* أحمد كامل مرسي: عز الدين ذو الفقار وعمر الشريف كلاهما بعد الانفصال عن «فاتن» اعترف أنها صاحبة فضل عليه وعلي حياته الفنية

* زكي طليمات: كان صوتها ضعيفا ولكنه ثاقب وساخن.. وتحس ما تقوله إحساسًا عميقًا يرتسم علي جسمها مثل صندوق آلة الكمان أو العود

* محمد كريم: «فاتن» الطفلة العبقرية كان يجب أن تظهر في عشرات الأفلام لأنها تملك عبقرية تمثيلية لا يشق لها غبار

* يوسف وهبي اشتري عقد احتكار كاميليا من أحمد سالم لكي يقدمها مع «فاتن» في فيلم «القناع الأحمر»

* في أفلام «أول الشهر» و«دنيا» و«الهانم» و«ملائكة في جهنم» تألقت «فاتن» في دور «الابنة المراهقة»

* أصبحت قاسمًا مشتركًا في كل الأفلام واضطرت إلي الانقطاع عن الدراسة في معهد التمثيل  

تعلمت الكثير من المخرج الكبير المثقف أحمد كامل مرسي. كانت فيه «رومانسية» الثقافة الفنية الكاملة، خاصة عندما يتحدث عن محمود مختار وفان جوخ وجوجان وزبرانت وماتيس، وكان قنوعا متواضعا معترفا بجميل من سبقوه وتعلم منهم مثل: محمد كريم وأحمد بدرخان، وكان حريصا علي أن يحمل صفة المثقف السينمائي والناقد والمتذوق فنيا أكثر من حرصه علي أن يحمل صفة المخرج السينمائي، فمئات ومئات من الصفحات النقدية حملت توقيع «أ. ك. م» مقابل ثلاثة أو أربعة أفلام فقط حملت اسمه كمخرج، بل عندما تقدمت به السن، آثر أن يؤرخ للسينما المصرية وروادها وتطورها حتي أواخر السبعينيات.. وكثيرا ما كانت عينه تقع علي معلومة انسقت إليها باندفاع الشباب في نقد أو مقال كتبته عن الفن السابع ولم أعن العناية الكاملة بالتحقق منها، فكان ينتقدني في حنو الأخ الأكبر ويسدي إلي النصيحة أن أعيد ما كتبته مرة ومرة قبل نشره حتي لا يوقعني تسرعي في خطأ غير مقصود، وأذكر عندما تلقيت عرضا من الناقد السينمائي جاك بسكال بأن أشاركه العمل في مجلة «سيني فيلم» Cine Film وكانت تصدر بالفرنسية والعربية، وكان بسكال يؤمن بالفيلم المصري ويعطي مجلته كاملة للسينما المصرية، منذ تحول من مدير لإحدي دور العرض السينمائي إلي ناقد وصاحب مجلة، وجعل من مجلته سفيرا للفيلم المصري لدي أكثر من 78 دولة، ولم تكن «سيني فيلم» تباع للجمهور ككل المجلات، بل كانت قوتها تنبع من أنها مجلة دور العرض التي تشترك فيها وتعتمد علي تقديراتها التي تنهي بها نقد أي فيلم معروض علي الساحة، لكي تحرص علي اقتناء الفيلم خاصة إذا كان «التقدير الفني: جيد» و«التقدير التجاري: ممتاز».. ولم يكن جاك بسكال يجيد اللغة العربية كتابة، واختارني لكي أتولي القسم العربي من مجلته، كسكرتير تحرير وكناقد سينمائي للصفحات العربية للمجلة، وبقينا معا لسنوات عديدة، وكان جاك بسكال أول من دعا وأشرف علي إقامة أسابيع متبادلة للفيلم المصري والفيلم الياباني والأسباني والفرنسي والإيطالي، ووضع هذه الأسابيع في متناول غرفة صناعة السينما المصرية، وكان أول من قادني إلي الخروج إلي ساحة المهرجانات الدولية، بل تشاركنا إصدار «دليل سينمائي» (كل عامين) للسينما المصرية ونجومها ومخرجيها وأفلامها ودور العرض السينمائي في مصر والوطن العربي، وجمعنا فيه كل التشريعات السينمائية التي تحكم صناعة السينما المصرية والعربية.. كان أحمد كامل مرسي، وراء تمسكي بالعمل في «سيني فيلم» حتي بعد أن انضممت إلي «الكواكب» كسكرتير للتحرير وعملت في دار الهلال، وكان بسكال يتردد علي مكتبي لكي يحمل ما أكتبه إلي المطبعة، ولا يكلفني بأكثر من جلسة واحدة لإصدار «سيني فيلم» حتي فاضت روحه، وهو يشاهد أحد الأفلام في سينما كايرو بالقاهرة.. أذكر أن «أ. ك. م» نصحني بأن أمسك بالقليل الذي تعلمته من اللغة الفرنسية وأنميه وأزيده بالدراسة والقراءة والحوار الدائم مع بسكال حتي أجاريه «وأشرب منه» آراءه السينمائية وأسلوبه في النقد السينمائي.

«فاتن» في كل حالاتها «فاتن»

وقد أعود إلي المقدمة التي كتبها «أ. ك. م» لمطبوعة سينمائية عن «فاتن» وزعت كما قلت علي هامش مهرجان قرطاج عام 1978.. تقول السطور:

«تابعت «فاتن» دراستها بعد أن مثلت «يوم سعيد» إلي أن عاد محمد كريم الكرة معها وعهد إليها بدور صغير آخر في فيلم «رصاصة في القلب» عام 1944، ثم عهد إليها يوسف وهبي بأكبر في تلك الفترة فيلم «ملاك الرحمة» عام 1946 واطرد نجاحها من فيلم إلي آخر.. وكان من الممكن أن تتأثر «فاتن» بهذا الاطراد في النجاح، وتزايد إعجاب الجماهير بها، وأن يصيبها الغرور في هذه السن المبكرة، لولا صفعة من والدها الحنون، عندما أحس بنوبة الغرور التي بدأت تتسلل في نفس ابنته، وكانت الصفعة قاسية ردت إليها رشدها.. وحدث في هذه الفترة، أن التحقت فاتن حمامة بمعهد التمثيل الحكومي، وكان مديره زكي طليمات، رغم أنها نجمة ناجحة معروفة، إذ أدركت الحاجة إلي صقل وتنمية موهبتها الفنية، ولكنها لم تستمر طويلا، لأنها صارت ربة بيت وهي في عمر الزهور عندما تزوجت المخرج الصديق الراحل عز الدين ذو الفقار».

«من الملاحظ أن زواج عز الدين ذو الفقار وانفصالي عنها، أشبه ما يكون بزواج عمر الشريف وانفصالي، فقد قال عنها في حديث له، ما سبق أن قاله عز الدين ذو الفقار من قبل، وخلاصته أنه يحمل لها في أعماقه كل تقدير وحب وإعجاب بها، وأنه ليعترف بأنها موهوبة، وصاحبة فضل عليه، وهي وإن تكن اليوم زوجة له، إلا أنه يعتز بها كصديقة عظيمة لها تأثير كبير عليه وعلي مستقبل حياته الفنية.. ومن أهم الصفات المميزة لشخصية فاتن حمامة، العاطفة الإنسانية والمشاركة الوجدانية، ويتحقق هذا في عطفها علي المرضي، والبائسين وتعاطفها مع المعوزين والمحتاجين.. ومن العجيب أن سندريللا السينما العربية، أنها تفوز بإعجابك وتستحوذ علي مشاعرك في كل دور تظهر فيه، سواء كانت غنية أو فقيرة، كريمة أو وضيعة، ضاحكة أو باكية، راضية مستكينة أو ثائرة متمردة، غانية أو متعبدة، طفلة أو فتاة أو سيدة. إنها هي «فاتن» في كل حالاتها وفي كل أدوارها».

زكي طليمات: «فاتن» وبس!!

في كتابه «ذكريات ووجوه» الذي أصدره عام 1982، وتحت عنوان ««فاتن» وبس» توقف زكي طليمات طويلا أمام تلميذته فاتن حمامة، فقد كان هو أستاذها في معهد التمثيل العربي المسائي، واختارها بين مجموعة كبيرة من الفنانين الشبان، فضمن الدفعة الأولي التي قبلها المعهد كان: شكري سرحان وعمر الحريري وسعيد أبو بكر ونعيمة وصفي، وكتب زكي طليمات:

«رأيت شيئا دقيق الحجم، ينمو بحساب دقيق، ويؤلف قطعة من فتاة وسيمة، وجه صغير بالغ الوسامة كوجه العرائس الغالية، تتحرك فيه وبلا انقطاع عينان واسعتان يكمن وراءهما قلق يدق وفضول لا ينقطع، وأشرت قائلا: «تعالي هنا يا عروسة».. وقفت صاحبة الوجه الذي يشبه العروسة وهي تحتج: «أنا مش عروسة يا أستاذ» قلت: «طيب ماتزعليش، بكرة تبقي عروسة.. اسمك إيه؟».

ـ فاتن حمامة.

ـ لازم تعرفي بأه تطيري يا شاطرة؟!

ـ يعني إيه؟

ـ مش انت حمامة؟!

ـ لا أنا «فاتن».

والتفت إلي الفتاة أسألها عن سنها، فلم تجب.. فوجهت إليها السؤال ثانية فسكتت من جديد.. فقلت في نفسي إن الصغيرة علي حداثة سنها قد أدركت بغريزة جنسها ما يجب أن تفعله أمام سؤال كالذي وجهته إليها.. ولم أشأ أن أصرفها عن هذا الإدراك الصائب الذي يفيدها في المستقبل، يوم يصبح إنكار السن واجبا وعزاء.

وسألتها أن تصعد إلي المنصة لتمثيل أي دور يحلو لها مما قامت بحفظه.
ولم يكن فيما قدمته «فاتن» شيء من الحذق الفني، من الصنعة في أحسن حالاتها.. ولكن كان هناك أشياء تنبئ عن فطرة سليمة وخصبة.. صوتها ضعيف ولكنه ثاقب وساخن ينفذ إلي ما وراء الأذن إلي القلب، إنها تحس ما تقوله إحساسا عميقا يرتسم علي كل أعضاء جسمها مثل صندوق آلة الكمان أو العود الذي يهتز بكل كيانه عندما تلامسه ريشة العازف.

ولكنني لاحظت أن حرف «الراء» علي لسانها يتحول إلي حرف «غين».. علي طريقة أهل باريس حينما ينطقون اسم باريس فيتحول حرف «الراء» إلي حرف «غين» من باب الدلع والدلال.. إن فاتن حمامة «لدغاء» وللأسف أن «اللدغة» مرض من أمراض النطق.. التفت فجأة إلي «فاتن» صائحا: «طلعي لسانك».. وجمت الفتاة ثم فتحت فمها.. ونسيت صاحبة الفم المفتوح والتفت إلي الطلبة وقلت: «إننا سنبدأ اليوم أول درس في فن الإلقاء.. النطق الصحيح ومخارج الحروف.. وهنا ارتفعت حشرجة من فم «فاتن» الذي رأيته مازال مفتوحا كما أمرت.. فضحكت، وأغلقت هي فمها لتفتحه من جديد وتحتج علي هذه المعاملة، وتؤكد أن لسانها «مش ناقص حتة».. وكنت أعرف أن لدغة «فاتن» لا ترجع إلي نقص في الحلقة، بدليل أن بقية الحروف تجري علي لسانها سليمة المخرج وفصيحة النطق، وأن لدغتها ترجع إلي كسل في طرف لسانها، فهو لا يتذبذب بالسرعة اللازمة لتكوين حرف «الراء» ونطقه سليما خالصا من كل عيب.

وبدأت أجرب أولي المراحل لعلاج هذه الحالة، وتتلخص هذه المرحلة في أن أجعلها تتعرض لهزات عنيفة من الانفعالات والغضب، يثور معها الدم ويندفع كل شيء في الجسم ينبض ويدق. وصحت بـ «فاتن»:

ـ مفيش يا «فاتن» غير الفرنسيين اللي عندهم «اللدغة» دي.

ـ لكن أنا مصرية ومش فرنساوية.

ـ أنت متأكدة؟!.. طيب أسألي أبوك.

ـ أبويا مصري وجدي مصري.

ـ طيب أسألي والدتك.

وضج الطلبة بالضحك.

وأدركت «فاتن» ولا شك المعني المخبأ، وراء ما قلت، لكنها لم تدرك بالطبع لماذا تعمدت أن أخرج عن اللياقة واتورط في المحظور، فإذا هي تنتفض غضبا.. وانتفضت بدوري متظاهرا بالغضب وصحت بها:

ـ كان لازم تخلي الجزمجي ياخد لك غرزة في لسانك قبل ما تيجي المعهد. وأسرعت إلي السبورة وأجريت كتابة عبارة قصيرة تحتوي علي عدد من حروف الراء.. كتبت «انحشر حشرا في الدرج ولم يقدر أن يخرج».. وأمرت «فاتن» أن تقرأ هذه العبارة بسرعة وفي مرات متتابعة. واندفعت «فاتن»، وهي غاضبة ثائرة، تنفذ ما أمرتها به، ووقعت الأعجوبة.. اللدغة تفقد حدتها تدريجيا.. وصفقت صائحا:

ـ أحسنت يا «فاتن».. هذا التمرين تباشرينه كل يوم عشر مرات مع التمارين الأخري التي سنعالجها في الدرس القادم.

واليوم تجلس فاتن حمامة بجدارة علي عرش السينما العربية ولها في كل يوم أفق جيد تشقه فيه وتزينه.. اليوم يرتفع صوتها فصيحا صداحا ندي النبرات بالشعر في تلك الأمسيات الشعرية التي تقام هنا وهناك من وقت لآخر.

طفولة عبقرية ضائعة

بين أوراقي القديمة، مظروف احتفظت فيه ببعض شذرات من مخلفات شيخ مخرجي السينما العربية محمد كريم.. ورقة نشاف معطرة حمل أحد وجهيها إعلان عن عرض فيلم عبدالوهاب «الوردة البيضاء» ومجموعة صور له كممثل ـ في البداية ـ في لقطات من أفلام ستوديوهات أوفا تي برلين، حيث كان قد سافر إلي ألمانيا بحثا عن فرصته وكان يرسل بهذه الصور إلي المجلات والجرائد المصرية التي كانت تحتفي بها وتنشرها وبعض من تذاكر «الأوبان» (مترو برلين تحت الأرض) التي كان ينتقل بها من وسط برلين إلي ستوديوهات «أوفا» خاصة بعد أن أقنعته زوجته الألمانية، التي أسلمت وحملت اسم «نور العيون» بأن الإخراج مهنة أعظم من التمثيل ودفعت إلي الالتصاق بالمخرج الألماني الشهير فريتزلائج لكي يكون واحدا من مساعديه.. وفي المظروف عثرت علي ورقة بخطه، كانت ضمن محاولة للكتابة مذكراته، كما يرويها لي، ومضيت أقرأها، أحد وجهي الورقة يحمل هذه العبارات: تعودت أن أنصح ممثلاتي أن يبللن شفاههن بلسانهن حتي لا تظهر الشفاة باهتة لا حياة فيها في الصورة، وسمعت الطفلة فاتن حمامة مني هذه النصيحة، فكانت كلما اشتركت في منظر تبلل شفتيها بلسانها بطريقة مثيرة للضحك وكأحسن ست محترفة في السينما.. ولما انتهي دور «فاتن» في «يوم سعيد» وفي اليوم الذي أكملت فيه آخر لقطة، شعرت بحزن وأسي.. فقد أيقنت وأيقن الجميع أننا إزاء موهبة.. وأن علينا أن نستغل هذه الموهبة. أشرت علي عبدالوهاب أن يتعاقد معها، لا لفيلم واحد بل بصفة دائمة.. وفعلا تعاقد معها لمدة سنتين بمرتب شهري.. لكن للأسف مضي شهر.. وسنة وسنتان، بل سنوات كثيرة.. ولم تظهر الطفلة العبقرية فاتن حمامة في السينما.. مضت هذه الطفولة الرائعة دون أن يستغلها أحد.. مضت كطيف سريع الظهور سريع الاختفاء، فرغم النجاح الذي أحرزته في دور «أنيسة» لم يعن أحد بإظهارها حتي عبدالوهاب الذي تعاقد معها.. كان يجب أن يظهر لـ «فاتن» الطفلة عشرات الأفلام، فقد كانت هذه الطفلة صاحبة عبقرية تمثيلية لا يشق لها غبار.. وخسرنا فيها عبقرية الطفولة».

نور الله.. مشروع فيلم لم يتم

كنت قريبا جدا من شيخ مخرجي السينما العربية محمد كريم في أعوامه الأخيرة.. كنت ضيفا دائما عليه وعلي ابنته ديانا في حديقة جروبي بشارع عدلي صباح كل أحد، وكنت ضيفا دائما علي بيته في 5 شارع البرجاس بـ «جاردن سيتي».. وفي جلساتنا، كانت ذكرياته مع زوجته الألمانية الراحلة «فراو نور العيون» لا تنطق، واعتدت أن أسمع كريمته ديانا تناديه بلقب «فاتي» (أبي بالألمانية) وعشت معه أكثر من أزمة بسبب إصراره علي الاستقالة من معهد السينما الذي كان أول من أنشأه وتولي عمادته.. حتي أصر في إحدي المرات ألا يسحب استقالته، وترك العمادة للمخرج الخلوق أحمد بدرخان.. ولم يكن محمد كريم رغم الشهرة المدوية صاحب مال، وعندما خرج من معهد السينما، بدأ يعاني من ضيق مادي واضح، وأذكر أنني كتبت مقالا في «المصور» عنوانه: «عيب.. شيخ مخرجي السينما لا يجد قوت يومه». وغضب مني غضبة كبيرة، لكن وبقلب كبير مفتوح، وبعد أن أثار المقال الاهتمام إلي حد أن تدخلت جهات كثيرة لكي ترتب له معاشا استثنائيا، واستدعاني إلي بيته.. إلي جلسة كان قطباها هما كريمته ديانا وصديق عمره الفنان عبدالوارث عسر، وكانا يعملان في إعداد سيناريو فيلم يخرجه كريم تحت عنوان «نور الله» وكان متفائلا، إذ اتفق مع جمال الليثي رئيس شركة القاهرة وقتها، علي أن تنتج الشركة هذا الفيلم.. لكن القدر لم يمهل الرجل الكبير لكي يحقق حلمه الأخير.

الابنة المراهقة.. فاتن حمامة

وإذا كانت طفولة فاتن حمامة العبقرية قد مضت وانقضت ـ كما قال محمد كريم ـ دون أن تستغل هذه العبقرية في أفلام، فقد كان كريم هو الذي أعادها إلي الشاشة كصبية متفتحة في دور أخت راقية إبراهيم الصغيرة، وأمام عبدالوهاب أيضا في فيلم «رصاصة في القلب» المأخوذ عن مسرحية للكاتب الكبير توفيق الحكيم.

وفي هذه السن ـ سن المراهقة ـ اختارها زكي طليمات لتكون بين الدفعة الأولي لمعهد التمثيل عندما أعاد تشكيله، واستمرت «فاتن» في الدراسة عامين دراسيين كاملين.. 1944 ـ 1945 و1945 ـ 1946. وخلال هذين العامين، كانت قد بدأت تمثل دور «الابنة المراهقة» في عدد من الأفلام أولها إخراج عبدالفتاح حسن، وهو «أول الشهر» و«دنيا» إخراج محمد كريم، و«الهانم» إخراج هنري بركات، وقام بدور والديها زكي رستم وآسيا، و«ملاك الرحمة» إخراج يوسف وهبي وكان والداها يوسف وهبي وراقية إبراهيم.. ثم «ملائكة في جهنم» أول فيلم يخرجه حسن الإمام وقام فيه بدور الوالدين سراج منير وأمينة رزق.

في تلك السن الباكرة، الخامسة عشرة لا أكثر، أصبحت فاتن حمامة قاسما مشتركا في الكثير من الأفلام السينمائية، وبدأت تنفق أكثر ساعات عمرها في البلاتوهات، وأصبحت مرهقة بالعمل كممثلة محترفة، إلي حد أنها تخلفت عن دراستها في معهد التمثيل ولم تلبث أن انقطعت تماما عن الدراسة.. وعاد يوسف وهبي يعطيها دورا يعتبر علامة تحول في أدائها التمثيلي في فيلم «القناع الأحمر».. كان قد اختار ممثلة الإغراء التي أثارت ضجة بظهورها في الوسط السينمائي، بعد أن اكتشفها المخرج الممثل أحمد سالم الذي كان قد اتجه إلي الإخراج بعد أن ترك ستوديو مصر كمدير، وأخرج بالفعل أول أفلامه الذي سجل نجاحا مداويا، وهو «الماضي المجهول» وأمامه ليلي مراد كبطلة.. كانت الممثلة المثيرة هي شقراء تحمل اسم «ليليان كوهين» وأعطاها أحمد سالم بعد أن جاء بها من الإسكندرية اسم «كاميليا».. وكان يوسف وهبي هو الذي قدمها في بطولة فيلمه «القناع الأحمر» ـ بعد أن اشتري من أحمد سالم عقد احتكاره لها بعشرين ألف جنيه ـ في دور بنت ليل تحيا حياة الغانيات، ومع هذا تحرص علي تبقي بإصرار أختها الصغري «فاتن حمامة» بعيدة عن جو حياتها الموبوء المدنس.

«فاتن» تقفز كل الحواجز للحب

كل قصص الحب التي نشرت ورويت، منذ كتب د. حسين هيكل «زينب» وكتب الحكيم «عودة الروح» وحتي كل ما كتبه كتاب الرومانسية من يوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله وإحسان عبدالقدوس.. كل هذا التركيز علي الحب وعذابه ولوعته رسب في عقول بناتنا ـ في منتصف الأربعينات ـ لهفة هي الطابع المميز في السن الخطرة.. سن المراهقة التي يرمز إليها عادة «ببنت 16».. بل إن أفلام السينما هي الأخري قدمت الحب بشكل ترك نفس الأثر، وعظمه في نفوس البنات الصغيرات.. فلا تكاد البنت تصل «سن 16» حتي تطلق لخيالها العنان. وحتي تنطلق الأحلام من صدرها تدور كلها حول ذلك الفارس الأسطوري الذي يخطفها إلي القصر المسحور لتعيش معه سعيدة منعمة في جنة وارفة الظلال.

وفاتن حمامة في سن 16 سنة، لم تكن تختلف كثيرا.. لم يكن وجدانها العاطفي يختلف عن وجدان عشرات البنات في مثل سنها، كانت تهفو إلي فارس الأحلام الوسيم الذي يمتطي صهوة جواد أبيض، يأتي فيخطفها إلي قصره المسحور.. وأيا كانت صورة هذه الأمير الفارس، وأيا كانت صفاته وملامحه، فبصيرة البنت تفشي عن كل شيء إلا فارسها وتتبلور أحلامها وأمانيها وآمالها شيئا فشيئا، فإذا هي تقنع نفسها بأنها تعيش لحظة خالدة، وأن حبها هو جذوة الخلود، هو الحب الأول والأخير هو الحظ والمجد والسعادة.. وتنطلق ترسم حدود قصرها ومملكتها، وتنطلق ترسم حدود حياتها المقبلة وقد بسط عليها أمير الأحلام، فارسها المحب، جناح الحماية والرعاية والحب.

و«فاتن» في هذه السن لم تكن تختلف كما قلت.. حقا لقد كانت فتاة مشهورة تشير إليها الأيدي بالأصابع العشرة حيثما تسير، لكن وجدانها العاطفي لم يكن يختلف كثيرا.. كانت «فاتن» تري نطاقا مضروبا حولها، لم تكن تذهب إلي الاستوديو إلا في صحبة والدها أو فرد من الأسرة، تماما كأي بنت عادية لا تذهب إلي السينما إلا وفي صحبتها والدها أو والدتها أو شقيقها.. بل حتي عندما كانت تذهب إلي ستوديوهات الإذاعة في شارع علوي، وتبقي الساعات الطوال في انتظار العمل أمام الميكروفون، كانت تنفق الساعات الطوال علي دكة خشبية وأمها بجوارها.. قد تغفو من التعب أو الإرهاق.. لكنها في تلك الفترة كانت تحلم باللحظات التي تصبح فيها سيدة.. ربة بيت.. تعيش حياتها المستقلة، في قصرها المسحور، يحيطها أميرها وفارسها بالحب والرعاية والحماية.

كانت فاتن حمامة تعمل في فيلم تاريخي لأول مرة، وهو فيلم «أبو زيد الهلالي» الذي يخرجه عز الدين ذو الفقار.. كان يعاملها برقة زائدة، وكان هو نفسه ذا نزعة شعرية حالمة، وكان كلما اقترب منها وهي أمام الكاميرا، يهمس همسا رقيقا بعبارات الإعجاب لم تلبث أن زادت حرارتها لتصبح عبارات حب لا يخفيه عز الدين.. وانتهي العمل في فيلم «أبو زيد الهلالي» وذهب عز الدين ذو الفقار إلي بيت الأسرة ليخطب «فاتن» زوجة له، ولكن والدها ومعه الأسرة رفضوا أن يوافقوا علي هذا الزواج، خاصة أن «فاتن» لم تزل في السادسة عشرة وقد لا تتحمل الحياة الزوجية أو إقامة أسرة.. ولم ييأس عز الدين ذو الفقار، وعاد يطرق باب الأسرة، حاملا مشروع إنتاج فيلم سينمائي جديد عرض علي الأب أن يشارك فيه بأجر ابنته النجمة «فاتن».. كان الفيلم هو «خلود» وكان عز الدين يمثل فيه أمام «فاتن» دور الحبيب العاشق.. بل كان هو المخرج الذي تأتمر «فاتن» بأمره في البلاتوه.. وكان عز الدين كرجل، جذاب وساحر، وفيه صفات أمير الأحلام الذي يعيش في خيال بنت 16 سنة.. ولم تكن الصورة في ذهن «فاتن» لأمير أحلامها تختلف كثيرا.

هنا لأول مرة تبددت إرادة «فاتن» الحديدية.. عاد عز الدين يخطبها زوجة، وعاد الوالد وعادت الأسرة ترفض مثل هذا الزواج.. وفجأة اختفت «فاتن» من بيت الأسرة، خرجت من ستوديوهات الإذاعة في علوي مع عز الدين وبعض المقربين منه ومنها.. وكان الزواج الشهير بين «فاتن» و«عز».. تماما كما في الأساطير.  

الأسبوع القادم تقرأ:

«فاتن».. واقع الحياة يفرض عليها صراعا بين البيت.. وما تتطلبه حياة نجمة علي القمة.

جريدة القاهرة في 14 فبراير 2006

ميونخ.. رواية سبيلبرج الناقصة*

عاطف أبو سيف**  

على قائمة الترشيحات في أوسكار هذا العام، فيلمان يحملان في طياتهما الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية: الجنة الآن، وميونخ. الأول، إخراج فلسطيني والثاني، إخراج أمريكي.

ميونخ فيلم ستيفن سبيلبرج الأخير الذي يعرض فيه -لأول مرة في تاريخه السينمائي- للصراع العربي الإسرائيلي، وهو لا يمر عليه مرور الكرام، بل إن جل الفيلم ومادته وشخوصه هي أحداث وشخوص حقيقية.

ببساطة قصة الفيلم تتمركز حول مهمة مجموعة من ضباط الموساد في أوربا يتم إرسالهم لتعقب مجموعة من قادة المقاومة الفلسطينية خصوصا من مجموعة "أيلول الأسود" التابعة لحركة "فتح" عقب قيام مجموعة مسلحة باختطاف مجموعة من الرياضيين الإسرائيليين المشاركين في أولمبياد ميونخ.

الفيلم يروي رحلة القتل الإسرائيلية في العواصم الأوربية المختلفة. مجموعة من 11 شخصا فلسطينيا تتم مراقبتهم ومحاولة قتلهم. على رأس هذه القائمة أبو حسن علي سلامة (أبو داود)، وأبو يوسف النجار، والكمالان (عدوان وناصر)، ومحمود الهمشري، ووائل زعيتر، ووديع حداد وبعض ضباط الاتصال في أيلول الأسود.

البداية اختيار متحيز

بداية اختيار ميونخ كنقطة انطلاق لمناقشة الصراع العربي الإسرائيلي هي مثل كل البدايات تحمل في طياتها تحيزا وتتبنى موقفا معينا.

أولا سبيلبرج يجرد "عملية ميونخ" من محتواها التاريخي ويقدمها وكأنها قصة خطف يقوم بها إرهابيون ضد رياضيين دون وضع هذه العملية في سياق الصراع العربي الإسرائيلي.

فحين قررت أيلول الأسود خطف مجموعة من الرياضيين الإسرائيليين لم تكن نية "فتح" في ذلك الوقت مجرد الخطف والقتل. ببساطة تقدمت منظمة التحرير بطلب المشاركة في الأولمبياد مثل سائر شعوب الأرض فتم رفض الطلب بحجة أن فلسطين ليست دولة.

الحل الذي فكر فيه قادة الثورة أنه يجب أن تحضر فلسطين بأية طريقة ويجب إما أن نشارك أو لا تشارك إسرائيل. سبيلبرج إما أنه يجهل هذه الخلفية المهمة والتي تدلل على موقف سياسي مدروس وعلى أن الفلسطينيين ليسوا قتلة بل أصحاب حق يبحثون لتثبيته، أو أنه يعرف ولا يريد أن يعرض لهذا الجانب من الحقيقة.

الأمر الآخر الذي لا ذكر له في قصة سبيلبرج عن ميونخ هو حقيقة أن إسرائيل قبل أيام فقط من عملية ميونخ قامت بقصف مخيمات لبنان وخلفت عشرات الشهداء والجرحى.

أيضا في الشهر ذاته قامت بطرد سكان قريتين فلسطينيتين في الجليل لا يحضرني اسمهما. وبالمناسبة فإن "أيلول الأسود" أطلقت على عملية ميونخ اسم هاتين القريتين في أدبياتها. سبيلبرج لا علاقة له بذلك. الشيء الأهم ربما من كل ذلك هو انتقائيته في سرد الأحداث حتى ضمن ما هو متعارف عليه في الرواية الإسرائيلية.

القاتل يدافع عن "أخلاقه"

يبدأ المخرج المهمة الإسرائيلية بلقاء لجولدا مائير مع ضابط الموساد (الذي عمل حارسا شخصيا لها من قبل) في بيتها مع قادة الموساد والشين بيت والجيش، حين تقوم بتكليفه بقتل الفلسطينيين.

وهو هنا يقدم جولدا في صورة الأم الحنون الوديعة التي تعتني بمرؤوسيها فهي تقدم لهم القهوة بيديها وتستمع لهم وتربت على أكتافهم. في خضم حديثها عن ردة الفعل الإسرائيلية جولدا في رواية الفيلم تبدو الأخلاقية الكبيرة التي يدفعها الإرهاب الفلسطيني للتنازل عن إنسانيتها والتغاضي ولو قليلا عن أخلاقها العالية لتحافظ على حياة الأبرياء.

وكأن المخرج ينسى تصريح جولدا الشهير في ذلك الوقت بأنه لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني. هل نسي هذا؟ لا أحد يقرأ حياة جولدا أو يقرأ عنها ولا يمر على هذه العبارة القاسية والعنصرية والتي ربما هي الأهم من كل تصريحات جولدا. هل هو حقيقة لا يعرف ذلك؟.

خلال رحلة القتل تلك يبرع المخرج في تقديم القاتل الإسرائيلي في صورة الأخلاقي الذي يؤرقه أنه يقتل، لكنه مجبر على فعل ذلك. فهو يطرح علامات استفهام كبيرة قبل وبعد كل عملية قتل يقوم بها، لكن ما يضحد رؤيته تلك أنه وفي ختام كل تفكير عميق فإن ضابط الموساد يضع جانبا كل هذا النقاش الأخلاقي ويقوم بالقتل بل يحتفل به مع رفاقه.

شهوة القتل الإسرائيلية تلك رغم محاولة المخرج الدفاع عنها عبر الأطروحات الأخلاقية المختلفة تفضح المخرج.

انظروا الحوار بين ضابط الموساد وأحد أفراد فرقته حين يرفض تنفيذ الأوامر بحجة "إنني تربيت كيهودي.. إنني لا أستطيع أن أقتل".

بكلمة أخرى اليهودي لا يستطيع أن يقتل وهو أكبر من أن ينحدر لدرجة فقدان الأخلاق والتنازل عن طيبته الإنسانية. أشد من ذلك فيما يكون الضابط في مهمة القتل خاصته في أوربا متابعا إحدى ضحاياه يتصل هاتفيا بزوجته التي تكون قد وضعت طفلتهما البكر حديثا وما إن يسمع صوت طفلته حتى ينفجر في مشهد بكاء مسرحي مفتعل.

أنا لا أنفي حق أحد في الحنين لطفله فهذا شعور إنساني علينا عدم التقليل منه وهو من فطرة البشر، لكن ما أتحدث عنه حاجة قصة من هذا النوع لمشهد من هذا النوع. إذا كان من حاجة فهي فقط لاستجداء تعاطف المشاهد مع القاتل وإظهاره بمظهر الأب الحنون الذي يشتاق لطفلته والذي يستدرجه الإرهاب الفلسطيني للابتعاد عنها.

وعلينا عدم تقليل قيمة مثل هذا المشهد بالنسبة للمشاهد الأمريكي خاصة. والمخرج يعرف على أي وتر يعزف.

بكلمة أخرى كل قصة الفيلم تتركز على الدفاع عن أخلاق القاتل هذا. انظروا كيف يقوم القاتل بوقف تفجير القنبلة حين تعود ابنة محمود الهمشري للبيت لأنه وكما يقترح سبيلبرج لا يريد أن يقتل أبرياء دون أن يقول: إنه لا علاقة لهذا بالبراءة ولا ما يحزنون بل بنية القاتل التأكد من قتل ضحيته "محمود الهمشري" فهو لا يريد أن يفشل.

الفلسطيني.. هدف للقتل ومسببه

الأسوأ من كل ذلك هو صورة الفلسطيني في الفيلم. فالفلسطيني يأتي فقط كهدف للقتل أو مسبب له أو فكرة عابرة على القاتل أن يطردها.

مثلا يقوم سبيلبرج بتصوير الحياة المرفهة التي يعيشها محمود الهمشري وأبو حسن سلامة. فمحمود الهمشري يعيش في بيت باريسي أنيق. ابنته وزوجته لهما سيارة وسائق وهو، أي الهمشري، يتحدث لابنته بالعربية فتجيبه بالفرنسية. أبو حسن سلامة حين يزور أسبانيا يمضي وقته في فيلا أنيقة على شاطئ البحر.

بجانب هذا فالفلسطيني لا يعرف كيف يدافع عن قضيته ولا ينظم حديثه. مثلا حين يأتي أحد أفراد عصابة القتل لبيت الهمشري متنكرا على هيئة صحافي فيقوم بزرع القنبلة في هاتف الهمشري، يبرع سبيلبرج في تصوير ضوضاء الفلسطيني وعدم مقدرته على تنظيم نفسه والحديث بصوت واحد.

ففيما يقوم الهمشري بشرح معاناة الفلسطيني تقوم زوجته بين كلمة وأخرى بمقاطعته فيقوم بالصراخ في وجهها في النهاية "هي المقابلة معاي وإلا معاكي".

زوجة الهمشري مثله لا تجيد حديث المنطق بل حديث القلب. مثلها "علي" أحد أفراد "أيلول الأسود" الذي يتقابل مع ضباط الموساد في شقة في أثينا بالصدفة ويدور حديث بينهما دون أن يدرك علي حقيقة ضابط الموساد، يقوم بالدفاع عن حقه الفلسطيني بطريقة عاطفية. رغم قوة دفاع علي العاطفية وتسليط سبيلبرج للكاميرا على عيني "علي" وهو يوضح كيف أنه حتى إن فشل في استعادة بلاده فإن أحفاده وأحفاد أحفاده سيكملون المشوار، فإن سبيلبرج يقدم علي بصورة نقيض المنطق الإسرائيلي المؤسس على القيمة الأخلاقية والإنسانية.

حتى حين يتحدث الفلسطيني بلغة أخرى فسبيلبرج لا ينسى أن يتهكم عليه. فالفتاة الإيطالية التي يستخدمها ضابط الموساد في مراقبة وائل زعيتر تتهكم من لغة زعيتر الإيطالية حين يلفظ إحدى الكلمات. على العكس من ذلك فضابط الموساد يبرع في حديث فلسفي مع فتاة ألمانية تدلي له في النهاية بمعلومات عن كيفية الاسترشاد لضحاياه.

مشاهد التذكير الدائمة

وسبيلبرج لا يفوته تذكير المشاهد بين لحظة وأخرى بالقتل والإرهاب الفلسطيني. فهو مثلا لا يقوم بسرد عملية الخطف في ميونخ دفعة واحدة بل يقوم بتوزيع مشاهدها بين ثنايا الفيلم.

يبدأ الفيلم بمشهد الاختطاف إلى حين ينجح الفلسطينيون في اقتحام جناح الرياضيين الإسرائيليين، ثم يركز سبيلبرج على مشهد تكليف جولدا مائير للضابط وتشكيل فرقة القتل. في خضم تفكير ضابط الموساد بقبول أو رفض المهمة الخطيرة يقطع المخرج المشهد ليكمل حكاية الخطف عبر تصوير قتل الفلسطينيين لأحد الرياضيين بطريقة دموية ثم يعود للفيلم. قبل عميلة القتل الأولى لفرقة الموساد لا ينسى المخرج من تذكير المشاهد: لا تنس أنهم يفعلون ذلك بسبب قتل الفلسطينيين لمجموعة من الرياضيين الأبرياء.

لفعل ذلك يعود إلى لحظة وضع المختطفين في طائرة استعدادا للإقلاع بهم بعيدا عن ألمانيا. ثم وبعد عملية قتل أخرى يرجع المخرج للحظة التي يزعم فيها أن الفلسطينيين قتلوا الرياضيين.

انحياز مطلق

وهنا يعلن سبيلبرج انحيازه المطلق للرواية الإسرائيلية. أولا لا حديث عن الرفض الإسرائيلي لمقايضة الرهائن بمائتي أسير فلسطيني وعربي وأجنبي من مقاتلي الثورة.

المخرج يمر عن هذا مرور الكرام ولا يقول لمشاهده كيف إن إسرائيل رفضت التعاطي مع هذه المطالب ولو فعلت لكانت وفرت على نفسها الكثير من العناء، وينسى أن يقول إن جولدا أمرت بقتل جميع الخاطفين مهما كان الثمن.

ثانيا هل قتل الفلسطينيون الرهائن؟ هناك حديث عن أن الكوماندوز الإسرائيلي والألماني هم الذين فجروا الطائرة بقنبلة أو طلقة رصاص أصابت مخزن الوقود، وهذا ليس بالسر. سبيلبرج لا يعرف الأسرار فهناك متهم جاهز يحمل على كتفه أعباء القضية وتبعاتها.

الفيلم أثار ضجة كبيرة لما قيل من احتجاج بعض الأوساط الإسرائيلية والصهيونية عليه. فالقنصل الإسرائيلي في لوس أنجلوس كان أول من هاجم الفيلم. إذا كان من هدف وراء هذا الهجوم الإسرائيلي الاستباقي فربما لتسليط الضوء على الفيلم وامتصاص أي اتهام له بمحاباة إسرائيل، وهو، وعلينا الاعتراف، ما حصل.

* نشر المقال في صحيفة الأيام الفلسطينية بتاريخ 14/2/2006.

** كاتب وروائي فلسطيني.

موقع "إسلام أنلاين" في 15 فبراير 2006

 

سينماتك

 

عبدالنور خليل يكتب: فنانة القرن.. سيدة الشاشتين.. والعصر الذهبي للسينما (15)

عبدالوهاب احتكر فاتن حمامة سنتين بعد «أنيسة»..

وكان يعطيها مرتبًا شهريا لكنه لم يستغل طفولتها العبقرية

 

 

 

 

سينماتك

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

سينماتك