عواطف حبيسة، علاقات متشابكة، حكايات منهمرة من سقف غرفة معتمة. موت وحياة ومحاولات متعسرة للبدء من جديد. الماضي هنا يلقي بظله الثقيل، و «مروان» يقبع فيه متوجساً من مواجهة الضوء المتمثل في حبيبته، أرملة صديقه ومثله الأعلى في الحياة. هذا «الحاجز» الذي وقف بينهما قد زال الآن. بيد أن مروان مسكون به غير قادر على تجاوزه وتحقيق حلمه. التخلص من ظلال الماضي، من عبئه، من الحواجز التي تقف بيننا وبين انطلاقة جديدة... هذا هو موضوع «تحت السقف» الفيلم الروائي الأول للمخرج السوري نضال الدبس والذي استحق عنه في مهرجان مسقط السينمائي الرابع الخنجر البرونزي. المبادئ، النضال... هموم سورية بامتياز، والمكان المغلق الذي تدور فيه الأحداث يساهم في توفير الأجواء التي أراد المخرج الإيحاء بها، الحبس، الانغلاق، القيد... «الجو مغلق محكوم بسقف ينقط ذاكرة فمع كل نقطة حكاية». هل يمكن القول ان هذا الفيلم هو خير معبر عن السينما السورية؟ هذه السينما المتميزة بأسلوبها الفني الرفيع، وهمومها الإيديولوجية والمسكونة بهاجس «الماضي» كما يتهمها البعض؟ يوافقنا المخرج ويقدم لنا فيلمه على أنه «هموم المثقف السوري في علاقته مع نفسه ومع محيطه».

في مهرجان مسقط، كان المخرج السوري نشطاً في تحركاته وفي الاجتماع مع زملائه العرب للتباحث في «هموم» السينما. لقاءاتهم تمخض عنها بيان المخرجين العرب. هناك التقيناه في حوار عن الفيلم والسينما السورية.

·         هذا فيلم سوري بامتياز، سواء في الشكل الفني أو في المضمون. الهموم، الأوهام، الأسلوب...

- أوافقك. الموضوع هو سوري حتماً. أردت أن أكون صادقاً إلى أقصى الحدود، مع الشخصيات، مع المكان، تفاصيله، البيت، لون جدرانه، خصوصيته الدمشقية. لم أجد مكاناً يجمع ما أردت لإعطاء الإحساس حتى بالرائحة. فقررت بناء البيت، وجلبت المواد من دار دمشقية قديمة. مع الشخصيات، كان معياري الوحيد ترك مساحة لها للتعبير. إنها مجموعة من جيلي (المخرج في منتصف الأربعينات) الذي أعرفه جيداً، وأعرف كيف يفكر، يتحرك، يعبر... الحكاية هي كذلك سورية بسكونها، بعدم وجود أحداث فيها!

·         الشخصية السورية مسكونة بالهاجس الإيديولوجي. هل تعتبر فيلمك إيديولوجياً؟

- لا، ثمة فقط حضور للسياسة التي هي من مفردات حياتنا اليومية. وهي ما جعل من الفيلم «سورياً» أيضاً كما تقولين. رغبت في التعامل مع السياسة، ليس كحدث وإنما من حيث تأثيرها النفسي في الشخصية، ومن حيث أنها عامل من عوامل تكوينها.

·     ولكن هذا قد يمثل حاجزاً أو «جداراً»، كما شبه لنا مخرج عربي، وصلت إليه السينما السورية ولا تستطيع تجاوزه. فكيف ترى هذا التشبيه؟

- إنه الواقع السوري الاجتماعي والسياسي الذي يتميز بوقوفه عند حاجز الإيديولوجيا. وهذا ليس عيب السينما السورية، بل هو من عيوب المجتمع السوري.

كآبة... لا سوداوية

·         هل يمثل ذلك برأيك عائقاً أمام انطلاقة السينما السورية؟

- نعم ثمة حاجز أمام الإبداع والفكر في سورية. وبالتالي ليست الإيديولوجيا خاصية سينمائية وليس السينمائيون هم المؤدلجون. ما يدعو إليه الفيلم هو تجاوز «سقف» الإيديولوجيا عبر التخلص من المرجعيات والثوابت: الشاعر، الكتب (في الفيلم)... والسقف الذي يحد من ذلك. لم أحاول تخطي هذا الواقع. كان علي إنجاز هذا الفيلم كي أتجاوز ذلك في ما بعد. الأفلام سابقاً كانت تعمل على الإيديولوجيا ولكن ليس من أجل تخطيها.

·         الفيلم فيه الكثير من السوداوية.

- لا أرى الفيلم سوداوياً ولا محبطاً، كئيباً ربما. لكن الغاية تكمن في الخروج من الكآبة وليس في تكريسها، إنه يدعو الى تجاوزها عبر اكتمال الشخصية الرئيسة وقيامها بفعل مهم جداً: نبش الماضي، مهاجمته، رميه ومن ثم تدميره. وهو عمل ثوري. المواجهة هي المهمة في الموضوع بل هي الأهم.

·     الوهم أيضاً يسكن الشخصيات، وهم الثقافة (رمي البطل للكتب) والحرية والبحث عن الذات. تقول البطلة: «قضيت العمر وأنا أحاول التخلص من آثار العائلة والزوج للوصول إلى الأنا». ولكنها تجد نفسها في النهاية ملتصقة بما حاولت الهروب منه.

- همومنا الكبيرة أنستنا تلك الصغيرة. والحرية أصبحت وهماً لأننا كنا نبحث عنها خارجنا، مع أن من المفروض أن يبدأ البحث عنها من دواخلنا. أما الكتب في الفيلم فهي مرجعيات وثوابت أحادية وهي في الفيلم جزء من الماضي.

·         عادت القبلة بعد 25 سنة من اختفائها من السينما السورية. هل تعتبر الفيلم جريئاً لهذا ولوجود مشاهد أخرى حسية؟

- معياري كان الصدق ولم تكن القبلة هي الهدف فلم أكن أعرف أنها كانت مختفية كل هذا الزمن. الجرأة لم تكن هدفاً. إنه موضوع خطير ولا يمكن تناوله إلا كما هو. بهذا المعنى إذا كان ذلك يسمى جرأة فأنا موافق.

·         أي موضوع تقصد تحديداً؟

- مواجهة الذات وهو ما نحتاجه حقاً، ثمة هروب منه والتفاف عليه لخلق مواجهات أخرى مع السلطة، مع الآخر. النقطة الثانية التي يمكن وصفها بالجرأة والتي أثرتها في الفيلم هي العلاقة مع الماضي. فثمة تقديس له مبالغ فيه تحت صيغ مثل الأصالة والتراث. يجب نفي ماضينا من حاضرنا ومستقبلنا. أحدد نمط العلاقة مع الماضي. فليس المطلوب تجميده بل مواجهته ومن ثم تدميره. قد تتم في المواجهة استعانة به، لكن الهدف ليس في استخلاص عبر أو تقديس ولا أيضاً في النفي المجاني له. هذه المشكلة لها علاقة بأنظمتنا، فعدم تداول السلطة في بلادنا يجعل من الماضي مفردة من الحاضر مرتبطة به في شكل وثيق. وبالتالي تصبح مواجهته ومن ثم تجاوزه أمراً غير محبب لا يريد أحد القيام به. البطل في الفيلم يدعو إلى تدمير الغرفة، ماضيه، وهذا لم يأت فجأة بل نتيجة قراءة جديدة لهذا الماضي.

·         وهنا التفاؤل الذي قصدته؟

- نعم، فهنا تقف العلاقة مع السوداوية.

·         حدثنا الآن عن ظروف إنتاج الفيلم وكم انتظرت من السنوات؟

- قدمت السيناريو في 2002 وبدأت التصوير في 2004.

طاقات وتفاؤل

·         إنه زمن قياسي بالنسبة إلى غيرك من المخرجين السوريين! وهل عرض في دمشق؟

- (ابتسم من دون تعليق على الشق الأول). عرض في مهرجان دمشق وأثار نقاشاً حاداً انطلاقاً من مفهوم أن من غير المسموح لك أن ترمي التجربة (تجربة اليسار والمعارضة والمثقفين). ما يهمني هو إثارة الفيلم للنقاش، على رغم أن هذا النقاش بقي شفهياً ولم ينشر. الفيلم عرض أيضاً في مهرجان مونتريال وكان أول فيلم سوري يشارك في مسابقته الرسمية. كما عرض في مهرجاني دبي والقاهرة.

·         هل تتفاءل بمستقبل السينما السورية؟

- لا أدري! كل شيء يدعوني للتفاؤل، هناك طاقات كبيرة: المخرجون والفنانون السوريون. لكن من جهة أخرى، ثمة محاولات لإفراغ هذه السينما من محتواها بدءاً من تهرب الحكومة من دعمها، وانتهاء برؤوس الأموال التي تنتظر نهش الجثة بشراء الأجهزة أو استغلالها والقيام بنصف خصخصة.

·         يحضرني سؤال عن عمل المخرج السينمائي السوري في «أوقات الفراغ»، فتصوير الأفلام أمر نادر؟

- نعيش على القلة! - يجيب ضاحكاً - نعمل معاً ونشارك في أعمال بعضنا لتوفير فرص عمل لنا!

·         ألا تفكرون بالتعامل مع التلفزيون؟

- لا مشكلة لدي في ذلك. عندي مشاريع ولكن شركات الإنتاج تتعامل مع مخرجين محددين ولا تنفتح نحو اتجاه آخر. أما التلفزيون السوري فإنتاجه ضعيف ولديه مخرجوه. ويبدو أن ليس من السهل اختراق هذا الجهاز!

بقي أن نذكر ان الفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سورية ومن بطولة رامي حنا وسلافة معمار (أداء لافت لهما).

الحياة اللبنانية في 17 فبراير 2006

 

فيلم "خشخاش" التونسي يثير جدلاً 

بعد العروض الأولى للفيلم "خشخاش" للمخرجة التونسية سلمى بكار، أثار هذا الفيلم جدلاً واسعاً في تونس ما بين المتشددين والمحافظين من جهة والنقاد المؤيدين له من جهة ثانية. ذلك أن الفيلم يعرض لأفكار جريئة للمخرجة بكار وهو الفيلم الثاني لها بعد عشر سنوات على فيلمها الروائي الأول "رقصة النار". و"خشخاش" من بطولة ربيعة بن عبدالله ورؤوف بن عمر وعلاء الدين أيوب وليلى الشابي، وهو مرشح للمشاركة في مهرجان كان المقبل والعديد من المهرجانات العالمية الأخرى.

وتدور أحداث الفيلم في تونس الأربعينات، تبدأ مع دخول البطلة "زكية" الى مستشفى للأمراض العقلية اثر اصابتها بنوبة هستيرية قوية كان سببها نقص ما كانت تتعاطاه من نبتة "الخشخاش" لتعيش منغلقة على وحدتها وفراغها الداخلي. ووسط عدد كبير من النساء في المستشفى من مختلف أنحاء البلاد، تدخل زكية المنحدرة من عائلة تونسية من البورجوازية الصغيرة في عالم "الجنون اللطيف" أو العنيف عند أخريات وترتبط بصداقة مع احداهن وتروح تسرد لها فصول حياتها من فترة الطفولة الى مرحلة الصبا وأحلام الحب والسعادة الزوجية وصولاً الى الواقع المرير. تتزوج "زكية" مرغمة من أهلها بأحد أغنياء المقاطعة. بدافع المصلحة لكنها سرعان ما تكتشف أنه شاذ، ورغبة من أم زوجها في الحصول على حفيد تدفع بها هذه الأخيرة الى علاقة غير شرعية ويحصل الأمر فتضع الابنة مريم. لكن الأمر حين وضعت ابنتها عانت من آلام شديدة لا تحتمل فقدمت لها أمها مشروب الخشخاش لأنه معروف بأنه مخدر قوي وطبيعي. وما ان انتهت من الولادة راحت تطلب الخشخاش مجدداً الى أن تعلقت به وهو نوع من المخدرات كان يستخدمه عدد كبير من الناس من دون معرفة خطورته. وابتدأت رحلة سقوط زكية وانهيارها بسبب الادمان ففقدت كل قدرة على التأقلم مع الحياة الطبيعية. وتدور أحداث الفيلم في الفترة الزمنية المحسوبة على الحرب العالمية الثانية التي تنتهي باستسلام قوات المحور وعودة الحكم الذاتي الى المنطقة.

ويبعث الفيلم الأمل في نفوس المشاهدين عبر شخصية الابنة "نرجس" واسمها وحده نقيض "الخشخاش" وتكبر لتصبح رمز الأمل والحياة والحرية في مواجهة كل العالم السفلي الذي عاشته الوالدة. كتبت سلمى بكار هذا الفيلم بالتعاون مع عروسية النالوتي وأخرجته بأسلوب خاص وبلغة عصرية وجريئة وفاجأت المتشددين في جرأتها على خوض موضوعات ممنوعة في مجتمعها.

ومن المتوقع للفيلم نجاحاً كبيراً مع خروجه من تونس الى المهرجانات العالمية.

المستقبل اللبنانية في 18 فبراير 2006

«الأمير»: قصة حب مستحيل من تونس الزمن الراهن

المغرب – طارق اوشن 

ثلاث شخصيات وثلاث قصص متشابكة يجمعها الحلم بغد أفضل والرغبة الدفينة في التحرر من قيود المجتمع التونسي الصارمة في العلاقة بين الأفراد من جهة، وبين الأفراد والوطن من جهة أخرى. عادل ودنيا ورؤوف يشكلون أساس البناء الدرامي لشريط «الأمير» في علاقاتهم البينية وعلاقاتهم مع نماذج أخرى من صميم مجتمع تونس المعاصر. و»الأمير» شريط من إنتاج فرنسي تونسي مغربي مشترك ساهمت القناة الثانية المغربية في تمويله، وهو من إخراج محمد زرن. لنستعرض القصص الثلاث بداية قبل البدء في تحليل الخطاب الفيلمي الذي سعى المخرج إلى تمريره.

عادل شاب تونسي يشارف الثلاثينات من عمره، يشتغل في إحدى محلات بيع الورد في شارع بورقيبة،القلب النابض للعاصمة تونس وملتقى كل النماذج البشرية المكونة لنواة مجتمع تونسي هجين. كانت حياة عادل سائرة برتابتها المعهودة حتى لقائه بدنيا، المرأة التي سحرته من أول نظرة وتحولت إلى هاجس حقيقي يقض مضجعه بل إلى نوع من الهوس الحاد الذي غير كثيراً من طبائع يومياته وعلاقاته مع مشغله وأصدقائه وأهله. ولأن الحب أعمى، كما يقال، انغمس عادل في دوامة لعبة تمكنه من لقاء «حبيبته» من دون علم منها بحقيقة مشاعره، حيث اختار التفنن في تركيب باقات الورد وحملها إلى مكتبها في المؤسسة البنكية حيث تشتغل بداعي كونه مرسلاً من شخص لا يود الإفصاح عن نفسه. اللعبة امتدت لأيام وأيام قبل أن تؤثر فعلياً في علاقة بطلنا بمشغله ما حذا بالأخير إلى طرده من العمل. عندها عاد عادل إلى رتابة حياتية أقسى، اكتشفنا خلالها توتر علاقته بأخته الطامحة للتحرر، وجفاء علاقته بالأم والوالد رغم الحب الذي يكنانه له ككل الآباء والأمهات. لكن الاكتشاف الأكبر يتجلى في وضعية الشباب التونسي ومعاناته الكبيرة مع البطالة والأزمات الاقتصادية التي طبعت الاقتصاد التونسي وجعلت أبناءه يفكرون في الهجرة إلى الخارج أملاً في غد أفضل. والهجرة تهم الكبار والصغار وأيضاً الذكور والإناث اللائي ألفن بيع أجسادهن في إيطاليا بعد لفظ المجتمع المحلي لهن.

بارقة أمل

لكن الشباب التونسي الموزع، حسب الشريط، بين الحانات واستراق لحظات المتعة الجنسية مع العاهرات بين حين وآخر لا يزال في دواخله متشبثاً ببارقة أمل في تحسين أوضاعه ولو على مستويات بسيطة كحلم عادل بلقاء حبيبته والتواصل معها بلا مركبات نقص أو أحكام قيمة جاهزة تتخذ من الفوارق الطبقية حيثيات للإصدار. وكم كانت مشاهد الحانات التي تضج بالزبائن ومحال بيع الخمور حيث يتصارع الجميع للظفر بأكبر عدد من القنينات، معبرة عن الشرخ الكبير الذي يعيشه مجتمع تونس مع ثوابته الدينية المتأصلة في الزمان والمكان بشهادة جوامع القيروان وعلمائها الذين أثروا باجتهاداتهم التراث الفقهي الإسلامي منذ عقود. لكن الفقر الذي كاد أن يكون كفرا، أصبح كفراً فعلياً في الزمن المعاصر بما حمله من تغيرات كبرى في البنية الأسرية والمفاهيم المجتمعية المتوارثة.

الشباب التونسي، كما عادل، مهووس بتحقيق الذات وراغب في تكوين شخصيته المستقلة، لكنه في المقابل مبهور بالمظاهر الاستهلاكية الغربية الزاحفة على البلدان المتخلفة في ظل عولمة مفاهيمية وقيمية لا تعترف بالخصوصيات المحلية المكونة للذات والشخصية التونسية. وهو بذلك يجد نفسه في دوامة صراع داخلي وخارجي ليس، في الغالب، مؤهلاً لمواجهته أو التأثير فيه إيجاباً إلا في حالات نادرة لم يقدم الشريط ولو نموذجاً معبراً عنها. فكل شخصيات الشريط ضائعة غير قادرة على التأثير في مجرى الأمور. لأجل ذلك تحول نجاح عادل في تحقيق حلمه بلقاء دنيا والنجاح في إقناعها بحقيقة وصدقية مشاعره نحوها، أملاً لكل أصدقائه في النجاح والتوفيق في حيواتهم الملتبسة. وأي مجتمع هذا الذي يصبح فيه مثل حلم عادل رمزاً للنجاح ومحفزاً على التشبث بالحياة والغد الأفضل؟

دنيا، مطلقة تونسية شابة نجحت في تحقيق مكانة هامة لها في الميدان العملي حيث أصبحت مديرة فرع بنكي، مقابل «فشلها»على المستوى الأسري في إنجاح حياتها الزوجية وتجنيبها عاصفة الطلاق. والإنسانة الناجحة تكون، دوماً، محط أنظار الرجال الطامعين في الفوز بها. والطامع في قصة الشريط هو عادل، الشاب البسيط الذي لا يملك أكثر من ورد المحل حيث يشتغل، عربوناً لحبه ولوعته. إنه الحب المستحيل إذن بين إطار بنكي ناجح ومرتاح مادياً وبين عاطل مقنع لا يجد ما يسد به الرمق، فكيف له التكفل بعائلة من أم وابن من زواج سابق؟

مغامرة

على تيمة الحب المستحيل بنى محمد زرن الخلفية العاطفية للشريط، وحاول من خلالها النبش في وضعية المرأة التونسية المعروفة بتحررها من قيود كبلت ولا تزال تكبل نظيراتها في البلدان العربية الأخرى. فدنيا المستقلة مادياً قادرة على مجابهة المجتمع وتأكيد ذاتها في ظل مجتمع يسعى للإبقاء على طابعه الذكوري، دون الانسلاخ عن الثوابت وبعض من التقاليد الراسخة. وفي المقابل حاول الشريط إبراز الانحلال الأخلاقي المسيطر على المجتمع من خلال بائعات الهوى. وبين النموذجين تبرز حالة صديقة دنيا وزميلتها في العمل، المقبلة على الزواج إرضاء لنفاق اجتماعي توارثته الأجيال من وجهة نظرها، فالزواج عندها مجرد واجهة اجتماعية للتلاؤم مع القوالب المجتمعية القائمة. وغير ذلك فلا تجد حرجاً في الحديث عن حبيب منتظر، يوماً قبل حفل زفافها، مؤكدة بإحساسها بمعيته بكمال أنوثتها، وهو ما يفتح الباب مشرعاً أمام كل الاحتمالات خصوصاً وأنها تعتبر جسد المرأة ملكاً لها دون غيرها تتصرف فيه بحرية مطلقة لا محددات لها!

دنيا خائفة من الإقبال على تجديد جذوة الحب في نفسها والحصول على الطراوة والدفء المطلوبين، خصوصاً بعد فشل تجربتها الأولى. لكن رغبتها في المغامرة وتشجيعات صديقتها دفعتها لمقابلة العشيق المجهول الذي لم يكن أحداً غير مستخدم محل الورود.

والمجهول في شريط «الأمير» عنوان مجلة ثقافية أعلنت إفلاسها ومعها إفلاس الوضع الثقافي العربي في الالتصاق بهموم المجتمع وإثارة فضول القراء. فرؤوف المثقف يفشل في إقناع دنيا بتمويل المؤسسة البنكية التي تمثلها لمشروعه الثقافي وهو لا يجد حرجاً في محاولة عرض بضاعته «الثقافية» وفق مفردات سوق المال بدل التأكيد على تميزها الإبداعي. فالثقافة في نظره بنك ككل البنوك قبل أن يستدرك قائلاً أنها «بنك للقيم الثابتة»، «ونحن جميعاً مشتغلون بها»، في استجداء، مثير للشفقة، لعطف دنيا دون فائدة. هذا الفشل دفعه للتفكير في الهجرة إلى كندا حيث الجنة الموعودة في انفصام واضح عن الاهتمام بقضايا الشعب والالتصاق بالوطن. رؤوف هذا لا يتورع أيضاً عن منح منزله لعادل وأحد أصدقائه لاستعماله محلاً لممارسة الدعارة وقضاء الليالي الملاح على رغم ارتباطه بكتابة مقالة مستعجلة للنشر في جريدة «لوموند ديبلوماتيك» وما تمثله الأخيرة من فضاء «ملتزم» للدرس والتحليل. وهو المقيم، أيضاً، لعلاقة غير شرعية مع طالبة في مقتبل العمر في تناقض صريح مع مهمته في تربية الأجيال وتوجيههم.

الإفلاس في حال رؤوف إفلاس للقيم وتكريس لقالب المثقف العربي الذي ألفناه في الساحة الثقافية العربية العاجزة عن تكريس مشروع ثقافي أصيل يمكن من مواجهة الزحف العولمي القادم من الغرب.

في «الأمير» استغلال ذكي لموسيقى الراب المعروفة بثوريتها وبتعريتها للواقع كما هو. هذا التوظيف الموسيقي منح الشريط مسحة شبابية متفردة لا تخطئها الأذن قبل العين. وأداء الممثلين كان مقنعاً في الغالب مع تميز واضح لأحمد سنوسي في دور رؤوف وصونيا منكاي في دور دنيا. أما المخرج محمد زرن فقد أظهر مرة أخرى تمكنه من أدواته السينمائية بعد أفلامه السابقة «السيدة» 1996 الفائز بأكثر من 15 جائزة دولية، وشريطه الوثائقي»غناء الألفية» وقبلهما شريطه القصير «كسار الحصى» الذي شارك به في فقرة «نظرة ما» في مهرجان كان الدولي في دورة 1990.

ولعل أهم ما ميز الشريط الجديد هو شخصية البائع الضرير المتخصص في بيع المرايا للمواطنين للتمتع بالنظر الى أنفسهم، وهو المحروم من نعمة النظر والإبصار. والمثل يقول أن فاقد الشيء لا يعطيه. وتلك نهاية مفتوحة على كل التأويلات...

الحياة اللبنانية في 13 يناير 2006

 

سينماتك

 

نضال الدبس ومواجهة الذات «تحت السقف»...

الهموم الكبيرة أنستنا همومنا الخاصة الصغيرة

مسقط - ندى الأزهري

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك