استوقفني القول التالي من كتاب (قضايا علم الجمال السينمائي.. مدخل إلى سيميائية الفيلم): ''إن الثقافة الإنسانية تخاطبنا، أي أنها تنقل لنا معلومات ما مستعينة بلغات مختلفة''. ويستفيض الكتاب بإلقاء الضوء على الثقافة التي تصلنا عبر السينما طارحاً السؤال التالي: هل تمتلك السينما، صامتة كانت أم ناطقة، لغة خاصة بها؟

ثم يعود المترجم ''نبيل الدبس'' ويضعنا في أجواء الإجابة: ''.. كلّنا نتفق أن السينمائي وممثلي السينما وكتاب السيناريو، وكل مبدعي الفيلم، يريدون في النهاية أن يقولوا شيئا ما عبّر الفيلم الذي يمكن اعتباره بمثابة خطاب، أورسالة يوجهونها للجمهور، وهنا نصل إلى قضية على قدر كبير من الأهمية، إن فهمنا للرسالة يتطلب منا معرفتنا بلغتها''.

وعلى هذا الأساس يستنتج الباحث أن فهم السينما لا يعني بأي حال من الأحوال استنساخاً تابعاً وآلياً للحياة، بل يجب فهم السينما على أنها إعادة تكوين حيوية وفعالة تنتظم فيها عناصر التشابه والتيابين في عملية معرفية للحياة، مكثفة، ولا تخلو أحياناً من الدرامية.

وهنا قد يتبادر إلى ذهن القارئ السؤال التالي: كيف يمكن فهم السينما على أنها إعادة تكوين مع أنها تعكس، في معظم الأحيان، الواقع الحياتي؟

وهنا لا يتوانى الباحث، وبجد متميز، من المترجم، في الإجابة على هذا من خلال البحث الأول في الكتاب (الوهم بالواقع)، حيث يقول: ''المتفرج يصبح شاهداً، وحتى مشاركاً في الحدث المعروض على الشاشة مباشرة، مهما كان هذا الحدث خيالياً، وهكذا فهو ينظر إلى ما يراه بشكل انفعالي، وكأنه حدث واقعي، بالرغم من أنه يدرك في قرارة نفسه لا واقعية هذا الحدث، هذا ما يفسر الصعوبة الخاصة التي تواجهها السينما في التعبير بواسطة الوسائل السينمائية''.

ويصل الباحث في نهاية هذا البحث إلى النتيجة التي تقول:'' إن الإحساس بالواقع، الشعور بالتشابه مع الحياة، وبدونهما، لا وجود لفن سينمائي، الإحساس بالواقع هو جزء جوهري من الكل الفني المركرب يكتسب عبر علاقات متعددة ومتنوعة مع التجربة الفنية والثقافية للمجموعة البشرية''.

مسألة اللقطة

وفي البحث الثاني يتابع الباحث من حيث النتيجة التي توصل إليها في البحث السابق، وقد جاء البحث الثاني تحت عنوان (حول مسألة اللقطة)، حيث يقول الباحث: ''إن السينما، في جميع الحالات لا تقوم بالعادة بعرض الواقع في تكامله، بل تتناول فقط جزءاً منه، تقتطعه بحجم الشاشة''.

ولا يغيب عن الباحث تعريف حدود اللقطة، حيث يعتبر حدودها مع الموضع الذي يلصق فيه المخرج حدثاً مصوراً مع حدث آخر.

أما تعريف اللقطة فقد أفرد الباحث لهذا الموضوع البحث كلَّه محاولاً تقريب المعنى الحقيقي للقطة السينمائية وعناصرها التي تحددها، كالزمن والمكان، لكن هناك اجماع بأن اللقطة هي أحد المفاهيم الجوهرية في اللغة السينمائية.

كما نتابع في هذا الكتاب قيم التعرف على عناصر ومستويات اللغى السينمائية، معاييرها، علاماتها، دلالتها الرمزية.

تعابير وتقاليد سينمائية

وأيضاً يطلعنا الباحث على أسلوب السر السينمائي الذي يعتمد بشكل أساسي على سرد القصص عن طريق عرض صور متحركة.

أما الدلالة السينمائية فقد أفرد لها الباحث أيضاً بحثاً كاملاً طالعنا من خلاله على أهمية الدلالة التي ينقلها الفيلم للمتلقي، ويقول: ''إنّ كل ما يلفت أنظارنا في العرض السينمائي، وكل ما يحرك عواطفنا ويؤثر فينا هو ذو دلالة''.

ويدخل الباحث في تفاصيل العملية السينمائية من حيث بنية القصة السينمائية والموضوع في السينما، والصراع مع الزمان والمكان، إلى أن يصل القارئ إلى مسألة الممثل السينمائي.

وفي هذا البحث يؤكد الباحث ''يورى لوتمان'' على أهمية المكانة التي يحتلها الإنسان في البنية السينمائية للقطة السينماية، وبيّن أن نشأة الفن السينمائي تاريخياً كان على نوعين من التقاليد، الأول تقاليد الفيلم الاخباري اللاقيني، والثاني تقاليد المسرح، وبالرغم من أن المشاهد كان يتعامل في كلتا الحالتين مع إنسان إلإ أن كلا من هذين التقليدين كان يتناول هذا الإنسان الحي من زاوية نوعية بالغة الخصوصية، ويفترض توجيهاً مختلفاً كلياً للجمهور.

فصورة الإنسان على الشاشة تبدو كرسالة بالغة التعقيد، تتحد سعتها الدلالية (السيمانتيكية) بتنوع أنظمة الرموز المستخدمة وتعدد مستوياتها، وتعقد تنظيمها الدلالي. ويختم الباحث الكتاب من خلال بحث قضايا (السيمياء) واتجاهات السينما المعاصرة، فيقول: ''لقد بدأت الإشكالية السينمائية تتسلل ليس فقط إلى لغة الفيلم، بل أيضاً إلى مضمونه، فجذبت اهتمام فناني السينما على اختلاف اتجاهاتهم، ''برغمان'' في فيلم (الوجه) و''فيلليني'' في فيلم (ثمانية ونصف) و''انطونيوني'' في فيلم (بلو آب).

ويبرمج الباحث هذا الكلا بشكل تطبيقي من خلال وقفة مطولة مع فيلم ''أطونيوني'' (بلو آب)، لأن هذا الفيلم يجسد بوضوح قضايا (سينمائية) السينما.

ونستخلص ما يريد الكتاب توصيله من خلال الخاتمة التي تقول: ''إن السينما تخاطبنا، أنها تخاطبنا بأصوات متعددة تشكل طباقيات بالغة التعقيد، السينما تخاطبنا وتريدنا أن نفهمها، اللغة تغدو وهي الأخرى مضموناً، بل وتتحول أحياناً لتصبح موضوع الرسالة، وهذا ينطبق تماماً على اللغة السينمائية، أن فهم لغة الفيلم هو خطوة أولى نحو فهم الوظيفة الفنية والايديولوجية للسينما، فن القرن العشرين الأكثر جماهيرية''.

إذا كانت تلك دراسة مكثفة لما جاء في كتاب (قضايا علم الجمال السينمائي - مدخل إلى سيمائية الفيلم) الذي ألفه الباحث السينمائي الروسي ''يورى لوتمان'' وقان بترجمته ''نبيل الدبس'' الذي بدا مشغوفاً بالسينما، وهو ما جعل الترجمة سلسة ومفهومة وواضحة مدعمة بالشواهد.

الوطن البحرينية في 22 فبراير 2006

 

ثلاثون عاما على رحيل بازوليني

بقلم - كلود ميشيل كلوني  ـ  ترجمة - أحمد عثمان

دوما، السينما مقبرة الأدباء. بالتأكيد، لا يلتزمون بما وراء كتابة السيناريو أو الإعداد، كما فيتزجيرالد ورولفو أو فوكنر. حجج هذه الأعمال، الحصول على بعض المال. مقاربة شرعية، ألا وهي مقاربة بيار باولو بازوليني. في الخمسينيات، مع نهاية الواقعية الايطالية الجديدة، اشترك مع ماريو سولداتي، الروائي والسينمائي، ثم مع فيلليني، الذي وقره وارتبط معه بعلاقة صداقة، وبولجونيني غير المقدر، ومن ناحيته فهم بازوليني (الذي لم يكن يعرف التقنية السينمائية)، حدسيا، بوابة الوسيط التعبير. إذا كانت نظرياته الضبابية نوعا ما أخفقت في الاقناع، في بعض المجالات، إلا أن عبقريته نجت، حتى آخر أيامه، بفضل عبقريته، حبه لمرحلة الشباب، عطشه للنقاء، طبيعته المتمردة ضد العنف. وبفضل شيء من العبقرية الهائمة والمؤثرة المعروضة على الشاشة.

فيلماه الأولان إعداد لرواياته، ''راجاتسي'' و''حياة عنيفة''. روايتان مستبعدتان: مختارتان من قبل القراء، محتقرتان من قبل النقاد والسياسيين.

''أثر عقدة السينما'' تنبني، مباشرة، على أخطاء وصفات المتطفل. اليوم، أصبح ''آكاتوني'' (1961) و''ماما روما'' (1962) من كلاسيكيات نوادي السينما. حتى أن أفلامه القصيرة ومنها ''لا ريكوتا'' حققت اقبالا غير متوقع كما لأسطورتيه اللتين لا تنضبان: ''ميديا'' و''أوديب''. وسمت تغيرا للجيل واللغة.

 * الشعر تعبير عن الحقيقة *

لا يتعلق الأمر باثارة البكاء في الصالونات لسرقة دراجة، ولا بنقل النزعة الوثائقية، حسبما أسلوب فيسكونتي. بدل بازوليني، شعريا، واقعة العالم المفكك. لنسمعه: الشعر تعبير عن الحقيقة، ويختار، للقول، الكلمات والعلامات، التركيب والصور التي تلزمها. دارجة وتأطير محكم يسيج شخصيات نتاجه في عالمهم الخاص. من الممكن أن يخطأ بازوليني في نظرة الطهرانيين، غير أنه لا يخدع نفسه ولا الآخرين.

 بوجه آخر، يدرك الواقعية الشعرية لكوكتو. مجالاتهما متعارضة إلى حد ما، غير أن أفلام الشاعر الفرنسي تكشف عن طبيعة البداهة، أي ما تخفيه عننا. قادما كقناص إلى السينما، بدون أي تدريب  للحدس بما لا يجب عمله لكي يجتاز المظاهر، وقد مارس، ربما كان الأول، تغيير طور شريط الصوت والصورة، الذي استعاده بازوليني. إنه الأديب الفرنسي الوحيد الذي مارس السينما كلغة ذات طراز خاص. وهو مافعله بازوليني.

كلاهما رسام، مسرحي، روائي وأساسا شاعر. إذا أردنا النظر، تحت اسم هذه العلاقات الحميمية بالسينما لدى المبدعين المتعددي المجالات، لا نجد نموذجا آخر نضيفه إليهما سوى فاسبندر (1946 - 1982) فضائحي، ''ملتزم'' ومأساوي كبازوليني. هجمة فاسبندر في العالم الخرب للسينما الألمانية مشوشة مثل بيار بازوليني.

 لم يعرض واحدا من الكتاب الثلاثة، السينمائيين المغامرين، وحتى الطموحين، نفسه في الفيلم التجاري. ولهذا ظلوا على الهامش. لم يفهمهم الجمهور بصورة طيبة، ربما، ولكن عاملهم بوفاء. وإن كان الاخفاق أسطورة حديثة مبنية على استعارات سوسيوثقافية. في حين أن كوكتو لم ينقل سوى عالمه الأورفيوسي أو الأوديبي، البورسيلي أو نظرية لبازوليني، فإنهما حققا جزءا من هذه '' الأبجدية، أبجدية الرفض ''التي أحصاها النقد اليقظ اليوم. هذه الأفلام، ومعها ''ان فين'' و''سالو''، المؤول خطأً عن المركيز دو ساد، تزمع أن تحمل إلى الشاشة ما لا نوافق عليه من الشعر الملحن. ننظر رسالة فيلمه: ''نظرية'' غير أننا لا نقرأ إلا بواسطة الفقرات، وأيضا ! دانتي أو الجنة المفقودة لميلتون. فضلا عن ذلك، نقر بأخطائنا.

شاعر مقاتل ومقتول

لم يستطع بونويل أن يصور أساطيره المعاصرة إلا بعد تحولات، مصالحات زائفة: ''الملاك المدمر'' يرجع إلى ,1962 ''محارب الأيقونات'' صور قبل أكثر من ثلاثين عاما.. بالمثل ''السماء غير رحيمة'' لبازوليني، ومراجعة الانجيل ''حسب ماتيو'' أثار سخط الكنيسة. قصيدة شكائية للبابا بول الثاني لم تعد ترتيب الأوضاع. جائزة المكتب الكاثوليكي للسينما المهداة إلى فيلمه ''نظرية'' (1968)، المعد عن روايته التي تحمل نفس العنوان، ليست سوى تصحيحا متفائلا.

حياة بازوليني كلها ضحية الشراسة، الحقد، الشيوعيين والفاشيين. يشرح فعل الأخوين العدويين اللذين يتخاطفان زمام العدالة العدد المذهل للقضايا المرفوعة على الشاعر. إذا كان شاعرا مقاتلا، ولكن غير مسلح، في أوروبا ما بعد الحرب، فإنه كذلك لا نستطيع أن نكتب إلا أن، في المناخ المهلك الذي عاشته ايطاليا، ''تصريحا بالقتل'' صدر بحق بيار بازوليني.


 عن: لوفيجارو، 1 ديسمبر .2005

الوطن البحرينية في 22 فبراير 2006

 

مهرجان الأفلام سلام د ك:

هو ما تحتاجه الدانمارك هذه الأيام

منير عبد المجيد 

في غمرة ما يجري في الدانمارك من أحداث درامية، لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية (إثر الإحتلال النازي)، تُعقد أعمال المهرجان السينمائي الثالث (من 22 إلي 27 من الشهر الحالي) باسم سلام د ك ، وحرفا د وك يرمزان إلي اختصار اسم الدانمارك. والمعروف ان هذا المهرجان يركز علي أفلام العالم الثالث، والأفلام الغربية التي تدور عن/وحول المغتربين واللاجئين، أو أفلام الثقافات المتعددة كما أرادت إدارة المهرجان ان تسميها.

برنامج هذا العام أوسع من الأعوام الفائتة، ويضم أفلاماً من 19 دولة، بالإضافة إلي حلقتي بحث، الأولي عن المهاجرين في الدانمارك. كيف تُصّور الأفلام الدانماركية وتُقدّم هذه الشريحة؟. هل تُعطي السينما صورة واقعية أم ستيريوية عنهم؟. كيف يُفكّر المخرج السينمائي عندما يُقدّم ممثلاً ينتمي إلي المغتربين؟.

أما حلقة البحث الثانية فهي عن النساء في الأفلام الأفريقية. فاطمة علو، مؤسّسة مهرجان زنجبار السينمائي الدولي في تنزانيا، ستقدم مجموعة من الأفلام الأفريقية القصيرة وستتحدث عن دور المرأة في هذه الأفلام.

من أفلام البرنامج أذكر الفيلم الفرنسي المغنطيس من إخراج كامل صالح ونجم الهيب هوب أخيناتون. وتدور أحداث القصة حول شبان ينحدورن من أصول عربية (المغرب العربي) في مرسيليا، مشاكلهم مع القانون، وعلاقاتهم بفتيات فرنسيات يصوّتن لحزب فرونت ناسيونال العنصري.

الفيلم التونسي الساتان الأحمر من إخراج رجا عمري يروي قصة إمرأة تعيش حياة بسيطة ومتسترة، سرعان ما تنخرط في أجواء نادٍ ليلي، فتتغيّر حياتها رأساً علي عقب.

الأرض والرماد هو عـنوان فيلم الأفغاني عتيق رحيمي (انتاج فرنسي). قصة عجوز يبحث مع حفيده عن ولده، بتصوير مدهش لطبيعة افغانستان الفريدة والقاسية.

بعد النجاح الهائل الذي لقيه شريط يالله يالله السويدي، يحاول هنا الألماني انو ساول في فيلمه كباب كونيكشن طرح ذات الحدوتة. الشاب التركي ايبو يسكن في هامبورغ ويحلم بتحقيق أول فيلم أكشن ألماني علي طريقة بروس لي.

فيلم البريطاني كينيث غلينان ياسمين عن الإمرأة الباكستانية ياسمين التي تعيش حياتها كإمرأة سعيدة، وعلي علاقة صداقة مع زميلها في العمل جون. فجأة، وبعد الهجمات علي نيويورك يتغير كل شيء.

مولادي هو آخر أفلام شيخ السينما الأفريقية السنغالي عثمان سيمبين. قصة قوية تدور حول مشكلة ختان الفتيات، وعادات المجتمع البالية في بلدة سنغالية حديثة.

سلسلة من الأفلام بعنوان قصص كرة القدم العالمية ، إثنان من هولندا: النهائي الثاني ليوهان كرامر (2003)، وآخر فريق قدم يوغسلافي لفوك يانيك (2000). والثالث كرة قدم علي الطريقة الإيرانية من إخراج مازيار بهاري (2001).

ناقد من سورية يقيم في الدانمارك

القدس العربي في 23 فبراير 2006

في «بيت الخناجر الطائرة».. قد تسمع الصورة وتشاهد الموسيقى وتعشق الألوان

عرض وتحليل: عماد النويري 

مثل فلليني في إيطاليا وكارلوس ساورا في إسبانيا وجودار في فرنسا وكيروساوا في اليابان يمكن ذكر اسم المخرج زانغ يمو كواحد من أهم المخرجين الذين وضعوا السينما الصينية على خارطة العالمية وهو مثل غيره من المخرجين العظام استلهم تراث بلده الضارب في جذور التاريخ ليقدم صورة معاصرة عامرة بالأساطير والحداثة في الوقت ذاته، وحاول ويحاول جاهدا ان يرسم من خلال مفرداته السينمائية العديد من الصور التى تهدف إلى ان تكون معادلا للموسيقى الخالصة بمعنى انه يرغب ان يرى المشاهد الموسيقى وان يسمع الصور وما اصعبه من هدف نبيل.

ولد زانغ يمو في مدينة شيان بالصين عام 1951 في أسرة لا علاقة لها بالفن وبعد تخرجه من المدرسة الثانوية عمل لفترة في الريف وفي بعض المصانع وفي عام 1978 تقدم لدراسة السينما وبعدها بعشر سنوات عام 1988 حصل فيلمه «الذرة الحمراء» على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي وبعدها انطلقت السينما الصينية الى مجال العالمية أكد زانغ يمو موهبته عندما فاز فيلمه «كي نعيش» على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي عام 1994 وتتابعت أفلامه التي جذبت انتباة المشاهد في كل مكان وكان منها «الطريق الى الوطن» و«ليس اقل من واحد» و«الوقت السعيد» و«البطل» ثم «بيت الخناجر الطائرة».

أساطير وصعوبات

في فيلمه «الذرة الحمراء» نجح يمو في تصوير البساطة والشجاعة في روح الأمة الصينية وعلى هضبة التراب حيث الامتداد اللامتناهي تغطي حقول الذرة مساحات شاسعة وعندما تهب الريح تبدي الذرة قوتها. وكعادته في توظيف الألوان أكد يمو على ان الأرض الصفراء هي رمز للبساطة والحقول الخضراء رمز للقوة ومشروبات الذرة الحمراء هي رمز لدماء الأمة انها ثلاثة ألوان تعكس روح الأمة الصينية. وفي فيلمه «كي نعيش» يصور زانغ يمو اجتهاد وصلابة الآمة الصينية من خلال قصة شاب ثري يبيع مايملك بسبب القمار لكنه يقلع عن هذه العادة السيئة ويستطيع ان يوفر لقمة العيش لأسرته بعد ان يواجه العديد من الصعوبات ويعرف البطل الشاب ان هناك أملا في الحياة ما دمنا نحيا. وفي فيلم «البطل» «حقق اكبر نسبة من شغل المقاعد ضمن الأفلام غير الناطقة بالإنكليزية لعام 2004» يوضح زانغ يمو من هو البطل. فالبطل ليس هو الأقوى، بل هو من يوظف قوته لمصلحة خير المجموع وهو الذي يوظف العنف اذا اضطر إليه من اجل مصالح أمته وكرامتها. وفي «بيت الخناجر الطائرة» قدم زانغ يمو تنويعة أسطورية مختلفة عن البطولة والخيانة والغدر والوفاء وهو ملحمة بصرية بكل معنى الكلمة. من خلال الأفلام التي قدمها يمكن القول اذن اننا بصدد مخرج حاول في أفلامه دائما ان يستلهم الأسطورة الصينية والثقافة الصينية والروح الصينية ليقدم صورة معبرة واقعية وشاعرية ومبهرة في اغلب الأحيان.

انضباط وإبداع

في «بيت الخناجر الطائرة» تقع أحداث الحكاية في عهد آسرة ناتج الملكية (في الفترة من 618 الى 907 م)، و«بيت الخناجر الطائرة» هو اسم منظمة متمردة تهدف الى الإطاحة بالحكم لكن الأسرة الحاكمة تقف بالمرصاد لتحركات المنظمة الثورية وتصدر الأوامر الى ضابطين هما ليو وجين للقبض على زعيم المنظمة. الضابط جين يتظاهر بان يكون محاربا ثوريا ويستطيع ان يخلص العمياء شياو مي عضوة بيت الخناجر الطائرة من السجن ويحاول ان يكسب ثقة الفتاة ومن ثم يرافقها الى المقر السري للمنظمة لكي يتمكن من سحق المتمردين لكن يحدث ان يقع جين في حب مي وهما في طريقهما الى البيت السري وهو لا يدرك ان هناك مؤامرة كبيرة في انتظاره.

هذه الحكاية البسيطة التي تنتمي الى مثلث العشق الدرامي الخالد حيث يتصارع رجلين على فتاة على خلفية حدث تاريخي تحولت على يد مخرجنا الى ملحمة بصرية عامرة بالحركة واللون والموسيقى والأزياء وتحولت أيضا بعض مشاهدها الى دروس مهمة في فن التصوير والمونتاج «مشهد القتال بين الفتاة العمياء مي داخل القصر قبل ان تقع اسيرة» و«مشهد القتال في غابة البامبو» و«مشهد القتال في نهاية الفيلم أثناء تحول الفصول» في هذه المشاهد تتحول السيوف والخناجر كأنها ريشات تعزف على أوتار روح الممثل وتصبح مكونات الصورة كأنها لوحة موسيقية تقدم معزوفة بصرية تطرب العين وتمتع الأذن. وهناك اشارات لابد منها للتدريب الشاق الذي خضع له الممثل ليصل الى هذه الدرجة من ليونة الحركة وبراعة الأداء «قضت الممثلة زانغ زي مدة شهرين مع فتاة عمياء لتجيد دورها»، وهناك إشارة اخرى الى المونتاج الذي استطاع ان يتعامل مع ايقاع الصورة بهذه القدرة من المهنية والانضباط والابداع. وهناك اشارة الى طاقم الممثلين الرئيسيين الذين استطاعوا ان يجسدوا أدوارهم بفهم وادراك. ثم اشارة رابعة الى توظيف المكان والزمان للتعبير عن دواخل الشخصيات وصراعاتها. قد نتوقف قليلا عند بعض المبالغات في رقصة القصر او في طريقة رقصة البامبو القتالية، لكن من المهم ان نفرق بين مجانية استعراض الجمال والجمال الموظف لتحويل الصورة الواحدة الى عمل ابداعي توظف فيه كل العناصر الفيلمية.

ملامح سينما وخطوة مهمة

اذا نظرنا من خلال المتابعة الى الخصائص التي تميز السينما الصينية الجديدة يمكن القول انها تتعامل مع التراث بمفهوم عصري وتتناول التاريخ بمنظور نقدي كما طرحت بشجاعة العلاقة بين الرجل والمرأة وبين السلطة والفرد وتناولت موضوعات الحب والخيانة والجنس والصداقة بجرأة، لكن بأصالة ورقة وتمسك بالجذور من دون انطلاق مع انفتاح على الثقافة العالمية، كما ان هذه السينما استفادت من التراث الإنساني في الشعر والمسرح والفن التشكيلي والأدب وهي لا تتعامل مع التاريخ لمجرد إبداء الحنين للماضي وانما من اجل فهم النسيج الاجتماعي القائم واسباب جموده مع محاولة التغيير وفي سينما زانغ يمو وفي «بيت الخناجر الطائرة» يمكن القول اننا سنتعرف على الكثير من ملامح السينما الصينية المعاصرة.

وجود فيلم «بيت الخناجر الطائرة» في صالات السينما الكويتية هو حدث مهم وخطوة جريئة من قبل شركة السينما الكويتية التي يجب ان تنوع في عروضها وان تضع عينها دائما على المميز من الأفلام.

و«بيت الخناجر الطائرة» فيلم مميز يستحق المشاهدة واذا كنت من عشاق الفن السابع فلا يجب ان يفوتك هذا الفيلم.

تقديرات وجوائز

رشح فيلم «بيت الخناجر الطائرة» لجائزة الاوسكار في مجال التصوير عام 2004 وحصد جائزة افضل تصوير وافضل مخرج وافضل فيلم اجنبي من جمعية النقاد ببوسطن ورشح لجائزة الشاشة العالمية لجائزة الفيلم الاوروبي ورشح لجائزة افضل فيلم اجنبي للغولدن غلوب وحصد جائزة افضل فيلم اجنبي من جمعية نقاد لوس انجلوس وحصد الجائزة الذهبية لرابطة صناع المونتاج الصوتي كأفضل مونتاج صوتي وحصل على جائزة التصوير والمؤثرات الخاصة من الستلايت وحصد جائزة الاخراج من الغولدن روستر ورشح لجائزة افضل فيلم في مهرجان هونغ كونغ وعرض في العديد من المهرجانات العالمية كان آخرها مهرجان القاهرة الدولي.

القبس الكويتية في 21 فبراير 2006

 

سينماتك

 

اللغة السينمائية وقضايا أخرى في كتاب:

«مــدخـل إلى سـيـمـيـائـيــة الـفـيـلــم»

دمشق - خليل التقي:

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك