصيات المركبة والتي تحمل أبعادا متعددة‏,‏ تعطي للممثل متعة خاصة أثناء تجسيدها لأنها تحمل تحديا للفنان وأؤكد أن الجمهور سيرانا بصورة جديدة لم يعتادها خاصة أن المخرج مروان حامد موهوب جدا‏,‏ والسيناريو لكاتب كبير وحيد حامد كما أن شركة الإنتاج جود نيوز وفرت لنا نمط إنتاج هوليوودي‏.‏

·         ماذا عن شخصية بثينة تحديدا؟

صعوبة شخصية بثينة إنها فقيرة ومضطهدة ولكنها في نفس الوقت صاحبة شخصية قوية وتعرف كيف تتسلق السلم الاجتماعي ولآخر لحظة في أحداث الفيلم تظل هي الضحية‏.‏

·         فيلم ملك وكتابة شهد تجربة سينمائية جديدة بالنسبة لك ما تقييمك للتجربة؟

الحمد لله الفيلم ناجح جدا علي كل المستويات سواء النقدية أم الفنية وأنا عن نفسي أسمع تعليقات كثيرة تؤكد نجاح العمل لذلك أنا سعيدة جدا بهذا الفيلم لأنه فيلم محترم وكل عناصره جيدة بدءا من الكتابة لسامي حسام وأحمد الناصر ومخرجته كاملة أبو ذكري وأبطاله أيضا شديدوا التميز سواء كان النجم محمود حميدة أم خالد أبو النجا وكل من شاركنا العمل‏.‏

·     ملك وكتابة قدمت شخصية كومبارس في ملك وكتابة وهي شخصية مغرية دراميا لكن في نفس الوقت قد ترفضها الكثير من النجمات تقديمها؟

عندك حق فالشخصية مغرية جدا لأي ممثلة واعية لذلك قبلتها دون تردد فهي شخصية كومبارس تحاول الصعود من منطقة إلي أخري وتبحث لنفسها عن مكان داخل هذا الوسط المليء بالتناقضات وتلك المنطقة ثرية جدا دراميا وهي جديدة علي السينما‏,‏ وقدمتها مخرجة واعية هي كاملة أبو ذكري‏.‏

·         هذه هي المرة الأولي التي تلتقين فيها بالنجم محمود حميدة وهو ممثل شديد الموهبة كيف كانت تجربتكما معا؟

لم أخش من محمود حميدة علي الرغم من أن ملك وكتابة كان لقاءنا الأول‏,‏ وبالطبع هو الذي أعطاني الإحساس بالأمان منذ أول يوم تصوير‏,‏ واستطاع أن يحتويني لدرجة أنني لم أشعر بالقلق أو التوتر وهذا أجمل شيء في فنان بحجم محمود حميدة يمتلك قدرات تمثيلية مرعبة وهائلة ولذلك استفدت جدا من العمل معه وكذلك استمتعت‏.‏

·         علي الرغم من الأراء النقدية التي جاءت لصالح الفيلم إلا أن الفيلم لم يحقق نجاحا تجاريا؟

شهادة النقاد وتقديرهم عندي أنا أهم من أية إيرادات وأعتقد أن الفيلم سوف يشارك في مهرجانات كثيرة ونسبة حصوله علي جوائز نسبة عالية‏,‏ أما مسألة الإيرادات فالكل يعرف أن الفيلم لم يأخذ حقه في التوزيع وهذا ظلم ووصلت المسألة أن الجمهور كان يذهب إلي دور العرض ويسأل عن الفيلم فيجد أن أصحاب السينما كانوا يرددون أن الفيلم عير موجود لأنهم فضلوا عرض الأفلام الكوميدية علي حساب فيلمنا وكذلك فيلم دم الغزال‏.‏

·     شاركت في بطولة الفيلم الذي يحمل بعض العناصر السينمائية الجديدة فهو التجربة الأولي لكاتبي السيناريو والحوار سامي حسام وأحمد الناصر والتجربة الثانية لكاملة أبو ذكري ألم تخشين من المجازفة؟

إطلاقا لم أفكر في ذلك لأنه الفيلم هو التجربة الأولي لكاتبي السيناريو وأنا قرأت ورق الفيلم وأعجبني جدا كما تحمست للعمل مع المخرجة كاملة أبو ذكري وأري أنها تحمل فكرا جديدا وأعتقد أن نجاح التجربة أثبت ذلك وأثبته أيضا أراء النقاد عند عرضه في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي وكان ذلك خير شهادة ووساما علي صدر كل الذين شاركوا في الفيلم والأهم هو اعتزازي بالعمل مع الفنان الكبير محمود حميدة‏.‏

·         في نفس توقيت عرض فيلم ملك وكتابة عرض لك فيلما آخر وهو بنات وسط البلد أي الفيلمين كان الأقرب إليك؟

لأن كل عمل منهما مختلف تماما عن الآخر فملك وكتابة بالنسبة لي تجربة تستحق كل التقدير وبنات وسط البلد هو عمل أعاد المخرج الكبير محمد خان إلي الإخراج وإلي السينما مرة أخري بعد توقف سنوات طويلة وأعتقد أنه عمل يعد مكسب للسينما المصرية أما المكسب الخاص بي فهو مشاركتي في هذا العمل وهو المختلف عما تقدمه السينما حاليا ومشاركتي أيضا لمخرج بحجم محمد خان‏,‏ إلي جانب أن أحداث الفيلم موضوعه كان جديدا في تناولة لهموم الفتيات اللاتي يجدن في منطقة وسط البلد مقرا لعملهن وهذا النموذج يقدم لأول مرة وأعتقد أن الفيلم بشكل عام أصاب الجمهور بدهشة تغير من مفهومه ونظرته للسينما بعد أن ظل سنوات طويلة مشاهدة هوجة أفلام بعينها‏.‏

·     أغلب ما قدمت في السينما يدور في فلك الموضوعات الاجتماعية وحاليا تشاركين في بطولة فيلم لعبة الحب الذي ينتمي لنفس المنطقة فهل ترفضين الأفلام الكوميدية؟ وماذا عن هذا الفيلم؟

لا أرفض الكوميديا وإنما أفضل المشاركة في عمل الكوميديا فيه موجودة منذ بداية العمل وحتي نهايته وتكون البطولة فيه نسائية فلا أحب أن أكون مجرد سنيدة للبطل الكوميديان‏,‏ أما عن فيلم لعبة الحب فهو التجربة الثانية التي تجمع بيني وبين كاتبي السيناريو سامي حسام وأحمد الناصر والحقيقة استمتعت جدا بسيناريو الفيلم لأنه يدخل منطقة اجتماعية جديدة علي تماما وأشارك فيه بالبطولة مع مجموعة من النجوم هم بسمة وبشري وخالد أبو النجا ومحمد سليمان وهي التجربة الإخراجية الأولي لمحمد علي وبرغم أنه يحمل تجربته الأولي إلا أنه مخرج لديه حس فني عال جدا وله تكنيك سينمائي كبير وأنا سعيدة جدا بمشاركته لهذا العمل وأقدم في الفيلم شخصية فتاة مصممة أزياء تعمل في محل ملابس وتتقابل مع خالد في الفيلم وتحدث بينهما مشادات كثيرة ليصبحا أقرب إلي ناقر ونقير وسرعان ما تتقلب هذه العلاقة إلي الفن بشكل كوميدي لطيف‏.‏

·         هل شغلتك كثرة الأفلام التي تقديمها في السينما المصرية عن المشاركة في السينما التونسية؟

الممثل يمثل في أي دولة في العالم ولو عرض علي أي فيلم في مصر أو تونس أو المغرب ووجدت فيه حسا جيدا وشعرت أنه سيقدمني بشكل جديد لم أتردد في تقديمه أما عن السينما التونسية فلم أبتعد عنها ومازالت أشارك فيها كلما أتيحت لي الفرصة لأن السينما التونسية من وجهة نظري تحمل الحضور والقوة وتطرح أعمالا تغازل السينما المحلية والعالمية معا وكانت بدايتي في هذه السينما وهذا المناخ والحمد لله أنني نجحت في طرح رؤيتي الفنية من خلالها‏.‏

الأهرام العربي في 4 مارس 2006

قراءة جديدة لفيلمه باب الشمس

يسرى نصر الله والثعالب التى تفسد الكروم

عزمى عبد الوهاب 

لست ناقدا سينمائيا، لكن فيلم باب الشمس للمخرج المجنون يسرى نصر الله فتح جروحاً عميقة بداخلي، تخص المهنة التى نعمل بها أولا وصناعة السينما ثانيا، فالجدية والعمق اللذان تناول بهما يسرى نصر الله مأساة النكبة الفلسطينية منذ بداية العام 1947 الى ما بعد اتفاقات أوسلو، عبر شريط فيديو امتد قرابة الأربع ساعات، وتم عرضه أخيرا فى نقابة الصحفيين، كان بمثابة صفعة على قفا مساعد رئيس تحرير الصحيفة العريقة، الذى يرى أن تطوير صحيفته، لا يمر إلا على جثة الرصانة التى اتسمت بها طوال تاريخها الذى تجاوز قرنا من الزمان، تغيرت فيه أسماء الحكام والمناخات السياسية، والثقافية والاقتصادية والاجتماعية فى وطن بأكمله، وظلت الصحيفة محافظة على رصيدها من القراء بما يتجاوز المليون قارئ أحيانا.

وكأنى بمساعد رئيس التحرير هذا يسعى الى تحويل الجريدة العريقة تدريجيا الى ذلك الغراب الذى حاول تقليد مشية غيره فنسى مشيته، فالتطوير لدى الرجل يعنى أن تتخلى الجريدة عن جديتها، لتعلم القراء الاتيكيت، وكيفية الاحتفال بعيد الحب، والترويج لكليبات العرى الساخنة، وقريبا ستتم الاستعانة بصدور وأوراك المطربات، رهانا على قارئ مراهق لا ولن يشترى الجريدة التى بنت تاريخها على أساس ما تتمتع به من وقار والتزام فى معالجة الظواهر المجتمعية حتى لو كانت طارئة.

الأساس فى كل هذا يكمن فى رؤية الزميل من أن الناس تحتاج إلى مثل هذه التفاهات، وهو هنا لا يختلف عن كثيرين روجوا لفكرة السينما النظيفة فكانت النتيجة تفريغ وجدان الناس وجيوبهم بأفلام مثل حاحا وتفاحة. وغيره من أفلام تضحك على الناس لا تضحكهم، لأن صناع هذه السينما مشغولون بأن يكون لهم فى كل موسم فيلم ويكمن الحل فى مجموعة افيهات جنسية وسيناريوهات سطحية، وممثلات يحترفن الاعتزال أو ارتداء الحجاب ثم خلعه، لأنهن صدقن أن هناك سينما نظيفة وأخرى لا مؤاخذة غير ذلك. وللمخرج الجميل يسرى نصر الله أن يفخر بأنه لا يقدم تلك النوعية من الأفلام، ولا يتحرج من أن تذكر بطلتاه فى فيلم باب الشمس كلمات مثل شرموطة وقحبة بالفم المليان والتدقيق فى مخارج الحروف حتى يسمع من أصاب الصمم أذنيه، فالمأساة التى تعرض لها الشعب الفلسطينى أكبر من أن تقف أمام هذه الكلمات البذيئة لتحاكمها بسيف الأخلاق وشيزوفرينيا صديقنا مساعد رئيس تحرير الصحيفة العريقة وكاتب السيناريو الذى يكتب سيناريوهات تافهة ليلا ويلعن أبو الشعب المستسلم لفساد حكامه نهارا.

لقد اختصر نصر الله هذه الفكرة فى أحد مشاهد الفيلم حين ألقى الصهاينة القبض على نهيلة بطلة باب الشمس ليسألوها عن زوجها الغائب يونس، وكيف تنجب منه كل عام طفلاً، من غير أن تعرف مكانه، ففضحت أخلاقيات هؤلاء الصهاينة الزائفة، حين قالت لهم: أنا شرموطة فاستنكروا عليها ذلك، وبدت فى نظرهم انسانة سيئة، فقالت لهم، أنتم الذين يجب أن تخجلوا من أنفسكم لأنكم سرقتم وطناً، وهكذا ايضا يسرق صديقنا مساعد رئيس التحرير أقدم صحيفة فى الشرق الأوسط.

وتصل حرفية نصر الله فى الفيلم حين نقل لنا غيبوبة يونس البطل المقاوم طوال شريطه، لقد تحولت المقاومة الى جسد غائب عن الوعي، يحاول الطبيب أن يعيد إليه الوعى بسرد الحكايات البطولية عليه وعلينا، لينتقل هذا الطبيب من خانة الوعى السلبى المهزوم الى خانة الوعى الايجابى حين يعبر النهر فى آخر الشريط الى فلسطين لينفذ وصية زوجة يونس فيغلق مغارة باب الشمس، التى كانا يلتقيان بها ويمارسان حياتهما الطبيعية.

وفى كل جملة من جمل السيناريو ينصب لك نصر الله شركا ساعده فى ذلك أداء ثلاثة ممثلين نهيلة شمس مختار والأخير كان صادقاً فى أدائه حين التقى لأول مرة بالقسم الغربى من بيروت، الذى كان يطلق عليه الرصاص من صفوف المقاومة الفلسطينية فى لبنان، فها هو يرى ذلك المكان المجهول، ليكتشف أنه أمام أناس يكرهونه دونما سبب، فنادل البار الذى التقى فيه بالممثلة الفرنسية، التى جاءت الى لبنان لتمثيل عرض مسرحى عن مجزرة صبرا وشاتيلا، يتطفل على حديثهما بجمل حادة استفزازية، وإن اختتم حواره معهما بجملة كاشفة حين قال للفرنسية ان مشكلة هذا الشاب أنه له أكثر من أب، وتلك هى بالفعل أزمة القضية الفلسطينية.

أحداث الفيلم تدور بين فلسطين ولبنان، وهذا هو الوجه الآخر للمأساة، ففى لبنان نكشف ازدواجية القائمين على المقاومة، فبعد الاجتياح الاسرائيلى للجنوب وحصار بيروت تخرج المقاومة الفلسطينية تحت حماية الأمريكيين والصهاينة الى تونس واليمن وغيرها من مناف، خرجت المقاومة منزوعة السلاح، وتم توديعها بالأرز، ورأى قادتها أن ذلك انتصار فى حين أن أسلحتهم كانت تخلو من طلقة رصاص واحدة.

والشعب الذى مورست عليه كل وسائل الارهاب يمارس القمع ضد المرأة فى أحط صوره، فزوج شمس الذى انخرط فى صفوف المقاومة لم يكن يحلو له ممارسة الجنس معها إلا بتعذيبها، وحين أرادت الانتقام من رجل خلا بها بعد طلاقها، مارس الرجال معها أحط صور الانتقام القبلية، حين أطلقوا عليها الرصاص جميعا وهى تقود سيارتها فى أحد مخيمات الصفيح التى يسكنها البؤس الفلسطيني، رغم أن الانتصار الحقيقى فى الفيلم حققته النساء حين رفضن النزوح عن القرية، ورغم أن قائد سرية فى جيش الانقاذ العربى كان يرفض اطلاق النار على قطعان الغاصبين الصهاينة، بدعوى أنه مالكو أوامر، والمرأة هى التى التقطت رضيعاً لا أهل له وأنقذته من الموت وحيداً يسرى نصر الله مخرج شجاع لا تعنيه حسابات الربح والخسارة فى سوق أفسدته الثعالب الصغيرة، ولذلك يستحق أن نحتفى به فى كل وقت، خاصة أنه لا يعبئ الشرائط سنويا حتى ينال جانباً من كعكة بورصة الغناء والسينما.

العربي المصرية في 5 مارس 2006

 

مطلوب من محمد سعد أن يحقق نصف مليار جنيه

حقيقة ملايين السينما الزائفة

محمود مسعود 

من يطلع على حجم إيرادات شباك تذاكر السينما، خاصة فى تلك الفترات التى يطلق عليها موزعو الفيلم السينمائى بالمواسم السينمائية سوف يتراءى للمرء مدى حالة الرخاء والرواج التى يعيشها المشهد السينمائى خاصة بعد دخوله بعضوية فاعلة إلى نادى الملايين، وأصبحت إيراداته تنافس كبريات شركات الإنتاج السينمائى بعد أن حققت تلك الأرقام غير المسبوقة فى تاريخ السينما المصرية حتى فى تلك الفترات التى كانت إيرادات السينما فيها تمثيل أحد أهم مصادر الدخل القومى للبلاد.

ولا شك أن موجة الأفلام الكوميدية التى تسود السوق السينمائى منذ قرابة تسع سنوات متصلة بالإضافة إلى ذلك التيار الذى يطلق عليه بالسينما الشبابية كان لهما التأثير الفاعل الذى يترك أثرا ورديا لكل من يطلع على إيرادات شباك التذاكر.

الأمر الذى يطرح بالضرورة عدة تساؤلات مهمة مفادها التأكيد على حقيقة هذه الملايين، ومدى أثرها وتأثيرها على صناعة السينما المصرية والسؤال الأول الذى يتوجه قائمة هذه التساؤلات، حيث تتراقص أمامه العديد من علامات التعجب والدهشة، هل هذه الملايين التى تحققها إيرادات الفيلم السينمائي.. ملايين حقيقية؟!

وإذا كانت بالفعل هى ملايين حقيقية فلماذا لم توجه إلى بناء قاعدة أساسية لصناعة السينما؟ مثل تلك التى تم إنشاؤها فى فترات مشابهة عاشت فيها السينما المصرية أزهى حالات رواجها. غير أن هذا الرواج انعكس على تحقيق قاعدة صناعية استند إليها ومراهنا بها على استمراره، فكانت تلك الاستوديوهات والمعامل التى مازالت تمثل حتى الآن الأصول الحقيقية لهذه الصناعة ولم يطرأ عليها أدنى تغيير أو تطور منذ أن تم قسرا تصفية النظام المؤسسى الذى كانت تستند إليه صناعة السينما تحت مظلة القطاع العام السينمائى الذى انتج العلامات الكلاسيكية فى تاريخ السينما المصرية. وحقق أسس التجديد والتحديث والتطوير لهذه الصناعة خلال الفترة القصيرة والقصيرة جدا تلك التى عاشتها السينما فى ظله.

والطريف أن حالة الرواج التى تعيشها السينما الآن مازالت تعتمد على تلك الأصول التى أصبحت لا تفى بحتمية التطور ومتطلبات التكنولوجيا الحديثة، وبدلا من أن يتجه صناع الفيلم السينمائى مستغلين حالة الرواج تلك فى تحديث أصول القاعدة الصناعية اتجهوا إلى معامل الخارج ليس طلبا للجودة أو استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، ولكن طلبا للتكلفة الأرخص، أما أصول الصناعة فقد تخلى عنها الجميع بما فيهم الدولة، التى ضمت بقايا أصول الصناعة إلى هيئة أو مؤسسة الإسكان والسياحة، وهو الأمر الذى يعكس فكر الدولة ونظرتها إلى السينما.

هذا الواقع يطرح وبقوة هذا التساؤل عن حقيقة الملايين التى تحققها إيرادات السينما الآن وهل هذه الملايين تعبر بالفعل عن طفرة إنتاجية حققتها السينما الهزلية السائدة أم أنها رواج زائف يمثل موجة أبدية التى تمر بها السينما المصرية عادة وآخرها تلك التى عاشتها تحت مسمى سينما المقاولات.

وللوصول إلى تحقيق موضوعى وعلمى يجيب عن هذا التساؤل.. علينا الرجوع إلى المرجعية المسجلة كرقم قياسى فى تاريخ السينما المصرية لم يحطم بعد وحتى الآن.

والرقم تحقق فى عام 1969 عندما عرض فيلم أبى فوق الشجرة بطولة عبدالحليم حافظ ونادية لطفى وإخراج حسين كمال.. واستمر عرضه لمدة 52 أسبوعا متصلة فى دار سينما واحدة وحقق إيرادات بلغت 900000 جنيه واعتبر هذا الرقم رقما قياسيا غير مسبوق فى تاريخ السينما المصرية وحتى الآن لم يستطع فيلم آخر أن يتجاوز هذا السبق على الرغم أن دخول إيرادات السينما المنتجة حاليا هى التى أدخلت السينما إلى نادى المليون.

وعلى الرغم من هذه الملايين التى تحققها أفلام هذه الموجة السائدة فإنها لم تستطع أن تحطم الرقم القياسى والمسجل حتى الآن باسم أبى فوق الشجرة ولكى يتحقق من أبعاد هذه المعادلة علينا أن نضع عناصرها قيد الطرح والدراسة وعناصر هذه المعادلة هي:

قيمة تذكرة الدخول.

عدد أسابيع العرض.

عدد دور العرض المعروض بها الفيلم.

إجمالى الإيرادات.

تلك هى حقيقة أرقام الإيرادات التى تحققها السينما المصرية الآن.

وعلى الرغم من الإمكانية الأكثر اتساعا وتقدما على كل مستويات صناعة السينما، إلا أن صناع موجة أفلام الملايين لم يستطيعوا أن يصنعوا فيلما يتساوى مع أحد الأفلام التى حققت رواجا حقيقيا للسينما المصرية، رغم الظروف الاجتماعية والسياسية الضاغطة التى كانت تعيشها فى تلك الفترة.

ومن هنا يتأكد لنا بصورة موضوعية أن حالة الرواج التى تعيشها السينما المصرية الآن فى ظل سيادة السينما الهزلية المسيطرة على السوق هى حالة مؤقتة لا ترتكز على أسس حقيقية، وأنها موجة من الموجات التجارية والتى كانت فيها السينما المصرية مرارا طوال تاريخها.

العربي المصرية في 5 مارس 2006

 

سينماتك

 

نسمة هواء رقيقة فى حر سينمائى قائظ

ملك وكتابة.. سينما شابة بحكمة الشيوخ!

أحمد يوسف

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك