لزمن طويل كانت هنالك ، فضلا عن عناصر الالتقاء ، نقاط افتراق بين الفيلم الروائي والتسجيلي، فبينما يميل الأول إلى خلق وحدة خيالية متكاملة للموضوع الذي يعالجه بإمكانيات غير محدودة ، يسعى الآخر إلى المراهنة على التأثير الملموس الذي تنتجه إعادة تصوير الواقع بحزمة ضوء منضبطة من دون أن يعني ذلك أن أمام الفيلم التسجيلي فرصا ضعيفة لان يكون إنجاز ا فنيا مبتكرا وموهوبا في تناوله لفكرة ما أو موضوع محدد .

من المعروف إن نقاط الافتراق التي أشرتها الأدبيات النقدية السينمائية تكمن تحديدا في طبيعة البنية الفنية التي يرتكز عليها كلا النموذجين ( الروائي والتسجيلي ) خارج التفسيرات المبالغة التي ترى في الفيلم التسجيلي نوعا سينمائيا أدنى مرتبة واقل جاذبية للمتفرجين من باقي الأنواع السينمائية الأخرى . فهذا التصور يتناسى إلى حد كبير أن المقدرة على خلق شكل فني ناجح لا يتوفر على امتياز هذا النوع الفني أو ذاك ، ولا يؤمن بالكيفية التي تتساوى في ضوئها العبقرية الخلاقة المنتجة لقصيدة شعرية مع نظيرتها المنتجة لعمل روائي جبار أو لوحة باهرة الجمال . من هنا نرى كيف أن النوعين السينمائيين تجاوزا تعارضاتهما وانتجا مقترباتهما ، عبر التطور الهائل الذي أتى على كل أشكال الصناعة السينمائية وديمومة تجدد وسائلها فانتج نماذجه السينمائية المتميزة . لقد انداحت اليوم الحدود الفاصلة اجناسيا وجماليا بين مختلف الأنواع السينمائية من ناحية وبينها وباقي الإبداعات الأدبية والفنية من ناحية أخرى ، وذلك تحت تأثير التداخل الحاصل بين كل هذه الأنواع سعيا وراء شكل فني بليغ ، يعبر اكثر من سواه عن أزمة الحياة الإنسانية بسعتها وتنوعها ، ويقترب اكثر من لغة عالمنا المعاصر بكل ما ينتجه من مفاهيم ورؤى ، تتكلم ذاتها في خطاب إبداعي جمالي يمتلك مصداقيته وفرادته وبراهينه على محنة الإنسان والعالم وسعادتهما المنشودة . ولا حاجة بنا لان نبرهن أن في الفيلم الروائي اليوم قدرا من الصنعة التسجيلية أو بالعكس ، مثلما نجد في الرواية أو القصيدة بنية سينمائية ناجزة والعكس صحيح أيضا . يحدث هذا وفقا لطبيعة نظام اللغة الذي يجعل الصور والكلمات نصا فنيا قائما بذاته هو حصيلة إعمال الخيال والواقع معا ، سيما أن المادة الخام لمجمل إبداعنا هي ضفاف حياتنا الواقعية أو المتخيلة ، يعاد تمثلها وصياغتها في شكل أدبي أو فني محدد لتعطي التأثير المطلوب .

• الفيلم التسجيلي أو دراما الحياة الواقعية :

بالرغم من أن الأفلام التسجيلية قد لا تتضمن تسلسلا منطقيا للأحداث المعروضة وتخلو من عناصر الترغيب والتشويق كما أنها تنتقي من الواقع ما يناسبها ، إلا أنها تستطيع في الوقت نفسه إنشاء دراما حقيقية نابعة من الحياة ذاتها . وذلك إذا ما توفرت على قدر من الحرفية والجمالية في تناول الموضوع والعناية بنواحي الفكرة المعروضة التي تتطلب وضوحا فيما يرمي المخرج إلى تحقيقه . إذ يمكن لصانع الفيلم التسجيلي تجاوز فكرة إن عمله يعد تقريرا مكتوبا بلغة الكاميرا عن واقع يصعب ملاحظة قيمته الجمالية من دون اقتطاعه وابرازه في شكل فني محدد ، أو انه مجرد سياق فيلمي يسرف في مناصرة الفكرة التي يعرضها على الشاشة . سيتاح للمشروع التسجيلي الموهوب تخطي ذلك إذا ما تيقن بذاته أن أي واقع معطى لا يحدد للفنان أسلوب المعالجة الذي عليه اختياره لبناء سينما خلاقة . وان التجارب السينمائية الحديثة اليوم أثرت هذا النوع الفني وحطمت الانطباع القائل أن السينما التسجيلية في الغالب ، هي سينما ذات نوايا حسنة تهدف إلى تحقيق منفعة عامة أو إنتاج قدر من الثقافة التعليمية أو الأخبارية أو الأيدلوجية ، باعتبارها تقدم أفلاما قصيرة تخلو من قدرة الخيال الذي يكسبها صفة تشكيل الدلالات الفنية والفكرية ذات السحر البليغ .

يضع المخرج التسجيلي كاميراته بمواجهة الحدث الواقعي ويحاول التمرس على براعة السينما في تحويل ما هو مألوف إلى عنصر إبهار ومدعاة تفكير ونظر . وسيكون بوسعه إنجاز عمله السينمائي التسجيلي عبر مزج الصور الواقعية المختلفة بأسلوب يجترح العلائق بين وحدات لا متجانسة ، وحدات تنتمي إلى أنظمة متباينة ، ويمكن إعادة صياغتها ووضعها في سياق جديد هو السياق الفيلمي بتعبير يوري لوتمان . حينئذ يستطيع المخرج تغيير المعنى المعطى بداهة في الصورة الواقعية للحياة ، ويلزمه هنا وضع حصيلة أحداثه المصورة في سياق جمالي وفكري ينفتح على غير المتوقع وان كانت مادته الأساس مستلة من خامة التقريرية والمباشرة التي تطوق الواقع اليومي للبشر وتطغى على سواها . وعلينا أن لا ننسى القول بأن السيناريو نقطة توحيد بين الروائي والتسجيلي ، في حال التزام التسجيلي بانتقالات السيناريو المكتوب حتى نهاية العمل المنظوم بسياق فكري وبناء جمالي معين .

ستكون فرص الإبداع التسجيلي متعددة وكبيرة حتى وان تخطى الفيلم المزمع إنتاجه القواعد والمعايير التي حددها له كبار التسجيليين في العالم كجريرسون وفلاهرتي وبازيل رايت واخرين ، معتمدا النظرة المتأملة والمتأنية في اختيار مادته وأسلوبه من ثراء الحياة الواقعية في استجابة ذكية لفهم المخرج وقدرة اشتغالاته والإمكانات التي تتاح أمامه لصناعة شريطه السينمائي .

• مجاورة الوقائع أو اكتشاف السياق :

خيارات الفيلم التسجيلي واسعة بسعة الحياة ذاتها ، فقد ينتج عن توظيف عناصر الحركة والبيئة والسلوك الروتيني للشخصية صورة مؤثرة ترمز إلى شكل من أشكال الحياة ، وربما تخفق أيضا إذا فقدت ناظمها السياقي لتكون مجرد تراكم انتقالات مشهدية غير محسوبة . الأمر الذي يعيدنا إلى التذكير بأن بنية الفيلم التسجيلي تكمن في السياق المقترح لتوحيد العناصر المتضادة في بنية مترابطة ذات أبعاد جمالية دالة ، فالسينما في نهاية الأمر تكنيك جمالي ودلالي محض .

سنرى هنا إن عملا تسجيليا يسعى إلى أن يكون إيقاعيا ومبتكرا سيحيد عن اختيار الطرق السهلة التي تجره إلى منطقة النسخ الفوتوغرافي لمجريات الواقع ، بل أن إبداعه الحقيقي سيكون موصوفا بشاعريته الذاتية وبإيقاعه البصري وقوة موضوعه الخاص . يتطلب هذا العمل فيما يتطلب قدرا كبيرا من الصبر والترقب الحذر والتنبؤ الفني والقدرة على اصطياد الجوهري في حركة الحياة داخل سياق تراكم الصور والمشاهد والقضايا اليومية المألوفة . وبالنظر إلى هذه الضرورات العملية والفنية تميل الأفلام التسجيلية إلى تهجين عملها بعناصر مختلفة الأصول بشكل يخدم مادتها المصورة والوثائقية ويمنحها فرصة تحريك العنصر الواقعي وترتيبه بقصدية معينة تخدم الهدف الذي تتطلع إلى تحقيقه في مضامينها ، خاصة في حال توفر نص الفيلم التسجيلي على بضعة شخصيات تتسم بفرادة دلالية تشير باقتدار إلى فكرة الفيلم المحورية ، لتكون ابعد من كونها مجرد رسالة في سياق استخدامها التسجيلي ، بل رمزا سينمائيا يخضع لخيارات التأويل الذهني للصورة أو مضاعفة تأثيرها العاطفي .

ولكن في إطار حديثنا هذا ، هل يفقد الفيلم التسجيلي صفته وامتيازه البنيوي الأساس ، إذا ما اتسم بأناقة متماسكة هي خاصية الفيلم الروائي غالبا ؟

بالطبع ليس ثمة فروض راسخة أو ثابتة يمكن اعتمادها دائما كحدود مقدسة لهذا النوع من الأفلام التي تمرر درسها الجمالي للمتلقي من دون الحاجة لاستخدام الماكياج والتزويقات الإضافية ، إنما ببلاغة صورتها التي تبدو مرهونة على الدوام بقدرتها على استيعاب العالم من حولها واعادة تشكيله تحت سحر آلة التصوير السينمائي ، يمكنها حينئذ إنجاز المزيد غير المسبوق .

موقع "القصة العراقية" في 28 فبراير 2006

 

عن "أطوار" الحياة والموت

ريما المسمار  

"كما ترون الظلام بدأ يخيم ومازلنا خارج سامراء ممنوعين من دخولها...". تلك كانت كلمات "أطوار" الأخيرة، مراسلة "العربية" في العراق التي اغتيلت (مع اثنين من زملائها) على يد الفتنة المذهبية المشتعلة نيراناً تلتهم البشر. لعلها لم تكن الكلمات الأخيرة وربما لم تكن بتلك الحرفية.. ولكنها كانت آخر ما سمعته من "أطوار" التي رأيتها للمرة الاولى والأخيرة قبل ساعات من قتلها. وددت، بعيد سماع خبر موتها، لو انني دققت أكثر فيها بدلاً من ان أذهب بعيداً في خاطر كان يلح علي في بعد الظهر ذاك من يوم الاربعاء. كل ما استعيده من الصورة رماديتها المكفهرة بالحلول الاول للظلام وصوت الهواء في خلاء صحراوي يخبط الميكروفون كأنه هدير ينذر بهبوب عاصفة ويقطّع ذبذبات صوتها فيصل الى المستمع متهدجاً. أذكر ان صورة لشيرين ابو عاقلة (مراسلة الجزيرة في فلسطين المحتلة) عبرت خاطري ايضاً. لعلها وقفة "أطوار" هي التي ذكرتني بشيرين. تلك الوقفة التي تواجه بها الكاميرا وتدير ظهرها للخطر المتربص الغادر، تماشياً مع قوانين الصورة الاخبارية التي تفرض ان يكون المشاهد هو الذي يرى. هناك، كان الحدث في الخلفية خلف اسوار سامراء وكانت "أطوار" تنقل ملابسات الوضع في مقدمة المشهد. تماماً مثلما وقفت "شيرين" قبل سنوات منتظرة اقتحام الجنود الاسرائيليين مكاتب "الجزيرة" بينما تحاول ان تبقى على تواصل مع المشاهد ومثلما فعل آخرون كثر. لكأن ما يحدث سلسلة متداخلة الحلقات الواحدة تشد بالاخرى الى القعر لتبتلعها نيران الحدث. سُحبت "أطوار" بعد وقت قصير الى الخلفية لتصبح في قلب الحدث وجاء من يحتل مكانها في المقدمة لينقل الينا خبرها وهكذا دواليك...

أفكر الآن في أننا كمشاهدين نتحول شيئآً فشيئاً شهود عيان على آلة القتل التي تحصد مئات آلاف الأبرياء.. والمذنبين­ ومن منا ليس كذلك؟! شهود سلبيون لا نأتي بحركة سوى هذه الكلمات القليلة الوصفية التي نحول انفسنا فيها ابطالاً في معظم الأحيان. تلك الصورة الاخبارية المباشرة التي تطور ادواتها كل حين لترضينا، تحولنا شهوداً على القتل.. تجعلنا متفرجين سلبيين.. تضاعف من عزلنا بما هي مفارقة عجيبة بالنظر الى انها، اي الصورة المباشرة، تسعى الى وضع المشاهد على تماس مع أحداث العالم. ولكنها في واقع الحال تميت إحساسنا على مهل وتغتال حساسيتنا بتعريضنا المتواصل لصور القتل التي ما عادت تستثير فينا شيئاً. أتخيل أحياناً أنني بسبب عادة قلب المحطة عند ظهور مشاهد القتل، سأشيح ببصري عنها اذا ما شاهدتها في الواقع وأتغاضى عنها كما لو بكبسة ريموت كونترول. الكبسة التي منعتني من إكمال رسالة "أطوار" الأخيرة وسمرتني امام الرسالة التي نقلت نبأ موتها.

"أطوار"التي مُنعت من قبل مسؤوليها من الذهاب الى موقع الحدث أبت الا ان تفعل ظناً منها ان "سامرائيتها" ستكون درعها. درع "أطوار" لم يرد عنها الموت ودروعنا نحن قادرة على حمايتنا من زاويتنا المنزلية الآمنة الشاهدة على القتل اليومي.

المستقبل اللبنانية في 25 فبراير 2006

ويجا: اللعبة الخطرة في كسر التابوهات

أفكار يوسف شاهين وأدوات خالد يوسف

القاهرة ـ من كمال القاضي:  

في محاولة منه لمغايرة السائد والمتكرر من ألوان الكوميديا الغثة لجأ المخرج والسيناريست خالد يوسف الي لغة التحليل النفسي في التعبير عن أفكاره السينمائية بتلامس دقيق مع البعد الرومانسي والاجتماعي لأبطاله، وهذه هي المرة الثانية علي التوالي التي يقدم فيها خالد نمطا من هذا النوع بعد تجربته السابقة انت عمري ، حيث وضع في فيلمه الأخير ويجا والمعروض حاليا بدور العرض السينمائية دخوله دائرة التأثيرات النفسية وعلاقتها بالسلوك الانساني، خاصة اذا اتصل التأثير أو المؤثر بالمستقبل والغيب وأصبح هاجسا متسلطا علي أفكار الانسان الذي يقترب في هذه الحالة من المرض اذا ما جنح بسلوكه عن المألوف.

يقدم خالد يوسف حالات متشابهة في فيلم ويجا المأخوذ عن اللعبة السحرية المعروفة بنفس الاسم فيضعنا أمام ثلاثة نماذج من الشباب يقابلهم ثلاث فتيات، يبحث كل منهم عن دنياه الخاصة متعجلا التطلع الي المستقبل الآتي.. يجلس الأصدقاء الستة حول لعبة الويجا يحاولون استنطاقها وفق قانونها الخاص بعد ممارسة الطقوس المتبعة وتلاوة بعض الكلمات المتعلقة بعملية الايهام التي سرعان ما يقع اللاعبون تحت تأثيرها، وبالفعل تكشف الويجا جانبا من حياة كل شخص وتنبئ البعض منهم بمتغيرات خطيرة تتعلق بحياته الاجتماعية ومراهنات المكسب والخسارة التي اعتاد كل منا أن يضعها نصب عينيه، ومن بين الاشارات التي أوحت بها اللعبة السحرية اشارة تؤكد قيام شريف منير بطل الفيلم مع هاني سلامة بارتكاب جريمة قتل ذات يوم.. ومن هنا يبدأ الصراع النفسي الحقيقي، اذ تتسلل اليه الشكوك بأن الضحية يمكن أن تكون زوجته أو أحد أصدقائه فيعيش في حالة من الرعب والقلق، لا سيما وأن أشياء بسيطة مما قد أشارت اليه الويجا قد تحققت.. بهذه الخلفية والايهام النفسي ينسج المخرج والسيناريست رؤيته الكلية في السلوك الانساني ويأخذ في تشريح العيوب والموروثات الاجتماعية محولا نظر الملتقي أو المشاهد في اتجاه بوصلته الفكرية، فهو يبرر السلوك المنحرف من جانب الأبطال والتشوه الذي يشوب حياتهم الخاصة ويرده الي دوافع نفسية يؤكد من خلالها ان ممارساتهم تمت بفعل قهري أو تحت مؤثرات أقوي من احتمالهم وخارج دائرة وعيهم، وهو المعني الذي صرح به تماما في السجال القائم بين شريف منير المحامي الشهير وقرينه، اذ أكد الأخير فيما يشبه التحريض أن الانسان يعيد انتاج سلوكه الموجود في اللاوعي عندما يرتكب خطأ ما، فاذا ما شك في زوجته مثلا وحاول قتلها فهو ينفس عن رغبة مكبوتة في التخلص منها ويعلق ذلك علي عملية الشك!

وكذلك فان العلاقات الجسدية واجواء الخيانة التي ربطت بين كل الأطراف داخل الأحداث وشملت السيدة المتزوجة هند صبري كان مبعثها نفسي أيضا من وجهة نظر المخرج لأن الزوجة لجأت الي الخيانة هربا من جحيم زوجها، والدليل أنها عزفت عن تكرار خيانتها عندما استشعرت بعض الأمان وانتبهت لخطورة فعلتها.. نفس التصرف صدر من بقية البطلات، منة شلبي التي أحبت شابا ووثقت به وسلمته نفسها وعندما خلا بها لجأت الي صديقه، فيما كان الصديق نفسه علي علاقة بفتاة أخري سيئة السمعة وترتزق من الرذيلة، بل ان الأمر تجاوز ذلك الي ارتباط الصديق هاني سلامة بالعاهرة المحترفة والزواج بها بعد قيامها بسرقته عقب انتهاء ليلة ساخنة بينهما.

كل هذه التلافيف يدخلنا خالد يوسف فيها قسرا تحت غطاء الدوافع النفسية ويريدنا أن نتسامح مع الجرائم الأخلاقية للأبطال من قبيل التسامي والغفران وأن لكل منا خطاياه، فليس من بين البشر من هو معصوم.. وربما يكون خالد يوسف محقا في دعوته للتسامح لو أن القاعدة في الفيلم هي الفضيلة والاستثناء هو الخطأ، ولكن أن يتم التعامل مع الفعل الفاضح المتكرر بوصفه نوعاً من الاختيار الذي يمثل الحرية فهذا هو التدليس بعينه، ولو كان ما يزعمه الفيلم صحيحا ما خلق الله الانسان مفطورا علي الخير وما كان هناك داعيا لسن قوانين وضعية تعاقب المخطئ وتقتص منه، غير أن ما يذكره المخرج عن تسامح المجتمع مع خطايا الرجل لأخلاقية وعدم غفرانه لأخطاء المرأة هو قصور لا يستوجب تعميم مبدأ اقرار الخطأ وقبول الأعذار للمساواة بين الطرفين ولكنه يستأهل منا النظر بدقة في حجم الخطأ واحالة القضية الي المرجعية الدينية، حيث يكون التشريع هو الحكم الفصل، ولا أظن أن الأديان السماوية قد أسقطت حق الثواب والعقاب، حتي نطالب باسقاطه من الواقع، فالأجدر بالرؤية السينمائية أن تكون دقيقة عند معالجتها مثل هذه القضايا، كي لا يحدث تضاد ما بين ما تريده السينما وخيال الفنان وبين ما هو ثابت اجتماعيا ودينيا، فبامكان أي مبدع أن يطرح وجهة نظره مهما كانت شريطة أن يكون واعيا بالقاعدة الأخلاقية التي ينطلق منها، فنحن لسنا مع وجود رقيب علي الأفكار وانما نؤمن بحق الابداع بمعطياته المنطقية ونفي الافتراضات التي تحول دون تحقيق المعادلة الذكية في التعبير عما أريده وأنشده دون تعارض مع البديهيات الأخلاقية والانسانية.

لا شك أن خالد يوسف قدم لنا في ويجا طرحا فنيا جديرا بالتحليل والمناقشة اتسم بوعي ذهبي وثقافي نشط بارز في تعامله مع حركة الكاميرا والممثلين وتوظيف المونتاج والاضاءة، فضلا عن ذكائه في تنفيذ الخدع الخاصة بالتصوير، ولكن هذا لا يبطل أبدا حجتنا في الخلاف معه حول كيفية المعالجة والأفكار واقحام يوسف شاهين علي العمل لتحقيق الدعاية، وتأكيد بنوته السينمائية له، الأمر الذي يعتبره البعض متاجرة باسم المخرج الكبير ومحاولة لفتح أفاق عالمية أمام فيلمه الذي يراه الكثيرون خطوة علي طريق كسر التابو ومحاولة من جانب التلميذ لمحاكاة أستاذه وتقليده.

لقد أراد خالد يوسف في فيلمه ويجا أن يقدم واقعا شرقيا بمفهوم غربي وهذه هي المعضلة.

القدس العربي في 24 فبراير 2006

 

سينماتك

 

عن البنية الجمالية في الفيلم التسجيلي

احمد ثامر جهاد

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك