لم يكن اختيار المخرج السوري الشاب ميار الرومي اسم "سينما صامتة"، عنواناً لفيلمه، اختياراً عابثاً، إذ يبدو تماماً أن المخرج يريد، منذ اللحظات الأولى لفيلمه، أن يهجو شيئاً ما في بلده، وسنجد أن الصوت سوف يعلو في الفيلم، على الرغم من صفة "الصمت" التي جعلها سمة للسينما، وربما السينمائيين السوريين.

الفيلم عنوانه "سينما صامتة"، ولكن حتى اللحظات الصامتة فيه، كانت قادرة على التعبير، بطريقتها الخاصة، ربما بسخرية مريرة، أو مفارقة فاضحة. والكاميرا هنا ليست بريئة من الدلالات التي تحاول الايحاء بها!.. والمخرج الذي يبدو في لحظة أنه يلعب بالكاميرا، لم يكن كذلك، وربما هذا ما يمكن أن يعيب الفيلم في النهاية، إذ أن القصدية الهجائية تبدو مسبقة، والفيلم، أو المخرج، لا يتركان المشاهد يصل إلى ما يريدان قوله نتاج عملية مشاهدة الفيلم، وحدها، بل ثمة محاولة لتشريبها للمشاهد بالملعقة!..

أصلاً، هذا الفيلم هو لصالح المعهد الذي لا زال ميار الرومي (لحظة تصوير الفيلم عام 2001)، يدرس فيه. لكن المثير أن الفيلم وجد طريقه للعرض على القنوات الفضائية العربية، وأصبح بمثابة بيان سينمائي، يتناقله المهتمون على أقراص، وأشرطة!..

صحيح أن الفيلم حافل بالمكاشفة الجريئة، لكنها لم تصل إلى ما فعله محمد سويد في فيلمه الجميل "عندما يأتي المساء"!.. هنا وهناك، ثمة حال من الدخول في القول الصريح، على إيقاع الانفلات الذي يؤمِّنه الشراب!..

يأخذنا محمد سويد في فيلمه، إلى الطقوس ذاتها، منذ "قلي قطعة السمك"، إلى "قلي لينين نفسه".. ونتداعى منهارين، كما الشاعر بعلبكي، أمام بطّة حمام إفرنجي، يتقيأ وفي السمع أهازبج الثورة التي انتهت إلى العبث.. بينما يتركنا ميار الرومي نستكشف ما جرى، دون أن نرى منه سوى الباقي في كأس رياض شيا، والإحمرار المتسرب إلى بياض العيون المنهكة..

يبني سويد الطاولة، ويعمّرها، ويعلو فوقها الكلام، الاعتراف والمكاشفة، والنقد الجريء.. فيما يهدم الرومي الطاولة، ويمسح عنها الآثار، حتى "جاط السلطة الفارغ"..

ولكن ما علاقة الثورة بالسينما؟.. سيبدو هذا السؤال نافلاً آن نتفق على أن السينما هي ثورة أصلاً، ليست فقط بالمعنى البصري، بل مع ذلك، قبله وبعده، على المستوى الاجتماعي والسياسي، الفكري والثقافي، والتعبير الجمالي..

من هنا كان الحضور للصوت المتذمّر، إن تحدث أو صمت (رياض شيا، أسامة محمد، بندر عبد الحميد)، وللصوت المتحوّل من حقل النقدي السينمائي إلى المعارضة السياسية (حكم البابا)، وللصوت اللاعن (عمر أميرلاي)..

ليس انتقاء عبثياً هذا الذي قام به ميار الرومي، فهو السينمائي خارج الإطار الرسمي للسينما السورية (المؤسسة العامة للسينما)، يريد أن يهجو السينما الرسمية، عبر السينمائيين الرسميين أنفسهم.

من هنا كانت "سينما"، على الرغم من أن بندر عبد الحميد سيعلن عن عدم وجود سينما سورية، بل وجود أفلام سورية فقط، لا يزيد الجيد منها عن عدد أصابع اليدين، ويرى أن هذا الجيد من الأفلام، "فيه موزاييك إنساني، ومحلي، ووطني، وكوميدي، وتاريخي.. وحرية رأي، وكلام حلو.. وفن"..

ومن هنا ستكون "صامتة"، على الرغم من التبرّم العالي الذي سيبديه كل من رياض شيا وحكم البابا، ويتفقان في النهاية على أنهما "ما بدنا سينما، بدنا شوية كرامة"!.. على الرغم مما يثيره هذا الطلب من سخرية على ملامح حكم البابا نفسه.

يمارس أسامة محمد الكثير من التهذيب، والديبلوماسية، عندما يقول إن فيلمه "نجوم النهار"، الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما، ذاتها، ممنوع من العرض الجماهيري!.. المنع شفهي.. لا يوجد قرار مكتوب.. لكنه ينفذ عملياً.. والفيلم لا يعرض إلا في المهرجانات، أو العروض الثقافية، في الأمسيات، والندوات، في المراكز الثقافية، أو في البيوت!..

لن ينزعج عمر أميرالاي من هذه الحالة، ويقول إنه يسعى لأن يحقق فيلماً جيداً، حتى لو كان بالتحايل على الدولة!.. الاحتيال على الدولة، هذا ما يعلنه أميرالاي الذي يؤكد: "علاقتي مع الدولة بدأت صراعية، واستمرت صراعية.. أنا لا أحترم هكذا دولة.. ولا أقبضها.. ولا أعتبرها ممثّلة لقدرات هذا المجتمع، أو إمكانياته، ولا مواهبه.. ولا هي جديرة بما يمكن أن يقدّمه هذا البلد"..

الدولة التي تتحكم بكل مفاصل العملية الانتاجية السينمائية، والتي بدأ فيلم ميار الرومي الحديث عنها، منذ اللقطة الأولى، باستغراب رياض شيا من أنهم "في المؤسسة خايفين، وطلبوا من الرومي أن يشرح لهم كل لقطة يريد تصويرها، وكيف".. هي الدولة ذاتها التي "قرصها" عمر أميرالاي في أكثر من فيلم، وفاجأها!.. وهاهو يعترف قائلاً: "أنا ما في مرَّة صورت الشيء اللي قلته للدولة.. يمكن خداع الدولة.. خداع من أجل إنجاز الفيلم".

هل هذا الاحتيال مشروع؟.. شخصياً، لا أعرف الاجابة على هكذا سؤال، إلا بسؤال آخر، ينبغي البحث في إجابته، والسؤال يقول: ما الذي يجعل السينمائي السوري يلجأ إلى الاحتيال؟..

يتحدَّث فيلم "سينما صامتة" عن احتيالات عمر أميرالاي الفنية، على الدولة، وسيقوم الفيلم ذاته، ومخرجه ميار الرومي، بما يشبه ذلك.. ويكرّر ذلك في أكثر من مشهد، ولقطة.. وإلا ما معنى أن يستبدل نقرة الكلاكيت، بصفقة كفين، وأن يصوّب كاميرته إلى تلك الموظفة السينمائية، المحجبة، والغارقة في أوراقها (الرسمية طبعاً)؟.. الموظفة لا تنتبه للكاميرا.. ولا يرفّ لها جفن.. حتى عندما حدث التصفيق.. إنها سادرة في أوراقها.. والكاميرا تتحرك يساراً وتتوقف عند صورة الرئيسين: حافظ، وبشار الأسد..

وما معنى أن يجعل المخرج، أحد العاملين في المؤسسة، يقف أمام الكاميرا، هكذا، صامتاً، يقاوم ابتسامة تكاد تتسرب إلى ملامح وجهه الخالية من أي معنى؟..

يتحدث المخرج رياض شيا عن تجربته في فيلم "اللجاة".. ويشرح كيف قطع نفسه عن مشاهدة السينما أربع سنوات، في ما أسماها "العزلة المعرفية"، والعيش في عالم خاص، ربما من أجل منع تسرب مؤثّرات.. وينتهي إلى التمييز بين "السينما" و"الفيلم"، معلناً أنه "يمكنك أن تعمل فيلم كل ثلاثة أشهر.. لكن عمل السينما شيء آخر".. فيأتي مشهد من فيلم "اللجاة"، حيث الأغنام تُقاد إلى الحظيرة، وتُكوى بالحديد، والنار.

فيلم "سينما صامتة"، وخلال مدته (25 دقيقة)، يحاول أن يتناول مشكلات السينما السورية، دفعة واحدة. "في العالم يأتي المخرج إلى التصوير، وكل شيء جاهز.. أما في سوريا فالمخرج معنيّ بالعمل في الكثير من التفاصيل.. آخر ما يعمله المخرج هو عمله كمخرج.. يشتغل في التواقيع.. والموافقات.. يصل إلى اللحظة التي ينبغي بها العمل كمخرج وهو منهك تماماً"، يقول شيا..

"الفلاحون لا يأكلون بطاطا"!.. إذن السينمائيون لا يصنعون سينما، والجمهور لا يشاهدها.. و"المشكلة في المستودع"، يقول بندر.. والفيلم ينتقل إلى المستودع، حيث نرى صوراً من حفظ غير نظامي للأفلام.. الأفلام مكوّمة على الرفوف، وعلى الأرض.. في أكياس خيش.. ونرى صالة العرض البائسة.

حكم البابا يتبرم من لعب الدولة على الزمن، ويربط بين ما يراه سياسة المؤسسة، وسياسة الدولة: "عش على أمل فيلم بعد عشر سنوات.. وسوف تناله.. وبهذا تنتهي حياة المخرج بفيلم، أو اثنين، أو ثلاثة في أحسن الأحوال".

بندر يسأل المخرج: "هل تريد العودة إلى هنا بعد الانتهاء من الدراسة"؟.. وإذ يجيب المخرج بنعم.. ينبهه بندر إلى أنه سوف يعاني.. وينبغي له أن يمتلك قدرة على التحمل.. قدرة خاصة.. ويختتم الفيلم قائلاً: "تحمَّل بدون تواطؤ.. تحمَّل المعاناة مع شيء من المرح، حتى لا تصاب بالجلطة.. وخلّي دائماً معك بنت لطيفة.. تخفف عنك الأعباء".

المستقبل اللبنانية في 19 فبراير 2006

 

في الفيلم الأمريكي «اختطاف»..

موهبة «جودي فوستر» تفشل في إنقاذ هذا الفيلم المثير

نهاد إبراهيم  

فيلم مثير لكن ينقصه شيء ما أو بمعني أدق عدة أشياء، يجذب المتفرج لكن ليس بما يكفي فاستحق أن يقبع في منطقة النجاح المتوسط، رغم أن بطلته هي النجمة الأمريكية الكبيرة جودي فوستر.

إنه الفيلم الأمريكي «اختطاف» إنتاج عام 2005 من إخراج الألماني روبرت شوينتكي، في ثالث أفلامه السينمائية بعد فيلميه "مجوهرات العائلة" إنتاج عام 2003 و"وشم" إنتاج عام 2002، لكنه اكتفي في فيلمه الحديث كأول أعماله الناطقة باللغة الإنجليزية بمهمة الإخراج فقط حيث كان يتكفل فيما قبل بمهمة كتابة السيناريو أيضا. وبمجرد إيضاح أن هذا الفيلم يقوم علي جريمة اختطاف طفلة صغيرة وتقوم ببطولته جودي فوستر، لابد أن تعود بنا الذاكرة تلقائيا وتتوقف أمام فيلمها الجميل "غرفة الرعب" إنتاج عام 2002 من إخراج ديفيد فنشر، وكان يقوم أيضا علي محاولة اختطافها مع طفلتها الصغيرة داخل فيلا مجهزة بتحصينات تكنولوجية رائعة الترتيب والتصميم والتنفيذ أيضا. أما في فيلمنا الحالي "اختطاف" فتحاول الأم حماية ابنتها من مختطفيها أيضا ويلعب المكان دور البطولة المطلقة، مع الأخذ في الاعتبار استبدال المنزل المعد ببراعة والعامر بالمفاجآت في الفيلم القديم إلي طائرة ضخمة من نوع حديث في الفيلم الجديد تحتوي من الدهاليز والغرف السفلية والعلوية والكبائن والممرات والسراديب ما يحتمل إقامة فيلم متكامل علي أساس مطاردات لعبة القط والفأر، التي ستدور في كل البقاع تقريبا بدءا من مقعدي السيدة وطفلتها حتي كل مكان لم نشاهده من قبل أو أصغر زاوية هامشية منه. ولعل تصميم هذا الطراز من الطائرات بهذه الضخامة والعمق والتشويق يجعل بناء هذا الفيلم، مختلفا عن العديد من الأفلام التي تدور في مكان واحد وبالتحديد في طائرة كبيرة لكنها محدودة مثلما شاهدنا فيلم "طائرة السيد الرئيس" بطولة هاريسون فورد مثلا.

ولنبدأ من البداية لأنها تهمنا كثيرا.. افتتح كاتبا السيناريو بيتر دولنج وبيلي راي مع المخرج الألماني روبرت شوينتكي فيلمهم بعقد اتفاق وثيق مع فريق العمل لتأسيس الجو العام للفيلم من اللحظة الأولي دون تضييع وقت، لترسيب إحساس داخل المتلقي بدق جرس الإنذار واقتراب الخطر، لكنه خطر من النوع الداكن الذي لا حدود له ويمكنه أن يصيب أي إنسان مهما كان بالرعب الأزلي.. هذا الرعب بالتحديد كان أول تعبير تمثيلي متمكن قدمته كايل (جودي فوستر) وهي تجلس وحيدة تماما علي مقعد انتظار في محطة مترو فارغة من الراكبين والنازلين والبشر والحياة وكل شيء، اقتربت منها بمنتهي الحذر كاميرات مديري التصوير إلوريان بالهاوس وإيجل إيحلسون وديفيد ستامب في نفس مستواها وهي جالسة أو أعلي قليلا، بملابسها الداكنة الثقيلة والإضاءة الباهتة والأرض الباردة التي توشي بنذير سيئ، في ظل إيقاع بطيء أكثر من المعتاد تحكم فيه جيدا المونتير توم نوبل في خطوة أكثر بطئا من سرعة الإنسان العادي الذي يتسلل خلف شخص دون علمه. ثم أخذت الكاميرات تلتف حولها فيما يشبه ربع دائرة ملتوية مفتوحة أكثر من اللازم، لزيادة حالة الترقب التي تفاعلت معها موسيقي المؤلف الشهير جيمس هورنر المعبرة التي تتبني وجهة نظر البطلة. حتي استقرت بنا هذه الفزورة البصرية علي وجه السيدة كايل وهي تنظر إلي لا شيء من وجهة نظرنا، متحجرة في مكانها بعنف كالتمثال الهارب من سجن الزمن وعلي وجهها علامات الهلع الرهيب، الذي يؤكد مدي قسوة الموقف والإحساس بالظلم المخيف الواقع عليها وهي وحيدة تماما، وهو ما يؤكد أيضا مدي موهبة هذه الممثلة في امتلاك أحاسيسها وشحنتها الشعورية وملامح وجهها الطيعة توظفها وتروضها وتوجهها كما تشاء.. ولولا دقة هذا المشهد بالذات من كافة العناصر لتعرض العمل ككل للخلل الواضح الذي لن نجد له علاجا أبدا، لأنه من خلال هذا المشهد تولد التعاطف الفوري مع البطلة ولحقت به حالة التوحد الكبير. مما أثمر في النهاية متابعة مغامرات هذه السيدة للبحث عن ابنتها الصغيرة التي اختطفها أحدهم، بعدما غفت الأم من فرط الإرهاق داخل الطائرة الضخمة القادمة من برلين إلي نيويورك، في كل المواقع المنتشرة للغاية وسط جمع غفير من الركاب بأنماط مختلفة، وكيف لا تعرف كل شبر في الطائرة وهي المهندسة التي شاركت في تصميم وخلق هذا الكائن الأصم من لا شيء.

لم يكن التحدي الكبير هو مجرد عثور الأم علي ابنتها من عدمه، لكن أيضا تأكيدها للجميع وعلي رأسهم الكابتن (شون بين) ومسئول الأمن ريتش (بيتر سارسجارد) أن ابنتها جوليا (مارلين لاوستون) ذات الست سنوات كانت معها علي الطائرة بالفعل؛ مع أن الجميع ينكر مجرد رؤيتها بما في ذلك كشف الركاب الرسمي ! فإما أن تكون الأم مريضة نفسيا وقد لعب معنا المخرج من البداية لعبة فنية، وتصبح كل مشاهد الفتاة الصغيرة التي شاهدناها بأنفسنا من وحي خيال الأم، من أثر صدمتها في موت زوجها الذي تحبه ووالد ابنتها فجأة وسقوطه من الدور العلوي للعمارة مع ابنتها، رغم أنها تشك أن هذه أيضا جريمة قتل مدبرة؟! وإما أن تكون كل المؤامرة محبوكة أكثر من اللازم تشترك فيها عدة جهات دولية حتي تتحكم في تزييف قائمة ركاب الطائرة أيضا، وعلينا إذن المساهمة بإيجابية في البحث عن هذه الفتاة المخطوفة. وفي الحالتين تأكدت حالة التوحد التام التي زرعها المخرج بنجاح مع البطلة من البداية، لأنها في النهاية أم تبحث عن ابنتها الصغيرة بين سراديب الطائرة العملاقة أكثر من اللازم أو بين سراديب رأسها العبقري أكثر من اللازم.

ما بين البحث ومغامرات الكر والفر ومعركة الذكاء وسباق الزمن بين الأم القوية جدا والعدو المجهول جدا، مر الفيلم بمنطق المسح البعيد علي بعض الأنماط المهمة، التي توضح أسباب حبكة هذه المغامرة ولو بطريق غير مباشر. فسلبية البشر التي تجبر أما وأبا من ركاب الطائرة علي إسكات أطفالهم كي لا يشهدوا بحقيقة وجود الطفلة بمنطق ليس لنا دخل فيما لا يعنينا، تؤكد أنه مهما جاء العدو من المستوي العلوي، فالخلل يبدأ دائما من المستوي السفلي.. ولا مانع أن يشير الفيلم إلي تهمة الإرهاب الملتصقة بالمسلمين وأصحاب البشرة السمراء والعقول دون ذنب، الذين من الممكن أن يتحولوا من ركاب محترمين إلي متهمين غير محترمين في لمح البصر، وهم مع الأسف يؤكدون هذه النظرة بضعف ردود أفعالهم وهم يدافعون عن أنفسهم كمتهم صغير جديد؛ وكأن التهمة الكاذبة قد تحولت إلي حقيقة بالإيهام والإلحاح الإعلامي.

أربع مشكلات مهمة يواجهها هذا الفيلم بالتتابع.. أولا ضعف السيناريو في تصميم المطاردات فجاء التنفيذ أعلي علي المستوي البصري للمخرج مع فريق العمل، ثانيا الابتعاد قدر الإمكان دون مبرر عن دافع هذه المؤامرة السياسي، فلم نتفاعل معه لأنه لم ينل الاهتمام الكافي من المناقشة، وتفرغنا لصراع الاختطاف كنتيجة أكثر بكثير من الصراع الأصلي كدافع محرك لكل هذا. ثالثا بني الفيلم كل مشاهده بالتراكم حتي نصل إلي اللحظة الفاصلة، لحظة المواجهة بين الأم ومنفذ الجريمة وحدهما، لكن كل هذا التشويق لم يرو المتلقي بما يكفي لضعف فكرة هذه المشاهد ورؤية المخرج لها فجاءت أقل مشاهد هذا الفيلم علي عكس المتوقع. رابعا اجتهاد كافة طاقم الممثلين بنجاح كبير خاصة جودي فوستر والصغيرة مارلين لاوستون علي قلة مشاهدها، حتي أنهم كثيرا ما ارتفعوا بمستوي المشهد وتأثيره بذكاء وإصرار علي الاجتهاد والتركيز مستغلين طاقتهم الكبيرة، حتي أننا من الممكن أن نخرج في النهاية بمتعة مشاهدة فن أداء الممثل المجرد أكثر من الفيلم ذاته؛ وهذه في الحقيقة مشكلات لا يستهان بها.

جريدة القاهرة في 21 فبراير 2006

ضوء ... السينما الرومانسية على الطريقة الآسيوية

عدنان مدانات 

من مفارقات العصر أن “العولمة” التي تسعى إلى احتواء حضارة العالم الحديث في كافة مجالاتها ضمن قالب يعتمد النموذج الأمريكي مثالا يحتذى به، لم تحقق أهدافها في مجال السينما تحديداً، وذلك على الرغم من قوة صناعة السينما الأمريكية وقدراتها التكنولوجية المتنامية وهيمنتها على أسواق التوزيع والعرض وشعبيتها الكبيرة في أرجاء العالم والتي عبر أكثر من قرن هو تاريخ السينما العالمية. فمع اقتراب القرن العشرين من نهايته ودخول التاريخ البشري في الألفية الثالثة، بدأت نوعية جديدة من الأفلام تفرض نفسها وتستقطب اهتمام أوساط واسعة من هواة ومحبي فن السينما في العالم ، وتوّج هذا الاهتمام بالجوائز الرئيسية التي حصدتها تلك الأفلام من مهرجانات ومسابقات سينمائية عالمية، بما فيها مسابقة الأوسكار الأمريكية في جانبها المخصص لأفضل فيلم ناطق بغير الإنجليزية. ومن اللافت هنا أن معظم أفلام هذه النوعية الجديدة صارت في السنوات الأخيرة  تأتي من القارة الآسيوية وتحديداً من إيران والصين الشعبية ومن ضمنها هونج كونج، وأخيرا من كوريا الجنوبية، بحيث بات من الممكن القول بأن القرن الواحد والعشرين، بالعلاقة مع فن السينما الراقية، هو قرن السينما الآسيوية بامتياز.

واحد من المجالات العديدة التي برعت وتميزت فيها في السنوات الأخيرة الأفلام الآسيوية الراقية وأبهرت من خلالها محبي السينما في العالم، عدا عن تعبيرها عن خصوصية حضارية ذات جذور تراثية أصيلة وراسخة،  يتعلق بزاوية رؤية غير مألوفة وبطريقة جديدة في سرد ومعالجة موضوع الحب واختيار القصص التي تدور في إطاره. والحب موضوع تقليدي يكاد لا يخلو منه فيلم في السينما العالمية وإن بنسب متفاوتة. وفي الغالب الأعم يمكن للباحث إحصاء وتصنيف مجموعات متقاربة من الطرق المتكررة في السينما لمعالجة موضوع الحب بغض النظر عن تنوع الحكايات التي تدور في إطاره.

تجري الأحداث في الفيلم الكوري الجنوبي ذي العنوان الذي يشير في معناه إلى الموسيقا “الأورغن في قلبي” (ترجمة أخرى للعنوان الأصلي “الهارمونيكا في ذاكرتي”)، وهو من إخراج  يونج - جاي لي، في بلدة صغيرة تقع بعيداً عن العاصمة سيؤول وذلك في العام ،1963 وتستمر الأحداث خلال فصل دراسي واحد فقط. بطل الفيلم  كانج شاب في الواحد والعشرين من العمر، متخرج حديثاً في معهد المعلمين، يصل إلى القرية للعمل فيها كمدرّس للموسيقا واللغة. ولأن هذه هي وظيفته الأولى فهو يقبل على العمل بكل حماس وإخلاص. ويتعامل المدرس الشاب بكل محبة مع تلاميذه وتلميذاته مختلفي الأعمار والمنتمين في معظمهم إلى عائلات فقيرة ويعيشون في بيئة متخلفة، يعبّر عنها الفيلم منذ البداية من خلال تصوير ما يحدث في غرفة الصف في المدرسة، وتصوير تصرفات التلامذة على نحو شديد الطرافة والواقعية في آن. فالتلامذة ينشغلون منذ الصباح بتدبير المقالب للأساتذة، الذين بدورهم يتقبلونها كجزء من واقع الحال، كما تتجرأ تلميذة صبية على أن تجلب معها إلى داخل الصف شقيقها الرضيع ولا تجد غضاضة في تبديل “حفّاضته” المتسخة أثناء قيام المدرس بعمله، وتدخل تلميذة معاقة الصف متأخرة وهي تضحك وتقدم أي عذر لتأخرها، ويقتحم  جد عجوز غرفة الصف من دون استئذان ويتوجه نحو حفيدته معاتباً ليسلمها “زوادة” الطعام التي نسيت جلبها معها، ولا يتورع ثلاثة من التلاميذ عن الدخول في معركة حامية الوطيس وسط الصف متجاهلين وجود المدرس.

تبدأ حكاية الفيلم من لحظة وصول الأستاذ إلى مداخل البلدة حيث يصادف في الطريق التلميذة في الصف السادس (يون) والتي ستقع في غرامه منذ رأته. ويون صبية صغيرة، لا تتميز بجمال خاص، وهي شديدة الخجل رعناء وتتعرض باستمرار لتوبيخ أمها على تقصيرها في كل أمر توكله إليها، سنراها طوال الفيلم تعاني من الارتباك أمام أستاذها الشاب فلا تعرف كيف تعبر له عن حبها، وهو سيبقى حب من طرف واحد، إلا عن طريق تصرفات رعناء لا تفيدها في شيء ولا تجلب انتباه المدرس لها بشكل خاص. هذا في حين أن عاطفة المدرس كانج تتجه نحو مدرّسة جديدة مثله تكبره ببضع سنوات وتنجذب بدورها نحوه إذ يجمع بينهما حب الموسيقا، من دون أن يؤدي الانجذاب الذي بات محط الأقاويل بين الأهالي والتلاميذ إلى حب مقابل من طرفها أو تحقق علاقة حب فعلية، فيكون من نتيجة ذلك استقالتها ومغادرتها البلدة وعودتها إلى خطيبها في العاصمة.

من خلال التلميذة والمدرّس والمدرّسة يبني الفيلم حالة حب ثلاثية الأطراف ولكن من دون أن يجعل من هذه الحالة قصة، فالفيلم بهذا المنحى يحكي عن الحب دون أن يحكي قصة حب أو يطوّر علاقة حب وهو فيلم عن العاطفة دون أن يكون فيلما عاطفيا، مثلما أنه فيلم عن جمال الأحاسيس التي تبعثها الموسيقا دون أن يكون فيلماً موسيقياً. والعواطف التي يقدمها الفيلم عواطف أناس بسطاء صادقين وعفويين، عواطف تتسم بالنقاء والبراءة، ولهذا يجد المتفرجون أنفسهم يتعاطفون مع اللحظة والحالة بغض النظر عن تشوقهم لمعرفة مصير العاطفة.

أبرز ما في الفيلم من مشاهد وأكثرها تأثيرا في العواطف وبقاءً في الذاكرة مجموعة من المشاهد المرتبطة بالتعبير عن جمال العواطف المرتبكة وبمحاولات التلميذة التعبير عن هذه العواطف عبر مواقف مؤثرة وممتعة. من هذه المواقف المؤثرة والممتعة في آن قيامها بسرقة دجاجة حية من منزل والدتها وحمل هذه الدجاجة معها أثناء الرحلة المدرسية بهدف جعلها غذاء للمدرس، وهي محاولة تنتهي بهرب الدجاجة إلى داخل بحيرة قريبة وتعرّض التلميذة للغرق أثناء محاولتها الإمساك بها. ومن هذه المواقف أيضا لحظة قيام المدرس بقرص ذراعها على سبيل المزاح مما يجعلها تدخل في عالم من الأسئلة القلقة والأحلام والتصورات غير المؤكدة.

الخليج الإماراتية في 20 فبراير 2006

 

فيلم «حليم» مهدد بالضياع والمسلسل قابل للنزاع

كتب ـ هشام زكريا:  

مع اقتراب حلول الذكري 28 لرحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في مارس القادم وحلول الذكري الأولي لرحيل النجم الأسمر أحمد زكي في أبريل يزداد الموقف غموضا حول مصير فيلم «حليم - حكاية شعب» آخر أفلام زكي وأصبحت كل المؤشرات تؤكد أن الفيلم في حالة عدم عرضه خلال شهر مارس القادم فإنه سيواجه مأزقا شديدا يهدد بعدم عرضه خلال عام 2006 ، وبالتالي يقل توهجه ويهدده بانصراف الجمهور عنه عند عرضه ليواجه نفس المصير الذي واجهه فيلم كوكب الشرق للمخرج محمد فاضل بطولة فردوس عبدالحميد الذي تم رفعه من دور العرض بعد يوم واحد من عرضه لعدم الإقبال الجماهيري عليه .. وتكمن مشكلة فيلم «حليم» في أن الشركة المنتجة له وبعد رحيل أحمد زكي بدأت تعطي اهتماما أكبر لفيلمها الآخر «عمارة يعقوبيان» الذي عرض مؤخرا في مهرجان برلين السينمائي الدولي بالإضافة إلي إهمال الفيلم من جانب شركة التوزيع التي ترفض حتي هذه اللحظة الإعلان عن موعد عرض الفيلم بدعوي انتظار الوقت المناسب واللائق بالنجمين الراحلين، وبعد أن قامت شركة التوزيع بإطلاق بالون اختبار خلال الفترة الماضية بإعلانها عن عرض الفيلم خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس مع حلول ذكري النجمين، فإذا بنا نفاجأ بإن الأمر عار من الصحة، وبعدها خرج علينا عادل إمام في أحد حواراته ليشير أنه من الصعب أن يتم عرض فيلمي «حليم» و«يعقوبيان» في موسم واحد وهي إشارة واضحة لعدم عرض الأول خلال موسم الصيف والذي تحدد أن يعرض فيه الفيلم الثاني.. وبالتالي ضاعت الفرصة علي «حليم» وعلي الجمهور وأصبحت الساحة متاحة لإطلاق المزيد من الشائعات حول مصير الفيلم ومنها أن الشركة المنتجة كانت بالفعل تستغل مرض أحمد زكي للترويج للفيلم وتحقيق أكبر مكاسب ممكنة بدليل أنه أثناء التصوير وبعد رحيل زكي أعلنت الشركة أن الفيلم سيعرض في يوليو الماضي «2005» قبل أن نفاجأ بأن التصوير لم يستكمل بعد حتي انتهي في أكتوبر الماضي .. وهناك شائعة أخري تقول: إن مستوي أداء هيثم زكي في الفيلم جاء عكس ما كان متوقعا مما يهدد الفيلم بالفشل وشائعة أخري تقول إن المخرج شريف عرفة واجه مأزقا شديدا بالفعل بعد رحيل زكي ولكنه رفض الاعتراف به فقام باستخدام الخدع التكنولوجية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن محاولاته باءت بالفشل بعد مشاهدة نسخة الفيلم .. وكل ما سبق يؤكد أن فيلم «حليم» أصبح مهددا بالضياع والفشل إذا ما تم عرضه.

نفس الأمر ينطبق علي مسلسل «حليم» الذي تعاقد عليه د. مدحت العدل مؤخرا مع محمد شبانة وريث العندليب مقابل 2 مليون جنيه حيث تردد أن شبانة كان قد تعاقد علي نفس المسلسل مع إيهاب طلعت مقابل مليون و650 ألف جنيه وأنه قام بالإخلال بشروط تعاقده معه عندما باع المسلسل لشركة العدل جروب، حيث هناك مؤشرات تشير إلي أن إيهاب طلعت وبعد خروجه من السجن بدأ يعد العدة لشن حملة واسعة علي محمد شبانة بسبب المسلسل.. أما مدحت العدل فلايزال يبحث عن وجه جديد يجسد بطولة المسلسل، وهناك من يري أن هذا الوجه «الجديد» مجرد لعبة تم الاتفاق عليها مع إحدي الفضائيات لتحقيق مكاسب خاصة بعيدا عن المسلسل من خلال عقد مسابقة طويلة الأمر علي شاشة هذه القناة بين شبان من مختلف الدول العربية لتجسيد شخصية «حليم» في برنامج شبيه بالبرنامج الشهير «ستار أكاديمي» .. وهكذا أصبح حليم وتاريخه سلعة رائجة في أيدي المحترفين بعيدا عن فنه وعشق الجمهور له.

جريدة القاهرة في 21 فبراير 2006

 

سينماتك

 

سينما التحايل والأصوات الصامتة

بشار إبراهيم

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك